الحلاجي محمد- Servo di Allah
- Sesso :
Numero di messaggi : 6998
من طرف الحلاجي محمد السبت 13 فبراير - 2:00:41
[center][center]روابط صوتية
خطة غزو العراق
الاجتياح التتري الثالث
منذ تولى "منكوخان" زعامة دولة التتار وهو يفكر في إسقاط الخلافة
العباسية، واجتياح العراق، ثم بعد ذلك اجتياح الشام ومصر.. وكان منكوخان
قائداً قوياً حازماً، لكن ساعده بصورة أكبر إخوته الثلاثة الذين كانوا
عوناً له في تحقيق أحلامه.. فأحد إخوته وهو "أريق بوقا" ظل معه في
"قراقورم" العاصمة؛ ليدير معه الإمبراطورية الواسعة.. وأما الأخ الثاني
"قبيلاي" فقد أوكل إليه إدارة الأقاليم الشرقية، والتي تضم الصين وكوريا
وما حولها من أقاليم.. وأما الأخ الثالث "هولاكو" فقد أصبح مسئولاً عن
إدارة إقليم فارس وما حوله، مما يجعله في مواجهة الخلافة الإسلامية
مباشرة.. ولا شك أن الجميع قد سمع عن اسم "هولاكو" قبل ذلك!!..هولاكو هو الزعيم التتري السفاح..
الذي لا يمتلك أية نزعة إنسانية.. الرجل الذي كان لا يرتوي إلا بدماء
البشر.. تماماً كسلفه جنكيزخان، لعنهما الله..هولاكو.. شخصية من أبشع الشخصيات في تاريخ الأرض!!..ولأنه كان موكلاً بقيادة إقليم
فارس، فإن مجال عمله الرئيسي كان البلاد الإسلامية.. وكانت معظم الدماء
التي أراقها دماءً إسلامية.. ومعظم الآلام التي زرعها في قلوب البشر كانت
في قلوب المسلمين.. وسبحان الله!.. كأن الحقد الذي كان في قلب هولاكو لم
يكن كافياً لتدمير الأرض، فقد تزوج امرأة لا تقل عنه حقداً وبطشاً
وظلماً.. لقد تزوج من الأميرة المغولية "طقزخاتون"، وكانت امرأة قوية ذات
نفوذ في البلاط المغولي، وكانت فوق ذلك قد انتقلت إلى النصرانية، وكانت
شديدة التعصب لديانتها، وشديدة الكراهية للإسلام..وهكذا اجتمع هولاكو مع زوجته
"طقزخاتون" ليصبا جام غضبهما على الأمة الإسلامية.. وكان الهدف واضحاً في
ذهن هولاكو.. إنه كان يريد بوضوح أن يُسقط "بغداد" عاصمة الخلافة
العباسية، ثم يتجاوزها إلى ما بعدها..ومنذ تسلم هولاكو قيادة قطاع فارس
وهو يعد العدة لإسقاط الخلافة العباسية.. والحق أن إعداده كان مبهراً
عظيماً.. بقدر ما كان رد فعل المسلمين لهذا الإعداد تافهاً حقيراً.. وإذا
كان الوضع كذلك فلابد أن ينتصر هولاكو على مناوئيه وإن كانوا مسلمين؛ ذلك
لأن لله عز وجل سننًا لا تتبدل ولا تتغير، والذي يأخذ بأسباب النصر من أهل
الدنيا يعطيه الله عز وجل وإن كان كافراً، والذي لا يُعد نفسه ليوم اللقاء
لابد أن ينهزم وإن كان مسلماً..[من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون]..وهكذا أراد هولاكو حياته الدنيا، وأعد لها إعداداً جيداً، فأخذ نصيبه من الدنيا ولم يُبخس منه شيئاً.. ماذا فعل هولاكو لكي يسقط الخلافة العباسية
لقد بدأ
هولاكو عمله في سنة 649 هجرية بحمية شديدة وسرعة فائقة، ومع ذلك فإنه كان
يتحلى بالصبر والأناة والإتقان في كل خطوة.. فمع حقده الشديد ورغبته
الملحة في تدمير الخلافة الإسلامية، واشتياقه الكامل لكنوز العباسيين، ومع
كثرة جنوده وتفوقه العسكري الظاهر، إلا أنه ـ برغم كل هذا ـ لم يتسرع في
