ملخص الخطبة:
تحدث فضيلة الشيخ صالح بن حميد, عن استقبال شهر رمضان, ثم تتطرق إلى الحديث عن الخوف من الله تعالى وخشيته, وأسبابه, ثم تحدث عن آثاره, وبين أن صلاح القلوب إنما هو بالخوف من الله تعالى ومراقبته, وبين أن أهل العلم هم أهل خشية الله تعالى, وأنه على قدر معرفة الإنسان بربه يكون خوفه منه. ثم تحدث عن حفظ خادم الحرمين الشريفين للمؤسسات الشرعية, وحفظ مكانة أهل العلم والعلماء.
الخطبة الأولى.....
الحمد لله الأعز الأكرم, حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه, كما يليق بجلاله الأعظم, وأتوب إليه وأستغفره, وأثني عليه بما هو أهله, وأشكره على جزيل ما وهب, وعظيم ما أنعم, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, صنع فأتقن, وشرع فأحكم, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله, المبعوث رحمة للعالمين, دعا إلى دين الحق, وهدى بإذن ريه للتي هي أقوم, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم.
أما بعد:
فأوصيكم –أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل, فاتقوا الله –رحمكم الله- واعملوا واستعدوا, فالموت مورد, والساعة موعد, والقيامة مشهد, فاستقيموا وأحسنوا, فمن أحسن الظن بالله, أحسن العمل, الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني, ولكن ما وقر في القلب, وصدقه العمل, ومن سار على طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهاجه, وإن اقتصد, سايق لمن سار على غير طريقه, وإن اجتهد, يمشي الهوينى ويجيء في الأول, أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . (الملك 22).
أيها المسلمون: في كتاب الله مواعظ لمن اتعظ, وذكرى لمن ادّكر, مواعظ وذكرى, توقظ القلب المستنير, وتأخذ بمجامع ذي البصيرة المنيب, ويقظة القلوب, تحيى بموت الهوى, وغفلة النفوس تنقشع بحلول الخشية, والكسل تطرده سهام الحذر, فلا سكون لخائف, ولا قرار لعارف, والمقصر إذا ذكر تقصيره ندم, والحذر إذا فكرّ في مصيره حزَم.
عباد الله: وأنتم في مستقبل هذا الشهر الكريم, ترجون فضل ربكم, وتتعرضون لنفحات مولاكم, تأملون في خيره وبره, وتحاذرون تقصيركم, وتخشون ذنوبكم, تقبل الله منا ومنكم, ورزقنا فيه الإحسان في العمل, ورزقنا فيه القيام والصيام.
تعلمون –رحمكم الله- أن ربكم خلق الخلق, ليعرفوه ويعبدوه, ويحبوه ويعظموه, نصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه, ليهابوه ويخافوه, ليخافوا ربهم, خوف إجلال وتقدير, ومحبة وتعظيم, دعا عباده, إلى خشيته وتقواه, والمسارعة إلى امتثال ما يحبه ويرضاه, والمباعدة عما ينهى عنه, ويكرهه ويأباه.
عباد الله: -أيها الصائمون القائمون- وأنتم تتطلّعون إلى رحمات ربكم ومغفرته, في هذا الشهر الكريم, وأنتم تحرصون على تحري الخير والمسابقة فيه, واغتنام النفحات في هذا الموسم العظيم.
هذا حديث عن عباد من عباد الله, حسنت أعمالهم, وطابت سرائرهم, وزكت قلوبهم, واستقامت جوارحهم, قلوبهم وجلة, لأنهم إلى ربهم راجعون, يعظمون ربهم, ويخافون ذنوبهم, لهم من آيات ربهم, وعظات كتابه, ما يعمر قلوبهم, ويشحذ همهم, إنهم الخائفون الوجلون المشفقون المخبتون إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ (هود 103). وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (الذاريات 37). إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (الزمر 13).
اقرءوا –حفظكم الله- قول ربكم عز شأنه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (المؤمنون 60) ,ثم انظروا في صيامكم وصلاتكم وصدقاتكم وصالح أعمالكم, ثم تأملوا سؤال عائشة بنت الصديق, أم المؤمنين الفقيهة رضي الله عنها, وعن أبيها, قالت: يا رسول الله, هؤلاء هم الذين يسرقون ويشربون الخمر, ويزنون, ومع ذلك يخافون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا ابنة الصديق, هم الذين يصومون, ويتصدقون, ويخافون ألا يتقبل منهم.
