أدلة تحريم الكذب ووعيد من يكذب
الكذب آفة خطيرة فكيف إذا أؤيد الكذب بالحلف ؟
اعلموا رحمكم الله أن الكذب حرام وهو من الكبائر وقد دلت الأحاديث على ذلك :
وتلك بعض الروايات الصحيحة مما صححه الألباني في حرمة الكذب :
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا * ( صحيح ) _ وأخرج البخاري ومسلم نحوه ، مختصر صحيح مسلم 1809 ، صحيح الجامع 4071 .
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار * ( صحيح ) بل هو متواتر ـ الروض 707 و 885 الصحيحة 1383 ( 4 ) باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن ربعي بن حراش عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكذبوا علي فإن الكذب علي يولج النار * ( صحيح ) : أخرجه البخاري
عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة قالت يا رسول الله إن لي جارة تعني ضرة هل علي جناح إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي قال المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور * ( صحيح ) _ الروض النضير 820 ، مختصر مسلم 1387 ، صحيح الجامع 6675 . ( جناح : الاثم والحرج . تشبعت : أظهرت لها الشبع والاكتفاء كذبا . المتشبع : المتكثر بأكثر ما عنده . الزور : الكذب والباطل ) .
[ تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا يالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا [ أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ] . عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن عبادة بن الصامت _ من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ليلة العقبة _ أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال _ وحوله عصابة من أصحابه _ : ( فذكر الحديث ) قال : فبايعته على ذلك . أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . وزاد أحمد بعد قوله : ولا تقتلوا أولادكم : قرأ الآية التي أخذت على النساء : { إذا جاءك المؤمنات } . وهي رواية لمسلم . وله طريق ثانية عن الصنابجي عن عبادة به مختصرا ، وزاد فيه : ولا تنتهب . أخرجه البخاري ومسلم وأحمد . وطريق ثالثة عن أيي الأشعث الصنعاني عنه قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا يعضه بعضنا بعضا ، ( ولا نعصيه في معروف ) فمن وفى منكم ... الحديث . ( ولا يَعضَه : أي لا يرميه بالعضيهة ، وهي البهتان والكذب ) . أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه طرفه الأخير . وفي الحديث رد كما قال العلماء على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ، وعلى المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ، ولم يقل : لا بد أن يعذبه . ومثله قوله تعالى : { إن الله لايغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } . فقد فرق تعالى بين الشرك وبين غيره من الذنوب ، فأخبر أن الشرك لا يغفره . وأن غيره تحت مشيئته ، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ولابد من حمل الأية والحديث على من لم يتب ، وإلا فالتائب من الشرك مغفور له ، فغيره أولى ، والآية قد فرقت بينهما ، وبهذا احتججت على نابتة نبتت في العصر الحاضر ، يرون تكفير المسلمين بالكبائر تارة ويجزمون بأنها ليست تحت مشيئة الله تعالى وأنها لا تغفر بالتوبة ، فسووا بينها وبين الشرك فخالفوا الكتاب والسنة .
عن جابر بن سمرة قال خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مثل مقامي فيكم فقال احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف * ( صحيح ) _ الروض أيضا ، الصحيحة 431 و 1116 .
عن سليم بن عامر يحدث عن أوسط بن إسمعيل البجلي أنه سمع أبا بكر حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم يقول قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامي هذا عام الأول ثم بكى أبو بكر ثم قال عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا * ( صحيح ) _ الروض النضير 917 ، تخريج المختارة 62 - 64 .
[ لا جناح عليك . يعني : في الكذب على الزوجة تطيبا لنفسها ] . عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! هل علي جناح أن أكذب ( على ) أهلي ؟ قال : لا ؛ فلا يحب الله الكذب . قال يا رسول الله ! أستصلحها وأستطيب نفسها . قال : لا جناح عليك . ( صحيح ) _ قال القاضي عياض : يحتمل أن يكون فيما يخبر به كل منهما بما له فيه من المحبة والاغتباط ، وإن كان كذبا ؛ لما فيه من الإصلاح ودوام الألفة . وقال الألباني : وليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها ، أو يخبرها بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا _ يعني : أكثر من الواقع _ ترضية لها ؛لأن ذلك قد ينكشف لها ، فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها ، وذلك من الفساد لا الإصلاح .
[ لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرىء ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا ، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا ] . ( صحيح ) _
[ رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث : في الحرب ، وفي الإصلاح بين الناس ، وقول الرجل لامرأته . وفي رواية : وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ] . ( صحيح ) . وورد بلفظ : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، فينمي خيرا ، أو يقول خيرا . وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ... فذكره بالرواية التالية . وكذا أخرجه مسلم . ويشهد له ، عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هل علي جناح أن أكذب على أهلي ؟ قال : لا ؛ فلا يحب الله الكذب . قال : يا رسول الله ! أستصلحها وأستطيب نفسها ؟ قال : لا جناح عليك . ( واسناده صحيح ) . وعن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلح الكذب إلا في ثلاث : كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه ، أو كذب في الحرب ؛ فإن الحرب خدعة ، أو كذب في إصلاح بين الناس . أخرجه أحمد وقال : حديث حسن . ( انظر فقه الحديث في الكتاب ، فيه علم وفائدة ) .
[ ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، وما اطلع منه على شيء عند أحد من أصحابه ، فيبخل له من نفسه ، حتى يعلم أن ( قد ) أحدث توبة ] . ( صحيح ) .
[ لا يعضه بعضكم بعضا ] . ( حسن ) . ( لا يعضه : أي لا يرميه بـ ( العضيهة ) ، وهي البهتان والكذب .
عن أبي هريرة : [ لاتقوم الساعة حتى تظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، وتتقارب الأسواق ، ويتقارب الزمان ، ويكثر الهرج . قيل : وما الهرج ؟ قال : القتل ] . ( صحيح ) .
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه * ( حسن ) _ الصحيحة 273 . ( زعيم : الضامن والكفيل . ربض الجنة : المراد ما حول الجنة وفي أطرافها ) .
عن أم كلثوم بنت عقبة قالت ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح والرجل يقول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها * ( صحيح ) _ الصحيحة 545 .
هذا بعض ماصححه الشيخ رحمه الله في هذا الباب رحمه الله تعالى وأقول ليتق الله من يكذب في حديثه فيقول الشيء ثم ينكر قوله لانسيانا وإنما تعمدا للكذب بل ويحلف على الكذب وهو يعلم فتلك وليعلم أنه لن ينفعه أحد إلا أن يتغمده الله برحمته فالله الله ليبادر كل منا لربه تعالى ويقبل عليه وينتهي عما نهى الله عنه .