اتخاذ قرار الحرب ضد الخلافة العباسية.. بل ظل يعد العدة في صبر حتى مرت
خمس سنوات كاملة من سنة 649 هجرية إلى سنة 654 هجرية، وهو يعمل في نشاط
لكي يكون جاهزاً تماماً..وتعالوا نتابع - كما كان
المسلمون آنذاك يتابعون! - خطوات هولاكو في إعداده: لقد عمل هولاكو في
أربعة محاور رئيسية، وبصورة متناسقة.. هذه المحاور الأربعة تزيد جداً من
فرصة انتصاره على الخلافة العباسية، وكل هذا العمل يتم قبل حركة الجيوش،
وقبل النزول الفعلي إلى ساحة المعركة في بغداد.. والجدير بالذكر أن هذا
الإعداد -في معظمه - كان يتم علناً على مرأى ومسمع من المسلمين وغير
المسلمين..!! والتاريخ يتكرر!!... المحور الأول
الاهتمام بالبنية التحتية، وتجهيز مسرح العمليات، وضمان استمرارية وسيولة الإمداد والتموين:1ـ بدأ هولاكو في إصلاح
كافة الطرق المتجهة من الصين إلى العراق، وهي مسافات رهيبة، لكنه عمل على
تهيئتها لاستيعاب الأعداد الهائلة من الجيوش التترية، مع الأخذ في
الاعتبار الطبيعة الجبلية لمنطقة طاجيكستان وأفغانستان وفارس، والموانع
الطبيعية الصعبة..2ـ أقام هولاكو الجسور
الكثيرة والكبيرة على الأنهار التي تعترض طريق الجيوش، وبالذات نهري سيحون
وجيحون، ووضع قوات كافية تحمي هذه الجسور، وبذلك ضمن استمرار عمليات
التموين، وفي ذات الوقت تفتح هذه الجسور الطريق لخط رجعة لجيوش التتار في
حال الهزيمة..3ـ جهز هولاكو مجموعة ضخمة
من الناقلات العملاقة صنعت خصيصاً لحمل أدوات الحصار الكبيرة من الصين إلى
بغداد، وبذلك لا يأخذ وقتاً طويلاً في نقل المعدات الثقيلة عبر هذه
المسافة الطويلة..4ـ بدأ هولاكو في السيطرة
على كل المدن والمراكز التي تتحكم في محاور الطرق، وبذلك تجنب حدوث أي
مباغتة أو قطع لطرق جيشه أثناء سيرها..5ـ قام هولاكو بشيء عجيب
فيه ذكاء شديد، وهو إخلاء كل الطرق من الصين إلى بغداد من قطعان الماشية
سواء البرية أو المملوكة للسكان، وذلك لترك الحشائش والأعشاب لتكفي لطعام
الأعداد الهائلة جداً من الخيول الخاصة بالفرسان، والدواب المكلفة بحمل
العتاد الحربي والغذاء والخيام وغير ذلك.. وبذلك لا يحتاج أن يحمل معه
طعاماً للحيوانات.. ولا يتعرض لمفاجأة غياب الطعام، وهو كفقد البنزين
بالنسبة للسيارات، بل أشد؛ فالسيارة تظل بحالتها إذا غاب البنزين حتى يؤتى
به، أما الحيوانات فلا تصبر على غياب الطعام.. المحور الثاني:الاستعداد السياسي والدبلوماسي:بدأ التتار في محاولة عقد بعض
الأحلاف السياسية مع بعض الأطراف وموازين القوى المختلفة، وذلك لضمان نجاح
المهمة الكبيرة، وهو تغير كبير في السياسة التترية التي ما عرفت قبل ذلك
تحالفاً ولا دبلوماسية..ولما كانت هذه نقطة تحول في
السياسة التترية، وفي ذات الوقت كانت هذه الأحلاف في منتهى الخطورة، فقد
تكفل بالقيام بهذه المعاهدات الخاقان الكبير "منكوخان" شخصياً، ولم يترك
فيها حرية التصرف "لهولاكو"، وإن كان هولاكو من أكثر الناس الذين يعتبر
برأيهم في هذا المجال..1ـ استقبل "منكوخان" زعيم
التتار سفارة صليبية أرسلت في سنة 651 هجرية من قبل "لويس التاسع" ملك
