عمر بن الخطاب " الفاروق "
أحد العشرة المبشرين بالجنة
إذا ذُكِرت الشدّة في الحق ذُكِر ، وإن ذُكِر العَدْل ذُكِر ، وإن ذُكِر التواضع ذُكِر ، وإن ذُكرت الرّحمة بالمساكين ، فهو مَثَل ، وإذا ذُكِرت الفتوحات ذُكِر .. وإذا ذُكِر الخير ذُكِر عُمر الخير رضي الله عنه وأرضاه .
اسمـــــــــــه
عُمر بن الخطّاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العَدويّ .
يَجتمع نسبه مع رسول الله ص في كعب بن لؤي بن غالب .
كنــــــــــــــــيته
أبو حفص ، وهي كُنية ، وليس له ولد بهذا الاسم .
لقـــــــــــــــــبه
الفاروق . ولُقِّب به لأنه أظهر الإسلام بمكّة ، ففرّق الله بين الكفر والإيمان
وكان رسول الله يقول : اللهم أعزّ الإسلام بِعُمَر بن الخطاب . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني
مولـــــــــــــده
وُلِد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم
حياته في الجاهليـة
تعلّم القراءة والكتابة في الجاهلية .
وتحمّل المسؤولية صغيراً .
ونشأ نشأة غليظة شديدة ، لم يَعرف فيها ألوان التّرف ، ولا مظاهر الثروة ،
حيث دَفَعه أبوه " الخطّاب " في غلظة وقسوة إلى المراعي يَرعى إبله
وكان عمر رضي الله عنه يَرعى إبلاً لخالات له من بني مخزوم
ثم اشتغل بالتجارة مما جَعَله من أغنياء مكة ، ورَحَل صيفا إلى الشام ،
وشتاء إلى اليمن ، واحتلّ مكانة بارزة في المجتمع المكيّ الجاهليّ ، وأسهم
بشكل فعّال في أحداثه ، وساعَدَه تاريخ أجداده المجيد
قال ابن الجوزي
: كانت إليه السفارة في الجاهلية ، وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب
بعثوه سفيرا ، أو إن نَافَرَهم حيٌّ المفاخرة بعثوه مُفاخِراً ، ورَضُوا
به
صفاته الْخَلْقية والْخُلُقيّـة
قال ابن الجوزي : كان أبيض طوالا ، تعلوه حمرة ، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم .
وكان عمر رضي الله عنه رجلا حَكيما ، بليغاً ، حصيفاً ، قوياً ، حَليماً ، شريفاً ، قويّ الحجّة ، واضح البيان .
زوجاته رضي الله عنه
تزوّج في الجاهلية بـ زينب بنت مظعون ، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة
وتزوّج مليكة بنت جرول ، فَوَلَدَتْ له عبيد الله .
وتزوّج قُرَيبَة بنت أبي أمية المخزومي ، ففارقها في الهدنة .
وتزوّج أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فولدت له فاطمة .
وتزوّج جميلة بنت عاصم بن أبي الأقلح .
وتزوّج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
وتزوّج بعد ذلك أم كلثوم بنتت عليّ رضي الله وأمها فاطمة بنت النبي ورضي الله عنها ، وولدت له زيدا ورُقيّـة وتزوّج لُهْيَة – امرأة من اليمن – فولدت له عبد الرحمن الأصغر ، وقيل الأوسط . وقيل : هي أم ولد .
وقالوا : كانت عنده فُكيهة – أم ولد – فولدت له زينب .
وكان عمر رضي الله عنه يَتزوّج من أجل الإنجاب ، وإكثار الذرية ، فقد قال
رضي الله عنه : ما آتي النساء للشهوة ، ولولا الولد ما بالَيتُ ألاّ أرى
امرأة بِعيني .
وقال : إني لأُكْرِه نفسي على الجماع رجاء أن يُخرِج الله مِنِّي نسمة تُسبّحه وتذكره .
أولاده
جُملة أولاده ثلاثة عشر ولداً ، وهم :
زيد الأكبر ، وزيد الأصغر ، وعاصم ، وعبد الله ، وعبد الرحمن الأكبر ،
وعبد الرحمن الأوسط ، وعبد الرحمن الأصغر ، وعبيد الله ، وعياض ، وحفصة ،
ورقية ، وزينب ، وفاطمة رضي الله عنهم .
اسلامه رضى الله عنه
قال ابن الجوزي : قال علماء السِّيَر : أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة ، وهو ابن ست وعشرين سنة .
