في العام الواحد والثلاثين من عمره، أسلم..
وفي السابعة والثلاثين مات شهيداً..
وبين يوم إسلامه، ويوم وفاته، 7 سنوات .. قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياماً معدودة في خدمة الله ورسوله..
انظروا..
أترون هذا الرجل الجليل ؟؟
يقطع الأرض وثباً وركضاً معه حربته إلى دار أسعد بن زرارة ليرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي بعث به محمداً عليه الصلاة والسلام إلى المدينة يدعو فيها بالتوحيد والإسلام..
أجل..
هو ذاهب إلى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة، حاملاً معه دينه.. وتاركاً للمدينة دينها..!!
وحينما دخل إلى مصعب قال له :
أنت الذي جئت تفرق بين المرء وأخيه ؟ أنت الذي جئت تفسد علينا ديننا وأولادنا وبلدنا ؟ أخرج من بيتنا
فقال له مصعب: هل أدلك على أفضل من ذلك ..؟
قال سعد : وماذا ؟ قال مصعب : اقعد واسمع , فإذا رضيت بما تسمع قبلته , وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره
قال سعد : (أنصفـــت ) ..
فجلس واستند على حربته ..
وما إن سمع سعد بعض الآيات حتي تهلل وجهه وانتعش فؤاده بنسمات حلوة هبّت عليه هبوب العافية.
فقال سعد: هذا كلام عظيم ..! ماذا يفعل من يريد أن يدخل إلى هذا الدين ..؟
فقال مصعب : تطهر ثوبيك , وتغتسل , ثم تشهد شهادة الحق وتصلي ركعتين فتغدو مثلنا
فنفذ ما قاله مصعب , ثم رجع إلى قومه , وقال لهم :
يا بني عبد الأشهل , كيف تعلمون أمري فيكم ؟
قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً
قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل و امرأة إلا أسلموا ..!
وبإسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة ، ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع محمد صلى الله عليه وسلم لله رب العالمين ..!!
فمن هنا بدأت حياة سعد بن معاذ … …!؟
وتجيء غزوة بدر ..ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ليشاورهم في الأمر.
ويقول:
” أشيروا عليّ أيها الناس..”
وهو يريد الأنصــــار …فقام أبو بكر وأحسن القول ثم تبعه عمر والمقداد رضوان الله عليهم .. فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم … ثم أعاد قوله:
” أشيروا عليّ أيها الناس”..
إن رسول الله كان يريد الأنصــار … لكن أي الأنصـــار كان يريد ..؟
فنهض – الذي كان يريده الرسول - سعد بن معاذ .. فقال:
“والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ..؟”
فقال صلى الله عليه وسلم :
( أجل )..
فقال سعد :
“يا رسول الله..لقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..على السمع والطاعة ..فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك..فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً..إنا لصُبُرٌ عند الحرب صُدُقٌ عند اللقاء..ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك…فسر بنا على بركة الله “…
أهلت كلمات سعد كالبشرى، وتألق وجه الرسول رضاً وسعادة وغبطة، فقال للمسلمين:
” سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين..
والله لكأني أنظر إلى مصرع القوم“
**
وجاءت غزوة الخندق، لتتجلى رجولة سيدنا سعد وبطولته تجلياً باهراً ومجيداً..ويتفق يهود بني قريظة مع المشركين ، فوضعوا معاً خطة القتال والغزو..
وفي طريقهم وهم راجعون إلى المدينة حرّضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب، هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الإنضمام لجيش قريش..
ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعدّ لها العدّة.. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.
وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى زعيم يهود بني قريظة، ليتبيّنا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق..فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا به يقول لهم:
” ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد”..!!
فكر رسول الله في أن يعزل غطفان عن قريش، وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب، ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة ورضي قادة غطفان، ولم يبق إلا أن يسجل الإتفاق في وثيقة..
وعند هذا المدى من المحاولة، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر، فدعا إليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم..
فقصّ عليهم حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان..
وتقدم (السعدَين ) سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى رسول الله بهذا السؤال:
” يا رسول الله..أهذا رأي تختاره، أم وحي أمرك الله به”؟؟
قال الرسول:
” بل أمر أختاره لكم..والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما”..
وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا..
هنالك قال:
“يا رسول الله..قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة، إلا بيعا..أفحين أكرمنا الله بالاسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا..؟؟
والله ما لنا بهذا من حاجة..ووالله لا نعطيهم الا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم”..!!
وعلى الفور عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه، وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة، وأنه أقرّ رأيهم والتزم به..
شهدت المدينة حصاراً رهيباً..
ولبس المسلمون لباس الحرب.
وفي إحدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا، قذفه به أحد المشركين..
وتفجّر الدم من وريده وأسعف سريعاً إسعافاً مؤقتاً يرقأ به دمه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إلى المسجد، وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه..وحمل المسلمون فتاهم العظيم إلى مكانه في مسجد الرسول..
ورفع سعد بصره الى السماء وقال:
“اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها… فإنه لا قوم أحب اليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وكذبوه، وأخرجوه..وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة”..!
لك الله يا سعد بن معاذ..!
فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول، في مثل هذا الموقف سواك..؟؟
لا تريد أن تفني أي لحظة من حياتك .. إلا وهي للإسلام ..!؟؟
يئست قريش من اقتحام المدينة، ، وعادت مخذولة إلى مكة..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة، يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا، أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه..
هنالك أمر أصحابه بالسير إلى بني قريظة.
وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوماً..
ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين، استسلموا، وتقدموا إلى رسول الله برجاء أجابهم اليه، وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ..
وكان سعد حليفهم في الجاهلية..فأرسل النبي من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ من مخيمه الذي كان يمرّض فيه بالمسجد..
جاء محمولا على دابة، وقد نال منه الإعياء والمرض..وقال له الرسول:
” يا سعد احكم في بني قريظة”.
وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت المدينة تهلك فيها بأهلها..
وقال سعد:
“اني أرى أن يقتل مقاتلوهم..وتسبى ذراريهم..وتقسّم أموالهم..”
فقال له صلى الله عليه وسلم :
( حكمت بحكم الله )
فنفذ الحكم في بني قريظة ..
ثم رفع سعد يديه وقال:
( اللهم فجّـــرها ) …
فتفجر الدم منه رضي الله عنه … فاحتضنه النبي صلى الله عليه وسلم ..
فسقط رضي الله عنه ..فوضع رسول الله رأس سعد في حجره و ابتهل إلى الله قائلاً:
” اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحاً”..!
وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودّعة برداً وسلاماً..
فحاول سعد في جهد، وفتح عينيه راجياً أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة
وقال:
“السلام عليك يا رسول الله..أما اني لأشهد أنك رسول الله”..
وتملّى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال: “هنيئاً لك يا أبا عمرو”.
فمــــات رضي الله عنه … فبكى عليه الصحابة …تقول عائشة رضي الله عنها ..:
والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وإني لفي حجرتي
ونزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا نبي الله، من هذا الذي فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟
فخرج رسول الله فعلم أن سعد قد مات .. !!!
ثم حُملت جنازته رضي الله عنه … فانبهر الصحابة من خفة وزنه .... فقال لهم رسول الله : “إن الملائكة تحمله”.!!!
ولما دفنه رسول الله كبّر وكبر المسلمون حتى ارتج البقيع… وانصرف صلى الله عليه وسلم و دموعه تحادر على لحيته، ويده في لحيته،
فسمع أم سعد تندبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“كل نادبة كاذبة إلا نادبة سعد”.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت أبواب السماء .
وفي السابعة والثلاثين مات شهيداً..
وبين يوم إسلامه، ويوم وفاته، 7 سنوات .. قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياماً معدودة في خدمة الله ورسوله..
انظروا..
أترون هذا الرجل الجليل ؟؟
يقطع الأرض وثباً وركضاً معه حربته إلى دار أسعد بن زرارة ليرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي بعث به محمداً عليه الصلاة والسلام إلى المدينة يدعو فيها بالتوحيد والإسلام..
أجل..
هو ذاهب إلى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة، حاملاً معه دينه.. وتاركاً للمدينة دينها..!!
وحينما دخل إلى مصعب قال له :
أنت الذي جئت تفرق بين المرء وأخيه ؟ أنت الذي جئت تفسد علينا ديننا وأولادنا وبلدنا ؟ أخرج من بيتنا
فقال له مصعب: هل أدلك على أفضل من ذلك ..؟
قال سعد : وماذا ؟ قال مصعب : اقعد واسمع , فإذا رضيت بما تسمع قبلته , وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره
قال سعد : (أنصفـــت ) ..
فجلس واستند على حربته ..
وما إن سمع سعد بعض الآيات حتي تهلل وجهه وانتعش فؤاده بنسمات حلوة هبّت عليه هبوب العافية.
فقال سعد: هذا كلام عظيم ..! ماذا يفعل من يريد أن يدخل إلى هذا الدين ..؟
فقال مصعب : تطهر ثوبيك , وتغتسل , ثم تشهد شهادة الحق وتصلي ركعتين فتغدو مثلنا
فنفذ ما قاله مصعب , ثم رجع إلى قومه , وقال لهم :
يا بني عبد الأشهل , كيف تعلمون أمري فيكم ؟
قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً
قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل و امرأة إلا أسلموا ..!
وبإسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة ، ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع محمد صلى الله عليه وسلم لله رب العالمين ..!!
فمن هنا بدأت حياة سعد بن معاذ … …!؟
وتجيء غزوة بدر ..ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ليشاورهم في الأمر.
ويقول:
” أشيروا عليّ أيها الناس..”
وهو يريد الأنصــــار …فقام أبو بكر وأحسن القول ثم تبعه عمر والمقداد رضوان الله عليهم .. فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم … ثم أعاد قوله:
” أشيروا عليّ أيها الناس”..
إن رسول الله كان يريد الأنصــار … لكن أي الأنصـــار كان يريد ..؟
فنهض – الذي كان يريده الرسول - سعد بن معاذ .. فقال:
“والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ..؟”
فقال صلى الله عليه وسلم :
( أجل )..