********* إياكم و الكذب ***********
أضع بين أيدكم هذا المقال في الكذب من باب (فذكر إن نفعت الذكرى)
1- عاقبة الكذب
وقد توعّد الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة ، وبعقوبات أخروية مخزية ، ومنها :
- النفاق في القلب
قال تعالى:{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } [ التوبة : 77 ] .
قال عبد الله بن مسعود : اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، قال : وتلا هذه الآية : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } إلى قوله : { نفاقا في قلوبهم } إلى قوله : { بما كانوا يكذبون } .
- الهداية إلى الفجور وإلى النار
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا ، وإن الكذب فجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا »
رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية ومن تعمد الكذب وتحراه صار له سجية ، وأنه بالتدرب والاكتساب تستمر صفات الخير والشر . والحديث دليل على عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، ودليل على عظمة قبح الكذب وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار ، وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنيا ؛ فإن الصدوق مقبول الحديث عند الناس ، مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلاف هذا كله .
- رد شهادة الكاذب
قال ابن القيم : الحكمة في رد شهادة الكذاب
وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية : الكذب ؛ لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية ، فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال ، وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقر ؛ فإن اللسان الكذوب بمنـزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه ، فشر ما في المرء لسان كذوب .
- سواد الوجه في الدنيا والآخرة.
قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } [ الزمر : 60 ] .
قال ابن القيم : ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم ، والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ، ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق ، فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان ، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة ، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه إهانة ومقتا ، فمن رآه مقته واحتقره ، وبالله التوفيق .
- شق شدق الكاذب إلى قفاه
عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال« كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا قال فيقصّ عليه من شاء اللّه أن يقصّ وإنّه قال ذات غداة إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي انطلق .. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال وربّما قال أبو رجاء فيشقّ قال ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى قال قلت سبحان اللّه ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق ( ثم قال في تفسير الملكين للمشاهد التي رآها ) : وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .. » رواه البخاري ( 5745 ) .
2- أشنع الكذب
الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وهو أعظم الكذب ، وصاحبه معرّض للوعيد الشديد ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير فاعله .
قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }
وعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تكذبوا عليّ ؛ فإنه من كذب علي فليلج النار »
رواه البخاري ( 106 ) .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار »
رواه البخاري ( 110 ) ومسلم ( 3 ) .
قال ابن القيم :
المباءة : هي التي يبوء إليها الشخص ، أي : يرجع إليها رجوع استقرار ، والمباءة " هي المستقر ومنه قوله " من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار " ، أي : ليتخذ مقعده من النار مباءة يلزمه ويستقر فيه ، لا كالمنـزل الذي ينـزله ثم يرحل عنه .
3- أنواع الكذب
ومن الكذب ما يكون على الخلق مثل ..
- الكذب في البيع والشراء
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب »
رواه مسلم ( 106 ) .
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال : حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما »
رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 532 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه « البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما » ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .
الكذب في الرؤيا والحلم
وهو ما يدّعيه بعضهم أنه رأى في منامه كذا وهم غير صادق ، ثم يصبح يقص على الناس ما لم ير .
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون - أو يفرون منه - صب في أذنه الآنك يوم القيامة ، ومن صوّر صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ »
رواه البخاري ( 6635 ) .
مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ يكون شهادة في قتل أو حدّ ؛ لأن الكذب في النوم كذب على الله تعالى ؛ لأن الرؤيا جزء من النبوة ، وما كان من أجزائها فهو منه تعالى والكذب على الخالق أقبح منه على المخلوق
التحدث بكل ما يسمع
عن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع »
رواه مسلم ( 5 ) .
قال النووي :
وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب : ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع الإنسان؛ فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدّث بكل ما سمع فقد كذب ؛ لإخباره بما لم يكن ، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق : أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، ولا يشترط فيه التعمد ، لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 1 / 75 ) .
الكذب في المزاح
ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحا ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهّر ، والكذب حرام مازحا كان صاحبه أو جادّا .
الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .
عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : « إني لأمزح ولا أقول إلا حقّا »
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 391 ) .
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .
وعن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : « إني لا أقول إلا حقا »
رواه الترمذي ( 1990 )
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدّثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها..
فلما استيقظ الرجل.. فزع !!
فضحك القوم.. فقال : ما يضحككم ؟؟
فقالوا: لا.. إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحل لمسلم أن يروع مسلما »
رواه أبو داود ( 5004 ) وأحمد. والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7658 ) .
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده.. أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادّا ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها »
رواه أبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) - مختصرا - . والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7578 ) .
الكذب في ملاعبة الصبيان
ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصبيان فإنه يكتب على صاحبه ، وقد حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما أردت أن تعطيه ؟ »
قالت : أعطيه تمرا ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة »...
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة »
رواه أبو داود ( 4991 ) .
والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1319 ) .
الكذب للإضحاك
عن معاوية بن حيدة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له »
رواه الترمذي ( 235 ) وقال : هذا حديث حسن ، وأبو داود ( 4990 ) .
4- أقوال السلف في الكذب
- قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى ما يكون للفجور في قلبه موضع إبرة يستقر فيه ، وإنه ليكذب ويتحرى الكذب حتى ما يكون للصدق في قلبه موضع إبرة يستقر فيه .
- وعنه قال : لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ، ثم تلا { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
- قال أبو بكر الصدّيق : إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان .
- عن سعد بن أبي وقاص قال : المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب .
- عن عمر رض الله عنه قال : لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب في المزاح .
5- الكذب الجائز
ويكون في مواضع ثلاثة : الحرب ، للإصلاح بين المتخاصمين ، وكذب الزوج على زوجته والعكس لأجل المودة وعدم الشقاق .
عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا »
رواه البخاري ( 2546 ) ، ومسلم ( 2605 ) .
وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحل الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب في الحرب ، والكذب ليصلح بين الناس »
رواه الترمذي ( 1939 ) ، والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7723 ) .
6- كذبة أبريل تاريخيا
وأما كذبة إبريل فلم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك آراء مختلفة في ذلك :
فذكر بعضهم أنها نشأت مع احتفالات الربيع عند تعادل الليل والنهار في 21من شهر آذار …..
ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام ( 1564م) بعد فرض التقويم الجديد كما سبق إذ كان الشخص الذي يرفض هذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر إبريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة ويسخرون منه فيصبح محط سخرية الآخرين .
ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية لارتباطها بتاريخ معين في بداية فصل الربيع إذ هي بقايا طقوس وثنية ويقال إن الصيد في بعض البلاد يكون خائبا في أول أيام الصيد في بعض البلاد في الغالب فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر إبريل .
ويسمى هذا اليوم عند بعض الكفار بيوم جميع الحمقى والمغفلين : كما أطلقه الإنجليز وذلك لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه .
وأول كذبة إبريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ " مجلة دريك " ………. ففي اليوم الثاني من إبريل علم (1698م) ذكرت هذه المجلة أن عددا من الناس تسلموا دعوة لمشاهد عملية غسل السود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر إبريل .
ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول إبريل أن جريدة " ايفند ستار " الإنجليزية أعلنت في مارس (آذر ) سنة ( 1746) أن غدا -أول إبريل - سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدنية ( اسلنجتون) من البلاد الإنجليزية فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادا عظيما وظلوا ينتظرون فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير !!
وكتب بعضهم عن أصل هذه الكذبة قائلا :
الكثير منا يحتفل بما يسمونه كذبة إبريل والترجمة الحرفية لها " خدعة إبريل "
ولكن كم منا يعرف الحقيقة المرّة الخفية وراء ذلك.
عندما كان المسلمون يحكمون أسبانيا قبل حوالي ألف سنة كانوا في ذلك الوقت قوة لا يمكن تحطيمها وكان النصارى الغربيون يتمنون أن يمسحوا الإسلام من العالم ولقد نجحوا إلى حد ما.
ولقد حاولوا الحد من امتداد الإسلام في أسبانيا والقضاء عليه ولم يفلحوا ، حاولوا مرات عديدة ولم ينجحوا أبدا.
بعد ذلك أرسل الكفار جواسيسهم إلى أسبانيا ليدرسوا ويكتشفوا سرة قوة المسلمين التي لا تهزم فوجدوا أن الإلتزام بالتقوى هو السبب.
عندما اكتشف النصارى سر قوة المسلمين بدأوا في التفكير في استراتيجية تكسر هذه القوة وبناءا عليه بدأوا بإرسال الخمور والسجائر إلى أسبانيا مجانا.
هذا التكتيك (الطريقة ) من الغرب أعطت نتائجها وبدأ الإيمان يضعف عند المسلمين خاصة في جيل الشباب بأسبانيا. وكانت نتيجة ذلك أن النصارى الغربيين الكاثوليك أخضعوا كل أسبانيا تحت سيطرتهم منهين بذلك حكم المسلمين لذلك البلد الذي دام أكثر من ثمانمائة سنة. سقط آخر حصن للمسلمين وهو غرناطة في أول إبريل. ولذلك اعتبروها بمعنى خدعة إبريل
(APRIL FOOL).
(هذا القول ضعيف لضعف السند التاريخي في خروج المسلمين من أوربا في هذا التوقيت)
ومن تلك السنة إلى الآن يحتفلون بذلك اليوم ويعتبرون المسلمين حمقى. فهم لا يجعلون الحماقة وسهولة المخادعة في جيش غرناطة فقط بل في جميع الأمة الإسلامية. وعندما نحضر هذه الاحتفالات فإنه نوع من الجهل وعندما نحاكيهم المحاكاة العمياء في اللعب بهذه الفكرة الخبيثة فهو نوع من التقليد الأعمى الذي قد يؤكد غباء بعضنا في اتباعهم. ولو علمنا بسبب الاحتفال لما أمكن أن نحتفل بهزيمتنا أبدا.
وبعد أن عرفنا الحقيقة دعونا نقطع وعدا على أنفسنا بأن لا نحتفل بذلك اليوم. يجب علينا أن نتعلم دروسا من الأسبان ونصبح مطبقين حقيقة للإسلام ولا نسمح لإيماننا بأن يضعف أبدا.
ولا يهمنا معرفة أصل هذه الكذبة بقدر ما يهمنا حكم الكذب في يومها ، والذي نجزم به أنها لم تكن في عصور الإسلام الزاهرة الأولى ، وليس منشؤها من المسلمين ، بل هي من أعدائهم .
والحوادث في كذبة نيسان كثيرة ، فمن الناس من أخبر بوفاة ولده أو زوجته أو بعض محبيه فلم يحتمل الصدمة ومات ، ومنهم من يخبر بإنهاء وظيفته أو بوقوع حريق أو حادث تصادم لأهله فيصاب بشلل أو جلطة أو ما شابههما من الأمراض .
وبعض الناس يتحدث معه كذبا عن زوجته وأنها شوهدت مع رجل فيسبب ذلك قتلها أو تطليقها.
وهكذا في قصص لا تنتهي وحوادث لا نهاية لها ، وكله من الكذب الذي يحرمه الدين والعقل ، وتأباه المروءة الصادقة .
وقد رأينا كيف أن الشرع حرّم الكذب حتى في المزاح ، وأنه نهى أن يروّع المسلم سواء كان جادّا أو مازحا معه في الحديث أو الفعل .
فهذا شرع الله فيه الحكمة والعناية بأحوال الناس وإصلاحهم . والله الموفق .
حكم كذبة أبريل
فإن الكذب من مساوئ الأخلاق ، وبالتحذير منه جاءت الشرائع ، وعليه اتفقت الفطر ، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة .
و " الصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات ، وركن النبوات ، ونتيجة التقوى ، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ، والاتصاف بالكذب : انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ."
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة ، وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة .
ولم يأت في الشريعة يوم أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها ما يشاء من الأقوال ، ومما انتشر بين عامة الناس ما يسمى " كذبة نيسان " أو " كذبة أبريل " وهي : زعمهم أن اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي - نيسان - يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي .
وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة - يأتي ذكر بعضها - .
تحريم الكذب :
- وقال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} [ النحل : 105 ] .
قال ابن كثير :
ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب ؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس ، وأبرهم ، وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفا بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا " بالأمين محمد " ، ولهذا سأل " هرقل " - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له : " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل .
- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان »
رواه البخاري ( 33 ) و مسلم ( 59 ) .
قال النووي : الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار - : أن معناه : أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم ، ...
وقوله صلى الله عليه وسلم " كان منافقا خالصا " معناه : شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال ، قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه ، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه . فهذا هو المختار في معنى الحديث ، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقا فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل . " شرح مسلم " ( 2 / 46 ، 47 ) .
أقوال السلف في الكذب:
1. قال عبد الله بن مسعود: (إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى ما يكون للفجور في قلبه موضع إبرة يستقر فيه، وإنه ليكذب ويتحرى الكذب حتى ما يكون للصدق في قلبه موضع إبرة يستقر فيه).
2. وعنه قال: (لا يصلح الكذب في جد ولا هزل)، ثم تلا عبد الله ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ [التوبة:119].
3. قال أبو بكر الصدّيق: إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان.
4. عن سعد بن أبي وقاص قال: المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب.
5. عن عمر رض الله عنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب في المزاح
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم نضِّر وجوهنا بسماع أحاديث رسولنا الكريم ونقلها لمن ينتفع بها
فرب مبلغ أوعى من سامع
أسأل الله عز وجل أن يكتبنا جميعا من الصادقين
وأن يجعلنا من
" والصادقين والصادقات "
4- باب الصدق
قال اللَّه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه، وكونوا مع الصادقين } .
وقال تعالى : { والصادقين والصادقات } .
وقال تعالى: { فلو صدقوا اللَّه لكان خيرا لهم } .
وأما الأحاديث:
54- فَالأَوَّلُ : عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً ، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً » متفقٌ عليه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
55- الثَّاني : عَنْ أبي مُحَمَّدٍ الْحَسنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ ، رَضيَ اللَّهُ عَنْهما ، قَالَ حفِظْتُ مِنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَريبُكَ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمأنينَةٌ، وَالْكَذِبَ رِيبةٌ » رواه التِرْمذي وقال : حديثٌ صحيحٌ .
قَوْلُهُ : « يرِيبُكَ » هُوَ بفتحِ الياء وضَمِّها ، وَمَعْناهُ : اتْرُكْ ما تَشُكُّ في حِلِّه ، واعْدِلْ إِلى مَا لا تَشُكُّ فيه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
56- الثَّالثُ : عنْ أبي سُفْيانَ صَخْرِ بْنِ حَربٍ . رضيَ اللَّه عنه . في حديثِه الطَّويلِ في قِصَّةِ هِرقْلُ ، قَالَ هِرقْلُ : فَماذَا يَأْمُرُكُمْ يعْني النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قُلْتُ : يقول « اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لا تُشرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، واتْرُكُوا ما يَقُولُ آباؤُكُمْ ، ويَأْمُرنَا بالصَّلاةِ والصِّدقِ ، والْعفَافِ ، والصِّلَةِ » . متفقٌ عليه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
57- الرَّابِعُ : عَنْ أبي ثَابِتٍ ، وقِيلَ : أبي سعيدٍ ، وقِيلَ : أبي الْولِيدِ ، سَهْلِ بْنِ حُنيْفٍ ، وَهُوَ بدرِيٌّ ، رضي اللَّه عنه ، أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ ، تعالَى الشِّهَادَة بِصِدْقٍ بَلَّغهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهدَاء ، وإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ » رواه مسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
58- الخامِسُ : عَنْ أبي هُريْرة رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « غزا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ صلواتُ اللَّه وسلامُهُ علَيهِمْ فَقَالَ لقوْمِهِ : لا يتْبعْني رَجُلٌ ملَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ. وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِها ، ولا أَحدٌ بنَى بيُوتاً لَمْ يرفَع سُقوفَهَا ، ولا أَحَدٌ اشْتَرى غَنَماً أَوْ خَلَفَاتٍ وهُو يَنْتَظرُ أوْلادَهَا . فَغزَا فَدنَا مِنَ الْقَرْيةِ صلاةَ الْعصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلكَ ، فَقَال للشَّمس : إِنَّكِ مَأمُورةٌ وأَنا مأمُورٌ ، اللهمَّ احْبسْهَا علَينا ، فَحُبستْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليْهِ ، فَجَمَعَ الْغَنَائِم ، فَجاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لتَأكُلهَا فَلَمْ تطْعمْهَا ، فقال: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فليبايعنِي منْ كُلِّ قبِيلَةٍ رجُلٌ ، فلِزقتْ يدُ رَجُلٍ بِيدِهِ فَقَالَ : فِيكُم الْغُلولُ ، فليبايعنِي قبيلَتُك ، فلزقَتْ يدُ رجُليْنِ أو ثلاثَةٍ بِيَدِهِ فقَالَ : فِيكُمُ الْغُلُولُ ، فَجاءوا برَأْسٍ مِثْلِ رَأْس بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهبِ ، فوضَعها فَجَاءَت النَّارُ فَأَكَلَتها ، فلمْ تَحل الْغَنَائِمُ لأحدٍ قَبلَنَا ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنا الغَنَائِمَ لمَّا رأَى ضَعفَنَا وعجزنَا فأحلَّها لنَا » متفقٌ عليه .
« الخلفاتُ » بفتح الخاءِ المعجمة وكسرِ اللامِ : جمْعُ خَلِفَةٍ ، وهِي النَّاقَةُ الحاملُ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الكذب آفة خطيرة فكيف إذا أؤيد الكذب بالحلف ؟
اعلموا رحمكم الله أن الكذب حرام وهو من الكبائر وقد دلت الأحاديث على ذلك :
وتلك بعض الروايات الصحيحة مما صححه الألباني في حرمة الكذب :
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا * ( صحيح ) _ وأخرج البخاري ومسلم نحوه ، مختصر صحيح مسلم 1809 ، صحيح الجامع 4071 .
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار * ( صحيح ) بل هو متواتر ـ الروض 707 و 885 الصحيحة 1383 ( 4 ) باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عن ربعي بن حراش عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكذبوا علي فإن الكذب علي يولج النار * ( صحيح ) : أخرجه البخاري
عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة قالت يا رسول الله إن لي جارة تعني ضرة هل علي جناح إن تشبعت لها بما لم يعط زوجي قال المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور * ( صحيح ) _ الروض النضير 820 ، مختصر مسلم 1387 ، صحيح الجامع 6675 . ( جناح : الاثم والحرج . تشبعت : أظهرت لها الشبع والاكتفاء كذبا . المتشبع : المتكثر بأكثر ما عنده . الزور : الكذب والباطل ) .
[ تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا يالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا [ أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوني في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ] . عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن عبادة بن الصامت _ من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ليلة العقبة _ أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال _ وحوله عصابة من أصحابه _ : ( فذكر الحديث ) قال : فبايعته على ذلك . أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما . وزاد أحمد بعد قوله : ولا تقتلوا أولادكم : قرأ الآية التي أخذت على النساء : { إذا جاءك المؤمنات } . وهي رواية لمسلم . وله طريق ثانية عن الصنابجي عن عبادة به مختصرا ، وزاد فيه : ولا تنتهب . أخرجه البخاري ومسلم وأحمد . وطريق ثالثة عن أيي الأشعث الصنعاني عنه قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا يعضه بعضنا بعضا ، ( ولا نعصيه في معروف ) فمن وفى منكم ... الحديث . ( ولا يَعضَه : أي لا يرميه بالعضيهة ، وهي البهتان والكذب ) . أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه طرفه الأخير . وفي الحديث رد كما قال العلماء على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ، وعلى المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة ، ولم يقل : لا بد أن يعذبه . ومثله قوله تعالى : { إن الله لايغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } . فقد فرق تعالى بين الشرك وبين غيره من الذنوب ، فأخبر أن الشرك لا يغفره . وأن غيره تحت مشيئته ، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ولابد من حمل الأية والحديث على من لم يتب ، وإلا فالتائب من الشرك مغفور له ، فغيره أولى ، والآية قد فرقت بينهما ، وبهذا احتججت على نابتة نبتت في العصر الحاضر ، يرون تكفير المسلمين بالكبائر تارة ويجزمون بأنها ليست تحت مشيئة الله تعالى وأنها لا تغفر بالتوبة ، فسووا بينها وبين الشرك فخالفوا الكتاب والسنة .
عن جابر بن سمرة قال خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مثل مقامي فيكم فقال احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف * ( صحيح ) _ الروض أيضا ، الصحيحة 431 و 1116 .
عن سليم بن عامر يحدث عن أوسط بن إسمعيل البجلي أنه سمع أبا بكر حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم يقول قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامي هذا عام الأول ثم بكى أبو بكر ثم قال عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا * ( صحيح ) _ الروض النضير 917 ، تخريج المختارة 62 - 64 .
[ لا جناح عليك . يعني : في الكذب على الزوجة تطيبا لنفسها ] . عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! هل علي جناح أن أكذب ( على ) أهلي ؟ قال : لا ؛ فلا يحب الله الكذب . قال يا رسول الله ! أستصلحها وأستطيب نفسها . قال : لا جناح عليك . ( صحيح ) _ قال القاضي عياض : يحتمل أن يكون فيما يخبر به كل منهما بما له فيه من المحبة والاغتباط ، وإن كان كذبا ؛ لما فيه من الإصلاح ودوام الألفة . وقال الألباني : وليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها ، أو يخبرها بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا _ يعني : أكثر من الواقع _ ترضية لها ؛لأن ذلك قد ينكشف لها ، فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها ، وذلك من الفساد لا الإصلاح .
[ لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرىء ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا ، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا ] . ( صحيح ) _
[ رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث : في الحرب ، وفي الإصلاح بين الناس ، وقول الرجل لامرأته . وفي رواية : وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ] . ( صحيح ) . وورد بلفظ : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، فينمي خيرا ، أو يقول خيرا . وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ... فذكره بالرواية التالية . وكذا أخرجه مسلم . ويشهد له ، عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! هل علي جناح أن أكذب على أهلي ؟ قال : لا ؛ فلا يحب الله الكذب . قال : يا رسول الله ! أستصلحها وأستطيب نفسها ؟ قال : لا جناح عليك . ( واسناده صحيح ) . وعن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلح الكذب إلا في ثلاث : كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه ، أو كذب في الحرب ؛ فإن الحرب خدعة ، أو كذب في إصلاح بين الناس . أخرجه أحمد وقال : حديث حسن . ( انظر فقه الحديث في الكتاب ، فيه علم وفائدة ) .
[ ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، وما اطلع منه على شيء عند أحد من أصحابه ، فيبخل له من نفسه ، حتى يعلم أن ( قد ) أحدث توبة ] . ( صحيح ) .
[ لا يعضه بعضكم بعضا ] . ( حسن ) . ( لا يعضه : أي لا يرميه بـ ( العضيهة ) ، وهي البهتان والكذب .
عن أبي هريرة : [ لاتقوم الساعة حتى تظهر الفتن ، ويكثر الكذب ، وتتقارب الأسواق ، ويتقارب الزمان ، ويكثر الهرج . قيل : وما الهرج ؟ قال : القتل ] . ( صحيح ) .
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه * ( حسن ) _ الصحيحة 273 . ( زعيم : الضامن والكفيل . ربض الجنة : المراد ما حول الجنة وفي أطرافها ) .
عن أم كلثوم بنت عقبة قالت ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول ولا يريد به إلا الإصلاح والرجل يقول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها * ( صحيح ) _ الصحيحة 545 .
هذا بعض ماصححه الشيخ رحمه الله في هذا الباب رحمه الله تعالى وأقول ليتق الله من يكذب في حديثه فيقول الشيء ثم ينكر قوله لانسيانا وإنما تعمدا للكذب بل ويحلف على الكذب وهو يعلم فتلك وليعلم أنه لن ينفعه أحد إلا أن يتغمده الله برحمته فالله الله ليبادر كل منا لربه تعالى ويقبل عليه وينتهي عما نهى الله عنه .
********* إياكم و الكذب ***********
أضع بين أيدكم هذا المقال في الكذب من باب (فذكر إن نفعت الذكرى)
1- عاقبة الكذب
وقد توعّد الكاذب بعقوبات دنيوية مهلكة ، وبعقوبات أخروية مخزية ، ومنها :
- النفاق في القلب
قال تعالى:{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون } [ التوبة : 77 ] .
قال عبد الله بن مسعود : اعتبروا المنافق بثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، قال : وتلا هذه الآية : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله } إلى قوله : { نفاقا في قلوبهم } إلى قوله : { بما كانوا يكذبون } .
- الهداية إلى الفجور وإلى النار
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الصدق بر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن العبد ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا ، وإن الكذب فجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا »
رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
وفي الحديث إشارة إلى أن من تحرى الصدق في أقواله صار له سجية ومن تعمد الكذب وتحراه صار له سجية ، وأنه بالتدرب والاكتساب تستمر صفات الخير والشر . والحديث دليل على عظمة شأن الصدق وأنه ينتهي بصاحبه إلى الجنة ، ودليل على عظمة قبح الكذب وأنه ينتهي بصاحبه إلى النار ، وذلك من غير ما لصاحبهما في الدنيا ؛ فإن الصدوق مقبول الحديث عند الناس ، مقبول الشهادة عند الحكام محبوب مرغوب في أحاديثه والكذوب بخلاف هذا كله .
- رد شهادة الكاذب
قال ابن القيم : الحكمة في رد شهادة الكذاب
وأقوى الأسباب في رد الشهادة والفتيا والرواية : الكذب ؛ لأنه فساد في نفس آلة الشهادة والفتيا والرواية ، فهو بمثابة شهادة الأعمى على رؤية الهلال ، وشهادة الأصم الذي لا يسمع على إقرار المقر ؛ فإن اللسان الكذوب بمنـزلة العضو الذي قد تعطل نفعه، بل هو شر منه ، فشر ما في المرء لسان كذوب .
- سواد الوجه في الدنيا والآخرة.
قال تعالى : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة } [ الزمر : 60 ] .
قال ابن القيم : ولهذا يجعل الله سبحانه شعار الكاذب عليه يوم القيامة وشعار الكاذب على رسوله سواد وجوههم ، والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ، ويكسوه برقعا من المقت يراه كل صادق ، فسيما الكاذب في وجهه ينادى عليه لمن له عينان ، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة ، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه إهانة ومقتا ، فمن رآه مقته واحتقره ، وبالله التوفيق .
- شق شدق الكاذب إلى قفاه
عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال« كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا قال فيقصّ عليه من شاء اللّه أن يقصّ وإنّه قال ذات غداة إنّه أتاني اللّيلة آتيان وإنّهما ابتعثاني وإنّهما قالا لي انطلق .. فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال وربّما قال أبو رجاء فيشقّ قال ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى قال قلت سبحان اللّه ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق ( ثم قال في تفسير الملكين للمشاهد التي رآها ) : وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .. » رواه البخاري ( 5745 ) .
2- أشنع الكذب
الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
وهو أعظم الكذب ، وصاحبه معرّض للوعيد الشديد ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تكفير فاعله .
قال تعالى : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون }
وعن علي رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تكذبوا عليّ ؛ فإنه من كذب علي فليلج النار »
رواه البخاري ( 106 ) .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار »
رواه البخاري ( 110 ) ومسلم ( 3 ) .
قال ابن القيم :
المباءة : هي التي يبوء إليها الشخص ، أي : يرجع إليها رجوع استقرار ، والمباءة " هي المستقر ومنه قوله " من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار " ، أي : ليتخذ مقعده من النار مباءة يلزمه ويستقر فيه ، لا كالمنـزل الذي ينـزله ثم يرحل عنه .
3- أنواع الكذب
ومن الكذب ما يكون على الخلق مثل ..
- الكذب في البيع والشراء
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب »
رواه مسلم ( 106 ) .
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال : حتى يتفرقا - فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما »
رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 532 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان ، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه « البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما » ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .
الكذب في الرؤيا والحلم
وهو ما يدّعيه بعضهم أنه رأى في منامه كذا وهم غير صادق ، ثم يصبح يقص على الناس ما لم ير .
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من تحلّم بحلم لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون - أو يفرون منه - صب في أذنه الآنك يوم القيامة ، ومن صوّر صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ »
رواه البخاري ( 6635 ) .
مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ يكون شهادة في قتل أو حدّ ؛ لأن الكذب في النوم كذب على الله تعالى ؛ لأن الرؤيا جزء من النبوة ، وما كان من أجزائها فهو منه تعالى والكذب على الخالق أقبح منه على المخلوق
التحدث بكل ما يسمع
عن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع »
رواه مسلم ( 5 ) .
قال النووي :
وأما معنى الحديث والآثار التي في الباب : ففيها الزجر عن التحدث بكل ما سمع الإنسان؛ فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدّث بكل ما سمع فقد كذب ؛ لإخباره بما لم يكن ، وقد تقدم أن مذهب أهل الحق : أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، ولا يشترط فيه التعمد ، لكن التعمد شرط في كونه إثما والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 1 / 75 ) .
الكذب في المزاح
ويظن بعض الناس أنه يحل له الكذب إذا كان مازحا ، وهو العذر الذي يتعذرون به في كذبهم في أول " نيسان " أو في غيره من الأيام ، وهذا خطأ ، ولا أصل لذلك في الشرع المطهّر ، والكذب حرام مازحا كان صاحبه أو جادّا .
الكذب في المزاح حرام كالكذب في غيره .
عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : « إني لأمزح ولا أقول إلا حقّا »
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 391 ) .
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 2494 ) .
وعن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال : « إني لا أقول إلا حقا »
رواه الترمذي ( 1990 )
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدّثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها..
فلما استيقظ الرجل.. فزع !!
فضحك القوم.. فقال : ما يضحككم ؟؟
فقالوا: لا.. إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحل لمسلم أن يروع مسلما »
رواه أبو داود ( 5004 ) وأحمد. والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7658 ) .
عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده.. أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادّا ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها »
رواه أبو داود ( 5003 ) ، والترمذي ( 2160 ) - مختصرا - . والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7578 ) .
الكذب في ملاعبة الصبيان
ينبغي الحذر من الكذب في ملاعبة الصبيان فإنه يكتب على صاحبه ، وقد حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقد روي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما أردت أن تعطيه ؟ »
قالت : أعطيه تمرا ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة »...
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة »
رواه أبو داود ( 4991 ) .
والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1319 ) .
الكذب للإضحاك
عن معاوية بن حيدة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ، ويل له »
رواه الترمذي ( 235 ) وقال : هذا حديث حسن ، وأبو داود ( 4990 ) .
4- أقوال السلف في الكذب
- قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى ما يكون للفجور في قلبه موضع إبرة يستقر فيه ، وإنه ليكذب ويتحرى الكذب حتى ما يكون للصدق في قلبه موضع إبرة يستقر فيه .
- وعنه قال : لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ، ثم تلا { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
- قال أبو بكر الصدّيق : إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان .
- عن سعد بن أبي وقاص قال : المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب .
- عن عمر رض الله عنه قال : لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب في المزاح .
5- الكذب الجائز
ويكون في مواضع ثلاثة : الحرب ، للإصلاح بين المتخاصمين ، وكذب الزوج على زوجته والعكس لأجل المودة وعدم الشقاق .
عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا »
رواه البخاري ( 2546 ) ، ومسلم ( 2605 ) .
وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحل الكذب إلا في ثلاث : يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب في الحرب ، والكذب ليصلح بين الناس »
رواه الترمذي ( 1939 ) ، والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7723 ) .
6- كذبة أبريل تاريخيا
وأما كذبة إبريل فلم يعرف أصل هذه الكذبة على وجه التحديد وهناك آراء مختلفة في ذلك :
فذكر بعضهم أنها نشأت مع احتفالات الربيع عند تعادل الليل والنهار في 21من شهر آذار …..
ويرى بعضهم أن هذه البدعة بدأت في فرنسا عام ( 1564م) بعد فرض التقويم الجديد كما سبق إذ كان الشخص الذي يرفض هذا التقويم الجديد يصبح في اليوم الأول من شهر إبريل ضحية لبعض الناس الذين كانوا يعرضونه لمواقف محرجة ويسخرون منه فيصبح محط سخرية الآخرين .
ويرى بعضهم أن هذه البدعة تمتد إلى عصور قديمة واحتفالات وثنية لارتباطها بتاريخ معين في بداية فصل الربيع إذ هي بقايا طقوس وثنية ويقال إن الصيد في بعض البلاد يكون خائبا في أول أيام الصيد في بعض البلاد في الغالب فكان هذا قاعدة لهذه الأكاذيب التي تختلق في أول شهر إبريل .
ويسمى هذا اليوم عند بعض الكفار بيوم جميع الحمقى والمغفلين : كما أطلقه الإنجليز وذلك لما يفعلونه من أكاذيب حيث قد يصدقهم من يسمع فيصبح ضحية لذلك فيسخرون منه .
وأول كذبة إبريل ورد ذكرها في اللغة الإنجليزية في مجلة كانت تعرف بـ " مجلة دريك " ………. ففي اليوم الثاني من إبريل علم (1698م) ذكرت هذه المجلة أن عددا من الناس تسلموا دعوة لمشاهد عملية غسل السود في برج لندن في صباح اليوم الأول من شهر إبريل .
ومن أشهر ما حدث في أوروبا في أول إبريل أن جريدة " ايفند ستار " الإنجليزية أعلنت في مارس (آذر ) سنة ( 1746) أن غدا -أول إبريل - سيقام معرض حمير عام في غرفة الزراعة لمدنية ( اسلنجتون) من البلاد الإنجليزية فهرع الناس لمشاهدة تلك الحيوانات واحتشدوا احتشادا عظيما وظلوا ينتظرون فلما أعياهم الانتظار سألوا عن وقت عرض الحمير فلم يجدوا شيئا فعلموا أنهم إنما جاءوا يستعرضون أنفسهم فكأنهم هم الحمير !!
وكتب بعضهم عن أصل هذه الكذبة قائلا :
الكثير منا يحتفل بما يسمونه كذبة إبريل والترجمة الحرفية لها " خدعة إبريل "
ولكن كم منا يعرف الحقيقة المرّة الخفية وراء ذلك.
عندما كان المسلمون يحكمون أسبانيا قبل حوالي ألف سنة كانوا في ذلك الوقت قوة لا يمكن تحطيمها وكان النصارى الغربيون يتمنون أن يمسحوا الإسلام من العالم ولقد نجحوا إلى حد ما.
ولقد حاولوا الحد من امتداد الإسلام في أسبانيا والقضاء عليه ولم يفلحوا ، حاولوا مرات عديدة ولم ينجحوا أبدا.
بعد ذلك أرسل الكفار جواسيسهم إلى أسبانيا ليدرسوا ويكتشفوا سرة قوة المسلمين التي لا تهزم فوجدوا أن الإلتزام بالتقوى هو السبب.
عندما اكتشف النصارى سر قوة المسلمين بدأوا في التفكير في استراتيجية تكسر هذه القوة وبناءا عليه بدأوا بإرسال الخمور والسجائر إلى أسبانيا مجانا.
هذا التكتيك (الطريقة ) من الغرب أعطت نتائجها وبدأ الإيمان يضعف عند المسلمين خاصة في جيل الشباب بأسبانيا. وكانت نتيجة ذلك أن النصارى الغربيين الكاثوليك أخضعوا كل أسبانيا تحت سيطرتهم منهين بذلك حكم المسلمين لذلك البلد الذي دام أكثر من ثمانمائة سنة. سقط آخر حصن للمسلمين وهو غرناطة في أول إبريل. ولذلك اعتبروها بمعنى خدعة إبريل
(APRIL FOOL).
(هذا القول ضعيف لضعف السند التاريخي في خروج المسلمين من أوربا في هذا التوقيت)
ومن تلك السنة إلى الآن يحتفلون بذلك اليوم ويعتبرون المسلمين حمقى. فهم لا يجعلون الحماقة وسهولة المخادعة في جيش غرناطة فقط بل في جميع الأمة الإسلامية. وعندما نحضر هذه الاحتفالات فإنه نوع من الجهل وعندما نحاكيهم المحاكاة العمياء في اللعب بهذه الفكرة الخبيثة فهو نوع من التقليد الأعمى الذي قد يؤكد غباء بعضنا في اتباعهم. ولو علمنا بسبب الاحتفال لما أمكن أن نحتفل بهزيمتنا أبدا.
وبعد أن عرفنا الحقيقة دعونا نقطع وعدا على أنفسنا بأن لا نحتفل بذلك اليوم. يجب علينا أن نتعلم دروسا من الأسبان ونصبح مطبقين حقيقة للإسلام ولا نسمح لإيماننا بأن يضعف أبدا.
ولا يهمنا معرفة أصل هذه الكذبة بقدر ما يهمنا حكم الكذب في يومها ، والذي نجزم به أنها لم تكن في عصور الإسلام الزاهرة الأولى ، وليس منشؤها من المسلمين ، بل هي من أعدائهم .
والحوادث في كذبة نيسان كثيرة ، فمن الناس من أخبر بوفاة ولده أو زوجته أو بعض محبيه فلم يحتمل الصدمة ومات ، ومنهم من يخبر بإنهاء وظيفته أو بوقوع حريق أو حادث تصادم لأهله فيصاب بشلل أو جلطة أو ما شابههما من الأمراض .
وبعض الناس يتحدث معه كذبا عن زوجته وأنها شوهدت مع رجل فيسبب ذلك قتلها أو تطليقها.
وهكذا في قصص لا تنتهي وحوادث لا نهاية لها ، وكله من الكذب الذي يحرمه الدين والعقل ، وتأباه المروءة الصادقة .
وقد رأينا كيف أن الشرع حرّم الكذب حتى في المزاح ، وأنه نهى أن يروّع المسلم سواء كان جادّا أو مازحا معه في الحديث أو الفعل .
فهذا شرع الله فيه الحكمة والعناية بأحوال الناس وإصلاحهم . والله الموفق .
حكم كذبة أبريل
فإن الكذب من مساوئ الأخلاق ، وبالتحذير منه جاءت الشرائع ، وعليه اتفقت الفطر ، وبه يقول أصحاب المروءة والعقول السليمة .
و " الصدق أحد أركان بقاء العالم .. وهو أصل المحمودات ، وركن النبوات ، ونتيجة التقوى ، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع ، والاتصاف بالكذب : انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ."
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة ، وعلى تحريمه وقع الإجماع ، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة .
ولم يأت في الشريعة يوم أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر بها ما يشاء من الأقوال ، ومما انتشر بين عامة الناس ما يسمى " كذبة نيسان " أو " كذبة أبريل " وهي : زعمهم أن اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي - نيسان - يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي .
وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة - يأتي ذكر بعضها - .
تحريم الكذب :
- وقال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} [ النحل : 105 ] .
قال ابن كثير :
ثم أخبر تعالى أن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس بمفتر ولا كذاب ؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم شرار الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان أصدق الناس ، وأبرهم ، وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفا بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا " بالأمين محمد " ، ولهذا سأل " هرقل " - ملك الروم - أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيما قال له : " هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا ، فقال هرقل : فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله عز وجل .
- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان »
رواه البخاري ( 33 ) و مسلم ( 59 ) .
قال النووي : الذي قاله المحققون والأكثرون - وهو الصحيح المختار - : أن معناه : أن هذه الخصال خصال نفاق ، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ، ومتخلق بأخلاقهم ، ...
وقوله صلى الله عليه وسلم " كان منافقا خالصا " معناه : شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال ، قال بعض العلماء : وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه ، فأما من يندر ذلك منه فليس داخلا فيه . فهذا هو المختار في معنى الحديث ، وقد نقل الإمام أبو عيسى الترمذي رضي الله عنه معناه عن العلماء مطلقا فقال : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل . " شرح مسلم " ( 2 / 46 ، 47 ) .
أقوال السلف في الكذب:
1. قال عبد الله بن مسعود: (إن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى ما يكون للفجور في قلبه موضع إبرة يستقر فيه، وإنه ليكذب ويتحرى الكذب حتى ما يكون للصدق في قلبه موضع إبرة يستقر فيه).
2. وعنه قال: (لا يصلح الكذب في جد ولا هزل)، ثم تلا عبد الله ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ [التوبة:119].
3. قال أبو بكر الصدّيق: إياكم والكذب فإنه مجانب الإيمان.
4. عن سعد بن أبي وقاص قال: المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب.
5. عن عمر رض الله عنه قال: لا تبلغ حقيقة الإيمان حتى تدع الكذب في المزاح
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم نضِّر وجوهنا بسماع أحاديث رسولنا الكريم ونقلها لمن ينتفع بها
فرب مبلغ أوعى من سامع
أسأل الله عز وجل أن يكتبنا جميعا من الصادقين
وأن يجعلنا من
" والصادقين والصادقات "
4- باب الصدق
قال اللَّه تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه، وكونوا مع الصادقين } .
وقال تعالى : { والصادقين والصادقات } .
وقال تعالى: { فلو صدقوا اللَّه لكان خيرا لهم } .
وأما الأحاديث:
54- فَالأَوَّلُ : عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً ، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً » متفقٌ عليه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
55- الثَّاني : عَنْ أبي مُحَمَّدٍ الْحَسنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ ، رَضيَ اللَّهُ عَنْهما ، قَالَ حفِظْتُ مِنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَريبُكَ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمأنينَةٌ، وَالْكَذِبَ رِيبةٌ » رواه التِرْمذي وقال : حديثٌ صحيحٌ .
قَوْلُهُ : « يرِيبُكَ » هُوَ بفتحِ الياء وضَمِّها ، وَمَعْناهُ : اتْرُكْ ما تَشُكُّ في حِلِّه ، واعْدِلْ إِلى مَا لا تَشُكُّ فيه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
56- الثَّالثُ : عنْ أبي سُفْيانَ صَخْرِ بْنِ حَربٍ . رضيَ اللَّه عنه . في حديثِه الطَّويلِ في قِصَّةِ هِرقْلُ ، قَالَ هِرقْلُ : فَماذَا يَأْمُرُكُمْ يعْني النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قُلْتُ : يقول « اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لا تُشرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، واتْرُكُوا ما يَقُولُ آباؤُكُمْ ، ويَأْمُرنَا بالصَّلاةِ والصِّدقِ ، والْعفَافِ ، والصِّلَةِ » . متفقٌ عليه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
57- الرَّابِعُ : عَنْ أبي ثَابِتٍ ، وقِيلَ : أبي سعيدٍ ، وقِيلَ : أبي الْولِيدِ ، سَهْلِ بْنِ حُنيْفٍ ، وَهُوَ بدرِيٌّ ، رضي اللَّه عنه ، أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ ، تعالَى الشِّهَادَة بِصِدْقٍ بَلَّغهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهدَاء ، وإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ » رواه مسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
58- الخامِسُ : عَنْ أبي هُريْرة رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « غزا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ صلواتُ اللَّه وسلامُهُ علَيهِمْ فَقَالَ لقوْمِهِ : لا يتْبعْني رَجُلٌ ملَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ. وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِها ، ولا أَحدٌ بنَى بيُوتاً لَمْ يرفَع سُقوفَهَا ، ولا أَحَدٌ اشْتَرى غَنَماً أَوْ خَلَفَاتٍ وهُو يَنْتَظرُ أوْلادَهَا . فَغزَا فَدنَا مِنَ الْقَرْيةِ صلاةَ الْعصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلكَ ، فَقَال للشَّمس : إِنَّكِ مَأمُورةٌ وأَنا مأمُورٌ ، اللهمَّ احْبسْهَا علَينا ، فَحُبستْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليْهِ ، فَجَمَعَ الْغَنَائِم ، فَجاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لتَأكُلهَا فَلَمْ تطْعمْهَا ، فقال: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فليبايعنِي منْ كُلِّ قبِيلَةٍ رجُلٌ ، فلِزقتْ يدُ رَجُلٍ بِيدِهِ فَقَالَ : فِيكُم الْغُلولُ ، فليبايعنِي قبيلَتُك ، فلزقَتْ يدُ رجُليْنِ أو ثلاثَةٍ بِيَدِهِ فقَالَ : فِيكُمُ الْغُلُولُ ، فَجاءوا برَأْسٍ مِثْلِ رَأْس بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهبِ ، فوضَعها فَجَاءَت النَّارُ فَأَكَلَتها ، فلمْ تَحل الْغَنَائِمُ لأحدٍ قَبلَنَا ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنا الغَنَائِمَ لمَّا رأَى ضَعفَنَا وعجزنَا فأحلَّها لنَا » متفقٌ عليه .
« الخلفاتُ » بفتح الخاءِ المعجمة وكسرِ اللامِ : جمْعُ خَلِفَةٍ ، وهِي النَّاقَةُ الحاملُ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
59- السادِسُ : عن أبي خالدٍ حكيمِ بنِ حزَامٍ . رضِيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الْبيِّعَان بالخِيارِ ما لم يَتفرَّقا ، فإِن صدقَا وبيَّنا بوُرِك لهُما في بَيعْهِما ، وإِن كَتَما وكذَبَا مُحِقَتْ بركةُ بيْعِهِما » متفقٌ عليه