وعند البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر اجتمع
الناس عند داره ، وقالوا : صبأ عمر . وأنا غلام فوق ظهر بيتي ، فجاء رجل
عليه قباء من ديباج ، فقال : قد صبأ عمر ، فما ذاك ؟ فأنا له جار . قال :
فرأيت الناس تصدّعوا عنه . فقلت : من هذا ؟ قالوا : العاص بن وائل .
وروى البخاري عن سعيد بن زيد أنه قال : لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم .
وروى ابن الجوزي – بإسناده – إلى أنس بن مالك قال : خرج عمر متقلدا بسيفه
- أو قال بالسيف - فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : إلى أين تعمد يا عمر ؟
قال : أريد أن أقتل محمدا . قال : وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة ، وقد
قتلت محمدا ؟ قال : فقال عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت
عليه . قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا
دينك الذي أنت عليه . قال : فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من
المهاجرين يُقال له : خبّاب . قال : فلما سمع خباب حسّ عمر توارى في البيت
، فدخل ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ وكانوا يقرأون (طه) ،
فقالا : ما عدا حديا تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما ؟ قال :
فقال له ختنه : أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ قال : فوثب عمر
على ختنه فوطئه وطئا شديدا ، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة
فدمى وجهها ، فقالت - وهي غضبى - : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ اشهد
أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله . فلما يئس عمر قال : أعطوني
هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه . قال : وكان عمر يقرأ الكُتُب ، فقالت أخته
: إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فَقُم فاغتسل وتوضأ . قال : فقام عمر
فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ : ( طه ) حتى انتهى إلى قوله : (إِنَّنِي أَنَا
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي) قال : فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر ،
خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر ! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك ليلة الخميس : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام . قال : ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار قال : وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأُناس من أصحاب رسول الله ]فلما رأى حمزة وَجِل القوم من عمر قال حمزة : نعم فهذا عمر ، فإن يُرد الله بعمر خيرا يُسلِم ويتبع النبي ، وإن يُرد غير ذلك يَكن قتله علينا هينا . قال : والنبي داخل يُوحى إليه . قال : فخرج رسول الله حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ، فقال : ما أنت منتهياً يا عمر حتى يُنْزِل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة . اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب . قال : فقال عمر : أشهد أنك رسول الله . فأسْلَمَ
وعند الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله
قال : للهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بأبي جهل ، أو بعمر بن
الخطاب . قال : وكان أحبّهما إليه عمر . وصححه الألباني .
فضـــــــائلــــه
فضائله رضي الله عنه كثيرة جداً .
] قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن عمر رضي الله عنه : مُهاجري أوليّ بدريّ .
يعني أن عمر رضي الله عنه من أوائل المهاجِرين .
وهو بَدري أي أنه شهِد بَدر .
وقد قال النبي عن أهل بدر : لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وَجَبَتْ لكم الجنة . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غَفَرْتُ لكم .
وقال رسول الله: إن الله جعل الحق على لسان عُمَرَ وقَلْبِه . رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وابن حبان وغيرهم .
ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه وافَقَ ربه في ثلاث .
قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام
إبراهيم مصلى فنزلت : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
) ، وآية الحجاب قلت : يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن ، فإنه
يُكلّمهن البر والفاجر ، فَنَزَلَتْ آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى
الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ، فَنَزَلَتْ
هذه الآية . رواه البخاري من حديث أنس ، ومسلم من حديث ابن عمر
وهذا من الإلهام الذي أشار إليه النبي بقوله :
قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن وهب : تفسير مُحَدَّثُون مُلْهَمُون .
وعمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم
وهو المؤمن الذي شهِد له النبي بالإيمان
قال رسول الله
: بينما رجل راكب على بقرة الْتَفَتَتْ إليه فقالت : لم أُخْلَق لهذا ،
خُلِقْتُ للحِراثة . قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . وأخذ الذئب شاة
فتبعها الراعي فقال : الذئب من لها يوم السبع ، يوم لا راعي لها غيري ؟
قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . قال أبو سلمة : وما هما يومئذ في القوم
. رواه البخاري ومسلم .
وشِهد له رسول الله بِقوّة الدِّين .
قال عليه الصلاة والسلام
: بينا أنا نائم رأيت الناس يُعْرَضُون عليّ وعليهم قُمُص ، منها ما يبلغ
الثُّدِيّ ، ومنها ما دون ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص
يَجُرّه . قالوا : فما أوّلت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدِّين . رواه
البخاري ومسلم .
