فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الذِي جعلَ يومَ عرفاتٍ يومًا تُقبلُ فيهِ الدعواتُ ، وتُقضَى فيهِ الحاجاتُ ، وتُغفرُ فيهِ الزلاتُ ، وجعلَ صيامَهُ مكفرًا للسيئاتِ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، القائلُ جلَّ شأنُهُ : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ القائلُ صلى الله عليه وسلم :« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ». اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ .
أمَّا بعدُ : فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى، وراقبُوهُ فِي السرِّ والنجوَى، قالَ تعالَى : وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
أيهَا المسلمونَ : إنَّ يومَ عرفةَ يومٌ مشهودٌ ، فهوَ مِنَ الأيامِ العشرِ التِي أقسمَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى بِهَا فِي كتابِهِ فقالَ : وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ففيهِ يجتمعُ الناسُ فِي صعيدٍ واحدٍ خاضعينَ للهِ الواحدِ ، يجمعُهُمْ منهجٌ واحدٌ ، كلُّهُمْ يرجُونَ رحمةَ اللهِ تعالَى ، يدعونَهُ أنْ يغفرَ ذنوبَهُمْ ، ويرضَى عنْهُمْ ، ويؤمِّنَهُمْ يومَ الفزعِ الأكبرِ، ويعتقَهُمْ مِنَ النارِ، هذَا اليومُ الذِي وضعَ فيهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مبادئَ التسامحِ والتآخِي بينَ المسلمينَ، وحرَّمَ دماءَهُمْ وأعراضَهُمْ وأموالَهُمْ فقالَ صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا ».
إنَّ يومَ عرفةَ يومٌ يتجلَّى فيهِ اللهُ عزَّ وجلَّ علَى عبادِهِ ، يباهِي بِهِمْ الملائكةَ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى رضيَ اللهُ عنهُمَا أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى مَلاَئِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى أَتَوْنِى شُعْثاً غُبْراً».
أيهَا المسلمونَ : يُسنُّ صيامُ يومِ عرفةَ لغيرِ أهلِ عرفةَ ، فهُوَ قربَى للهِ عزَّ وجلَّ ، لأنَّهُ يكفرُ الذنوبَ ، فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ رضىَ اللهُ عنهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ :« يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ ». مِنْ أجلِ ذلكَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعُو اللهَ تعالَى كثيرًا فِي يومِ عرفةَ ، لأنَّ الدعاءَ فيهِ أَفْضَلُ الدعاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ».
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ :« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمَلَكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ». وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ » .
ومِنْ فضائلِِ هذَا اليومِ أنَّ اللهَ تعالَى أكْمَلَ فيهِ الدينَ وأتَمَّ فيهِ النعمةَ، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَرضيَ اللهُ عنهُمَا : أنهُ قرأَ هَذِهِ الآيَةَ:] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً وقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
فاحفظُوا فيهِ عبادَ اللهِ جوارحَكُمْ فقدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ. واغتنمُوا هذَا اليومَ بالصيامِ والدعاءِ والتضرعِ إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ ، والإكثارِ مِنَ العملِ الصالِحِ ، وأبشرُوا فإنَّ اللهَ تعالَى عندَ ظنِّ عبدِهِ بهِ ، وإنهُ أكرمُ مِنْ أنْ يردَّ عبدًا سألَهُ .
اللَّهُمَّ تقبَّلْ أعمالَنَا ، واستجِبْ دعاءَنَا ، واغفِرْ ذنوبَنَا ، ويسِّرْ أمورَنَا ، ووسِّعْ أرزاقَنَا ، وبارِكْ لنَا فِي أعمَارِنَا .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وأَستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسولُهُ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بَعْدُ : فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلمُوا أنَّ يومَ عرفةَ يومٌ جليلُ القدرِ عظيمُ الفضلِ ، يتجَلَّى اللهُ تعالَى فيهِ عَلَى حُجاجِ بيتِهِ الحرامِ، فيستجيبُ لدعائِهِمْ، ويُحقِّقُ رجاءَهُمْ، ويغفرُ ذنوبَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَا رُئِىَ الشَّيْطَانُ يَوْماً هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِى يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ ».
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ
تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ وفِّقْنَا لصيامِ يومِ عرفةَ ، واستجِبْ فيهِ دعاءَنَا ، وحقِّقْ فيهِ مرادَنَا ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِالأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا ، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ. »اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ
لتحميل الخطبة بصيغة ملف (Word)لتحميل الخطبة بصيغة ملف (PDF)
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الذِي جعلَ يومَ عرفاتٍ يومًا تُقبلُ فيهِ الدعواتُ ، وتُقضَى فيهِ الحاجاتُ ، وتُغفرُ فيهِ الزلاتُ ، وجعلَ صيامَهُ مكفرًا للسيئاتِ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ، القائلُ جلَّ شأنُهُ : سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ القائلُ صلى الله عليه وسلم :« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ». اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدينِ .
أمَّا بعدُ : فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوَى، وراقبُوهُ فِي السرِّ والنجوَى، قالَ تعالَى : وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
أيهَا المسلمونَ : إنَّ يومَ عرفةَ يومٌ مشهودٌ ، فهوَ مِنَ الأيامِ العشرِ التِي أقسمَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى بِهَا فِي كتابِهِ فقالَ : وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ففيهِ يجتمعُ الناسُ فِي صعيدٍ واحدٍ خاضعينَ للهِ الواحدِ ، يجمعُهُمْ منهجٌ واحدٌ ، كلُّهُمْ يرجُونَ رحمةَ اللهِ تعالَى ، يدعونَهُ أنْ يغفرَ ذنوبَهُمْ ، ويرضَى عنْهُمْ ، ويؤمِّنَهُمْ يومَ الفزعِ الأكبرِ، ويعتقَهُمْ مِنَ النارِ، هذَا اليومُ الذِي وضعَ فيهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مبادئَ التسامحِ والتآخِي بينَ المسلمينَ، وحرَّمَ دماءَهُمْ وأعراضَهُمْ وأموالَهُمْ فقالَ صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا ».
إنَّ يومَ عرفةَ يومٌ يتجلَّى فيهِ اللهُ عزَّ وجلَّ علَى عبادِهِ ، يباهِي بِهِمْ الملائكةَ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى رضيَ اللهُ عنهُمَا أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى مَلاَئِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى أَتَوْنِى شُعْثاً غُبْراً».
أيهَا المسلمونَ : يُسنُّ صيامُ يومِ عرفةَ لغيرِ أهلِ عرفةَ ، فهُوَ قربَى للهِ عزَّ وجلَّ ، لأنَّهُ يكفرُ الذنوبَ ، فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ رضىَ اللهُ عنهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ :« يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ ». مِنْ أجلِ ذلكَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعُو اللهَ تعالَى كثيرًا فِي يومِ عرفةَ ، لأنَّ الدعاءَ فيهِ أَفْضَلُ الدعاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ».
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ :« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمَلَكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ». وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ » .
ومِنْ فضائلِِ هذَا اليومِ أنَّ اللهَ تعالَى أكْمَلَ فيهِ الدينَ وأتَمَّ فيهِ النعمةَ، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَرضيَ اللهُ عنهُمَا : أنهُ قرأَ هَذِهِ الآيَةَ:] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً وقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ.
فاحفظُوا فيهِ عبادَ اللهِ جوارحَكُمْ فقدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ. واغتنمُوا هذَا اليومَ بالصيامِ والدعاءِ والتضرعِ إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ ، والإكثارِ مِنَ العملِ الصالِحِ ، وأبشرُوا فإنَّ اللهَ تعالَى عندَ ظنِّ عبدِهِ بهِ ، وإنهُ أكرمُ مِنْ أنْ يردَّ عبدًا سألَهُ .
اللَّهُمَّ تقبَّلْ أعمالَنَا ، واستجِبْ دعاءَنَا ، واغفِرْ ذنوبَنَا ، ويسِّرْ أمورَنَا ، ووسِّعْ أرزاقَنَا ، وبارِكْ لنَا فِي أعمَارِنَا .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وأَستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسولُهُ، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بَعْدُ : فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلمُوا أنَّ يومَ عرفةَ يومٌ جليلُ القدرِ عظيمُ الفضلِ ، يتجَلَّى اللهُ تعالَى فيهِ عَلَى حُجاجِ بيتِهِ الحرامِ، فيستجيبُ لدعائِهِمْ، ويُحقِّقُ رجاءَهُمْ، ويغفرُ ذنوبَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَا رُئِىَ الشَّيْطَانُ يَوْماً هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِى يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ ».
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ
تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ وفِّقْنَا لصيامِ يومِ عرفةَ ، واستجِبْ فيهِ دعاءَنَا ، وحقِّقْ فيهِ مرادَنَا ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا منْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْبِتْ لنَا منْ بَرَكَاتِالأَرْضِ ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا ، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ. »اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ
لتحميل الخطبة بصيغة ملف (Word)لتحميل الخطبة بصيغة ملف (PDF)