معاشر الصائمين القائمين المتصدقين المنفقين.
القلوب –تقبل الله منكم- لا تحيى إلا بالخوف من الله, فهو الذي إلى الخير يسوقها, ومن الشر يحذرها, وإلى العلم والعمل يدفعها, بالخوف تكف الجوارح عن المعاصي, وتستقيم على الطاعات, ويسلم المرء من الأهواء والشهوات, بالخوف يحصل للقلب خشوع وذلة واستكانة وانقياد وتواضع لله رب العالمين. ينشغل بالمراقبة والمحاسبة, وقد قال رب العزة: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (النحل 51).
الخوف يثير دوام ذكر الله, وصلاح العمل, والمسابقة إلى الخيرات, والزهد في الدنيا, والرغبة في الآخرة, ويمنع الكبر, والعجب, والخيلاء.
بالخوف ينتفع القلب بالنذر والمواعظ والزواجر. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَا . (الزمر 23). إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . (الأنفال 2).
معاشر الإخوة: والخوف المقصود, هو اضطراب القلب وقلقه وانزعاجه لما يتوقعه ويخشاه, من عقوبة الله, على فعل محرم, أو ترك واجب, أو التقصير في جنب الله, والإشفاق من عدم القبول.
والخوف المحمود ما قاد على العمل الصالح, وحجز عن المحارم ظاهرا وباطنا, وحمل على أداء الفرائض, المسارعة إلى الخيرات, فإن زادت شدّة, بأن أورثت مرضا, أو هما لازما, بحيث ينقطع عن العمل, أو يدخل في دائرة اليأس والقنوط. فهو خوف مذموم, غير محمود.
والخائف من ترك ما يقدر عليه, مما نهى الله عنه, وقد علمتم أن ممن يظلهم الله في ظلّه, يوم لا ظلّ إلا ظله, رجلا دعته امرأة ذات حسب وجمال, فقال: إني أخاف الله, ورجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه, من خشية الله, وحبّه وتعظيمه.
أيها المسلمون: وعلامة الخوف, قصر الأمل, وكثرة العمل, ودوام المراقبة في السر والعلن.
الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية, والتصديق بالوعيد, والخوف من حرمان التوبة, وعدم القبول, فالخائف مشفق من ذنبه, طالب من ربّه أن يدخله في رحمته, ويغفر ذنبه.
والخائف البصير, لا يأمن من أربع خصال: أمر مضى لا يدري ما الله صانع فيه, وأمر يأتي لا يدري ما الله قاضٍِ فيه, وفضل قد أعطيه, لعله مكر واستدراج, وضلالة قد زُيّنت, فيراها صاحبها هدى.
ولزيغ القلب أسرع من طرفة العين, فقد يسلب العبد دينه, وهو لا يشعر, لما حضرت سفيان الثوري الوفاة, جعل يبكي, فقال له رجل: يا أبا عبد الله, أراك كثير الذنوب؟ فرفع شيئا من الأرض, وقال: والله لذنوبي أهون عندي من هذا, ولكن أخاف أن أسلب التوحيد, قبل الموت.
الخوف -رحمكم الله- يجعل العبد دائم اليقظة, جادّ العزيمة, دأب الفكر فيما يصلح معاشه ومعاده, كثير الوجل من سوء المصير.
معاشر الصائمين والصائمات: خاف حق الخوف, من لم يأكل حراما, ولم يكسب حراما, ولم يشهد زورا, ولم يحلف كذبا, ولم يخلف وعدا, ولم يخن عهدا, ولم يغشّ في معاملة, ولم يخن في شركة, ولم يمش في نميمة, ولم ينرك النصيحة, ولم يهجر مساجد الله, ولم يتخلّف عن صلاة الجماعة, ولم يضيع زمانه في اللهو والغفلة.