وشهِد له النبي بالعِلم .
قال رسول الله:
بينا أنا نائم أُتِيتُ بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريّ يَخْرُج في
أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قالوا : فما أوّلته يا رسول الله
؟ قال : العِلم . رواه البخاري
وشهِد له بصواب الرأي .
صلى رسول الله] العصر ، فقام رجل يُصلي فرآه عمر ، فقال له : اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَصْل . فقال رسول الله : أحسن ابن الخطاب . رواه الإمام أحمد
وفي رواية عند الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب .
وصدّق رسول الله قول عمر رضي الله عنه .
روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر ، فقال : امرأة جاءت تبايعه
فأدخلتها الدولج ، فأصبتُ منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك لعلها مُغيّب
في سبيل الله . قال : أجل . قال : فائتِ أبا بكر فسأله . قال : فأتاه
فسأله ، فقال : لعلها مُغيب في سبيل الله . قال : فقال مثل قول عمر ، ثم
أتى النبي
، فقال له مثل ذلك . قال : فلعلها مُغيب في سبيل الله ونزل القرآن : (
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) إلى
آخر الآية ، فقال : يا رسول الله إليّ خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره
بيده فقال : لا ولا نعمة عين بل للناس عامة ، فقال رسول الله : صَدَقَ عمر
وشهِد له رسول الله بالجنّة .
عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد ، فَذَكَرَ رجلٌ علياً عليه
السلام ، فقام سعيد بن زيد فقال : أشهد على رسول الله
أني سمعته وهو يقول : عشرة في الجنة : النبي في الجنة ، وأبو بكر في الجنة
، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ،
والزبير بن العوام في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف
في الجنة ، ولو شئت لسمّيت العاشر . قال : فقالوا : من هو ؟ فَسَكَتْ .
قال : فقالوا : من هو ؟ فقال : هو سعيد بن زيد . رواه الإمام أحمد وأبو
داود .
وفي الصحيحين عن أبي موسى أن النبي
دَخَلَ حائطاً وأمَرَنِي بِحِفْظِ الباب ، فجاء رجل يستأذن ، فقال : ائذن
له وبشّره بالجنة . فإذا أبو بكر ، ثم جاء عمر ، فقال : ائذن له وبشّره
بالجنة ، ثم جاء عثمان ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنة .
ورأى له النبي قصراً في الجنة .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريره عن رسول الله
أنه قال : بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر
، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لِعُمَرَ بن الخطاب ، فذكرت غيرة عمر فولّيت
مُدبِرا . قال أبو هريرة : فبكى عمر ونحن جميعا في ذلك المجلس مع رسول
الله ، ثم قال عمر : بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار ؟
وعُمر رضي الله عنه هو العبقري القويّ في حياته وفي خلافته
قال رسول الله
: أُرِيتُ في المنام أني أنزع بِدَلْوٍ بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر
فَنَزَعَ ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن
الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا يَفْرِي فَرْيِهُ حتى رَوي الناس ،
وضربوا بِعَطَن . رواه البخاري ومسلم .
وعمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين أُمِرنا أن نقدي بهم ، كما في قوله
: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي
وابن ماجه وغيرهم .
وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح
ومرتبته من أعلى مراتب الصحابة ، ولذلك لما سُئل رسول الله
: أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال عمر بن العاص : فقلت : مِن
الرِّجَال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فَعَدّ
رجالا . رواه البخاري ومسلم .
روى البخاري من طريق محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي [ يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ] : أي الناس خير بعد رسول الله
؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان ،
قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين .
قال عبد الله بن سلمة : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ، وخير الناس بعد أبي بكر عمر . رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وروى البخاري من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نُخَيِّر بين الناس في زمن النبي فنُخَيِّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم .
وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني لواقف في
قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب ، وقد وُضِعَ على سريره ، إذا رجل من خلفي
قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله ، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع
صاحبيك ، لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله
يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر
، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما . فَالْتَفَتُّ فإذا هو علي بن أبي
طالب . رواه البخاري
وفي رواية للبخاري :
قال ابن عباس :
وُضِعَ عُمر على سريره ، فتكنفه الناس يَدْعُون ويُصَلُّون قَبْلَ أن
يُرْفَع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي
طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر ، وقال : ما خَلّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى
الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ،
وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي يقول : ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر
وفي رواية له قال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبتَ رسول الله
فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتَ أبا بكر فأحسنت صحبته،
ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتهم فأحسنتَ صحبتهم ، ولئن فارقتهم
لتفارقنهم وهم عنك راضون .