فرنسا.. الذي ما يئس من إمكانية التعاون مع التتار، وكان بالطبع يُكِنّ
حقداً كبيراً على المسلمين لهزيمته في موقعة المنصورة سنة648 هجرية، (منذ
ثلاث سنوات فقط)، وكان يتزعم السفارة راهب دومينيكاني اسمه "وليم روبروك"،
ومَثُل فعلاً بين يدي "منكوخان"، وبدأت المفاوضات للتعاون، ولكن سرعان ما
فشلت هذه المفاوضات، والسبب أن "منكوخان" كان رجلاً صريحاً للغاية؛ فلم
يكن دبلوماسيًّا بما يكفي لإبرام معاهدات أو عقد أحلاف, ولم يكن يعرف
السياسة من وجهة نظر الغرب، ولم يكن يعرف الطرق الغربية الملتوية، وتنميق
الألفاظ، واختيار العبارات، والحصول على ما تريد دون أن يشعر الطرف الآخر
أنه يفرط، ولم يكن يعرف شيئاً عن النفاق الأوروبي، أو عن الابتسامة
الأوروبية التي تخفي وراءها كل الحقد... لم يكن يعرف كل ذلك.. إنما كان
رجلاً بسيطاً واضحاً، مباشراً في كلامه، محدداً في رغباته..لقد قال "منكوخان" في بداية
مفاوضاته: إنه لا يقبل أن يكون في العالم سيد سواه!! وإنه لا يعرف كلمة
"صديق" إنما يعرف كلمة "تابع"!!.. فأصدقاؤه هم من يتبعونه.. ويعلنون
الولاء له والطاعة، وأعداؤه هم الذين يحاربونه، أو الذين لا يقبلون طاعته،
وهؤلاء ليست بينه وبينهم مفاوضات، إنما لهم السيف والإبادة..سياسة بسيطة جداً!!.. سياسة "القطب الواحد" في العالم!!..يقسم العالم إلى دولة "صديقة" أي: تابعة.. ودولة "مارقة" أي: معادية!..وبالطبع رفض ملك فرنسا أن يتحالف على أساس هذا الشرط، ومن ثم فشلت المفاوضات الأولى بين التتار وبين نصارى غرب أوروبا..2ـ وإذا كان نصارى غرب أوروبا
وملوكها القدماء يرفضون التعاون مع "منكوخان" على أساس التبعية فهناك من
الملوك الآخرين من يقبل بذلك، ويعتبره نوعاً من الواقعية..لقد فكر "هيثوم" ملك أرمينيا
النصرانية في التحالف مع التتار على أساس التبعية كما يريد "منكوخان"؛
فملك أرمينيا يعلم قوة التتار؛ إن بلاده قد دُمِّرت من قبل على أيديهم في
عهد جنكيزخان ثم في عهد أوكيتاي.. كما يعلم أن دولته ضعيفة هزيلة لا تقارن
بأي حال من الأحوال مع دولة التتار؛ فمساحة أرمينيا أقل من 30 ألف كيلومتر
مربع.. ويعلم ملك أرمينيا - أخيرًا - أنه محصور بين قوات التتار من جهة
وقوات المسلمين من جهة أخرى، والعداء قديم جداً بينه وبين المسلمين، وهو
يتحرق شوقاً لغزو بلاد المسلمين وإسقاط الخلافة العباسية، وإن لم يقبل
الآن بالتبعية للتتار فسيرغم عليها غداً، وساعتها سيفقد ملكه بلا ثمن..كل هذا دفع "هيثوم" ملك
أرمينيا أن يذهب بنفسه لمقابلة "منكوخان" في قراقورم عاصمة المغول.. ويبدو
أن منكوخان قد بدأ يتعلم طرق السياسة، وبدأ يتعلم الاعتماد على المظاهر
والكلمات المنمقة المختارة، فقد أقام "منكوخان" احتفالاً كبيراً،
واستقبالاً رسمياً مهيباً "لهيثوم" ملك أرمينيا، وعامله كملك لا كتابع،
وإن كانت كل بنود الاتفاق بينهما لا تصلح إلا بين سيد وتابع، لا ملك وملك..فبعد الاستقبال الحافل لملك
أرمينيا (الذي قدم نفسه على أنه من رعايا "منكوخان").. بدأ منكوخان يعطي
وعوداً كبيرة وهدايا عظيمة إلى هذا الملك، وهو يشتري بذلك ولاءه وتبعيته..
فماذا أعطاه "منكوخان"؟..لقد أعطاه ما يلي:1ـ ضمان سلامة الممتلكات الشخصية للملك "هيثوم" ..2ـ إعفاء كل الكنائس المسيحية والأديرة من الضرائب..3ـ مساعدة الأرمن في استرداد المدن التي أخذها السلاجقة المسلمون منهم خلال الحروب التي دارت بينهم..4ـ اعتبار ملك أرمينيا هو كبير مستشاري الخاقان الكبير "منكوخان" فيما يختص بشئون غرب آسيا..وهكذا سعد ملك أرمينيا "هيثوم" بقربه من ملك التتار..ولكن يجب أن نتساءل: في مقابل
ماذا كان هذا العطف التتري على ملك أرمينيا النصراني؟! إن الناظر للقوى
العسكرية في ذلك الوقت يجد أن القوة العسكرية لأرمينيا لا تقارن بالمرة
بقوة التتار، وقد لا تضيف إليها عدداً مؤثراً، فلماذا يتواضع ملك التتار
ويعقد معاهدة مع ملك أرمينيا؟الناظر والمحلل لهذا الحدث يجد ما يلي:ـ أولاً: ملك التتار
سيستفيد من خبرة ملك أرمينيا في حرب المسلمين.. فالعلاقة بين الأرمن
والمسلمين قديمة، وقد خبر الأرمن بلاد المسلمين وطبائعهم، ولا شك أن
المعلومات الصادقة التي سيحملها ملك أرمينيا إلى ملك التتار سيكون لها
أبلغ الأثر في حرب المسلمين.. (تمامًا كما تحالفت أمريكا القوية مع
إنجلترا الضعيفة فقط لأن عندها الخبرة في أرض المسلمين والخبرة في أرض
العراق بالتحديد..)ـ ثانياً: سيحتاج ملك
التتار إلى أعوان لإدارة هذه الأملاك الواسعة، فإذا كان المدير من أهل
البلد، وله ولاء ووفاء له فهو أفضل من الإدارة الخارجية، وأقدر على التحكم
في الموقف، وأقوى على تهدئة غضب الشعوب..ـ ثالثاً: بهذه الخطوة
يفتح ملك التتار "منكوخان" باب المعاملات مع النصارى من جديد, الذين قد
يحتاجهم بعد ذلك عند استكمال فتوحاته في داخل الشام ومصر، وقد يحتاج إلى
ملك أرمينيا في استئناف المفاوضات مع ملوك أوروبا، هذا بالإضافة إلى أنه
يعلم أن في قلوب النصارى كراهية شديدة للتتار، وذلك بسبب المذابح البشعة
التي قام بها التتار في روسيا وشرق أوروبا.. وقد تكون فرصة المعاهدة مع
ملك أرمينيا داعية إلى شيء من التعاون لرعاية المصالح المشتركة..ـ رابعاً: الاتحاد مع
مملكة أرمينيا سيكون له عامل نفسي عند المسلمين؛ فالحرب مع التتار شيء،
والحرب مع قوات "التحالف" شيء آخر!.. نعم القوات المتحالفة مع التتار لا
تمثل شيئاً يذكر في الجيش التتري.. ولكن كلمة "التحالف" لها وقع خاص في
نفوس الناس..ـ خامساً: قد توكل إلى
القوات الأرمينية المتحالفة مع التتار بعض المهام الخطرة، والتي قد يرغب
ملك التتار في تجنبها، وبذلك تكون الخسارة البشرية في جانب الأرمن بدلاً
من التتار..وهكذا فالناظر إلى هذه
المفاوضات بين التتار والأرمن يجد أن التتار لم يخسروا شيئاً مطلقاً، وأن
المفاوضات بين سيد يملك كل شيء، وتابع لا يملك أي شيء، وهكذا يفعل الزعماء
