Islam for all-الإسلام للجميع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Islam for all-الإسلام للجميع

سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت - صفحة 2 Aya10
Questo sito e' protetto con
Norton Safe Web


    سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 0:57:55

    تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

    بسم الله الرحمن
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
    اليكم الملخص الكتابى للسلسة الرائعة التتار من البداية الى عين جالوت ( موضحة بالخرائط )

    تعريف بالكاتب:
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    وُلِدَ الدكتور
    / راغب السرجاني عام 1964 م بمحافظة الغربية بمصر وتخرَّج في كليه الطب
    جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف عام 1988 م، ثم حصل على درجة
    الماجستير 1992 م من جامعة القاهرة، والدكتوراه بإشراف مشترك بين مصر
    وأمريكا 1998 م(في تخصص جراحة المسالك البولية والكلى). وهو الآن أستاذ
    مساعد في كلية الطب جامعة القاهرة.

    أتمَّ الدكتور راغب السرجاني حفظ القرآن الكريم سنة 1991 م.
    له اهتمامات واسعة بقضايا الأمة
    الإسلامية وهمومها المختلفة منطلقا من فهم عميق للتاريخ الإسلامي وما يحفل
    به من عبر ودروس و تطبيقات للكثير من سنن الله في خلقه..

    يركز الدكتور راغب السرجاني في دراسته التاريخية على جوانب مهمة من بينها:
    1- عوامل قيام النهضة في مختلف مراحل التاريخ، ومدى الاستفادة منها في إعادة بناء الأمة الإسلامية اليوم.
    2- بعث الأمل في نفوس المسلمين
    (وخاصة الشباب) في إمكانية نهوض الأمة الإسلامية وارتفاعها مهما بدا
    الواقع مظلمًا(بالنظر إلى دورات مشابهة في تاريخ الأمة).

    3- إظهار الوجه الحقيقي للتاريخ
    الإسلامي بما كان يميزه من حضارة فريدة في مذاقها الإنساني والخُلُقي
    والعلمي والجمالي... على عكس ما يظهر عليه ذلك التاريخ عند الكثيرين
    مليئًا بالصراعات، مقتصرًا على الجوانب السياسية فقط.

    على مدار عشرين عامًا من التواصل
    العميق مع كنوز التاريخ الإسلامي.. وعبر العديد والعديد من دول العالم في
    أمريكا الشمالية وأوروبا إلى جانب مصر ودول الخليج العربي؛ أسهم الدكتور
    راغب السرجاني بالمئات من الإسهامات العلمية والدعوية ما بين محاضراتٍ
    وكتبٍ ومقالاتٍ وتحليلاتٍ للتاريخ والواقع الإسلامي.

    صدر له حتى الآن 18 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
    قدَّم عدة برامج على الفضائيات المختلفة.
    له المئات من المحاضرات والأشرطة الإسلامية صدر منها على هيئة أشرطة مسموعة:
    الأندلس من الفتح إلى السقوط (12 محاضرة).
    فلسطين... حتى لا تكون أندلساً أخرى (12 محاضرة).
    أبو بكر الصديق رضي الله عنه الصاحب والخليفة (6 محاضرات).
    أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأحداث السقيفة (6 محاضرات).
    في ظلال السيرة النبوية (العهد المكي والعهد المدني) (46 محاضرة).
    قصة التتار من البداية إلى عين جالوت (12 محاضرة).
    كن صحابياً (12 محاضرة).
    كيف تصبح عالمًا؟! (10 محاضرات).
    وللمزيد من المعلومات يمكنكم الدخول على موقعه : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]



    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    ظهرت قوة
    التتار في أوائل القرن السابع الهجري، وحتى نفهم الظروف التي نشأت فيها
    هذه القوة لابد من إلقاء نظرة على واقع الأرض في ذلك الزمان..


    الناظر إلى الأرض في ذلك الوقت يجد أن القوى الموجودة كانت متمثلة في فئتين رئيسيتين:

    أما الفئة الأولى فهي أمة الإسلام..

    المساحات
    الإسلامية في هذا الوقت كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في
    الدنيا.. كانت حدود البلاد الإسلامية تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر آسيا
    وأفريقيا لتصل إلى غرب أوروبا حيث بلاد الأندلس..


    وهي مساحة
    شاسعة للغاية، لكن وضع العالم الإسلامي - للأسف الشديد - كان مؤلماً
    جداً.. فمع المساحات الواسعة من الأرض، ومع الأعداد الهائلة من البشر، ومع
    الإمكانيات العظيمة من المال والمواد والسلاح والعلوم.. مع كل هذا إلى أنه
    كانت هناك فرقة شديدة في العالم الإسلامي، وتدهور كبير في الحالة السياسية
    لمعظم الأقطار الإسلامية.. والغريب أن هذا الوضع المؤسف كان بعد سنوات
    قليلة من أواخر القرن السادس الهجري.. حيث كانت أمة الإسلام قوية منتصرة
    متحدة رائدة.. ولكن هذه سُنة ماضية: [وتلك الأيام نداولها بين الناس].

    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:26:59

    [center]اجتياح الشام
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    انتهت
    قصة بغداد، وخرج التتار منها بعد أربعين يوماً من القتل والتدمير، وبدأ
    الجميع: التتار والمسلمون والنصارى يرتبون أوراقهم من جديد على ضوء
    النتائج التي تمت في بغداد
    ..

    أما هولاكو فقد انسحب من بغداد إلى همذان بفارس، ثم توجه إلى قلعة "شها" على شاطئ بحيرة "أورمية"،
    (في الشمال الغربي لإيران الآن)، وفي هذه القلعة وضع الكنوز الهائلة التي
    نهبها من قصور العباسيين، ومن بيت مال المسلمين, ومن بيوت التجار وأصحاب
    رءوس الأموال...

    وبالطبع ترك هولاكو حامية تترية حول بغداد، وبدأ يفكر بجدية في الخطوة التالية.. والخطوة التالية بعد العراق- لا شك- أنها ستكون سوريا (الشام..)فبدأ هولاكو في دراسة الموقف في هذه المنطقة..
    وبينما هو يقوم بهذه الدراسة، ويحدد نقاط الضعف والقوة في هذه المناطق الإسلامية، بدأ بعض الأمراء المسلمين يؤكدون على ولائهم للتتار.. وبدأت الوفود الإسلامية الرسمية تتوالى على زعيم التتار تطلب عقد الأحلاف والمعاهدات مع "الصديق" الجديد، رجل الحرب والسلام: هولاكو!!..
    ومع
    أن دماء المليون مسلم الذين قتلوا في بغداد لم تجف بعد، إلا أن هؤلاء
    الأمراء لم يجدوا أي غضاضة في أن يتحالفوا مع هولاكو؛ فالفجوة -
    كما يقولون -هائلة بينهم وبين هولاكو، والأفضل - فياعتباراتهم- أن يفوزوا بأي شيء أفضل من لا شيء، أو على الأقل يحيدون جانبه، ويأمنون شره..

    "وإن منكم لمن ليبطئن، فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً"..
    لا شك
    أن هؤلاء الأمراء كانوا سعداء جداً بأنهم لم يشتركوا مع العباسيين في
    الدفاع عن بغداد، ولا شك أنهم كانوا يظهرون أمام شعوبهم بمظهر الحكماء
    الذين جنبوا شعوبهم ويلات الحروب
    .. ولا شك أن خطبهم كانت قوية ونارية وحماسية!!..

    "وإن يقولوا تسمع لقولهم، كأنهم خشب مسندة"..
    ولا شك أنه كان هناك أيضاً من العلماء الوصوليين من يؤيدون خطواتهم، ويباركون تحركاتهم، ويحضون شعوبهم على اتباعهم، والرضى بأفعالهم..
    ولا شك أن هؤلاء العلماء كانوا يضربون لهم الأمثال من السنة النبوية المطهرة.. فيقولون
    لهم مثلاً: لقد عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين في صلح الحديبية،
    فلماذا لا نعاهد نحن التتار الآن؟!! ولقد عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم
    اليهود في المدينة المنورة، فلماذا لا نعاهد نحن التتار في بغداد؟!!
    .. وهكذا!!..

    ثم إن التتار يريدون "السلام" معنا.. والله عز وجل يقول في كتابه:
    "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وتوكل على الله، إنه هو السميع العليم"..
    والتتار جنحوا للسلم معنا!..
    أتريدون مخالفة شرعية؟!
    أتريدون سفك الدماء؟!
    أتريدون تخريب الديار؟!
    أتريدون تدمير الاقتصاد؟!
    إن الحكمة- كل الحكمة ـ ما فعله أميرنا بالتصالح والتعاهد والتحالف مع التتار..
    لنبدأ صفحة جديدة من الحب لكل البشرية!!
    سبحان الله!!..
    "يلوون ألسنتهم بالكتاب
    لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من
    عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون"..

    جاء هؤلاء الأمراء وقلوبهم تدق، وأنفاسهم تتسارع..
    هل سيقبل سيدهم هولاكو أن يتحالف معهم؟!
    وجاء الزعماء الأشاوس يجددون العهد مع "الصديق" هولاكو..
    ـ الأمير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل..
    ـ الأمير كيكاوس الثاني والأمير قلج أرسلان الرابع من منطقة الأناضول (وسط وغرب تركيا)..
    ـ الأمير الأشرف الأيوبي أمير حمص..
    ـ الأمير الناصر يوسف (حفيد صلاح الدين الأيوبي) أمير حلب ودمشق..
    وهؤلاء الأمراء يمثلون معظم شمال العراق وأرض الشام وتركيا.. إذن لقد حلت المشاكل أمام هولاكو.. لقد فتحت بلاد المسلمين أبوابها له دون أن يتكلف قتالاً..

    لكن ظهرت مشكلتان أمام هولاكو:
    أما
    المشكلة الأولى: فكانت في أحد الأمراء الأيوبيين الذي رفض أن يرضخ له،
    ورفض أن يعقد معاهدات سلام مع التتار، وقرر أن يجاهد التتار إلى النهاية،
    بالطبع اعتبره هولاكو رجلاً
    "إرهابياً" يريد زعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا شك أن هولاكو قال: إنه يعلم أن هذا الرجل لا يمثل دين الإسلام؛ لأن الإسلام دين السماحة والرحمة والحب والسلام!!..

    هذا الأمير المسلم الذي ظل محتفظاً بمروءته وكرامته ودينه هو الأمير "الكامل محمد الأيوبي" - رحمه الله - أمير منطقة "ميافارقين"..
    و"ميافارقين" مدينة تقع الآن في شرق تركيا إلى الغرب من بحيرة "وان".. وكانت
    جيوش الكامل محمد - رحمه الله - تسيطر على شرق تركيا، بالإضافة إلى منطقة
    الجزيرة، وهي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من جهة الشمال، أي
    أنه يسيطر على الشمال الغربي من العراق، وعلى الشمال الشرقي من سوريا
    ..

    فإذا
    وضعنا في حساباتنا أن هولاكو يريد أن يحتل سوريا، فإنه ليس أمامه إلا أن
    يجتاز منطقة الجزيرة الواقعة تحت سيطرة الكامل محمد رحمه الله، وعلى ذلك
    فرغم خنوع وخضوع معظم أمراء المنطقة، إلا أن إخضاع إمارة ميافارقين بالقوة
    أصبح لازماً
    ..

    كانت
    هذه هي المشكلة الأولى التي واجهت هولاكو، وقد كانت هذه مشكلة حقيقية
    فعلاً، خاصةً أن مدينة ميافارقين مدينة حصينة، وتقع بين سلسلة جبال البحر
    الأسود
    .. كما أن الشعوب المسلمة قد تتعاطف مع "المتمرد" الكامل الأيوبي..

    أما
    المشكلة الثانية: فهي مشكلة تافهة نسبياً، وهي أن أولئك الأمراء المسلمين
    الذي رغبوا في التحالف مع هولاكو كانوا يبتغون البقاء في أماكنهم، يحكمون
    بلادهم حكماً ذاتياً، ولو تحت المظلة التترية، بينما كان هولاكو يرغب في
    السيطرة الكاملة على البلاد بطبيعة الحال، يعين من يشاء، ويعزل من يشاء،
    فهولاكو لا يرى أحداً من سادة العالم إلى جواره، فما بالكم بهؤلاء الأمراء
    الأقزام؟
    !

    لكن
    هولاكو بما عرف عنه من ذكاء كان يحسن ترتيب الأولويات، فأدرك أنه من المهم
    أن يقضي أولاً على حركة الكامل محمد الأيوبي - رحمه الله - ثم يستكمل
    طريقه بعد ذلك إلى الشام، وهناك إذا اعترض واحد من هؤلاء الأقزام على ما
    يريده هولاكو، فإن التعامل معه سيكون يسيراً..
    بل في منتهى اليسر..

    ماذا فعل هولاكو للخروج من هذا المأزق؟

    حصار "ميافارقين":
    لقد بدأ هولاكو بالطرق السهلة وغير المكلفة، وحاول إرهاب "الكامل" وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد "الطائشة"، فأرسل إليه رسولاً يدعوه فيه إلى التسليم غير المشروط، وإلى الدخول في زمرة غيره من الأمراء المسلمين.. وكان هولاكو ذكياً جداً في اختيار الرسول، فهو لم يرسل رسولاً تترياً، إنما أرسل رسولاً عربياً نصرانياً اسمه "قسيس يعقوبي"؛
    فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل محمد بلغته، وينقل له
    أخبار هولاكو وقوته وبأسه، وهو من ناحية أخرى نصراني، وذلك حتى يلفت نظر
    الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار، وهذا له بعد استراتيجي
    هام؛ لأنك لو نظرت إلى الموقع الجغرافي لإمارة ميافارقين في شرق تركيا
    لرأيت أن حدودها الشرقية تكون مع مملكة أرمينيا النصرانية والمتحالفة مع
    التتار، وحدودها الشمالية الشرقية مع مملكة الكرج (جورجيا) النصرانية
    والمتحالفة أيضاً مع التتار
    ..

    وهكذا أصبح الكامل محمد الأيوبي كالجزيرة الصغيرة المؤمنة في وسط خضم هائل من المنافقين والمشركين والعملاء..
    ـ من الشرق أرمينيا النصرانية..
    ـ من الشمال الشرقي الكرج النصرانية..
    ـ من الجنوب الشرقي إمارة الموصل العميلة للتتار..
    ـ من الغرب إمارات السلاجقة العميلة للتتار..
    ـ من الجنوب الغربي إمارة حلب العميلة للتتار..
    وأصبح الموقف في غاية الخطورة!..

    ماذا فعل الكامل محمد - رحمه الله - مع الرسول النصراني من قبل هولاكو؟
    لقد أمسك به، وقتله!..
    ومع
    أن الأعراف تقتضي أن لا يقتل الرسل إلا أن الكامل قام بذلك ليكون بمثابة
    الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو، وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين انتقاماً
    من ذبح مليون مسلم في بغداد؛ ولأن التتار ما احترموا أعرافاً في حياتهم
    ..