وصَدق عليّ رضي الله عنه .. فكان عُمر رضي الله عنه مع النبي في حياته وبعد مماته .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : صَعَدَ أُحُداً ، وأبو بكر وعمر وعثمان ،
فرجف بهم ، فقال : اثْبُت أُحُد ، فإنما عليك نبيّ وصِدّيق وشهيدان . رواه
البخاري .
فهذه شهادة النبي
لصاحبيه ، فشهادته لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصِّدِّيق ، ولِعمر رضي
الله عنه بأنه يموت شهيدا ، وهكذا كان ، وكذلك بالنسبة لعثمان رضي الله
عنه .
وبينما رسول الله
في حائط من حائط المدينة ، وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذ
استفتح رجل ، فقال : افتح وبشّره بالجنة . قال : فإذا أبو بكر ، ففتحت له
وبشرته بالجنة . قال : ثم استفتح رجل آخر ، فقال : افتح وبشّره بالجنة .
قال : فذهبت فإذا هو عمر ، ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر
قال : فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : افتح وبشّره بالجنة على
بَلْوَى تكون . قال : فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان . قال : ففتحت وبشّرته
بالجنة . قال : وقلت الذي قال ، فقال : اللهم صبراً ، أو : الله المستعان
. رواه البخاري ومسلم .
فهذا من صحبته للنبي في حياته .
وأما بعد مماته
فقد جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله ؟ فأشار بيده إلى القبر ، ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .
ولما سأل سالم بن أبي حفصة جعفرَ الصادق عن أبي بكر وعمر ، فقال : يـا
سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر
: يا سالم أيسُبُّ الرجل جــدّه ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبْرَأ من عدوهما .
فالشاهد هنا شهادة آل بيت النبي لِعمر رضي الله عنه ، واعتراف أهل الفضل بِفضل عُمر رضي الله عنه وعنهم
وكما أن مرتبة أبي بكر وعمر أعلى مراتب الصحابة فكذلك منازلهما في الجنة
قال رسول الله: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين .
وقال عليه الصلاة والسلام : إن أهل الدرجات العُلَى يَراهم من أسفل منهم
كما يُرى الكوكب الطالع في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم
، وأنْعَمَـا . رواه الترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني .
قال مسلم البطين :
أنَّى تُعاتِب لا أبا لك عصبة *** عَلِقوا الفِرى وبَرَوا من الصديق
سفها تَبَرَّوا من وَزيرِ نَبِيِّهم *** تَبـّاً لمن يَـبْرا من الفـاروق
إني على رغم العِداة لقائل *** دانا بدين الصادق المصدوق
زاد سفيان عن مسلم البطين :
قول يصدقني به أهل التقى *** والعلم من ذي العرش والتوفيق
والاهما في الدِّين كل مهاجر *** صحب النبي وفاز بالتصديق
رواه ابن جرير في تهذيب الآثار
وقال القحطاني في نونيته :
قُل إنّ خير الأنبياء محمد *** وأجلّ من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد *** وكذاك أفضل صحبه
رجلان قد خُلقا لنصر محمد *** بِدَمِي ونفسي ذانك الرجلان
فهما اللذان تظاهرا لنبينا *** في نصره وهما له صهران
بنتاهما أسنى نساء نبينا *** وهما له بالوحي صاحبتان
أبواهما أسنى صحابة أحمد *** يا حبذا الأبوان والبنتان
]وهما وزيراه اللذان هما هما *** لفضائل الأعمال مستبقان
وهما لأحمد ناظراه وسمعه *** وبِقُرْبِه في القبر مُضطجعان
كانا على الإسلام أشفق أهله *** وهما لِدِينِ محمدٍ جبلان
أحد العشرة المبشرين بالجنة
إذا ذُكِرت الشدّة في الحق ذُكِر ، وإن ذُكِر العَدْل ذُكِر ، وإن ذُكِر التواضع ذُكِر ، وإن ذُكرت الرّحمة بالمساكين ، فهو مَثَل ، وإذا ذُكِرت الفتوحات ذُكِر .. وإذا ذُكِر الخير ذُكِر عُمر الخير رضي الله عنه وأرضاه .
اسمـــــــــــه
عُمر بن الخطّاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العَدويّ .