فقال سعد :
“يا رسول الله..لقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا..على السمع والطاعة ..فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك..فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً..إنا لصُبُرٌ عند الحرب صُدُقٌ عند اللقاء..ولعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك…فسر بنا على بركة الله “…
أهلت كلمات سعد كالبشرى، وتألق وجه الرسول رضاً وسعادة وغبطة، فقال للمسلمين:
” سيروا وأبشروا، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين..
والله لكأني أنظر إلى مصرع القوم“
**
وجاءت غزوة الخندق، لتتجلى رجولة سيدنا سعد وبطولته تجلياً باهراً ومجيداً..ويتفق يهود بني قريظة مع المشركين ، فوضعوا معاً خطة القتال والغزو..
وفي طريقهم وهم راجعون إلى المدينة حرّضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب، هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الإنضمام لجيش قريش..
ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعدّ لها العدّة.. فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.
وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى زعيم يهود بني قريظة، ليتبيّنا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق..فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا به يقول لهم:
” ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد”..!!
فكر رسول الله في أن يعزل غطفان عن قريش، وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب، ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة ورضي قادة غطفان، ولم يبق إلا أن يسجل الإتفاق في وثيقة..
وعند هذا المدى من المحاولة، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر، فدعا إليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم..
فقصّ عليهم حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان..
وتقدم (السعدَين ) سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى رسول الله بهذا السؤال:
” يا رسول الله..أهذا رأي تختاره، أم وحي أمرك الله به”؟؟
قال الرسول:
” بل أمر أختاره لكم..والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما”..
وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا..
هنالك قال:
“يا رسول الله..قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة، إلا بيعا..أفحين أكرمنا الله بالاسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا..؟؟
والله ما لنا بهذا من حاجة..ووالله لا نعطيهم الا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم”..!!
وعلى الفور عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه، وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع المفاوضة، وأنه أقرّ رأيهم والتزم به..
شهدت المدينة حصاراً رهيباً..
ولبس المسلمون لباس الحرب.
وفي إحدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا، قذفه به أحد المشركين..
وتفجّر الدم من وريده وأسعف سريعاً إسعافاً مؤقتاً يرقأ به دمه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل إلى المسجد، وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه..وحمل المسلمون فتاهم العظيم إلى مكانه في مسجد الرسول..
ورفع سعد بصره الى السماء وقال:
“اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها… فإنه لا قوم أحب اليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك، وكذبوه، وأخرجوه..وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة”..!
لك الله يا سعد بن معاذ..!
فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول، في مثل هذا الموقف سواك..؟؟
لا تريد أن تفني أي لحظة من حياتك .. إلا وهي للإسلام ..!؟؟
يئست قريش من اقتحام المدينة، ، وعادت مخذولة إلى مكة..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة، يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا، أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه..
هنالك أمر أصحابه بالسير إلى بني قريظة.
وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوماً..
ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين، استسلموا، وتقدموا إلى رسول الله برجاء أجابهم اليه، وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ..
وكان سعد حليفهم في الجاهلية..فأرسل النبي من أصحابه من جاؤوا بسعد بن معاذ من مخيمه الذي كان يمرّض فيه بالمسجد..
جاء محمولا على دابة، وقد نال منه الإعياء والمرض..وقال له الرسول:
” يا سعد احكم في بني قريظة”.
وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت المدينة تهلك فيها بأهلها..
وقال سعد:
“اني أرى أن يقتل مقاتلوهم..وتسبى ذراريهم..وتقسّم أموالهم..”
فقال له صلى الله عليه وسلم :
( حكمت بحكم الله )
فنفذ الحكم في بني قريظة ..
ثم رفع سعد يديه وقال:
( اللهم فجّـــرها ) …
فتفجر الدم منه رضي الله عنه … فاحتضنه النبي صلى الله عليه وسلم ..
فسقط رضي الله عنه ..فوضع رسول الله رأس سعد في حجره و ابتهل إلى الله قائلاً:
” اللهم إن سعداً قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحاً”..!
وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودّعة برداً وسلاماً..
فحاول سعد في جهد، وفتح عينيه راجياً أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة
وقال:
“السلام عليك يا رسول الله..أما اني لأشهد أنك رسول الله”..
وتملّى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال: “هنيئاً لك يا أبا عمرو”.
فمــــات رضي الله عنه … فبكى عليه الصحابة …تقول عائشة رضي الله عنها ..:
والذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وإني لفي حجرتي
ونزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا نبي الله، من هذا الذي فتحت له أبواب السماء، واهتز له العرش؟
فخرج رسول الله فعلم أن سعد قد مات .. !!!
ثم حُملت جنازته رضي الله عنه … فانبهر الصحابة من خفة وزنه .... فقال لهم رسول الله : “إن الملائكة تحمله”.!!!
ولما دفنه رسول الله كبّر وكبر المسلمون حتى ارتج البقيع… وانصرف صلى الله عليه وسلم و دموعه تحادر على لحيته، ويده في لحيته،
فسمع أم سعد تندبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“كل نادبة كاذبة إلا نادبة سعد”.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش ، وفتحت أبواب السماء .