حديث مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها
وقال -صلى الله عليه وسلم-:
مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم
استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها، وكان
الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء، ويصبون على الذين أعلاها فيؤذونهم،
فقالوا: لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا، فقال الذين في أسفلها: أما إذا
منعتمونا فننقب السفينة من أسفلها فنستقي. قال: فإن أخذوا على أيديهم
فمنعوهم نجوا جميعا، وإن تركوهم هلكوا جميعا
.
نعم، وهذا هو النص الثالث من النصوص
التي ساقها المؤلف --، وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه،
والترمذي، والمؤلف روى الحديث بالمعنى، ولفظ البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن
غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير
-- يقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
مثل المدهن في حدود الله والواقع
-المدهن يعني المداهن-
مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم
استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في
أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر
أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء.
فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم
.
وهذا الحديث ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ضرب فيه مثلا، والأمثال ينتقل بها الإنسان من الأمر الحسي إلى الأمر
المعنوي، ولهذا قال الله -عز وجل-:
وَتِلْكَ الأََمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ
كان بعض السلف إذا لم يفهم المثل بكى وتلا هذه الآية:
وَتِلْكَ الأََمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ
.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب مثلا للعصاة الواقعين في معصية، ومن يقوم عليهم،
مثل القائم في حدود الله والمدهن فيها
هنا مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها، الحدود تطلق على المعاصي، وتطلق على الواجبات، ومن ذلك قوله تعالى:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا
يعني المناهي، وتطلق الحدود على الواجبات كقوله -عز وجل-:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا
لا تتجاوزوها، هذه حدود الله، الواجبات:
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا
لا تتجاوزوا الواجبات،
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا
هذه المنهيات.
مثل القائم على حدود الله والواقع فيها
أو
المداهن فيها
يعني:
مثل العاصي الذي واقع في المعصية، ومن ينهاه ومن يأخذ على يده مثل سفينة،
سفينة مكونة من طابقين، سكن بعضهم في الطابق الأعلى، وسكن بعضهم في الطابق
الأسفل، فكان الذين في الطابق الأسفل إذا احتاجوا إلى الماء صعدوا إلى
الطابق الثاني، وأدلوا دلوهم وأخذوا الماء، فمروا به على الطابق الثاني،
ثم نزلوا به إلى الطابق الأسفل، فتأذى أهل الطابق الأعلى، قالوا:
آذيتمونا، كلما جئتم أخذتم كذا وتأذينا بالماء الذي يصب علينا.
فلما رأوهم نقروا من
أسفل، قالوا: ما فيه داع نمر عليهم، نقروا من أسفل السفينة حتى يدخل
الماء، نقروا، يخرقون السفينة، يريدون خرق السفينة، ويأخذون الماء من
أسفل، أهل الدور الثاني -أو الطابق الثاني- ما هو موقفهم؟ موقفهم أحد
أمرين: إما أن يسكتوا عنهم، فإذا سكتوا عنهم وتركوهم يخرقون السفينة دخل
الماء فغرقوا هم، غرق أهل الطابق الأسفل والطابق الأعلى، كلهم يغرقون،
وإذا أخذوا على أيديهم ومنعوهم نجوا بأنفسهم ونجوا، أنجوا أنفسهم وأنجوا
أهل الطابق الأسفل.
فكذلك الآن العصاة، العصاة الآن مثل الذي
يخرق السفينة، العصاة إذا عصوا الله -عز وجل-، وأظهروا معاصيهم، وسكت
الناس عنهم؛ جاءت العقوبات والنكبات وعمت الجميع، عمت الصالح والطالح،
العاصي وغير العاصي، قال تعالى:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
بل يعني: تعم على الذين ظلموا وغيرهم إذا سكتوا.
وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح:
إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده
فإذا ظهرت المنكرات وسكت الناس جاءت النكبات والعقوبات، فعمت الصالح والطالح، ثم يبعثون على نياتهم.
وثبت
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ في بعض
الليالي فزعا وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب. فقالت
زينب -ا-: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا
كثر الخبث
والخبث: المعاصي، إذا كثر الخبث، وانتشرت المعاصي، ولم يغيرها الناس؛ جاءت
العقوبات والمصائب والنكبات، فعمت الجميع، عمت الصالح والطالح، ثم يبعثون
على نياتهم.
فالواجب على المسلمين أن يتقوا
الله -عز وجل-، وأن يأتمروا بالمعروف ويتناهوا عن المنكر، ويأخذوا على
أيدي السفهاء، ويأطروهم على الحق أطرا؛ لئلا تأتي العقوبات فتشمل الجميع.
وإنكار المنكر -كما سبق- يكون باليد،
ويكون باللسان، ويكون بالقلب، يكون باليد لولاة الأمور، واللسان في بيته
إذا كان يستطيع، ومن له ولاية، ويكون باللسان لمن يعلم هذا الأمر من
العلماء، ومن يعلم أن هذا الأمر منكر، ينكر باللسان والبيان والنصيحة
والوعظ واللين والرفق.
والمرتبة الثالثة إذا عجز وكان يترتب على
الإنكار باللسان ضرر على نفسه في بدنه أو ماله أو أهله، ينتقل إلى الإنكار
بالقلب، بمعنى أنه يكره هذا المنكر، وتظهر علامات الإنكار على وجهه،
ويفارق المجلس والمكان الذي يُعصى الله فيه، أما إذا ترك الإنسان إنكار
المنكر، لا ينكر لا باليد ولا باللسان ولا بالقلب؛ فإنه يكون آثما، يُخشى
عليه من العقوبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الحديث -ما صح إلا حديث- في صحيح
البخاري، ضرب النبي المثل، فالعصاة هم الذين يخرقون السفينة، والناس
العقلاء والصالحون هم الذين يأخذون على أيديهم، فإن أخذوا على أيديهم
ومنعوهم من المعاصي سلموا، سلم العصاة وسلموا من العقوبات، وإن تركوهم ولم
ينكروا عليهم جاءت العقوبات والمصائب والنكبات، فعمت العاصي وغير العاصي،
ولا حول ولا قوة إلا بالله،
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
وهذا يشمل أهل البدع وأهل المعاصي.
المؤلف -- ذكر هذه
النصوص للتحذير من البدع، وأنه يجب الإنكار على أهل البدع، والبدعة أشد من
المعصية، الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والرافضة والخوارج والمرجئة يجب
الإنكار عليهم؛ لأنهم عصاة مبتدعة، فإذا سكت الناس عن الإنكار عليهم،
وبيان معتقد أهل السنة والجماعة، وبيان النصوص، والرد عليهم ومناقشتهم،
وبيان فساد مذاهبهم، وإبطال شبههم؛ حتى لا تعم العقوبات والمصائب
والنكبات. نعم.