يَجتمع نسبه مع رسول الله ص في كعب بن لؤي بن غالب .
كنــــــــــــــــيته
أبو حفص ، وهي كُنية ، وليس له ولد بهذا الاسم .
لقـــــــــــــــــبه
الفاروق . ولُقِّب به لأنه أظهر الإسلام بمكّة ، ففرّق الله بين الكفر والإيمان
وكان رسول الله يقول : اللهم أعزّ الإسلام بِعُمَر بن الخطاب . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني
مولـــــــــــــده
وُلِد عمر رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم
حياته في الجاهليـة
تعلّم القراءة والكتابة في الجاهلية .
وتحمّل المسؤولية صغيراً .
ونشأ نشأة غليظة شديدة ، لم يَعرف فيها ألوان التّرف ، ولا مظاهر الثروة ،
حيث دَفَعه أبوه " الخطّاب " في غلظة وقسوة إلى المراعي يَرعى إبله
وكان عمر رضي الله عنه يَرعى إبلاً لخالات له من بني مخزوم
ثم اشتغل بالتجارة مما جَعَله من أغنياء مكة ، ورَحَل صيفا إلى الشام ،
وشتاء إلى اليمن ، واحتلّ مكانة بارزة في المجتمع المكيّ الجاهليّ ، وأسهم
بشكل فعّال في أحداثه ، وساعَدَه تاريخ أجداده المجيد
قال ابن الجوزي
: كانت إليه السفارة في الجاهلية ، وذلك إذا وقعت بين قريش وغيرهم حرب
بعثوه سفيرا ، أو إن نَافَرَهم حيٌّ المفاخرة بعثوه مُفاخِراً ، ورَضُوا
به
صفاته الْخَلْقية والْخُلُقيّـة
قال ابن الجوزي : كان أبيض طوالا ، تعلوه حمرة ، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم .
وكان عمر رضي الله عنه رجلا حَكيما ، بليغاً ، حصيفاً ، قوياً ، حَليماً ، شريفاً ، قويّ الحجّة ، واضح البيان .
زوجاته رضي الله عنه
تزوّج في الجاهلية بـ زينب بنت مظعون ، فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة
وتزوّج مليكة بنت جرول ، فَوَلَدَتْ له عبيد الله .
وتزوّج قُرَيبَة بنت أبي أمية المخزومي ، ففارقها في الهدنة .
وتزوّج أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فولدت له فاطمة .
وتزوّج جميلة بنت عاصم بن أبي الأقلح .
وتزوّج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
وتزوّج بعد ذلك أم كلثوم بنتت عليّ رضي الله وأمها فاطمة بنت النبي ورضي الله عنها ، وولدت له زيدا ورُقيّـة وتزوّج لُهْيَة – امرأة من اليمن – فولدت له عبد الرحمن الأصغر ، وقيل الأوسط . وقيل : هي أم ولد .
وقالوا : كانت عنده فُكيهة – أم ولد – فولدت له زينب .
وكان عمر رضي الله عنه يَتزوّج من أجل الإنجاب ، وإكثار الذرية ، فقد قال
رضي الله عنه : ما آتي النساء للشهوة ، ولولا الولد ما بالَيتُ ألاّ أرى
امرأة بِعيني .
وقال : إني لأُكْرِه نفسي على الجماع رجاء أن يُخرِج الله مِنِّي نسمة تُسبّحه وتذكره .
أولاده
جُملة أولاده ثلاثة عشر ولداً ، وهم :
زيد الأكبر ، وزيد الأصغر ، وعاصم ، وعبد الله ، وعبد الرحمن الأكبر ،
وعبد الرحمن الأوسط ، وعبد الرحمن الأصغر ، وعبيد الله ، وعياض ، وحفصة ،
ورقية ، وزينب ، وفاطمة رضي الله عنهم .
اسلامه رضى الله عنه
قال ابن الجوزي : قال علماء السِّيَر : أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة ، وهو ابن ست وعشرين سنة .
وعند البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر اجتمع
الناس عند داره ، وقالوا : صبأ عمر . وأنا غلام فوق ظهر بيتي ، فجاء رجل
عليه قباء من ديباج ، فقال : قد صبأ عمر ، فما ذاك ؟ فأنا له جار . قال :
فرأيت الناس تصدّعوا عنه . فقلت : من هذا ؟ قالوا : العاص بن وائل .
وروى البخاري عن سعيد بن زيد أنه قال : لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم .
وروى ابن الجوزي – بإسناده – إلى أنس بن مالك قال : خرج عمر متقلدا بسيفه
- أو قال بالسيف - فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : إلى أين تعمد يا عمر ؟
قال : أريد أن أقتل محمدا . قال : وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة ، وقد
قتلت محمدا ؟ قال : فقال عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت
عليه . قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا
دينك الذي أنت عليه . قال : فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من
المهاجرين يُقال له : خبّاب . قال : فلما سمع خباب حسّ عمر توارى في البيت
، فدخل ، فقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ وكانوا يقرأون (طه) ،
فقالا : ما عدا حديا تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما ؟ قال :
فقال له ختنه : أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ قال : فوثب عمر
على ختنه فوطئه وطئا شديدا ، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة
فدمى وجهها ، فقالت - وهي غضبى - : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ؟ اشهد
أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله . فلما يئس عمر قال : أعطوني
هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه . قال : وكان عمر يقرأ الكُتُب ، فقالت أخته
: إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فَقُم فاغتسل وتوضأ . قال : فقام عمر
فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ : ( طه ) حتى انتهى إلى قوله : (إِنَّنِي أَنَا
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي) قال : فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر ،
خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر ! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك ليلة الخميس : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام . قال : ورسول الله في الدار التي في أصل الصفا ، فانطلق عمر حتى أتى الدار قال : وعلى باب الدار حمزة وطلحة وأُناس من أصحاب رسول الله ]فلما رأى حمزة وَجِل القوم من عمر قال حمزة : نعم فهذا عمر ، فإن يُرد الله بعمر خيرا يُسلِم ويتبع النبي ، وإن يُرد غير ذلك يَكن قتله علينا هينا . قال : والنبي داخل يُوحى إليه . قال : فخرج رسول الله حتى أتى عمر ، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف ، فقال : ما أنت منتهياً يا عمر حتى يُنْزِل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة . اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب . قال : فقال عمر : أشهد أنك رسول الله . فأسْلَمَ
وعند الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله
قال : للهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بأبي جهل ، أو بعمر بن
الخطاب . قال : وكان أحبّهما إليه عمر . وصححه الألباني .
فضـــــــائلــــه
فضائله رضي الله عنه كثيرة جداً .
] قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن عمر رضي الله عنه : مُهاجري أوليّ بدريّ .
يعني أن عمر رضي الله عنه من أوائل المهاجِرين .
وهو بَدري أي أنه شهِد بَدر .
وقد قال النبي عن أهل بدر : لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وَجَبَتْ لكم الجنة . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غَفَرْتُ لكم .
وقال رسول الله: إن الله جعل الحق على لسان عُمَرَ وقَلْبِه . رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه وابن حبان وغيرهم .
ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه وافَقَ ربه في ثلاث .
قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : فقلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام
إبراهيم مصلى فنزلت : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
) ، وآية الحجاب قلت : يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن ، فإنه
يُكلّمهن البر والفاجر ، فَنَزَلَتْ آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى
الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ، فَنَزَلَتْ
هذه الآية . رواه البخاري من حديث أنس ، ومسلم من حديث ابن عمر
وهذا من الإلهام الذي أشار إليه النبي بقوله :
قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثُون ، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن وهب : تفسير مُحَدَّثُون مُلْهَمُون .
وعمر رضي الله عنه هو الْمُحَدَّث الْمُلْهَم
وهو المؤمن الذي شهِد له النبي بالإيمان
قال رسول الله
: بينما رجل راكب على بقرة الْتَفَتَتْ إليه فقالت : لم أُخْلَق لهذا ،
خُلِقْتُ للحِراثة . قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . وأخذ الذئب شاة
فتبعها الراعي فقال : الذئب من لها يوم السبع ، يوم لا راعي لها غيري ؟
قال : آمنت به أنا وأبو بكر وعمر . قال أبو سلمة : وما هما يومئذ في القوم
. رواه البخاري ومسلم .
وشِهد له رسول الله بِقوّة الدِّين .
قال عليه الصلاة والسلام
: بينا أنا نائم رأيت الناس يُعْرَضُون عليّ وعليهم قُمُص ، منها ما يبلغ
الثُّدِيّ ، ومنها ما دون ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص
يَجُرّه . قالوا : فما أوّلت ذلك يا رسول الله ؟ قال : الدِّين . رواه
البخاري ومسلم .