الكبار في العالم، فإنهم يعقدون معاهدات مع ملوك صغار لا يحملون من صفات
الملك إلا الاسم فقط، ويوكلون إليهم القيام بمهام كثيرة، ولا يكون المقابل
أكثر من السماح لهم بمجرد العيش إلى جوارهم في الأرض، مع إمكانية منحهم
بعض الألقاب الفخرية مثل: "كبير مستشاري ملك التتار لشئون غرب آسيا" أو
لقب: "الملك الصديق" أو "الدولة الصديقة" أو "العلاقات الحميمة بين
البلدين" أو "فخامة الرئيس" أو "جلالة الملك"....مجرد ألقاب لا تسمن ولا تغني
من جوع، والواقع الحقيقي أن القوة التي بيد التتار هي التي فرضت بنود
المعاهدة، وهذا يحدث ويتكرر في كل الأزمان والأمكنة.. فالحقوق لا تُحمى
إلا بالقوة..وهكذا عاد ملك أرمينيا
"هيثوم" منتشياً بمعاهدته، فخوراً بعلاقته مع ملك التتار، معظماً في شعبه؛
لأنه استطاع بسياسته التي يسمونها "حكيمة" أن يجنب مملكته ويلات الحروب!!..3ـ كان من رغبات "منكوخان"
أيضاً أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية في الشام، وكان لهم أكثر
من مملكة في أنطاكية وطرابلس وصيدا وحيفا وعكا، وذلك لشغل المسلمين في
منطقة الشام فلا يدافعون عن الخلافة العباسية إذا هوجمت..ولتشجيع هؤلاء الأمراء فقد
أوصل لهم ملك التتار طلب التحالف مع "صديقه" الجديد ملك أرمينيا، والذي
بدأ يقوم بدور السفير التتري في هذه المنطقة.. ولزيادة التشجيع فإن ملك
التتار وعد الأمراء الصليبيين في الشام بأن يعطيهم بيت المقدس "هدية" لهم
في حال اتفاقهم معه.. (وكان بيت المقدس قد حُرِّر مرة ثانية على يد الملك
الصالح أيوب سنة 643 هجرية بعد أن أهداه أمراء الشام الأيوبيون إلى
الصليبيين سنة 626 هـ).. وكأن منكوخان يملك بيت المقدس، وله الحق في
إهدائه!! وهكذا وعد من لا يملك بإعطاء من لا يستحق.. والتاريخ يتكرر
بحذافيره!!..ومع كل هذا التشجيع إلا أن
أمراء الممالك الصليبية بالشام ترددوا كثيراً في قبول هذه الاتفاقيات،
باستثناء أمير أنطاكية "بوهمند" الذي استحسن هذا الأمر، وانضم فعلاً إلى
ملك التتار..أما لماذا لم يستحسن بقية
الأمراء الصليبيين في الشام هذه الفكرة فذلك لأنهم أولاً: يعلمون أن
التتار لا عهد لهم، وقد يبيعونهم دون ثمن، أو يضحون بهم في مقابل أي شيء..
أو ربما دون مقابل..وثانياً: لأنهم في قلب العالم
الإسلامي، وخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار، بل لعلها خطورة أقرب..
ومن ثم لم يتحمس هؤلاء الأمراء للتحالف المعلن مع التتار، وإن كانوا لم
يرفضوا الأمر صراحة، وتعاملوا مع الطلب بالطريقة السياسية النفاقية
المعروفة، مع شيء من الابتسامة وبعض كلمات التبجيل، واختاروا أن يقفوا على
الحياد بصورة مؤقتة إلى أن ترجح إحدى الكفتين: التتارية أو الإسلامية،
وهنا سوف يسارعون في الفئة المنتصرة: يصافحون ويباركون ويهنئون ويؤيدون..