خاف حق الخوف, من أقام الصلاة, وآتى الزكاة, وصام فرضه, وأطاع ربّه, ووصل رحمه, وأمر بالمعروف, ونهى عن المنكر, وأعطى كل ذي حقّ حقّه.
الخائفون: عباد صالحون خاشعون وجلون مخبتون, يجاهدون أنفسهم, ويعظون بأفعالهم, يفيقون من غفلتهم إذا غفلوا, ويستيقظون من رقدتهم إذا رقدوا, ويغذّون السير, ويجدّون في العمل, رجاء أن يدركوا من سبقهم.
من تأمل كل ذلك -عباد الله- علم أحوال القوم, وما كانوا عليه من الخوف والخشية والرهبة والهيبة والإخبات والإنابة, وما ترقّوا في تلك المقامات العاليات, إلا بالاجتهاد في الطاعات والفرار من المكروهات, فضلا عن المحرمات. رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ {37} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ . (النور 37-38). إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . (الإنسان 9-10-11).
وبعد -عباد الله- فإن من خاف الله لم يضره أحد, ومن خاف غير الله, لم ينفعه أحد, وإذا سكن الخوف القلب, أحرق مواضع الشهوات, والدمعة من خشية الله, تطفئ أمثال البحور من النار.
فاتقوا الله –رحمكم الله- ولا تكونوا ممن قادتهم شهواتهم, وغلبت عليهم شقوتهم, فلا سير الخائفين تحفزهم, ولا خطر سوء الخاتمة يزعجهم, فسيروا –رحمكم الله- سيروا إلى الله سيرا جميلا, واذكروا الله ذكرا كثيرا, وسبحوه بكرة وأصيلا, واستغفروا ثم استغفروا, واندموا على تفريطكم ندما طويلا.
والخوف سائق, والرجاء قائد, والله هو الموصل, بمنّه وكرمه.
اللهم غنا نعوذ بك من زيغ القلوب, وتبعات الذنوب, ومرديات الأعمال, ومضلات الفتن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَأَمَّا مَن طَغَى {37} وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {38} فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى {39} وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى . (النازعات 37-38-39-40-41).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم, وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة, فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية.
الحمد لله يحق الحق, ويبطل الباطل, أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, قامت على وحدانيته البراهين والدلائل, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله, عظيم المقام, وشريف الشمائل, صلى الله وسم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأماثل, والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن من كان بالله أعرف, كان منه أخوف, وملائكة الرحمن هم أعرف بربهم, يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. ورسل الله وأنبيائه هم سادات الخاشعين, الذين يبلغون رسالات الله, ويخشونه, ولا يخشون أحدا إلا الله, وكفى بالله وكيلا.
ثم يأتي أهل العلم الربانيون, فهم أهل الخشية, إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء. فاطر
وكلما كان العالم مستشعرا مسؤولياته, مستذكرا وقوفه بين يدي مولاه, مستحضرا قول الحق عزّ شأنه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (الأعراف 33). وقوله سبحانه: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {116 } مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . (النحل 116-117), وأمثالها من نصوص الكتاب والسنة, وعلم عظم المسؤولية, وكبر الأمانة, وسعى في براءة الذمة, كان خوفه من الله, وخشيته من مولاه, على قدر ما يستشعر ويستحضر.
وإن مما يجسّد ذلك ويبينه, ذلك التوجيه الراشد, والكلمة الصادقة, التي خاطب فيها ولي الأمر, خادم الحرمين الشريفين, وحامي حماهما, وحمى الشرع المطهر, خاطب فيها –حفظه الله- العلماء والمسئولين في الدولة, من مطلق مسؤوليته الشرعية, وإمامته الدينية, فقد حفظ لأهل العلم منزلتهم, وللمؤسسات الشرعية مقامها, حمى حقها, وصان حدودها, ووقف بحزم في منع تجاوزها, أو النيل من هيبتها, فمما قال –أعزه الله, ونصر به دينه- : فشأن يتعلق بديننا، ووطننا، وأمننا، وسمعة علمائنا، ومؤسساتنا الشرعية، التي هي معقد اعتزازنا واغتباطنا، لن نتهاون فيه، أو نتقاعس عنه، ديناً ندين الله به، ومسؤولية نضطلع بها -إن شاء الله- على الوجه الذي يرضيه.