وشهِد له النبي بالعِلم .
قال رسول الله:
بينا أنا نائم أُتِيتُ بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريّ يَخْرُج في
أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قالوا : فما أوّلته يا رسول الله
؟ قال : العِلم . رواه البخاري
وشهِد له بصواب الرأي .
صلى رسول الله] العصر ، فقام رجل يُصلي فرآه عمر ، فقال له : اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فَصْل . فقال رسول الله : أحسن ابن الخطاب . رواه الإمام أحمد
وفي رواية عند الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب .
وصدّق رسول الله قول عمر رضي الله عنه .
روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر ، فقال : امرأة جاءت تبايعه
فأدخلتها الدولج ، فأصبتُ منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك لعلها مُغيّب
في سبيل الله . قال : أجل . قال : فائتِ أبا بكر فسأله . قال : فأتاه
فسأله ، فقال : لعلها مُغيب في سبيل الله . قال : فقال مثل قول عمر ، ثم
أتى النبي
، فقال له مثل ذلك . قال : فلعلها مُغيب في سبيل الله ونزل القرآن : (
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) إلى
آخر الآية ، فقال : يا رسول الله إليّ خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره
بيده فقال : لا ولا نعمة عين بل للناس عامة ، فقال رسول الله : صَدَقَ عمر
وشهِد له رسول الله بالجنّة .
عن عبد الرحمن بن الأخنس أنه كان في المسجد ، فَذَكَرَ رجلٌ علياً عليه
السلام ، فقام سعيد بن زيد فقال : أشهد على رسول الله
أني سمعته وهو يقول : عشرة في الجنة : النبي في الجنة ، وأبو بكر في الجنة
، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ،
والزبير بن العوام في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف
في الجنة ، ولو شئت لسمّيت العاشر . قال : فقالوا : من هو ؟ فَسَكَتْ .
قال : فقالوا : من هو ؟ فقال : هو سعيد بن زيد . رواه الإمام أحمد وأبو
داود .
وفي الصحيحين عن أبي موسى أن النبي
دَخَلَ حائطاً وأمَرَنِي بِحِفْظِ الباب ، فجاء رجل يستأذن ، فقال : ائذن
له وبشّره بالجنة . فإذا أبو بكر ، ثم جاء عمر ، فقال : ائذن له وبشّره
بالجنة ، ثم جاء عثمان ، فقال : ائذن له وبشّره بالجنة .
ورأى له النبي قصراً في الجنة .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريره عن رسول الله
أنه قال : بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر
، فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : لِعُمَرَ بن الخطاب ، فذكرت غيرة عمر فولّيت
مُدبِرا . قال أبو هريرة : فبكى عمر ونحن جميعا في ذلك المجلس مع رسول
الله ، ثم قال عمر : بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار ؟
وعُمر رضي الله عنه هو العبقري القويّ في حياته وفي خلافته
قال رسول الله
: أُرِيتُ في المنام أني أنزع بِدَلْوٍ بكرة على قليب ، فجاء أبو بكر
فَنَزَعَ ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا ، والله يغفر له ، ثم جاء عمر بن
الخطاب فاستحالت غربا ، فلم أر عبقريا يَفْرِي فَرْيِهُ حتى رَوي الناس ،
وضربوا بِعَطَن . رواه البخاري ومسلم .
وعمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين أُمِرنا أن نقدي بهم ، كما في قوله
: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي
وابن ماجه وغيرهم .
وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح
ومرتبته من أعلى مراتب الصحابة ، ولذلك لما سُئل رسول الله
: أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال عمر بن العاص : فقلت : مِن
الرِّجَال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فَعَدّ
رجالا . رواه البخاري ومسلم .
روى البخاري من طريق محمد بن الحنفية قال : قلت لأبي [ يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ] : أي الناس خير بعد رسول الله
؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان ،
قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين .
قال عبد الله بن سلمة : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ، وخير الناس بعد أبي بكر عمر . رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وروى البخاري من طريق يحيى بن سعيد عن نافع عن بن عمر رضي الله عنهما قال : كنا نُخَيِّر بين الناس في زمن النبي فنُخَيِّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم .
وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إني لواقف في
قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب ، وقد وُضِعَ على سريره ، إذا رجل من خلفي
قد وضع مرفقه على منكبي يقول رحمك الله ، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع
صاحبيك ، لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله
يقول : كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر
، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما . فَالْتَفَتُّ فإذا هو علي بن أبي
طالب . رواه البخاري
وفي رواية للبخاري :
قال ابن عباس :
وُضِعَ عُمر على سريره ، فتكنفه الناس يَدْعُون ويُصَلُّون قَبْلَ أن
يُرْفَع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي
طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر ، وقال : ما خَلّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى
الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ،
وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي يقول : ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر
وفي رواية له قال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبتَ رسول الله
فأحسنت صحبته ، ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتَ أبا بكر فأحسنت صحبته،
ثم فارقته وهو عنك راض ، ثم صحبتهم فأحسنتَ صحبتهم ، ولئن فارقتهم
لتفارقنهم وهم عنك راضون .
وصَدق عليّ رضي الله عنه .. فكان عُمر رضي الله عنه مع النبي في حياته وبعد مماته .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : صَعَدَ أُحُداً ، وأبو بكر وعمر وعثمان ،
فرجف بهم ، فقال : اثْبُت أُحُد ، فإنما عليك نبيّ وصِدّيق وشهيدان . رواه
البخاري .
فهذه شهادة النبي
لصاحبيه ، فشهادته لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصِّدِّيق ، ولِعمر رضي
الله عنه بأنه يموت شهيدا ، وهكذا كان ، وكذلك بالنسبة لعثمان رضي الله
عنه .
وبينما رسول الله
في حائط من حائط المدينة ، وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذ
استفتح رجل ، فقال : افتح وبشّره بالجنة . قال : فإذا أبو بكر ، ففتحت له
وبشرته بالجنة . قال : ثم استفتح رجل آخر ، فقال : افتح وبشّره بالجنة .
قال : فذهبت فإذا هو عمر ، ففتحت له وبشرته بالجنة ، ثم استفتح رجل آخر
قال : فجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : افتح وبشّره بالجنة على
بَلْوَى تكون . قال : فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان . قال : ففتحت وبشّرته
بالجنة . قال : وقلت الذي قال ، فقال : اللهم صبراً ، أو : الله المستعان
. رواه البخاري ومسلم .
فهذا من صحبته للنبي في حياته .
وأما بعد مماته
فقد جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله ؟ فأشار بيده إلى القبر ، ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .
ولما سأل سالم بن أبي حفصة جعفرَ الصادق عن أبي بكر وعمر ، فقال : يـا
سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر
: يا سالم أيسُبُّ الرجل جــدّه ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبْرَأ من عدوهما .
فالشاهد هنا شهادة آل بيت النبي لِعمر رضي الله عنه ، واعتراف أهل الفضل بِفضل عُمر رضي الله عنه وعنهم
وكما أن مرتبة أبي بكر وعمر أعلى مراتب الصحابة فكذلك منازلهما في الجنة
قال رسول الله: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، إلا النبيين والمرسلين .
وقال عليه الصلاة والسلام : إن أهل الدرجات العُلَى يَراهم من أسفل منهم
كما يُرى الكوكب الطالع في الأفق من آفاق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم
، وأنْعَمَـا . رواه الترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني .
قال مسلم البطين :
أنَّى تُعاتِب لا أبا لك عصبة *** عَلِقوا الفِرى وبَرَوا من الصديق
سفها تَبَرَّوا من وَزيرِ نَبِيِّهم *** تَبـّاً لمن يَـبْرا من الفـاروق
إني على رغم العِداة لقائل *** دانا بدين الصادق المصدوق
زاد سفيان عن مسلم البطين :
قول يصدقني به أهل التقى *** والعلم من ذي العرش والتوفيق
والاهما في الدِّين كل مهاجر *** صحب النبي وفاز بالتصديق
رواه ابن جرير في تهذيب الآثار
وقال القحطاني في نونيته :
قُل إنّ خير الأنبياء محمد *** وأجلّ من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد *** وكذاك أفضل صحبه
رجلان قد خُلقا لنصر محمد *** بِدَمِي ونفسي ذانك الرجلان
فهما اللذان تظاهرا لنبينا *** في نصره وهما له صهران
بنتاهما أسنى نساء نبينا *** وهما له بالوحي صاحبتان
أبواهما أسنى صحابة أحمد *** يا حبذا الأبوان والبنتان
]وهما وزيراه اللذان هما هما *** لفضائل الأعمال مستبقان
وهما لأحمد ناظراه وسمعه *** وبِقُرْبِه في القبر مُضطجعان
كانا على الإسلام أشفق أهله *** وهما لِدِينِ محمدٍ جبلان