ويعتذرون أنه لولا "الظروف القاسية" التي كانت تمر بها بلادهم لهان عليهم
كل شيء في سبيل راحة المنتصر.. وهذا ما يسميه البعض "السياسة"..!!4ـ سعى "منكوخان" أيضاً إلى
عقد بعض الاتفاقات مع نصارى الشام والعراق، وهؤلاء ليسوا من الأمراء أو
الملوك، ولكنهم من النصارى الذين يعيشون في كنف الإمارات الإسلامية في
الشام، أو في الخلافة العباسية في العراق.. وهذه بالطبع لم تكن اتفاقات
رسمية ولا معلنة، وإنما كانت اتفاقات سرية مع بعض رؤوس النصارى، ومع بعض
القساوسة، وذلك لتسهيل مهمة دخول التتار إلى هذه البلاد، ولنقل الأخبار من
وإلى التتار.. وقد نجح "منكوخان" فعلاً في الوصول إلى عدد كبير من هؤلاء
النصارى، وعلى رأسهم بطريرك بغداد شخصياً وكان اسمه "ماكيكا"، وكان عاملاً
مساعداً هاماً في دخول بغداد..5ـ عقد "منكوخان" أيضاً
معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية (في جورجيا الآن).. ومع أن تاريخ التتار
مع مملكة الكرج كان تاريخاً أسود، إلا أن تاريخ الكرج مع المسلمين لم يكن
أقل سواداً؛ ومن ثم فضل نصارى الكرج التعاون مع عدوهم الجديد التتار ضد
عدوهم القديم المسلمين؛ وذلك لأمرين.. الأول: هو أن التتار لهم القوة
الأعلى، ويغلب على الظن جداً أن ينتصروا، وثانياً: لأن الحرب بين النصارى
والمسلمين حرب عقائدية أبدية كما ذكرنا من قبل، والكراهية أصيلة بين
الطرفين، ولا تغير في العقيدة، ولذلك لا تغير في الكراهية.. وغياب
الكراهية لن يكون إلا بغياب العقيدة.. قال تعالى: [ولا يزالون يقاتلونكم
حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا]أما الحرب مع التتار فهي حرب
مصالح.. فإذا تعارضت المصالح حدثت الحرب، وإذا اتفقت المصالح حدث الوئام
والألفة والصداقة.. وقد اتفقت مصالح مملكة الكرج النصرانية مع مصالح
التتار الوثنية، فلا مانع من السير معاً في طريق واحد.. وهذا أيضاً مما
يسمونه: "سياسة"!!..6ـ وإذا كانت كل هذه
المفاوضات والمعاهدات في كفة، فالمفاوضات التي سأذكرها الآن في كفة أخرى..
ليس لأهميتها فقط ولكن لغرابتها.. أو قل: لبشاعتها!!..فهذه المعاهدات عقدت مع بعض "أمراء المسلمين" لتسهيل ضرب "بلاد المسلمين"..!!ولم يعقد "منكوخان" هذه
المعاهدات بنفسه؛ لأنه استهان جداً بهؤلاء الأمراء؛ فقد كان كل واحد منهم
لا يملك سوى بضعة كيلومترات، ومع ذلك يسمي نفسه أميراً، بل ويلقب نفسه
بالألقاب الفاخرة مثل المعظم والأشرف والعزيز والسعيد وغير ذلك..وكّل "منكوخان" أخاه هولاكو في عقد هذه الاتفاقيات المخزية.. فجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون في التتار الأقوياء..]فترى الذين في قلوبهم مرض
يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو
أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين[..ـ فجاء إلى هولاكو "بدر الدين لؤلؤ" أمير الموصل ليتحالف معه..ـ وجاء سلطانا السلاجقة وهما
"كيكاوس الثاني"، و"قلج أرسلان الرابع" ليتحالفا أيضاً مع هولاكو، وكانا
في مكان حساس جداً، فهما في شمال العراق (تركيا الآن)، وتحالفهما يؤدي إلى
حصار العراق من الشمال، وقد كان أسلوب كيكاوس الثاني في التزلف إلى التتار
مخزياً جداً إلى الدرجة التي صدمت التتار أنفسهم!..ـ ورضخ أيضاً "الناصر يوسف"
أمير حلب ودمشق، ومع كونه حفيد "الناصر صلاح الدين الأيوبي" ، بل
شبيهه في الاسم واللقب.. إلا أنه لم يكن يشبهه في شيء من الأخلاق أوالروح،
بل كان مهيناً إلى الدرجة التي أرسل ابنه "العزيز" لا ليقدم إلى هولاكو
فروض الطاعة فقط، بل ليبقى معه في جيشه كأحد أمرائه!!..ـ وكذلك جاء "الأشرف الأيوبي" أمير حمص ليقدم ولاءه لزعيم التتار..لقد كانت هذه التحالفات في
منتهى الخطورة.. فهي - بالإضافة إلى مهانتها وحقارتها - قد زادت جداً من
قوة التتار الذين أصبحوا يحاصرون العراق من كل مكان، ويعرفون أخبار البلاد
من داخلها، وفوق ذلك فإن هذه التحالفات أدت إلى إحباط شديد عند الشعوب
التي رأت حكامها على هذه الصورة المخزية؛ فضعفت الهمم، وفترت العزائم،
وانعدمت الثقة في القادة، ومن ثم لم يعد لهم طاقة بالوقوف في وجه التتار..لقد كانت هذه الاتفاقيات جريمة بكل المقاييس!!..7ـ ووصل هولاكو أيضاً في
مجهوده السياسي والدبلوماسي إلى شخصية خطيرة في البلاط العباسي نفسه.. فقد
وصل إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية، وهو الشخصية الثانية في الدولة
بعد الخليفة.. وهو الوزير "مؤيد الدين العلقمي الشيعي"..!!كان مؤيد الدين رجلاً فاسداً
خبيثاً رافضياً (يرفض خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله
عنهما)، وكان شديد التشيع، كارهاً للسنة ولأهل السنة، ومن العجب أنه يصل
إلى هذا المنصب المرموق وهو على هذه الصفة، وفي دولة سنية تحمل اسم
الخلافة، ولا شك أن هذا كان قلة رأي، وضحالة فكر، وسوء تخطيط من الخليفة
المستعصم بالله الذي ترك هذا الوزير المفسد في هذا المكان الخطير..وهذا الوزير هو ممن ينطبق عليهم وصف "بطانة السوء".. ولا يخفى على عاقل كيف يكون دور بطانة السوء في فساد البلاد، وهلاك العباد..روى البخارى عن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما استخلف
خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر
وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله"..والأسوأ من ذلك أن هذا الوزير
لم يبق في مكانه شهراً أو شهرين أو عاماً أو عامين، وإنما بقي في مكانه
أربعة عشر سنة كاملة، من سنة 642 هجرية إلى سنة 656 هجرية عندما سقطت
بغداد.. وإذا مرت كل هذه الفترة دون أن يدرك الخليفة خطورته، فلاشك أن هذا
دليل واضح على خفة عقل الخليفة..لقد اتصل هولاكو بمؤيد الدين
العلقمي الشيعي، مستغلاً فساده وتشيعه وكراهيته للسنة، واتفق معه على
تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد، والمساعدة بالآراء الفاسدة،
والاقتراحات المضللة التي يقدمها للخليفة العباسي المستعصم بالله، وذلك في
مقابل أن يكون له شأن في "مجلس الحكم" الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة،
والتخلص من الخليفة.. وقد قام الوزير الفاسد بدوره على أكمل ما يكون..
وكان له أثر بارز على قرارات الخليفة، وعلى الأحداث التي مرت بالمنطقة في
تلك الأوقات..بالاطلاع على هذه الجهود
الدبلوماسية التي قام بها "منكوخان" و"هولاكو" يتبين أنهما بذلا جهداً
كبيراً ضخماً للإعداد لهذه الحملة الرهيبة، والتي تهدف إلى أمر خطير لم
يحدث قبل ذلك في الدنيا.. ولو مرة واحدة، وهو إسقاط عاصمة الخلافة
الإسلامية..وخلاصة الجهود الدبلوماسية
التترية أنهم تعاونوا تعاوناً قوياً مهماً مع ملوك أرمينيا والكرج
وأنطاكية النصارى، وحيّدوا إلى حد كبير جانب حكام الإمارات الصليبية
بالشام، وأقاموا تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق، وكذلك تحالفوا مع
بعض أمراء المسلمين، ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين العلقمي الشيعي.ولا شك أن هذه الجهود الدبلوماسية كان لها دور ملموس في إنجاح الخطة التترية لإسقاط الخلافة الإسلامية..ويجدر القول هنا: إن المسلمين
بصفة عامة ـ إلا من ندر ـ كانوا يراقبون الموقف عن بعد وكأنه لا يعنيهم..
أو وهم يشعرون بإحباط قاتل يمنع أي متحمس من القيام أو الحركة.. ولا حول
ولا قوة إلا بالله.. يتبع[/center]
[/center]