    وكان قتل "قسيس يعقوبي"رسول التتار رسالة واضحة من الكامل محمد إلى هولاكو، وأدرك هولاكو أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد.. (وسيأتي التعليق على قضية قتل الرسل لاحقًا في هذا الكتاب).
    واهتم هولاكو بالموضوع جداً؛ فهذه أول صحوة في المنطقة، ولم يضيع هولاكو وقتاً، بل جهز بسرعة جيشاً كبيراً، ووضع على رأسه ابنه " أشموط بن هولاكو"، وتوجه الجيش إلى ميافارقين مباشرة بعد أن فتح له أمير الموصل العميل أرضه للمرور..
    وتوجه "أشموط بن هولاكو" بجيشه الجرار إلى أهم معاقل إمارة ميافارقين، وهو الحصن المنيع الواقع في مدينة ميافارقين نفسها وبه "الكامل
    محمد" نفسه، وكان الكامل محمد - رحمه الله - قد جمع جيشه كله في هذه
    القلعة؛ وذلك لأنه لو فرقه في أرض الجزيرة (بين دجلة والفرات) فإنه لن
    تكون له طاقة بجيوش التتار الهائلة
    ..

    وجاء
    جيش التتار، وحاصر ميافارقين حصاراً شديداً، وكما هو متوقع جاءت جيوش
    مملكتي أرمينيا والكرج لتحاصر ميافارقين من الناحية الشرقية، وكان هذا
    الحصار الشرس في شهر رجب سنة
    656 هجرية - بعد الانتهاء من تدمير بغداد بحوالي أربعة شهور – (انظر الخريطة رقم 13).

    وصمدت المدينة الباسلة، وظهرت فيها مقاومة ضارية، وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبات والجهاد.
    لقد كان كريماً في زمان اللئام!!
    شجاعاً في زمان الجبناء!!
    فاهماً جداً في زمان لا يعيش فيه إلا الأغبياء!.. بل أغابي الأغبياء!!
    كان من المفروض في هذا الحصار البشع الذي ضرب على ميافارقين أن يأتيها المدد من الإمارات الإسلامية الملاصقة لها.. لكن هذا لم يحدث.. لم تتسرب إليها أي أسلحة ولا أطعمة ولا أدوية..
    لقد احترم الأمراء المسلمون النظام الدولي الجديد الذي فرضته القوة الأولى
    في العالم التتار على إخوانهم وأخواتهم وأبنائهم وبناتهم وآبائهم وأمهاتهم
    المسلمين
    ..

    والواقع أنني أتعجب من رد فعل الشعوب!!..
    أين كانت الشعوب؟!
    إذا كان الحكام على هذه الصورة الوضيعة من الأخلاق، فلماذا سكتت الشعوب؟!ولماذا لم تتحرك الشعوب لنجدة إخوانهم في الدين والعقيدة، بل وإخوانهم في الدم والنسب، فمجتمعاتهم كانت شديدة التلاصق؟!
    لقد سكتت الشعوب، وسكوتها مرده إلى أمور خطيرة..
    ـ أولاً: لم تكن الشعوب تختلف كثيراً عن حكامها.. إنما كانت تريد الحياة.. والحياة بأي صورة..
    ـ ثانيا: كانت هناك عمليات "غسيل مخ" مستمرة لكل شعوب المنطقة..
    فلا شك أن الحكام ووزراءهم وعلماءهم كانوا يقنعون الناس بحسن سياستهم،
    وبحكمة إدارتهم، ولا شك أيضاً أنهم كانوا يلومون الكامل محمدًا الذي
    "تهور" ودافع عن كرامته، وكرامة شعبه، بل وكرامة المسلمين..

    لا شك أنه كان يظهر خطباء يقولون مثلاً:
    " أما آن للكامل محمد أن يتنحى، ليجنب شعبه دمار الحروب؟!.."
    أو من يقول:
    "لو
    سلم الكامل محمد أسلحته لانتهت المشكلة، ولكنه يخفي أسلحته عن عيون الدولة
    الأولى في الأرض: التتار، وهذا خطأ يستحق إبادة الشعب الميافارقيني بكامله
    !"..

    ولا شك أن هولاكو كان يرسل بالرسائل يقول فيها: إنه ما جاء إلى هذه المدينة المسالمة إلا لإزاحة الكامل محمد عن الحكم، أما شعب ميافارقين فليس بيننا وبينه عداء.. إنما نريد أن نتعايش سلمياً بعضنا إلى جوار بعض!..
    كانت هذه عمليات غسيل مخ تهدّئ من حماسة الشعوب، وتقتل من مروءتها ونخوتها..

    ـ ثالثاً:من لم تقنعه الكلمات والخطب والحجج، فإقناعه يكون بالسيف!!
    تعودت الشعوب على القهر والبطش والظلم من الولاة..
    وعاش الناس و"تأقلموا" على الكراهية المتبادلة بين الحكام والمحكومين..

    في ظل
    هذه الملابسات المخزية، والأوضاع المقلوبة، نستطيع أن نفهم لماذا يتم حصار
    إمارة ميافارقين، ويتعرض شعبها المسلم للموت أحياء، ولا يتحرك لها حاكم
    ولا شعب من الإمارات الإسلامية المجاورة
    ..

    وإذا
    كنا نفهم الخزي والعار الذي كان عليه أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ، وأمراء
    السلاجقة (غرب تركيا) كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع، فإن الخزي والعار
    الذي وصل إليه
    "الناصر يوسف الأيوبي" حاكم حلب ودمشق قد وصل إلى درجة يصعب فهمها!!..

    فالرجل تربطه بالكامل محمد الأيوبي علاقات هامة جداً..
    ففوق علاقات الدين والعقيدة، وعلاقات الجوار، وعلاقات البعد الإستراتيجي
    الهام لإمارة حلب؛ إذ إن ميافارقين تقع شمال شرق حلب، ولو سقطت فسوف يكون
    الدور القادم على حلب مباشرة... فوق كل هذه الأمور فهناك علاقات الدم
    والرحم
    ..
    فكلا الأميرين من الأيوبيين، والعهد قريب بجدهما البطل الإسلامي العظيم
    صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، والذي لم يمر على وفاته سبعون سنة (توفى
    صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في سنة
    589 هجرية)، ووقفاته ضد أعداء الأمة لا تُنسى، فكيف يكون الحفيد الناصر يوسف على هذه الصورة المخزية؟

    هذا سؤال صعب.. فليس هناك للناصر يوسف أية مبررات.. لا من ناحية الشرع، ولا من ناحية العقل..
    لقد طلب الأمير الكامل محمد - رحمه الله - النجدة من الناصر يوسف الأيوبي، فرفض رفضاً قاطعاً.. لم يتردد.. ولم يفكر.. إنه قد باع كل شيء، واشترى ود التتار.. وما علم عندما فعل ذلك أن التتار لا عهد لهم ولا أمان..وحتى لو صدق التتار في عهودهم أيبيع المسلمين للتتار ولو بكنوز الدنيا؟!
    ثم أن
    الناصر يوسف لم يكتف بمنع المساعدة عن الكامل محمد، ولم يكتف بالمشاركة في
    حصار ميافارقين، بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع ابنه العزيز، يطلب منه أن
    يساعده في الهجوم على
    "مصر"، والاستيلاء عليها من المماليك!!!..

    تخيلوا.. أنه في هذه الظروف يطلب الناصر يوسف من التتار الهجوم على مصر!!..
    ولم ينس الناصر يوسف طبعاً أن يحمل ابنه العزيز بالهدايا الثمينة، والتحف النفيسة، إلى "صديقه" الجديد هولاكو..
    ولكن سبحان الله!.. على نفسها جنت براقش!!..
    فقد
    استكبر هولاكو أن يرسل له الناصر يوسف ابنه العزيز ولا يأتي بنفسه، فقد
    أتى الأمراء الآخرون بأنفسهم، واستكبر هولاكو أيضاً أن يطلب منه الناصر
    يوسف أن يعينه في الاستيلاء على مصر لضمها لحكم الناصر يوسف؛ وذلك لأن
    هولاكو بطبيعة الحال يريد للشام ومصر معًا أن يدخلا في حكمه هو لا في حكم
    الناصر يوسف
    .. ومن هنا غضب هولاكو، وأرسل رسالة شديدة اللهجة إلى الناصر يوسف.. كل هذا مع أن العزيز بن الناصر يوسف آثر أن يبقى في عسكر هولاكو ليهاجم معه المسلمين!!..

    وطبعاً ليس هذا مستغرباً.. فهذا الشبل من ذاك الأسد!!..
    ولنقرأ سوياً رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف حاكم حلب ودمشق..
    وواضح - بالطبع - أن هناك بعض الأدباء المسلمين المحترفين كانوا في جيش
    هولاكو يصوغون له ما أراد من أمور في لغة عربية سليمة، وبأسلوب يناسب
    العصر الذي كتبت فيه
    ..

    قال هولاكو:
    "الذي
    يعلم به الملك الناصر صاحب حلب، أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى،
    وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها، كما قال الله تعالى في
    كتابه العزيز: (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها
    أذلة، وكذلك يفعلون)، واستحضرنا خليفتها، وسألناه عن كلمات فكذب، فواقعه
    الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة، وكانت نفسه خسيسة،
    فجمع المال، ولم يعبأ بالرجال، وكان قد نمى ذكره، وعظم قدره، ونحن نعوذ
    بالله من التمام والكمال
    ..

    إذا تم أمـر دنا نقصــهتوقع زوالاً إذا قيـل تـم
    إذا كنت في نعمـة فارعها فإن المعاصي تزيل النعـم
    وكم من فتى بات في نعمة فلم يدر بالموت حتى هجم
    إذا
    وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض
    شاهنشاه روي زمين (أي ملك الملوك على وجه الأرض) تأمن شره، وتنل خيره، كما
    قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه
    سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت رسلنا من
    قبل، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم
    انهزموا بحريمهم إلى مصر (وقد حدث هذا بالفعل؛ إذ فر كثير من التجار من
    الشام عندما علموا بقرب قدوم التتار)، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن
    كانوا في الأرض خسفناها
    ..

    أين النجاة ولا مناص لهارب ولي البسيطان الندى والماء
    ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحتفي قبضتي الأمراء والوزراء"

    وانتهت الرسالة التترية المرعبة!!..
    وسقط قلب الناصر يوسف في قدمه!!..
    ماذا يفعل؟!







































































































    يتبع


    [/center]

    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:29:36

    الناصر يوسف يعلن الجهاد!!
    لقد وضحت نوايا هولاكو، فهو يطلب منه صراحة التسليم الكامل، ويخبره أنه سيتتبع من فر من تجاره وشعبه.. وذكره هولاكو بمصير الخليفة العباسي البائس..
    فهل يُسلم كل شيء لهولاكو؟ ماذا يبقى له بعد ذلك؟ إن حب الملك والسلطان
    يجري في دمه، ولو رفعه هولاكو من على كرسي الحكم فماذا يبقى له؟؟!

    لذلك قرر الناصر يوسف أن يتخذ قراراً ما فكر فيه طيلة حياته.. لقد اضطر اضطراراً أن يتخذ قرار "الجهاد" ضد التتار!!..
    ومع أن الجميع يعلم أن الناصر يوسف ليس من أهل الجهاد.. وليس عنده أي حمية للدين ولا للعقيدة ولا للمروءة، إلا أنه أعلن أنه سيجاهد التتار في سبيل الله!!..
    كانت دعوة مضحكة جداً من رجل اعتاد أن يبيع كل شيء، وأي شيء، ليشتري ساعة أو ساعتين على كرسي الحكم!..
    هذا ما حدث!!
    ورفع الناصر يوسف راية بلاده، وكتب عليها "الله اكبر"، وبدأ يحمس شعبه على الجهاد في سبيل الكرسي!.. أقصد: في سبيل الله!!
    الناصر يوسف يعلن الجهاد!!
    الناصر يوسف الذي راسل لويس التاسع ملك فرنسا قبل ذلك ليساعده في حرب مصر على أن يعطيه بيت المقدس يعلن الجهاد!!..
    الناصر يوسف الذي أيد دخول التتار إلى بغداد، وهنأ هولاكو على نصره العظيم يعلن الجهاد!!..
    الناصر يوسف الذي تخلى عن الكامل محمد الأيوبي أمير ميافارقين ولم يمده حتى بالطعام يعلن الجهاد!!
    الناصر يوسف الذي كان يطلب منذ أيام قلائل من هولاكو أن يساعده على غزو مصر يعلن الجهاد!!..
    الناصر يوسف بكل هذا التاريخ الفاضح يعلن الجهاد!!..
    ياللمهزلة!!
    يا إخواني: " إن الله لا يصلح عمل المفسدين"..
    لقد كان الناصر يوسف يتاجر بعواطف شعبه.. لقد
    ظهر سوء خلقه، وفساد عقيدته، وانعدام رؤيته للناس أجمعين، فكان من الحماقة
    أن يعتقد بعض المسلمين أن الله عز وجل سينصر الإسلام على يده
    ..

    لقد
    استجاب بعض المتحمسين للناصر يوسف وجاءوا يقاتلون تحت رايته الجديدة، ولكن
    استقراء التاريخ والواقع يشير إلى أنه حتماً سيفر إذا جاء اللقاء
    .. لن يمكث الناصر يوسف في أرض المعركة إلا قليلاً.. بل قد يهرب قبل بدء القتال أصلاً.. وساعتها
    قد يصدم بعض المتحمسين للدين، ويشعرون بالإحباط الشديد، ولكن على هؤلاء أن
    يراجعوا أنفسهم، فخطؤهم الأكبر لم يكن الإحباط بعد فرار الزعيم، إنما
    الخطأ الأكبر فعلاً هو اعتقاد أن الناصر يوسف أو أمثاله يستطيعون حمل راية
    الجهاد الثقيلة جداً
    !!

    إذا سمعتم - يا إخواني - دعوة الجهاد فانظروا من ينادي بها.. فهذه العبادة هي ذروة سنام الإسلام.. ولا ينادي بها حقاً إلا أعاظم الرجال..
    المهم
    أن الناصر يوسف أعلن دعوة الجهاد، وضرب معسكراً لجيشه في شمال دمشق عند
    قرية برزة، مع أنه كان من المفروض أن يتقدم بجيشه إلى حلب لحمايتها، فهي
    من أهم المدن في مملكته، ولاستقبال جيش هولاكو عند أولى محطات الشام، أو
    كان عليه أن يذهب بجيشه إلى ميافارقين ليضم قوته إلى قوة الكامل محمد
    فتزيد فرص النصر، لكن هذا كله لم يكن في حساب الناصر يوسف، إنما ضرب
    معسكره في دمشق في عمق بلاد الشام حتى إذا جاءه هولاكو وجد لنفسه فرصة
    للهرب، فهو لا يريد تعريض حياته الغالية لأدنى خطر
    !..

    ثم
    بدأ الناصر يوسف يراسل الأمراء من حوله لينضموا إليه لقتال التتار، فراسل
    أمير إمارة الكرك شرق البحر الميت (في الأردن حالياً) وكان اسمه
    "المغيث فتح الدين عمر"،
    ولم يكن مغيثاً إلا لنفسه، ولم يكن فتحاً للدين، ولم يكن شبيهاً بعمر..
    إنما كان رجلاً على شاكلة الناصر يوسف، يحارب التتار تارة، ويطلب عونهم
    تارة أخرى بحسب الظروف والأحوال
    !!..

    كما راسل الناصر يوسف أميراً آخر ما توقع أحد أن يراسله أبداً.. فلقد راسل أمير مصر يطلب معونته في حرب التتار!!..
    سبحان الله!..
    لقد كان منذ أيام عدواً لأمير مصر، وكان يطلب من التتار أن يعاونوه في
    حربه، وهو الآن عدو التتار، ويطلب من أمير مصر أن يساعده في حرب التتار
    !..

    ليس هناك مبدأ.. ولا قاعدة.. ولا أصل.. إنما المصلحة الشخصية.. فقط.

    ولنترك
    الناصر يوسف ومعسكره الجهادي، ولنذهب إلى هولاكو وقد عاد من قلعة "شها"إلى
    مدينة همدان حيث القيادة المركزية لإدارة شئون الحروب في منطقة الشرق
    الأوسط
    ..

    وبدأ هولاكو يعيد ترتيب أوراقه نتيجة التطورات الجديدة.. التي تتسارع في هذه المنطقة الملتهبة (منطقة الشرق الأوسط!):
    أولاً:
    علاقة التتار بالنصارى تزداد قوة، وخاصةً بعد ظهور بعض النماذج الإسلامية
    المعارضة لوجود التتار، فهنا سيظهر احتياج التتار لقوة النصارى للمساعدة
    في إخماد الثورات من ناحية، ولنقل الخبرة من ناحية أخرى، ولإدارة الأمور
    في الشام بعد إسقاطها من ناحية ثالثة
    .. ومن هنا أغدق هولاكو الهدايا والمكافئات على هيثوم ملك أرمينيا، وكذلك على ملك الكرج، وعلى "بوهمند" أمير أنطاكية.

    ثانياً: الحصار ما زال مضروباً حول ميافارقين، ويقود الحصار ابن هولاكو "أشموط"،
    ومع بسالة المقاومة وشجاعة الكامل محمد إلا أن الحصار شديد الإحكام، خاصة
    أن قوات الأرمن والكرج تشتركان فيه، ولا يحاول أي أمير مسلم أن يساعده في
    فكه
    ..

    ثالثاً:
    ظهر الموقف العدائي من الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ودمشق، وضرب معسكره
    شمال دمشق، وبدأ في إعداد الجيش لمقابلة التتار، لكن هذا الإعداد لم
    يقابَل بأي اهتمام من هولاكو، فهو يعرف إمكانيات الناصر ونفسيته، ولذلك
    كانت هذه مسألة تافهة نسبياً في نظر هولاكو
    ..

    رابعاً: منطقة
    العراق الأوسط ـ وأهم مدنها بغداد ـ قد أعلنت استسلامها بالكامل للتتار
    وأصبحت آمنة تماماً، كذلك ظهر ولاء أمير الموصل التام للتتار، وبالتالي
    أصبح الشمال الشرقي من العراق أيضاً آمناً تماماً..

    خامساً: أقوى المدن في الشام هما مدينتا حلب ودمشق..ولو سقطت هاتان المدينتان فإن ذلك يعني سقوط الشام كلية، ومدينة حلب تقع في شمال دمشق على بعد ما يقرب من ثلاثمائة كيلومتر..

    بعد استعراض هذه النقاط فإن هولاكو قرر أنه من المناسب أن يتوجه مباشرة لإسقاط إحدى هاتين المدينتين: حلب أو دمشق..فبأي المدينتين بدأ هولاكو؟
    لقد
    وجد هولاكو أنه لو أراد التوجه إلى حلب فإنه سوف يخترق الشمال العراقي
    أولاً، ثم يدخل سوريا من شمالها الشرقي مخترقاً بذلك شمال سوريا, موازيًا
    حدود تركيا.. حتى يصل إلى حلب في شمال سوريا الغربي..
    وهذه
    المناطق وإن كانت كثيرة الأنهار ـ والأنهار تعتبر من العوائق الطبيعية
    الصعبة, وخاصة في مناورات الجيوش الضخمة ـ إلا أن هذه المناطق خضراء،
    ووفيرة الزرع، ووفيرة المياه، بالإضافة إلى أنها قريبة من ميافارقين، فلو
    احتاج جيش أشموط بن هولاكو لمدد من جيش التتار الرئيسي فإنه سيكون قريباً
    منه..

    أما
    إذا أراد هولاكو أن يتوجه إلى دمشق أولاً فهذا ـ وإن كان سيمثل عنصر
    مفاجأة رهيبة للمسلمين في دمشق لأن هولاكو سيأتي من حيث لا يتوقعون ـ إلا
    أنه يتحتم على هولاكو لكي يفعل ذلك أن يجتاز صحراء بادية الشام أو صحراء
    السماوة بكاملها ليصل إلى دمشق، وهذه صحراء قاحلة جداً، والسير فيها بجيش
    كبير يعتبر مخاطرة مروعة، ولا يستطيع هولاكو أن يقدم على هذه الخطوة..
    مع أنه لو فعلها لفاجأ جيش الناصر يوسف من حيث لا يتوقع، وقابل القوة الرئيسية للمسلمين في المنطقة..

    وسبحان الله!..قبل
    ذلك بأكثر من ستة قرون، وبإمكانيات أقل من ذلك بكثير اجتاز خالد بن الوليد
    رضي الله عنه هذه الصحراء الشاسعة بجيشه من العراق، ليفاجئ جيوش الرومان
    بالقرب من دمشق، ونجح في ذلك نجاحاً مبهراً، لكن شتان بين خالد الصحابي
    رضي الله عنه، وهولاكو السفاح لعنه الله..


    المهم.. باستقراء هذه الأمور جميعاً قرر هولاكو أن يتوجه بجيشه إلى حلب أولاً، على أن يبقى ابنه أشموط محاصراً لميافارقين..





































    يتبع


    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:32:32

    الطريق إلى "حلب":
    وبدأ
    جيش التتار الجرّار في التحرك من قواعده في همدان في اتجاه الغرب، حيث
    اجتاز الجبال في غرب إيران، ثم دخل حدود العراق من شمالها الشرقي، ثم
    اجتاز مدينة أربيل، ووصل إلى مدينة الموصل الموالية له، فعبر عندها نهر
    دجلة، وهو العائق المائي الأول في هذه المنطقة، وهو عائق خطير فعلاً، وكان
    لابد من عبور هذا النهر في منطقة آمنة تماماً، وذلك لخطورة عبور الجيش
    الكبير، ولم يكن هناك أفضل من هذه المنطقة الموالية تماماً له!!.. ثم سار
    جيش التتار بحذاء نهر دجلة على شاطئه الغربي في أرض الجزيرة ليصل إلى
    مدينة "نصيبين"
    ) في جنوب تركيا الآن (، وهي مدينة تقع جنوب ميافارقين بحوالي 170 كيلو متر فقط، وبذلك اقترب من جيش ابنه أشموط، إلا أنه لم يذهب إليه لاطمئنانه لقوته..

    احتل هولاكو مدينة "نصيبين"دون مقاومة تذكر، ثم اتجه غرباً ليحتل مدن "حران"، ثم مدينة "الرها"ثم مدينة "إلبيرة"، وكل هذه المدن في جنوب تركيا، فكان على هولاكو أن يخترق كل هذه المدن التركية لينزل على مدينة "حلب"من شمالها، وبذلك يطمئن لعدم وجود أي جيوب إسلامية في ظهره..
    وعند
    مدينة "إلبيرة" (انظر الخريطة رقم 14) عبر هولاكو نهر الفرات الكبير من
    شرقه إلى غربه، وبذلك عبر العائق المائي الثاني في المنطقة دون مشاكل
    تذكر، ثم اتجه جنوباً غرب نهر الفرات ليخترق بذلك الحدود التركية السورية
    متوجهاً إلى مدينة حلب الحصينة، والقريبة جداً من الحدود التركية (حوالي
    خمسين كيلو مترًا فقط
    (..

    استمرت هذه الاختراقات التترية للأراضي الفارسية ثم العراقية ثم التركية ثم السورية مدة عامًا كاملاً..وهو عام657 هجرية..ووصل هولاكو إلى حلب في المحرم من سنة 658 هجرية،
    وأطبقت الجيوش التترية على المدينة المسلمة من كل الجهات، ولكن حلب رفضت
    التسليم لهولاكو، وتزعم المقاومة فيها توران شاه عم الناصر يوسف الأيوبي،
    ولكنه كان مجاهداً بحق وليس كابن أخيه، ونصبت المجانيق التترية حول مدينة
    حلب..
    وبدأ القصف المتوالي من التتار على المدينة..وبالطبع كان الناصر يوسف يربض بجيشه بعيداً على مسافة ثلاثمائة كيلومتر إلى الجنوب في دمشق!!..





    سقوط "ميافارقين"!!
    وفي هذه الأثناء حدث حادث أليم ومفجع، إذ سقطت مدينة ميافارقين تحت أقدام التتار بعد الحصار البشع الذي استمر عاماً ونصف عام!..
    ثمانية عشر شهراً متصلة من النضال والكفاح والجهاد..وذلك دون أن تتحرك نخوة قلب أمير من الأمراء أو ملك من الملوك!..ثمانية عشر شهراً والناصر والأشرف والمغيث وغيرهم من الأسماء الضخمة يراقبون الموقف ولا يتحركون!..
    سقطت مدينة ميافارقين الباسلة، واستبيحت حرماتها تماماً.. فقد جعلها أشموط بن هولاكو عبرة لكل بلد يقاوم في هذه المنطقة..فقتل السفاح كل سكانها، وحرَّق ديارها، ودمرها تدميراً..ولكنه احتفظ بالأمير الكامل محمد رحمه الله حياً ليزيد من عذابه، وذهب به إلى أبيه هولاكو وهو في حصار مدينة حلب..
    واستجمع
    هولاكو كل شره في الانتقام من الأمير البطل الكامل محمد الأيوبي رحمه
    الله، فأمسك به وقيده، ثم أخذ يقطع أطرافه وهو حي، بل إنه أجبره أن يأكل
    من لحمه
    !!..وظل به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل للروح المجاهدة أن تصعد إلى بارئها..

    "ولا
    تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين
    بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا
    خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع
    أجر المؤمنين"..

    روى
    البخارى ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
    عليه وسلم: "ما من عبد يموت ـ له عند الله خير ـ يسره أن يرجع إلى الدنيا
    ـ وأن له الدنيا وما فيها ـ إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة، فإنه
    يسرّه أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى"..

    وقد يقول قائل: لقد قتل الكامل محمد الذي قاوم، كما قتل الخليفة المستعصم بالله الذي سلم ولم يقاوم!..ولكن أقول لكم يا إخواني: شتان!!..
    شتان بين من مات رافعاً رأسه، ومن يموت ذليلاً منكسراً مطأطئ الرأس..
    شتان بين من مات وهو ممسك بسيفه، ومن مات وهو رافع يده بالتسليم..
    شتان بين من مات بسهم في صدره وهو مقبل، ومن مات بسهم في ظهره وهو مدبر..
    والكامل محمد رحمه الله مات في الميعاد الذي حدده رب العالمين.. إنه لم يتقدم لحظة، ولم يتأخر لحظة..وكذلك مات المستعصم بالله في الميعاد الذي حدده رب العالمين.. لم يتقدم لحظة، ولم يتأخر لحظة..
    والله يا إخواني:
    لن يُطيل الجبن عمراً، ولن تُقصره الشجاعة..
    احفظوا هذه الجملة جيداً!!
    حقاً.. لن يُطيل الجبن عمراً، ولن تُقصره الشجاعة..
    لكن أين اليقين؟!
    استشهد
    البطل الأمير الكامل محمد الأيوبي، والذي كان بمثابة شمعة مضيئة في عالم
    من الظلام، وقطع السفاح هولاكو رأسه، وأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد
    الشام، وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين، وانتهى المطاف بالرأس بعد ذلك إلى
    دمشق، حيث عُلِّقَ فترةً على أحد أبواب دمشق، وهو باب الفراديس، ثم انتهى
    به المقام أن دفن في أحد المساجد، والذي عُرِفَ بعد ذلك بمسجد الرأس..

    ونسأل الله أن يكون من أهل الجنة..



















    اشتد
    القصف التتري على حلب، وقد زادت حماسة التتار بقتل الكامل محمد وسقوط
    ميافارقين، وفي ذات الوقت خارت قوى المسلمين نتيجة الضرب المكثف، وهبوط
    المعنويات لمقتل الأمير البطل الكامل محمد..

    سقوط "حلب":
    واستمر
    الحصار التتري لمدينة حلب سبعة أيام فقط، ثم أعطى التتار الأمان لأهلها
    إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة، ولكن زعيمهم توران شاه قال لهم: إن هذه
    خدعة، وإن التتار لا أمان لهم ولا عهد، ولكنهم كانوا قد أحبطوا من سقوط
    ميافارقين، وعدم مساعدة أميرهم الناصر يوسف لهم، وبقائه في دمشق، وتركه
    إياهم تحت حصار التتار لهم..
    وهذا الإحباط قاد الشعب إلى الرغبة في التسليم..واتجه عامتهم إلى فتح الأبواب أمام هولاكو، ولكن قائدهم توران شاه وبعض المجاهدين رفضوا، واعتصموا بالقلعة داخل المدينة..

    وفتح
    الشعب الحلبي الأبواب للتتار بعد أن أخذوا الأمان، وانهمرت جيوش التتار
    داخل مدينة حلب، وما إن سيطروا على محاور المدينة حتى ظهرت النوايا
    الخبيثة، ووضح لشعب حلب ما كان واضحاً من قبل لمجاهدهم البطل توران شاه،
    ولكن للأسف كان هذا الإدراك متأخراً جداً
    !..لقد أصدر هولاكو أمراً واضحاً بقتل المسلمين في حلب وترك النصارى!!..وهذه ولاشك خيانة متوقعة، والخطأ هو خطأ الشعب الذي بنى قصوراً من الرمال!..وهكذا
    بدأت المذابح البشعة في رجال ونساء وأطفال حلب، وتم تدمير المدينة تماماً،
    ثم خرب التتار أسوار المدينة لئلا تستطيع المقاومة بعد ذلك، ثم اتجه
    هولاكو لحصار القلعة التي في داخل حلب، وكان بها توران شاه وبعض
    المجاهدين، واشتد القصف على القلعة، وانهمرت السهام من كل مكان، ولكنها
    صمدت وقاومت، واستمر الحال على ذلك أربعة أسابيع متصلة، إلى أن سقطت
    القلعة في النهاية في يد هولاكو، وكسرت الأبواب، وقتل هولاكو -
    كما هو متوقع ـ كل من في القلعة، ولكنه أبقى على حياة توران شاه ولم يقتله!..
    وهنا يذكر بعض المؤرخين أن هولاكو قد فعل ذلك إعجاباً بشجاعة الشيخ الكبير
    توران شاه، وأن هذه فروسية ونبل من الفاتح هولاكو، ولكن هذه صفات لا
    تتناسق أبداً مع وصف هولاكو، وليس هولاكو بالذي يُعجب بمن يقاومه، وليس هو
    بالذي يتصف بنبل أو فروسية.. إنما الذي يتراءى لي أنه أبقى على حياته
    لأغراض أخرى خبيثة، فهذا العفو من ناحية هو عمل سياسي ماكر يريد به ألا
    يثير حفيظة الأيوبيين المنتشرين في كل بلاد الشام، وخاصة أنه قتل الكامل
    محمد الأيوبي منذ أيام، فإذا تتبع قوادهم بالقتل فهذا قد يؤدي إلى
    إثارتهم، ولا ننسى أيضاً أن كثيراً من الأيوبيين يحالفونه، ومنهم الأشرف
    الأيوبي أمير حمص، وهو لا يريد أن يقلب عليه الأوضاع في الشام..
    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يريد أن يفتح الباب للأمراء المسلمين أن يسلموا أنفسهم إليه دون مقاومة، فهولاكو -كما هو واضح -رجل وديع جداً، ولطيف جداً، ومسالم ونبيل جداً جداً، ويحافظ على القواد الذين يقاومونه، فما بالكم بمن دخل في حلفه!!..ثم
    من ناحية ثالثة فإننا لا ننسى أن توران شاه هو عم الناصر يوسف حاكم دمشق
    الخائن، والإمساك بتوران شاه دون قتله قد يكون وسيلة من وسائل المساومة
    المستقبلية مع الناصر يوسف، أو فتح الطريق أمامه للاعتذار، وبذلك قد يوفر
    هولاكو على نفسه حرباً من المحتمل أن يفقد فيها عدداً من جنوده..

    أنا
    أعتقد أن أمثال هذه الدوافع ـ أو ما كان على شاكلتها ـ قد يناسب طبيعة
    هولاكو الدموية، أما أن يقال إن هولاكو تأثر بأخلاق وفروسية توران شاه
    فأصبح هو الآخر أخلاقياً وفارساً، فهذا ما لا يُتوقع من مثله أبداً
    !..




    وهكذا
    استقر الوضع لهولاكو في حلب، وخمدت كل مقاومة، وهدمت كل الأسوار والقلاع..
    ثم أراد هولاكو أن ينتقل إلى مكان آخر في الشام، فاستقدم الأشرف الأيوبي
    أمير حمص، وهو أحد الأمراء الخونة الذين تحالفوا مع التتار، وأظهر هولاكو
    للأشرف الأيوبي كرماً غير عادي
    !..فقد
    أعطاه إمارة مدينة حلب إلى جوار مدينة حمص، وذلك ليضمن ولاءه التام له،
    ولكي يتيقن الأشرف أن من مصلحته الشخصية أن يبقى السيد هولاكو محتلاً
    للبلاد، ولكنه بالطبع وضع عليه إشرافاً تترياً دقيقاً من بعض قادة الجند
    التتر، فأصبح الأمير الأشرف الأيوبي وكأنه الحاكم الإداري للمدينة، أي
    أصبح الأمير الأشرف الأيوبي "صورة"
    حاكم
    أمام الشعب، بينما كان هناك الحاكم العسكري التتري لحلب، والذي كان يعتبر
    في الواقع الحاكم الفعلي للبلد، وبيده بالطبع كل مقاليد السلطة والحكم
    والقوة
    !

    ثم اتجه هولاكو غربًا بعد إسقاط حلب، إلى حصن "حارم"المسلم (على بعد حوالي خمسين كيلو مترًا من حلب(، وكانت به حامية مسلمة رفضت التسليم لهولاكو، فاقتحم عليها الحصن بعد عدة أيام من المقاومة، وذبح كل من فيها..
    ثم
    أكمل طريقه غرباً بعد ذلك حتى وصل إلى إمارة أنطاكية، وهي إمارة حليفه
    النصراني الأمير "بوهمند"، فضرب هولاكو معسكره خارج المدينة، ثم دعا إلى
    عقد مؤتمر لبحث الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط الجديد (وذلك حسب الرؤية
    التترية)؛ فبدأ حلفاؤه في هذه المنطقة يتوافدون عليه ليقدموا له فروض
    الولاء والطاعة.. فجاء الملك الأرمني هيثوم، وجاء إليه أمير أنطاكية
    بوهمند، وجاء إليه كذلك أمراء السلاجقة المسلمون: كيكاوس الثاني وقلج
    أرسلان الرابع، وكانت إمارتهما على مقربة من أنطاكية..

    ثم بدأ هولاكو يصدر مجموعة من الأوامر والقرارات:ـ
    ـ
    أولاً: يكافأ ملك أرمينيا هيثوم بمكافأة كبيرة من غنائم حلب، وذلك تقديراً
    لمساعدات الجيش الأرمني في إسقاط بغداد ثم ميافارقين ثم حلب..

    ـ
    ثانياً: على سلطانَيْ السلاجقة: كيكاوس الثاني, وقلج أرسلان الرابع أن
    يعيدا بعض المدن والقلاع التي كان المسلمون قد فتحوها قبل ذلك إلى ملك
    أرمينيا، وذلك لتوسيع ملك الزعيم الأرمني، وتثبيت أقدامه في المنطقة كحليف
    استراتيجي أساسي لهولاكو..
    ولم تكن - بالطبع - فرصة الاعتراض واردة عند السلطانين المسلمين!

    ـ ثالثاً: يكافأ "بوهمند"أمير
    أنطاكية على تأييده لهولاكو، وذلك بإعطاء مدينة اللاذقية المسلمة له،
    ليضمها بذلك إلى أملاك إمارة أنطاكية، وكانت اللاذقية قد حررت من
    الصليبيين أيام صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ثم ظلت مسلمة إلى هذه
    اللحظة، ولكنها أهديت بكلمة واحدة إلى النصارى!!..
    والقرار الثاني والثالث هما تطبيق للقاعدة الاستعمارية المجحفة وهي أن المحتل يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق!!

    ـ
    رابعاً: وهذا القرار الرابع كان قراراً غريباً، وهو ليس في مصلحة أمير
    أنطاكية ولا في مصلحة الملك الأرمني، ولكن هذا القرار لإثبات أن كل شيء
    الآن أصبح بيد السيد الجديد هولاكو، وما هؤلاء الملوك إلا "صورة"
    حلفاء فقط..

    وهذا القرار الغريب كان يقضي بأن يعين بطريرك جديد للكنيسة في أنطاكية المحكومة أصلاً بالنصارى!..
    وليس في حلب مثلاً أو بغداد.. ولكن في أنطاكية ذاتها، ومن المعلوم أن
    هولاكو لم يكن نصرانياً، فالقرار يأتي من قبل من لا يفقه في النصرانية
    شيئاً، وفوق ذلك فالبطريرك الجديد ليس من أنطاكية
    !..بل أنكى من ذلك فالبطريرك الجديد ليس من نفس المذهب النصراني الذي عليه بوهمند وهيثوم!!..وهذه سابقة خطيرة في تاريخ النصارى..





    يتبع


    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:35:20

    صفعة على خد الكنيسة!!
    لقد عين هولاكو البطريرك اليوناني "يومنيميوس"مكان البطريرك اللاتيني )الإيطالي(
    الذي قدم قبل ذلك من جنوة، ولا ننسى أن الإمارات الصليبية في الشام هي
    إمارات مملوكة لنصارى غرب أوروبا، وهم جميعاً على المذهب الكاثوليكي،
    بينما البطريرك اليوناني الجديد على المذهب الأرثوذكسي، وهو مذهب أوروبا
    الشرقية، وبالطبع فهناك فارق هائل بين المذهبين، بل هناك أيضًا صراع هائل
    بين المذهبين، فكانت هذه الخطوة من هولاكو خطوة محسوبة لها مراميها
    الخطيرة جداً، فهو أولاً يريد إذلال أمير أنطاكية وملك أرمينيا ليعلما
    أنهما مجرد تابعين له لا رأي لهما، ولا يرقى إلى أذهانهما أن يتعاملا مع
    هولاكو "كحلفاء"
    على نفس المستوى،
    وثانياً هو لا يريد أن يكون هناك استقرار في هذه المناطق لكي لا يتوسع ملك
    أو أمير في المنطقة على غير رغبته، بل سيجعل كل فريق من حلفائه رقيباً على
    الآخر، وثالثاً كان هولاكو يريد إقامة علاقات صداقة وجوار مع الإمبراطور
    اليوناني، وذلك ليضمن استقرار سلطانه على أرض الشام والأناضول، وهي الأرض
    المجاورة تماماً للإمبراطور اليوناني، فإذا انتهى من أمر الأناضول كله،
    فقد يفكر في إعادة ترتيب أوراقه من جديد..

    وبالطبع
    كان في هذه الخطوة إهانة كبيرة لأمير أنطاكية، ولكنه كان واقعياً، وأدرك
    حجمه الطبيعي، وموقفه المهين فلم يعترض، ولكن كبراء قومه ووزرائه اعترضوا
    عليه، لكن بوهمند أصر على الرضوخ لهولاكو، ووضح لهم قدرهم الحقيقي، فهم
    يحكمون إمارة لا تُرى على خريطة الدنيا، بينما التتار دولة تصل في ذلك
    الوقت من كوريا شرقاً إلى بولندا غرباً، وقد اكتسحت في طريقها كل أملاك
    المسلمين، علماً بأن كل الحروب الصليبية السابقة ـ والتي قامت بها أوروبا
    ضد المسلمين على مدار عشرات السنين ـ لم تفلح إلا في احتلال بعض الإمارات
    الصغيرة المتفرقة في تركيا وسوريا وفلسطين ولبنان، ولم تكن الإمارة في
    الغالب سوى مدينة واحدة تحيط بها بعض القرى..


    وهكذا
    استقر الوضع لهولاكو في شمال سوريا وجنوب تركيا، وبدأ يفكر في التوجه
    جنوباً لاحتلال مدينة حماة أولاً، ثم المرور على بعد ذلك على مدينة "حمص"،
    وهي بلد الأمير الخائن الأشرف الأيوبي والموالي له، وذلك ليصل في النهاية
    إلى "المجاهد"
    الناصر يوسف الأيوبي وجيشه الرابض في شمال دمشق!..


    تسليم "حماة"!

    وبينما كان جيش التتار يستعد للتوجه إلى حماة، جاء إلى هولاكو وفد من
    أعيان حماة وكبرائها يقدمون له مفاتيح المدينة، ويسلمونها له دون قتال..
    وذلك برغبتهم وإرادتهم الذاتية، ودون طلب من هولاكو!!.. وقبل منهم هولاكو المفاتيح، وأعطاهم الأمان، ولكنه كان في هذه المرة أماناً حقيقياً، وذلك ليشجع غيرهم على أن يحذوا حذوهم..


    وتحرك هولاكو بجيشه الجرار في اتجاه الجنوب، ومر على حماة دون أن يدخلها، وكذلك مر على حمص بلد "صديقه"الأشرف الأيوبي ولم يدخلها كذلك، واتجه مباشرة إلى دمشق، وبينها وبين حمص 120 كيلومترًا فقط..

    ولنترك هولاكو قليلاً، ونذهب لمتابعة الموقف في دمشق..
    الناصر
    يوسف يعسكر الآن في جيشه خارج دمشق، والأخبار السيئة جاءت بسقوط حصون
    ميافارقين، وقتل الكامل محمد الأيوبي بالطريقة البشعة التي أشرنا إليها،
    ثم جاءت الأخبار أيضاً بسقوط مدينة حلب واستباحتها، ثم سقوط حصن حارم، ثم
    تسليم حماة وحمص دون قتال..
    والخطوة القادمة للتتار هي - ولا شك -دمشق!!..

    ماذا يفعل الناصر يوسف الملك الجبان، وقد أعلن حرباً ليست له بها طاقة..ليس لقوة التتار فقط، بل لضعفه هو في الأساس؟
    لقد عقد الناصر يوسف مجلساً استشارياً هاماً يضم قادة جنده.
    ماذا نفعل؟

    بطل في مستنقع الأذلاء!!
    كان
    المجلس يضم معظم أمراء الجيش، وعلى رأسهم الأمير زين الدين الحافظي، وكان
    يضم أيضاً الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وهو من أمراء المماليك
    البحرية الذين فروا قبل ذلك من مصر أثناء فتنة دارت بين المماليك هناك،
    واستقبله الناصر يوسف، وضمه إلى قواده لما له من الكفاءة العسكرية العالية
    جداً، والقدرات القيادية الهائلة..

    بدأ الاجتماع، ولم يكن يخفى على الحضور مظاهر الرعب والهلع التي يعاني منها الناصر يوسف، والتي انتقلت منه بعد ذلك إلى معظم أمرائه..
    وبدا
    واضحاً أيضاً أن الناصر يوسف لا يميل مطلقاً إلى الحرب، ولا يقوى على
    اللقاء، وكذلك أمراؤه، فبدأ معظم الحضور يتخاذلون، ويتحدثون عن الفجوة
    الهائلة بينهم وبين التتار، ثم انتقل الحديث إلى أمير الجيش الأمير زين
    الدين الحافظي فقام يعظم من شأن التتار، ويهون من شأن المسلمين، ويشير على
    الناصر يوسف ألا يقاتل..

    هنا انتفض الأمير ركن الدين بيبرس، وكانت فيه حمية كبيرة للدين، وحماسة عالية للقضاء على التتار، ورغبة جارفة في المواجهة..لكنه وجد نفسه في مجموعة من المتخاذلين والخونة..
    صرخ
    الأمير ركن الدين بيبرس في وجه زين الدين الحافظي، ثم سبّه سبًّا عنيفاً،
    بل إنه لم يتمالك نفسه فقام وضربه، وقال له: أنت سبب هلاك المسلمين..

    وطبعاً كلام "بيبرس" وإن كان موجهاً إلى زين الدين الحافظي إلا أن المقصود الأول من الكلام هو الناصر يوسف نفسه..فهو من أهم أسباب هلاك المسلمين..لكن بيبرس كان يخاطب مجموعة من الأموات..والموتى لا يسمعون!..فما وقعت كلماته في قلب أحد..
    "إنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصمَّ الدعاء إذا ولَّوا مُدبرين"
    وهؤلاء موتى!.. وصُمٌّ!.. ومُدْبرون!..
    ومن ثَمَّ اتخذوا القرار المناسب في رأيهم..
    والقرار............. هو الفرار !!!!!!!!!..
    الأمير الناصر يوسف سيفر، والأمراء سيفرون، والجيش سيفر، وستبقى مدينة دمشق وشعبها الكبير دون حماية ولا دفاع!!..
    وإنا لله وإنا إليه راجعون..

    ولم يجد ركن الدين بيبرس حلاً مع هؤلاء فتوجه إلى غزة بفلسطين، وهناك راسل سلطان مصر ليذهب عنده على أمل التوحد في لقاء التتار..وبالفعل استقبله سلطان مصر بحفاوة، وسنأتي لتفصيل ذلك مستقبلاً إن شاء الله..

    وخلت دمشق من الأمراء والحراس..
    ومدينة
    دمشق مدينة كبيرة وحصينة، وكان يتوقع لها الثبات فترة طويلة قبل أن تسقط،
    ولكن الأمراء من أمثال الناصر يوسف يأمرون بالمقاومة ويحضون عليها ما دامت
    بعيدة عن أرضهم، فإذا اقتربت جيوش العدو من مدينتهم كانت الخطة البديلة
    دائماً هي..
    الفرار..

    حدث ذلك في دمشق، ويحدث كثيراً إذا وجد أمثال هؤلاء الأمراء الأقزام..

    تسليم "دمشق"!!
    ووقع أهل دمشق في حيرة كبيرة..ماذا يفعلون؟! جيوش التتار ستأتي إليهم في غضون أيام قليلة جداً..والتتار
    لا يبقون على أخضر ولا يابس، وشعب دمشق لم يتدرب قبل ذلك على جهاد، وليست
    له دراية بفنون القتال، والجند المحترفون والأمراء القواد هربوا وتركوا
    مواقعهم..

    لقد كان الموقف في غاية التردي..
    وهنا
    اجتمع أعيان دمشق وكبراؤها، واتفقوا على أن يفعلوا مثلما فعل أهل "حماة"،
    فيأخذوا مفاتيح المدينة، ويسلموها إلى هولاكو، ثم يطلبوا الأمان منه، ولم
    يخالف هذا الرأي إلا قلة من المجاهدين قرروا التحصن في قلعة دمشق، والدفاع
    حتى النهاية..

    وصدق ظن هولاكو عندما أعطى الأمان الحقيقي لأهل حماة، فإن ذلك دفع غيرهم من أهل المدن الكبرى أن يفعلوا مثلهم..
    وخرج وفد من أعيان دمشق يستقبل جيش هولاكو، ويسلمه مفاتيح المدينة ومقاليد الحكم في دمشق..

    موت "منكوخان"..
    في هذه الأثناء حدث أمر لم يكن في حسبان هولاكو في هذا التوقيت..لقد مات "منكوخان"زعيم
    دولة التتار، وجاءت الأخبار بذلك إلى هولاكو قبل أن يصل إلى دمشق، وبالطبع
    كانت هذه أزمة خطيرة، فمنكوخان يحكم دولة مهولة اتسعت في وقت قياسي، وحدوث
    أي اضطراب في الحكم قد يهدد هذه الدولة العظيمة بالتفكك، كما أن هولاكو -
    بلا
    شك ـ هو أحد المرشحين لحكم دولة التتار، فهو أخو منكوخان، وهو حفيد
    جنكيزخان، وله الانتصارات العظيمة الكثيرة، وله الفتوحات المبهرة..
    ويكفيه فخرًا أنه أوَّل مَن أسقط الخلافة الإسلامية في التاريخ..فكانت كل هذه المؤهلات تجعل هولاكو من أوائل المرشحين لحكم دولة التتار بكاملها، بدلاً من حكم منطقة الشرق الأوسط فقط..

    لذلك
    لما وصل خبر وفاة منكوخان، لم يتردد هولاكو في أن يترك جيشه، ويسرع
    بالعودة إلى قراقورم عاصمة التتار للمشاركة في عملية اختيار خليفة
    منكوخان، وترك هولاكو على رأس جيشه أكبر قواده وأعظمهم "كتبغا نوين"، وهو
    كما ذكرنا قبل ذلك من التتار النصارى..

    وأسرع هولاكو بالعودة، حتى إذا وصل إلى إقليم فارس جاءته الرسل من قراقورم بأنه قد تم اختيار أخيه "قوبيلاي"خاقاناً
    جديداً للتتار، ومع أن الأمر كان صدمة كبيرة لأحلام هولاكو، وكان على خلاف
    توقعاته، بل وعلى خلاف قواعد الحكم التي وضعها جنكيزخان قبل ذلك، إلا أنه
    تقبل الأمر بهدوء، وآثر أن يمكث في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وقد رأى
    الخيرات العظيمة في هذه المناطق، لكنه لم يرجع مرة أخرى إلى الشام، بل ذهب
    إلى تبريز (في إيران حالياً)، وجعلها مركزاً رئيسياً لإدارة كل هذه
    الأملاك الواسعة، وتبريز بالإضافة إلى حصانتها وجوها المعتدل، فإنها تتوسط
    المساحات الهائلة التي دخلت تحت حكم هولاكو حتى الآن، فهو يحكم بداية من
    أقاليم خوارزم والتي تضم كازاخستان وتركمنستان وأوزبكستان وأفغانستان
    وباكستان، ومروراً بإقليم فارس وأذربيجان، وانتهاء بأرض العراق وتركيا
    والشام.. والذي شجعه أكثر على عدم الرجوع إلى الشام هو أن ما تبقى في بلاد
    الشام يعتبر جزءاً بسيطاً ضعيفاً ليس فيه مدن كبيرة، لاسيما أنه قد سمع
    قبل رجوعه بفرار جيش الناصر يوسف الأيوبي في اتجاه الجنوب إلى فلسطين
    تاركاً وراءه دمشق دون حماية.. غير أن هولاكو لم ينس أن يرسل رسالة هامة
    إلى "كتبغا"
    يؤكد له فيها على ضرورة الإمساك بهذا المتمرد الصعلوك "الناصر يوسف الأيوبي"..


    "دمشق" بعد السقوط..
    ونعود إلى دمشق..
    لقد
    وصل أعيان المدينة وهم يحملون مفاتيحها إلى جيش التتار، فاستقبلهم القائد
    الجديد كتبغا، وقبل منهم التسليم، وأعطاهم الأمان، وتقدم بجيشه لدخول
    المدينة العظيمة دمشق
    !..

    ها هي "دمشق"عاصمة الخلافة الأموية تسقط كما سقطت من قبل "بغداد"عاصمة الخلافة العباسية!!..
    سقطت دمشق!..واحدة من أعظم مدن الإسلام قاطبة..ومن أهم ثغور الجهاد..ومن أرقى دور العلم..
    ها هي الجيوش التترية تزحف على دمشق، وتنساب من أبوابها إلى داخلها دون أدنى مقاومة!!
    أواه يا دمشق!!..
    يا درّة الشام..ويا قلب العالم الإسلامي!!..
    أين
    أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص
    وشرحبيل بن حسنة سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت - صفحة 2 2906082035 أجمعين، والذين فتحوا هذه المدينة الحصينة
    منذ أكثر من ستة قرون؟

    أين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الذي حكم الدنيا من هذا المكان؟
    أين عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي نشر العدل في الأرض من هذه المدينة؟
    أين خلفاء بني أمية رحمهم الله الذين فتحوا البلاد الواسعة التي يسقطها التتار الآن؟
    أين عماد الدين زنكي ونور الدين محمود رحمهما الله واللذان سطّرا بجهادهما آيات من المجد والعزة والفخار؟
    أين صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي يرقد الآن في مدينة دمشق؟
    ها قد مرت الأيام وشاهد المسلمون في دمشق أموراً ما خطر على الذهن أصلاً أن تحدث..
    لقد
    شاهد المسلمون ثلاثة أمراء من النصارى يتبخترون بخيولهم في مقدمة جيوشهم،
    وهم يخترقون أبواب دمشق، ويسيحون في شوارع المدينة الإسلامية العظيمة..
    لقد
    كان يتقدم جيوش التتار كتبغا نوين، قائد الجيش التتري، وبصحبته الملك
    هيثوم النصراني ملك أرمينيا، والأمير بوهمند النصراني أمير أنطاكية..
    ودخلوا جميعاً المدينة المسلمة المجيدة..وهذه
    أول مرة يدخل أمراء النصارى مدينة دمشق منذ أن تركها أمراء الجيوش
    الرومانية أيام هرقل قيصر الروم، وذلك عند الفتح الإسلامي لها في سنة
    14 هجرية..

    ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

    وأعطى
    التتار الأمان فعلاً لأهل دمشق فلم يقتلوا منهم أحداً اللهم إلا أولئك
    الذين تحصنوا في قلعة دمشق، فقد حاصرهم التتار حتى أسقطوا القلعة بعد عدة
    أسابيع وقتلوا كل من فيها..


    لقد سقطت دمشق في أواخر صفر سنة 658هجرية، وذلك بعد سنتين تماماً من سقوط بغداد..وهذا
    زمن قياسي حققه التتار، إذ إنهم اجتاحوا مساحات كبيرة في هذه المناطق،
    وأسقطوا مدناً كثيرة في العراق وتركيا وسوريا (انظر الخريطة رقم 15)..
    نعم المدن الرئيسية الثلاث هي بغداد وحلب ودمشق، لكن المدن الأخرى أيضاً ليست بالمدن البسيطة..كما
    أن الكثافة السكانية في هذه المناطق كانت عالية جداً، لخصوبتها من ناحية،
    ولقدمها وتاريخها من ناحية ثانية، ولارتفاع مستوى المعيشة والحضارة فيها
    من ناحية ثالثة..

    وبالطبع هبطت معنويات العالم الإسلامي كله إلى الحضيض..وأصبح
    معظم المسلمين يوقن باستحالة هزيمة التتار، كما أصبح معظمهم أيضاً يدرك أن
    اللحظات المتبقية في عمر الأمة الإسلامية أصبحت قليلة جداً..


    وبدأ التتار في إدارة مدينة دمشق بواسطة النصارى..وذلك بعد أن خربوا أسوارها وقلاعها..ووضعوا
    على إدارة المدينة رجلاً تترياً اسمه "إبل سيان"، وهو - وإن لم يكن
    نصرانيًّا - إلا إنه كان معظماً جداً للنصارى، ومحابياً جداً لهم، وبدأت
    المدينة تعيش فترة عجيبة في تاريخها
    !..

    وأنقل هنا نص كلام ابن كثير رحمه الله وهو يصف حال دمشق وقت أن تولى حكمها "إبل سيان"التتري..
    يقول ابن كثير رحمه الله:
    "اجتمع
    إبل سيان لعنه الله بأساقفة النصارى وقساوستهم، فعظمهم جداً، وزار
    كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهبت طائفة من النصارى إلى هولاكو
    (في تبريز)
    وأخذوا معهم هدايا وتحفاً، وقدموا من عنده ومعهم أمان من جهته، ودخلوا من باب توما (أحد أبواب دمشق)ومعهم صليب منصوب..يحملونه
    على رؤوس الناس، وهم ينادون بشعارهم ويقولون: "ظهر الدين الصحيح دين
    المسيح"، ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أوانٍ فيها خمر، لا يمرون على
    باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه
    الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم
    لصليبهم، ووقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى، وذم
    دين الإسلام وأهله، فإنا لله وإنا إليه راجعون..

    ثم
    إنهم دخلوا الجامع بخمر، فلما وقع ذلك اجتمع قضاة المسلمين والشهود
    والفقهاء، فدخلوا القلعة يشكون هذه الحال إلى إبل سيان زعيم التتار،
    فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم، فإنا لله وإنا إليه
    راجعون"..

    وهكذا كان الوضع ينذر بكارثة حقيقية..فقد وقع المسلمون بين شقي الرحى في دمشق..بين التتار والنصارى..وبات
    واضحاً للجميع أن التعاون بين الطائفتين التترية والنصرانية سيكون كبيراً،
    وخاصة أن رئيس المعسكر التتري في الشام نصراني وهو كتبغا، والنصارى الذين
    يعيشون في الشام يعرفون كل خباياها، ويدركون كل إمكانياتها..
    ولا شك أن تعاونهم مع التتار سيكون ضربة موجعة للمسلمين..















































































    يتبع

    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:37:58

    احتلال "فلسطين":
    ثم
    قرر كتبغا أن يحتل فلسطين، فأرسل فرقة من جيشه، فاحتلت نابلس، ثم احتلت
    غزة، ولم تقترب الجيوش التترية من الإمارات الصليبية الأوروبية المنتشرة
    في فلسطين، كما لم يقتربوا من إمارات الصليبيين في سوريا ولبنان..
    وبذلك قسمت فلسطين بين التتار والصليبيين..


    ومع
    كون التعاون بين التتار والصليبيين كان واضحاً إلا أن كتبغا زعيم التتار
    كان يسير على نهج هولاكو، فهو ـ وإن كان نصرانياً ـ إلا أنه لم يكن يسمح
    للنصارى ـ سواء من أهل الشام أو من أوروبا ـ أن يخرجوا عن سلطانه وعن حكمه
    وعن خططه..

    فمن
    ذلك مثلاً ما حدث من أمير صيدا "جوليان"، والتي كان يحتلها الصليبيون
    الأوروبيون، فإنه عندما شاهد الصراع بين التتار والمسلمين، ظن أن هذه فرصة
    لتوسيع أملاكه، فأغار على سهل البقاع الخصب واحتله، فأرسل له كتبغا من
    ينهاه عن ذلك، ولكنه لم يستجب، فرد كتبغا على ذلك بإرسال جيش كثيف إليه
    لضرب صيدا وتدميرها، ودُمرت صيدا بالفعل، ولكن أفلت جوليان عبر البحر، ثم
    كرر كتبغا نفس الأمر مع "يوحنا الثاني"
    أمير بيروت، وذلك عندما أغار على منطقة الجليل..

    وبذلك يتضح أن التتار كانوا يريدون الإمساك بكل خيوط اللعبة في أيديهم، وعلى من أراد التعاون أن يأتي تابعاً، لا صديقاً أو محالفاً..وهو نظام القطب الواحد في الأرض، والذي لا يقبل بنشوء أي قوة إلى جواره..
    ولا
    شك أن هذا التصرف من كتبغا، ومن قبله التصرف الذي كان ينتهجه هولاكو بفرض
    الهيمنة المغولية على النصارى حتى في اختيار البطريرك الديني لهم..
    لا
    شك أن هذه الأعمال أوغرت صدور أمراء الممالك الصليبية في الشام، وخاصة أن
    أوضاعهم كانت مستقرة قبل قدوم التتار، لأنهم كانوا يطمئنون إلى ضعف
    المسلمين، كما أنهم كانوا يطمئنون إلى عهد المسلمين، فهم عادة لا يغدرون،
    بعكس التتار، وما ظهر من التتار من إذلال لأمير أنطاكية ثم أمير صيدا ثم
    أمير بيروت جعل أمراء الممالك الصليبية الأخرى على وجل من التتار، وبات
    معلوماً لهم على وجه اليقين أنه بمجرد أن تستقر الأوضاع للتتار في
    المنطقة، وتترسخ أقدامهم فإنهم سيفعلون في نصارى الشام والممالك الصليبية
    مثلما فعلوا قبل ذلك في نصارى أوروبا الشرقية عند الاجتياح السابق لها في
    فترة ولاية أوكيتاي بن جنكيزخان..

    لكن
    على كل حال ـ فبرغم هذا التوجس الشديد والقلق العميق ـ إلا أن أمراء
    الممالك الصليبية ظلوا يراقبون الموقف دون محاولة التدخل فيه..
    ولم يكن أحد منهم يدري بأي شيء ستأتي الأيام القادمة..

    وبهذا
    الاحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله، وأجزاء
    كبيرة من تركيا، وأسقطوا أيضاً سوريا بكاملها، وكذلك أسقطوا لبنان، ثم
    فلسطين
    !!..وقد حدث كل ذلك في عامين فقط!!..






    ووصل
    التتار في فلسطين ـ كما ذكرنا ـ إلى غزة، وأصبحوا على مسافة تقل عن خمسة
    وثلاثين كيلومترًا فقط من سيناء، وبات معلوماً للجميع أن الخطوة التالية
    المباشرة للتتار هي....
    .احتلال مصر!!..

    وهذا
    أمر لا يحتاج إلى كبير ذكاء!!.. فالمتتبع لخط سير التتار سيدرك على وجه
    اليقين أن مصر ستكون هدفاً رئيسياً لهم، وذلك لعدة أسباب منها
    :

    ـ أولاً: سياسة التتار التوسعية واضحة، وهم لا ينتهون من بلد إلا ويبحثون عن الذي يليه، ومصر هي التي تلي فلسطين مباشرة..
    ـ
    ثانياً: لم يبق في العالم الإسلامي بأسره قوة تستطيع أن تهدد أمن التتار
    إلا مصر، فقد سقطت كل الممالك والحصون والمدن الإسلامية تقريباً، وبقيت
    هذه المحطة الأخيرة..

    ـ ثالثاً: مصر ذات موقع استراتيجي في غاية الأهمية، فهي تتوسط العالم القديم، وخطوط التجارة عبر مصر لا تخفي على أحد..
    ـ
    رابعاً: مصر بوابة أفريقيا، ولو سقطت مصر لفتح التتار شمال أفريقيا
    بكامله، و شمال أفريقيا لم يكن يمثل أي قوة في ذلك الوقت، لأن وصول التتار
    إلى الشام كان متزامناً مع سقوط دولة الموحدين بالمغرب سقوطاً كاملاً،
    وتفكك الشمال الأفريقي المسلم إلى ممالك متعددة صغيرة، ولو سقطت مصر فلا
    شك أن كل هذه الممالك ستسقط بأقل مجهود..

    ـ خامساً: الكثافة السكانية الكبيرة في مصر، فقد كان سكانها يبلغون أضعاف سكان المناطق الإسلامية الأخرى..
    ـ سادساً: الحمية الدينية والصحوة الإسلامية عند أهل مصر عالية..بل عالية جداً..ويخشى
    التتار أنه لو تولى أحد الصالحين المجاهدين قيادة هذا البلد كثيف العدد،
    شديد الحمية، المحب للإسلام، والغيور على حرمات الدين، أن تتغير الأوضاع،
    وتتبدل الأحوال، ويهتز وضع التتار في المنطقة بأسرها..

    لهذه
    الأسباب ـ وقد يكون لغيرها أيضاً ـ كان التتار يعدون العدة للانتقال من
    فلسطين إلى مصر، ومع متابعة سرعة انتقال التتار من بلد إلى بلد، فإن
    المراقبين للأحداث لابد أن يدركوا أن تحرك التتار إلى مصر سيكون قريباً،
    بل قريباً جداً، حتى لا يعطي التتار الفرصة لمصر للتجهز للحرب الحتمية
    القادمة..








    ولكن كيف كان الوضع في مصر عند احتلال التتار للشام وفلسطين؟
    لقد
    كانت مصر في ذلك الوقت تعيش أزمات شديدة متلاحقة، سواء من الناحية
    السياسية أو من الناحية العسكرية أو من الناحية الاقتصادية، وذلك لعوامل
    عدة سنعرض لها مستقبلاً إن شاء الله..

    لكن
    المهم هنا أن نذكر أن المماليك كانوا قد بدءوا فترة حكمهم لمصر، وكان
    السلطان المظفر قطز رحمه الله هو الذي يعتلي عرش مصر في هذه اللحظات..



    وقبل
    الحديث عن تخطيط التتار للهجوم على مصر، ورد فعل الدولة المصرية، وقبل
    الحديث عن الحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية لمصر، أود أن أشرح مقدمة
    ـ ولو بسيطة ـ عن نشأة المماليك، وكيف وصلوا إلى حكم مصر، وكيف تمكن قطز
    رحمه الله من قيادة هذا البلد الأمين، وكيف كانت كل الملابسات تشير بوضوح
    إلى أن صداماً حتمياًً بين جيش التتار والجيش المصري بقيادة المماليك سوف
    يحدث..

    كل
    هذا سيعطينا عمقاً تاريخياً نستطيع به أن نحلل الأحداث، ونستخرج الدروس
    والعبر، ونستنبط الأسباب التي أدت إلى النتائج التي سنراها..


    ولننتقل سوياً إلى المماليك!!

    يتبع
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:41:41

    [center]نشأة المماليك
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


    تعتبر فترة حكم المماليك من الفترات التاريخية المجهولة عند كثير من
    المسلمين، بل عند كثير من مثقفي المسلمين، وذلك قد يكون راجعاً لعدة
    عوامل.
    .
    ولعل من أهم هذه العوامل
    أن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كانت قد تفرقت تفرقاً كبيراً، حتى كثرت
    جداً الإمارات والدويلات، وصغر حجمها إلى الدرجة التي كانت فيها بعض
    الإمارات لا تتعدى مدينة واحدة فقط
    !!..وبالتالي فدراسة هذه الفترة تحتاج إلى مجهود ضخم لمتابعة الأحوال في العديد من الأقطار الإسلامية.

    ومن
    العوامل التي أدت إلى جهل المسلمين بهذه الفترة أيضاً: كثرة الولاة
    والسلاطين في دولة المماليك ذاتها، ويكفي أن نشير إلى أن دولة المماليك
    الأولى ـ والمعروفة باسم دولة المماليك البحرية (وسنأتي إلى تعريف ذلك
    الاسم لاحقاً إن شاء الله) ـ حكمت حوالي
    144 سنة، وفي خلال هذه الفترة حكم 29 سلطانًا!..وذلك يعني أن متوسط حكم السلطان لم يكن يتعدى خمس سنوات..وإن كان بعضهم قد حكم فترات طويلة، فإن الكثير منهم قد حكم عاماً أو عامين فقط!..أضف إلى ذلك كثرة الانقلابات والاضطرابات العسكرية في فترة حكم المماليك، فقد قتل من الـسلاطين التسعة والعشرون عشرة، وخُلع اثنا عشر!!..وهكذا
    كانت القوة والسلاح هي وسيلة التغيير الرئيسية للسلاطين، وسارت البلاد على
    القاعدة التي وضعها أحد سلاطين الدولة الأيوبية (قبل المماليك)
    وهو السلطان "العادل الأيوبي"، والتي تقول: "الحكم لمن غلب"!!..

    ولعل
    من أهم أسباب عدم معرفة كثيرين بدولة المماليك هو تزوير التاريخ الإسلامي،
    والذي تولى كبره المستشرقون وأتباعهم من المسلمين المفتونين بهم, والذين
    شوهوا تاريخ المماليك لإنجازاتهم المشرقة والهامة؛ والتي كان منها: وقوفهم
    سداً منيعاً لصد قوتين عاتيتين من قوى الشر التي حاولت هدم صرح الإسلام،
    وهما التتار والصليبيون، وكان للمماليك جهاد مستمر ضد هاتين القوتين، وعلى
    مراحل مختلفة، وظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام في الأرض قرابة ثلاثة
    قرون، إلى أن تسلمت الخلافة العثمانية القوية راية المسلمين..

    وأنا
    لست في هذا الكتاب بصدد الشرح والتفصيل لأخبار دولة المماليك، فإن هذا
    يطول البحث فيه، ولكني سأفرد إن شاء الله كتابين كاملين سأشرح فيهما
    بالتفصيل نشأة المماليك، وقصة دولتهم وجهادهم..

    أما
    الكتاب الأول فسيكون عن الحروب الصليبية، وسأتحدث فيه إن شاء الله عن
    تاريخ الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، ودور آل زنكي، ثم الدولة
    الأيوبية، ثم نشأة المماليك، ودورهم في صد هذه الحملات الصليبية..

    وأما الكتاب الثاني فسيكون عن دولة المماليك ذاتها من البداية إلى النهاية..
    لكني
    في هذا الفصل سأحاول أن أمر باختصار شديد على الأحداث التي أدت إلى ظهور
    دولة المماليك، والتي كانت تحكم مصر في الوقت الذي وصل فيه التتار إلى
    الشام، وذلك خلال اجتياحهم للعالم الإسلامي..


    الدولة الأيوبية:
    ولكي نفهم هذه الفترة بوضوح لابد من العودة إلى الوراء قليلاً لمتابعة الأحداث من بدايتها..
    لقد أسَّسَ البطل الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي دولة الأيوبيين في سنة 569 هجرية، وظل يحكم هذه الدولة عشرين سنة إلى سنة 589
    هجرية، ووحد في هذه الفترة مصر والشام، وتزعم الجهاد ضد الممالك الصليبية
    باقتدار، وحقق عليهم انتصارات هائلة، والتي من أشهرها موقعة حطين الخالدة
    في ربيع الثاني سنة
    583 هجرية،
    وفتح بيت المقدس بعد حطين بثلاثة شهور فقط في رجب من نفس السنة، وترك صلاح
    الدين الأيوبي رحمه الله دولة قوية عظيمة تبسط سيطرتها على مصر والشام
    والحجاز واليمن وأعالي العراق وأجزاء من تركيا وأجزاء من ليبيا والنوبة..
    وحُصر الصليبيون في ساحل ضيق على البحر الأبيض المتوسط في الشام (انظر الخريطة رقم 16)..

    لكن ـ
    سبحان الله ـ بوفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تقلص دور الجهاد ضد
    الصليبيين، وفُتن المسلمون بالدولة الكبيرة، وكثرت الأموال، وانفتحت
    الدنيا، واتسعت البلاد، وكان من جراء هذه العوامل وغيرها أن حدثت انقسامات
    شديدة في الدولة الأيوبية، وتفككت الدولة الأيوبية بعد وفاة صلاح الدين
    الأيوبي رحمه الله..

    ولسنا
    بصدد التفصيل في هذه الخلافات والصراعات والاستقلالات، فسنفصل فيها إن شاء
    الله عند الحديث عن الحملات الصليبية في كتاب الحروب الصليبية، ولكن نذكر
    هنا أن الصراع بين أمراء الأيوبيين استمر نحو ستين سنة متصلة منذ موت صلاح
    الدين الأيوبي في سنة
    589 هجرية، وإلى انتهاء الدولة الأيوبية في سنة 648
    هجرية، ولم يكن هذا الصراعُ صراعَ كلام وسباب وشقاق فقط.. بل كان يصل إلى
    حد التقاتل بالسيوف، وإراقة الدماء المسلمة، وأدى ذلك بالطبع إلى الفُرقة
    الشديدة، والتشرذم المقيت.. بل كان يصل أحياناً الخلاف وانعدام الرؤية إلى
    درجة التعاون مع الصليبيين ضد المسلمين!! أو التعاون مع التتار ضد
    المسلمين!! وكل هذا من جراء الوقوع تحت فتنة الدنيا الرهيبة التي طالما
    حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم..

    روى ابن ماجة والطبراني وابن حبان بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "من
    كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من
    الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه
    في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة"..

    صدقت ـ والله ـ يا رسول الله..
    لقد
    جعل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الجهاد نصب عينيه، وجعل له هدفاً واحداً
    هو قتال الصليبيين، وإعلاء كلمة الدين، فجمع الله عليه أمره، وجعل غناه في
    قلبه، وأتته الدنيا ـ فعلاً ـ وهي راغمة..

    أما
    معظم السلاطين الذين جاءوا من بعده فقد جعلوا الدنيا أكبر همهم، فتفرق
    عليهم الأمر تماماً، فما عادوا يدركون الصواب من الخطأ، ولا الحق من
    الباطل، فتارة مع المسلمين، وتارة مع الصليبيين، وتارة مع التتار، فجعل
    الله عز وجل فقرهم بين أعينهم، فمنهم من مات ذليلاً، ومنهم من مات فقيراً،
    ومنهم من مات طريداً، ومنهم من مات حبيساً..

    كان هذا هو واقع المسلمين في معظم الفترة التي تلت حكم البطل الكبير صلاح الدين الأيوبي رحمه الله..

    الملك الصالح "نجم الدين أيوب":
    في هذه الصفحات سأقفز بكم خمسين سنة من الصراع، وأصل بكم إلى السنوات العشر الأخيرة من الدولة الأيوبية، وبالتحديد إلى سنة 637 هجرية، وذلك حين تولى عرش مصر السلطان الأيوبي "الصالح نجم الدين أيوب"أو
    "الملك الصالح"، والذي يعد من أفضل السلاطين الأيوبيين بعد صلاح الدين،
    وللأسف فإن كثيراً من المسلمين لا يعرفون شيئاً عن هذا السلطان العظيم حتى
    في مصر، والتي كانت مقر حكمه الرئيسي..

    تولى الملك الصالح أيوب حكم مصر سنة 637 هجرية، وكالعادة الجارية في تلك الأيام استعدّ الأمراء الأيوبيون في الشام للتقاتل معه على خلافة مصر..وحدثت بينهم مناوشات وحروب، ووصل الأمر إلى مداه في سنة 641 هجرية عندما توحدت قوى الأيوبيين المتناثرة في الشام، وتحالفت مع الصليبيين لحرب الملك الصالح أيوب!!..وذلك في مقابل أن يتنازل أمراء الشام الأيوبيون عن بيت المقدس للصليبيين!!!..
    والحق
    أن المرء لا يستطيع أن يتخيل كيف قبل أولئك الأمراء أن يتنازلوا عن بيت
    المقدس للنصارى، والمسلم الصادق لا يتخيل التفريط في أي بقعة إسلامية مهما
    صغرت، فكيف ببيت المقدس خاصة، والذي به ـ كما يعرف الجميع ـ المسجد
    الأقصى، والذي حرَّرَهُ جدهم البطل صلاح الدين رحمه الله من أيدي
    الصليبيين، وأريقت في سبيل تحريره دماء كثيرة، ومرت على المسلمين فترات
    عصيبة، وحروب مريرة..
    لكن -سبحان الله ـ هذا ما حدث بالفعل!..

    وتوحدت قوى أمراء الشام الأيوبيين مع الصليبيين في جيش كبير، وبدأ الزحف في اتجاه مصر..وهنا أعد الملك الصالح جيشه، ووضع على قيادته أكفأ قادته وهو ركن الدين بيبرس، واستعد للمواجهة..وكان
    الجيش المصري قليلاً وضعيفاً إذا قورن بالأعداد الكبيرة لجيوش الشام
    والصليبيين، ولذلك استعان الملك الصالح بالجنود الخوارزمية الذين كانوا قد
    فروا من قبل من منطقة خوارزم بعد الاجتياح التتري لها، والذي فصلنا فيه في
    الصفحات السابقة..

    وكان هؤلاء الجنود الخوارزمية جنوداً مرتزقة بمعنى الكلمة..بمعنى
    أنهم يتعاونون مع من يدفع أكثر، ويعرضون خدماتهم العسكرية في مقابل المال،
    فاستعان بهم الملك الصالح أيوب بالأجرة، ودارت موقعة كبيرة بين جيش الملك
    الصالح أيوب وبين قوى التحالف الأيوبية الصليبية، وعرفت هذه الموقعة باسم
    موقعة غزة، وكانت في سنة
    642
    هجرية، وكانت هذه الموقعة قد وقعت بالقرب من مدينة غزة الفلسطينية ـ نسأل
    الله عز وجل أن يحررها، وأن يحرر كامل فلسطين إن شاء الله ـ وانتصر فيها
    الملك الصالح انتصاراً باهراً، وقُتل من الصليبيين أعداد كبيرة وصلت إلى
    ثلاثين ألف مقاتل، وأسرت مجموعة كبيرة من أمرائهم وملوكهم، وكذلك أسرت
    مجموعة من أمراء الأيوبيين، واستغل الصالح أيوب الفرصة واتجه إلى بيت
    المقدس الذي كان الأيوبيون في الشام قد تنازلوا عنه للصليبيين، فاقتحم
    حصون الصليبيين، وحرّر المدينة المباركة بجيشه المدعم بالخوارزمية في سنة
    643
    هجرية، وبذلك حُرّر بيت المقدس نهائياً، ولم يستطع جيش نصراني أن يدخله
    أبداً لمدة سبعة قرون كاملة، إلى أن دخلته الجيوش البريطانية في الحرب
    العالمية الأولى في يوم
    16 نوفمبر سنة 1917 ميلادية، وذلك بالخيانة المعروفة لمصطفي كمال أتاتورك..نسأل الله أن يعيده من جديد إلى الإسلام والمسلمين..


    ثم إن
    الملك الصالح أيوب أكمل طريقه في اتجاه الشمال، ودخل دمشق، ووحّد مصر
    والشام من جديد، بل اتجه إلى تحرير بعض المدن الإسلامية الواقعة تحت
    السيطرة الصليبية، فحرر بالفعل طبرية وعسقلان وغيرهما..

    غير أنه حدث تطور خطير جداً في جيش الصالح أيوب رحمه الله، حيث انشقت عن جيشه فرقة الخوارزمية المأجورة!..وذلك
    بعد أن استمالها أحد الأمراء الأيوبيين بالشام مقابل دفع مال أكثر من
    المال الذي يدفعه لهم الصالح أيوب، ولم تكتف هذه الفرقة بالخروج، بل حاربت
    الصالح أيوب نفسه، ولم يثبت معه في هذه الحرب إلا جيشه الأساسي الذي أتى
    به من مصر، وعلى رأسه قائده المحنك ركن الدين بيبرس..

    وخرج الصالح أيوب من هذه الحرب المؤسفة وقد أدرك أنه لابد أن يعتمد على الجيش الذي يدين له بالولاء لشخصه لا لماله..فبدأ في الاعتماد على طائفة جديدة من الجنود بدلاً من الخوارزمية..وكانت هذه الطائفة هي: "المماليك"..

    من هم المماليك؟
    المماليك في اللغة العربية هم العبيد أو الرقيق، وبخاصة هم الذين سُبُوا ولم يُسب آباؤهم ولا أمهاتهم..ومفرد المماليك مملوك، وهو العبد الذي يباع ويشترى..(العبد الذي سُبِي أبواه يعرف بالعبد القن وليس المملوك(..
    ومع
    أن لفظ المماليك بهذا التعريف يعتبر عاماً على معظم الرقيق، إلا أنه اتخذ
    مدلولاً اصطلاحياً خاصاً في التاريخ الإسلامي، وذلك منذ أيام الخليفة
    العباسي المشهور "المأمون"، والذي حكم من سنة
    198 هجرية إلى 218 هجرية، وأخيه "المعتصم"الذي حكم من سنة 218 هجرية إلى 227 هجرية..ففي
    فترة حكم هذين الخليفتين استجلبا أعداداً ضخمة من الرقيق عن طريق الشراء
    من أسواق النخاسة، واستخدموهم كفرق عسكرية بهدف الاعتماد عليهم في تدعيم
    نفوذهما..

    وبذلك ـ ومع مرور الوقت ـ أصبح المماليك هم الأداة العسكرية الرئيسية ـ وأحياناً الوحيدة ـ في كثير من البلاد الإسلامية..وكان
    أمراء الدولة الأيوبية بوجه خاص يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في
    تدعيم قوتهم، ويستخدمونهم في حروبهم، لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حد ما،
    إلى أن جاء الملك الصالح أيوب، وحدثت فتنة خروج الخوارزمية من جيشه، فاضطر
    رحمه الله إلى الإكثار من المماليك، حتى يقوي جيشه ويعتمد عليهم، وبذلك
    تزايدت أعداد المماليك جداً، وخاصة في مصر..


    مصادر المماليك:
    كان المصدر الرئيسي للمماليك إما بالأسر في الحروب، أو الشراء من أسواق النخاسة..ومن
    أكثر المناطق التي كان يجلب منها المماليك بلاد ما وراء النهر، (النهر
    المقصود هو نهر جيحون، وهو الذي يجري شمال تركمنستان وأفغانستان، ويفصل
    بينهما وبين أوزبكستان وطاجكستان)، وكانت الأعراق التي تعيش خلف هذا النهر
    أعراق تركية في الأغلب، وكانت هذه المناطق مسرحاً دائماً للقتال وعدم
    الاستقرار، ولذلك كثر الأسرى القادمون من هذه المناطق، وكثرت أسواق الرقيق
    هناك، ومن أشهر مدن الرقيق في ذلك الوقت كانت "سمرقند"
    و"فرغانة"و"خوارزم"وغيرها..لذلك
    كان الأصل التركي هو الغالب على المماليك، وإن كان لا يمنع أن هناك مماليك
    من أصول أرمينية ومن أصول مغولية، كما كان هناك مماليك من أصول أوروبية،
    وكان هؤلاء الأوربيون يعرفون بالصقالبة، وكانوا يستقدمون من شرق أوروبا
    بوجه خاص..

    كل
    هذا كان يحدث على مدار عشرات أو مئات السنين، ولكن الأمر الذي استحدثه
    الملك الصالح أيوب ـ وتبعه بعد ذلك سلاطين دولة المماليك ـ أنه كان لا
    يأتي إلا بالمماليك الصغار في السن، أي في مرحلة الطفولة المبكرة، وكان
    غالبهم من بلاد غير مسلمة، وإن كان يحدث أحياناً أن يؤسر بعض الأطفال
    المسلمين غير الناطقين بالعربية، فلا يُعرفون، ولا يُعرف أصلهم أو دينهم،
    فيعاملون معاملة الرقيق..


    تربية المماليك:
    وكان الصالح أيوب ـ ومن تبعه من الأمراء ـ لا يتعاملون مع المماليك كرقيق..بل على العكس من ذلك تماماً..فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم..ولم
    تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً،
    بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة
    وأبناء عائلته..
    وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة..حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب "الأستاذ"وليس لقب "السيد"..

    ويشرح لنا المقريزي رحمه الله كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشترى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول:
    "إن
    أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم
    بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه
    الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية..
    ويُهتم
    جداً بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك
    مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية
    نُبه إلى ذلك، ثم عوقب"..

    لهذه
    التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشئون عادة وهم يعظمون أمر الدين
    الإسلامي جدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي، وتظل
    مكانة العلم والعلماء عالية جداً جداً عند المماليك طيلة حياتهم، وهذا ما
    يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا
    يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي..
    ولذلك
    ظهر في زمان دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال
    العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر
    العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله
    جميعاً، وظهرت أيضاً غيرهم أعداد هائلة من العلماء يصعب جداً حصرهم..


    ثم
    إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال
    فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف،
    حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية، والقوة البدنية،
    والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..


    ثم
    يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل
    المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق
    تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة،
    وغيرة إسلامية واضحة..
    وهذا كله - بلا شك -كان يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال..

    وكل
    ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام
    الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار
    منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة والنشاط، وكل ذلك
    يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء..


    وفي
    كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه الخطوات
    بدقة، بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - رحمه الله - يطمئن بنفسه على
    طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط
    إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له بالولاء
    التام..

    وهكذا دائماً..إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم - ولاشك - يحبونه
    ويعظمونه، ولا شك أيضاً أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً،
    وإذا كلفهم أمراً تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه..
    أما
    إذا كان القائد في حالة انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيداً
    عن رعيته.. يتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم
    لا يشعرون ناحيته بأي انتماء..
    بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها..ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل..


    وكان
    المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من رتبة
    إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أعطي بعض
    الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة، وقد يُعطى
    إقطاعات كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة،
    وأمراء الفرق في الجيش وهكذا..


    وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم..فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..

    وقد
    زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب،
    حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تماماً..
    وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية"(لأنهم يسكنون بجوار البحر) .


    وهكذا
    وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى
    المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك
    البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي"، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين
    بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية..































































    يتبع

    [/center]
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6995

    islam رد: سلسلة : التتار .. من البداية إلى عين جالوت

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 17:44:59


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    حملة "لويس التاسع":
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    وأقفز بكم بعض السنوات لأصل إلى سنة 647 هجرية..وفي
    هذه السنة كان الصالح أيوب قد مرض مرضاً شديداً، وكان مصاباً بمرض السل،
    وبالإضافة إلى كبر سنه فإن هذا جعله طريح الفراش في القاهرة، وفي هذه
    الأثناء وقبلها كان ملك فرنسا (لويس التاسع) يريد أن يستغل فرصة الاجتياح
    التتري لشرق العالم الإسلامي، فيقوم هو باجتياح العالم الإسلامي من ناحية
    مصر والشام، وذكرنا من قبل أنه - أي: لويس - حاول الاستعانة بخاقان التتار
    آنذاك وهو كيوك بن أوكيتاي، ولكن فشلت هذه المحاولة.. ومع ذلك فقد أصر
    لويس على المضي في حملته..

    ووقع
    اختياره على مدينة دمياط المصرية ليبدأ بها حملته لأنها كانت أهم ميناء في
    الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في ذلك الزمن، وبذلك بدأت الحملة التي
    تعرف في التاريخ بالحملة الصليبية السابعة (انظر الخريطة رقم 17)..

    لن
    ندخل في تفصيلات هذه الحملة، وإن كان بها تفصيلات في غاية الأهمية، ومواقع
    من أهم المواقع في تاريخ المسلمين، ولكن ليس المجال هنا لذكرها، إنما
    ستذكر بالتفصيل إن شاء الله في كتاب الحروب الصليبية..


    نزل الملك لويس التاسع بجيشه إلى دمياط في يوم 20 صفر سنة 647 هجرية،
    وللأسف الشديد ظنت الحامية المدافعة عن المدينة أن سلطانهم المريض الملك
    الصالح أيوب قد مات، فانسحبوا انسحاباً غير مبرر، ووقعت دمياط في أيدي
    الصليبيين بسهولة، وهي المدينة التي دوخت قبل ذلك الحملة الصليبية
    الخامسة..

    علم
    بذلك الملك الصالح رحمه الله فاشتد حزنه، وعاقب المسئولين عن جريمة سقوط
    دمياط، وتوقَّع أن النصارى الصليبيين سيتجهون إلى القاهرة عبر النيل لغزو
    العاصمة المصرية نفسها, وبذلك يُسقطون الدولة بكاملها.. لذلك فقد قرر
    بحكمته أن يرتب اللقاء في الطريق بين القاهرة ودمياط.. واختار لذلك مدينة
    المنصورة لأنها تقع على النيل، وحتمًا سيستغل الصليبيون النيل للإبحار فيه
    بسفنهم الكثيرة..


    وبالفعل أمر الملك الصالح رحمه الله بأن يحمله الناس إلى مدينة المنصورة
    الواقعة على فرع النيل الذي يأتي من دمياط، وذلك لانتظار جيش الصليبيين
    بها، والاستعداد لمعركة فاصلة هناك..
    وبالفعل
    حُمل الملك الصالح ـ رغم مرضه الشديد ـ إلى المنصورة، وبدأ فارس الدين
    أقطاي وركن الدين بيبرس يضعان الخطة المناسبة للقاء النصارى في المنصورة..


    وفاة الملك الصالح:
    وخرج النصارى من دمياط في 12 شعبان 647 هجرية متجهين جنوباً عبر النيل صوب القاهرة، وكان من المؤكد أنهم سيمرون على المنصورة كما توقع الصالح أيوب..ولكن سبحان الله في ليلة النصف من شعبان سنة 647
    هجرية توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله، وهو في المنصورة يعد
    الخطة مع جيوشه لتحصين المدينة، فنسأل له الله المغفرة والرحمة وأجر
    الشهداء..
    يقول "ابن تغري بردي"صاحب كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"والمتوفى سنة 874
    هجرية: "ولو لم يكن من محاسن السلطان الصالح نجم الدين أيوب إلا تجلده عند
    مقابلة العدو بالمنصورة، وهو بتلك الأمراض المزمنة، وموته على الجهاد
    والذبّ عن المسلمين لكفاه ذلك"، ثم يقول
    :" ما كان أصبره وأغزر مروءته!"..


    وكانت
    مصيبة خطيرة جداً على المسلمين، لا لفقد الزعيم الصالح فقط، ولكن لفقدان
    البديل والخليفة له، وخاصة في ذلك التوقيت، والبلاد في أزمة شديدة، وميناء
    دمياط محتل، وجنود الصليبيين في الطريق..

    وهنا تصرفت زوجة السلطان نجم الدين أيوب بحكمة بالغة..وكانت
    زوجته هي "شجرة الدر"، وشجرة الدرّ كانت فيما سبق جارية من أصل أرمني أو
    تركي، اشتراها الصالح أيوب ثم أعتقها وتزوجها، ولذلك فهي في الأصل أقرب
    إلى المماليك..


    ماذا فعلت شجرة الدرّ بعد وفاة السلطان الصالح أيوب؟
    لقد
    كتمت شجرة الدرّ خبر وفاته، وقالت أن الأطباء منعوا زيارته، وأرسلت بسرعة
    إلى ابن الصالح أيوب، والذي كان يحكم مدينة تعرف "بحصن كيفا "(في تركيا
    الآن)، وكان اسمه "توران شاه بن نجم الدين أيوب"، وأبلغته بخبر وفاة أبيه،
    وأن عليه أن يأتي بسرعة لاستلام مقاليد الحكم في مصر والشام، ثم اتفقت مع
    كبير وزراء الملك الصالح وكان اسمه "فخر الدين يوسف" على إدارة الأمور إلى
    أن يأتي توران شاه، ثم كلفت فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس بالاستمرار
    في الإعداد للمعركة الفاصلة في المنصورة، وهكذا سارت الأمور بصورة طيبة
    بعد وفاة الملك الصالح، ولم يحدث الاضطراب المتوقع نتيجة هذه الوفاة
    المفاجئة، وفي هذه الظروف الصعبة..

    ومع
    كل احتياطات شجرة الدرّ إلا أن خبر وفاة الملك الصالح أيوب تسرب إلى
    الشعب، بل ووصل إلى الصليبيين، وهذا أدى إلى ارتفاع حماسة الصليبيين،
    وانخفاض معنويات الجيش المصري، وإن ظل ثابتاً في منطقة المنصورة..


    ووضع
    فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس خطة بارعة لمقابلة الجيش الفرنسي في
    المنصورة، وعرضاها على شجرة الدر، وكانت شجرة الدرّ تمثل الحاكم الفعلي
    لحين قدوم توران شاه ابن الصالح أيوب..
    وأقرت شجرة الدرّ الخطة، وأخذ الجيش المصري مواقعه، واستعد للقاء..


    موقعة المنصورة:
    وفي اليومالرابعمن ذي القعدة من سنة 647
    هجرية دارت موقعة المنصورة العظيمة، وانتصر فيها المسلمون انتصاراً
    باهراً، والموقعة فيها تفصيلات رائعة لكن ليس المجال لتفصيلها هنا..

    ثم حدث هجوم آخر على جيش الملك لويس التاسع المعسكر خارج المنصورة، وذلك في اليوم السابع من ذي القعدة سنة 647 هجرية، ولكن الملك لويس التاسع تمكن من صد ذلك الهجوم بعد كفاح مرير..

    وصل توران شاه إلى المنصورة بعد هذا الهجوم الأخير بعشرة أيام في السابع عشر منذي القعدة سنة 647
    هجرية، وتسلم السلطان الشاب مقاليد الحكم، وأعلن رسمياً وفاة الملك الصالح
    نجم الدين أيوب، وولاية توران شاه حكم مصر والشام.. ثم بدأ توران شاه في
    التخطيط لهجوم جديد على الصليبيين..
    وكانت
    حالة الجيش الصليبي قد ساءت، وبدأ بالانسحاب ناحية دمياط، بينما ارتفعت
    معنويات الجيش المصري جداً للانتصارات السابقة، وخاصة انتصار المنصورة،
    ولوصول توران شاه في الوقت المناسب..

    وبعد خطة بارعة وضعها توران شاه بن الصالح أيوب استطاع الجيش المصري أن يلتقي مرة أخرى مع الصليبيين، عند مدينة "فارسكور"في أوائل المحرم سنة 648
    هجرية، بعد أقل من شهرين من موقعة المنصورة الكبيرة! ودارت هناك معركة
    هائلة تحطم فيها الجيش الصليبي تماماً، بل وأسر الملك لويس التاسع نفسه،
    ووقع جيشه بكامله ما بين قتيل وأسير، وسيق الملك لويس مكبلاً بالأغلال إلى
    المنصورة، حيث حبس في دار "فخر الدين إبراهيم ابن لقمان"..

    ووضعت
    شروط قاسية على الملك لويس التاسع ليفتدي نفسه من الأسر، وكان من ضمنها أن
    يفتدي نفسه بثمانمائة ألف دينار من الذهب يدفع نصفها حالاً ونصفها
    مستقبلاً، على أن يحتفظ توران شاه بالأسرى الصليبيين إلى أن يتم دفع بقية
    الفدية، بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى المسلمين، وتسليم دمياط للمسلمين،
    وهدنة بين الفريقين لمدة عشر سنوات..

    لقد كان انتصاراً باهراً بكل المقاييس..
    وتم بالفعل جمع نصف الفدية بصعوبة، وأطلق سراح الملك لويس التاسع إلى عكا، وكانت إمارة صليبية في ذلك الوقت..نسأل الله أن يحررها من دنس اليهود الآن..

    مقتل "توران شاه":
    ومع هذا الانتصار المبهر إلا أن توران شاه لم يكن الرجل الذي يناسب تلك الأحداث الساخنة التي تمر بالأمة..
    لقد كان توران شاه شخصية عابثة!..فلقد
    اتصف هذا السلطان الشاب بسوء الخلق، والجهل بشئون السياسة والحكم، وأعماه
    الغرور الذي ركبه بعد النصر على لويس التاسع ملك فرنسا عن رؤية أفضال
    ومزايا من حوله، فقد بدأ من ناحية يتنكر لزوجة أبيه شجرة الدر، واتهمها
    بإخفاء أموال أبيه، وطالبها بهذا المال، بل وهددها بشدة حتى دخلها منه خوف
    شديد، ولم يحفظ لها جميل حفظ الملك له بعد موت أبيه، وحفاظها على سير
    الأمور لحين قدومه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه بدأ يتنكر لكبار
    أمراء المماليك، وعلى رأسهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، ولم يحفظ
    للمماليك جميل الانتصار الرائع الذي حققوه في موقعة المنصورة، فبدأ يقلل
    من شأنهم، ويقلص من مسئولياتهم، وبدأ على الجانب الآخر يعظم من شأن الرجال
    الذين جاءوا معه من حصن كيفا، وبدا واضحاً للجميع أنه سيقوم بعمليات تغيير
    واسعة النطاق في السلطة في مصر..

    كل هذا في غضون الأشهر الثلاثة الأولى في مصر!.. وبعد موقعة فارسكور مباشرة..

    وخافت
    شجرة الدرّ على نفسها، وأسرت بذلك إلى المماليك البحرية، وخاصةً فارس
    الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، وكان المماليك البحرية يكنون لها كل
    الاحترام والولاء لكونها زوجة أستاذهم الملك الصالح رحمه الله، وكانت
    علاقة الأستاذية هذه من القوة بحيث تبقى آثارها حتى بعد موت الأستاذ.. ثم
    إن شجرة الدرّ قد وجدت نفس الوساوس في نفوس المماليك البحرية في ذات
    الوقت، ومن ثم اجتمع الرأي على سرعة التخلص من "توران شاه"
    قبل أن يتخلص هو منهم..فقرروا قتله!!..


    والحق أن المماليك بصفة عامة كان عندهم تساهل كبير في الدماء..فكانوا يقتلون "بالشك!!"..فإذا شكوا في نوايا أحد أنه "ينوي"أن
    يغدر فإن ذلك يعتبر عندهم مبرراً كافياً للقتل، ولا أدري كيف كان هذا
    التساهل عاماً في حياة المماليك، فقد ظل هذا التساهل في الدماء في كل
    فترات دولة المماليك، وكم من أمرائهم، وكم من خصومهم، بل كم من عظمائهم
    قُتل بسبب الشك في نواياه، وقد يكون هذا راجعاً إلى التربية العسكرية
    الجافة التي نشأ عليها المماليك، فكانت فيهم قسوة نسبية وشدة، وعدم تمييع
    للأمور، فهم يحبون حسم كل أمورهم بالسيف الذي يحملونه منذ نعومة أظفارهم..
    غير أن الذي لا يُفهم هو أن هؤلاء المماليك كانوا أيضاً ينشئون على التربية الدينية والفقهية..ولا أدري أي سند فقهي يعضد قتل رجل ما، حتى ولو غلب على الظن أنه سيقوم بعزلك أو "احتمال"قتلك!

    المهم
    أنه في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والتدبيرات الخفية لم يكن يُستهجن
    جداً أمر هذا القتل، حتى لتجد أن القاتل قد يفخر أمام الناس بقتله لخصمه،
    بل قد يصعد وهو مرفوع الرأس إلى كرسي الحكم، ولا يشعر بأي تأنيب للضمير،
    وكأن الدماء التي تسيل ليس لها وزن عند الله عز وجل، ولا عند الناس..

    وليس هذا دفاعاً عن "توران شاه"أو عن أي قتيل غيره، فقد يكون القتيل شخصية عابثة سيئة كريهة، ولكن العقوبات في الإسلام تأتي بمقاييس معينة وبمقادير خاصة..وهذه المقاييس لم نحددها نحن، بل حددها رب السموات والأرض..فالسارق
    ـ وإن كان مجرماً سيئاً كريهاً ـ إلا أنه لا يُقتل لمجرد السرقة بل تقطع
    يده، والزاني غير المحصن ـ وإن كان قد أتى بفعلة مشينة، وقام بعمل شنيع ـ
    إلا أنه يُجلد ولا يُرجم وهكذا..

    ولا أعتقد أن الوساوس التي كانت تدخل نفوس بعض المماليك من غيرهم كانت مبرراً شرعياً كافياً للقتل..نعم قد تكون مبرراً شرعياً للعزل أو الاعتراض أو الحبس..لكن الوصول إلى حد القتل أمر كبير جداً..
    لقد
    رفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقتل عبدًا مجوسيًا غير مسلم مع عظم
    شكه في أن العبد سيقتله، فقد كان العبد المجوسي "أبو لؤلؤة"
    يعيش في المدينة، ويكره "عمر بن الخطاب"كراهية شديدة، وعمر رضي الله عنه هو "أمير المؤمنين"آنذاك،
    وكان عمر يعلم منه هذه الكراهية، لكنه لم يفكر في قتله أو حبسه أو ظلمه
    بأي صورة من صور الظلم، لأن الأمر مجرد شك لم يرتكز على يقين
    .

    بل روى "ابن سعد"رحمه الله في (الطبقات الكبرى( بسند صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لهذا المجوسي ذات يوم: ألم أحدث أنك تقول: "لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالرحى )وكان المجوسي صانعًا ماهرًا(،
    فالتفت إليه المجوسي عابسًا، وقال: "لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها"، وقد
    قال هذه الكلمات بلهجة جعلت عمر يُقبل على من معه، ويقول: توعدني العبد
    !!..أي أن "عمر"رضي الله عنه شك شكًا كبيرًا أن هذا العبد يتوعده بالقتل، و"عمر"رضي الله عنه ليس ككل المسلمين..إن شكه يقترب من يقين الآخـرين، فهو الملهم الذي كان القرآن ينزل موافقًا لرأيه في كثير من المسـائل..

    ومع
    ذلك فعمر رضي الله عنه لم يعتمد شكه أبدًا في قتل ـ أو حتى حبس ـ "العبد
    المجوسي"، الذي ليس بمسلمٍ أصلاً، لكن تحريم الظلم، وإرساء العدل أصل من
    الأصول لا فرق فيه بين المسلم وغير المسلم..

    "ولا يجرمنكم شنئان قوم ـ أي كراهيتهم ـ على ألا تعدلوا"..
    وسبحان الله!!..صدق ظن عمر رضي الله عنه، ومرت الأيام، وقَتل العبد المجوسي "عمر بن الخطاب"رضي الله عنه، ولكن ذلك لم يغيّر من القاعدة الإسلامية شيئًا..فلا يقتل أو يحبس، أو تقام عقوبة ما، ولو صغرت على رجل أو امرأة، أو حر أو عبد، أو غني أو فقير، إلا بدليل..ودليل قوي ظاهر متفق على وضوحه..
    "إن الظن لا يغني من الحق شيئًا"..

    بل حدث مع "علي بن أبي طالب"رضي الله عنه ما هو أعجب من موقف "عمر بن الخطاب"رضي الله عنه، فعمر كان يشك في أبي لؤلؤة المجوسي، وكان هذا قبل أي محاولة للقتل..أمـا "علي بن أبي طالب"رضي الله عنه فلم يأمر بقتل الذي طعنه فعلاً ـ وهو "عبد الرحمن بن ملجم"ـ
    إلا حينما يتيقن المسلمون أن عليًا رضي الله عنه قد مات، وهنا يقتل القاتل
    بسبب قتله لعلي رضي الله عنه، أما إذا لم يمت علي رضي الله عنه فلا يقتل
    !....

    قال علي بعد أن طعنه "عبد الرحمن بن ملجم": "النفس بالنفس، إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي".
    ثم
    أوصى أولاده، وأقاربه قبل أن يموت فقال: "يا بني عبد المطلب لا ألفينكم
    تخوضون في دماء المسلمين، تقولون: "قُتل أمير المؤمنين، قُتل أمير
    المؤمنين، ألا لا يُقتلن إلا قاتلي، انظر يا "حسن"
    إن
    أنا مت فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله
    عليه وسلم يقول: "إياكم والمثلة، ولو أنها بالكلب العقور"
    .

    هذا هو الإسلام، ومع كون بعض البشر تقبل نفوسهم أن يعذبوا غيرهم من الناس بجريمة أو بدون جريمة..فإن الإسلام يحرم المثلة بالكلب العقور!!

    ونعود إلى قصتنا..
    اتفقت
    شجرة الدرّ مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك
    الصالحية البحرية على قتل "توران شاه"، وبالفعل تمت الجريمة في يوم
    27 محرم سنة 648 هجرية، أي بعد سبعين يوماً فقط من قدومه من حصن كيفا واعتلائه عرش مصر!..وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي "يحكم"بل لكي "يُدفن"!!

    وهكذا بمقتل "توران شاه"انتهى حكم الأيوبيين تماماً في مصر..وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي..

























































      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو - 7:04:56