ومن واجبنا الشرعي الوقوف إزاءها بقوة وحزم؛ حفظاً للدين، وهو أعز ما نملك، ورعاية لوحدة الكلمة، وحسماً لمادة الشر، التي إن لم ندرك خطورتها عادت بالمزيد، ولا أضر على البلاد والعباد من التجرؤ على الكتاب والسنة، وذلك بانتحال صفة أهل العلم، والتصدر للفتوى، ودين الله ليس محلاً للتباهي، ومطامع الدنيا.
نعم لقد كان –حفظه الله- حازما صارما في منع التجاوز على المؤسسات الشرعية, والوقوع في حملتها ومسؤليها, حمى حدود الفتوى, وحفظ الشرع المطهر, تعظيما لدين الله من الافتيات عليه, ممن يقتحم المركب الصعب, ولم يتسلّح بالعلم, ويحمل آلته المؤهّلة, ممن ينتسب إلى علم, أو فكر, أو ثقافة, أو إعلام, حيث لا يجوز أن تكون دائرة الخلاف المسموح بها شرعا, سبيلا للتقوّل على الله, أو تجاوز أهل الذكر, أو التطاول على أهل العلم, ففرق بين سعة الشريعة ورحمتها, وفوضى القيل والقال.
والخلاف شر وفتنة, وكل من خرج عن الجادة التي استقرّ عليها أمر الأمة, مما سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومن تبعه من الصحابة رضوان الله عليهم, ثم من تبعهم بإحسان من علماء الأمة, فلابدّ من لجمه, من خرج عن الجادة لابدّ من لجمه, وإيقافه عند حدّه, فالنفوس ضعيفة, والشبه خطّافه, وأضواء الإعلام محرقه, والمغرض مترقب متربص, مؤكدا –أحسن الله إليه, ورفع مقامه- أن المؤسسات الشرعية, قامت بواجبها على الوجه الأكمل, ومن أراد أن يقلل من دورها, متعديا على صلاحيتها, ومتجاوزا أنظمة الدولة, ناصبا نفسه لمناقشتها, فيجب الوقوف أمامه بحزم, ورده إلى لجادة الصواب, والتزامه باحترام الدور الكبير, الذي تقوم به هذه المؤسسات الشرعية, وعدم الإساءة إليها, والتشكيك في اضطلاعها بمسؤوليتها, لإضعاف هيبتها والنيل من سمعتها.
والمقصود من ذلك كله –أيها المسلمون- حفظ حمى الدين, سيرا على ما تقتضيه الساسة الشرعية, في اجتماع الكلمة, وتوحيد الصف, ونبذ الفرقة, والاجتماع على أمر الدين, ودرء الفتنة.
وأما الفتاوى الخاصة, في أمور العبادات, والمعاملات, وشؤون الأسرة, والأحوال الشخصية, بين السائل والمسئول, والمستفتي والمفتي, فهذا أمره واسع.
ألا فليهنأ أهل العلم بهذا التسديد, ولتقوم المؤسسات الشرعية بمسؤوليتها, وليخشوا ربهم, ولا يخشوا أحدا إلا الله, وكفى بربك هاديا ونصيرا.
ألا فاتقوا الله جميعا واخشوه, فالمؤمن جمع إحسانا وخشية, والمنافق جمع إساءة وأمنا, ومن حسن ظنه بالله, ثم لا يخاف فهو مخدوع.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, نبيكم محمد رسول الله, فقد أمركم بذلك ربكم في محكم التنزيل, فقال وهو الصادق في قيله قولا كريما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . (الأحزاب 56).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى, والنبي المجتبى, وعلى آله الطيبين والطاهرين, وعلى أزواجه أمهات المؤمنين, والخلفاء الأربعة الراشدين, أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن الصحابة أجمعين, التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.
اللهم آمنا في أوطاننا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل اللهم ولايتنا فيما خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة.
اللهم تقبل طاعتنا, وصيامنا وقيامنا ودعاءنا, وأصلح أعمالنا وكفر عن سيئاتنا, وارحم موتانا, واشف مرضانا, وتب علينا, واغفر لنا, وارحمنا يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحانك ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين