Islam for all-الإسلام للجميع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Islam for all-الإسلام للجميع

شرح العقيدة الواسطية Aya10
Questo sito e' protetto con
Norton Safe Web


    شرح العقيدة الواسطية

    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:30:27

    شرح العقيدة الواسطية

    لشيخ الإسلام/ ابن تيمية رحمه الله



    من الشريط 1 إلى الشريط 13


    والبقية قريباً إن شاء الله


    شرح فضيلة الشيخ العلامة


    سليمان بن ناصر العلوان

    فرج الله عنه



    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط (1)


    الواسطية سميت بهذا الاسم؛ لأنها كتبت في واسط وهي إحدى مدن بلد العراق، كالحموية والتدمورية وغير ذلك من مسميات مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم الذين يكتبون الكتاب في بلد ثم ينسبونه إليه.

    وقيل سميت الواسطية؛ لأنها متوسطة بين مذاهب أهل الضلال
    ، وهي متوسطة بين مذهب الجهمية والأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والكرامية والمرجئة والخوارج والجبرية والقدرية وغير هؤلاء من المنحرفين، لأن التوسط أو الوسط هو التوسط بين الشيئين.

    استفتح رحمه الله تعالى رسالته المختصرة التي ضمنها معتقد أهل السنة والجماعة الذي اتفقوا عليه؛ لأنه يوجد أشياء لم يذكرها شيخ الإسلام وهو يراها، كما في فتاواه وفي رسائل متعددة، لكن لأن الخلاف قد جرى ولم يحصل في ذلك إجماع ولا اتفاق لخص رحمه الله تعالى في هذه الرسالة ما اتفق عليه العلماء في أشياء قد يكون متفقًا عليها، وليس معنى هذا أن ما لم يذكره غير متفق عليه، لكن هو أتى للأصول العامة التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة.

    نبدأ بالبسملة أولاً اقتداء بالكتاب العزيز وتأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته، والأصل في المكاتبات البداء بالبسملة بخلاف المحادثات الكلامية، فالأصل في ذلك البداء بالحمدلة ، وهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض العلماء يرى استفتاح الكتب بخطبة الحاجة (الحمد لله نحمده) ولكن لم يرد في ذلك دليل.

    وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه وإسناده صحيح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا خطبة الحاجة كما كان يعلمنا السورة من القرآن : "إن الحمد لله نحمده ... " إلى آخره، وهذا لم يثبت أنه في المكاتبات، وبالتالي نزل على المخاطبات لفعله صلى الله عليه وسلمفي خطبه، بدليل فعله في مكاتباته.

    وحين كتب إلى هرقل اقتصر على البسملة، «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» وغير ذلك من الأدلة، ثم ثنى رحمه الله تعالى بالحمدلة فحمد لله جل وعلا، والألف واللام في الحمد، استغراق لجميع المحامد، وربما لا أركز على قضية الفردية، ونأخذ الشرح مجملاً لنأخذ أكبر قدر ممكن إن شاء الله في المستقبل.

    الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الرسالة ذكر الأصول المتفق عليها
    بين أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره وهذا لا يختلف فيه العلماء لأن الله جل وعلا قال: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال الله جل وعلا:(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ...) إلى آخر الآية.

    وقال الله جل وعلا:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ...) إلى آخر الآيات، والأدلة على هذا كثيرة، ولا يختلف في ذلك المسلمون، ومعنى الإيمان بالقدر أنك تؤمن بأن ما شاء الله وأراده فإنه يقع فما يمكن أن يتخلف ذلك، لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القلم جرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنه لا يمنع عن قدر الله شيء لذل ك قال ابن عقيل رحمه الله تعالى كما حكى عنه ابن القيم في نونيته:


    وحقيقة القدر الذي حار الورى

    في شأنه هو قدرة الرحمن


    هذا قول الإمام أحمد أن القدر هو قدرة الرحمن، ومعنى قدرة الرحمن: أي لا يمنع من قدر الله شيء.

    وحقيقة القدر الذي حار الورى

    في شأنه هو قدرة الرحمن

    واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد

    لما حكاه عن الرضا الرباني

    وقال الإمام: شفا القلوب بلفظة

    ذات اختصار وهي ذات بيان


    ثم شرع رحمه الله تعالى يبين معتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات أن أهل السنة يؤمنون بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يثبتون لله ما أثبته لنفسه وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه، فيثبتون لله الأسماء والصفات لقول الله جل وعلا:(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)وذكر الصفات جاء في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم حيث سأل الرجل عن السبب والسر في كونه يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في كل صلاة، فقال لأنه صفة الرحمن.

    وفي حديث ابن عباس عند عبد الرزاق حين سمع حديثًا في الصفات فعلم أن هذا وارد ، وليس كما يدعى ابن حجر رحمه الله تعالى بأن ذكر الأسماء جاء في القرآن وإنما الصفات لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة هذا غير صحيح. ورد في السنة وورد على لسان الصحابة.

    أما في السنة ففي الصحيحين، وأما عن لسان الصحابة فبأصح إسناد رواه عبد الرزاق من رواية عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه، مما يدل دلالة واضحة أن ذكر الصفات جاء، وأن لفظ الأسماء والصفات هما لفظان شرعيان واردان في الكتاب والسنة، فأهل السنة يؤمنون بذلك، ويسوقون الأدلة على ما أثبته لنفسه إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل، لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.

    وقد نظم عقيدة أهل السنة والجماعة ابن القيم في نونيته فقال:

    لسنا نشبه وصفه بصفاتنا

    إن المشبه عابد الأوثان

    كلا ولا نخليه من أوصافه

    إن المعطل عابد البهتان

    من شبه الرحمن العظيم بخلقه

    فهو الشبيه بمشرك نصراني

    أو عطل الرحمن عن أوصافه

    فهو الكفور وليس ذا الإيمان


    والذي ينبغي أن نفهمه قبل أن نشرع في تفاصيل ما يذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن شيخ الإسلام قدم مقدمة مجملة، ثم يشرع بعد ذلك رحمه الله تعالى في التفصل ، فنجمل حيث أجمل ونفصل حيث فصل، ليكون أوعى وأخصر في الشرح.

    وأول الأشياء التي ينبغي أن نفهمها: أن الأسماء مشتقة، وأنها ذات مدلول وذات معنى، وإلى هذا المعنى أشار ابن القيم في النونية قال:

    أسماؤه أوصاف مدح كلها


    مشتقة قد حملت بمعاني


    خلافًا للمعتزلة الذين يقولون أن الله سميع بلا سمع، عليم بلا علم، وخلافًا للمفوضة الذين يقولون نثبت لله ما أثبته لنفسه ونمرها كما جاءت وهم لا يمرونها كما جاءت في المعنى، يمرنها كما جاءت في اللفظ، فهم يثبتون اللفظ دون المعنى.

    فهناك لا يقولون لاسم الله السميع اشتقاق السمع، وفي هذا الباب قال العلماء أن المفوضة شر من المعطلة، وهم معطلة، لأنهم يأتون بألفاظ موهنة فأهل السنة والجماعة يثبتون لله جل وعلا اللفظ والمعنى دون تكييف ودون تمثيل، كما قال نعيم بن حماد رحمه الله تعالى: من شبه الله بخلقه فإنه كافر، وقال عنه رحمه الله تعالى، فإنه شبه الله جل وعلا بالمخلوقات، من نفى عن الله ما أثبته لنفسه فقد شبه الله بالمعدومات،

    ولذلك قال العلماء عن المعطلة، حين وجد في قلوب المعطلة تشبيه يقولون: ورد لله السمع، ورد لله البصر هذا كله متواتر بنص القرآن، فيقولون إن أثبتنا هذه الأمور يعني هذا مشابهة المخلوق للخالق، هم يتصورون ذلك ولذلك يقولون: لا نثبت لله هذه الأمور حتى نبتعد عن مشابهة المخلوق للخالق، فوقعوا في أسوأ مما فروا منه، شبهوا الله بالمعدومات، فحين يقولون أن الله لا سميع لا بصير ولا يرضى ولا يغضب إذا بمنزلة الجمادات والمعدومات، ولذلك حين قال إبراهيم لأبيه:
    (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) لم يقل آزر وهو كافر: وربك لا يسمع ولا يبصر.


    فقد كان مشركًا ولكن مؤمن بأن الله سميع وبصير، وإلا لم يكن لقول إبراهيم معنى واعترض عليه المشركون حين دعاه بأنه لا يسمع ولا يبصر، ولم يقولوا ربك كذا لا يسمع ولا يبصر ، فمثل هذا مما أجمعت عليه الرسل ولذلك حماد بن زيد، حين ناظر أحد الجهمية فقال له: في بيتك نخلة قال: نعم، قال: لها جذع، قال: لا، قال فيها فرع، قال: لا، قال فيها سعف، قال: لا، قال فيها ثمرة، قال: لا، قال: إذن هي ليست نخلة،ولا تسمى نخلة، كذلك أنتم نقول لكم: لكم رب، تقولون: نعم، يسمع: لا، قال، يبصر: لا، يرضى: لا، ينزل: لا، استوي على العرش: لا، إذن لا رب لكم.

    كذلك الجهمية قيل لهم هل لكم رب قالوا نعم، قيل يسمع؟ قالوا لا، قيل يبصر؟ قالوا لا قيل ينزل قالوا لا قال فكيف لكم رب، لأن الرب إذا لا يتصف بالبصر ولا بالسمع ولا يرضى ولا يغضب فليس برب، فلذلك أهل السنة متفقون على إثبات هذه الأمور وهم مؤمنون أيضا بأنهم لا يشبهون ولا يمثلون.

    والتشابه في الأسماء بين الخالق والمخلوق ليسا تشابهًا في المعاني، الله وصف المخلوق بأنه سميع، ووصف نفسه بأنه سميع بصير، لكن ليس هذا كهذا لأن هذا الخالق وهذا المخلوق والله قال عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

    والمخلوق مآله إلى الله، والله جل وعلا يقول: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ{، وقال: }وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية: ( وهو سبحانه قد جمع حين وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات وهذه طريقة الرسل، يجمعون بين النفي والإثبات، ويأتون بالنفي المجمل، والإثبات المفصل، كما شرح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في رحمه الله تعالى في كتاب (التدمرية) وهم متبعون في ذلك لكتاب ربهم فإنه جل وعلا يجمع بين النفي والإثبات فلا عدول إذا كان الأمر هكذا فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون فإن من عدل عن طريقتهم واعترض على هديهم فقد ضل ضلالاً مبينًا.


    و الذين يسعون جاهدين للتخلي عن طريقة السلف وتسمية كتبهم بالكتب الصفراء ودراسة الكتب الفكرية والعقلية والكتب التي تعتمد على الرأي ومخالفة ما جاءت به الرسل هؤلاء منحرفون، وهذا الانحراف حقيقة لا يتمثل فقط في دينهم حتى في عقولهم وتفكيرهم لأنهم كان يسمون أنفسهم أهل عقل ويسمون كتبهم فكرية والحقيقة أنهم ليسوا من الفكر في شيء لأن الفكر الصحيح لا يناقض النقل الصحيح فدل هذا على أن العقول فاسدة ومارجة،

    وأنهم لا يحملون من العقل شيئًا وليس معنى هذا محاربة كل كتب الفكر لأن بعضها مبنيا على الكتاب والسنة ولكن العدو يسمونها كتب فكرية أنا أتحدث عن أمثال كتب الجابري وأمثال هذه الكتب المنحرفة التي تدعو للتخلي عن النقل ودعوة إلى العقل، كأمثال الطائفة المسماة بالعقلانية، وأمثال كثيرين من المسمين الآن بالعصرانيين.



    قوله: (فإنه الصراط المستقيم): الصراط خبر إن (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، بدل، وبدل المرفوع مرفوع، ومن دعاء المؤمنين في صلاتهم حين يقولون فاتحة الكتاب (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.


    فلا يستغني العبد عن ربه طرفة عين فهو بحاجة إلى سؤاله الصراط المستقيم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: «اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»، ويتأكد هذا الدعاء حين تشتبه عليه المسائل وتختلط عليه الأوراق ويتشتت ذهنه في الآراء، فنسأل الله جل وعلا الهداية لما اختلف فيه من الحق.


    ثم شرع المؤلف رحمه الله تعالى يتحدث عن سورة الإخلاص وما جاء فيها من الإثبات والنفي وأنها تعدل ثلث القرآن، وكون هذه السورة تعدل ثلث القرآن هذا محل إجماع لأن الأحاديث في ذلك متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن »،

    قيل تعدل ثلث القرآن بالثواب، وقيل إن القرآن متمثل بثلاثة أمور لا رابع لها: توحيد، وأحكام، وقصص، وقد جاءت سورة الإخلاص بكل أنواع التوحيد، فعدلت من هذه الحيثية ثلث القرآن فقوله جل وعلا: (
    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)هذا فيه توحيد الربوبية؛ لأنه إقرار بوجود الله، وفيه أيضًا توحيد الإلهية، وفيه توحيد الأسماء والصفات (الله) فإن أثبت اسم الله فإنه أثبت أن لله أسماءً وصفات، وهذا يعني باللازم أن تفرد الله لأن الله مأخوذ من أله يأله، ومن عبد يعبد، ما معنى الإله، هو المألوه والمعبود محبة وتعظيمًا وإجلالاً.

    (
    اللَّهُ الصَّمَد)الصمد اسم من أسماء الله جل وعلا فيه إثبات الأسماء والصفات، وأصح ما قيل في معنى الصمد إما أن يقال: السيد، الذي قد كمل في سؤدده أو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم.

    (
    لَمْ يَلِدْ )هذا نفي (وَلَمْ يُولَدْ ). وهذا تنزيه لله جل وعلا.

    (
    وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ). أي مثيلاً ونظيرًا ولا شبيهًا أي مكافئًا من البشرية، ولا من غيرها، لم يكن له مكافئ مطلقًا.

    قال الله جل وعلا: .(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)ثم قال رحمه الله: (وما وصف الله به نفسه من أعظم آية جاءت في كتاب الله)

    أعظم آية ما هي ؟ هي آية الكرسي، والأحاديث في ذلك صحيحة فإن آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وفيه الدلالة على التوحيد والدلالة على عظمة الله، بل كل آية ، بل كل حرف في هذه السورة يدل على توحيد الله، وكل كلمة تدل على التوحيد وعلى عظمته فقوله جل وعلا: .( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) فيها التوحيد كله ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ).نفيا لجميع ما يعبد من دون الله، فمن صرف العبادة لغير الله، فإنه مشرك كافر،

    - كثير من الناس يقرأ هذه السورة - كثير من المسلمين يحفظ هذه السورة، ولكن الذين لا يفهمون معناها أكثر من الذين يفهمون حقيقتها، وما ورائها من الأسرار، النبي
    صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وسنده صحيح من طريق الحميري عن الألهاني عن أبي أمامة t.


    فالذي يقول: (الله لا إله إلا هو) وهو يطوف على القبور ويدعو غير الله.

    وأنتم ترون الملايين قبل ثلاثة أيام في كربلاء وفي العراق يحتفلون بعاشوراء ويدعون غير الله عند قبر الحسين وعند المعظمين في نفوسهم وقد يكونوا معظمين في حقيقة الأمر ولكنهم يدعون غير الله عز وجل، هؤلاء كلهم وثنيون، كلهم وثنيون ومشركون لأنهم يدعون غير الله جل وعلا ويسألونهم المدد والنصرة والاستقرار وحلول الأمن في بلادهم، وهم يقولون (لا إله) ولكنهم لا يفهمون هذا الكلام ولا يعرفون معناها.


    (
    الْحَيُّ الْقَيُّومُ ).إثبات اسمين من أسماء الله جل وعلا.

    (
    الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، الشفاعة لا تحل لأحد إلا بأمرين: إذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع، والله لا يرضى من الأقوال والأعمال إلا الأعمال الخالصة التي تكون لله لا يشوبها شيء من الابتداع.

    (
    يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )
    .
    إطلاق صفة العلم لله جل وعلا.

    وهو العليم أحاط علمًا بالذي


    في الكون من سر ومن إعلان

    وبكل شيء علمه سبحانه

    هو العليم وليس ذا نسيان


    قوله: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) أي: إلا بما يعلمهم الله جل وعلا.

    قوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) قال ابن عباس: «الكرسي موضع القدمين» رواه الدارمي بسند على شرط الشيخين.

    قوله: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يكرثه ولا يثقله،(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )
    فيه .إثبات أسماء الله جل وعلا والصفات :

    أسماؤه أوصاف ألفاظ مدح

    كلها مشتقة قد حملت لمعاني



    ولذلك من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، روى ذلك البخاري معلقًا ورواه النسائي بسند صحيح في الحث على قراءة هذه الآية في الليل قبل أن ينام ليكون محفوظًا ويبتعد عنه الشيطان ولا يقترب منه.

    شرع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذه العقيدة المختصرة في سرد وذكر الآيات الدالة على أسماء الله وصفاته وقد ذكر رحمه الله تعالى آيات كثيرة في إثبات الصفات لله جل وعلا، وذكر في أدلة كل صفة، ثلاثة أدلة، أو أربعة أدلة، أو خمسة أدلة، تارة يزيد وتارة ينقصه فهو رحمه الله تعالى ابتدأ بسرد الآيات ثم ثنى بذكر الأحاديث ليبين أن عقيدة أهل السنة والجماعة قائمة على الوحيين قائمة على الكتاب وعلى السنة وأنهم يعتمدون في إثبات الأسماء والصفات على آيات القرآن وعلى الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم،

    لا يعتمدون في ذلك على مجرد عقولهم ولا على ما يستحسنونه، ولذلك حكى ابن تيمية رحمه الله تعالى اتفاق أهل السنة على أنه لا مجال للعقل في إثبات الأسماء والصفات، وإن جوز هذا بعض أهل البدع كالأِشاعرة وغيرهم ممن يقحمون العقل في إثبات الأسماء والصفات، فأهل السنة لا يقحمون العقل في هذا الباب ويقولون بأن هذا الباب باب توقيفي آية أو حديث، شرع رحمه الله تعالى يتحدث عن إثبات اسم العليم وصفة العلم لله جل وعلا:

    القاعدة في هذا الباب أن كل اسم يشتق منه ص
    فة، ما هناك اسم لا يؤخذ منه صفة كل اسم يشتق منه صفة، فلذلك من أسماء الله جل وعلا (العليم) يؤخذ منه إثبات صفة العلم لله جل وعلا، قال ابن ا ليقم رحمه الله تعالى في النونية:

    أسماؤه أوصاف مدح كلها

    مشتقة قد حملت لمعاني




    فقوله: (أسماؤه أوصاف مدح): إذا لم يكن صفة مدح ويطلق على الله فهو ليس باسم، كالحديث المشهور : «إن الله هو المسعر»، المسعر ليس اسم من أسماء الله لأن هذا ليس بمدح.

    وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو الدهر»، الدهر ليس من أسماء الله لأن الدهر ليس بصفة مدح لابد أن يكون ذلك وصف مدح، حتى نجعله اسمًا من أسماء الله جل وعلا، هذا المعنى ذكره ابن القيم.

    (أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة): لا بد أن يشتق منه صفة.

    (قد حملت لمعاني): ردًّا على المفوضة وعلى المعتزلة، المعتزلة يقولون سميع بلا سمع، إذن ليس له معنى، والمفوضة يقولون نجري هذه الأسماء والصفات على ظواهرها دون إثبات حقائقها.

    أورد المؤلف رحمه الله قول الله جل وعلا:(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

    (هو الأول): لا يفسر هذه الآية أحد أبلغ ولا أشمل معنى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - والخبر في الصحيح مسلم: «أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، والخبر في صحيح مسلم.

    وهذه كلها أسماء من أسماء الله جل وعلا، فنثبت لله جل وعلا اسم الأول والآخر والظاهر والبطن.

    ثم قال الله جل وعلا: ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) نثبت صفة العلم لله جل وعلا: وأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:

    وهو العليم أحاط علمًا بالذي

    في الكون من سر ومن إعلان

    وبكل شيء علمه سبحانه

    فهو العليم وليس ذا نسيان



    والأِشاعرة يشاركون أهل السنة في إثبات صفة العلم لله جل وعلا لأنهم يثبتون سبع صفات ومن ذلك: العلم، وكررت مرارًا أن إثبات الأشاعرة ليس كإثبات أهل السنة، حينما نقول بأن الأشاعرة يثبتون سبع صفات ليس معنى ذلك أنهم يثبتونها كإثبات أهل السنة لأنهم لو كانوا يثبتونها كإثبات أهل السنة لآل بهم الأمر إلى إثبات ما عداه؛ لأن الدليل الذي دلهم على إثبات السبع هو الدليل الذي يصلح أن يكون دليلاً وحجة على إثبات ما عداه، والدليل الذي دلهم على إثبات معنى السبع هو ما نحتج به عليهم على نفي ما عدا السبع أيضًا.


    ثم يأتي قوله جل وعلا: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)
    قول لله جل وعلا: ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) نثبت لله عز وجل صفة الحي ومن لوازم الحي أن يكون سميعا بصيرًا عليمًا؛ لأنه هو المدبر وهو المتصرف في أمور الكون وهو العليم الحكيم، وهو الحكيم الخبير، هذه كلها تفيد إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا.


    ما معنى الحكيم في أسماء الله ؟ لا بدأن نفهم أسماء الله جل وعلا ونتأمل في الصفات لأن هذا يزيد في الإيمان والخشية، فالحكيم هو الذي يضع الأمور مواضعها، وقيل الحكيم الذي لا يخفى عليه شيء، يعني لا يضع الشيء إلا لحكمة، ولا يخلق إلا لحكمة ولا يفعل إلا لحكمة، والخبير، ما معنى الخبير هو المحيط ببواطن الأشياء وظواهرها.

    وقوله جل وعلا: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) فيه إثبات صفة العلم هو العلم المطلق الذي لا يعلمه إلا الله؛ لأن علم المخلوق علم نسبي.

    قل للذي يدعي في العلم فلسفة

    حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء



    هذا في بعض العلوم الشرعية لأنه لا يوجد شخصية محيطة بكل العلوم الشرعية فكيف تحيط بالعلوم الأخرى وفي نفس الوقت يعلم أشياء وتغيب عنه أشياء، في نفس الوقت لا يعلم أمور الكون أيضًا ولا يعلم ما يجري في المجتمع، الله جل وعلا الناس يدعونه في موطن واحد بالملايين، بالمليارات، يسألونه حوائجهم، على تعدد اللغات، الهند فيها ما لا يقل عن خمسائة لغة ومع ذلك لا تختلف عليه الأصوات، ولا تختلف عليه الأٍسماء ولا تختلط عليه اللغات ولا الحاجات، يعلم الجميع، يعلم ماذا دعاه فلان وبأي لغة،

    ويعلم ما هو أعظم من ذلك، الحقيقة هذا هو المألوه حقيقة المعبود بصدق؛ ولذلك إبراهيم الخليل بماذا احتج على أبيه المشرك قال: (
    يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) لم يقل أبو إبراهيم: وربك لا يسمع ولا يبصر، بل أذعن لذلك.


    الله سميع بصير: .(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)ففيه إثبات صفة العلم لله جل وعلا: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)


    والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر أمور التوحيد، بعضها بدلالة المطابقة، وبعضها بدلالة التضمن، وبعضها بدلالة الالتزام، ما معنى هذا ؟

    دلالة المطابقة
    هي دلالة الدليل على كل المعنى.

    ودلالة التضمن
    هي دلالة الدليل على بعض المعنى.

    ودلالة الالتزام
    ، دلالة الدليل على أمر خارج لازم للمعنى.


    بعد ذلك نرى شيخ الإسلام رحمه اله تعالى يورد الآيات الدالة على إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا، وذلك لبيان وتوضيح أصول أهل السنة والجماعة وأنهم يعتمدون في إثبات ذلك على الكتاب والسنة، فإنهم لا يأتون بشيء من آرائهم ولا عقولهم ويفهمون ذلك على فهم الصحابة رضي الله عنه فإنهم هم الذين عايشوا التنزيل وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    فكان فهمهم أقوى من غيرهم، فقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ).فيه إثبات اسم الرزاق لله جل وعلا أي كثير الرزق، قال الله جل وعلا: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)


    فالله جل وعلا يرزق من يشاء من عباده ويعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فمن أنعم الله عليه بدنيا فلا يعني هذا حب الله له، فقد ينعم الله جل وعلا على شر البرية، ولكنه جل وعلا لا يعطي الإيمان إلا من يحب، فمن أسبغ عليه نعمة الإسلام ومن عليه بالهداية فقد أحبه الله،.( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

    وهذه النعم التي أعظمها نعمة الإسلام إذا شكرت قرت، وكثير من الناس لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مأكله ومشربه، وإذا ربح في تجارة بدأ يرفع يده ويحمد الله، ولكنه ينسى نعمة الله عليه في كونه صلى مع المسلمين وفي كونه أدى الصلاة، في كونه جل وعلا عافاه من المنحرفين، ومن ضلال الضالين، من كفر المتمردين ينسى نعمة الله عليه، كان لبيد كثيرًا ما يتمثل بقوله:


    الحمد لله أن لم يأتني أجلي

    حتى اكتسيت من الإسلام سربالا



    وقوله ( ذُو) أي صاحب القوة، فيه إثبات صفة القوة لله جل وعلا قوله الله جل وعلا: ( هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).، العزيز الذي لا يرام جنابه، ولذلك ثلاث معاني أشار إليها ابن القيم في النونية:

    وهو العزيز فلا يرام جنابه

    أنى يرام جناب ذو السلطان

    والعزيز القاهر الغلاب لم

    يغلبه شيء هذه صفتان

    والعزيز بقوة هي وصفه

    العز حينئذ ثلاث معاني



    وقوله:(الْمَتِينُ ) أي الشديد، وقد قال لوط: (أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) يعني ربه جل وعلا، فإذا كان الله هو الرزاق وعُلم بأن الله هو القوي المتين فهذا يدعو إلى التعلق بالله وطلب الرزق منه، ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) كثير من الخطباء بل والعلماء يقولون: إن أمر الله بين الكاف والنون، وهذا غلط، ليس أمر الله بين الكاف والنون،لأن الله قال:( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)إذن متى يكون، بعد النون، ليس بين الكاف والنون كن فيكون.،

    هذا قول الله جل وعلا إذا أمر الله بالشيء كان، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه،
    ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

    قال الله جل وعلا:(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)فالله جل وعلا فرق بين الخلق وبين الأمر، فالأمر أمره، والخلق خلقه، وهذا يبعث على قوة التعلق بالله وعدم تهيب المخلوقين، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا.


    تأمل في إبراهيم من قوة تعلقه بالله ودراسته للأسماء ليست دراسة نظرية لمجرد أنه يثبت، هذا واقع بلا شك ولكن معنى ذلك أيضًا أنه يتأثر بذلك ويعايش هذه القضايا في واقعه وتتدفق هذه الأمور في عروقه ودمه، يعرف أن الله هو الرزاق، إذن يستحضر هذا المفهوم، ليس مجرد نظري وإذا جاء يطلب الرزق طلب من المخلوق.


    يقول إن الله جل وعلا هو القوي، ثم يتوسل بغيره، يقول: إن الله هو السميع البصير، ويعتمد على مخلوق خلقه رب العالمين، ولذلك إذا طلع عليه مخلوق لا يفعل المعصية، وإذ اطلع عليه رب العالمين يفعل المعصية، ويجعل الله أهون الناظرين إليه، إذن ما استفدنا منه، كونك تثبت الألفاظ وتنفي المعاني،


    إذن دراسة الأسماء دراسة تكون نظرية وعملية نعايشها في واقعنا حتى يزداد إيماننا وتعلقنا بالله، كثير من الناس لا يفهم المعاني، كثير من الناس يبتعد عن دراستها، وتفهم معانيها وتحقيق آثارها ومعرفة ذلك بالحق والصدق.



    إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم حين ألقي في النار، ماذا قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فمن كان بالله أعرف كان منه أقرب، تعلق بالله؛ لأنه يعرف أن الله هو الذي يستطيع وهو الذي قدره عليه وهو القوي وهو القادر على إنقاذه، وهو القادر دفع الضرر عنه فتراه هنا تعلق بالله وقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل).

    الله جل وعلا يقول: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )


    إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى

    تعلق بالرب الكريم رجاؤه

    فأصبح حرًّا عزة ومناعة

    على وجهه أنواره وضياؤه

    وإن علقت بالخلق أطماع نفسه

    تباعد ما يرجو وطال عناؤه

    فلا ترج إلا الله في الخطب وحده


    ولو صح في خل الصفاء صفاؤه



    قوله جل وعلا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ). هذا نفي، الله جل وعلا نفى عن نفسه المثلية، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، نثبت لله هذين الوصفين فالله سميع والله بصير والجهمية لا يثبتون ذلك، حتى قال بعض أئمة الجهمية لو أستطيع أن أحذف هذه الآية من كتاب الله لحذفتها.


    إذن نفهم معنى السميع نثبت لله السمع ، ونبتعد عن آراء الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونؤمن أن الله سميع بسمع، يسمع ويبصر، ويبصر النملة في ظلمة الليل على صفاة سوداء، وهذا للتقريب للأفهام وإلا فالأمر أعظم من ذلك، إذا كنا نؤمن أن الله هو السميع .إذن لماذا نتورع عن الغيبة والنميمة مثلاً في حضرة مثلاً من لا نحب أن يسمعه، والله يسمعنا ويرانا، .

    بصير يبصر، الإنسان ينظر إلى امرأة لا تحل له لا يستطيع بحضرة شيخه أو بحضرة طالب علم ينظر إليها، ولكن ربما ينظر حين لا يراه أحد، هذا من ضعف إيمانه بالغيب ومن ضعف تحقيق معاني الأسماء والصفات في القلوب، وقوله جل وعلا:
    (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) في إثبات صفة السمع لله ويثبتون صفة البصر لله، وأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل.


    لسنا نشبه ربنا بصفاتنا

    إن المشبه عابد الأوثان

    كلا ولا نخليه من أوصافه

    إن المعطل عابد البهتان

    من شبه الرحمن العظيم بخلقه

    فهو الشبيه بمشرك نصراني

    أو عطل الرحمن عن أوصافه

    فهو الكفور وليس ذا الإيمان


    فقوله جل وعلا: ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ ). فيه إثبات المشيئة لله جل وعلا، يشرع لكل مسلم إذا دخل جنة أو بستان أو زراعته وإذا أنعم الله عليه نعمة أو دخل بيته وداخله إعجاب ببستانه، أو ببيته أو ولده أو أهله، أو ماله أن يقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، فإن العين حق، وقد يعين العبد نفسه ، فإذا قال ذلك حصن نفسه بكلام الله جل وعلا: (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ) فيه إثبات لمشيئة الله جل وعلا، لا قوة إلا بالله فيه إثبات القوة لله جل وعلا، وأهل السنة والجماعة لا يختلفون في إثبات المشيئة لله جل وعلا والمشيئة مرادفة للإرادة الكونية القدرية، فإن الإرادة نوعان: كونية قدرية، وشرعية دينية.


    أشار المؤلف رحمه الله تعالى إليهما في قوله جل وعلا: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) نثبت لله عز وجل الإرادة يقول الله جل وعلا:( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) نثبت لله جل وعلا الإرادة

    (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )نثبت لله جل وعلا الإرادة.


    والإرادة نوعان:


    النوع الأول:
    إرادة كونية قدرية، وهذه الإرادة ملازمة ومرادفة للمشيئة وهذه لا بد أن تقع وقد يحبها الله وقد لا يحبها، فقد أراد الله كفر إبليس، وأراد الله كفر فرعون، وأراد الله وجود الشر في المجتمعات، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال « والشر ليس إليك» أي ليس إلى الله، أي لا يدخل في أسمائه ولا في صفاته،

    ولكن الشر مخلوق الله بإجماع أهل السنة والجماعة لأن الله خالق كل شيء، ليس كقول الطائفة القدرية الذين يقصون خلق الشر عن خلق الله، إذن يجعلونه خالقًا مع الله تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.




    النوع الثاني:
    إرادة شرعية دينية، وهذه أحبها الله جل وعلا وأرادها، أحبها وأرادها، لكن لا يلزم من ذلك وقوعها، الله جل علا يقول: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). الله جل وعلا أراد ذلك لكن هل يلزم من ذلك أن الناس كلهم يعبدون الله، الله أوجب عليهم لكن لا يلزم من الإرادة أن الناس يوجد منهم هذا الأمر، لكن هذا محبوب لله،(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )، بر الوالدين، أراده الله من كل عبد وأحبه الله لكن لا يلزم أن كل شخص يبر بوالديه فالإرادة الشرعية الدينية محبوبة لله جل وعلا والله جل وعلا يحبها ولكن لا يلزم وقوعها، إذن نثبت لله جل وعلا الإرادتين، الإرادة الكونية القدرية، والإرادة الشرعية الدينية.


    الحمد لله رب العالمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الحديث عن أسماء الله وصفاته، وذكر الآيات الدالة على ذلك، ولا يختلف أهل السنة أن باب الأسماء والصفات توقيفي فلا يجوز إثبات اسم ولا صفة لمجرد القياس، ولا بالمرادف في أصح قولي العلماء، وأهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:34:37

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط (2


    فيه إثبات صفة المحبة لله جل وعلا، فإن الله جل وعلا يحب الطائعين، يحب المخلصين، يحب الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص، ولذلك قال بعض السلف: ليس الشأن أن تحب -هذا فرض عليك- إنما الشأن أن تُحب؛ لأن الله إذا أحبك هذا يعني أنه رضي الله عليك، يدخلك جنته، أيضًا يحب المحسنين، المحسنين في أقوالهم، وأفعالهم، وأحكامهم


    وقوله: (وَأَقْسِطُوا) القسط يقصد به العدل، بخلاف القاسط يعنى به الجائر؛ لذلك قال الحجاج لبعض الأئمة: ما تقول فيَّ ؟ قال: أنت أمير قاسط، فقال لمن حوله: ماذا يقصد، فقالوا: مدحك أيها الأمير، قال: ما مدحني، هذا ذمني؛ أما سمعتم قول الله: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) بخلاف المقسط فهو العادل، وقد تفطن لذلك وعلم أنه ما أراد مدحه، لكن غيره لا يتفطن لذلك.


    فالقاسط الجائر بخلاف المقسط، الله جل وعلا أمر بالقسط وهو العدل، والعدل محبوب من الله في كل شيء، وتحبه النفوس، واتفق عليه العقلاء، والعالم كله وإن كانوا يمارسون الظلم في حياتهم، ولكن حين يظلمون يبحثون عن العدل، ولذلك قال المتنبي:

    والظلم من شيم النفوس فإن تجد

    ذا عفة فلعلة لا يظلم

    ولقبح الظلم حرمه الله على نفسه، وقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر: «يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرم فلا تظالموا»، ولذلك نفى الله عن نفسه الظلم في قوله: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ)، وفي قوله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، وغير ذلك من الأدلة.


    أمر الله بالقسط الذي هو العدل في أقوالكم وأفعالكم وأحكامكم, و في كل حياتكم وشؤونكم وشجونكم مع أولادكم ومع زوجاتكم ومع جيرانكم ومع بني جنسكم، ومع من تتفقون معه في ذات المنهج، ومع من تختلفون معه، العدل مطلوب في كل شيء, فلا قرار في العالم إلا بالعدل، به قامت السموات والأرض، قال تعالى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) لم يقل الله: القاسطين، قال: المقسطين، ففيه إثبات ذات الصفة (المحبة )وذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ)


    ولا يختلف أهل السنة في إثبات صفة المحبة لله جل وعلا، وأهل السنة في باب الأسماء والصفات يثبتون الصفة لله إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل, ثم يذكرون بعد ذلك أثرها ولوازمها، من لوازم المحبة أن الله يرضى، من لوازم المحبة أن الله يدخل المؤمن ويجازيه بالجنة، ولكن ليس هذا معنى المحبة، فهذا أثر من آثارها وأحد لوازمها، الله يحب المقسطين،

    كما يحب المحسنين كما تقدم في أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، والمقسطين في كل شيء، لا يجورون إذا غضبوا، ولا ينتصرون بالباطل حين يقدرون، يعفون ويصفحون ويتجاوزون، الله جل وعلا قال:
    (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136].


    قوله: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، الشاهد أن الله يحب المتقين، التقوى فعل المأمور واجتناب المحظور، وقال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله.

    فالتقوى فعل الحلال واجتناب الحرام، إلى غير ذلك، وكلها معان متقاربة.



    مؤدى هذه المعاني إلى فعل ما أمرك الله به واجتناب ما نهاك الله عنه، فلا يفتقدك حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك.


    وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، التوابين صيغة مبالغة أي كثيرو التوبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل»، التوبة محمودة مطلقًا، سواء كان يستحضر ذنبًا، أو لا يستحضر ذنبا؛ لأنه مهما كان العبد ففيه شيء من النقص، فليس بشرط أن يقول الإنسان–أستغفر الله- حين يستحضر ذنبًا، هذا إعجاب بالنفس، من تصور هذا في نفسه فهو معجب بنفسه،عليه أن يداوي قلبه؛ لأنه ذو قلب مريض،

    أبو بكر وهو أبو بكر- وحسبك به جلالة وقدرًا هو من أهل الجنة بإجماع المسلمين وهو أفضل البشرية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة- حين قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال:« قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» والنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من وطئ على الأرض كان إذا فرغ من صلاته ماذا يقول؟ أستغفر الله.. ثلاثا، اللهم أنت السلام ،ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، والله جل وعلا قال لنبيه: (
    إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).


    وجاء في الصحيحين في حديث عائشة: كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، يتأول القرآن.

    وكل ذلك في إثبات صفة المحبة، ومن لم يثبت ذلك فما عرف الله حق المعرفة وألحد في أسماء الله وآياته، والله يقول: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ) أي: يزيغون عن الحق.


    وقوله: (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، أي من الذنوب والآثام، والمتطهرين: الطهارة الحسية، يسبغون الوضوء حيث أمرهم الله ويغتسلون حيث يوجد سبب الغسل، فلا يتخلفون عن ذلك، ولسان حال هؤلاء يقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)، فهؤلاء لا يسارعون إلى الطاعة، أو هم بعيدون كل البعد عن الوقوع في الآثام، و مخلفات الجاهلية ،وإذا وجد من أحدهم ذنب سارع إلى الاستغفار والتوبة والصدقة والذكر خوفًا من الله، وخوفًا من ضرر الذنوب والآثام،


    فإن هذه الآثام تجتمع على القلب، وتهلكه والعياذ بالله وقد تؤدي به إلى سوء الخاتمة، وقد ذكر ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى بأن أكل الربا مسوغ وعلامة على سوء الخاتمة، نسأل الله السلامة والعافية – وكذلك الغيبة والنميمة وبهت الناس، وهذا كله مجرب في سوء الخاتمة، فالناس المولعون بأعراض الناس، المتتبعون لعثراتهم الذين يبهتون وينمون بدون حق، فلان فيه كذا،بدون خجل يتندرون بشينه، وعيبه، هؤلاء قد يصيبهم الله في أخريات أيامهم بالخبال، ويقعون في سوء الخاتمة.



    قوله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ)، أي إن كنتم تدعون وتقولون بألسنتكم نحن نحب الله فهذا اختبار لكم وامتحان، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، هذه الآية تسمى آية المحنة وتسمى آية المحبة، حيث ادعى قوم محبة الله، فامتحنهم باتباعه، ويؤخذ من ذلك أن العمل داخل في مسمى الإيمان ففيه الرد على المرجئة.


    ويؤخذ من ذلك أن الدعوة ليست بالأقوال وهو الرد على الكرامية، والجهمية، وغلاة المرجئة، والأشاعرة ، وغيرهم من أهل البدع الذين يقولون بألسنتهم ولا يباشرون ذلك بأفعالهم، ويدعون محبة الله، لو كانت الدعوة باللسان لما امتحن الله هؤلاء الداعين ، ولكانت دعواهم كافية عن العمل، ولكن حين يدعون ويقولون بألسنتهم اختبرهم الله بالفعل فهو المحك بين المؤمنين الصادقين وبين المنافقين أو غلاة الجهمية والمرجئة والأشاعرة والكرامية والسالمية وطوائف أهل البدع.


    فالذين يقولون: نحن آمنا وأسلمنا وهم مقيمون على الشرك، وخرق الشريعة وعلى التحاكم إلى منظمة الأمم و مجالس الحقوق الدولية، إلى غير ذلك ويدعون الإسلام- هؤلاء كذبة، الإسلام ليس مجرد كلمة، لو كان الإسلام كلمة لقالها أبو طالب وقالها أبو لهب، وقالها أبو جهل،لو كانت مجرد كلمة لقالها هؤلاء جميعا ،ولنالوا بها رحمة الله ، قبح الله أبا جهل لقد كان أعلم منهم بكلمة لا إله إلا الله.


    امتنع أبو طالب عن قول لا إله إلا الله وهو يعلم أن قولها لا يعني التبرؤ من ملة عبد المطلب،وملة عبد المطلب خير من مؤسسات الحقوق الدولية ، وخير من تشريعات هيئة الأمم الكفرية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يا عمي، قلها كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال له أبو جهل:أترغب عن ملة عبد المطلب؟ عرف أنه إن قالها موقناً تبرأ من ملة عبد المطلب ؛

    ولذلك الحديث في صحيح مسلم قال:
    صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز جل»، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: في مسائل كتاب التوحيد على هذا الحديث قال: وهذا من أعظم ما يبين معنى : " لا إله إلا الله " فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه ، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها ، ويا له من بيان ما أوضحه ، وحجة ما أقطعها للمنازع.


    فهؤلاء ادعوا محبة الله فامتحنهم الله جل وعلا، والشاهد من الآية (يحببكم الله) في إثبات صفة المحبة لله تعالى.


    فعلى كل مسلم أن يسعى إلى نيل هذه المرحلة العظيمة والمنزلة الرفيعة ويتقرب إلى الله جل وعلا بما يمكنه ليحظى بهذه المحبة، وقد جاء في صحيح البخاري عن سليمان بن بلال عن الشريف عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض عبدي المؤمن يكره الموت، و أكره مساءته».


    وقوله:
    (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)الله جل وعلا يحب الذين يجاهدون ويقاتلون عدو الله، ويواجهونه بعزيمة الصادقين وقوة المؤمنين،ويوحدون الصفوف في مواجهة التحديات الخارجية، ويقاتلونه في فلسطين، ويقاتلونه في العراق، ويقاتلونه في كشمير ويقاتلونه في الشيشان، ويقاتلونه في كل مكان تُعلى فيه كلمة الله ولتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.

    الله سبحانه جل وعلا يحب هؤلاء، وكثير من أبناء هذا العصر جعل هؤلاء مبغضين إرهابيين مكروهين، يلصقون بهم كل تهمة، ويتحدثون عنهم بما لا يتحدثون عن اليهود والنصارى
    ،لا مانع إذا رأى الإنسان على إخوانه غلطا أن يوجه وأن يصحح لكن بالعدل والقسط الذي قامت به السموات والأرض،مع إظهار المحبة والنصح.


    أما أن يتخلف الإنسان عن نصرتهم ثم يسكت ويتباكى من أحداث سبتمبر إلى عاشوراء، فيبكي على النصارى ويبكي على مشركي عاشوراء في كربلاء، وما أدراك ما كربلاء وهكذا،ولا يتباكون على الضحايا الذين يسقطون في كل يوم،ويتباكون على المشركين الوثنيين من الرافضة واليهود والنصارى.


    هؤلاء مخذولون منهزمون فكريا وعقديا وسياسيا وفي نفس الوقت هؤلاء يكتبون أشد الألفاظ، هناك ألفاظ لا يطلقونها على أعداء الدين، كدعوى أن هؤلاء فجرة، أو أن هؤلاء لا يسترشدون بآراء العقلاء، أو أن هؤلاء سفهاء، ، وهذه الصفات لا يطلقونها على مشركي عاشوراء،ولا على المشركين القائمين على لعن
    الصحابة في هذه الأماكن، وإنما يطلقون هذه الألفاظ على الموحدين، ونحن لا نمنع كون الإنسان ينقد،بل هذا حق مشروع له،مادام يسير على الكتاب والسنة،ولكن لماذا يكون هؤلاء الذين يفتكون بالمشركين فجرة،؟لماذا هذا فاجر وذاك ليس بفاجر؟ لولا الظلم والبغي والعدوان وسوء المنهج لما قيل ذلك.


    قوله جل وعلا: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) الودود شديد المحبة، وفي ذلك إثبات لصفة الحب لله جل وعلا.

    هكذا تحدثنا عن إثبات صفة المحبة ولا يختلف في ذلك أهل السنة، وشرق بذلك أهل البدعة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم.

    وهؤلاء مراتب، المرتبة الأولى: الذين ينكرون الأسماء والصفات مطلقًا، وهؤلاء كثيرون من الباطنية والإسماعيلية والرافضة والجهمية ونحو هؤلاء، وكثير من الناس حين يتحدث عن النفاة يربط ذلك بالجهمية، وهذا حق لكن لا يختصون بذلك.

    الرافضة أخبث من الجهمية في باب الأسماء والصفات.



    النوع الثاني: الذين يثبتون الألفاظ دون المعاني
    ، وهؤلاء طوائف كثيرون منهم المعتزلة، يقولون بأن الله سميع بلا سمع، عليم بلا علم، رحيم بلا رحمة، وهذا مناقض للمنقول ومكابرة في المعقول، فلا يصح أن يوصف أحد بأنه سميع ولكن لا سمع له، فلا يصح أن يسمى زيد ويصح أن يقال ليس في شخص.

    وانحرف في هذا الباب المفوضة حيث يؤمنون بالأسماء والصفات ولا يثبتون المعاني، ,أهل العلم يعتبرون المفوضة شر من المعتزلة على اعتبار أن المفوضة موهمون بعباراتهم وكلامهم أنهم على مذهب أئمة السلف، لأنهم يقولون نثبت هذه الأسماء والصفات ولكن لا يثبتون المعاني ، ولذلك يقولون تقرأ ولكن لا تفهم أي بمنزلة الأميين الذين يقرؤون ولا يعون.


    طوائف من هؤلاء ليس كلهم يقولون: ولا بأس أن الإنسان لا يقرأ آيات الأسماء والصفات حتى لا يقع في قلبه شيء من حقائقها، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (الرد على الملاحدة والزنادقة) وهو مطبوع (المجلد السادس من الفتاوى المصرية) وهو كتاب عظيم ومهم، فهذا يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ حين قال: من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت،أو يقتضي أن يكون الخطاب خاص بالعلماء دون غيرهم، وكلا الاحتمالين ضلال وانحراف في الفكر والمنهج والعقيدة.


    سبب ضلال هؤلاء سوء مصادر التلقي عندهم، والحقيقة أن مصادر التلقي هي سبب ضلال هؤلاء، كما أن هداية أهل السنة والجماعة سببها حسن التلقي عندهم، ولا ينفي وجود انحرافات فردية لدى طوائف من أهل السنة، الكلام على الأصول وليس كلام على الفرديات.


    أهل السنة يقولون أن مصادر التلقي هي الكتاب والسنة، الأشاعرة والمتكلمون وغيرهم يقولون بأن مصادر التلقي هي العقل ثم النقل فيقدمون العقل على النقل، وهؤلاء أيضًا في تناقض آخر يجوزون التناقض في العقل والنقل، وأهل السنة لا يؤمنون بذلك؛ يقولون بأن العقل الصحيح لا يخالف النقل السليم.

    وإذا تعارض نص لفظ وارد

    والعقل حتى ليس يلتقيان

    فالعقل إما فاسد ويظنه

    الرائي صحيحا وهو بالبطلان

    أو أن ذاك النص ليس بثابت

    ما قاله المعصوم بالبرهان

    القسم الثالث: الذين يؤمنون بالألفاظ ويحرفون المعاني، كالأِشاعرة والكرامية والماتردية ، وآخرين -يقولون نثبت لله هذا اللفظ ولكن معناه كذا وكذا، يقولون: نقول بقوله الله جل وعلا: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ولكن المحبة علامة على القبول، يقولون نثبت لله الرحمة ولكن علامة على إرادة الإحسان والجزاء، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه لعدة أمور:

    الأمر الأول:
    أنهم يقولون ذلك تحاشيًا عن مماثلة صفات المخلوق للخالق، وهم في الحقيقة يشبهون أولاً ثم يعطلون ثانيًا ثم يشبهون ثالثًا، الأمر الذي أدى بهم إلى هذا التأويل الفاسد لغة وشرعًا هو أنهم يظنون أنه إذا وافق اللفظ اللفظ وجد التماثل، وهذا جهل، حتى بعض أهل السنة يجهل القضية،وهي أن المنفي في القرآن هو التماثل لم ينف التشابه ،وهذا وضحه شيخ الإسلام بقوة في مناظرة العقيدة الواسطية، المنفي التماثل ولم ينف التشابه؛ لأن التشابه نسبي.


    الأمر الثاني:
    لما شبهوا- وجد في النفوس هذا التشبيه- عطلوا، نفوا حقائق هذه الأسماء والصفات عن الله، ثم وقعوا حين فروا منه ثالثاً وقعوا في التشبيه، شبهوا الله بالجمادات والمعدومات؛ لأن الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يرحم ولا يغضب وليس بمستو على عرشه هذا ليس بإله ولا بخالق.


    تقدم بالأمس أن طوائف من المشركين يؤمنون بهذا سواء كان من مشركي قريش أومن مشركي القرون الأولى، والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى حين قال إبراهيم لأبيه:(يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)، لم يقل آزر وهو مشرك مع أنه يريد أن يحاج ابنه إبراهيم لم يقل: وربك لا يسمع ولا يبصر، فكان إبراهيم يحتج عليه بأن الله هو السميع البصير ولم يكونوا يعارضونه بشيء من ذلك،فيقول إبراهيم عن آلهتهم بأنها لا تسمع ولا تبصر،إذاً لا يعبد الذي لا يسمع ولا يبصر إنما يعبد الذي يسمع ويبصر، لم يكن أحد منهم يعترض و يقول: وربك لا يسمع ولا يبصر ،كانوا يؤمنون بذلك، ولكن يأتون بحجج أخرى.


    قوله جل وعلا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الباء للاستعانة، أي أبدأ مستعينًا بالله متوكلاً عليه، متعلقًا به ،مفوضًا الأمر إليه، والبسملة فيها كل معاني التوحيد، إذا قال العبد (بسم الله) هو أقر بوجود الله، إذن هذا هو توحيد الربوبية، وفي نفس الوقت آمن بتوحيد الأسماء والصفات، وذلك في ثلاثة أمور: لفظ الجلالة : الله، الأمر الثاني : الرحمن،الأمر الثالث: الرحيم

    وفي البسملة توحيد الإلهية، لأنه قال بسم الله، لم يقل باسم الشيطان ولم يقل باسم الآلهة كالمشركين والباطنيين وغيرهم.

    هو قال: بسم الله، وإله من إله يأله إلهة، أي عبد يعبد عبادة، والإله حقيقة هو المألوه حبا وتعظيما، وإجلالاً، ولا يختلف العلماء في أن معنى كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله) أي لا إله يعبد بحق إلا الله ومن قال: لا إله لنا، أو لا إله معبود، أولا إله موجود فقد غلط، وهذا قول المتكلمين، - وقد وقع في ذلك كثير من النحاة- حين يعربون كلمة الإخلاص، لا نافية للجنس إله اسمها، إلا أداة حصر، الاسم الشريف يكون بدلا من خبر محذوف تقديره معبود،

    ومنهم من يقول لنا، ومنهم من يقول موجود، وهذا كله غلط، الخبر المحذوف تقديره حق، لأن الآلهة المعبودة كثيرة، قال الله جل وعلا: (
    ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)، (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ).

    وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام ربوبية وألوهية وأسماء وصفات أمر اجتهادي
    مأخوذ من أدلة القرآن والسنة، والأكثرون من العلماء يجعلونه ثلاثة أقسام، وذهب ابن تيمية وابن القيم وجماعة إلى أنه قسمان، فيدخل أحدهما في الآخر.


    بعث الله الرسل بتوحيد الإلهية، وكانت الخصومة بين الرسل وأممهم في توحيد الإلهية، ولم يكن هؤلاء ينكرون وجود الله، فقد أخبر الله عنهم في مواطن أنهم يقرون بأن الله هو الخالق والرازق ولكن لا يفردون الله بالعبادة، ولا ينفي هذا وجود طوائف لا يؤمنون حتى بوجود الله كالدهرية الذين يقولون: أرحام تدفع وأرض تبلع، (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).


    إذن نأخذ من ذلك ،من الآية: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [سورة النمل] إثبات اسمي الله جل وعلا (الرحمن الرحيم) فالرحمن اسمه وصفته ولا يطلق إلا على الله، والرحيم اسمه وصفته ولكن يطلق الوصف على غير الله ،لا بأس أن تقول: زيد رحيم، كما قال الله عن نبيه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) لكن لا يجوز بالإجماع أن تقول: فلان رحمن فهذا اللفظ لا يطلق إلا على الله،

    ومن تسمى به أو اتصف به ألبسه الله جلباب الكذب والخذلان، فحين تحركت نفس مسيلمة إلى التسمي بذلك -علق به (مسيلمة الكذاب) وهو يسمي نفسه (رحمن اليمامة) ،ولا يكاد يعرفه البشر إلا بمسيلمة الكذاب، فمن نازع الله في أسمائه وصفاته علق به اسم آخر، كالمشرعين الآن الذين ينازعون الله في اسمه (الحكم):
    (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) إن الله هو الحكم، وينصبون أنفسهم مشرعين، هذا رئيس لجنة التشريع وهذا نائبه، وهذا وزيره، ولذلك علق بهم اسم الطاغوت، لا يعرفون إلا بالطواغيت، ولذلك أمر الله بالكفر بهم وأرسل الرسل في ذلك، (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) هذا اسمهم وهذا وصفهم في القرآن.


    وقوله جل وعلا: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) فالله واسع الرحمة وواسع العلم، وتقدم الحديث عن العلم وأن الله موصوف بالعلم، وأن الأشاعرة يشاركون أهل السنة في ذلك، وأن إثبات الأشاعرة يختلف عن إثبات أهل السنة، ففيه إثبات لصفة الرحمة.


    وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيما يروي عن ربه: «إن رحمتي سبقت غضبي» وقال تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).


    والرحمة نوعان: رحمة مخلوقة
    مذكورة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق مائة رحمة أنزل واحدة واختبأ عنده تسعة وتسعين»

    النوع الثاني: الرحمة التي هي صفة من صفات الله، من قال بأنها مخلوقة فإنه كافر، وهي صفة كمال، الأِشاعرة يفسرون الرحمة بالرقة، ثم لا يجوزون هذا على الله ،ثم يضطرون إلى نفي صفة الرحمة عن الله فهم في الحقيقة أتوا من التشبيه، فهم يشبهون ثم يعطلون، ثم يشبهون ثالثًا.



    ولله در بعض أئمة السلف وهو حماد بن زيد، حين ناظر أحد الجهمية فقال له: في بيتك نخلة قال: نعم، قال: لها جذع، قال: لا، قال فيها فرع، قال: لا، قال فيها سعف، قال: لا، قال فيها ثمرة، قال: لا، قال: إذن هي ليست نخلة،ولا تسمى نخلة، كذلك أنتم نقول لكم: لكم رب، تقولون: نعم، يسمع: لا، قال، يبصر: لا، يرضى: لا، ينزل: لا، استوي على العرش: لا، إذن لا رب لكم.


    لأن الذي لا يتصف بهذه الصفات ليس ربا ، الله هو الموصوف بالسمع والبصر، والرحمة والغضب والمحبة والنزول والاستواء ونحو ذلك من الصفات المجمع عليها ،وتواترت بها الأدلة.


    وقوله جل وعلا: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) بخلاف الرحمن، رحمن في الدنيا والآخرة، والرحمة لا تكون إلا للمؤمنين، (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) بخلاف الكافرين، قال الله جل وعلا: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، فإن الله غضب على هؤلاء، نثبت رحمة الله للمؤمنين ، وغضبه على اليهود والنصارى والكافرين من المشركين وغيرهم، فالرحمة للمؤمنين، (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله، ولن يغضب مثله أبدا».


    فنثبت لله جل وعلا صفة الرحمة وصفة الغضب، الرحمة بالمؤمنين والغضب على الكافرين، وهذه الصفات صفات كمال وهي حقائق تثبت على حقائقها فلا يجوز تحريفها ولا العدول بها عن حقائقها ومعانيها.

    وتجب البراءة من الممثلة الذين يقولون رحمة الله كرحمة المخلوق، ومن المعطلة الذين ينفون عن الله ذلك.


    تحدثت بالأمس عن وجود طوائف في القرن الرابع والخامس والسادس وأوائل السابع وإلى عصرنا هذا، لكن يقلون ويكثرون، وكان لهم في نفوذ في القرن الرابع والخامس والسادس يحكون مذهب الأشاعرة على أنه اعتقاد أهل السنة، وهذا تقرؤه في كتاب الفرق بين الفرق لأبي بكر البغدادي، وتقرؤه في كتب القرطبي، وتقرؤه في كتب النووي، يقول: قال أهل السنة، يقصدون بذلك الأشاعرة، فوجب التنبه لذلك، للذين لا يعرفون، يظنون أن هذا يقصدون به حكاية مذاهب أهل السنة المتمسكين بما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الصحابة من الخلفاء الراشدين وبقية العشرة المبشرين بالجنة وآخرين.


    قوله: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ففيه إثبات صفة الرحمة وفي هذا أن الرحمة وسعت كل شيء، ولكن قال الله عز وجل: (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) إذن فلا تنال الكافرين ،ولا تنال المشركين، إذن فمن أراد رحمة الله فليسع إلى طاعة الله وطاعة رسله، وقد جاء في صحيح البخاري من رواية فليح بن سليمان، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».


    وتقدم قبل قليل أن الرحمة تطلق على الرحمة المخلوقة كقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق مائة رحمة ...» وقول الله جل وعلا للجنة: «أنت رحمتي» ، والرحمة صفة من صفات الله جل وعلا كالمذكور في هذه الآيات فلا يختلف في ذلك أهل العلم.


    فأهل السنة يثبتون لله جل وعلا صفة الرحمة إثباتًا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، لأن الله ليس كمثله شيء ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.


    وقال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) كتب بمعنى أوجب، فالله جل وعلا أوجب على نفسه ولم يوجبه عليه مخلوق، والناس مختلفون في هذا ، فمنهم من قال : إن هذا واجب أوجبه المخلوق على الله، وهذا مذهب المعتزلة ومذهب طائفة من المبتدعة، ومنهم من قال إن الله لا يوجب على نفسه شيئا وهذا ضلال وانحراف مخالف للقرآن.


    هدى الله أهل السنة والجماعة لما اختلف فيه فيقولون بأن الله يوجب على نفسه ولا يوجب عليه المخلوق، والله يوجب على نفسه إنعامًا وتفضلاً:

    ما للعباد عليه حق واجب

    كلا ولا سعي لديه ضائع

    إن عذبوا فبعدله أو نعموا

    فبفضله وهو الكريم الواسع

    (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) في ذلك إثبات توحيد الأسماء والصفات وهذا بدلالة المطابقة، وفيه إثبات توحيد الربوبية بدلالة التضمن، الدليل على بعض معناه، وفيه إثبات توحيد الإلهية بدلالة الالتزام، ما معنى ذلك؟


    الدلالات ثلاث :دلالة المطابقة وهي دلالة الدليل على كل معناه، دلالة تضمن: وهي دلالة الدليل على بعض معناه، دلالة التزام، دلالة الدليل على أمر خارج لازم للمعنى
    .


    وقوله جل وعلا: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فيه إثبات اسمين الغفور اسمه وصفته، والرحيم اسمه وصفته.

    فنثبت لله صفة المغفرة، ونثبت لله صفة الرحمة، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، ولكن ينبغي كما تقدم بالأمس حيث تحدثت بتوسع وقبل الأمس أيضًا أن نعلم أن هذه الأسماء ليست مجرد ألفاظ نثبتها ونؤمن بمعانيها دون تطبيق ذلك في أرض الواقع، الأسماء والصفات لها آثار، فحين نؤمن بأن الله هو الغفور ونثبت لله صفة المغفرة، لا بد أن نتصف نحن أيضًا بصفة المغفرة والتجاوز عن آفات المخلوقين، نثبت لله صفة الرحمة، فنتصف بالرحمة، فإن الله قد كتب الإحسان على كل شيء،

    فإذن الرحمة ممتدة على البهائم والطيور والحشرات، فليس من الرحمة في شيء أن نسلط ألسنتنا على الآخرين بدون حق، ليس من الرحمة في شيء أن نعذب بالنار حتى الحشرات، ليس من الرحمة في شيء أن نوجع ظهور العباد بالسياط، ليس من الرحمة في شيء أن نقتات بلحوم العلماء والدعاة والمصلحين، ليس من الرحمة في شيء أن نبهت المخلوقين وإن كنا نختلف معهم في الفكر والمنهج ،ليس من الرحمة في شيء أن نظلم العباد.



    إذن لا بد أن يكون لذلك أثر، فكوننا نؤمن ولا نجد أثرا هذا هو انحراف ،كالذين يؤمنون باللفظ هم سيان في الضلال والانحراف طائفة لا يؤمنون بالألفاظ، وطائفة يؤمنون بالألفاظ ولا يؤمنون بالمعاني المثبتة لله ولا تتمثل فيهم حقيقة ذلك في واقعهم، وطائفة يؤمنون بالألفاظ والمعاني ولكن لا تتمثل حقيقة ذلك في واقعهم، هؤلاء ضالون وهؤلاء منحرفون وإن كان الضلال والانحراف يتفاوت من شخص إلى آخر.


    قوله: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فالله خير حافظا لجوء إلى الله واتكال عليه وتفويض الأمر إليه، فمن علم بأن الله هو الحافظ، وأن الله هو الحكيم، فهذا يجعله يتوكل عليه أكثر ويفزع إليه أكثر من غيره، ويقدر ما ينقص في قلب العبد من تحقيق هذا المعنى بقدر ما يقل توكله على الله والاعتماد على الله وتفويض الأمر إلى الله، فالله جل وعلا خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.


    وفيه إثبات الرحمة للمخلوق
    ، ولكن الله هو أرحم الراحمين، ولكن لم ينف الله جل وعلا عن الآخرين الرحمة، ولكن رحمة المخلوق نسبية، وغير معتدلة، قد يرحم في شيء ويجور ويظلم في شيء آخر، لكن الله جل وعلا حكم عدل يقوم بالقسط وهو أرحم الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء فالله جل وعلا: «هو خير حافظًا» فنؤمن بذلك ونتوكل عليه ونفوض أمرنا إليه؛

    ولا نؤمن بمجرد الألفاظ، وفي نفس الوقت نستحكم غيره ونستنصر بغيره ونلجأ إلى غيره، الإمام ابن عقيل رحمه الله تعالى، ابن عقيل رحمه الله هو نموذج من هذا، نموذج من الذين يؤمنون بالألفاظ ونموذج أيضًا من الذين لا يؤمنون بمعتقدات أهل السنة والجماعة في إثبات المعاني فيحرف المعاني، ويقول عن الرحمة إرادة الإنعام،ويقال إنه تاب في آخره، لكن ماذا يقول في المعاني، هو مؤمن بالمعاني حقيقة ، مؤمن بأثر هذه المعاني وبأثرها على المخلوق

    فهو يقول: أنا لا أنظر ولا أقيس إيماني بالازدحام عند باب المساجد ولا في قول لبيك اللهم
    لبيك، ولكن أنظر وأقيس إيماني أين يفزع قلبي عند حدوث النكبات والشدائد.


    بعض الناس حين تحصل له نكبة أو شدة وله واسطة أو مكانة أو ارتماء في أحضان مخلوق يفزع قلبه إلى هذا المخلوق وأنه هو الذي يتوسط له أو ينجيه من هذا الكرب فيخذل.


    وبعض الناس يلجأ إلى الله ويتوكل عليه وينيب إليه ولسان حاله يقول: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).


    إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى

    تعلق بالرب الكريم رجاؤه

    فأصبح حرا عزة وقناعة

    على وجهه أنواره وضياؤه

    و إن علقت بالخلق أطماع نفسه

    تباعد ما يرجو وطال عناؤه

    فلا ترج إلا الله في الخطب وحده

    ولو صح في خل الصفاء صفاؤه

    إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، حيين ألقى في النار ماذا قال؟ (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) لم يلجأ إلى مخلوق ولا من يتوسم فيه خيرًا في نصرته، فلم يبعث وسائط للقوم المجرمين يخففون عنه العقوبة، لجأ إلى الله فلذلك نجاه الله من القوم الظالمين قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أي كفيلي الله ونعم الوكيل وله نفوض أمرنا، فقال جل وعلا: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).


    نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ماذا قال؟ قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

    والنماذج الحية الموجودة المتمثلة في أئمة الهدى ومصابيح الدجى إلى عصرنا هذا كثيرة من الذين يلجؤون إلى الله ولا يلجؤون لمخلوق.


    شيخ الإسلام ابن تيمية
    رحمه الله تعالى حين ذهب على البلاد المصرية، وتواطأ أهل مصر على قتله، فتوجه إليه بعض المحبين له وقالوا له: إنهم قد أعدوا لك عددهم وعددهم يريدون قتلك، وكان متوسداً على طرف من الحصى ،لو قيل ذلك لبعض الناس ربما احمر وجهه واصفر، وربما أغمي عليه في مكانه،لكنه استقعد وأخذ ترابًا ثم نفخ فيه وقال:إن هم إلا كالتراب،وقيل إنه قال:إن هم إلا كالذباب ...


    وحين سجن ماذا قال؟ قال: (ما يصنع بي أعدائي)، ليس كالواحد منا حين يسجن يبحث عن واسطة لتخرجه ويقول: (رب أخرجني) قل: (رب ثبتني)، الناس الذين سجنوا وقال الواحد منهم (رب أخرجني) غلط ، قل( رب ثبتني): كم شخص دخل السجن، وخرج منحلاً عن عقيدته منحرفًا ضالاً أو زنديقا أو فاسقًا أو عارًا على أهل الحق،


    فسل الله الثبات، ولا حرج أن تسأل بعد ذلك المخرج، لكن سل الله الثبات، كم شخص سجن ودعا الله أن يخرج فخرج ،وخرج منحرفًا ،كم شخص سجن وسأل الله الخروج فخرج وصار خبيثًا ووبالاً على هذه الأمة، سل الله الثبات
    ...


    يقول الإمام:(ماذا يصنع بي أعدائي إن سجنوني فسجني خلوة)، هذا أثر من آثار الإيمان بالأسماء والصفات، فإذاً لا بد أن ندرس الأسماء والصفات وأن نطبق ذلك على أرض الواقع، وتتمثل آثاره في واقعنا، إذا كنا نؤمن بالألفاظ دون المعاني،ولا تتمثل آثار ذلك في واقعنا - إذاً ما استفدنا من الإيمان بالأسماء والصفات، الإمام بعد ذلك يقول: (إن سجنوني فسجني خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، إن أخرجوني فإخراجي سياحة).



    نقف على هذا والله أعلم.





    * * * *


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:38:21

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الشريط رقم 3


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الحديث عن صفات الله جل وعلا: صفة الرضا وصفة الغضب وصفة الكره والمقت.

    فلا يختلف أهل السنة والجماعة في إثبات ذلك وهذه الصفات من الصفات الفعلية الاختيارية.


    وصفات الله جل وعلا نوعان:


    صفات ذاتية
    ، كالوجه واليدين ونحو ذلك،
    وصفات فعلية اختيارية كالرضا والغضب والمقت والكره والانتقام ونحو ذلك،

    وأهل السنة والجماعة لا يختلفون في إثبات هذا وذاك، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه يؤمنون بكل ما جاء عن الله على مراد الله، وبكل ما جاء عن رسول الله
    صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ويؤمنون بأن هذه الصفات صفات كمال لله جل وعلا.

    ويؤمنون بغيرها مما دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة أو أحدُهما.


    قوله جل وعلا: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}، أي عن الصحابة ففيه إثبات صفة الرضا، وهي من الصفات الفعلية الاختيارية، فالله جل وعلا يرضى عن القوم المؤمنين، {وَرَضُوا عَنْهُ} أي حيث حباهم وأكرمهم ونصرهم وأعزهم وأدخلهم جنته.


    وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
    للذين أحسنوا
    : أي قاموا بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم،
    الحسنى: أي الجنة.
    وزيادة: النظر إلى وجه الرب جل وعلا.



    فيؤخذ من ذلك إثبات صفة الرضا، ويؤخذ من ذلك إثبات الصفات الفعلية لله جل وعلا، ويؤخذ من ذلك إثبات الصفات الاختيارية لله جل وعلا، ففيه الرد على المعتزلة وعلى الجبرية وعلى الأشاعرة وغيرهم من أهل البدع، وفيه الرد على الرافضة حيث رضي الله على الصحابة أجمعين وهؤلاء يلعنون منرضي الله عنه ويمدحون من سخط الله عليه من دعاة الشرك كنصير الشرك الطوسي يمدحونه ويثنون عليه وكنصير التتر ابن العلقمي ويعتبرون تواطؤه ومؤامرته على الإسلام أو يمتدحون تواطؤه ومؤامرته مع التتر على الإسلام والمسلمين.


    فتاريخ الرافضة اليوم أخبث من تاريخهم بالأمس فهم في كل عصر وفي كل جيل حمير لليهود والنصارى.


    ويؤخذ من ذلك إثبات القدرة للعبد والمشيئة للعبد، فمشيئة المخلوق تابعة لمشيئة الخالق
    ، قال الله جل وعلا:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.


    وقوله جل وعلا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} قوله: {وَمَنْ} من صيغ العموم اسم شرط لازم تجزم فعلين:
    الأول: فعل الشرط،
    والثاني: جوابه وجزاؤه، ولا يتحقق جواب الشرط إلا بتحقق فعل الشرط.


    {
    وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} القتل هو: إزهاق النفس، بحديدة أو غيرها، قوله: {مُؤْمِنًا}خرج من ذلك الكافر؛ لأن الكافر ليس له حرمة كحرمة المسلم، ولأن الكفار يدعون إلى الإسلام، فحين يجيبون تعصم دمائهم وأموالهم، وحين يمتنعون يدعون إلى الجزية فحين يجيبون تقبل منهم ويكف عنهم، وحين يمتنعون يقاتلون بإجماع المسلمين،


    وهذا يسمى عند الفقهاء بجهاد الطلب، وهو أن تطلب الكفار في عقر ديارهم وتبحث عنهم في أماكنهم لتكون كلمة الله هي العليا، يستثنى من ذلك المستأمن والمعاهد الذي يأتي لمصالح المسلمين أي يأتي بأمان ليؤدي مهمة دنيوية ولا ينقض العهد ولا ينكثه فلا يجوز الاعتداء عليه بإجماع؛ لقوله
    صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة».


    المؤمن له حرمة عظيمة وقد قرن الله جل وعلا قتله بغير حق بالشرك بالله، فقال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الشرك بالله والقتل»، حديث جيد.


    وهذا الكعبة على عظيم منزلتها عند الله وكبير قدرها في قلوب المؤمنين، هي لا تقارن في القداسة والعظمة والحرمة بحرمة المسلم، وحين نظر ابن عمر إلى الكعبة قال: (ما أعظم حرمتك عند الله، ووالله للمؤمن أعظم حرمة منك).


    وقال صلى الله عليه وسلم والخبر في الصحيحين: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة».

    قوله: {مُتَعَمِّدًا} خرج من ذلك قتل الخطأ،{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}.


    وقوله: {فَجَزَاؤُهُ} الفاء رابطة لجواب الشرط،{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، الخلود هو المكث الطويل، وجاء الخلود في القرآن على نوعين،

    النوع الأول، التأكيد بأبدا، وهذا يختص به الكفار، فإنهم ماكثون في جهنم أبد الآبدين ودهر الداهرين.


    قال الله جل وعلا: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}، وقال تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}، قال الحسن البصري وغيره من العلماء: كلما مضى حقب، أتى حقب آخر، وهكذا يعذبون إلى غير أمد، ولا يختلف في ذلك العلماء والفقهاء.


    والنوع الثاني
    : الحكم بالخلود دون تأكيده بأبدا، الأول جاء في الكفار، والثاني جاء في عصاة المسلمين قال الله جل وعلا في المؤمنون: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، هذا لا يعني التأبيد ولا يعني الكفر، قال الله جل وعلا في لعنة من قتل مؤمنا {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} وهذا لا يعني أنه كافر لأنه لم يقل أبدا.


    فالذين يريقون دماء المسلمين بغير حق معرضون للوعيد الشديد، ولا يحكم عليهم بأعيانهم بأنهم في النار، لأن الذي لا يختلف فيه أهل السنة والجماعة أنهم لا يحكمون على أهل الكبائر لا بجنة ولا نار، بل لا يحكمون على المسلمين لا بجنة ولا بنار، ولكنهم يرجون للمحسنين ويخافون على المسيئين، ويقولون في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم»، ونحو ذلك أن هذا من نصوص الوعيد، ويقولون بأن الله جل وعلا لا يخلف وعده ولكن قد يخلف وعيده؛ لأن إخلاف الوعيد صفة كمال بخلاف إخلاف الوعد.


    قوله: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} هل الشاهد من ذكر هذه الآية في هذا الباب إثبات أن الله جل وعلا يغضب ويلعن، يغضب على من يستحق الغضب ويلعن من يستحق اللعن ويستوجبه، قال الله جل وعلا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فالغضب صفة كمال لله جل وعلا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما يروي عن ربه: «إن رحمتي سبقت غضبي»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله، ولن يغضب بعده» وغير ذلك من الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثبات صفة الغضب،

    فالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتردية وغيرهم، ينكرون صفة الغضب ولا يثبتون ذلك لله، ويرون أن إثبات هذه الصفة يعني تماثل صفات الخالق بالمخلوق، وتقدم مرارا بأن هؤلاء يشبهون أولا ثم يعطلون ثانيا ثم يشبهون ثالثا، فالذي حدى بهم إلى إنكار صفة الغضب هو التشبيه المستقر في قلوبهم، والإلحاد المتمكن من أدمغتهم، حين نتحدث عن الإلحاد في باب الأسماء والصفات نقصد الميل دائما، ليس هو الإلحاد بمعناه الشمولي الذي هو إنكار وجود الخالق، أو الملاحدة التي تقول: إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع، نتحدث عن الإلحاد في باب الأسماء والصفات وما أعنيه هو الميل لقول الله جل وعلا:
    {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} أي يميلون، وهو من اللحد في القبر لأنه مائل.


    الأشاعرة يعتذرون عن إثبات صفة الغضب لله بأمور:


    الأمر الأول:
    يقولون: إن الغضب غليان الدم هذا في المخلوق والله منزه عن ذك.
    والأمر الثاني:
    لا يعتبرون الغضب صفة كمال.
    الأمر الثالث:
    يقولون: حين نثبت لله صفة الغضب فنحن نشابه المخلوق بالخالق.
    وإلا فهم يقرون بأن الله أطلق على نفسه فلا ينكرون القرآن.

    الجواب عن هذا أمور:

    الأول
    : أن الغضب لم يثبت في حق المخلوق أنه غليان في الدم؛ لأن الغضب يأتي للمخلوق في عدة أمور عدة أسباب فقد يكون هذا وقد يكون لسبب آخر، والناس يتفاوتون في الغضب، فالذين يغضبون حين تنتهك حرمات الله، غير الذين يغضبون حين تخالف أوامرهم.

    الأمر الثاني
    : أنه حين يكون الغضب للمخلوق لا يؤدي هذا إلى تماثل الخالق مع المخلوق، لأن الله جل وعلا نفى عن نفسه المماثلة فقال:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فالله جل وعلا سمى بعض عباده ووصف بعض عباده بالسمع والبصر وسمى نفسه سميعا بصيرا، سمى عباده أحياءًا وسمى نفسه حيًّا فلا يلزم من وجود السمع والبصر والحياة للمخلوق أن تكون مماثلة أو مشابهة للخالق، لأن هذا الخالق وهذا المخلوق، والله جل وعلا جعل في عباده قدرة وله صفة القدرة وقدرة المخلوق تختلف عن قدرة الخالق.


    والدليل الذي دلَّل الأشاعرة عليه لنفي صفة الغضب عن الله هو الحقيقة دليل نستطيع أن نستدل به على نفي الصفات السبع التي يثبتونها لله، فحين يثبتون لله صفة العلم، نقول فيه مشابهة لأن علم المخلوق مثل علم الخالق، الحين يقولون لا، يختلف، نقول الدليل الذي يُستدل به على الاختلاف هو نفس الدليل الذي يستدل به على الاختلاف في صفة الغضب، والدليل الذي يستدل به على إثبات صفة العلم لله هو نفس الدليل الذي يستدل به على صفة الغضب لله لا يختلف هذا عن ذاك، إلا الذين يكابرون ويجمعون بين متناقضات ويفرقون بين المتناقضات هؤلاء خارجون عن نطاق الخطاب لأنهم ليسوا في عداد العقلاء، وهؤلاء الأشاعرة يدعون العقل ودائما ينادون بالعقل، يقدسون العقل أمام تقديس النقل.


    وهؤلاء الذين ينادون بالعقل هم أجهل الناس بالمعقولات، وهم أبعد الناس عن الهدى وكثيرا إذا رأيت الرجل ينادي بشيء فهو يريد أن يغطي عيبه ونقصه، كواقع كثير الآن من هذا العصر المنتسبون للدعوة وإن كان لهم فضل يختلفون عن هؤلاء لكن حين يوجد عندهم نقص في مناقشة قضايا المسلمين ينادون الآن بالحكمة والتريث والعقل فهم يخذلون أو عندهم خذلان كبير للدين فيريدون تغطية الخذلان بالمناداة بالتريث والعقل والحكمة وبعد النظر، هم ما عملوا شيئًا من العقل والحكمة وبعد النظر، هم ما عملوا شيئا من ذلك، هم يسارعون في إدانة الأحداث المتعلقة بالوثنين وباليهود والنصارى، وأين العقل ؟ ولا يسارعون بإدانة الأحداث المتعلقة بالمسلمين، هذا يأتي العقل، ولا يأتي العقل عند الوثنيين.


    فهؤلاء من هذا الباب يعتبرون أهل بدع وأهل ضلال، وإن لم يشابهوا هؤلاء ولم يضلوا كما ضلوا لكن في ضلال في أبواب أخرى وانحرافات، ولعل التأسيس الفكري والمنهجي هو الذي يؤدي بالعبد إلى هذا الضلال، والانحراف، فالذي لا يبني الأصول ولا التمسك ولا فكره ولا دينه ولا عقيدته على الكتاب والسنة فأتصور والعلم عند الله بأن يكون مآله كمآل هؤلاء، والذي يبني ثقافته وعلمه على مجرد الجرائد والمجلات والبحوث العامة والثقافة العامة ونحو ذلك يكون ملجأ وبؤرة للمتناقضات والبعد عن التماثل.


    قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}:

    أي هؤلاء الذين غضب الله عليهم وتتخطفهم الملائكة السر في ذلك أنهم اتبعوا ما أسخط الله، ويأخذ من ذلك إثبات صفة السخط لله، وهذه الصفة من الصفات الفعلية الاختيارية.

    {
    وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} يأخذ من ذلك إثبات صفة الكره لله، وهما من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وأخذ من ذلك إثبات صفة الرضا لقوله: {رِضْوَانَهُ} وقد تقدم {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وقال تعالى:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}وأهل السنة يثبتون ذلك إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، فلا يحرفون الكلم عن مواضعه ولا يلحدون في أسماء الله آياته ولا صفاته، لأن الله موصوف بصفات الكمال، ومن لم يستقر في ذهنه وفي فطرته بأن صفات المخلوق لا تماثل صفات الخالق وعنده قاعدة واضحة في التفريق بين الخالق والمخلوق لا يقع في ذهنه ما يقع في قلوب الأشاعرة أبدا، لأن هؤلاء يقع في أذهانهم بسبب التعاليم الفاسدة.


    من ذلك أن الأشاعرة يقدمون العقل على النقل فهذا أدى بهم إلى التناقض، ومن ذلك التربية فهم يتربون على كتب المتكلمين فإن هذه الكتب مؤداها أنه لا يصح إيمانًا حتى يحصل شك واضطراب وتناقض ونحو ذلك، ولذلك قال بعض أكابرهم: يا ليتني أموت على عقيدة إحدى عجائز نيسابور.

    وقال آخر وهو الشهرساني:

    لعمري لقد طفت المعاهد كلها


    وسيرت طرفي بين تلك المعالم

    فلم أر: إلا واضعًا كف حائرٍ

    على ذقن أو قارع سن نادم



    وقال الرازي:

    نهاية إقدام العقول عقال

    وأكثر سعي العالمين ضلال

    وأرواحنا في وحشة من جسومنا

    وغاية دنيانا أذً ووبالُ

    ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

    سوى أن جمعنا فيه قيل وقال



    لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن.

    أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}،
    وفي النفي:
    {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.


    وقوله جل وعلا: {فَلَمَّا آَسَفُونَا} أي: أغضبونا، فيه إثبات صفة الغضب لله جل وعلا.

    ويثبت النص لا حرج منه، إثبات صفة الأسف.


    {
    انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} فيه إثبات صفة الانتقام لله جل وعلا.


    وقد قال بعض أهل السنة
    : المنتقم اسم من أسماء الله فهو اسمه وصفته، وأنكر شيخ الإسلام ابن تيمية مثل هذا، وأنكر أن يكون المنتقم اسما لله لأن لم يرد دليل في ذلك فهو صفة لله، لأنه لم يرد إلى على وجه الإثبات، أو مضاف {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} فقد جاء مضافًا.


    فالله ينتقم ممن يستحق الانتقام، كما أن الله يمكر بما يستحق المكر، ويستهزئ بما يستحق الاستهزاء، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} وسيأتي الحديث عن ذلك.

    {
    سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}.


    وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} فيه إثبات صفة الكره لله جل وعلا، وفيه أن الله جل وعلا ثبط هؤلاء فهذا اللفظ يطلق على الله جل وعلا، فهذه صفات كمال لله جل وعلا.


    فيطلق لله ما أطلقه على نفسه، ولا نتحاشا شيئًا من ذلك، لأن القلوب لم تألف ذلك أو لم تسمعه من قبل، ما أطلقه الله على نفسه يجب إطلاقه والإيمان به، من وقع في قلبه شيء من ذلك فليعرضه على من يعلم، يرشده إلى الصواب ويدله إلى الهدى.

    وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} مقتًا: نصب على التمييز، أي كبر من المقت.

    اسم بمعنى من مبين نكرة


    ينصب تمييزا بما قد فسره


    {أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} فهذا عظيم عند الله، وكبير، وممقوت، أن يقول العبد ما لا يفعل، فيه إثبات صفة المقت لله جل وعلا، فهذه بقية الصفات الفعلية الاختيارية، ويأتي إن شاء الله زيادة تقرير للصفات الفعلية الاختيارية وللصفات الذاتية.

    والله أعلم



    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:40:27

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط 4


    ما زال ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية في سرد الآيات الدالة على إثبات الأسماء والصفات لله تعالى، فإن أهل السنة يؤمنون بكل ما جاء في الكتاب والسنة فيثبتون لله الأسماء والصفات إثباتا بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير، فيخالفون أهل البدع من المعطلة والمؤولة والمفوضة.

    ما الفرق بين التعطيل والتأويل ؟
    التعطيل :نفي الصفة،
    والتأويل : إطلاق اللفظ ،واستبدال المعنى بغيره .
    المعتزلة يقولون أن الله - جل وعلا - سميع بلا سمع، عليم بلا علم، والأشاعرة يطلقون الألفاظ ،ويستعيضون عن إثبات المعاني بمعان أخرى فهذه تسمى الألفاظ المجردة.


    هل كل اسم نفهم منه صفة
    ؟

    مثال ذلك: وهو السميع البصير؛ نشتق من الاسم صفتين وهما السمع والبصر، طيب أسماء الله مشتقة أم لا؟

    يقول بن القيم - رحمه الله تعالى - في النونية:

    أسماؤه أوصاف مدح كلها

    مشتقة قد حملت لمعاني

    يشترط لكي نثبت لله اسماً شروط: أن يدل على معنى،يجب أن يدل على معنى،مثلا الدهر، النبي صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله هو الدهر» هل نقول عن الدهر أنه اسم من أسماء الله أو لا؟ اتفق أهل السنة على أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله
    لماذا ؟ مع أنه يطلق على الله؛ لأنه اسم لا يدل على معنى ،فمعناه :يصرف الليل والنهار
    وأيضاً لو كان الدهر اسماً من أسماء الله لكان قول المشركين (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ) صحيحاً، لأن الدهر هو الله - لو قيل هذا - فالدهر ليس اسماً من أسماء الله، واتفق أهل السنة على أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله، وخالفهم بن حزم - رحمه الله .


    الشرط الأول
    : أن تكون دالة على معان، وهذا معنى قول بن القيم:

    أسماؤه أوصاف مدح كلها


    الشرط الثاني: أن تدل على مدحٍ كلها، ولذلك اختلف أهل العلم في المسعر ، فقال البعض: إن المسعر ليس اسما من أسماء الله.

    الشرط الثالث:
    أن تكون مشتقة، وأشار إلى هذا بقوله:

    مشتقة قد حولت لمعاني.


    في هذا البيت رد أيضاً على المعتزلة ورد على الجهمية ورد على المفوضة وهذا في قول بن القيم قد حولت لمعاني .


    ما الفرق بين الاسم والصفة؟

    الفرق الأول:
    أن الصفات تشتق من الأسماء ،فكل اسم تؤخذ منه صفة.

    الفرق الثاني
    :أن الأسماء دالة على الذات.

    والصفات نوعان:

    1- صفات فعلية اختيارية
    ،
    2- وصفات ذاتية.

    الفرق الثالث:
    أنَّ التعبيد في الأسماء للمخلوقين يكون للأسماء دون الصفات ما لم تضف إلى الذات فلا يصح أن تقول : عبد الوجه، هذا حرام؛ لأن الوجه صفة من صفات الله وليس اسماً ، في غير ذلك يكون .

    نتحدث الآن عن الأدلة التي ذكرها شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله تعالى - في إثبات الصفات الفعلية الاختيارية.



    قوله - جل وعلا - ( هَلْ يَنْظُرُونَ ) فيه إثبات صفة المجيء لله تعالى، يخاطب الله المؤمنين ليعتبروا بالأمم السابقة؛ لأن الأصل في المؤمن أن يستفيد ويتعظ بما حدث للأمم السابقة، فما جاء في القرآن من خطاب اليهود، ومن خطاب النصارى، ومن خطاب المشركين – هو في الحقيقة خطاب لنا ، لنبتعد عن خصالهم وننأى بأنفسنا عنهم، فقوله - جل وعلا - (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) ،هذا يعني أن المسلمين ليسوا على شيء حتى يقيموا كتاب الله ويتبعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم


    فقوله - جل وعلا - (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ) فيه إثبات المجيء لله - جل وعلا - فإن الله - جل وعلا - يأتي يوم القيامة لفصل القضاء، وهذا من الصفات الفعلية الاختيارية، وأهل السنة يؤمنون بذلك.

    وخالف في ذلك أهل البدع؛ من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم؛ ويقولون عن المجيء بأنه مجاز وهذا غلط من وجوه:


    الوجه الأول:
    أن الأصل في الكلام الحقيقة دون المجاز؛ فقد حكى ابن عبد البر- رحمه الله - في المجلد السابع من التمهيد الاتفاق، ولو لم تكن الحقيقة هي الأصل في الكلام لكن الناس في اضطراب، يتحدثون ويقولون نعني المجاز؛ فلا يكون للحقيقة معنى.

    الأمر الثاني:
    أن المجاز لم يكن له أصل في كلام الله ولا كلام رسوله، ولم يكن معروفاً في القرون المفضلة، وقد حدث بعد ذلك و يعبرون عنه بمعنيين؛ الأول ما أمكن نفيه، الثاني هو ما ليس له حقيقة، وله أكثر من معنى أيضاً عند من يقولون بالمجاز.

    الأمر الثالث:
    أن الله - جل وعلا - أخبر عن مجيئه في أكثر من آية وهذا يتعذر معه المجاز فحين تخبر عن شخص تقول قدم زيد ثم بعد قليل تقول جاء زيد ثم بعد قليل تقول أقبل زيد، هل يتأتى المجاز في ذلك؟ أنت تخبر عن مجيئه في ثلاثة مواضع بألفاظ مترادفة؛ تقول جاء زيدٌ، أقبل زيد، أتى زيد، يتعذر المجاز في هذه الحالة؛ لأن هذا تأكيد لهذا وهذا تأكيد لهذا،

    لكن لو جاء في موضع واحد لربما احتمل - مع أنه باطل في باب الأسماء والصفات - فحينما يأتي في أكثر من آية ولا سيما حين يقرن الله - جل وعلا - مجيء الملائكة ومجيء الآيات بمجيئه، فهذا يبطل كل قول وكل دعوى في المجاز ،فإن الله جل وعلا يقول:
    (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ) وقول الله - جل وعلا - (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) فأخبر الله - جل وعلا - عن مجيئه وعن مجيء الملائكة، ولم يختلف الصحابة والتابعون والأئمة المتبوعون في أن المعنى في قول الله - جل وعلا - (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ) أي لفصل القضاء يوم القيامة.


    قوله (وَالْمَلَائِكَة) فيه إثبات الملائكة؛ فالمؤمنون يثبتون ذلك ،ويؤمنون بأن لله ملائكة؛ يثبتون ذلك إجمالاً بالإجمال وتفصيلاً بالتفصيل، (كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ) ،فمن الإجمال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون» يختص الإيمان بجبريل وميكائيل وإسرافيل ،وغيره من المسمين في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام» رواه أبو داود وغيره.


    قوله (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي بالفصل بينهم، وجاءهم ما كانوا يوعدون، فريق في الجنة وفريق في السعير{ وقوله - جل وعلا - (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ) أي لقبض أرواحهم ، (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي لفصل القضاء يوم القيامة، (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ) من عذاب وبطش وبراكين وزلازل وفيضانات وغير ذلك (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) فإن التوبة لا تقبل في موطنين؛

    فالأول حين تطلع الشمس من مغربها فلا ينفع نفسا لم تكن آمنت من قبل؛ فلا ينفع نفساً أسلمت وآمنت لم تكن آمنت من قبل،

    الأمر الثاني :
    حين تبلغ الروح الحلقوم، فلا تقبل توبة أحد؛ فلا يقبل إسلام الكافر ولا توبة العاصي،

    هناك قول ثالث في المسألة: أنه إذا خرج الدجال فلا توبة لأحد، وهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ولكن الأدلة في الأمر الأول أكثر وأشهر وأصح؛ فإن التوبة بخروج الدجال مقبولة، فلا تمتنع التوبة إلا في الأمرين الماضيين.



    وتمضي هذه الآية في إثبات الصفات لله - جل وعلا – ويؤخذ من ذلك إثبات الصفات الفعلية، وبؤخذ منها إثبات الصفات الاختيارية، فالصفات قائمة بالله - جل وعلا.

    وقوله - جل وعلا -(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ) الأصل في اللفظ حمله على حقيقته، وأن المجيء هو لله يوم القيامة لفصل القضاء ،وقال الأشاعرة وجاء أمر ربك.

    وبعض النحاة المتأثرين بمذهب الأشاعرة حين يُمَثِّلون للمضاف الذي حل المضاف إليه مقامه يمثلون بهذه الآية؛ يقولون: إن الأصل" وجاء أمر ربك" فحذف المضاف وأقيم المضاف مقامه ، فصارت الآية "وجاء ربك " وهي في الأصل : "وجاء أمر ربك". وذلك على قول ابن مالك :

    وما يلي المضاف يأتي خلفا عنه في الإعراب إذا ما حذفا


    يجاب عن هذا من وجوه:
    الوجه الأول:
    أن هذا نفي لمدلول الكلمة، وهب أن المعنى كما يزعمون،؛ فما يصنعون بالآية الماضية(أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ) الله - جل وعلا - ذكر هذا، وذكر ذاك في موضع واحد؛ فعلم أن المعنى (وجاء ربك) أي جاء بنفسه لفصل القضاء ،وأنه ليس مجيء أمره .

    الوجه الثاني:
    أن أمر الله - جل وعلا - يكون بكن، كما في قول الله - جل وعلا -(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فلا يحتاج إلى إدراج "وجاء" .

    الوجه الثالث:
    أن التقدير يحتاج إلى دليل، ولا دليل في ذلك ولا قرينة.

    يؤخذ من الآية إثبات الصفات لله - جل وعلا - ؛ إثبات الصفات الفعلية والاختيارية، وإثبات مجيء الرب؛ فنثبت لله - جل وعلا - ذلك إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل.


    وقوله (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا) يلحق هذا بما قيل في الآية السابقة من إثبات المجيء لفصل القضاء ، ويفهم منها كذلك إثبات صفة العلو لله - جل وعلا -، ( وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ) أي أن الله - جل وعلا - فوقهم، وأهل السنة يؤمنون بكل ذلك؛ فلا يكيفون ولا يمثلون ولا يلحدون ولا يعدلون عن الإيمان بالألفاظ والمعاني بدون دليل، لأن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها ، ولا يجوز إخراج اللفظ عن حقيقته؛

    لأن هذا يفتح باب شر، ويفتح باب اعتداء على الأدلة ويفتح باب السطو على النصوص؛ فلا بزدجر مبتدع لا يعجبه شيء من القرآن إلا وادعى فيه المجاز، أو تقدير حذف المضاف، أو أن اللفظ ليس عليه ظاهره، والله - جل وعلا - خاطب العرب بما يفهمون وبما يعون ؛ولذلك حين كان مشركو قريش وغيرهم من العرب والعجم يسلمون لم يكن الواحد منهم يستشكل هذه الآيات الدالة على أسماء الله وصفاته؛ لم يكن الواحد منهم يحرف الأسماء أو لا يؤمن بالصفات؛ فكانوا يفهمون ذلك ويؤمنون به ، وكان النبي
    صلى الله عليه وسلم يحثهم على حفظ الآيات –كآية الكرسي- الدالة على أسماء الله وصفاته وقال «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» رواه النسائي وغيره في عمل اليوم والليلة وإسناده صحيح.


    ولم يكن الواحد منهم يستشكل شيئاً من المذكور في هذه الآية من أسماء الله وصفاته، والسبب في ذلك أنهم كانوا من قبل على الشرك، وكانوا على الوثنية، وكانوا على الكفر،لم تكن لهم أفكار يؤصلون عليها نفي الأسماء عن الله والصفات، فحين يسلم الواحد منهم ينقاد للكتاب والسنة، وكان الشرك يعني إما عدم الإيمان بالرسالة أو الإيمان بغير بالله، وكانوا في الجملة يؤمنون بالأسماء والصفات ، حتى آزر والد إبراهيم حين قال له إبراهيم( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)،

    لم يقل له آزر: وربك لا يسمع ولا يبصر، بل كانوا يؤمنون بذلك ، وكانوا يتجاوبون مع هذه الأدلة؛ يؤمنون بأن الله سميع بصير، ما كانوا يستشكلون شيئاً من ذلك ، وعلى هذا درج الصحابة كلهم،كما جاء من بعدهم التابعون لهم بإحسان، ووجد في أواخرهم من كان يستشكل بعض الأمور ، كما في حديث ابن عباس حين نقل حديثا في الصفات، فوجد عند ذلك شيئا فقال " ما أردت هؤلاء ، يجدون رقة عند محكمه ، ويهلكون عند متشابهه "ولا يعني ذلك أن الأسماء والصفات من المتشابه ، ولكن هذا التشابه نسبي بمعنى أنه يشتبه عليّ، وليس بأصله مشتبها ؛ هو في أصله محكم بيّن بدليل أنه لم يكن أحد يستشكل شيئاً من ذلك في واقع الصحابة رضي الله عنهم.


    ثم خرج أهل البدع كالجعد بن درهم؛ الجعد بن درهم تلقى بدعته عن لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي r ثم بدأ يتحدث في الأسماء والصفات ، ويشيع ذلك، ويلبس على الآخرين، فتلقى بدعته عنه الجهم بن صفوان ونسبت بدعة الجهمية إليه، وإلا فالأصل أن الذي أسس هذه البدعة هو الجعد بن درهم، وعنه أخذ هذه البدعة الجهم بن صفوان لكنها نسبت للجهم لأسباب:

    السبب الأول:
    أنه أثار ذلك في أكثر من بلد،
    الأمر الثاني:
    أنه كان يؤصل لهذا بأكثر من الجعد.
    الأمر الثالث:
    أنها اشتهرت عنه ، ولم تشتهر عن الجعد.
    الأمر الرابع:
    أنه توسع في ذلك أكثر من توسع الجعد .


    ولذلك حين يتوب بعض هؤلاء لا تكون توبته موفقة ،مثلا أبو الحسن الأشعري على جلالة قدره وعلو منزلته كان على مذهب المعتزلة ، ثم أسس المذهب الأشعري ، والأشاعرة قسمان غلاة وغير غلاة، ثم إنه حين تبين له الحق ،وأعلن توبته على الملأ من المنبر، لم تكن توبته موفقة من كل وجه، وفي نفس الوقت الذين ينتسبون للمذهب الأشعري هم لا يأخذون بآراء أبي الحسن الأشعري المتأخرة، هم باقون على آراء أبي الحسن الأشعري المتقدمة، ولذلك فيهم من ينفي العلو، مع أن أبا الحسن الأشعري ذاته كان يؤمن بالعلو، لا يؤمن بالأسماء والصفات دون تحديد لذلك ،عند الخوض في مسألة الجبر والقدر ومتعلقاته،

    لكنه في نهاية الأمر أثبت العلو، وبين ذلك بالأدلة ، وقال إن القرآن هو كلام الله ، وأثبت لله جملة الأسماء والصفات وأثبت لله الأفعال الاختيارية ،لكن هؤلاء بقوا على ما كان عليه من قبل، ولم يأخذوا بما صار إليه من بعد ، فهؤلاء ينتسبون إلى أبي الحسن ظلماً وزوراً ، لا ينتسبون حقيقة ، وفي نفس الوقت لا يحل لأحد أن يقول أنا أشعري ولو كان على مذهب أبي الحسن المتأخر؛ لأن هذا يحدث لبساً في الأمة ، وتحريفاً للكلم عن مواضعه ، والله أعلم.





    * * * *


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:45:57

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط 5


    ما زال - رحمه الله تعالى - يتحدث عن الصفات الذاتية حين تحدث عن الصفات الفعلية الاختيارية ولا يختلف العلماء في إثبات هذا وذاك فإن الله - جل وعلا - موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت الجلال والموصوف بصفات الكمال المنعوت بنعوت الجلال هو المستحق للعبودية وحده لا شريك له، أفمن يخلق كمن لا يخلق؟ أفمن يرزق كمن لا يرزق؟ أفمن يحيي ويميت كم لا يحيي ولا يميت؟ أفمن يدبر الأمر في السماء والأرض كمن لا يدير شيئاً،

    وكثيراً ما يستدل الله - جل وعلا- على عباده بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية وهذا كثير في كلام الله، كقوله تعالى (
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)الله - جل وعلا - يستدل على العباد بخلقهم ورزقهم على إفراد الله بالعبادة وأنه المألوه المعبود حقاً دونما سواه (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ) والإله هو المألوه محبة وتعظيماً وخوفاً ورجاءً، والصواب في الإله أنه وصف الله - جل وعلا - ولا يختلف العلماء في إطلاق ذلك على الرب، وإن كانوا يختلفون في التسمية بهذا،

    ولكن الأسماء المتعدية لا مانع من التعبيد بها، ولكن هناك فرق بين التعبيد وبين اتخاذه اسماً، فلا حرج من التسمي بعبد الإله لأنه الإله حين يعرف بالألف واللام ينصرف الذهن إلى الرب - جل وعلا - هذا مجرد استطراد، فالحديث الآن عن الصفات الذاتية لله - جل وعلا - لا يختلف العلماء أن الصفات لله تثبت بالكتاب أو السنة الصحيحة، ولا يدخل في ذلك القياس؛ فإن القياس في المسائل الفقهية المعللة ،

    هناك مسائل فقهية غير معللة لا يدخلها القياس أيضاً، أما الأسماء والصفات فلا قياس فيها، وتقدم مراراً أنه يجب التقيد باللفظ في باب الأسماء والصفات دون المرادف؛ لأن المرادف قد يكون أقل معنى فقوله - جل وعلا -:
    (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)أي كل مخلوق على هذه الحياة كتب عليه الفناء ولا يبقى إلا من استثناه الرب - جل وعلا - كالجنة والنار والملائكة وقد استثنى الله - جل وعلا - نفسه فقال ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ففيه إثبات صفة الوجه لله - جل وعلا - إثباتا بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل؛ فإن الله لا يقاس بخلقه؛ فلا سمي له (هَلْ تعلمُ له سميًا)، ولا كفء له ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، ولا ند له(فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).


    فقوله (وجه ربك) فيها مغايرة بين الوجه وبين الذات، ففيها الرد على الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة والكرامية الماتريدية وعامة طوائف أهل البدع الذين يمتنعون عن إثبات صفة الوجه ويقولون أن الوجه المراد به الذات، الله في هذه الآية أ ضاف الوجه للذات، وهذا نصٌ صريح بالمغايرة، يؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم» وهذا رواه أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وإسناده جيد في دعاء الدخول إلى المسجد.


    ولا يختلف أهل السنة في إثبات صفة الوجه لله - جل وعلا - إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، الجهمية ينفون ذلك مطلقاً، والأشاعرة يحرفون هذا، وينادون بالمجاز، والمجاز ما يمكن نفيه، ولذلك هم ينفون ذلك عن الله؛ تارة يفسرون الوجه بالذات، وتارة يطلقون لفظ المجاز، وتارة يقولون بأن الوجه يقصد به الثواب.

    ويجاب عن هذا من وجوه:

    الوجه الأول:
    أن ما يضاف إلى الله نوعان،
    النوع الأول:
    أعيان قائمة بنفسها فهذه إضافة المخلوق إلى خالقه كقول الله - جل وعلا - (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ) وكما تقولون هذا بيت الله وكعبة الله، إضافة المخلوق إلى الخالق لأن هذه الأعيان قائمة بنفسها.

    النوع الثاني:
    أعيان قائمة بغيرها،
    النوع الثاني صفات قائمة بغيرها؛ الوجه قائم بنفسه أم قائم بالله؟ إذاً صفات قائمة بالله، هذه إضافة الصفة إلى الموصوف، وصفات الله من الله ليست بمخلوقة بإجماع المسلمين ولقد قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - ومن زعم أن شيئاً من الله مخلوق فإنه كافر؛ يعني من صفاته؛ أو أسمائه ، لكن الله موصوف بصفة الخلق يسمى باسم الخالق.



    الوجه الثاني:
    أن إضافة الوجه إلى الذات تبطل قول من قال بأن المقصود بالوجه هو الذات فإن الله - جل وعلا - قال (ويبقى وجه ربك) لا يصح أن تقول ويبقى ذات ربك؛ هذا باطل لغة وشرعة وعقلاً.

    الوجه الثالث:
    أن الذين يقولون أن الوجه هو السواد، لا يصح أن يقال ويبقى سواد ربك، لأن هذا ليس بصفة مدح، ولا يصح أن تقول ويبقى سواد ربك ذو الجلال والإكرام؛ لأن (ذو) للوجه وليس للرب؛ لو كان للرب لقال الله ذي الجلال والإكرام؛ الله قال (ويبقى وجه ربك ذو) إذاً الصفة لمن؟ للوجه وليس للرب (الذات)؛ فالبتالي لا يصح أن تقول ويبقى سواد وجه ذو الجلال والإكرام؛ الصواب ذو الجلال والإكرام؛ فعلم أن المقصود بذلك هو وجه الرب - جل وعلا - وأنها من الصفات الذاتية التي أجمع عليها المسلمون.


    وقوله - جل وعلا -(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)أي مما كتب عليه الهلاك؛ أخبر الله في كتابه أنه لن يكتب الهلاك لا على الجنة ولا على النار، وغير ذلك مما هو مستثنى كالعرش والقلم ونحو ذلك، إذاً هذا من ألفاظ العموم يراد به الخصوص كقول الله - جل وعلا - (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) أي مما يقبل التدمير، (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) هل أوتيت كل شيء؟ هذا باطل شرعاً وعقلاً؛ هي أوتيت كل شيء مما يحتاجه الملوك، الشاهد في هذه الآية (إلا وجهه) الله - جل وعلا - لم يقل إلا وجهاً؛ قال إلا وجهه، الهاء تعود على من؟ على الله - جل وعلا - فأضيف الوجه إلى الذات، ومن لوازم ذلك أن يبقى ما أريد به وجه الله، ولكن ليس هو معنى الآية؛ هذا من باب اللوازم.


    والمعنى الصحيح للآية أن نثبت الوجه لله - جل وعلا - ولا يبقى إلا ما أريد به وجهه من الإخلاص لله - جل وعلا - والحذر من الرياء ومراءاة الناس وتطلب مدحهم وثناءهم؛ هذا لا يبقى؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم«حق على الله ألا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه الله» (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فهذا الذي يبقى؛ فعليه يحاسبون ويجازون بأعمالهم؛ إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌ.


    وقد ذكر الشيخ - رحمه الله تعالى - آيتين في إثبات صفة الوجه، وهو الآن في سياق سرد الآيات، ويأتي إن شاء الله تعالى سياق سرد الأحاديث والتعليق على أصول أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات؛ وأهل السنة لا يختلفون في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم .


    وحكيت بالأمس كلام ابن عبد البر في المجلد السابع من التمهيد أن الأصل في ذلك الحقائق وحكى اتفاق العلماء على ذلك؛ الأصل في ذلك الحقيقة دون المجاز؛ فما أطلقه الله على نفسه أو أطلقه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم فنؤمن بذلك حقيقة ونؤمن بأن الله ليس كمثله شيء.

    نظم بن القيم في نونيته اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذا الباب فقال:

    لسنا نشبه وصفه بصفاتنا


    إن المشبه عابد الأوثان

    كلا ولا نخليه من أوصافه

    إن المعطل عابد البهتان

    من شبه الرحمن العظيم بخلقه

    فهو الشبيه بالمشرك النصراني

    أو عطل الرحمـن عن أوصـافه


    فهو الكفور وليـس ذا الإيمـان




    شرع رحمه الله تعالى يتحدث ويورد الآيات الدالة على إثبات صفة اليدين لله - جل وعلا - والأدلة في ذلك متواترة؛ فقوله - جل وعلا - مخاطباً إبليس (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وحين حاج آدم موسى قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده.


    الأشاعرة يحرفون ذلك؛ يقولون أن معنى اليد القدرة، يجاب على ذلك يقال: إذن لا يتميز آدم على غيره؛ الناس كلهم حتى إبليس مخلوق بقدرة الله، إذاً ما فيه تميز بين إبليس الملعون المبعد عن رحمة الله وبين أنبياء الله ورسله، تباً لقولٍ يؤول بالناس إلى هذا الاعتقاد الفاسد.


    الأشاعرة يقولون أيضاً(لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) أي بنعمتي، وهذا ظلال؛ لأن نعم الله متعددة، ولماذا يخلق آدم بنعمتين؟ والله يقول(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) وقد امتن الله على آدم بذلك، والقرآن صريح في إثبات صفة اليدين لله - جل وعلا -.


    وقوله - جل وعلا - (وَقَالَتِ الْيَهُودُ)اليهود؛ يطلق الكل ويراد به البعض، وهذا كثير في كلام الله - جل وعلا - (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)هل كل اليهود يقولون عزير ابن الله؟
    الجواب: لا، كقول الله - جل وعلا - (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) هل كل الناس يقولون ذلك؟ هذه حفنة من كفار قريش، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ )، فكان فارس والروم لم يقولوا، الذي قال ذلك بعض كفار قريش،

    (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) هل النصارى كلهم يقولون أن المسيح ابن الله؟ لا؛ هذا إطلاق الكل يراد به البعض، ومثل هذا كثير في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم هذا يعين على فهم القرآن ويعين على فهم السنة ويعين على فهم المراد، فقوله - جل وعلا - (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)يريدون بذلك بأن الله بخيل، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فرد الله عليهم بقوله (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) قطعاً لا يراد بذلك النعمة؛ فلا يصح أن تقول للنعمة مبسوطتان، إذاً أين النعمة الأخرى؟

    فبالتالي قطعاً يراد بذلك إثبات صفة اليدين لله - جل وعلا - يوضح ذلك قوله
    صلى الله عليه وسلم «وكلتا يدي ربي يمين»، وقال صلى الله عليه وسلم «إن الله يضع السماوات على ذه والأراضين على ذه والشجر على ذه... إلى آخر الحديث ثم يأخذهن بيده فيقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون» الحديث متفقٌ على صحته.


    وقال الله - جل وعلا -(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) إذا لا يصلح أن تقول مطويات بقدرته؛ لأن كل شيء تحت قدرته؛ لا يخرج شيء عن قدرة الله - جل وعلا - والأدلة على هذا كثيرة في إثبات صفة اليدين لله - جل وعلا - فنثبت ذلك لله إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، ونؤمن بكل ما جاء عن الله على مراد الله وبكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نحرف ولا نكيف ولا نمثل؛ بل نؤمن بكل ذلك، وهذه حقيقة الإيمان (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا).


    الأشاعرة قالوا سمعنا وعصينا، لأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، ويخرجون هذه الأسماء والصفات عن حقائقها تحت مسمى الهرب والبعد عن التشبيه؛ ألا في الفتنة سقطوا، ألا في الفتنة والتشبيه سقطوا، هم يعتقدون أنهم حين يثبتون ذلك يشبهون المخلوق بالخالق، لما وقع ذلك في قلوبهم أرادوا أن يتخلصوا من هذا الاعتقاد الفاسد نفوا ذلك عن الله فوقعوا في التعطيل؛ عطلوا، ثم لما عطلوا وقعوا في التشبيه؛ شبهوا الله - جل وعلا - بالجمادات والمعدومات، ولهذا قال بعض السلف؛ كنعيم بن حماد الخزاعي وجماعة: من عطل الله عن أسمائه وصفاته فهو يعبد عدماً ومن شبه الله بخلقه فهو يعبد صنماً.


    وتقدم بالأمس وأكرر أن إبراهيم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - حين دعا أباه إلى التوحيد قال: يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر، لم يقل أبوه المشرك وربك لا يسمع ولا يبصر؛ لم يقل ذلك، بل كان مقراً بذلك، مؤمناً بذلك، حتى بعض المشركين يؤمنون بأن الله سميع بصير، ولذلك لم يقل آزر وربك لا يسمع ولا يبصر، ومثل هذا كثير . إذن الشيخ - رحمه الله تعالى - تحدث عن الصفات الفعلية الاختيارية وتقدم الحديث عن ذلك، شرع الآن يتحدث عن الصفات الذاتية بإيراد الأدلة من كتاب الله على إثبات صفة الوجه وعلى إثبات صفة اليدين.

    * * * *

    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:48:10

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط (6)



    الحمد لله رب العالمين


    قال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله تعالى - في الحديث عن صفتي العينين لله - جل وعلا - والسمع؛ فلا يختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في إثبات ذلك فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات ذلك، وأن هذا من الصفات الذاتية وتقدم الحديث عن الصفات الفعلية الاختيارية وأن الله - جل وعلا - يفعل متى شاء إذا شاء، تقدم الحديث عن صفة الرحمة والغضب وأن الله - جل وعلا - يرحم الرحماء، يرحم الذين آمنوا ويغضب على الذين كفروا.


    أورد المؤلف - رحمه الله تعالى - ثلاث آيات في إثبات صفة العينين لله جل وعلا؛ أورد الآية الأولى:(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا).

    والآية الثانية: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا).

    والآية الثالثة: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)

    الأولى والثانية بلفظ الجمع، الثالثة بلفظ الإفراد، وقد وضحت السنة ذلك بأن لله عينين، وأجمع على ذلك أهل السنة؛ لم يخالف في ذلك أحد منهم.



    قال صلى الله عليه وسلم والحديث متواتر عنه في الصحيحين وغيرهما: ثم ذكر الدجال وأنه أعور قال «وإن ربكم ليس بأعور» فعلم أن العين الواحدة عور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الدجال له عين واحدة وأنه أعور إذًا هو يقصد الواحدة دون الأخرى وسماه النبي صلى الله عليه وسلم أعور ثم قال وأن ربكم ليس بأعور، وهذا خبر متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه أهل السنة والجماعة وجاء في الحديث الآخر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يكون بين عيني الله» ولكن هذا الخبر تفرد به إبراهيم الخوزي وهو متفق على ضعفه، وليس في الباب دليل احتجوا به سوى الحديث السابق الذي اتفق على معناه أهل السنة.


    قوله جل وعلا: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) للصبر ثلاث مراتب:
    النوع الأول:
    صبر على طاعة الله.
    النوع الثاني:
    صبر عن فعل المعاصي.
    النوع الثالث:
    صبر على الأقدار المؤلمة؛ من الأمراض ونحوها.

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُو)وقال تعالى:(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ)، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .

    قوله: (
    لِحُكْمِ رَبِّكَ) فيه إثبات صفة الحكم لله - جل وعلا - قال تعالى: (إن الحكم إلا لله) نقول معنى الحكم هنا بمعنى القدر أي اصبر لقضاء ربك.

    وحكم الله نوعان:

    النوع الأول:
    حكم قدري.
    النوع الثاني:
    حكم شرعي ديني،

    قوله (
    فإنك بأعيننا) يثبت من ذلك صفة العينين لله - جل وعلا - ولازم هذا يكون بمرئى من الله وحفظ وكلاءة ونصر.

    وقد قال بعض المفسرين: (فإنك بأعيننا) أي بمرئى منا، فأثبت الرؤية ولكن لو أتى بإثبات الصفة لكان أولى ثم يأتي بعد ذلك الرؤية ولوازمها، الأصل في باب الأسماء والصفات إثبات الصفة ثم التحول إلى إثبات لوازمها والحديث عن آثارها.

    وقوله عز وجل (وحملناه) يعني نوحاً، (على ذات ألواح) أي خشب، (ودسر) أي مسامير، (تجري بأعيننا) تجري السفينة، (بأعيننا) أي بمرئى منا، وهذا يدل على إثبات صفة الرؤية لله - جل وعلا - والآية صريحة في إثبات العينين لله - جل وعلا - فالله - جل وعلا - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير،


    قوله:
    ( جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) أي نصرة ومجازاة لهؤلاء المؤمنين الذين كفر بهم قومهم ولم يؤمنوا بهم ولم يتبعوهم ونصبوا لهم العداوة والبغضاء، يأخذ من ذلك إثبات معية الله - جل وعلا - لعباده المؤمنين، ويؤخذ من ذلك نصر الله - جل وعلا - للموحدين، ويؤخذ من ذلك أن الجزاء من جنس العمل، فمن قام بنصر دين الله ووحد الله وأفرده، وبلغ دينه لمن لا يعلمه، وقضى بالحق وعدل، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فإن الله ينصره ويحفظه،


    وليس معنى النصر كما يتوهمه البعض أنه لا يطال بأذى هذا غير صحيح، فالله - جل وعلا- قال
    (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا) ومن الأنبياء من قتل وسماه الله نصراً؛ قال تعالى (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) النصر الحقيقي ليس هو النصر العسكري؛ النصر العسكري أحد معاني النصر، أعظم أنواع النصر هو انتصار المبادئ؛ أن تبقى المبادئ، وأن تثبت القلوب أمام طوفان الفتن والشبهات والمتسلطين؛ فحين امتحن الناس في عصر الإمام أحمد - رحمه الله - ولم يبق من الأئمة من لم يجب إلا القليل، وهؤلاء القليل حين زاد البلاء منهم من أجاب؛ كيحيى بن معين وعلي بن المديني وأبي معمر وأحمد بن منيع وآخرين، ومنهم من قتل كالخزاعي ومنهم من مات كمحمد بن نوح، فلم يبق إلا الإمام أحمد فقال بعض أصحابه "يا أبا عبد الله! ألم ترى كيف انتصر الباطل على الحق؟" قال كلا كلا ما انتصر الباطل على الحق، ما دامت القلوب ثابتة فالحق هو المنتصر.

    من رام نيل العز فليصطبر على

    لقاء المنايا واقتحام المضايق

    فإن تكن الأيام رنقن مشربي

    وثلمن حدي بالخطوب الطوارق


    فما غيرتني محنة عن خليقتي

    وما حولتني خدعة عن طرائقي


    ولكنـني بـاق على ما يسـرني


    ويغضـب أعدائي ويـرضي أصـادقي


    لم يرد في القرآن (وذلك الفوز الكبير)إلا آية واحدة؛ في سورة البروج، ما فيه ذلك الفوز الكبير، فيه وذلك الفوز العظيم، ذلك هو الفوز العظيم، وذلك هو الفوز العظيم، وبكثرة لكن وذلك هو الفوز الكبير؛ قيلت في أصحاب الأخدود الذين أبيدوا عن آخرهم ولم يبق منهم أحد، لأن هؤلاء انتصروا لمبادئهم؛ حتى إن المرأة لما أرادوا إلقاءها في النار وتقاعست أنطق الله صبيها قال يا أماه اثبتي فإنك على الحق؛ فألقت بنفسها، فهذا النصر وهذا الفوز الحقيقي، لأن الدنيا ساعة فلابد أن نجعلها طاعة،

    وقوله - جل وعلا -
    (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)

    (وألقيت عليك)
    أي على موسى.

    (محبة مني) قال بعض السلف: ليس الشأن أن تُحِب، ولكن الشأن أن تُحَب، لأن أن تحب الله هو فرض عليك؛ لأنه من لا يحب الله ليس بمسلم، لكن الشأن أن يحبك الله هل رضي قولك وعملك أم لا؟ لذلك في الحديث القدسي الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه - جل وعلا - «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) لذلك قال صلى الله عليه وسلم «لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله».


    وفيه فضيلة لموسى فهو كليم الرحمن، (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) وأمته أكثر الأمم تابعاً بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،

    قوله (ولتصنع) أي ولتخلق وتتم تربيتك، (علي عيني) فيه إثبات صفة العينين لله - جل وعلا - وبمعنى على مرئى مني؛ فلا يغيب عن الله شيء؛ لا صغير ولا كبير، وقد خُصَّ موسى بالذكر لعظيم قدر موسى فيه إثبات معية الله - جل وعلا -.


    والمعية نوعان:

    1-معية بالعلم وهذه عامة
    وسيأتي الحديث عن ذلك.
    2-ومعية خاصة
    معية حفظ نصر تأييد وتكون للأنبياء والمسلمين وأتباعه إلى يوم الدين.


    الأشاعرة ومن قبل المعتزلة ومن قبل الجهمية يحرفون ذلك ولا يؤمنون بإثبات صفة العين لله - جل وعلا - ويصرفون اللفظ عن ظاهره؛ فمنهم من يقول بالمجاز، وتقدم الحديث عن المجاز وأنه ليس في القرآن مجاز، وأن ما وجد مما يوهم ذلك هي ألفظ عربية كقول الله - جل وعلا -(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) وأن الجناح في اللغة يطلق على الجانب، الأسلوب العربي له أكثر من معنى؛ فحين يكون اللفظ له أكثر من معنى لا يعلم له مجاز، فإن هذا من الأساليب العربية المشهورة في لغات العرب، وتقدم الحديث أن من قال بالمجاز من أهل السنة في القرآن لا يقول بالمجاز في الأسماء والصفات؛ لأن المجاز هو ما يمكن نفيه، أو ما ليس بحقيقة؛ ألفاظها ومعانيها، ولا يختلف العلماء في إثبات البصر لله - جل وعلا -

    قال تعالى
    ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )( وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) إثبات الرؤية ( الَّذِي يَرَاكَ ) وفيه إثبات الرؤية، إثبات البصر، إثبات العينين، وأهل السنة يثبتون ذلك حقيقة؛ ولا ينفون عن الله صفة جاءت في الكتاب لشناعة شنعت وأهل البدع يسمون أهل السنة مجسمة، يسمونهم حشوية؛ يريدون التنفير عنهم، وهذا لا يعني التنازل عن الحقائق لأجل أهل البدع وأهل الضلال وهذا عام في كل قضية؛ سواء في الأسماء والصفات أو في باب السير والسلوك أو في باب الفكر أو في باب التصور أو في غير ذلك، حينما تعظم الحملة على أهل الحق لا يجوز التنازل عن المبادئ لمثل هذه الحملات، وفي مثل هذه الحملات يتميز المؤمنون الصادقون من الآخرين الذين يعبدون الله على حرف.


    وقوله - جل وعلا - (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (قد) حرف تحقيق، (قد سمع الله) فيه إثبات صفة السمع لله - جل وعلا -، (قول التي تجادلك في زوجها) تجادلك وهي خولة (في زوجها) أوس بن الصامت.


    تقول عائشة - رضي الله عنها - الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات؛ لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قريبة من الحجرة ويخفى عليَّ بعض كلامها، وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) أكرر دائماً أنه لا يكفي مجرد الإيمان بالألفاظ والمعاني حتى نؤمن أيضاً ونطبق ذلك في الآثار،


    فإذا كنا نثبت لله السمع وأنه يسمع ونؤمن بذلك ولا نحرف، إذاً إذا أردنا أن نعصي الله يجب أن نعلم أنه يسمعنا، إذا أردنا أن نتناجى بالباطل نستحضر سمع الله، إذا أردنا أن نغتاب نستحضر سمع الله، حين تريد أن تغتاب شخصاً وهو قريب منك لا تغتابه، قد تهمس في أذن صاحبك، طيب الله يراك ويسمعك، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك، والذين يؤمنون بذلك حقيقة كلما قوي إيمانهم كلما تمثل هذا في آثارهم وسلوكهم وواقعهم ولا تصلح المجتمعات إلى بذلك،


    ولذلك كان أئمة السلف يعنون عناية كبيرة بدراسة الأسماء والصفات، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع بتوسع في دروس ماضية وواقع أمة السلف في هذا الباب وأن هذا يتمثل في أعمالهم وجوارحهم وسلوكهم وهذا الذي ميز الصحابة عن غيرهم، كانوا يؤمنون بذلك وفي نفس الوقت لم يكن حديثهم عن هذا الباب كحديث المتأخرين، ومع ذلك يطبقون ذلك عملياً ترى هذا عملياً في واقعهم، فلذلك لا يراهم الله حيث نهاهم، ولا يفقدهم حيث أمرهم فهم يتسابقون إلى الخيرات ويتنافسون على فعل الطاعات.



    قوله - جل وعلا - ( وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ) تأكيد في إثبات السمع؛ الأول للماضي وهذا للمضارع، (والله يسمع تحاوركما) أي تخطبكما والمجادلة بينكما، (إن الله سميع بصير) أكد الله ذلك، سميع لكلامكم، مهما تسرون ومهما تعلنون، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) بلى نسمع وفي نفس الوقت (وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) فقوله (سميع بصير) كقوله - جل وعلا - (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فيه إثبات صفة السمع لله، وإثبات صفة البصر لله - جل وعلا -.


    وقد ثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)ووضع إصبعاً على أذنه وإصبعاً على عينه» .


    قال العلامة بن القيم
    - رحمه الله تعالى - يراد من ذلك إثبات الحقيقة، وقد اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في فعل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ منهم من قال ذلك بالجواز فيهم أبو هريرة وكان يفعله، والأعمش؛ وكان الأعمش إذا حدث إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يشير بإصبعيه، يريدون إثبات الحقيقة وأن الأصابع حقيقة؛ لا يريدون التشبيه ولا التمثيل - حاشاهم من ذلك-.

    القول الثاني في المسألة
    : أن هذا لا يجوز مطلقاً وأن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - حين رأى رجلاً يقرأ قول الله - جل وعلا - (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ) بسط يده وقبضها غضب عليه وقال: قطع الله يدك، قطع الله يدك، قطع الله يدك، ثم نهض الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - من المجلس وتركه.

    القول الثالث في المسألة
    - هذه الأقوال كلها من أقوال أهل السنة -: التفصيل؛ ما جاء النص به فلا حرج من فعله بشرطين:

    1- أن يقصد إثبات الحقيقة.
    2- أن يكون في مجتمع يفهمون ويعوون، وأما إذا كان في مجتمع لا يفهمون ولا يعوون أو في أخلاط أو فيهم عامة أو قد يفتن الإنسان في دينه، أو في عقيدته أو لا يعلمون هذه الأحاديث فإنه يبتعد عن ذلك، ويتكلم بلسانه دون فعله.


    وقوله - جل وعلا - (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) اليهود يقولون حين أنزل الله - جل وعلا - (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) يقولون: أن الله يستقرضنا فهو فقير ونحن أغنياء، فلا يفهمون معنى (من ذا الذي يقرض الله) وأن المعنى تصدق وابذل الخير وأن الله ينميه له ويزيده (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) أي في الدنيا بالبدل وفي الآخرة بالأجر الجزيل والثواب الكبير، فأنزل الله - جل وعلا - ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ).


    قول الله - جل وعلا - عن اليهود (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) عطاءه كلام وعذابه كلام؛(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
    وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)
    وقال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).

    ولذلك جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر عن النبي
    صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه «يقول الله - جل وعلا - يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر» والله - جل وعلا - لا تختلط عليه الأصوات، اللغات الآن موجودة في المجتمعات بالآلاف؛ الآن فيه ما لا يقل عن خمسمائة ألف لغة؛ يسألون الله في صعيد واحد لا تختلط عليه أصواتهم؛ يسمعهم، ويجازيهم، وهم بمرئى من الله؛ هذا دليل على عظمة الله - جل وعلا - (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الكرسي الذي هو موضع القدمين وسع كرسيه السماوات والأرض(وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يثقله (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) وهو العلي الكبير، ألا له الخلق والأمر؟.


    وقوله - جل وعلا - (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) أي أيحسب هؤلاء حين يسرون أننا لا نسمع سرهم وحين يرفعون أصواتهم نسمعهم، لذلك قال بعض اليهود: إن كان الله يسمعنا إذا جهرنا سيسمعنا إذا أسررنا؛ دلهم على ذلك عقلهم؛ إن كان الله يسمعنا إذا جهرنا سيسمعنا إذا أسررنا، لأنه لا فرق بين هذا وذاك، ولذلك قال الله - جل وعلا - (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى) أي نسمعهم وفي نفس الوقت (ورسلنا لديهم يكتبون) دليل على عظمة الله، دليل على إثبات صفة السمع لله - جل وعلا -

    وهذا يبعث على البعد عن المعاصي، نؤمن بآثار ذلك؛ يعني لا نؤمن بمجرد اللفظ ونثبت لله السمع وفي نفس الوقت نعصي الله في نفس الوقت على رؤيا من الله وعلى مسمع من الله، إذاً من هم بمعصية فليستحضر رؤية الله له، من هم بغيبة فليستحضر سمع الله له فيرعوي عن هذا وذاك، وذلك المرأة حين قالت للرجل حين جلس بين فخذيها اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه - متفق على صحته - قام وتركها خوفاً من الله.


    إذا خلوت بريبة بظلمة

    والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحيي مـن نظـر الإله وقل لها

    إن الـذي خلـق الظـلام يــرانـي



    وقوله - جل وعلا - (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) فيه إثبات المعية؛ معية حفظ ونصر وتأييد وكلاءة، (أسمع وأرى)؛ فيه إثبات صفة الرؤية، إثبات صفة السمع لله - جل وعلا - وأهل السنة لا يختلفون في إثبات ذلك؛ خلافاً لأهل البدع يؤولون ذلك إما بالمجاز وتقدم الجواب عن ذلك، أو يحرفون الكلم عن مواضعه؛ ويَعدلون بلفظ عن لفظ آخر؛ فهم يشبهون أولاً ثم يعطلون ثانياً ثم يشبهون ثالثاً.




    * * * *

    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:50:24

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط رقم 7


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية.

    إثبات صفة السمع والبصر، ولم يقل واحد وربك لا يسمع ولا يبصر.

    وقوله جل وعلا: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} فيه إثبات صفة الرؤيا لله جل وعلا، ولم يقل أبو جهل: وربه لا يرى، بل كانوا يؤمنون بذلك، ويمتنعون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويجعلون لله شركاء، ووسائط، يسألونهم إغاثة اللهفان وإزالة الكربات ومعافاة ذوي البليات، فيه إثبات صفة الرؤيا لله جل وعلا، وفيه أنه يذكر العبد العاصي برؤية الله له، وبأن الله مطلع عليه وراء لعمله وسامع لقوله حتى يؤدي به هذا الأمر إلى ترك الذنب والإقلاع عنه.


    والمتأمل في القرآن يجد الله جل وعلا يذكر العباد بربهم، حين يقعون في المعصية، {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} فربط الناس بالآخرة أولى ، يعني بعض الناس الآن إذا أراد أن يتكلم عن حرمة الفاحشة، يتكلم عن مرض الإيدز وأنه كذا وكذا، هذا جيد لا حرج منه، لكن يكون قبل ذلك التذكير بالآخرة، باليوم الآخر لأنه إذا لم يردعه اليوم الآخر لا أظن أن يرتدع بهذا المرض؛ لأنه قد يكون هذا المرض يشفى فلا يرتدع بهذا المرض فبالتالي يظل على هذا الذنب،

    لكن لو يعلم أن الله مجازيه وأن الله جل وعلا الذي خلقه يميته ويبعثه وأن الله جل وعلا يعاقب على ذلك وأن الله رتب على هذا الذنب عقوبة عظيمة كذا وكذا، إذا لم يرتدع بهذا، قد لا يرتدع بالمرض، نعم قد يرتدع في المرة الأخرى لكن سرعان ما يعاود الذنب إذا علم أنه لا يصاب بكذا وكذا، فلذلك يتأمل في دعوة الأنبياء يخوفون قومهم بالله واليوم الآخر، وهذا الأصل في الدعوة، ولا مانع أن تورد الأمور الأخرى التي يعقلونها ويفهمونها بأن هذا يسبب كذا ويسبب كذا، هذا لا حرج منه.



    وقوله جل وعلا:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} فيه إثبات صفة الرؤيا لله جل وعلا وأن الله يرى وأن الله يبصر ولا يختلف أهل السنة في ذلك، ومن فسر الرؤيا بالعلم، فقد خالف كتاب الله، وخالف سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأشاعرة يثبتون العلم، على تحريف بينهم في ذلك واضطراب في هذا الباب، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.

    هو العليم أحاط علما بالذي

    في الكون من سر ومن إعلاني

    وبكل شيء علمه سبحانه


    فهو العليم وليس ذا نسياني



    فالذين يقولون أن المعنى بالرؤيا العلم، يخالفون ظاهر القرآن يخالفون السنة يخالفون العقل ويلحدون في أسماء الله وآياته؛ لأن المعنى يكون إنني معكم أسمع وأعلم، وهذا ظلال، ومكابرة في صرف الأدلة عن ظواهرها لأن الله عليم ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ثم أن هذا صرف للفظ عن ظاهره، ثم إن الرؤيا غير العلم، ثم أنه لا يكون في السياق بلاغة وفصاحة وأتى معنى مغاير، ثم أنه لا يختص بهذا واحد عن الآخر بالعلم،

    فهذا يقول في تفسير قوله جل وعلا:
    {الَّذِي يَرَاكَ}: الذي يعلم حين تقوم، يعلم ويعلم غيره لا يختص بذلك، وكذلك في الرؤيا، يراك ويرى غيره، ولكن هذا لإثبات المعية المقتضية للحفظ والنصر والتأييد وفي نفس الوقت هي إشارة إلى أن الله جل وعلا يرى كل من يدب على وجه الأرض، فالذي يفعل شيئا فإن الله يراه، ولا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء.


    قوله: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فيه إثبات صفة السمع وإثبات صفة العلم.

    وقوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ} فيه إثبات صفة الرؤيا.
    {
    عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} والله أعلم.


    الحديث عن الصفات الفعلية الاختيارية والصفات الذاتية، وتقدم منهج شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في هذه العقيدة وأنه يورد المتفق عليه بين أهل العلم، وله أراء أخرى لم يودعها في هذه الرسالة لوجود الاختلاف بين العلماء، وأنا وضحت ذلك بالأمس على كون شيخ الإسلام لم يورد في صفة الوجه{فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} لأن العلماء مختلفون في معنى هذه الآية، فأورد الأدلة الدالة على إثبات صفة الوجه التي لا يختلف فيها العلماء وأهل السنة.


    قوله جل وعلا:{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}: وهو أي الرب جل وعلا، شديد المحال: أي الأخذ بقوة وبشدة، والله جل وعلا موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت الجمال، فما أطلقه الله على نفسه فهو صفة كمال، لا يلحقه عيب ولا نقص بأي وجه من الوجوه، وفي تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما رحمة الله: أي: لا يدخل في أسماءك وصفاتك.


    ولا يختلف العلماء ، أن الشر مخلوق لله كالخير، خلافًا للقدرية وطوائف من أهل البدع.

    ولكن الله جل وعلا يحب الخير، ولا يرضى لعباده الكفر والشر، {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، وقال:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، فالرب جل وعلا شديد المحال أي الأخذ بقوة:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}.


    فالله جل وعلا يوصف بأنه شديد المحال، أي الأخذ بقوة وبشدة وقد قال لوط ما ذكره الله عنه: {أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} يعني: ربه جل وعلا.

    يؤخذ من هذه الآية إثبات توحيد الربوبية، ويؤخذ من ذلك إثبات الصفات لله جل وعلا، وهذا بدلالة التضمن، ويؤخذ من ذلك توحيد العبادة بدلالة الالتزام؛ لأن القوي الشديد الذي لا يعجزه شيء لا في الأرض ولا في السماء، {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} لا يثقله،{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} هو المستحق للعبادة لا يستحق العبادة غيره، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.


    تقدم الحديث عن دلالات المطابقة وهي ثلاث:

    دلالة الالتزام، ماذا دلالة الالتزام ؟ دلالة تدلنا على معنى خارج لازم بالمعنى.


    ودلالة تضمن
    : دلالة تضمن ماذا ؟ وهي دلالة على بعض منه،

    دلالة المطابقة : دلالة تدل على كل المعاني، صحيح.



    وقوله تعالى: {وَمَكَرُوا} الإشارة إلى الذين سعوا جاهدين لقتل عيسى وصلبه، فهم يمكرون ويكيدون ويريدون قتل أنبياء الله، وتحويل بلاد المسلمين على حسب أهوائهم وأمزجتهم، ويعبدون الهوى، فهم يمكرون في ذلك قال الله جل وعلا: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} حين كانوا يمكرون مَكَرَ الله بهم، فالله جل وعلا يمكر على وجه المجازاة للآخرين.

    قال ابن القيم
    رحمه الله تعالى: المكر والاستهزاء والكيد منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، ولا يطلق على الله من ذلك إلا ما هو محمود، فالله جل وعلا موصوف بصفات الكمال.

    أمر آخر قرره ابن القيم: أن الله جل وعلا لا يوصف بلفظ أو بوصف المكر المطلق إلا على وجه المجازاة والمقابلة.



    قوله:{وَمَكَرَ اللَّهُ} أي قابلهم وجزاهم على صنيعهم بمكرهم، وأهل السنة يطلقون هذا اللفظ على الله بهذا المعنى وتقدم قبل قليل أن ما أطلق الله على نفسه فهو صفة كمال.

    وقوله جل وعلا: {وَمَكَرُوا مَكْرًا}، وَمَكَرُوا مَكْرًا: مكرًا توكيد الأول، إشارة إلى توغل المكر في نفوسهم، وإلى السعي الحثيث في إيجاد المكر بأولياء الله وأنبياء الله ورسله والصالحين من عباد الله فلذلك وصف مكرهم بالمصدرية فقال الله جل وعلا: {وَمَكَرُوا مَكْرًا}، لكن ماذا قال الله جل وعلا:{وَمَكَرُوا مَكْرًا} أكبر وأشد وأنكى من مكرهم، ومن كان الله معه فلا يضره مكر الذين يمكرون، قال الله جل وعلا: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.


    قوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي لا يشعرون باستدراج الله لهم، ومكره بهم، وجعل العاقبة للمؤمنين، والنكال على الكافرين والمعرضين،

    فيؤخذ من ذلك:
    ضرورة التعلق بالله جل وعلا، ومن كان الله معه فلو اجتمع الجن والإنس منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة لا يستطيعونه بشيء، وفي حديث حنش الصنعاني عن ابن عباس أن النبي
    صلى الله عليه وسلم قال:«واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لن يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»، قال أبو عيسى رحمه الله تعالى هذا حديث حسن صحيح.


    تحدثت بالأمس وقبل الأمس أيضا عن دراسة وأهمية دراسة الأسماء والصفات ومعرفة خطورة وترتب أسبابها، والإنسان كي يعلم ويثبت لله صفة المغفرة يكون متصف بهذا الوصف، الرحمة يكون رحيما، وأما أنه يثبت الألفاظ وقد يؤمن بالمعاني ولكن لا تترتب هذه المعاني، والآثار على واقعه فهذا نقص في الإثبات؛ لأنه لو كان إثباته إثباتًا حقيقيا جازم بذلك لترتب الأثر هذا على واقعه،

    يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الفتاوى: ما عصى عبد ربه إلا بنقص إيمانه بالغيب، وكل ما قوي إيمانه كلما قلت معصيته، وكلما ضعف إيمانه كلما كانت معصيته أكبر، بدليل أن العبد، لا يعصي الله بحضرة من يستحي منه، ولكن حين يخلو يعصي الله، هذا دليل على نقص إيمانه بالغيب، لو كان يستحضر، سمع الله له، ورؤية الله له لما عصى الله، كما لم يعص الله في حضرة وجود فلان وعلان.



    قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} أي: يكيد هؤلاء الكفار والمنافقين يكيدون لدين الله وللمؤمنين، ويريدون إلحاق الضرر، بحوزة الإسلام، والدين الحق، ويريدون سلخ المسلمين عن مبادئهم، وعن عقائدهم، ويريدون تركيعهم للشهوات وعباد الصليب، ولكن الله جل وعلا يقابلهم على كيدهم ومكرهم، بقوله: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} أي: أستدرجهم بذنوبهم وبأفعالهم ثم آخذهم،{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}، وأهل السنة يثبتون لله جل وعلا صفة الكيد على وجه المقابلة، والمجازاة للذين يريدون الكيد، للإسلام وللمؤمنين.


    وهذا يبعث أيضًا على الإيمان بالله والتعلق به، وهذا يعني إثبات الصفات لله جل وعلا، ويعني إثبات توحيد الربوبية، ويعني إثبات توحيد الإلهية ويعني إثبات توحيد الأسماء والصفات.


    وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ليس في القرآن آية ولا حرف منه إلا وهو دال على الله جل وعلا، بدلالة التضمن أو بدلالة المطابقة أو بدلالة الالتزام، ما هناك آية، حتى الحرف "قاف" دال على الله من يتكلم به من قال قاف، هو الله، إثبات صفة الكلام لأنه تكلم، والمتكلم إذا موجود، إثبات توحيد الربوبية، والذي خاطبنا بذلك هو المستحق بالعبادة، ما هناك حرف في القرآن إلا وهو دال على الله، ولعل هذا هو معنى قول الله جل وعلا: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.


    والتأمل في القرآن ومعرفة المعاني، والإيمان بالأسماء والصفات ودراسة ذلك يترتب عليه أثر عظيم وهو التعلق بالله وزيادة في الإيمان، ومعرفة الله حق المعرفة، والذين يعرفون ذلك تكون عبادتهم أخلص وأقوى من عبادة الذين يجهلون ذلك، وكلما كان إيمان العبد بذلك أتم كان بأمر الله أقوم، وله أخلص ولفعل الأوامر أسرع، ولذلك قال الله جل وعلا عن بعض أنبيائه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.


    وقد ذكر بعض السلف عن محمد بن واسع، لو قيل له تموت الليلة ما زاد على عمله، لأنه مستعد لهذا اليوم
    .


    وقوله جل وعلا: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا} الخطاب للناس، {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا} ويخص من ذلك المؤمنون؛ لأن الخير لا يقبل إلا إذا كان خالصًا صوابًا، أما الكافر إذا عمل الخير فليطعمه في الدنيا، كما جاء في صحيح الإمام مسلم.

    {
    أَوْ تُخْفُوهُ} فيه إثبات صفة العلم لله جل وعلا، يستوي الإسرار والجهر، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} بلى، بلى أي نسمع، وفي نفس الوقت، {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.
    وفيه إثبات صفة القدرة لله جل وعلا.


    قوله: {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ}فيه فضيلة العفو، وحين يتصف المخلوق بذلك فالله أولى بالأمر ولذلك تأمل في ختم الآية ماذا قال الله جل وعلا{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}إذا كنتم تعفون، فإن الله يعفو مع القدرة وأنتم تعفون مع العجز، تأمل في المراد في ختم الآيات، وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في جلاء الأفهام، وقال: أنه لا تختم آية في القرآن إلا ولها ارتباط بالمعنى وذكر حكاية عن أعرابي سمع قارئ يقرأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غفور رحيم} قال الأعرابي: هذا ليس بكلام الله، فغضب عليه القارئ قال: أعرابي جاهل تكذب بكلام الله، وأنا قارئ، قال إذن أعد الآية:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} قال نعم: هذا كلام الله، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع، بل عز وما رحم فقطع، أن الله عزيز حكيم،

    وهو العزيز فلن يرام جنابه

    أنى يرام جناب ذي السلطان

    وهو العزيز القاهر الغلاب لم

    يغلبه شيء هذه صفتان

    وهو العزيز بقوة هي وصفه

    فالعز حينئذ ثلاث معان



    ويؤخذ من ذلك إثبات صفة العفو لله جل وعلا، وهو أعم من المغفرة، العفو أعم من المغفرة.

    ويؤخذ إثبات صفة القدرة لله جل وعلا، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، والذين يؤمنون بذلك يجب أن تتمثل فيهم صفة العفو{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} دعاهم إلى العفو، الشافعي يقول:

    فلما عفوت ولم أحقد على أحد

    أرحت نفسي من هم العداوات

    إني أحيي عدوي عند رؤيته

    لأردع الشر عني بالتحيات



    وقد ذكر شيخ الإسلام قبل ذلك، حين قدر النبي صلى الله عليه وسلم على الطلقاء فعفا عنهم، هذا هو التمثل الحقيقي في معرفة وصفات أسماء الله وصفاته، تأمل في واقع الصحابة، تأمل في واقع التابعين، تأمل في زمان الإمام أحمد حين أوذي وسجن عفا عن كل من ظلمه، تأمل في واقع ابن تيمية رحمه الله تعالى حين أذوي وسجن وأفتي بقتله، وحين دعاه السلطان وقال: ما تريد أن أصنع بهؤلاء؟ عفا عنهم، عفو مع القدرة أيضًا، وهو يستطيع أن يفتي السلطان بقتلهم.


    أولاً:
    ناتج عن نقاوة القلوب.

    الأمر الثاني:
    ناتج عن معرفة الدنيا وحقيقتها وتقلبها.

    الأمر الثالث:
    ناتج عن حقيقة الإيمان والإمعان في أسماء الله وصفاته.

    الأمر الرابع:
    ناتج أيضًا عن مراعاة باب المصالح والمفاسد.


    وقوله جل وعلا: {وَلْيَعْفُوا} هذا أمر من الله جل وعلا بالعفو، قد نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق حين حلف على أن لا ينفق على مسطح وهو بدري وهو ابن خالة أبي بكر الصديق وكان رجلا معدمًا فقيرا، يعيش على نفقة أبي بكر الصديق، وفي نفس الوقت، كانت له غلطة ومتابعة لرأس المنافقين عبد الله بن أبي، في وشايته وقذف عائشة بالإفك، حين علم أبي بكر بذلك أنه يسعى في استثارة الفتنة، قال والله لا أنفق عليه، أنفق عليه وهو ابن خالتي، وفي الآخر يجاوب مع المنافقين ضد النبي، وزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف أبو بكر ألا ينفق عليه، فأنزل الله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}،

    قال أبو بكر: بلى، فأعاد النفقة عليه، امتثالا ومسارعة لأمر الله جل وعلا، وليصفحوا أي يتجاوزوا كما قال جل وعلا في صفات المؤمنين:
    {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وبقدر ما تعفوا بقدر ما يتجاوز الناس عن هفواتك، بقدر ما تعفوا تلقائيًّا الناس يتجاوزون عن هفواتك، وبقدر ما تشتغل بتضخيم ..



    * * *


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:55:01

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط 8


    تعرف من صفات المؤمنين
    (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وبقدر ما تعفو بقدر ما يتجاوز الناس عن هفواتك، بقدر ما تعفو -تلقائياً- الناس يتجاوزون عن هفواتك، وبقدر ما تشتغل بتفصيل هفوات الناس والنكاية بهم ومطاردتهم في أموالهم وفي أفعالهم؛ بقدر ما يتتبع الناس ذلك منك، وحينئذ تعرف قدر العفو والصفح عن العباد.


    الشاهد في سياق الآية(أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)فيه إثبات صفة المغفرة لله -جل وعلا-، (وَاللَّهُ غَفُورٌ) فيه إثبات صفة المغفرة أيضاً، وإثبات اسم الغفور لله -جل وعلا-، (رَحِيمٌ) تقدم الحديث عن صفات الرحمة لله -جل وعلا.


    الحمد لله رب العالمين:

    قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- في الحديث عن أسماء الله وصفاته وتقرير ذلك بأدلته من الكتاب والسنة، وقد بدأ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- الحديث عن ذلك بأدلة القرآن، وحينما يفرغ من ذلك يورد الأدلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكي يعلم المسلم أن هذا الباب مبني علي الكتاب والسنة، ولا دخل للعقل ولا للقياس في إثبات اسم أو صفة لله تعالى.


    وفي نفس الوقت هذه الأسماء والصفات المذكورة في كتاب الله والتي يعلمها صبيان أهل التوحيد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الناس على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة ويخبرهم بأن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن، ولم يكن أحد منهم يستشكل شيئاً من ذلك؛ بل يؤمنون به، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل؛ لأن الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.


    فقوله -جل وعلا- (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ)(ولله) جار ومجرور خبر مقدم، (العزة) مبتدأ مؤخر، وتقديم الخبر على المبتدأ يفيد حصر مطلق العزة لله -جل وعلا- وأن المؤمن يكتسب عزته من عزةِ الله؛ وذلك باتباعه للكتاب والسنة،(وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) فلا كرامة لأحد إلا بالإسلام، ولا كرامة لأهل الإسلام إلا بالتمسك به، ومن ابتغي العزة بغير طاعة الله وبغير طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أذله الله ،وجعل فيه الذلة والصغار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري».


    وقال تعالى (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) والعزة في صفات الله -جل وعلا- لها ثلاثة معاني؛ نظمها الإمام بن القيم -رحمه الله تعالى- في نونيته فقال:


    وهو العزيز فلن يرام جنابه

    أنى يرام جناب ذي السلطان

    وهو العزيز القاهر الغلاب لم

    يغلبه شيء هذه صفتــان

    وهو العزيز بقوة هي وصفه

    فالعز حينئــذ ثلاث معان


    فالعزيز اسمه، والعزة صفته، قال الله -جل وعلا- (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ).


    وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه -والخبر في صحيح مسلم- «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في النار». فقوله (ولله العزة) يفهم من ذلك إثبات صفة العزة لله، قوله (ولرسوله) فيه إثبات العزة أيضاً للرسول، (وللمؤمنين) وعزة هذا غير عزة هذا، فكما نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات، نثبت لله صفة لا تشبه الصفات، ونثبت لله عزة لا تشبه عزة غيره، لأن هذا الخالق وهذا مخلوق.


    ويؤخذ من ذلك مشروعية البحث عن العزة؛ والمؤمن لا قيمة له بدون عزة، وقد كان أئمة السلف يربون أبناءهم على العزة حتى يتشرَّب الطفل العزةَ من صغره فلا يمتهنه أحد في كبره.

    والعزة تتمثل في عدة أمور:

    الأمر الأول
    : تتمثل بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الأمر الثاني:
    العزة تتمثل بقوة الشخصية والمسارعة إلى ما يحبه الله.

    الأمر الثالث:
    تتمثل العزة بالبعد عن طاعة المخلوق في معصية الخالق؛ فمن أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فلا عزة عنده ولا قيمة له؛ لأنه قدم رضا المخلوق على رضا الخالق، والطاعة في المعروف.


    ومن معاني العزة التعلق بالله؛ فمن تعلق بالله كان عزيزا، ومن تعلق بالمخلوق كان ذليلاً وإن كان كبيراً في منصبه؛ لأن العزة الحقيقية تتمثل بقوة القلب وتعلقه بالله -جل وعلا-

    إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى

    تعلق بالرب الكريم رجــاؤه

    فأصبـح حـراً عـزةً وقناعـةً

    على وجهه أنــواره وضياؤه

    وإن علقت بالخلق أطماع نفسـه

    فباعد ما يرجو وطـال عناؤه

    فلا ترجُ إلى الله في الخطب وحده

    ولو صح في حل الصباح صباحه


    ومن معاني العزة: الصبر على البلاء والشكر في الرخاء، والأصل في المسلم إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له؛ فيتقلب في معاني العزة في السراء والضراء، فليس من أصابته شدة أو فاقة أو لحقه ضرر أو عدوان من الآخرين أصبح ذليلاً، لا؛ الذليل هو من رق قلبه لغير الله، ومن لجأ بفؤاده إلى غيره ؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم مرت عليه مرحلة كان مطارداً؛ تارة بالاختفاء في غار حراء، ثم هروب من مكة إلى الطائف، ثم جوار؛ لم يدخل مكة إلى بجوار المطعم بن عدي المشرك، ثم أخرج من مكة إلى المدينة؛ فيتقلب في معاني العزة.


    وقوله -جل وعلا- عن إبليس (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) إبليس يعرف ربه؛ فقد كان من المقربين، ولم يكن من الملائكة الطيبين؛ فإن الملائكة مخلوقون من نور، والأحاديث في ذلك متواترة، وإبليس هو أبو الجن، خلق من نار؛ بنص القرآن.


    وقوله -جل وعلا- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) إبليس هنا استثناء منقطع وليس متصلاً؛ فإبليس ليس من جنس الملائكة بدليل قول الله -جل وعلا- في سورة الكهف (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) هذه الآية صريحة في كون إبليس من الجن، وهذه الآية دلالة وموضحة للآيات المجملة (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ).


    سمى بهذا الاسم؛ قيل لأنه أبلس من الخير، وقيل لأنه أبلس من رحمة الله -جل وعلا-، قال إبليس (فبعزتك) يقسم بالله، فقبح الله رجلاً إبليس أعلم منه بربه؛ الجاهل من أهل البدع يقسم بالبدوي أو يقسم بالنبي أو يقسم بالمخلوق؛ هذا لا يعرف ربه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وغيره وأصله في الصحيحين وهو: «لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو يصمت»


    ويفهم من ذلك جواز القسم بصفة من صفات الله إذا أضيفت إلى الذات؛ تقدم التفريق بين الصفات اللازمة والصفات المتعدية، وتقدم التفريق بين الدعاء المحض وبين الاستعاذة والاستغاثة؛ وإن كان هذا نوعاً من أنواع الطلب إلا أن الطلب المحض يختلف عن الاستغاثة وغير ذلك، وفي نفس الوقت يختلف الحلف عن غيره.


    (فبعزتك) لا يجوز الحلف إلا بالله -جل وعلا-، (لأغوينهم أجمعين) الشاهد من ذلك فبعزتك، هذا دليل أن العزة صفة من صفات الله، فلا يجوز الحلف بالمخلوق، وصفات الله -جل وعلا- من الله ليست بمخلوقة باتفاق المسلمين، وأما إبليس فإنه لا يقدر على إغواء العالمين، ولذلك استمع ، قال :(إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم والخبر في صحيح مسلم «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم» معنى هذا أن الشيطان يئس أن يطبق الناس كلهم على عبادة الأوثان وعلى دعاء غير الله، ولا يفهم من ذلك أن لا توجد بقية يعبدون غير الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة» والخبر متفق على صحته، ولقوله صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» .


    وقيل المعنى أن الشيطان هو يئس، ويأسه ليس بمعصوم، فهو يظن بئس ما ظن.

    يؤخذ من ذلك الحذر من نزغات الشيطان وخطواته(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) .

    وقال تعالى:(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) فالشيطان ينزغ بين العباد، فالاستعاذة منه تنأي بالعبد عن نزغاته وخطواته، ويؤخذ من ذلك إثبات صفة العزة لله -جل وعلا .


    وقوله -جل وعلا-(تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فقوله -جل وعلا- (تبارك) لا يطلق إلا على الله -جل وعلا-(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه) (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) وهذا لا يختلف فيه العلماء؛ فلا يصح قول العبد تبارك فلان أو تبارك ماله أو تبارك بيته، وأهل العلم يفرقون بين بارك وتبارك؛ فالمخلوق قد يكون مباركاً (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ) لا حرج أن تقول فلان فيه بركة، ويقال مبارك وفعل ذلك بارك؛ بارك يبارك مباركة، تبارك لا يطلق إلا على الله -جل وعلا-، فلا يصح أن تشتق منه المضارع يتباركون تباركاً؛ لأن هذا يطلق على الله -جل وعلا-، ومعنى تبارك أي تعاظم وتعالى.


    فالله عظيم، وهو العليُّ الأعلى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) علو الذات وعل القدر وعلو الشرف، فلله -جل وعلا- جميع أنواع العلو.


    قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ) (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ).

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: «أين الله» قالت (في السماء)، وهذا أمر فطري؛ فقد فطر الله عليه عباده، والناس الآن مؤمنهم وكافرهم متجاوبون مع هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته.


    وحين استطرد الإمام ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية) في مسألة العلو كرر الحديث عن إثبات ذلك في الحيوانات والبهائم والطيور والحشرات وأورد الأمثلة على ذلك والأدلة، فقوله -جل وعلا- (باسم ربك) قال الله -جل وعلا- (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) أهل العلم تارة يبحثون مسألة هل الاسم هو المسمى أو غيره، فقالت طائفة الاسم هو المسمي، وقالت طائفة الاسم غير المسمى، والبعض يقول من قال أن الاسم هو المسمى مبتدع، والآخر يقول من لم يقل فهو مبتدع، والتحقيق التفصيل راجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، الحديث الآن عن إثبات ذلك لله -جل وعلا.


    ولا يختلف العلماء أن الله هو العزيز الغفار الرحيم الحكيم الخالق البارئ المصور؛ هذه أسماء لله -جل وعلا- فليس معنى إذا تعددت أن التعدد في الذوات، هذا ضلال، كفر بالله -جل وعلا-ولكن هذا للتعظيم؛ لعظمة الله له أسماء متعددة، وهذه الأسماء كل واحد منها يحمل معنى غير المعنى الآخر، وكلها دالة على الله.


    قوله (ربك) الرب هو المعبود، الرب هو الخالق الرازق المدبر، الرب هو المألوه محبة وتعظيماً وإجلالاً (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) وقد وصف هذا الرب -جل وعلا- بأنه (ذو الجلال والإكرام) الجلال: البهاء العظمة الكبرياء؛ فالله ذو الجلالة ولذلك كره بعض العلماء أن يقال للمخلوق صاحب الجلالة؛ يرون هذا مختصاً بالله -جل وعلا- لقوله (ذي الجلال والإكرام)، ومنهم من قال يختلف هذا عن ذاك؛ كما أن المخلوق يوصف بالعزة والله موصوف بذلك ،فهذا يختلف عن ذاك، فيقال المخلوق ذو جلالة بمعنى جلالة تليق به.


    وقوله (والإكرام) أي ذو الإكرام الذي يجب إكرامه، وذو الكرامة فالله أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، ولذلك جاء في الحديث «إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة وحامل القرآن» أي من تعظيم الله ومن تقديره واحترامه والقيام بحقه أن تكرم ذا الشيبة وحامل القرآن، ويؤخذ من ذلك إثبات الأسماء لله -جل وعلا-، وأهل السنة لا يختلفون في ذلك؛ يثبتون ذلك على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.


    وقوله -جل وعلا- (فَاعْبُدْهُ) هذا أمر بعبادته، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، والعبادة لا تسمى عبادة إلا بأمرين؛


    الأمر الأول: الحب لله -جل وعلا-؛ أن تؤدى العبادة محبة لله، فإن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع،

    الأمر الثاني:
    الذل؛ تكون ذليلاً الله؛ لأن الإنسان قد يكون ذليلاً للمخلوق ولا يحبه، وقد يحب المخلوق ولا يكون ذليلاً له، إذا اجتمع الأمران فلا يصحان إلا لله.


    وعبادة الرحمن غاية حبه

    مع ذل عابده هما حكمان

    وعليهما فلك العبادة دائرٌ

    ما دار حتى قامت القطبان

    ومداره بالأمر أمر رسوله

    لا بالهوى والنفس والشيطان

    فقوله (فاعبده) (وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) أي لازم عبادته؛ لأن بعض الناس يعبد الله؛ يؤدي العبادة؛ وهو على خير، ولكن سرعان ما ينقطع فيكون كالمنبت؛ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فالله أمر عباده أن يعبدوه وأمرهم بالاصطبار على ذلك(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) هناك شيء اسمه صبر على العبادة، وهناك شيء اسمه صبر عن المعصية، وهناك شيء اسمه صبر على الأقدار والمصائب، وما قدره الله عليك من المصائب ، فهذا صبر (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال علقمة (هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم).


    (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) هذا الشاهد؛ أي هل تعلم له سمياً يتسمى باسمه ويفعل كفعله؟ كلا؛ لا يتأتى هذا، فحين شقي مسيلمة الكذاب وأغواه الشيطان وأضله سواء السبيل؛ فنصب نفسه رحمن اليمامة ألبسه الله جلباب الكذب، ولا يعرف هذا الخبيث إلا بمسيلمة الكذاب؛ شيطان اليمامة، فقد تعلق به الاسم هذا، إذا قلنا من هو يقال مسيلمة الكذاب، كذلك أيضاً إذا بدأت بمسيلمة.


    وقوله -جل وعلا- أيضاً (أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) أي يفعل كفعله ويخلق كخلقه ويدبر كتدبيره ويقدر كقدرته؟ لا، ولذلك قال الله -جل وعلا-(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
    وقوله -جل وعلا- (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) بضم الفاء لأن بعض الناس من يقرأ بسكون الفاء، حفص عن عاصم بضم الفاء (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)أي ليس له كفوا أحد، ولا يفعل فعله أحد، ولا يقدر على قدرته أحد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) في كل شيء، وقد جزم غير واحد من العلماء وأهل اللغة أن اسم (أحد) في الإثبات لا يطلق إلا على الله، يطلق على المخلوق في النفي والنهي، أما في الإثبات فلا يطلق إلا على الله -جل وعلا- (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)في سياق النهي، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) في سياق النفي.


    وقد اعترض على هذا الحافظ ابن الحجر في فتح الباري وأورد دليلاً يفيد مجيء هذا في الإثبات، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم قال «لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرانس إلا أحد لا يجد النعلين » هذا على سبيل الإثبات، وربما يقال يطلق على وجه النادر.


    الشاهد من الآية إثبات العظمة لله -جل وعلا- وأن المخلوق يبقى مخلوقاً والخالق هو الخالق ،وتعظيمه ومعرفته بأسمائه وصفاته والتعرف إليهما، يمكن أن يزيد في الإيمان ويبعث على اليقين، من عرف الله حق المعرفة هان عليه كل شيء.


    وقوله -جل وعلا- (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا) الـ(لا) هنا ناهية،تجزم فعلاً بعدها، (أندادا) الند هو النظير والمثيل والشبيه، (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تعلمون أن لا خالق غيره، ولا رازق سواه، ويعلمون أنه لو مات شخص ما استطاع أن يحييه أحد، لأن الله هو الخالق، وأن الله هو الذي أوجدهم من العدم، إذاً كيف تعبدون مع الله إلهاً آخر؟ الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، الذي لا يخلق لا يستحق أن يكون معبوداً، والذي لا يقدر لا يستحق أن يكون خالقاً، قال الله -جل وعلا- (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)



    ********


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 19:59:00

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الشريط 9


    (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) بصيرة، هذا المخلوق الضعيف يأكل من رزق الله ويشرب من رزق الله وينعم برزق الله ويعيش على أرض الله، وتحت سماء الله، وحين يكبر يتمرد ينصب نفسه إلهًا مع الله ويستكبر عن طاعته، (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)

    قال الشافعي وغيره: أي: لا يؤمر ولا ينهى.



    فهو مأمور بالتوحيد ومنهي عن الشرك، لذلك الله جل وعلا يذكرهم بما أنعم عليهم من النعم، فقال: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

    يؤخذ من الآية أن الله ليس له نظير ولا مثل.

    قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ).

    وقال: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) يعني نفسك.

    وقال تعالى: (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ).

    في هذه الآية معنيان: (كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) قيل: يئس الكفار أي الأموات من أصحاب القبور الملائكة من الخروج،

    وقيل: يئس الكفار الذين هم على قيد الحياة من الأموات أن يجيبوهم حين يدعونهم أو يرزقوهم حين يسألونهم أو ينصروهم حين يستنصرون بهم، نقف على هذا والله أعلم.



    أسئلة

    طالب يسأل: بالنسبة لقول فلان فيه بركة فهو مبارك، فهل هذا يعني أن شهد الله بذلك؟

    الشيخ: لا لا، ما يختص، الشاهد ما في الصحيحين يقول: «ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر»: فمن ثبت لديه أن فلانا فيه خير وبركة لا حرج أن يصفه فلان مبارك، في هذا الجانب إن وصفته قل مبارك، مبارك من هذا الجانب وصفه قد يكون مبارك.

    المخلوق يوصف بذاك، لكن ليس وصفًا مطلقًا، نعم.


    طالب: جزاك الله خير، كيف نجمع بين العزة والتواضع؟

    الشيخ: لا مانع، الإنسان يكون عزيزا ويكون متواضعًا، كلما اكتسب الإنسان عزة كلما ازداد تواضعًا، لأن ضد التواضع الكبر وليس العزة، ينبغي أن نفرق بين الكبر وبين العزة.

    العزة تتمثل في عدة أمور ذكرتها قبل قليل لا داعي للإعادة، بخلاف الكبر الاستعلاء الترفع على طاعة الله الترفع على المخلوق رؤية النفس رؤية أننا لنا فضل على الآخرين، هذا ليس من العزة في شيء هذا من الصغار والذلة التي جعلها الله فيه، فلذلك حظي بالكبر الذي فلذلك أذله الله،

    ولذلك قال الله جل وعلا -في الحديث القدسي- :
    «الكبرياء ردائي فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في النار» هذا هو الكبر الذي هو من خصال إبليس، بخلاف العزة صفة من صفات الله ومن صفات الرسول ومن صفات المؤمنين، (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ) نعم.


    الطالب: (يسأل عن مقولة زارتنا البركة)

    الشيخ: زارتنا البركة ما تزور البركة، وإنما زار فعل ماضي ونحن قبل أسابيع تحدثنا عن كلمة: شاء القدر، وهذا غلط في اللفظ، لأن القدر لا مشيئة له، إنما تنسب المشيئة لمن تقوم به المشيئة ليس لمن يقوم بالمشيئة فإذًا البركة لا تزور، فإنما قال: حلت بي البركة، أو في البيت بركة بوجود فلان، وإن كان العامة يقولون زارتنا البركة يقصدون بالبركة هو فلان، لا يقصد ما قامت به ليكمل المعنى، فهذا غلط الأسلوب غلط، لكن المعنى واضح عند العامة ماذا يقصدون وما يعنون.


    طالب: يسأل حول اسم "العزيز" هل هو من الأسماء الخاصة.

    الشيخ: لا من الأسماء المشتركة العزيز، (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) هذا من الأسماء المشتركة ليس من الأسماء الخاصة، لكن هذا المعنى واضح.


    طالب: هل يجوز من قال فلان عظيم.

    الشيخ: هو لا حرج هذا تعظيم نسبي لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كتب لهرقل والخبر في الصحيحين، قال: «من محمد عبد الله ورسوله» هذا تواضع، من محمد عبد الله ورسوله، العلماء لما يقدم لأحد العلماء يسبق اسمه عدة ألقاب، فضيلة الشيخ الدكتور العالم وزير كذا، يفعل كذا وكذا وكذ، دائمًا من عنده نقص، يحاول يرقع هذا النقص بهذه الألقاب، وهذه قاعدة، أما الذي هو واثق من نفسه لا يحتاج يقول فلان ابن فلان، أحمد بن تيمية، قال أحمد، ما يسبق قال الإمام أحمد، ومع هذا قولنا: قال الإمام، أو قال أحمد هو في الحقيقة عظيم في النفوس، ليس بدكتور ولا أستاذ مشارك ولا ولا ولا ولا، ولا يحتاج إلى هذه الألقاب، يحتاج هذه الألقاب من كان عنده نقص، يحاول يعوض النقص بهذا اللقب، وهؤلاء هم أقل الناس بركة في المجتمع فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم أرسل: «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» دل على أنه لا حرج من وصف الرجل بالعظمة. نعم.


    (
    سؤال غير واضح)
    طالب: يسأل عن أركان العبادة ..

    الشيخ: من وجه تنقسم إلى شروط العبادة، أقسام العبادة، أو لوازم العبادة ومن وجه تنقسم إلى محبة وخوف ورجاء، ومن وجه آخر إلى إخلاص ومتابعة، من وجه آخر إلى محبة وذل كل هذه معاني صحيحة.


    طالب
    :...


    الشيخ: يعني هنا افتقار مثلاً ما هناك شيء يصح إلا بمحبة وخوف ورجاء، محبة لله، خوف من الله، رجاء لثواب الله، هذا نحو قول الله جل وعلا: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا)، ونقل معاني أخرى الذل والمحبة، الذل والمحبة تقدم، إن الله جل وعلا أمر بحبه فقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، يحبهم الله، يحبونه، وغير ذلك من الأدلة إلا لما يكون دليلاً أيضًا،

    وهذا ما قلنا به في الكتاب والسنة والإجماع، وهذا لا إشكال فيه واضح الأدلة من الافتقار، والخوف من الله وكلما خاف الإنسان من الله كلما كان له أذل، كلما عرف الله حق المعرفة كلما عرف قدرة الله كلما كان تواضعه له أعظم، وتعلقه بالله أكثر، الإخلاص من باب آخر،
    (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) المتابعة «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» من المعاني في هذا الدين أن محمدًا رسول الله فنأخذ كما قال ..: هذه المعاني من باب نأخذ من معنى آخر .. ومن معنى آخر نأخذ ... ومن معنى آخر نأخذ الباقية وهلم جرا لأن العبادة كما تقدم اسم جامع، لا بد أن تقوم بالعبادة على الوجه المطلوب ولا يتأتى الإتيان بالعبادة على الوجه المطلوب إلا حين يقوم بقلب الرجل وجوارحه ولسانه هذه المعاني معاني الإيمان، معاني الإسلام،

    لأن الإيمان نعرفه بأنه قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب اللسان والجوارح، فمن قامت في قلبه هذه المعاني حقيقة قوي إيمانه وصقل قلب.



    طالب: يا شيخ ما صحت حديث تسمية الشيطان أبا الحارث.

    الشيخ: لم يثبت حديث بتسمية الشيطان أبا الحارث، وهو ضعيف الحديث، والحارث لم يثبت بأنه اسم من أسماء الشيطان، وكذلك لم يثبت الحديث الآخر: (أصدقها حارث وهمام) هذا الحديث المهم ضعيف، أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن الثابت الحديث ثابت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر، وعند أبي داود عن نافع عن ابن عمر وهذا هو الثابت، (وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة) أيضًا ضعيف، الزيادة كلها ضعيف، فكان الثابت: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن » عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالحارث ليس من أسماء الشيطان، ولم يثبت في ذلك شيء.


    طالب: يقول جاء عند أبي داود وغيره؟

    الشيخ: ضعيف لانقطاعه. ...


    طالب: (سؤال غير واضح)
    الشيخ: نعم، حتى هنا فلا تجعلوا لله أنداد وأنتم تعلموا أنه هو الخالق الرازق.


    طالب: ....

    الشيخ: أي: فلا تضربون الأمثال بحيث أنهم يشبهون الله بخلقه.
    فالآية هذه توافق هذه الآية، ما فيه تنافر، ما التنافر، ما هو الإشكال عندك.


    طالب: ...

    الشيخ: فلا تجعلوا لله أنداد وأنتم تعلمون، وهنا: فلا تجعلوا لله أنداد وأنتم تعلمون، فلا تضربوا لله الأمثال، إن الله يعلم، وأنتم لا تعلمون حقيقة أمره أنتم وتعلمون أنه الخالق الرازق، إن كنتم تعلمون عظمته وقدرته حق المعرفة لما كان لكم لجوء إلى أو عبادة المخلوق وهذا لا يتصور عن عاقل، أعطاه الله سمعا وبصرا ويدرك فيعبد حجرا أو يعبد غير الله ويعلم أن الله هو الذي خلقه، إذن خلقه فكيف يعبد غيره؟ خلقك الله لتعبده إذن هذا لا يعلم عن عظمة الله ولا قدرة الله، فلذلك ليس معنى لا يعلم يعني لا يوافق، فرق بين نفي العلم عنه وأنه لا يوافق، فرق العبارتين.


    طالب: ...

    الشيخ: هو الأصل في الظاهر أنه لا يجوز تعليقه على المنع، الأصل يحرم على العبد أن يعلق الظاهر على حد، أو على منع، لكن إذا كان يقصد من ورائه الظاهر حقيقتًا.



    * * * *


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 20:02:59

    بسم الله الرحمن الرحيم




    الشريط 10


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
    «سرد الأدلة من كتاب الله على إثبات أسماء الله وصفاته»:

    وقد جهد رحمه الله في هذه العقيدة على ذكر المتفق عليه دون ما اختلف فيه، وقد أشار إلى هذا المعنى في كتابه: «مناظرة العقيدة الواسطية»؛ فهو كتاب جيد ومفيد، ونافعٌ في الحقيقة؛ لكونه المقصد من هذا الكتاب ومن هذه العقيدة، وهذا الكتاب موجود في كتاب الفتاوى.


    فقوله جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ): «من»: هنا تبعيضية، «من» ترد بيانية؛ كقول الله جل وعلا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ)؛ هنا «من» بيانية؛ أي: من جنس القرآن، فلا يختص الشفاء بآية دون أخرى, القرآن كله شفاء وهدى ونور وتبيان لكل شيء، وترد «من» تبعيضية؛ كقول الله جل وعلا: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ)؛ لم يقل ذلك كل الناس؛ قال ذلك بعضهم وكقول الله جل وعلا: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) فـ «من» هنا تبعيضية.


    قوله: (مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) الند: هو النظير والمثيل، (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)، أي: يحبون أندادهم كما يحبون الله؛ فقد أثبت الله له المحبة وذمهم على ذلك؛ لأنهم يشركون به غيره، ولذلك إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب هؤلاء.

    وقد أدى بهم هذا الحب الشركي إلى الغلو والإفراط في معبوداتهم؛ بحيث يقدمون رضا المخلوق على رضا الخالق، ومحبوبات المخلوق على محبوبات الخالق.


    وإذا تعارض لديهم أمران: أمر يحبه الله ويحبه الرسول صلى الله عليه وسلم وآخر تهواه نفوسهم، ويعتقدون انه محبوب لأوثانهم ومعبوداتهم؛ يقصون محبوبات الله، ويقدمون هوى النفس ومحبوبات الشيطان على رضا رب العالمين, وهذا نوع من أنواع الشرك الأكبر.


    الشرك الأكبر له مراتب متعددة، منها حب غير الله، كطاعة غير الله، كعبادة غير الله
    هناك بعض العلماء يقول: الشرك الأكبر أربع مراتب: شرك الدعوة، شرك المحبة، شرك الطاعة، شرك النية، والإرادة والقصد
    .

    وهم لا يقصدون من هذا التقسيم الحصر، يدخلون في هذه الأمور الأربعة ما عداها، ولكن يريدون من وراء هذا أن أمور الشرك تدور على هذه الأمور الأربعة، ولكن لو أدخلت في شرك الدعوة لدخل في ذلك كل شيء.


    قوله: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) أي: وحدوا وأخلصوا أعمالهم لله. (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)، أي: من أهل الأنداد لأندادهم.

    و لا يختلف العلماء أنه ليس الشأن أن تُحِب، وإنما الشأن أن تُحَب, ولذلك, فالله جل وعلا يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)؛ فهؤلاء يسارعون إلى محبة الله، وأثبت الله لهم المحبة؛ فمن سارع إلى رضا الله وإلى محبته، فإن الله يحبه؛ كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري وغيره: «ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه».


    قوله:(وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)؛ أي: من أهل الأنداد لأندادهم.

    يؤخذ من هذا إثبات فعل العبد
    ، والرد على أهل البدع، يؤخذ من هذا كذلك أن الله واحد في ربوبيته، ويجب أن يفرد في ألوهيته. ويؤخذ من هذا أن من أحب مخلوقًا وساوى محبته بمحبة الخالق أنه مشرك.

    يؤخذ من هذا أن أفعال العباد مخلوقة
    لله جل وعلا.

    ويؤخذ من هذا أن الله قدر الخير والشر، وأنهما مخلوقان لله
    .

    ويؤخذ من هذا بيان عظمة الله جل وعلا.

    ويؤخذ من هذا أهمية التوحيد، وأثره على النفوس والمجتمعات؛ فلا قيمة لأحد دون التوحيد، ومن لم يكن موحدًا لله, فالبهائم أحسن حالاً منه، بل قال الله جل وعلا: (أَضَلُّ سَبِيلًا)؛ فإن الله جل وعلا ما خلق الخلق من قلة, فيستكثر بهم, ولا من ضعف فيستنصر بهم، ولا من وحشة فيستأنس بهم، خلقهم لحكمة مذكورة في سورة الذاريات: (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ)، قدم الجن على الإنس؛ لأنهم أسبق خلقًا، (وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، قيل: أي: إلا ليوحدون، وهذا قول طائفة من أصحاب ابن عباس وغيرهم، وقيل كما قال مجاهد وجماعة: أي: إلا لآمرهم وأنهاهم والمعنيان متقاربان، يكمل كل منهما الآخر.


    إلا لآمرهم: أعلى الأمر هو الأمر التوحيد، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ): أي: وحدوا ربكم.

    وأعلى شيء نهى الله عنه نهي النهي عن الشرك
    : (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وحين سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، هذا متفق على صحته، كذلك في حديث ابن مسعود وفي حديث جابر: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة».


    وقوله جل وعلا: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ)؛ أي: وقل يا محمدصلى الله عليه وسلم، والأمر له أمر لأمته ما لم يرد تخصيص في ذلك وهذا قول عامة العلماء.

    (
    وَقُلِ الْحَمْدُ) الألف واللام للاستغراق؛ لاستغراق جميع المحامد، والحمد هو الثناء على الله جل وعلا في الصفات اللازمة والمتعدية، ويكون الحمد باللسان والقلب؛ بخلاف الشكر؛ فقد قال البعض:

    أفادتكم النعماء مني ثلاثة


    يدي ولساني والضمير المحجب


    قوله جل وعلا: (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) ولازم الحمد لوجود نعمة؛ بخلاف الشكر، وهذه النعمة حصلت للعبد، ليست هذه تعتبر منة.

    الله جل وعلا يحمد على كل ما له من الأسماء والصفات: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا): فيها الرد على اليهود: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)، وفيها الرد على النصارى: (وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ)، قيل في القرآن قاتلهم بمعنى .. ماذا ؟ لعنهم؛ (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) بمعنى: لعن؛ (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)، بمعنى: لعن الخراصون، (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ): لعنهم الله (أَنَّى يُؤْفَكُونَ): أي: حيثما وجدوا، وحيثما حلوا، وحيثما كانوا.


    وقد جعل اللعن صريحا في القرآن؛ قال الله جل وعلا في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)، وقال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).


    قوله جل وعلا: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ): ولو كان له شريك في الملك لعلا بعضهم على بعض؛ كصنيع ملوك الدنيا؛ يتنافسون على الملك، ويضر بعضهم بعضًا, ويسعى بعضهم لعزل الآخر، وحينها لا ينتظم العالم، فالمنة والحمد لله جل وعلا أنه ليس له شريك في الملك، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ).

    تأمل القول وتأمل بلاغة القرآن وفصاحته؛ لم يقل: لن يكن له ولي، لقيل ليس وليًّا لله؛ هذا غير صحيح في الحديث القدسي «من عادى لي وليا»؛ لكن الله قيد القيد؛ (مِنَ الذُّلِّ): أي: من الضعف والحاجة إلى الآخرين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ): الغني المطلق، (الْحَمِيدُ): الذي يحمد على ذلك.


    قوله جل وعلا: (وَكَبِّرْهُ)؛ أي: كبره على عظمته وكبير قدره وعظيم ذلك، (تَكْبِيرًا): نصبًا على المصدرية؛ فإذا قال العبد: الله أكبر؛ أي: لا شيء أكبر من الله: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ): ومن أسماء الله جل وعلا الكبير؛ فهو اسمه وصفته؛ الكبير المتعال، له كل أنواع العلو.


    وقوله جل وعلا: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي): أي: «ما» بمعنى: (الذي), أي:(يُسَبِّحُ لِلَّهِ) الذي؛ فاعل,(مَا فِي السَّمَاوَاتِ): لماذا قدمت السموات في كل القرآن أو في بضعه؟ تقدم السموات على الأرض؛ لأن السموات أعظم من الأرض، وأفضل من الأرض؛ لأن الأرض خلقت قبل، (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ) (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ)، قوله: (وَمَا فِي الْأَرْضِ) أي: يسبح لله كل شيء في السماء وفي الأرض.

    هذا دليل على عظمة الله جل وعلا، وأن كل شيء مفتقر إلى الله.


    (
    لَهُ الْمُلْكُ), قال تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، وقال في الأخرى في القراءة السبعية الصحيحة: (ملك يَوم الدِّين)؛ (لَهُ الْمُلْكُ): أي: ويتصرف في الملك؛ قال الله جل وعلا: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).


    (
    وَلَهُ الْحَمْدُ): الألف واللام للاستغراق، له الحمد المطلق، والكمال كذلك، وهو على لك شيء قدير، فيه إثبات صفة القدرة لله جل وعلا؛ الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، و(هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، يؤخذ من هذه الآية عدة أمور:


    الأمر الأول:
    أن كل من في السموات والأرض يسبح لله جل وعلا, حتى الجمادات والحشرات والطيور، والدواب على اختلاف ألوانها وأشكالها؛ قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)؛ ما معنى: (لَا تَفْقَهُونَ)؟ لا تسمعون؛ ولذلك سمع الصحابة تسبيح الطعام, وسمعوا حنين الجزع, أسمعهم الله.


    ولذلك في آخر الزمان يستنطق الله جل وعلا الأشجار
    في قتال اليهود؛ تقول الشجرة: «يا مسلم», أنطقها الله الذي أنطق كل شيء «هذا يهودي ورائي تعالَ فاقتله», وهذا متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نؤمن بذلك، وكل مؤمن يجب عليه أن يؤمن بهذا، وأن الله جل وعلا في آخر الزمان يستنطق الشجرة، فتكون الشجرة مناصرة للمؤمنين على اليهود.

    ويؤخذ من ذلك إثبات القدرة لله جل وعلا: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): إذا كان الله قديرا على كل شيء، فكيف نلجأ إلى المخلوق الضعيف في كل شيء، إلا ما قدره الله عليه ! وهذه القدرة نسبية، ولذلك هناك ضرورة تعليق القلب بالله، بيده أزمة الأمور, إذا أراد شيئًا يقول: (كُن) فَيَكُون, لا يحتاج إلى واسطة, مجرد أن تدعو الله جل وعلا، وتجتنب أكل الحرام؛ ليكون هذا أداة ومسارعة إلى الإجابة؛ لأن الرجل يمد يده إلى السماء ومطعمه حرام ومكسبه حرام وغذي من حرام وولد في الحرام فأنى يستجاب له؟! إذا أطعم المطعم والمشرب ودعا الله جل وعلا سرعان ما يستجاب له؛ قال الله جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).


    وقال الله جل وعلا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

    والدعاء: هو العبادة وفي مسند أحمد من حديث علي بن علي الرفاعي؛ عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بإحدى ثلاث»، ما هي الثلاث؟

    الأولى:
    تعجل له دعوته.

    الثانية:
    أن يكشف عنه السوء بمثلها.

    الثالثة:
    أن تدخر له ليوم القيامة.

    ماذا قال الصحابة؟


    قالوا: إذًا نكثر يا رسول الله .. فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «الله أكثر».
    وما معنى ذلك؟

    أي: أسرع إجابة وأكثر كتابة، وإعطاءً، ومجازاة لكم.


    وقوله: جل وعلا: (تَبَارَكَ الَّذِي): تقدم الحديث عن (تَبَارَكَ)، وأن هذه الكلمة لا تطلق إلا على الله بلفظ المضارع وبلفظ الماضي، ولا يشتق منها المضارع, والمخلوق يقال عنه: (مبارك) ولا يقال: (تبارك) ولا يصلح أن تقول حتى تبارك المال؛ غلط؛ (تبارك) يختص بها الرب جل وعلا. لكن لا مانع أن تقول: هذا مال مبارك. هذا بيت مبارك. هذه سيارة مباركة. هذه زوجة مباركة. هذا زوج مبارك. هذا لا حرج منه؛

    لكن لا يجوز أن يقول كل منهما: تبارك زوجي، أو تبارك المال، أو تبارك البيت؛ هذا غلط؛ (تبارك) يختص بها الرب لا غير.



    (
    تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ)، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ)، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، ما معنى (تبارك) ؟ تعاظم.


    والبركة في اللغة؟ الزيادة من الخير وكثرته, إذًا السلف يقولون، أو كثير من العلماء يقولون عن كلام السلف أنه فيه بركة، ما معنى ذلك ؟ قول السلف فيه بركة ؟


    نعم، قلة في الألفاظ وكثرة في المعاني
    ؛ الكلام القليل فيه المعنى الكبير والفائدة الكبيرة، هذا معنى (فيه بركة): يأمر بالخير إخلاصًا وصدقًا مع الله جل وعلا.


    قوله: (الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ): الفرقان هو القرآن، لماذا سمي القرآن بالفرقان ؟ لأنه يفرق بين الحق والباطل.

    ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري ؟

    «أنا فَرْقٌ بين هؤلاء وهؤلاء»
    ؛ بمعنى: أنا أفرق بين المسلمين وبين الكافرين، وأنا الفرقان بين هؤلاء وهؤلاء. وهذا الحديث في صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
    إذًا: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ): والنزول يكون من أعلى إلى أسفل، فيه إثبات أن القرآن كلام الله، وأنه غير مخلوق.


    (
    عَلَى عَبْدِهِ): ناداه الله باسم العبودية، وقد خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عبدا رسولا، وبين أن يكون ملكا رسولاً، فنظر إلى جبريل، ماذا قال له جبريل ؟
    قال له جبريل: كن عبدا رسولاً.
    فقال: «عبدًا رسولاً».
    يؤخذ من هذا الحديث فوائد؛ فقد رواه البخاري وغيره،

    الفائدة الأولى ؟

    أن مقام النبي أفضل من مقام الملك
    .

    وأن النبي العبد الرسول أفضل من الملك الرسول؛ كسليمان
    .

    وأن مشاورة الأخيار تؤدي إلى الحصول على الخير
    ، ونحو ذلك.


    قوله: (لِيَكُونَ) ما هو الذي (يكون)؟ ليكون الفرقان؛ لأن الحديث عن القرآن؛ أي: ليكون القرآن (لِلْعَالَمِينَ) أي: من الإنس والجن، وكل ما سوى الله عالمٌ، (نَذِيرًا)، قوله جل وعلا عن النبي: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)؛ إذًا, ليكون القرآن للعالمين نذيرًا؛ قال الله جل وعلا: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ) أي: أن الله جل وعلا أمر بالإنذار به, والضمير يعود على القرآن.


    وقوله جل وعلا: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): تقدم في الحديث: أن لله ملك السموات والأرض، تقديم السموات على الأرض؛ لأن السموات أعظم، ما الدليل على أن السموات أعظم من الأرض.

    الله جل وعلا قال: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)، نعم؛ وهذه ثبتت بلا عَمَدٍ؛ بخلاف الأرض ثبتت بالجبال: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا).

    السبب الثاني ؟


    أن فيها الملائكة، وفيها الرب؛ الرب جل وعلا فوق السموات، وقد استوى على عرشه
    .

    وقيل أيضًا من المعاني أن الجنة في السماوات؛ كما يقول الجمهور
    .



    قوله جل وعلا: (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) تقدم، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) تقدم، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ): فيه إثبات صفة الخلق لله جل وعلا.

    (
    فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا): أي: أحسن خلقه وأتمه وأتقنه؛ قال تعالى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)، وقال تعالى: }(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).


    وقوله جل وعلا: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ): نفى الله جل وعلا عن نفسه أن يتخذ - أو أن يكون قد اتخذ – ولدا، في سياق رده على اليهود والنصارى.

    (
    وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ)، السبب: (إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ)، ثم أيضًا: (وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، كصنيع ملوك الدنيا، فنحمد الله جل وعلا، على ذلك.


    ثم سبح الله نفسه عما يصفه به، أو: بخلاف ما يصفه به المعطلون؛ فقال: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، من دعوى الإلهية مع الله؛ كقول المجوس: بأن للعالم خالقَيْن، كقول القدرية: خالق للخير وخالق للشر، وكقول الثانوية: خالق للنور، وخالق للظلمة؛ لذلك نزه الله جل وعلا نفسه وقال: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ): أي: من الباطل والضلال والانحراف.


    (
    عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)، (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).

    (
    عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ): (...) لا يعلمها إلا هو.


    قوله: (فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ): عظم الله جل وعلا نفسه، ونزه عما يشركون؛ في ألوهيته، أو ربوبيته، أو في أسمائه وصفاته، فيه قبح الشرك.

    الشرك قبيح, حتى في الفطرة، الفطرة تتجاوب أنه قبيح، علاجه ليس فقط مجرد النقل أنه قبيح، لا، حتى الفطرة, الفطرة تدل على قبح الشرك، كذلك العقل يدل على قبح الشرك، كمن يعبد حجرًا, ينادي غير الله, هذا قبيح بالفطرة؛ كما أن التوحيد حسن في الفطرة والعقول.

    التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة.

    قوله: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ): نهي، يجزم الفعل المضارع بعد (لا) الناهية.

    (
    الْأَمْثَالَ): أتجعلون له ولدا, وقد خلقكم ورزقكم، أو تمحون عنه صفة، أو تعبدون معه غيره ؟!

    هذا كله من ضرب الأمثال.

    (
    إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ): فيه إثبات صفة العلم لله جل وعلا:

    هو العليم وأحاط علما بالذي


    في الكون من سر ومن إعلان

    وفي كل شيء علمه سبحانه

    هو العليم وليس ذا نسيان

    (وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ): قيل: تعلمون العلم المطلق؛ لأن العلم عندكم نسبي، وقيل: أنتم تفعلون هذا، وأنتم لا تعلمون من تعصون، ولا تعلمون ما تفعلون من الجرائم، وقيل غير ذلك، وقيل: المعنى على وجه التهديد.


    إن الله يعلم ماذا يحل بكم، وأنتم لا تعلمون ماذا ستلاقون من العذاب العظيم حين تصرون على ضرب الأمثال لله جل وعلا, يؤخذ من هذا إثبات الجزاء والحساب، وكذا إثبات العذاب الأخروي؛ إثبات الجنة والنار، قبح الشرك، وأن من لقي الله مشركا فإنه مخلد في النار؛ قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).


    وقوله جل وعلا: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ): (قُلْ): يا محمد. (إِنَّمَا): أداة حصر تثبت الموجود وتنفي المفقود، وهي كافة عن العمل من حيث اللغة، أو من حيث النحو, }حَرَّمَ{: تحريم الشرع، التحريم نوعان.

    (
    حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ): قيل: (مَا ظَهَرَ): أي من الزنا. وقيل: (وَمَا بَطَنَ): أي مما تكنه صدوركم.

    وقيل: (مَا ظَهَرَ): الذي تعلنون، (وَمَا بَطَنَ): الذي تستترون به. وقيل: (مَا ظَهَرَ): أي: من الفعل, (وَمَا بَطَنَ): من القول. وقيل: (مَا ظَهَرَ): من الزنا. (وَمَا بَطَنَ): من فعل العادة السرية, وهذا أضعف الأقوال، وقيل غير ذلك في معنى ذلك.

    (
    وَالْإِثْمَ): أي: حرم الله الإثم؛ من شهادة الزور وقول الباطل، واللمس والقبلة ونحو ذلك، كما حرم الزنا.

    (
    إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا).

    (
    وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ): البغي: هو الاعتداء على حقوق الآخرين، والسطو على أعراضهم وبشراتهم ونحو ذلك، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة من البغي وقطيعة الرحم». مصرع البغي وخيم، شرع ما يعجل لصاحبه بالعقوبة، والبغي يتمثل بالقول أو بالفعل أو بالرضا بالظلم، ونحو ذلك؛ هذا الاعتبار من البغي:

    لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا


    فالظلم آخره يأتيك بالندم

    نامت عيونك والمظلوم منتبه

    يدعو عليك وعين الله لم تنم

    الظلم مراتب؛ هناك ظلم الرجل لامرأته، وظلم الأب لابنه، أو ظلم الابن لأبيه، أو ظلم الرجل لزوجته، أو ظلم الزوجة لزوجها، ظلم الأخ لأخيه، والصديق لصديقه، سواء كان بالغيبة أو بالنميمة، أو بالاعتداء، أو بالتجسس، أو بأكل الأموال، أو بغير ذلك، هذا كله من أنواع الظلم؛ هناك الغيبة والنميمة ونحو ذلك.


    قوله: (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)، قيل: المقصود بالسلطان هنا العلم. وفي الأمثال تقولون على الله ما لا تعلمون؛ لأن الله ما أمركم بذلك، أو ما نهاكم عن هذا؛ القرآن، كله من أوله إلى آخره يحث ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك، ما في آية في القرآن لا تدل على التوحيد، ما في آية حتى الحرف (ق)؛ (ق) تدل على التوحيد؛ ما الذي أدخل التوحيد هنا؟

    عدة معانٍ:

    المعنى الأول:
    من الذي قال: (ق) ؟

    هو الله؛ في الربوبية، وأيضًا الله تكلم ولا ما تكلم بـ (ق) ؛ إذا فيه إثبات الكلام لله جل وعلا؛ إثبات الأسماء والصفات؛ إذا الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، إذا التوحيد لله، إذا فهو المستحق للعبادة.

    قوله: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ): جعل الله جل وعلا القول عليه بلا علم أعظم أنواع المحرمات،؛ والمعنى بهذا: الذي يقول على الله في أسمائه وصفاته بغير علم، أو يقول على الله في ذاته؛ كمن يقول بالتشريك أو بالتعدد أو بأن عزيرًا ابن الله، أو ينفي عن الله أسمائه وصفاته؛ هؤلاء يجنون أعظم المحرمات، ويفعلون أعظم الموبقات والله أعلم.
    غدًا إن شاء الله نواصل إيراد الأدلة في إثبات استواء الله على عرشه.


    أسئلة:


    حديث, يقول: حدثنا محمد بن إسماعيل – طبعًا القائل هو ابن ماجه- قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا علي بن عروة، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج»، وقل عند اتخاذ الأغنياءالدجاج: «يأذن الله بهلاك القرى»، واضح من إسناده, بأنه منكر.

    هل فيه قول لبعض أهل السنة أن النار تفنى ؟

    الجواب:
    لا لم يكن قولا لأهل السنة؛ أهل السنة متفقون أن النار لا تفنى، وأنها باقية ببقاء الله جل وعلا، ذكر ذلك البربهاري في عقيدة أهلا لسنة.


    الأخ يسأل ويقول: هل يجوز مس المصحف بدون وضوء؟

    ذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة
    رحمهم الله تعالى إلى أنه لا يؤذن للمحدث حدثا أصغر أو أكبر أن يمس المصحف بدون طهارة، ويستدلون على ذلك بحديث: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، وبقول الله جل وعلا: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).

    والقول الثاني في المسألة
    : أنه لا بأس بذلك؛ لأن الله حين قال: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) يقصد بذلك الملائكة، وأما حديث «لا يمس القرآن إلا طاهر»، فقد قيل في الطاهر هنا: أي: المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس»، على خلاف في صحة هذا الخبر، وإن كان الأقوى أنه ثابت.

    لكن في الحقيقة ما هناك دليل واضح في منع المحدث من مس المصحف
    ؛ لأنه لو كان المحدث منهيا عن مس المصحف لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا، لا تحتاج معه الأمة إلى قياس، أو إلى استشكال؛ لأن الله حث عباده على قراءة القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ندبهم إلى ذلك، وتواترت الأدلة عنه في حث المسلمين على قراءة القرآن؛ كيف يقرؤون, الأصل أنهم يقرؤون محدثين وغير محدثين، يمسون مطلقًا، ولا جاء استثناء من ذلك، لذلك القول بالجواز الحقيقة أنه قول قوي، وقول الجمهور أحوط أن يحاول الإنسان أن يتوضأ قدر الإمكان, ما لم يعرض له عارض يمنعه من الوضوء.


    جاء في الصحيحين
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 23:10:22

    بسم الله الرحمن الرحيم




    الشريط 11



    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في حديثه عن علو الله على خلقه واستوائه على عرشه: (والفرق بين العلو والاستواء أن العلو ثابت بالفطرة والعقل والنقل، والاستواء ثابتٌ بالنقل) فطر الله جل وعلا عباده على علوه على خلقه، وأخبرهم في سبعة مواضع من الفرقان بأنه قد استوى على العرش، والاستواء لا يختلف فيه أهل السنة والجماعة، وهذا مما يتميزون به عن أهل البدع والضلال؛ كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والكرامية والماتردية، وغير هؤلاء من الذين لا يُثبتون استواء الله على عرشه، ويحرفون الاستواء بأنه بمعنى الاستيلاء. وهذا تنقص لله؛ بمعنى أنه ما استولى حتى خلق السموات والأرض، والله جل وعلا مستول على كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض، الاستواء غير الاستيلاء.


    ولذلك لو كان الاستواء هو الاستيلاء لذكر الله ولو في موضع واحد: (ثم استولى على العرش ) ليحمل المطلق على المقيد؛ القرآن كله فيه سبعة مواضع في ذكر الاستواء.

    وأهل السنة يذكرون أربعة معانٍ للاستواء، نظمها الإمام ابن القيم رحمه اله تعالى في نونيته فقال:


    فلهم عبارات عليها أربع

    قد حصلت للفارس الطعان

    وهي استقر وقد علا وكذلك

    ارتفع الذي ما فيه من نكران

    وكذاك صعد الذي هو رابع

    وأبو عبيدة صاحب الشيباني

    يختار هذا القول في تفسيره

    أدرى من الجهمي بالقرآن
    >

    قوله:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) في سبعة مواضع: يعني بذلك الشيخ المعنى؛ ولا يقصد بذلك اللفظ؛ بدليل سرده الآيات بعد ذلك.

    الله جل وعلا ذكر في محكم كتابه بأنه استوى على العرش في سبعة مواضع والألفاظ مختلفة، ورد في موضع واحد: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) في سورة طه، وفي خمسة مواضع: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)،وفي موضع واحد (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا).

    ومن فسر الاستواء بالاستيلاء أو بالسيطرة أو بالدلالة على علو الشرف أو علو القدر، فقد قال ما ليس له به علم، وحرف الكلم عن مواضعه.

    وهذا باطل من وجوه:

    الوجه الأول:
    أنه خلاف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الأمر الثاني:
    أنه خلاف ما تعرفه العرب من لغتها.

    الأمر الثالث:
    أنه خلاف ما اتفق عليه الصحابة والتابعون والأئمة المتبوعون.

    الأمر الرابع:
    أنه باطل شرعًا وعقلاً.

    أما بطلانه شرعًا فإن تفسير الاستواء بمعنى الاستيلاء يوهم بأن الله جل وعلا ليس على كل شيء قدير، ويوهم بأن الاستيلاء بعد المغالبة، فيوهم أن لله شريكًا ومغالبًا، وكفى بقول يؤدي إلى وجود شريك مع الله قبحًا وضلالاً؛ لأن من قال: (الرحمن على العرش استولى) لا يكون الاستيلاء إلا بعد المغالبة، (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).


    وأما بطلانه عقلا فإن حروف استولى بقدر حروف «استوى» أو أقل؛ فـ «استولى» أكثر حروفًا من «استوى»، ولا يؤدي المعنى بأي وجه من الوجوه، لو كانت الحروف متماثلة، وجاءت اللغة بالمترادف لقيل هذا يعني به عادة أو يقصد به المترادف، ولكن الاستواء أقل حروفا من الاستيلاء؛ ففيه تغاير في الحروف وفي المعاني.

    الأمر الثاني
    : أن الله ذكر في سبعة مواضع الاستواء، ولم يذكر غيره، فمحال عقلاً أن يكون المذكور غير المراد؛ لأنه حينئذ لا يكون القرآن تبيانًا لكل شيء، فإن الله حينئذ يخاطب العباد بما لا يتبادر إلى أذهانهم.

    الأمر الثالث:
    أنه لو كان هذا هو المعنى لسارع إلى ذلك ولو واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالذي يشكل عليه الأمر ولا يفهم يحكم عقله لا غير، ويقول: لو كان الكلام كما تزعم الجهمية أو المعتزلة أو الأِشاعرة أو أهل البدع بأن المقصود بالاستواء هو الاستيلاء، فلماذا ما فسر واحد من الصحابة هذا المعنى بما يقولون ؟! فعلم من هذا أنهم مبطلون في ذلك.


    وبكل أسف يذكر كثير من المفسرين على هذه الآيات السبع قول أهل البدع، ولا يشير إلى مذهب أهل السنة، فيوهم القارئ بأنه هو المعروف وهو المأثور وهو الصواب.

    ولا يكاد يخلو تفسير من تفاسير القرون الوسطى والمتأخرين من ذلك، إلا من هدى الله جل وعلا
    ، وكان على الجادة الحافظ ابن جرير في تفسيره، والإمام ابن أبي حاتم في تفسيره، والإمام ابن المنذر في تفسيره، والإمام عبد بن حميد في تفسيره، والإمام البغوي في تفسيره، والحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره، وجملة من تفاسير المتأخرين، كتفسير السعدي .

    بينما ذهبت بعض التفاسير إلى أقاويل أهل البدع، فيفسرون الاستواء بمعنى الاستيلاء، من ذلك زاد المسير لابن الجوزي، ومن ذلك تفسير أبي السعود، ومن ذلك تفسير الزمخشري، ومن ذلك تفسير الفخر الرازي، ومن ذلك الكتاب المختصر الذي يتناوله كثير من الناس والمسمى بتفسير الجلالين، فإن هذا التفسير في باب الأسماء والصفات على مذهب الأِشاعرة، ولذلك لا ينصح المبتدئ بقراءته، مفروض أنه لا يوزع بالمساجد، حتى لا يتلقى المبتدئون عقيدة الأشاعرة؛ ثقة بمفسرين أو ظنًا منهم أنه لا يكاد يوزع في بلاد أهل السنة إلا ما كان على مذاهب أهل السنة، وفيه بدائل أقوى منه؛ كتفسير السعدي والتفسير الميسر ونحو ذلك؛ أقوى من تفسير الجلالين.


    قوله جل وعلا في سورة الأعراف: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ) فيه توحيد الربوبية، والرب هو المعبود، وقيل: الرب هو المربي لعباده. وقيل: الرب هو المربي لعباده، وقيل: الرب هو الخالق لكل شيء.

    قوله: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ): تقدم أن الأرض خلقت قبل السموات، وقدمت السموات على الأرض؛ لأن السموات أشرف، فإن قال قائل: لماذا جمعت السماء وأفردت الأرض؟ هل يعني هذا أن الأرض واحدة ؟

    الجواب:
    أنه جاء ما يفيد بأن الأراضين كالسموات، قول الله جل وعلا: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ).

    هذه الآية صريحة في أن الله خلق سبع أراضين كما خلق سبع سموات، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة بسبع أراضين». وهذا الخبر متفق على صحته.

    إذاً القرآن يفسر بعضه بعضًا، وما لم يوجد تفسيره في القرآن يوجد تفسيره في السنة، فإن السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وترشد إليه.


    قوله: (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ): أي من أيام الله. ذكر ذلك الإمام أحمد وغيره؛ لقول الله جل وعلا: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).

    وقد ذكر غير واحد من الأئمة بأن الله جل وعلا خلق السموات والأرض في ستة أيام من أيامهن، وهو قادر على أن يخلقهما في طرفة عين، ولكن ليكون في ذلك بيان للعباد في البعد عن العجلة، وأن عمارة الكون لا تتأتى ما بين عشية وضحاها، يستفيدون من ذلك التأني في الأمور، وقيل غير ذلك.

    هذا مجرد التماس لبعض العلماء، وليس بلازم أن يكون صوابًا.

    الذي نؤمن به أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، لماذا ... الله أعلم بذلك؛ العلماء يلتمسون الحكمة، وقد ذكرت شيئًا من ذلك، وهل هذا صواب أم غلط؟ ... هو في الحقيقية لا حرج من التماس الحكمة ما لم تعارض نصا، أو تخالف دليلاً؛ ولكن نحن نؤمن بذلك سواء ظهرت لنا الحكمة أو لم تظهر لنا الحكمة.


    قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ): «ثم» تفيد التراخي، وتفيد العطف، بخلاف الواو؛ تقول: «قدم زيد وعمرو»: لا يلزم أن يكون «زيد» قبل: «عمرو»؛ لكن حين تقول: «قدم زيد ثم عمرو»، تفيد أن قدوم زيد قبل عمرو، فحين قال الله جل وعلا: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ): هذا يفيد أن الاستواء بعد الخلق، والأدلة الصريحة بأن خلق الأرض قبل خلق السماء؛ فحين خلق السماء استوى على العرش، إن قال قائل: قوله جل وعلا: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)، نقول: الدحي كان بعد خلق السماء والأرض؛ بخلاف خلق الأرض،خلق الله الأرض، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض بعد ذلك.


    والعرش كرسي له قوائم تحمله الملائكة: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)، قيل إن ثمانية يحملونه في الدنيا وفي الآخرة، وقيل: لا.

    .
    (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ)
    في الدنيا أم الآخرة؟ ؛ الآية في سياق الآخرة؛ ولذلك قال بعض العلماء بأن الحملة في الدنيا أربعةٌ؛ يذكرون بعض الأخبار وبعض الإسرائيليات في هذا الباب.

    يؤخذ من هذه الآية إثبات علو الله على خلقه، وهذا لا يختلف فيه أهل السنة، وقال ابن القيم في نونيته في نظم معتقد أهل السنة في ذلكواتفاق الأئمة على هذا:


    وكذلك النعمان قال وبعده

    يعقوب والألفاظ للنعمان

    من لم يقر بعرشه سبحانه

    فوق السماء وفوق كل مكان

    ويقر أن الله فوق العرش لا

    تخفى عليه هواجس الأذهان

    فهو الذي لا شك في تكفيره

    لله درك من إمام زمان



    من هو النعمان ؟

    هو الأمام أبو حنيفة، وقد ولد سنة 80، وتوفي سنة 150، في نفس السنة التي ولد فيها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فإذاً متى ولد الإمام أحمد ؟

    ولد الإمام أحمد سنة 164، وتوفي سنة 241 .

    قال: «وكذلك النعمان قال وبعده يعقوب»، من هو يعقوب ؟

    نعم، يعقوب صاحب أبي حنيفة.

    «والألفاظ للنعمان» .. ما معنى ذلك ؟

    أي لأبي حنيفة في كتابه:الفقه الأكبر، مع أنه لم يثبت أن الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، الشاهد عمومًا أن العلماء متفقون على إثبات علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وأهل السنة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل، تنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو السميع البصير، استوى: أي صعد واستقر وعلا وارتفع

    ما الذي ذكره العلماء في جلوسه على العرش ؟
    يقول ابن القيم:


    فلهم عبارات عليها أربع

    قد حصلت للفارس الطعان

    وهي استقر وقد علا وكذلك

    ارتفع الذي ما فيه من نكران

    وكذاك صعد الذي هو رابع

    وأبو عبيدة صاحب الشيباني

    يختار هذا القول في تفسيره

    أدري من الجهمي بالقرآن



    لم يرد في القرآن (جلس)، صحيح، لكن للعلماء كلاما يذكرونه في كتاب السنة للخلال؟
    (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)
    قال: يجلس على العرش... ما ذا نقول عن هذه الآثار؟
    نقول: الصواب أنها آثار ضعيفة؛ تفرد بذلك الليث بن أبي سليم؛ والليث بن أبي سليم قد اختلط، فلم يتميز حديثه فتُرك.

    ماذا نستفيد من إثبات الاستواء؟


    كيف استوى الله على العرش؟

    لماذا يمتنع أهل البدع عن إثبات الاستواء ؟ أهل البدع السبب في ضلالهم في باب الأسماء والصفات أنهم يعتقدون حين يثبتون الشيء لله وهو ثابت للمخلوق أنه يقتضي بذلك مماثلة، المخلوق يستوي وهو يستوي: هذا لا يجوز.

    الأمر الثاني
    عندهم يقولون: حين نثبت الاستواء نثبت الجهة والتحيز، وهذا من ضلالهم وانحرافهم؛ فهم يشبهون أولاً، ثم يعطلون ثانيًا، ثم يشبهون ثالثًا.

    هناك أمر واضح.. ما هو؟ إنكم لا تكثرون القراءة في العقيدة، أسئلة كثيرة لا تجيبون عليها وهي سهلة، فلا بد أن تكثروا القراءة ، بالذات في كتب ابن تيمية وكتب ابن القيم؛ المجلد الخامس والسادس لابن تيمية من الفتاوى؛ لا يكفي أن يقرأهما طالب العلم مرة أو مرتين، يقرؤهما أكثر من مرة؛ لأجل أن يستفيد في مذاهب أهل السنة في هذا الباب، وكيفية الرد على أهل البدع، وما هي منطلقات أهل البدع في الاستدلال، وقد تقدم أن المعتزلة والأشاعرة يقدمون العقل على النقل في الاستدلال؛ و هذا سبب ضلالهم .


    وأيضًا تقرؤون الكتب المهمة: (الصواعق) للإمام ابن القيم، طبع من الأصل أربعة مجلدات، والمختصر موجود ومتوافر، ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه؛ مرة مرتين ثلاثًا أربعًا.

    وتقرؤون كتاب «الرد على الجهمية»، للإمام الدرامي والإمام ابن منده، وتقرؤون أيضا كتاب «المحجة» لقوام السنة الأصبهاني، وتقرؤون كتاب الشريعة للإمام للآجري، وتقرؤون كتاب «شرح أصول الاعتقاد لأهل السنة والجماعة»، للإمام اللالكائي، وغيرها كثير من كتب أهل السنة المتفق على معانيها وكبير قدرها وعظيم منزلتها.

    والبقية في تفسير هذه الآيات هو نفس تفسير الآية الأولى.


    قوله جل وعلا في سورة يونس: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)،وفي سورة الرعد: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)،

    قوله:
    (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) في ذلك تفسيران للعلماء .. من منكم يعرفهما ؟

    طالب علم:التفسير الأول: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) فيه أنها ليست على عمد أصلا.

    الشيخ:نعم، ما هناك عمد، بدليل أنكم لا ترونها؛ لا توجد عمد إذًا.

    طالب علم: التفسير الثاني:أن هناك عمداً ولكنها محجوبة عنكم

    الشيخ:نعم، بغير عمد ترونها أنتم أي توجد عمد، ولكن لا ترونها أنتم، بينما هي مخلوقة بعمد، أي التفسيرين أصح ؟

    طالب علم:الأظهر هو التفسير الأول .

    أي نعم، وهذا قول الجمهور؛ هذا الذي صار إليه الجمهور؛ بغير عمد ترونها: أي بدون عمد أصلا كما تشاهدونها؛ بدليل آخر من القرآن: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) إظهار لبيان العظمة، وأن خلق السماوات هو الخلق الأكبر بدليل أنه ليست هناك عمد.

    وقوله جل وعلا: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) في سورة طه في إثبات اسم الرحمن، وفي إثبات العلو، وفي إثبات الاستواء؛ أهل السنة يثبتون ثلاثة معان من معاني العلو ... ما هي ؟

    طالب علم:علو الذات وعلو القدر وعلو الشرف.

    نعم؛ علو الذات والقدر والشرف، صحيح، طيب .. الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة في أي أنواع هذا العلو؟

    طالب علم:علو الذات.

    نعم؛ علو الذات؛ إذا الخلاف بين أهل السنة وبين أهل البدعة؛ من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة هو في علو الذات؛ فإن أهل البدع لا ينازعون في علو الشرف وعلو القدر؛ وإنما ينازعون في علو الذات.

    وقوله تعالى في سورة الفرقان: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ) وقوله تعالى في سورة السجدة: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَافِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، سورة الحديد: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)

    (
    خلق): ما الفرق بين اسمي الله: (الخالق) و (المصور) ؟

    طالب علم:الخالق: أي على غير مثال سابق.

    نعم، الخالق هو الموجد على غير مثال سابق، هذا الخالق: نعم، صحيح، والمصور؟

    (
    الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ).

    من أسماء الله (الخالق) و (المصور) ما الفرق بين الخالق والمصور؟ أنت تقول: الخالق هو الموجد على غير مثال سابق، هذا صحيح: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) أي:ما أوجدت الجن والإنس (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ): على غير مثال سابق، واضح (الخالق) طيب،و(المصور) ؟ حتى نستفيد معنى أخص، حتى نفرق بين الخالق والمصور؟

    طالب علم: تصويره بعد خلقه.

    الشيخ:طيب، كيف تصويره بعد خلقه؟

    يعني أن المصور هو الذي ميز، أعطى كل خلق شكلاً؛ فيختلف هذا عن ذاك؛ هذا هو معنى المصور، طيب والبارئ؟ (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) .. البارئ؟

    طالب علم:
    الموجد على مثال.


    الشيخ:هو مرادف من الألفاظ أو من الأسماء المرادفة، والتي قد يكون في بعضها نوع من التخصيص كما تفضلت.

    نعم .. إن شاء الله غدا سوف نتناول إثبات علو الله على خلقه .. الشيخ رحمه الله قدم أدلة الاستواء على أدلة العلو؛ معنى ذلك أنه إذا ذكر الاستواء يلزم من ذلك العلو؛ لكن إذا ذكر العلو لا يلزم من ذلك الاستواء؛ ولذلك لو قدمت أدلة العلو على الاستواء لكان أصح ...


    سؤال:ذكرت أن هناك أدلة على خلق الأرض قبل السماوات.

    نعم؛ أنا قلت: جاءت أدلة يعني أدلة أخرى، وأن هذا أبلغ في السياق «خلق السموات والأراضين»؛ الأرض؛ لأن أرض فيها نوع من المصدرية؛ يأتي على هذا أدلة أخرى أثبتت أن الأراضين سبعٌ.

    سؤال:المبتدعة بستشهدون على معنى الاستواء بقول الشاعر:


    قد استوى بشرٌ على العراق


    من غير سيف ولا دم مهراق


    الشيخ:أي نعم.. أولاً: هذا البيت


    قد استوى بشرٌ على العراق


    من غير سيف ولا دم مهراق


    ليس بحجة هذا الشعر، لأنه لا ينبغي أن نستشهد بأشعار الأخطل النصراني أو أشعار فلان وعلان مما ليس بحجة على كتاب الله، ولا على سنة رسول الله صلى اله عليه وسلم.

    الأمر الثاني: استواء المخلوق، المخلوق يستوي؛ لكن استواء المخلوق لوجود مغالب له؛ والله لا مغالب له: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).

    الأمر الثالث: أن هذا البيت كله محرف؛ وهذا الذي ذهب إليه كثير من أهل اللغة
    .


    سؤال: ما معنى قول الحافظ بن كثير بالإرادة التامة؟

    الشيخ: نعم؛ الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بلا ريب على معتقد أهل السنة والجماعة، سواء في تفسير الاستواء أو تفسير غيره؛ ولكن ... نعم ... تارة رحمه الله يورد بعض الألفاظ كرد على أهل البدع؛ حين قال بإرادة تامة؛ هو كرد على أهل البدع الذين يقولون يفسرون الاستواء بالاستيلاء؛ هو كأنه قال: «بإرادة تامة»؛ بلا مغالب أصلاً؛ يعني كقولنا في لغتنا: أي: «باختياره»؛ فهو أراد هذا المعنى؛ وإن كان الأفضل أن لا يذكره، لكنه أراد بذلك الرد على أهل البدع، ولذلك بعض أهل السنة يقولون: استوى على العرش بذاته.

    هذا حق؛ لكن لفظة «بذاته» لم ترد؛ لكن الكلام هذا رد على أهل البدع، الذين يقولون: نحن نقول استوى؛ لكن بمعنى استواء الشرف واستواء القدر؛ وأهل السنة يقولون« بذاته» كرد على أهل البدع الذين ينفون علو الذات.


    وبنفس الأمر كما تفضلت عن صاحب الظلال أنه ذكر العلو ووافق الأشاعرة في هذا الباب، لكن يختلف الأمر بين عالم أو طالب علم أو مفكر يوافق الأشاعرة في مسألة ويتبنى هذه القضية، وبين آخر يوافقهم كنوع نقل؛ فبعض الناس قد يذكر قول الأشاعرة ويتبناه؛ هؤلاء لا يتبنون قول الأشاعرة، يذكرانه على أنه شيء نشآ عليه؛ وهذا غلط بلا شك؛ لكن يختلف أمره عن آخر يتبنى نصرة مذهب الأشاعرة.

    عمومًا هذا القول غلط، يجب توضيحه وبيانه؛ سواء صدر من عالم من كبار أهل السنة أو من مفكر أو من أديب أو من غير ذلك؛ ولكن إذا صدر من شخص له قدم صدق في الإسلام نحاول أن نعتذر عنه، ونلتمس له العذر، ونبين الغلط؛ لأننا لا نقبل الغلط من أحد أيا كان .


    سؤال:ماذا ترون في انتشار النزعة الأشعرية في العالم الإسلامي؟

    نعم عمومًا هناك نزعة أشعرية في الحقيقة، ثورة لمذهب الأشاعرة في القرن الرابع والخامس والسادس وبدايات القرن السابع ... ثورة كبيرة ... في الحقيقة إلى عصرنا هذا، والجامعات الآن في العالم العربي والإسلام كله باستثناء الجماعات الموجودة في بلادنا؛ هذه الجامعات كلها؛ التي في مصر وفي سوريا وفي لبنان؛ الجامعات كلها، جامعات الدول العربية والإسلامية تدرس في الحقيقة المذهب الأشعري أو المذهب الماتريدي.

    باستثناء الجامعات التي في بلادنا تدرس العقيدة الواسطية أو الطحاوية.

    حقيقة هذا يستدعي من العلماء وطلبة العلم بيان الحق؛ لأن طوائف من الناس يعتقدون أن المذهب الأشعري هو مذهب أهل السنة؛ فحين تقرأ في تفسير القرطبي رحمه الله على جلالة قدره وعظيم منزلته، وهو من الأشاعرة؛ إذا قال في تفسيره « قال أهل السنة» لا يقصد أهل السنة الذين تعرف؛ بل يقصد الأِشاعرة.

    أبو بكر البغدادي
    في كتابه «الفرق بين الفرق» إذا قال:قال أهل السنة يقصد الأشاعرة، النووي كثيرا إذا قال: قال أهل السنة في شرح مسلم يقصد الأشاعرة، الحافظ ابن حجر وغير هؤلاء من الأئمة الكبار لهم قدرهم ومكانتهم وعلمهم وحفظهم، ولهم صولة وهيبة في قلوب أهل الإسلام يخفى عليهم مذهب أهل السنة من مذاهب أهل البدع. نعم ...


    سؤال:بم نفسر قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ)؟

    الشيخ: قال جل وعلا: (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ): أي: قربت علاماتها وأشراطها؛ أي: بلغت الروح الحلقوم؛ فهذه الآية تفسر بالأحاديث والأدلة الأخرى؛ (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ) الروح: (الْحُلْقُومَ) وتفسر بالأدلة: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)؛ فتفسر بالأدلة الأخرى؛إذا بلغت الروح الحلقوم أو طلعت الشمس من مغربها؛ أما إذا مرض وقربت علامات الموت ولم تبلغ الروح الحلقوم تقبل توبته إذا تاب؛ ؛ بدليل أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له: «يا عم، قل لا إله إلا الله»؛ فلو لم تكن تنفعه هذه الكلمة ما كان لدعوته معنى، ولم يرد شيء ينسخ هذا الحديث ... نعم.


    سؤال:ماذا عن الحديث الوارد عن الجلوس إذا ثبتت صحته؟

    الشيخ: لا، ما ثبت شيء، فهو منكر أصلا، ولو ثبت فهو يدل على العلو،في الرد على الجهمية، فالجلوس بمعنى الاستواء،وكذلك صعد وإن لم ترد في الكتاب،إلا أننا نتكلم عن المعنى اللغوي بلا شك، ولذلك جاء في رواية (يجلس على العرش معه ) ولكن هذا أثر ضعيف.



    سؤال: علام بستدل الأشاعرة بقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)؟

    الشيخ: تقول أن الأشاعرة يقولون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)؛ فهم ينفون الصفات، ويستدلون بالآية، طيب لماذا يثبت الأشاعرة العلم والقدرة ؟ طوائف منهم يثبتون اليدين والسمع والبصر، لماذا؟ .. الدليل الذي دلهم على إثبات السمع هو الدليل الذي احتجوا به على إثبات ما عداها، والدليل الذي يحتجون به على نفي ما دون السمع يحتج به على نفي السمع ؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) هذا متفق عليه، لا إشكال فيه.

    ومن قال أن هناك شيئا مثيلا لله جل وعلا؟! ولكن إثبات الصفات لازم أن يكون بلا تمثيل ولا تشبيه، والله هو الذي وصف نفسه،قال: (َإِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)، الأشاعرة لا يثبتون الوجه، الله هو الذي وصف نفسه (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).


    سؤال:
    ما المراد بالكرسي؟

    الشيخ: الكرسي موضع القدمين كما فسر ذلك ابن عباس،والسند إليه على شرط الشيخين .



    سؤال:
    ماذا يفعل من فاتته ركعتا سنة الفجر؟

    الشيخ: من فاتته ركعتا سنة الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر مباشرة، ولا ينتظر إلى ما بعد طلوع الشمس؛لأن الشمس إذا طلعت فقد فات وقتهما،أجمع العلماء على أن كل صلاة يمتد وقتها إلى الصلاة الأخرى، إلا الفجر؛ إذا طلعت الشمس خرج الوقت بالإجماع.


    سؤال:
    ما ضوابط محبة الله ومحبة غير الله؟

    الشيخ: هناك ضوابط متعددة، وقد تحدثنا على قول الله جل وعلا بالأمس: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)، وأن المحبة الشركية تكون في مساواة الخالق بالمخلوق بمعنى إذا تعارض طاعة المخلوق مع طاعة الخالق دائما يقدم طاعة المخلوق على طاعة الخالق دائمًا يقدم طاعة المخلوق على طاعة الخالق؛ يقدم طاعة المخلوق في ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، الذي أحب المخلوق أكثر من محبة الخالق؛ تعلقه بالمخلوق أكبر من تعلقه بالخالق؛ وهذا مراتب.

    أما محبة من يحبه الله ومحبة من يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي تدخل في الإيمان، وهذا يدل على الفارق بين المؤمنين وبين المنافقين والمنحرفين، فهذه مراتب تختلف من شخص إلى آخر، وفي نفس الوقت قد تزيد وقد تنقص قدراً تبعا لزيادة الإيمان ونقصانه، وقد يكون العبد عاصيًا في تخلفه عن المحبة، أو قد يكون مشركًا؛ على حسب وجود المحبة في قلبه؛هناك محبة طبيعية؛ كمحبة الزوجة ومحبة الابن؛ وهذه المحبة طبيعية؛ حتى قد يكون الابن عاصيًا ولكنك تحبه لأنه أقرب إلى قلبك ؛ ولكنك لا تحبه لمعصيته؛ لأن هذا نقص في الإيمان؛ لكن تحبه لميل؛ كما أن الإنسان قد يتزوج يهودية ونصرانية؛ وهذا جائز بالإجماع من أهل الكتاب، ويجد القلب يميل إلى ذلك؛ هذه محبة طبيعية، لكن محبة من قبل النصر والتأييد ؛ هذا كله حرام، هذا لا يكون إلا للمؤمنين.


    سؤال:
    هل هناك دليل على أن الجمع في المطر لأجل سحابة الشتاء دون سحابة الصيف ؟

    الشيخ: في الحقيقة ليس هناك دليل على هذا، ( الصوت غير واضح )






    * * * *

    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الأحد 17 أكتوبر - 23:12:39

    بسم الله الرحمن الرحيم




    الشريط 12


    هذه الآيات في إثبات علو الله على خلقه، وقد فطر الله عباده على ذلك، وتواترت الأدلة في هذا؛ فقد دل العقل والنقل والفطرة على إثبات علو الله على خلقه، ولم يخالف في هذا إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته.

    وحين استطرد ابن القيم – رحمه الله تعالى – في هذه المسألة في كتابه «اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو المعطلة والجهمية » قضى في المسألة ألف دليل على إثبات علو الله على خلقه.

    وقد قال الأوزاعي: كنا والتابعون متواترون نقول بأن الله فوق سماواته مستو على عرشه.

    وقال الإمام الطلمانكي رحمه الله: أجمع العلماء على أن الله فوق سماوته مستو على عرشه على الحقيقة لا على المجاز.

    وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في هذه العقيدة بعض الأدلة الدالة على هذه المسالة.


    والعلو ثلاث مراتب:


    النوع الأول:
    علو الذات؛ والنزاع بين أهل السنة وأهل البدع هو في هذا النوع.

    النوع الثاني:
    علو القدر.

    والنوع الثالث:
    علو الشرف.

    ولله جل وعلا كل أنواع العلو؛ قال تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، وقال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في دعائه: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، والخبر رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، وحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق الجارية دعا بها، فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «أعتقها فإنها مؤمنة». والخبر في مسلم عن معاذ بن حكم السلمي.

    وحين خطب النبي
    صلى الله عليه وسلم الناس في عرفات في أعظم مجمع التقى به الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس، كان يقول حينما خطبهم: «اللهم اشهد»، يرفع إصبعه إلى السماء وينكثها، ويقول: «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد». إشارة على علو الله على خلقه.


    وقد اتفق أهل السنة
    على أن من أنكر علو الله على خلقه بأنه جهمي، وأهل السنة يكفرون الجهمية بنوعهم لا بعينهم؛ إلا من قامت عليه الحجة وانتفت عنه الشبهة، وقد أشار إلى هذا المعنى ابن القيم، وأن خمسمائة من علماء أهل السنة متفقون على ذلك، وقال:

    واللالكائي الإمام حكاه عنــ ** ـهم بل حكاه قبله الطبراني


    قلت بالأمس: إن الفرق بين العلو والاستواء أن العلو معلوم بالفطرة والنقل، والاستواء معلوم بالنقل.


    قوله جل وعلا: (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)،

    أولاً: فيه إثبات صفة الكلام لله جل وعلا؛ فالله جل وعلا يتكلم متى شاء إذا شاء ، وصفة الكلام صفة أزلية؛ يتكلم متى شاء إذا شاء؛ قال الله جل وعلا:
    (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)

    وعيسى آخر أنبياء بني إسرائيل؛ يتصور كثير من الناس أن عيس
    ى أرسل إلى النصارى، وهذا غلط؛ الأصل في إرسال عيسى أنه كان إلى اليهود، ولم يكن هناك ما يسمى نصارى؛ ولكن حين كفرت به اليهود ،وتبعته طائفة سمو نصارى؛ فمنذ ذلك الوقت جاء اسم النصارى؛ (قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) فكان من ذلك النصارى؛

    إذاً اليهود مأخوذون من الرجوع؛ من قولهم:
    (هُدْنَا) أي: رجعنا، والنصارى مأخوذون من النصرة؛ فمن يدعي النصرانية في هذا العصر وهم لا يتبعون عيسى هؤلاء كذبة، وأيضًا الآن الحكومات الموجودة الغربية التي تنتسب إلى النصرانية هي علمانية؛ ولذلك يعزلون واقع الدين عن واقع الحكم والسياسة؛ فهم في الحقيقة لا يؤمنون بأحد من أنبياء الله جل وعلا، ولكنهم يستخدمون النصرانية لحاجتهم ولا يخدمون النصرانية ككثير من المنتسبين إلى الإسلام؛ يستخدم الإسلام ولا يقيم الإسلام ،ولذلك الآن ما هناك حكومة غربية دينية ؛ كل الحكومات الغربية الآن إما علمانية أو غير ذلك؛ فلذلك هؤلاء لا ينتسبون لدينٍ أصلا،

    وليس معنى هذا إلغاء أحكام اليهودية وأحكام النصرانية؛ كلا؛ لأن الله حين ذكر الأحكام كان معلوماً من ذلك أنه سوف يوجَد منهم من تكون فيه الأحكام ماثلة.



    قوله:
    (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)تطلق الوفاة في القرآن على معنيين:

    - المعنى الأول: مفارقة الحياة؛ مثال قول الله - جل وعلا: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى)، (يُحْيِي وَيُمِيتُ)؛ المقصود من ذلك: الوفاة التي هي مفارقة الحياة؛ (وَيُمِيتُ): يجعلهم يفارقون الحياة.

    - تطلق الوفاة على النوم؛ قال الله - جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ)؛ الوفاة في هذا الموطن وفاة نوم؛ فقوله لعيسى:(إِنِّي مُتَوَفِّيكَ):لم يمت عيسى؛ وإنما أرسل الله إليه النوم ورفعه إليه؛ ففيها الرَّدُّ على النصارى الذين يزعمون أو يَدَّعون التثليث، وردٌّ على الذين يَدَّعون أيضاً قتله؛(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، وفي آية أخرى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ).


    قوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ): هذا رَدٌّ على اليهود وردٌّ على النصارى وردٌّ على الجهمية الذين ينكرون علو الله على خلقه؛ (وَرَافِعُكَ): إشارة إلى العلو، وهذا أمرٌ تتجاوب معه الفِطَرُ؛ فإنَّ الناسُ مفطورون على رفع رؤوسهم إلى السماء.

    وقوله جل وعلا: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) : :(رَفَعَهُ) الضمير يعود إلى عيسى؛ ولذلك لا يختلف أهل السنة أن عيسى بن مريم سوف ينزل في آخر الزمان، وتواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي محمدٍ بيده، لينزلن فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيضع الجزية، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب» وهذا متواترٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وحين ينزل عيسى بن مريم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليم - يحكم بشريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا يَؤمُّ المسلمين؛ بل يُصلي مأموماً خلف إمامٍ من أئمة المسلمين؛ كما جاء في البخاري، «وإمامهم منهم ، فإذا قال له قائلٌ: تقدم، يقول: لا».

    غلاةُ الأحناف يقولون
    : إذا نزل عيسى سوف يكون حنفياً، وهذا مذكور في مقدِّمة حاشية ابن عابدين - رحمه الله، وطوائف يقولون: إذا نزل سوف يكون شافعياً. وعيسى لا شافعيّ ولا حنبلي ولا مالكي ولا حنفي؛ يحكم بالحق، يحكم بشريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    الحقيقة أن ألفاظ المتعصبين و حكايات المتعصبين تدل على قلة العقل ونقص الفكر وضعف النضوج أيضاً، وإنْ كان سوف يكون إماماً عالماً، لكن هذا دليل على نقص عقله حين يتعصب، سبحان الله، من عنده زيادة تعصب وعنده زيادة إيمان يضعه في الكتاب والسنة، ولو أنَّ الناس يتعصبون للكتاب والسنة لانتصر الحق.

    حتى قال قائلهم من الجفاة: لعنة ربنا عداد رملٍ على من ردَّ قول أبي حنيفة.

    وهذا إمام الحرمين يقول حول وجوب اتباع مذهب الشافعي؛ الإمام الطالبي "والقرشي يجب اتباعه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«قَدِّموا قريشاً ولا تَقَّدموها»". مع أن هذا الحديث ضعيف، وهو في الخلافة، وليس في مسائل العلم والدين، وما كان الصحابة يتبعون عليَّاً ويتركون غيره، ولا كان أئمة الهدى يتبعون ذوي النسب ويتركون غيرهم؛ هذا أمرٌ ليس له أصلٌ.

    يجب اتباع الكتاب والسُّنَّة، وعيسى حين ينزل ينزل يحكم بالكتاب والسنة؛ لا يتجاوز ذلك، للدارمي ،وجاء أيضاً في صحيح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفجِّ الرَّوْحاء حاجَّاً أو مُعتمراً ،أو ليثنينَّهما»؛ لم يكن في شريعة عيسى ولا موسى الإفراد والتمتع والقران؛ فدلَّ هذا على أنه يسير على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حجِّ عيسى حين يحجّ: «..حاجَّاً أو معتمراً أو ليثنينهما»، وفيه دلالة على جواز الإفراد والتمتع والقران.

    لم يكن بين نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وبين عيسى نبيٌَ، وأيضاً جاء في الصحيحين: «ليس بيني وبين عيسى نبيٌّ»؛ على خلاف بين العلماء - رحمهم الله تعالى - في تحديد الفترة الزمنية التي كانت بين عيسى ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ قيل ستمائة عام وقيل غير ذلك؛ ولكن الثابت ليس بين عيسى وبين محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيٌّ.


    ولايختلف العلماء أنَّ الإيمان والتصديق بكل الرسل الذي جاؤوا في القرآن، والذين جاؤوا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم من شروط وفروض الإسلام؛ ولكن الاتباع لا يكون إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته ناسخة ومهيمنة على كل الشرائع ؛ قال صلى الله عليه وسلم -والخبر في مسلم: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛لا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بما أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار»، لذلك حين ينزل عيسى لا يقبل من اليهود ولا النصارى إلا الإسلام؛ لا يقبل منهم لا جزية ولا غيرها؛ لا يقبل منهم إلا الإسلام، ومن لم يقبل بالإسلام وضع عليه السيف.


    وقوله - جل وعلا: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قوله (إِلَيْهِ): أي إلى الربِّ - جل وعلا - (يَصْعَدُ) الصعود لا يكون إلا من أسفل إلى أعلى؛ ففيه إثبات العلو لله - جل وعلا.

    قوله: (الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) الله - جل وعلا – طيب، ولا يقبل إلا طيباً؛ لذلك قال: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ) الخبيث المقصود به هنا الرديء؛ فالله - جل وعلا - يقبل الكلم الطيب، ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ) أرسله بالعلم والعمل،

    والعمل لا يُقبل إلا بشرطين:


    - الشرط الأول:
    الإخلاص.

    - الشرط الثاني:
    المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )؛ وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». وهذا معنى شهادة أن محمداً رسول الله.


    قوله:
    ( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) في ذلك تفسيران للعلماء:

    - قيل:
    والعمل الصالح يرفعه: أي يرفع الكلم الطيب.


    - وقيل:
    والعمل الصالح يرفعه: أي يرفعه الله إليه؛

    فقوله: والعمل الصالح: قُيِّد العمل بالصالح؛ فليس كل من عمل عملاً قُبل منه؛ لابد أن يكون العملُ صالحاً،
    والصالح لابد له من شرطين
    ؛ ما هما؟


    طالب:
    الخوف والرجاء

    الشيخ:
    أن يؤدي العمل خائفاً راجياً، وماذا أيضاً من شروط العمل؟

    طالب:
    الإخلاص والمتابعة.

    الشيخ:
    الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ما أركانه؟

    طالب:
    غاية المحبة، والذل.

    الشيخ:
    الذل مع غاية المحبة.من يُعَرِّف العبادة؟

    طالب:
    العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.



    قوله: ( يَرْفَعُهُ ) فيه إثبات العلو لله - جل وعلا - وشيخ الإسلام يورد هذا الأدلة لتأكيد إثبات العلو بالنقل كما هو راسخٌ في الفِطَرِ والعقل؛ فحين يلتقي هذا مع هذا كُلٌّ منهما يقوي إيمان صاحبه.

    وقوله - جل وعلا - عن فرعون (يا هَامَانُ)، وهامان وزير فرعون.

    (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)، ما معنى (خاطئين)؟ الخطأ يطلق في اللغة على معنيين، ما هما؟ ما معنى خاطئين؟

    طالب:
    مخطئين.

    الشيخ:
    لا؛: (آثمين)؛ الخطيئة تطلق على معنيين؛ تطلق كالخاطئة؛ يعني آثمة، خاطئين يعني آثمين، ويطلق الخطأ على مجانبة الصواب؛ خاطئة أي آثمة؛ ولذلك بعض أهل اللغة يحكي اتفاق أهل أهل اللغة على أنه لا يقال (خاطئ) إلا على الآثم؛ لا يقال خاطئ بمعنى مخطئ؛ وهناك قول لأهل اللغة بجواز ذلك.

    فرعون يقول: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا) ما هو الصرح؟ مكان عالٍ؟ نادى فرعون هامان وقال يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب،: أسباب السماوات.(فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا)، طيب لماذا يصنع فرعون هذا؟ لماذا يقول فرعون لهامان: ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات والأرض فأطلع إلى إله موسى وإنه لأظنه كاذباً؟
    لماذا يقول هذا؟

    طالب:
    ينكر.

    الشيخ:
    لماذا يقول لهامان؟ هو لا شك يُنكر، لكن لماذا يقول هذا لهامان؟

    طالب:
    قالها بالفطرة.

    الشيخ:
    يعني تلقائية؛ يقولها بالفطرة؟ (وإني لأظنه كاذباً) يقول؟ لماذا يقول عليه أنه (كاذباً)، ولم يقل كافراً أو جاحداً؟

    طالب:
    هذا إثباتٌ منه أن الله في السماء.

    الشيخ:
    نعم؛ الآية واضحة؛ يقول: (وإني لأظنه كاذبًا) يفهم من ذلك أنَّ موسى كان يدعوه إلى إلهه الذي في السماء، ويخبر أن الله في السماء، فقال فرعون لوزيره هامان ابن لي صرحاً.. لماذا؟ يريد أن يطلع إلى إله موسى، (وإنه لأظنه كاذباً)؛ ما هناك أحدٌ بالسماء؛ أي الذي تدعوني إليه في السماء، فدل لك أن موسى كان يدعوه إلى السماء؛ فيؤخذ من هذا أنَّ مَن أثبت علو الله على خلقه فهو موسوي محمدي تابع لميراث الأنبياء، ومن أنكر علو الله على خلقه، هذا فرعوني جاحد، فلذلك كان موسى يدعو فرعون إلى ربه الذي في السماء، وليس الذي يمشي بينهم كفرعون الذي يدعي الألوهية؛ يقول: أنا ربكم الأعلى.


    وفي الغالب أن فرعون كان يكابر في هذا، ويعلم أنه لم يكن خالقاً، ولم يكن رازقاً ولا مدبراً ،بل يعلم أنه أوجد وخُلِقَ، ولم يَخلق نفسه، وهو يعلم أنه لم يخلق زوجته ولم يخلق من حوله؛ لكنه مستكبرٌ عن الحق؛ ولذلك قال - جل وعلا-(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)؛ هو يَعبثُ بعقولهم.


    وفيه أنه لكل حربٍ ضحايا، لكل قولٍ باطلٍ جملة من الضحايا، لكل جاهلٍ ضحايا، لكل مبطل ضحايا؛ حتى لو خرج شخصٌ الآن يدعي النبوة سوف يكون له ضحايا؛ما إن توفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى خرج من يدعي النبوة، وكان له ضحايا؛ لكن الحق أبلج، والباطل لجلج.


    وقوله - جل وعلا-(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي على السماء؛ (في) هنا بمعنى على،( أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور؛ هناك فوائد:

    - الفائدة الأولى: تُفيد توحيد الربوبية، وأيضا تفيد الألوهية؛ لأنه إذا كنتم تخافون الله إذاً فتطيعونه.

    - الفائدة الثالثة:
    فيه إثبات علو الله على خلقه، وتوحيد الأسماء والصفات.

    - الفائدة الرابعة:
    في أنَّ من عصى الله - جل وعلا - يوشك أن يخسف به الأرض؛ كما في الرجل المتكبر: الأرض تتجلجل به إلى يوم القيامة.

    (فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)أي تضطرب.


    (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) الأمن ضد الخوف أي على السماء في إثبات علو الله على خلقه.

    السماء يُطلق في اللغة على كل ما علا؛ فكلُّ ما علا يُسمَّى سماءً؛ المقصود في هذه الآيات: (من في السماء) أي (على السماء)؛ فوق سماواته مستوٍ على عرشه.


    قوله (يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) أي حجارة من السماء.

    (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) أي حين تستيقنون هذا النذير، حين تعصون الله - جل وعلا - تخالفون أمره وترتكبون نهيه.

    بقيت آية المعية؛ قوله جل وعلا(وَهُوَ مَعَكُمْ) تكون مجموعة أفضل...والله أعلم.



    - طالب: هل ثبت شيء عن قصة "قِسّ النساء"؟

    - لا؛ لم يثبت شيء في هذا؛ قصة قس النساء لم يثبت فيها شيء.
    ننصح كل الإخوة بقراءة كتاب ابن القيم "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة و الجهمية"؛ كتابٌ عظيمٌ ومهم في
    الحديث عن العلو وعن الاستواء، وأقاويل الناس في ذلك؛ حتى أهل الجاهلية يثبتون العلو؛ كما قيل في شعر عنترة:

    يا عبلُ أين من المنية مهربي

    إن كان ربي في السماء قضاها


    هذا جاهليٌّ يثبت علو الله على خلقه؛ ومع هذا الجهمية يكابرون في ذلك؛ منهم من يقول: هذا مجازٌ.

    هؤلاء الجهمية والمعتزلة والأشاعرة؛ كُلُّ هؤلاء لا يثبتون علوَّ الله خلقه؛ فلذلك هؤلاء فراعنة هذه الأمة؛ لأن من لم يثبت العلو ليس له إيمان سوى إيمان فرعون الذي يقول لموسى:
    ( وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا )؛ فالعلو ثابتٌ بالفطرة، ثباتٌ بالأدلة الواضحة الجلية، وأنَّ الله جل وعلا فوق سماواته مستوٍ على عرشه، وهذا موجود عند أهل الجاهلية،وفي أقاويلهم ونحو ذلك....


    - طالب: هل أهل الطريقة الذين يقولون بوحدة الوجود ينكرون العلو لله جل وعلا؟

    - الشيخ:
    نعم؛ لأنهم يقولون أن الله - جل وعلا - موجودٌ في كل مكان؛ فهؤلاء لا يثبتون العلو المقصود في الكتاب والسنة؛ يثبتون العُلُّو المطلق؛ الذي يقتضي أن يكون مُمتزجاً ومخالطاً وموجوداً مع غيره؛ فلا تمايز له من ذلك، وبالتالي: نعم؛ وينكرون ذلك أهل الطريقة.



    - طالب: هل يجوز إطلاق لفظ "المسيحيين" على النصارى؟


    - الصحيح أنَّ هذا غلط؛ بعض من الناس يطلق على النصارى (المسيحيين)، وهذا غلط؛ يعني نسبة إلى عيسى، وهذا ضلالٌ؛ لأن هؤلاء لا ينتسبون إلى عيسى حقيقة، وفي نفس الوقت هذا الوصف لا يُطلق عليهم؛ الله سماهم نصارى ولم يسمهم مسيحيين، وشيخ الإسلام يقول في مقدمة الرد (على من بدل دين المسيح): يقول أنا ناظرتُ نصرانياً فأثبتُّ له أنه كافرٌ بعيسى قبل أنْ يكفر بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم،

    يقول: حين ناظرته قلت له: هل تؤمنون بعيسى؟ قال: نعم. قُلتُ: ألم يرد في كتابكم الإخبار عن محمد؟ قال: بلى؛ ورد.

    قلت: إذاً أنتم كفرة بعيسى؛ لأنكم لو كنتم مؤمنين بعيسى لآمنتم بمحمد؛ لأن عيسى بشّر بمحمد؛ فأنتم كفرتم بعيسى قبل أن تكفروا بمحمد
    صلى الله عليه وسلم؛ (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)؛ فعيسى بَشَّر بمحمد، وجميع الكتب السابقة كانت تبشر بمحمد؛ فهؤلاء حين لا يؤمنون بمحمد هم كفرة بعيسى أيضاً؛ فنحن حين لا نطيع محمداً في شيءٍ ألا نعتبر عصاةً؟! حاشانا من ذلك ، وأعاذنا الله من ذلك؛ فمن لم يؤمن بمحمدٍ يعتبر كافراً بمحمدٍ؛ فالنبي حينما أخبر عن المغيبات؛ من يقول لك: "إن عيسى لن ينزل في آخر الزمان، وإن النبي أخطأ في ذلك" هل يُعَدُّ مسلماً؟ لا؛ لأنه كفر بمحمدٍ؛ فهؤلاء حين امتنعوا عن الإيمان بعيسى في نزوله بعد محمد يعتبرون كفرة بعيسى.

    أما الاتحاد فهو أخص من الحلول؛ بمعنى أنه يقول أنه اتحدَّ مع كذا ومع كذا، وأيضاً فيه شَبَهٌ من الوجودية الذين يقولون أنَّ وجود هذا هو عين وجود الله؛ كما يقول ابن سينا وطبقته.



    - طالب:
    هل ذكر ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية زيادةً عن غيره فيما يتعلق بإثبات العلو؟

    - الشيخ:
    نعم ما جاء في اجتماع الجيوش الإسلامية أكثر وأكثر؛ فهو أكثر تحقيقاً وأكثر نقلاً عن الأئمة - رحمه الله تعالى - لأنه استطرد - رحمه الله تعالى – في اجتماع الجيوش الإسلامية في إثبات العلو، بالفطرة ،باتفاق الرسل ،باتفاق الصحابة والتابعين وأئمة الهدى ومذاهب الأئمة، ثم استطرد - رحمه الله تعالى - وأتى بإثبات العلو عن طريق البهائم والدواب والحشرات والطيور وغيرها وغير ذلك؛ فهؤلاء كلهم أهدى سبيلا من الجهمية الذين ينكرون علو الله على خلقه.


    - طالب:
    هل أدلة العلو قطعيّةٌ؟

    - الشيخ:
    نعم؛ قطعية، الأدلة قطعية.


    -
    هل الحديث: «أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من العبد الصالح من قومك» حديث ضعيف؟

    - نعم؛ الحديث ضعيفٌ
    ؛ الأخ يسأل عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أوصيك أن تستحيي من الله تستحيي من الولي الصالح من قومك»؛ ضعيف ؛ وفي رواية «الرجل» ضعيفٌ أيضاً.


    - طالب:
    هل يخلو العرش من الله u حينما ينزل إلى السماء الدنيا؟

    - لم يثبت هذا؛ والذي نَصَّ عليه الإمام أحمد أنه حين ينزل ربنا لا يخلو منه العرش، هذا الذي نَصَّ عليه الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله تعالى - والمسألة خلافية فقهية.



    -
    هل الشهيد يَرزق؟

    -
    لا؛ الشهيد ما يَرزق، الشهيد يشفع.


    -
    ولكن ألم يرد في القرآن ما يدل على هذا من قول الله u عن الشهداء (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)؟

    -
    ما قال يَرزقون؛ قال "يُرزقون"؛ الله يرزقهم؛ بمعنى أن الله - جل وعلا - ينعم عليهم؛ فالله قال إنه يرزقهم ما قال: يَرزقون.


    -
    هل القول بأن الخطيئة ما كان بينك وبين الله، وأن الخطأ ما كان بينك وبين الناس- يصحّ؟

    -
    ضعيفٌ هذا القول؛ لأن فرعون هل كانت الخطيئة بينه وبين الله؛ ألم يكن يسوم هؤلاء ويستحيي نسائهم ويذبح أطفالهم؛ فكأنه جمع بين كل أنواع الخطيئة؛(إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) يعني آثمين، عصاة متمردين شاردين عن الحق؛ لا يعرفون إلى الإنسانية طريقاً، ولا إلى الحق سبيلاً؛ فالتفريق فقط بين الخطيئة بمعنى الإثم، والخطيئة بمعنى الخطأ، وإلا فإن الخطيئة ترد بمعنى الخطأ في حق النفس ،والخطأ في حق الغير.


    -
    هل يمكن أن ترد "الخطيئة" بمعنى الجهل؟

    -
    هو يُطْلَق؛ نعم الخطأ يطلق على الجهل؛ لكن ليس بمعنى الخطيئة؛ بمعنى الخطأ الذي هو ضد الصواب، و«خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي»؛ خطئي هنا بمعنى ارتكاب ضد الصواب؛ هذا نعم يطلق؛ لكن لا تطلق "الخطيئة" بمعنى الخطأ؛ هذا هو الغلط، وإن كان بعض العلماء يحكي الإجماع خلاف هذا.


    -
    هل توجد الجهمية الآن ؟

    - الجهمية لهم وجود الآن
    بكثرة؛ نعم يوجدون بكثرة الآن في "عمان"، والآن هم الإباضية؛ طبعاً الإباضية خوارج؛ لكن في هذا العصر حقيقة ليس هناك مذهبٌ متبع واضح؛ لكن لهم وجود بكثرة في اليمن،في عمان، في الأردن ،السقاف وطبقته، أتباع الكوثري؛ كلهم جهمية.

    الإباضية الأصل فيهم خوارج؛ يكفِّرون بمطلق الذنوب؛ لكنهم في الأسماء والصفات جهمية، ويوجد كتاب مفتيهم " الخليلي"؛ اسمه "الحق الدامغ" عنوانه هكذا؛ هذا كله على مذهب الخوارج، والجهمية؛ فهم في الحقيقة في التنظير خوارج، في العمل مرجئة؛ فاختلط مذهبهم؛

    الأصل في الأوائل: أن الخارجي لا يكون مرجئاً أبداً؛ والمرجئي لا يكون خارجياً، الخارجي لا يكون مرجئاً كما في عصرنا الآن؛ ففي هذه المسألة من ينادي بذمِّ الخوارج؛ بلا شك أن الخوارج يُذمُّون، وينبغي البعد عنهم والضرر؛ منهم ومن عشيرتهم؛ لكن بعض الناس يصف الآخرين بما يقارب من الحق، صار خلط في القضية؛ لكنه يسبّ الخوارج ويذم الخوارج وطلبة العلم و نحو ذلك، في نفس الوقت هو عنده مشكلة مع الآخرين؛ فما هناك ضوابط الآن وموازين واضحة؛ يعني أصبحت الآن الديانة في الناس قليلة؛ وبالتالي تتلاعب بهم الأهواء.




    فائدة


    - عندي كتب قرأتها من قبل، وأريد أن أعيد قراءتها، وكتب لم أقرأها بعد فهل الأفضل أن أعيد قراءة ما قرأته، ثم أبدأ في الجديد أو أجمع بينهما في وقت واحد؟

    - الشيخ:
    القراءة تختلف بين شخصٍ ذكيٍ فهيم؛ حين يقرأ الكتاب يفهمه ويحفظه؛ فمثل هذا حين يقرأ الكتاب ويفهمه ويستوعبه ينتقل إلى غيره، ولكن يبقى أن بعض الكتب في حاجةٍ إلى قراءةٍ أكثر من مرةٍ؛ لأهميتها وفوائدها؛ كمؤلفات ابن تيمية، ومؤلفات ابن القيم؛ هذه بحاجةٍ إلى قراءةٍ أكثر من مرة؛ فإذا دعت الحاجة إلى قراءة الكتب أكثر من مرة، فلا حرج أن تؤخر مثلاً قراءة كتب ابن عبد البر وكتب ابن حزم وكتب بعض الأئمة لأجل هذه الكتب؛ لكثرة فوائدها؛ ولاستيعابها جميع مذاهب الأئمة الأربعة ومذاهب الناس وغير ذلك؛ فالإنسان يحرص كل الحرص على أن يكون موسوعةً علميةً متنقلة، ويسأل الله - جل علا –الفتح ، العلم فتحٌ من الله - جل وعلا -.

    والعلم يدخل قلب كل موفَّق


    من غير بوابٍ ولا استئذان


    ويرده المحروم بالخذلان

    لا تُشقنا اللهم بالحرمان


    فما عند الله قريب ،وما عند المخلوق بعيد

    ولو سئل الناس التراب لأوشك

    إذا قيل هاتوا أن يملوا و يمنعوا


    ولكن الله حين تتأخر عن سؤاله يغضب عليك.
    والله يغضب إن تركت سؤاله

    وبُنيُّ آدم حين يُسألُ يَغْضب

    فلذلك يسأل الإنسان الله الفتح، يسأل الله العلم، يسأل الله البصيرة، ويُحسن قراءة الكتب، ويسألُ الله - جل وعلا - السداد والتوفيق، المعونة.


    -
    ما حكم من يطلب من الاسم "عليّ" ويدعوه؟

    -
    هم ينادون علياً ويسألون عليَّاً: "يا عليِّ اغفر لي، يا عليّ ارحمني.


    -
    فما حكم من يدعو عليَّا على أنه اسم من أسماء الله؟

    -
    ما معنى أن "عليّ" اسم من أسماء الله؛ هم يدعون عليَّا؛ فرْقٌ بين المسألتين؛ فأن تَلقي شخصاً يقول: "اللهم أنت العليُّ" فهو يَعني الله فلا يُشتبه فيه؛ أما حين يقول: "يا عَليّ يلبس عن الناس"، وإذا أوقف قال: أنا أقصد الربّ. فهذا مُلَبِّسٌ؛ الرب العليّ


    -
    ماذا يفعل من يقرأ في الكتب ولكنه لا يعي كلّ ما يقرأ؟

    -
    إذا كان عنده مثلاً قلة حكم أو وعك في الفهم، أو قلة الوقت، فجدير في حقه أن تكون هناك دراسة في بعض الأبواب؛ لأهميتها؛ حتى يَستوعبها ويتقنها ويضبطها، وهذا في الحقيقة أفضل بكثير من أن يتخبَّط قراءةً في الكتب وهو لا يستوعب أو لا يُفهم؛ ما دام الوقت عنده قليل أو الفَهْم أو الحفظ؛ فبالتالي كونه يركز أهم من كونه يقرأ كل يومٍ في كتاب فيكون كالمنبَتّ؛ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى؛ لا، كونه يركز ويفهم ويستوعب هذا جميلٌ وجيد، والزُّهْري يقول - رحمه الله تعالى: العلم تُعطيه كُلَّلك فيعطيك بعضه؛ فكيف بنا الآن ونحن لا نُعطي العلم إلا في وقت الفراغ، ومع ذلك وقت الفراغ يغيب تارةً ويحضر تارةً أخرى؛ هذا العلم شريف ولا يناله إلا الشرفاء

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم

    وتأتي على قدر الكرام المكارم



    - ما تعريف الحديث الصحيح و الضعيف؟

    - الصحيح هو ما كان بِِنَقْلِ عَدْلٍ تامِّ الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ؛ هذا الصحيح عند العلماء؛ ما رواه الثقة عن الثقة، ولم يكن في سنده انقطاع، ولم يكن له علة، وليس فيه شذوذ؛ كما مالك عن نافع ابن عمر؛ كأبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة؛ كسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ونحو ذلك؛ أن قلَّ الحفظ أو الضبط لا يصير ضعيفاً؛ قد ينزل من درجة الصِّحَّة إلى درجة الحسن؛ لأن الحسن قسيمُ الصحيح.

    أما الضعيف فما كان في إسناده سيئ الحفظ، أو مختلط، أو من اتفق الحفاظ على ضعفه، ولأن الضعف قد يكون نتيجة نكارة متن، وليس ضعف إسناد.

    والضعيف مراتب؛ منه الضعيف جداً، ومنه الضعيف، ومنه الشاذّ، ومنه المنكر، ومنه المتروك، وغير ذلك.


    - هل يمكن أن توجد طوائف ضالة الآن يمكنها الجمع بين مذهبين متناقضين؟

    -
    أنا قلت أن هناك طوائف الآن يجمعون بين المتناقضات؛ موجودة الآن في عصرنا، وقُلتُ أن الإباضية يجمعون بين مذاهب المرجئة ومذاهب الخوارج، وطبعاً الخوارج والمرجئة لا يجتمعان؛ كما لا يجتمع الماء والنار؛ ؛ المرجئة يقولون :لا يضر مع الإيمان ذنب، والخوارج يكفرون بمطلق الذنوب؛

    ولكن الإشكالية الآن هي قلة التدين في الناس، وانسلاخ الكثير من مبادئهم ومن قيمهم ،والبحار المتدفقة العلمانية على العالم العربي والإسلامي، جعلت هؤلاء يتوغلون في الضلال دون شعورٍ أو بشعورٍ لحب المادة وإيثار الدنيا على الآخرة؛ فالآن حين ننظر لقضية عمان؛ هم مخارج في مذاهبهم وصفتهم؛ يكفرون بمطلق الذنوب، ولا يتنكرون لذلك؛ ولكنهم في نفس الوقت كواقع عمليٍّ منهجيٍّ هم مرجئة؛ فهم في الأمور النظرية يكفرون بها؛ لكن في الأمور العلمية يقعون فيما يقع فيه المرجئة.


    حتى الأحناف؛ أشد المذاهب الأربعة تكفيراً؛ الأحناف
    ؛ يقولون من قال "مصيحف" كافر، "مسيجد" كافر يكفرون بأشياء ما يكفر بها الآخرون؛ ولكنهم عندهم النزعة الأوزاعية؛ حين يأتي لقضية التكفير يقول :هذا ما استحل، هذا ما جحد؛ هكذا؛ فالنزعة الأوزاعية الموجودة مع التوسع اللفظي في تكفيرهم؛ فهؤلاء لا يرونها قضية الآن ، حين يأتي التنظير يكفرون بمطلق الذنوب؛ يقولون بأنَّ آكل الربا مرتد عن ديننا، ويقولون بأشياء كثيرة من مُطلَق الذنوب؛ الزاني إذا لم يتب كافرٌ؛ لكن حين يأتي الواقع العملي لا يكفرون، ولا يناصرون الكفار على المسلمين، لماذا؟ لأنهم عندهم النزعة الإرجائية واقعية في عملهم؛ فأثَّر عليهم الواقع العملي؛

    فهم بقوا في الأمور النظرية دون الأمور العملية؛ هذا في الحقيقة بدأ يدون الآن في مجتمعنا؛ ترى مثلاً من هو شديد؛ يُبَدَّع، فيضلل؛ حتى في العلماء وطلبة العلم؛ لكنه فيمن يحارب الشريعة لا يتعرض له بشيء؛ بل ربما يعظمه ويثني عليه، ويرى أنه هو ناصِرُ الدين هذا العصر؛ فهم في الحقيقة مُرجئة من وَجه، خوارج من وَجْهٍ آخر.




    - هل يجوز الاستدلال بآيات القرآن في خطاب الناس؟

    - هناك خلاف؛ لكن الصواب عدم الاستدلال بالآيات القرآنية في خطاب الناس ونحو ذلك، والصواب أنَّ هذا مكروهٌ ، فيما أجازه البعض؛ لكن الصواب أنه مكروه في أصَحِّ قولي العلماء؛ لأن هذا يؤدي أولاً إلى امتهان القرآن، وتنزيله في غير منزلته؛ الأمر الثاني ربما الإنسان يُفسِّرُ الآية على غير تفسيرها ويقع في المحذور، ولكن أصحُّ القولين في مذهب الإمام أحمد كراهية هذا، وهذا الذي ذكره السفاريني - رحمه الله تعالى - في "غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب".
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الإثنين 18 أكتوبر - 22:42:25

    - ماذا عن وَضع الآيات في الكلام على سبيل الاقتباس؟

    - هو يتكلم عن وضع الآية: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) ونحو هذا؛ يأتي بألفاظ القرآن في غير موضعها؛ قد لا يكون اسمه موسى؛ (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) وضعت في غير السياق الذي سيقت له؛ فهو قد فَسَّر القرآن بغير تفسيره؛ هذا هو وجه الغلط في تعامل الناس؛ كلٌّ يستفيد من القرآن؛ كبلاغةٍ وفصاحةٍ؛ ابن القيم - رحمه الله - يدرج في أهميه بعض الآيات؛ وهذا لا حرج منه؛ ويسميه أهل البيان اقتباساً؛ الاقتباس لا حرج منه؛ أما إن تضع الآية في غير موضعها فهذا هو المحظور.



    - إذا صلى الإنسان قاعداً هل يرفع يديه في تكبيرة الإحرام؟

    - نعم؛ الإنسان إذا صلَّى قاعداً يرفع يديه في تكبيرة الإحرام في الركوع؛ إلا أن رفع اليدين غير مختصٍّ بصلاة القائم؛ في صلاة القائم والقاعد، والأيدي ترفع في أربعة مواضع؛ في تكبيرة الإحرام، في الركوع، في الرفع من الركوع، في القيام من التشهد الأول.



    * * * *
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الإثنين 18 أكتوبر - 22:47:01

    بسم الله الرحمن الرحيم




    الشريط (13)


    (لما تحدث شيخ الإسلام) عن استواء الله -جل وعلا- على عرشه وعلوه على خلقه شرع يتحدث عن معية الله -جل وعلا-، وأن المعية لا تنافي علوه، فهذا في غاية المناسبة وفي دقة الفهم، وإن طوائف من أهل الضلال يعتقدون تماثلاً ، أو يعتقدون اتحاداً أو امتزاجا ، ويعتقدون أن علوه ينافي معيته، وهذا غير صحيح، فقد دل الكتاب والسنة والعقل والنظر على بطلان هذا القول، وأن علو الله -جل وعلا- على خلقه لا ينافي معيته لخلقه وأن المعية لا تعني اختلاطاً ولا امتزاجاً، فإن الله -جل وعلا- بائن من خلقه، فهو فوق سماواته مستوٍ على عرشه.


    وقوله -جل وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) أي معبود، ولقوله -جل وعلا-: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) ولقوله -جل وعلا-:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا» وغير ذلك من الأدلة الصحيحة في هذا الباب.

    تقدم في الدرس الماضي قول الأوزاعي: (كنا والتابعون متواترون نقول بأن الله فوق سماواته مستوٍ على عرشه)، وهذا لا يختلف فيه أهل السنة، دل عليه النقل والعقل، فقد فطر الله عباده على ذلك، والأدلة الواردة في الكتاب: (وَهُوَ مَعَكُمْ)،(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وغير ذلك، وسيأتي الحديث عن ذلك مفصلاً.


    والمعية على أحد وجهين:

    النوع الأول:
    معية عامة، دلت عليها أدلة أخرى،
    النوع الثاني
    : معية خاصة تقتضي نصراً وحفظاً وتأييداً،

    ولا أحد يفهم كتاب الله أعظم من فهم رسول الله
    صلى الله عليه وسلم ومن فهم الصحابة رضي الله عنهم، ولم يقل أحد منهم بأن المعية تقتضي اختلاطاً أو امتزاجاً أو اتحاداً أو غير ذلك.


    وقوله -جل وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) (هو) أي الله -جل وعلا-، (خلق) في إثبات صفة الخلق لله -جل وعلا-، (السماوات) قدمت على الأرض وهي المتأخرة في الخلق لأن السماوات أشرف من الأرض، ويؤخذ من ذلك أنه لا يلزم من التقديم أن يكون أسبقياً في الخلق، بخلاف قوله الله -جل وعلا-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قدم الجن مع أنهم ليسوا بأشرف من الإنس، لماذا؟ لأنهم خلقوا أولاً فقدموا، هنا قدمت السماوات لأنها أشرف وليست بأسبق في الخلق.

    قوله (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي من أيام الله -جل وعلا-.
    قال تعالى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).
    قوله:(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) ثم تفيد الترتيب والتعقيب وهذا يعني أن استواءه جاء بعد خلق السماوات والأرض، خلق الله الأرض ثم استوى إلى السماء، ثم بعد ذلك دحا الأرض،فكان دحي الأرض عقب خلق السماء ؛لأن الله خلق الأرض أولاً، ولذلك قال الله u: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) ولم يقل خلقها، لأن الخلق كان متقدماً على خلق السماوات.

    قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) تقدم الحديث عن ذلك، وأهل السنة متفقون على إثبات الاستواء، في إثبات العلو وإثبات الاستواء، وأهل السنة لهم أربعة معانِ في الاستواء نظمها ابن القيم في النونية فقال:

    ثلاث عبارات عليها أربع ** قد فصلت للفارس الطعّان

    وهي استقر وقد علا وكذلك ** ارتفع الذي ما فيه نكران

    وكذاك صعد الذي هو رابع ** وأبو عبيدة صاحب السودان

    يختار هذا القول في تفسيره ** أدرى من الجهمي بالقرآن

    تقدم أن العرش سرير له قوائم،(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)بخلاف الكرسي؛ قال ابن عباس: (الكرسي موضع القدمين)، رواه الدارمي وغيره من سند صحيح، في الرد على الجهمية.

    قوله (يعلم) فيه إثبات صفة العلم لله -جل وعلا- وهذا يبعث على البعد عن معصية الله وعن الاستتار عن المخلوق؛ لأنه بقدر ما يستتر عن المخلوق الله -جل وعلا- مطلع عليه، (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

    وهو العليم أحاط علماً بالذي ** في الكون من سر ومن إعلان

    وبكل شيء علمه سبـحانه ** فهو العليم وليس ذا نسـيان

    قال تعالى:(لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
    وأهل السنة متفقون في أن الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات، يعلم ما ظهر وما بطن، ويعلم ما تسرون وما تعلنون.


    قال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).
    تقول عائشة: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، قد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها وأنا قريبة منها فلا أسمعها، فسمع الله شكواها من فوق سماوات وأنزل (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إلى آخر الآيات.


    قوله:(مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي في بطن الأرض سواء من الدواب والحيوانات والمخلوقات في باطن البحر، أو المخلوقات باطن الأرض من الفواكه والخضار ونحو ذلك، مهما كان حجمه ومهما كان قدره ،فإن الله يعلمه.

    وقوله: (وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا) من الحبوب والثمار والدوار وغير ذلك، هذا غير خافٍ على الله؛ فإن الله يعلمه، ويعلم مستقرها ومستودعها.

    قوله: (وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ) أي من المطر، ومن الملائكة، (وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا) أي يعرج إلى السماء من الملائكة.

    (وَهُوَ مَعَكُمْ)حكى ابن عبد البر وغيره اتفاق أهل السنة بأنه (بعلمه)، وليس هذا من التأويل المذموم كما يدعي الأشاعرة، فهم يقولون أنتم تذمون التأويل ،وهذه الآية تفسرونها بالعلم.

    وإننا نقول إن التأويل المذموم ما كان بالهوى ، أو كان على خلاف فهم الصحابة، أو كان على خلاف مقتضى وسياق الآية، أما ما دلت عليه الآية كما في قوله تعالى (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى) لأن الله قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) .


    يقول الإمام أحمد (افتتحها بالعلم وختمها بالعلم) ومع هذا قال
    بعض أهل السنة (وهو معكم) تجري على ظاهرها بشرط ألا يعتقد مماثلة ولا ممازجة ولا اتحاداً؛ يعني من قال من أهل السنة كما قال ابن تيمية- ويأتي إن شاء الله في الحقيقة- ذو حق على حقيقته، بشرط ألا تعتقد اتحاداً ولا امتزاجاً ولا اختلاطاً؛ نقول : إن هذا هو قول أهل السنة ، لكن بشرط ألا يتصور الإنسان هذا التصور؛ لأن من تصوره كان منحرفاً ضالاً زائغاً ملحداً وبالتالي أهل السنة يقولون ذلك لتفادي بعض ما قد يتصوره العامة في هذا الباب.


    قوله:(أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)أي في بر أو بحر، في ليل أو في نهار، وفي أي مكان كنتم،(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قال تعالى: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)ويؤخذ من ذلك إثبات صفة الرؤية لله –جل وعلا، إثبات صفة العلم، إثبات صفة العلو، إثبات صفة الاستواء، إثبات إحاطة الله بكل شيء.


    وقد ذكرت هذه الآية لإثبات صفة المعية، والمعية نوعان؛ معية عامة وهذه لا يختص بها المؤمنون دون غيرهم، معية عامة للمؤمنين والكافرين، وذلك أن الله -جل وعلا- معهم لا يغيبون عنه؛ معهم بعلمه ،وعلى مرأى منه، لأن الله قال: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

    النوع الثاني
    : معية خاصة؛ معية للمؤمنين تقتضي حفظاً ونصراً وتأييداً، فقول الله -جل وعلا- (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) أي بنصره وتأييده وحفظه، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.


    وقوله -جل وعلا-:(مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ) افتتح الله هذه الآية بالعلم (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ) في إثبات صفة العلم لله -جل وعلا.

    وقول الله -جل وعلا- (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) : لا يصح في لغة العرب أن تقول ثلاثة زيد خامسهم، لماذا؟ إلا أن يكون ذلك لله -جل وعلا: إلا هو رابعهم، لكن تقول سادس ستة، سابع سبعة، ثامن ثمانية، أما قوله -جل وعلا-: (وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فلأنه ليس من جنسهم، فهم يعبرون بما ليس من جنسهم، (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الثاني غير الأول، فإذا أردت أن تقول ذلك ،فلابد أن يكون الثاني غير الأول؛ تقول ثلاثة زيد رابعهم، هذا يعني أن زيد ليس منهم، وهذا غلط في لغة العرب، فلا تقول هذا إلا إذا كان الثاني من غير جنس الأول.


    قوله(وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ) لأنه ليس من جنسهم، (وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ)، فيه إثبات صفة العلم لله -جل وعلا- لأن الله -جل وعلا- قال: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) افتتحها بالعلم وختمها بالعلم، وقد فسَّر الإمام أحمد وابن عبد البر وغيرهما المعية في هذه الآية بأنها معية علمية،


    قوله (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فيه إثبات صفة العلم، فيه إثبات صفة الإحاطة ،وفيه إثبات صفة الرؤية ،وفيه إثبات البعث وفيه إثبات الحساب، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فيه إثبات عظمة الله -جل وعلا-، وفيه إثبات القدرة لله -جل وعلا.

    وفي بيان حقيقة المعية، يتردد أن أهل السنة لهم في المعية قولان؛ منهم من فسر المعية بالعلم، ومنهم من قال تجري على ظاهرها وهي حق على حقيقته، بشرط ألا تقتضي أو ألا يُتوهم اتحاد أو امتزاج أو اختلاط، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولذلك لا يصح القول بأن المعية ذاتية مهما كان صاحبها يقصد من معنى، وإن قال: أنا أقصد بالمعية الذاتية التي لا تقتضي امتزاجاً ولا اختلاطاً -لسببين:

    السبب الأول
    : أن هذا اللفظ يوهم هذا المعنى .

    السبب الثاني: أن هذا اللفظ لم يرد لا في الكتاب -أي في هذا الموطن طبعاً- ولا في السنة، ولا في قول صاحب، ولا قال ذلك أحد من العلماء.

    قول ابن تيمية: (حق على حقيقته) لا يعني أنه يوجب الذاتية، إنما يعني أن اللفظ يجري على ظاهره دون تفسير للذات؛ لأنه لم يرد، إن قال قائل :فإذا لم يرد الذات؛ مثلاً يفسرون المعية بالعلم نقول بأن الله -جل وعلا- افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم فالحديث عن العلم، هذا السبب الأول.

    السبب الثاني
    : السلف هم الذين يفسرون هذا واتفقوا على هذا المعنى ،وحكاه غير واحدٍ من العلماء إجماعاً.


    قوله -جل وعلا-:(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) قوله (لا تحزن) من الذي قال ذلك؟ قاله الله -جل وعلا- عن النبي صلى الله عليه وسلم يقوله لأبي بكر، ما هو الحزن؟ الحزن يطلق على معان، والحزن المذموم هو الذي يؤدي إلى تفويت محبوب أو ارتكاب محظور، أما ولع القلب أو الهم الذي ينتابه فهذا لا يضر مادام لا يترتب عليه شيء من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العين تدمع والقلب يحزن» وصف نفسه بالحزن، النبي صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بالحزن،وهذا لا يضر مادام لا يؤدي إلى تفويت محبوب أو ارتكاب محظور.


    قوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) قال صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» أي بالنصرة والتأييد، أخذ أهل العلم من هذه الآية إثبات الصحبة لأبي بكر، وأن من قال عن أبي بكر أنه ليس بصحابي أو سبه فهو مرتد عن الدين، والسبب عند العلماء أنه أنكر القرآن.


    من المقصود من الآية (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) الآية والأحاديث مفسرة بأنه هو أبو بكر، فمن قال غير ذلك فقد كذب بكلام الله -جل وعلا.


    (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) أي بنصره وحفظه وتأييده(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) ويؤخذ من ذلك إثبات قدرة الله -جل وعلا.


    سؤال
    : ما وجه الاستنباط من آية (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) في إثبات صفة القدرة؟

    الجواب
    : قلنا (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) هنا تقتضي النصرة والتأييد، إذن كيف ينصر ولا يقدر؟ ولذا نقول هنا بإثبات صفة القدرة لله -جل وعلا-، إذن نأخذ من ذلك إثبات صفة القدرة، وإثبات صفة العلم وإثبات صفة الرؤية، وإثبات المعية، نأخذ أربع صفات؛ صفة القدرة، وصفة العلم، وصفة الرؤية، وصفة المعية.


    قول الله -جل وعلا-(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)فيه إثبات صفة السمع والرؤية، وفيه إثبات المعية حين قال الله -جل وعلا- (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) أسمع كلامكما وأرى حالكما، إذ (إنني معكما) أي بالنصر والتأييد، لأن الله أمره أن يذهب إلى فرعون، فيقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى، فقد أمرهما الله -جل وعلا- أن يذهبا إليه وقال: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا) إذاً من كان الله معه فلا يقدر عليه أحد، ولو اجتمع من في الأرض جميعاً، فيه ضرورة التعلق بالله -جل وعلا-، وحين ألقى إبراهيم في النار، ماذا قال؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، لم يلجأ إلى مخلوق، والأثر المشهور على ألسنة الكثير بأن جبريل اعترض على إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- في الهواء ، فقال: ألك حاجة، قال أما إليك فلا- هذا أثر ليس له أصل، هذا أثر موضوع،والصوفية يحتجون بهذا على ترك الأسباب وهذا ليس له أصل، إبراهيم حين ألقي في النار كما جاء في البخاري من رواية ابن عباس ماذا قال؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.


    وحين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن الناس قد جمعوا لك، ماذا قال؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
    إذا انقطعت أطماع عبد عن الورى ** تعلق بالرب الكريم رجاؤه


    فأصبح حراً عزةً وقناعةً ** على وجهه أنواره وضياؤه


    وإن علقت بالخلق أطماع نفسه ** فباعد ما يرجو وطال عناؤه


    فلا ترج إلا الله في الخطب وحده ** ولو صح في فن الصفاء صفاؤه

    فقوله -جل وعلا- (إِنَّنِي مَعَكُمَا) أي بالنصر والتأييد والحفظ، وأنهما على مرأى ومسمع من الله -جل وعلا-، ففي الآية إثبات الأسماء والصفات، و إثبات القدرة، وإثبات الرؤية، و إثبات السمع، و إثبات المعية ،وفيها ضرورة تبليغ هذا الدين، وفيها الحكمة من بعثة الرسل، وهي أن يبلغوا رسالات الله (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا).


    وقوله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) يؤخذ من هذه الآية إثبات صفة الربوبية، وإثبات توحيد الإلهية، وإثبات توحيد الأسماء والصفات.

    من أين فهمنا توحيد الربوبية؟


    من قوله (إن الله) هذا فيه توحيد الربوبية، توحيد الربوبية يقتضي الإقرار بوجود الله لا إله غيره ، هذا توحيد الربوبية.

    (مع الذين اتقوا) فيه الألوهية، ما معنى ذلك؟ أنهم يفردون الله بأفعالهم لا يعبدون معه غيره بمعنى يوحدون الله -جل وعلا-، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) أين إثبات الأسماء والصفات؟


    في قوله -جل وعلا-(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) مع الذين اتقوا بالحفظ و النصر والتأييد، ولذلك قال الله -جل وعلا- في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: «من عادى لي ولياً» يسمى هذا بحديث الولي ، رواه البخاري من طريق من؟


    من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله -جل وعلا-قال: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب».


    ما معنى الحرب هنا؟


    معنى إعلان الحرب أي أن الله -جل وعلا- يفتك به ويبطش به مثلما قال الأخ، إذن نأخذ من هذا أن من عادى أولياء الله فقد آذن الله بالمحاربة، ومن نشر الفساد في الأرض فقد آذن الله بالمحاربة، لأن الله قال عن أكلة الربا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).


    (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، التقوى فعل المأمور واجتناب المحظور، وقيل التقوى ألا ترى نفسك خيراً من أحد، وقيل: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، لأن الإنسان قد يترك المعصية وهو لا يخشى عقاب الله؛ لأن نفسه تعاف ذلك، وقد يؤدي الطاعة ولا يرجو ثواب الله فلا يؤجر على ذلك.

    ( وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) إذاً المعية لا تكون إلا للذين يتقون والذين هم محسنون، فخرج عن المعية الذين يفسدون ولا يصلحون، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

    ولكن هل يراد في هذا الموضع الإحسان بهذا المعنى؟ الصواب لا لأنه في هذا الموضع لا يراد هذا المعنى ،وإنما يراد بهذا المعنى الإحسان العام، بمعنى الإحسان إلى الآدميين بمعنى نفعهم، والإحسان إلى البهائم، إن الله قد كتب الإحسان على كل شيء، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» وبمعنى الإحسان، الإصابة في العمل بمعنى الإخلاص وبمعنى متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وهديه.


    وقوله -جل وعلا-: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أمر الله -جل وعلا- بالصبر الذي هو حبس النفس عن الجزع، الصبر الذي أمر الله به على ثلاث مراتب. ما هي؟

    الصبر على المعصية
    ؛ أنه يصبر على أنه ما يغتاب أحداً؛ يصبر على أنه ما يفعل حراماً، على أنه ما يرتكب ذنباً.

    الثاني
    : الصبر على الطاعة، فهو حين يؤدي العبادة سواء كانت واجبة أو مستحبة تحتاج إلى صبر، وإلا سرعان ما ينقطع عن أداء هذه العبادة، لو عنده صبر ممكن يسبح في اليوم ألف تسبيحة، آخر ما عنده صبر يسبح عشراً، استكثر هذا، وأدلى بنعمته على ربه، وأنه وتد من أوتاد الدين، إذا سقط سقط الدين كله، لأنه سبح لله عشر تسبيحات.

    النوع الثالث:
    الصبر على أقدار الله؛ بمعنى أنه إذا أصابته مصيبة يصبر، الله -جل وعلا- يقول:(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ).

    قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، الله -جل وعلا- يقول: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ولذلك قال (الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) إلى أن قال: (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هذا لا يتأتى إلا مع الصبر.


    ولذلك الصبر، منزلته من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد؛ إذا قطع الرأس فلا حياة؛ ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أعطي أحد عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر» الحديث في الصحيحين، وقال صلى الله عليه وسلم والحديث لمسلم: «والصبر ضياء» (إن الله مع الصابرين) أي معهم بحفظه ونصره وتأييده وستره وغير ذلك، هذه المعية خاصة بالصابرين، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوضح هذا المعنى: «من يتصبر يصبره الله»


    وقوله -جل وعلا-:( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) غلبة الكثرة لا تكون إلا بالإيمان ونصر الله وتأييده والصبر (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) لأن الإسلام لا ينتصر لا بعدده ولا بعتاده، ينتصر بالحق الذي هو موجود في قلوب أهله، وحين يتخلف هذا الحق عن قلوبهم يهزمون، الصحابة على علو قدرهم ومنزلتهم حين أعجبوا بكثرتهم يوم حنين غلبوا (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) الماديون الآن والسطحيون يعتقدون أن الإسلام لا ينتصر الآن في حروبه مع الصليبين لقلة عددهم وعتادهم، والحقيقة لا نخشى القلة لا في العدد ولا في العدة بقدر ما نخشى ضعف الإيمان وضعف التوحيد في القلوب، إذا وجد هذا فلو كان ثمَّ رجل واحد لانتصر، هذا وعد من الله -جل وعلا-.


    قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: «ولا تزال عصابة» لا تتصور أن دعوة طلبة العلم للجهاد ونصرة المجاهدين- أن هذا يضرهم، لا، لا يضرون إلا أنفسهم، نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من البشائر: «ولا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق لا يضرهم من خذلهم» إشارة إلى وجود الخذلان كتهيئة للنفوس «ولا من خالفهم» إشارة إلى أناس يخالفونهم في أفعالهم وطريقتهم ومنهجهم، وأنهم لا يضرهم لا من خالفهم ولا من خذلهم، فسيروا على بركة الله، «لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهم ظاهرون على الناس»، لفظ أبي داود «حتى يقاتل آخرهم الدجال».
    الحق منصور وممتحـن فلا ** تعجـب فهذي سنة الـرحمن

    وبذاك يظهر حزبه من حزبه ** ولأجل ذاك النــاس طائفتان

    ولأجل ذاك الحرب بين الرسل والـ ** ـكفار منذ قام الورى سجلان

    لكنما العقبى لأهل الحق إن ** فاتت هنا كـانت لـدى الديان

    الشاهد من الآية: والله مع الصابرين بحفظه ونصره وتأييده .والله أعلم .

    سؤال:(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)هل يوجد خلاف حول لفظ المعية في الآية؟

    المعية والعلمية مأخوذة من السمع والبصر،قال الله لهما : إنني معكما أسمع وأرى يعني أحفظكما فلا تخافا، فالمعية خاصة بالنصر والتأييد، فقال له الله (إنني معكما) أسمع وأرى يعني أسمع وأرى فلا تخافا، حين يريد أن يحدث بكما شراً أنتصر لكما، تأمل في المعنى (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) أي أسمع وأرى فلا تخافا، بما أنني أسمع وأرى فلن يريدكما بسوء، أنا أحفظكما لأنني أسمع وأرى..


    سؤال:هل المعية عامة؟


    الجواب:
    نعم بلا شك، المعية العامة (أسمع وأرى) أن الله يسمع ويرى كل شيء حتى دبيب النمل في الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، ويرى دبيب النمل في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.


    سؤال:ما علو الشرف؟


    الجواب:
    علو الشرف، في أسمائه وصفاته، إذا كان ينكر أنواع العلو الثلاثة، ويسمى علو الصفات، وعلو الشرف غير مستوفية للأسماء والصفات، إذاً هو لا يفهم ما معنى علو الشرف؟ في أسمائه وصفاته (واضح)، فبالتالي لابد أن نفهم، إذا فهمنا لا مانع من أن نناقش.


    سؤال : البعض يقول إن المعية هي معية خاصة الخاصة.


    لا ليس صحيحاً وإنما تفهم المعية على حقيقتها، ما نؤوله بالعلم نذكر قول أهل السنة، وهؤلاء لا يقولون بالطريقة الحلولية ولا الاتحادية، ولا يعبرون بالمعية الذاتية.


    سؤال:هل يخلو العرش من الله حين نزوله؟


    الإجابة:
    العلماء وأهل السنة لا يقولون -وهذه أفضل أفكارهم -لا يقولون بخلو العرش، وهذا نص كتبه الإمام أحمد في رسالته إلى مسدَّد، وهذا النص ذكره ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في الفتاوى في كتاب النزول أنه ينزل ولا يخرج من عرشه لأنه لا يأتي شيء فوق الله -جل وعلا.


    سؤال : هل ورد في العرش أنه سرير له قوائم؟


    ما ورد فيه إلا كلام السلف في العرش أنه سرير، كلام للسلف في هذا الباب، وواضح من معنى العرش في اللغة، أنه له قوائم، والقوائم التي تحمله الملائكة بدليل نص القرآن (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) هو كلام السلف أصلاً، العرش في اللغة ما هو؟

    العرش في اللغة
    : هو السرير الذي له قوائم، هذا لا يختلف فيه عند أهل اللغة، لكن بالنسبة لعرش الرب نقول تحمله الملائكة بنص القرآن



    سؤال : هل يجوز التوسل بعلم الله؟


    الجواب:
    نعم بأسماء الله وصفاته، فالعلم هو صفة من صفات الله -جل وعلا-



    سؤال : هل المعية العامة معية ذاتية؟


    لا غلط
    ، ما نقول، المعية العامة معية ذاتية لأن هذا لم يرد، ولم يقل به أحد من السلف أبداً، إنما قال ابن تيمية:حق على حقيقته، فقال معية حقيقية ولم يقل معية ذاتية، ما معنى معية ذاتية؟ ليس لها معنى، ليست معية العلم، فمعية العلم ملازمة، أو المعية الحقيقية على القول الثاني هي ملازمة، لكن لا نعبر بلفظ الذاتية لأنه لم يرد ونحن نتقيد بألفاظ الكتاب والسنة، ولاسيما في باب الأسماء والصفات الذي زلت فيه أقدام وولت أفهام حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، ولذلك نعتصم بالكتاب والسنة ونورد كلام السلف في هذا الباب، فالمعية العامة نعم دون نقاش، لكن ما نقول بلفظ الذاتية، نتجنب هذا، وإن كان بعض العلماء يقول: من لوازم (حق على حقيقته) أن نقول بالمعية الذاتية لكن نتجنب هذا؛ لأن الذي يقول معية ذاتية يمكن أن يفهم أنها تقتضي اتحاداً وحلولاً وامتزاجاً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.


    ********


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الإثنين 18 أكتوبر - 22:54:15

    الحمد لله رب العالمين

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في الحديث عن إثبات صفة القول والكلام لله -جل وعلا-، فإن الله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء ولم يزل الله -جل وعلا- موصوفاً بالكلام ، ففي الحديث: «إذا أراد الله أن يوحى بالأمر تكلم» فالله -جل وعلا- وصف نفسه بذلك وهذا من صفات الكمال ونعوت الجلال.


    والله -جل وعلا- عطاؤه كلام، وعذابه كلام، قال:(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)وقوله -جل وعلا-: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)أي قولاً وخبرا، ومعنى هذه الآية أنه لا أحد أصدق من الله حديثا أي قولا وكلاماً ،وقد جاء في صحيح مسلم في حديث جابر قال صلى الله عليه مسلم: «فإن خير الحديث كتاب الله»

    الصدق ضده الكذب، والصدق من الصفات المحمودة في الإنسان، والله أحق بذلك، فهذه الخصلة حين توجد في الإنسان يوصف بها ويثنى عليه بذلك ويحمد أمره على هذا، وكل وصف كمال في الإنسان فالله أحق به فيما جاء به النص، وإن كان بعض العلماء كابن تيمية وابن القيم يعممون هذه القاعدة، ولكن فيه نظر، إذن نتقيد بما جاء به النص ولا نعمم هذه المسألة وذلك كالعقل وأشياء كثيرة مما لم يرد بذلك نص.


    وقوله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)أي: قولاً، قال تعالى: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ)أي: لا أحد أصدق قولاً من الله، فخبره صدق، وأمره صدق، ونهيه صدق، وحديثه صدق، وقوله صدق، فهو الحق له صفات الكمال، ومنعوت بنعوت الجلال (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) حكيم، يضع الأمور مواضعها، حميد؛ يحمد على أمره ونهيه وفعله .

    وإثبات القول لله يعني: إثبات صفة الكلام، لأن الله قال: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ).

    وقال صلى الله عليه وسلم والخبر في البخاري: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله».

    وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره «من يأويني من يحملني، لأبلغ كلام ربي».

    وقوله -جل وعلا-: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ)الشاهد: (وإذا قال الله) ففيه إثبات صفة قول القول لله -جل وعلا- ولا يختلف في ذلك أهل السنة، يثبتون القول وصفة الكلام، يثبتون المناداة (وناداهما)، ويثبتون ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات صفات كمال لله -جل وعلا.


    وقوله (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) لم يقل (خلق ربك) بل قال (كلمة ربك) في قراءة: (وَتَمَّتْ كَلِمَاتُُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) صدقاً في القول، وعدلاً في الحكم.


    وقوله (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)لا يختلف النحاة أنه إذا اجتمع في الجملة اسمان أحدهما فاعل والآخر مفعول به، أحدهما مقصور والآخر مظهر، أنه يقدم المظهر لئلا يوهم لبساً، إذا قيل : (محمد ومصطفى)، تقول ضرب محمدٌ مصطفى، تبدأ بالفاعل قبل المفعول لئلا يوهم لبساً، ولا سيما إذا كان الآخر من الأسماء غير المنصرفة، فقوله -جل وعلا-: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) الله هو المُكلِم، وموسى المُكلَم، وبعض أهل البدع يقول إن موسى هو المُكلِم للرب، فلو كان الأمر كذلك لقيل (وكلم موسى ربه)، ولذلك حين ناظر بعض أهل البدع أحد أئمة أهل السنة في هذه الآية- قال المبتدع: وكلم اللهَ موسى(بنصب لفظ الجلالة) رغم أن هذا لا يصلح لغة لأن أحدهما مظهر والآخر مقصور، فلابد أن يكون هذا مقدماً على هذا.


    إلا أن هذا العالم انتقل به من حجة إلى حجة قد تكون أظهر وهذا نهج أهل العلم، يؤخذ من ذلك صنيع وعمل إبراهيم، حين قال: (أنا أحيي وأميت) ما قال له أنت كذاب، لأنه حينئذ قد يلبس على البعض، بل يدعه وكذبه، وينتقل معه من حجة إلى حجة لا يستطيع معها الكذب.

    (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) ما يستطيع أن يقول أنا أتي بالشمس من المغرب فيقول له أرنا، لكن الإحياء والإماتة قد يأتي بالرجلين يذبح واحداً ويقي واحد فيقول أحييت واحد وأمت واحد، مع أن هذا كذب وليس هذا هو الإحياء والإماتة، فلذلك قال هذا العالم هب أنني قرأت هذه الآية كما تريد فما تصنع بقول الله -جل وعلا- (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) فبهت هذا الجهمي.


    وتخصيص موسى بالتكليم لا يعني أن الله ما كلم غيره، فظاهر النصوص أن الله كلم آدم، وظاهر الأدلة أن الله كلم محمدا ليلة الإسراء وهذا ظاهر القرآن: (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) هذا دليل أنه كلم أكثر من نبي، فتخصيص موسى بالتكليم كان كغيره من الأحاديث، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة» لا يعني هذا أنه ليس في الأمة أمين إلا أبا عبيدة، هناك من هو أكثر أمانة من أبي عبيدة كأبي بكر مثلاً، ولكن هذا التخصيص لبيان الفضل ولا يعني نفي ما عداه، فقوله (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) لا يعني أن الله لم يكلم غيره، ليس في الآية لا من قريب ولا من بعيد ما يفيد هذا، والأدلة الأخرى صريحة في تكليم الله -جل وعلا- لغير موسى، كقوله (منهم) ما قال منه (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).وهذا ظاهر الأدلة.

    وقوله (تكليما) تأكيده بالمصدر دليل على أن الكلام حقيقة، وفيه نفي المجاز؛ فإن العرب تعرف في لغتها أن الكلام حين يأتي تأكيده بالمصدر يُراد من ذلك الحقيقة، وأن الكلام لا يكون مجازاً حيث أكد بالمصدر فإن الله -جل وعلا- كلم موسى حقيقة، وهذا لا يختلف فيه أهل السنة وقد حكى ابن عبد البر وغيره من العلماء الاتفاق على أن الأصل في الكلام الحقيقة دون غيرها، وقد قال في المراقي:

    واللفظ محمول على الشرع إن لم يكن فمطلق العرف


    فلا يجوز الانتقال من الحقيقة إلى المجاز، أو من الحقيقة اللغوية، أو من الحقيقة العرفية بدون نص أو دليل يكون أرجح، وهذا من القواعد عند أهل السنة، وهذه القاعدة متفق عليها في باب الاعتقاد، وهي أن اللفظ محمولٌ على الحقيقة


    وقوله: (منهم من كلم الله) منهم أي من الرسل والأنبياء، فهذا فيه إثبات صفة الكلام لله -جل وعلا- وأنه كلم أكثر من رسول، وهذا من صفات الكمال لله -جل وعلا.

    وقوله: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) فيه إثبات صفة الكلام لله -جل وعلا- وهذه الآية من أوضح وأقوى الأدلة في إثبات صفة الكلام لله -جل وعلا- ولا يصلح قراءة الآية ( ربَه) ، والسبب في هذا أنه إذا ارتبط بالفعل ضمير لا يكون إلا مفعولاً، ثم ارتبط بالفاعل ضمير يعود على المفعول لا يكون الفاعل إلا هو المرفوع؛ فإن الضمير في (ربه) الهاء في(ربه) تعود على موسى (رب موسى)، لا يصلح أن تقول (وضربه زيدًا)، بل تقول :(وضربه زيدٌ) لأن الفعل ارتبط بالضمير الذي هو المفعول، وحينئذ يكون الفاعل مظهراً مرفوعاَ ، والفاعل في اللغة هو الذي أوجد الفعل، والمفعول في اللغة هو الذي حلًّ فيه أو وقع عليه الشيء، يدخل في ذلك نائب الفاعل والمفعول، كقوله تعالى (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) الأنفس نائب فاعل، أُحضرت بمعنى أعطيت وهذا أفصح لغة والشح مفعول ثان لـ(أُحضرت) المتضمنة معنى (أعطي) وأما من قال : أحضر بمعنى جُبلَ ثم أعرب الشح مفعول ثان فهذا غلط، لأن جبل لا تنصب مفعولين، وهذا غلط، هذه نعربها منصوب بنزع الخافض، نصب بنزع الخافض، إلا إذا ضمنَّا أحضرت بمعنى أعطيت، وهذا الذي ذكره ابن عاشور –رحمه الله - في تفسيره وهو الصواب.


    وإذا أعربنا أحضرت بمعنى جبلت –كما في كثير من التفاسير- ثم نقول الشح مفعول ثان، فهذا غلط؛ هذا لا يصح أبداً، أحد أمرين نقول أحضرت بمعنى أعطيت، إذاً مفعول ثان ، أو نقول أحضرت بمعنى جبلت فننصب الشح على أنه منصوب بنزع الخافض وهذا استطراد في الحديث عن الإعراب والمعاني في كلام الله -جل وعلا-،وهو استطراد قد يدل المعنى عليه.

    (منهم من كلم الله) ولا يصح أن تقرأ (كلم اللهَ) [ بالنصب] يعني هو كلم اللهَ لأن هذا باطل شرعاً وباطل عقلاً، فالله هو الذي يكلمهم وهم الذين يدعونه ويسألونه وفي نفس الوقت يسمعهم ويجيبهم (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وفي نفس الوقت يقين المعنى (هم كلموا الله) إذًا لماذا خصص لبعضهم ، وكلهم متفقون على دعاء الله وعلى سؤاله وعلى طلبه.

    فقوله -جل وعلا-(وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) فقدم ذات القول والكلام والمناداة لله -جل وعلا- فالله -جل وعلا- ينادي وبالصوت باتفاق أهل السنة، قال صلى الله عليه وسلم: «يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب»


    وقوله: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى) فيه إثبات صفة المناداة لله -جل وعلا-، لذلك (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ)، وهذا يدل دلالة واضحة على إثبات صفة المناداة لله -جل وعلا-، وهذا يعني إثبات صفة القول والكلام لله -جل وعلا- فنثبت لله ذلك إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وقد أنكر ذلك الجهمية والمعتزلة وغيرهم، فمنهم من قال بأن هذا مجاز، ومنهم من قال بأن هذا عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلام الله، وهذا يعني أن الله -جل وعلا- يلهم الرسل إلهاماً، ولا يخاطبهم، وهذا في الحقيقة إبطال لحقيقة الرسل، وأنهم لا يخاطبون ولا يكلمون، يخلق فيهم الخير خلقاً، وتخلق فيهم الأوامر والنواهي خلقاً،

    وهذا باطل شرعاً وعقلاً ،وهذا الحقيقة يقتضي إبطال حقيقة دعوة الرسل، وهذا يعني أن كل شخص يقول خلق فيه الخير ويقول (أنا رسول)، لأنه ما أوحي إليه،
    (أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) فبالتالي الرسالة لا تكون إلا بالوحي، فهذا حينما يدعي بأن الله لا يتكلم وبأنه يخلق الخير، إذن يتشكك فيما خلق الله؛ إذاً كيف نميز بين الرسول حقيقة وبين المبطل حقيقة، كل منهما يدعي بأنه قد خلق فيه الخير، ولكن ماذا قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلمفي الحديث في الصحيحين: «هذا الناموس الذي يأتي وما بعث الله نبيًا ولا رسولًا إلا أتاه هذا»، فهذا متفق عليه في كل الشرائع في كل الرسالات، وهذا أمر أجمع عليه العلماء واتفقت عليه الشرائع كلها، ودلَّ عليه العقل والنقل،

    ولذلك قول الله تعالى:
    (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا)، لا تتأتى الرسالة إلا بثلاثة أمور وقد توجد كلها في رسول: تارة يكلمه، وتارة يرسل إليه رسولاً، لكن نجعل كلام الله مخلوقاً، وأن الله -جل وعلا- يخلقه قي قلب العبد، فهذا باطل، ويقتضي إنكار رسالات الرسل، وحينئذ لا نميز بين الرسول الصادق وبين الرسول الكذاب لأنه لن يوحى إليه شيء.


    وقوله جل وعلا (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)(أحد) فاعل مقدم، أي وإن استجارك أحد، (فَأَجِرْهُ) أي إن طلب منك المشرك أن تؤمنه حتى يسمع كلام الله فلا حرج رجاء إسلامه، والشاهد من سياق الآية (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) لإثبات صفة الكلام لله -جل وعلا- وأن الكلام حقيقة، وهذا لا يختلف فيه أهل السنة -رحمهم الله.


    تقدم إثبات القول (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) المناداة (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ)(وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)، لإثبات صفة الكلام (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) و (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)، والله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء فهو موصوف بالكلام والكلام صفة كمال.


    وقوله -جل وعلا- (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ) ولم يقل خلق الله، فقول الأشاعرة والكلابية وغيرهم أن الكلام عبارة أو حكاية عن كلام الله هذا كله باطل ، بقي قول بعض أهل السنة حين يكون كلام الله فيما يحكي عن غيره، فإذا قال الله حكاية عن فلان، هذا ليس فيه ارتباط بمذهب الأشاعرة لا من قريب ولا من بعيد، يصرف النظر عن صحة اللفظ أو غلطه، هذا ليس له ارتباط بمذهب الأشاعرة، لأن الأشاعرة يقولون عن كلام الله كله بأنه حكاية ، عبارة، ومآل هذا وذاك إلى القول بخلق القرآن ،لكن حين يقول العالم: (قال الله حكاية) بمعنى أنه ينقل ويحكي عن غيره ولم يرد في كلام ابن القيم وذكره البخاري في صحيحه وكل أهل السنة يعبرون بذلك، وعلى كل بصرف النظر عن صحة هذا اللفظ من عدمه لو قيل قال الله عن فلان تحاشياً للفظ، ليس لغلط اللفظ لكن بقدر ما يمكن هناك أناس لا يفهمونه، وإلا فاللفظ في معناه صحيح، هذا أفضل.


    وقوله -جل وعلا- (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خاطب المشركين بكلام الله لم يعترض عليه أحد منهم بأن الله لا يتكلم، وهذا نظير قول إبراهيم لأبيه (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ) لم يعترض عليه بأن ربك أيضاً لا يسمع ولا يبصر، بل آمن آزر بأن الله يسمع ويبصر لأنه لم يعترض على إبراهيم وفي نفس الوقت آمن كفار قريش بأن الله يتكلم لأنهم لم يكونوا يعترضون على ذلك، ولذلك حين كتب النبي (بسم الله الرحمن) اعترضوا على الرحمن فالذي لا يعجبهم يعترضون عليه، ولم يعترضوا على إثبات كلام الله -جل وعلا-، لأنهم يعلمون أن الرسالة لا تتم إلا بالكلام ولكن ينكرون أن يكون الله قد خاطب محمداً ولا ينكرون صفة الكلام، ولذلك عقول بعض الكفار أكمل من عقول الجهمية والمعتزلة وكثيرًا من غلاة الأشاعرة.


    وقوله -جل وعلا- (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) فيه إثبات صفة الكلام (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فقوله (هذا القرآن يقص) فيه جواز نسبة القصص للقرآن ،لكن لا حرج في تعابير العلماء (قال القرآن)، (تحدث القرآن)، (تكلم القرآن) يستدل لكلامهم بهذه الآية، فمن زعم أن هذا غلط وأن هذا يكون فيه ارتباط بمذهب الجهمية الذين ينفون الكلام عن الله، فقد غلط هو وما فهم، هذا الأسلوب كان العلماء يستعملونه، وهذا ليس فيه ارتباط بالجهمية، لأن الجهمية ينكرون كلام الله ما ينسبون الكلام للقرآن، وأيضاً لا يثبتون نسبة كلام الله، يقولون تحدث القرآن، من الذي تحدث بالقرآن؟ هو الله، إذاً ليس هناك ارتباط بمذهب الجهمية ،ودل على ذلك الآية (هذا القرآن يقص) هل القرآن يقص أو أن الله تكلم في القرآن وذكر فيه القصص؟


    وقوله -جل وعلا- (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) فيها الإنزال، وأن القرآن منزل، ولا يختلف أهل السنة في أن القرآن منزل غير مخلوق، وفيها أن القرآن مبارك، قال الله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فإن الله -جل وعلا- يجعل في الجمادات إحساسات، وفيه إنزال القرآن، وأن الله تكلم فيه حقيقة، وفيه الرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة.


    نكمل إن شاء الله الأدلة غداً في إثبات كلام الله -جل وعلا- وأن الله جل وعلا تكلم بهذا القرآن حقيقة، وأن القرآن كلام الله -جل وعلا- وأن الكلام يضاف لمن قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً.


    أسئلة:

    سؤال: في قوله تعالى ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) قلتم: فيه إن الله يجعل في هذه الجمادات إحساسات، أليست الجمادات فيها إحساسات ابتداء بدليل أنها تسبح فهل تظهر هذه الإحساسات أحيانا؟

    الإجابة: إحساس نسبي بدليل قول الله تعالى ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ)يدل على أنه لو أنزله لتصدع من خشية الله -جل وعلا-، ولذلك سمع النبي صلى الله عليه وسلم تسبيح الطعام ،وحنين الجذع، فهذا ضعف وبده، فالله تعالى قد يجعل في الجمادات إحساسات فيسمع أنها تسبح (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ولكن الإحساس ليس بكل شيء؛ فالله جعل في الجدار إحساساً جداراً (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ)، جعل في الجذع حنيناً، لكن هل كل جذع يحن؟ لا.


    سؤال: (أليست نسبة القص إلى القرآن نفياً للصفة؟)

    الإجابة: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ) الله -جل وعلا- نسب القصص إلى القرآن مع أن الذي قصَّ هو الله، لأنه تكلم بالقرآن، وأسند صفة القص للقرآن، فحينما تقول (تحدث القرآن) لا تقصد نفي كلام الله كما يتصور البعض لأن بعض التفاسير الأدبية تعبر (تحدث القرآن)، (نزل القرآن)، (قال القرآن)، (القرآن يقول) بعض العلماء يعترضون على هذا ،على أنه كقول الجهمية، وهذا غير صحيح، وحتى لو كان غلطاً فليس من أقوال الجهمية لا من قريب ولا من بعيد، الجهمية ينفون كلام الله أصلاً، ولا يثبتونه أصلاً، وهذا لا ينفي كلام الله إنما يشير إلى القرآن تحدث أي بمعنى أن الله قال في القرآن، الذي يتحدث القرآن عن هذا الموضوع وليس المقصود نسبة الحديث للقرآن بدليل هذه الآية (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ) نسبت القصص للقرآن ، هل هذا القرآن يقص أو أن الله هو الذي قص؟ فهذا يعني إشارة إلى الجواز، لكن العلماء حتى وإن كانوا غلطوا فهذا الحقيقة اجتهاد من اجتهادهم، لكن الغلط أن ينسب هذا إلى قول الجهمية، هذا ليس من قول الجهمية لا من قريب ولا من بعيد.



    سؤال: يقال إن قوله تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ) فيه مجاز؟

    الإجابة: لا ما فيه مجاز، لأن المجاز هو الذي ليس له حقيقة، القرآن هو الذي يقص، لكن الذي يتكلم بالقرآن من هو؟ بمعنى موجودة ومكتوبة،الآن أنت تقول هذا القرآن، هذا قرآن ولكن إذا قيل: (تحدث القرآن) هل القرآن يتحدث؟ الله -جل وعلا- هو الذي يخاطب العباد وهو الذي يتكلم وهو الذي يقول وهو الذي ينادي، فهذا القرآن كله كلام الله حقيقة، حين تقول تحدث القرآن بمعنى: جاء في القرآن، هذا قصده، يعني جاء في القرآن الذي تكلم الله به، هذا معناه، وبالتالي هنا لا يرتبط بقول الجهمية لا من قريب ولا من بعيد بصرف النظر عن قول البعض: نتحاشى اللفظ، نعم هذا حقك، يتحاشى الإنسان ويعبر بلفظ واضح لا لبس فيه، لكن ليس من قول الجهمية لا من قريب ولا من بعيد، من قال ذلك ما يفهم المعنى أصلاً.



    سؤال: ما صحة قولنا: قال الله على لسان فلان؟

    الإجابة: تقول قال الله عن موسى ، قال الله عن إبراهيم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)؟


    سؤال: ما معنى قول الأشاعرة: الكلام معنى واحد في الأزل؟


    الإجابة: الأشاعرة يقولون معنى واحد في الأزل بمعنى أن الله -جل وعلا- لم يتكلم به، وبمعنى أن الله خلق العقل الفعال، والعقل الفعال يعبرون عنه بجبريل، ثم جبريل يبلغه بما خُلق في العقل الفعال، فهو ما يتجدد، من أهل السنة من يقول حادث النوع، أو أول النوع ، يعبرون بحادث النوع متجدد العهد بمعنى: يتكلم الله متى شاء إذا شاء، لكن معنى أن يتكلم به جملة واحدة، ثم بعد ذلك يتنزل به حسب التفاصيل ، هذا غلط ، لكن يتكلم الله متى شاء إذا شاء على حسب وقوع الحوادث كقول الله -جل وعلا- (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)

    فالجهمية يحتجون بما ذكره ابن عباس:«نزل القرآن جملة واحدة»، يحتجون بهذا الأثر، يقولون بأن الله إذن أوجد وخلق قبل وجود الحوادث أصلاً، والجواب على أثر ابن عباس له وجوه:

    الوجه الأول: إسناده صحيح لا غبار عليه ، فبعض علماء الأمة يشككون في إسناده وهذا غلط، ما نرد الباطل بباطل آخر فنضعف الأسانيد بالهوى، لا، الإسناد صحيح لا غبار عليه.

    الوجه الثاني:
    أن معنى قول ابن عباس نزل جملة واحدة، أي فيما تكلم الله به من أحكام الرسل وقصص الأنبياء ، وما جرى للأمم السابقة، هذا تكلم الله به ،ونزل جملة واحدة ، وهذا لا إشكال فيه.

    الوجه الثالث:
    أن الأدلة صريحة وتوضح أثر ابن عباس أن الله -جل وعلا- يتكلم متى شاء إذا شاء فكلامه أول النوع حادث الآحاد ، كقوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ)تقول عائشة: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادل في زوجها وما أسمع صوتها فسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات» علقه البخاري وغيره، وإسناده صحيح.

    فهذا نص صريح بأن الله -جل وعلا- سمع شكواها وتكلم في الحادثة ، وأنه ليس معناه أن الله خلق من قبل، ثم أنزل على حسب قولهم، هذا باطل، وأثر عائشة يرده وغير ذلك من الأدلة الواردة في هذا الباب.



    سؤال: بعضهم يقول قديم النوع له أصل ؟

    الإجابة: (قديم النوع) نعم قاله أهل السنة ، لكن نعبر أحسن بـ (أول النوع) نستبدل الأول بقديم؛ أول النوع، حديث الآحاد ، فلفظ أول جاء في القرآن، بخلاف لفظ قديم لم يرد في الكتاب ولا في السنة، فنعبر بأول الذي جاء ولا نعبر بالقديم.



    سؤال: أهل السنة يكفرون الأشاعرة ؟

    الإجابة: لا أهل السنة لا يكفرون الأشاعرة، يكفرون الجهمية ، يكفرون النوع ولا يكفرون العين إلا من قامت عليه الحجة وانتفت عنه الشبهة، وحكى ابن تيمية إجماعاً في هذه المسألة ، وأنكر ابن تيمية على من زعم أنه يكفر بالأعيان لا بالأنواع، بل نكفر من قامت عليه الحجة ، وانتفت عنه الشبهة، أما الأشاعرة فأهل السنة لا يكفرونهم، نعم وجد من كفرهم كما ذكر ذلك الهروي في ذم الكلام، لكن المذهب المعمول به عند أهل السنة، وهو الذي حكاه بعض العلماء اتفاقا لأهل السنة : أنهم لا يكفرونهم لقوة شبههم وأنها أقوى من شبه الجهمية وأقوى من شبه المعتزلة.

    ولكنهم قامت عليهم الحجة ، وانتفت عنه الشبهة ، تذكرون أن الأشاعرة ينكرون العلو ويقولون عن القرآن بأنه مخلوق، ولا يثبتون لله إلا سبع صفات، فمن قامت عليه الحجة وانتفت عنه الشبهة، فأي نعم قد يكفر هذا.



    سؤال: (غير واضح)

    الإجابة: نعم، نقول إن الله مثلاً خلق الملائكة، ونقيس فنقول إن الملائكة خلقوا كما أنزلوا، الملائكة ينزلون على حسب الحاجة ، وهذا باب آخر، ولفظة إنزال ليست هي الدليل الوحيد في قضية أنه غير مخلوق، إنما هي من الأدلة التابعة، والأدلة التابعة لا يلزم أن يستدل بها، نستدل بالدليل الذي لا يختلجه معارض؛ إلا إذا كان يثار دائما فلا حرج، وإن وجد معارض، لكن هناك أدلة لا يوجد لها معارض كقول الله -جل وعلا- (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)، فهذا لا يختلجه معارض، فحين تأتي الأدلة التي قد تجد لها معارض (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ) الكتاب أنزله الله ، فبالتالي الأدلة التي يرد لها معارض تكون تبعاً ليست بأصل. هذا أمر.

    الأمر الثاني: أننا حين نقول بذلك: أنه خلق لما أنزل، معنى هذا كيف يقال (قد سمع)، لماذا يقال (قد خلق الله)؟ هنا الله يقول (قد سمع) (والله يسمع تحاوركما) إذاً لما سمع تكلم، وخاطب نبيه بما سمع، هل يقال بأنه خلق من قبل، هذا باطل لأن القرآن صريح يرد هذا المعنى.



    سؤال: ماذا يترتب على القول بأن القرآن مخلوق في باب الصفات؟

    الشيخ: من قال بأن القرآن مخلوق يلزم من ذلك أن صفة من صفات الله مخلوقة؛ الإمام مالك يقول: من قال بأن بعض صفات الله مخلوقة فإنه كافر مرتد عن الدين، من قال بأن القرآن مخلوق يعني هذا بأنه ينفي صفة عن الله وأن الله لم يتكلم، ومن قال بأن الله لم يتكلم فهو شبه الله بالجمادات والمعدودات ووصف الله بالخرس؛ تعالى الله عن قوله علواً كبيراً، فهذا الذي قال بأن القرآن مخلوق يقتضي عدة محاذير في وصف الله أو نفي صفة الكلام عن الله :

    المحذور الأول: وصف الله بالخرس؛ تعالى الله عن قوله علواً كبيراً.
    الأمر الثاني:
    إنكار الرسل.
    الأمر الثالث:
    أن شيئاً من الله مخلوق وهذا يقتضي أن الله مخلوق أيضاً، تعالى الله عن قوله علواً كبيراً. وهذا كفر في ذاته ، وردة عن دين الله –جل وعلا.
    الأمر الرابع: أن هذا تنقص لله -جل وعلا.
    الأمر الخامس: إنكار الحقائق والاعتياض عنها بالمجاز أو غير ذلك.
    هذه كلها محاذير في القول بأن سمع الله مخلوق، أو أن القرآن مخلوق.



    سؤال: (حول الاستدلال حديث عن ابن عباس :«نزل القرآن جملة واحدة») ؟

    الشيخ : .. ومعنى قوله -كم تقدم-فيما تكلم الله به من أخبار الرسل والوقائع وما جرى على الأمم السابقة، هناك قضايا ما تكلم الله بها لأنها ما حدثت ،وهذا معنى كلام أهل السنة أول النوع حادث الآحاد.

    ما معنى حادث الآحاد؟ أن يكون الكلام على حسب الوقائع. فإن الله موصوف بالكلام في الأصل، ولكن تكلم في هذا حين وجد (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) فأنزل الله هذه الآية أيضاً على محمد (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) أوحى الله إليه بذلك، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)؛ أن يقول له كن إذا أراد شيئاً، تأمل المعنى كأن الكلام مربوط بإذا أراد الشيء (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) هذا مثلاً قاله قبل أن يأمر بالسجود، وقبل أن يمتنع؛ هذا باطل، وبالتالي هذه الآية صريحة ومن الأدلة التي توضع في هذا الباب.



    سؤال: ماذا عن القول بأن الله حكى لنا في كتابه ؟

    الإجابة: القول بأن الله حكى لنا في كتابه هذا في الحقيقة يجتنب، وهو ليس من قول الأشاعرة؛ لأن قول الأشاعرة بمعنى أن القرآن مخلوق كقول الكلابية والماتريدية ،أما إذا قال: حكى الله في كتابه، فهو يعني: قال الله في كتابه، لكن عبَّر بالحكي الذي هو مشتق من الحكاية، ولكن نقول يجتنب هذا اللفظ اتقاءً للذين لا يفهمون، وبالتالي نبتعد عن ذلك ولا نعبر به أبداً.



    سؤال: ما صحة حديث «يضحك الله.....» ؟

    الإجابة:
    نعم ، الضحك ثبت لله تعالى، والحديث في الصحيحين كقول الرسول
    صلى الله عليه وسلم: «يضحك الله إلى رجلين» وهذا متفق على صحته، ويأتي إن شاء الله الحديث عن إثبات صفة الضحك وما يتعلق بذلك، لكن هذه الصفة ثابتة لله -جل وعلا- وهو من الصفات الفعلية.



    سؤال: مثل هؤلاء الكلابية وغيرهم ،هل يمنعهم الهوى عن إظهار الحق ؟

    الإجابة:
    هذا يختلف بالنسبة للأشاعرة و الكلابية، هل الحامل لهم على إنكار صفات لله -جل وعلا- وإنكار العلو- هو الهوى ، أو الحامل لهم التأويل الباطل.


    والصحيح حقيقة أن فيهم من حمله الهوى وأنكر، ودل على هذا مناظرات أهل السنة معهم، يعني لا ترى لهم وجهاً واضحاً لا من لغة ولا من أدلة الكتاب والسنة ، ولكن في الحقيقة بعض أكابرهم وبعض مشاهيرهم الذي حملهم على ذلك هو الاجتهاد، ولذلك أهل السنة يلتمسون لهم المعاذير، فمثلاً لا نظن بالحافظ ابن حجر ولا بالنووي ولا بالعز بن عبد السلام، ولا ابن حزم، هؤلاء أئمة هدى ولا يزال أهل السنة يعتمدون على كتبهم وأقوالهم وأفعالهم، ويعتمدون على آرائهم فالحامل لهؤلاء التأويل، وفي نفس الوقت نبين خطأهم وضلالهم في هذا الباب ونلتمس لهم العذر، فالتماس العذر لا يعني السكوت على الغلط ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون، اجتهدوا وأرادوا خيراً ولم يصيبوا الخير، فمثل هؤلاء في الحقيقة نظن بهم خيراً، ونلتمس لهم المعاذير ولكن يبقى أن الغلط غلط ، ولا يتحول الغلط إلى صواب باعتبار جلالة قدر قائله وعظيم منزلته عند أهل العلم -رحمهم الله تعالى.

    نعم فيهم طوائف الحامل لهم على ذلك الهوى والضلال والانحراف، وفيهم طوائف الحامل لهم على ذاك التأويل، وربما ما وجد من يوضح لهم أكثر وأكثر، يدل على ذلك أن أبا الحسن الأشعري -رحمه الله- حين تبين له الحق رجع عن مذهب المعتزلة إلى أهل السنة، ولكن بقيت عنده بقية من أصول الأشاعرة، وأنا أعتقد أنه لو أمد الله في عمره لرجع عنها؛ لأنه يبحث عن الحق، ومعروف أنه حين رجع وأعلن توبته على الملأ ما رجع عن كل شيء ظناً منه أن هذا هو مذهب أهل السنة.

    وقد جعل ابن حزم -رحمه الله- في عدة من كتبه، وبالذات ( الملل والنحل) يحكي بعض مذاهب المعتزلة ومذاهب أهل البدع، ويقول: هذا مذهب الإمام أحمد، وهذا واضح جداً أنه يريد الصواب والحق ، ويظن أن هذا مذهب الإمام أحمد ، فبالتالي هو يقلده في هذا المذهب، ولذلك ابن تيمية عابه في أنه يقلد في العقائد، ولا يقلد في الفقهيات ، أتصور أن ابن حزم لو تجرد وبحث الحق متجرداً كما يبحث الحق متجرداً في الفقهيات لوصل إلى الصواب، أكثر من وصوله إلى الصواب بتقليد مذهب أحمد، ولا سيما أن بعض الطوائف ينتسبون إلى أحمد، ويخرجون على أحمد كابن الجوزي مع الإيضاح بأن ابن الجوزي ليس هو ابن القيم، ابن الجوزي متقدم على ابن القيم بأكثر من مائة عام، فابن الجوزي -رحمه الله تعالى- يعتقد بأنه على مذهب أحمد ويأتي بالباطل والتحريف وأقاويل أهل البدع وأهل الضلال، اعتباراً بأنه على مذهب أحمد وألف كتاباً اسمه (نفي شبه التشبيه) ...، وينسبه إلى أحمد، وهذا غلط، فهي أقاويل من أقاويل أهل البدع وأهل الضلال، وقد يورد بعض الأقاويل أحمد مما يفهمه غلطاً، ولا يفهمه على وجهه الصحيح.

    الشاهد أن بعض العلماء يأتون بالباطل يدعون أنه للإمام أحمد بالباطل، ولكن ليس بمذهب أحمد، وهكذا صنع أبو يعلى، وصنع طوائف من المنسوبين إلى المذهب الحنبلي ويأتون بالبدع على اعتبار أنه من مذهب أحمد.



    سؤال: يقول البعض إن حديث نزول الله في الثلث الأخير من الليل يعني أن الله يظل نازلاً على ظهر الأرض، فكيف نرد على ذلك ؟

    الإجابة: يعني الأخ يقول: ينزل ربنا سبحانه وتعالى في ثلث الليل، ومعلوم أن ثلث الليل قد يكون عندنا فينزل الرب ،ثم حين يمضي الثلث عندنا يكون الثلث الآخر عند جهة أخرى، وهذا يعني أن الله لا يزال نازلاً ، لأن كل طائفة وكل بلد يكون عنده ثلث الليل، طبعاً العلماء أجابوا عن هذا بلا شك ، فما من شيء إلا وعنه جواب،(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) لكن ابن رجب في فضل العلم يرى أن هذا السؤال مبتدع ،وأنه لا يستحق جواباً وأننا نعتقد بأن لله سبحانه وتعالى ينزل وأننا نكتفي بذلك ولا نورد هذه الإيرادات، هذا ما أورده الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في فضل علم السلف على علم الخلف، وذم هذا السؤال وتكلم عن هذا الموضوع.

    أما شيخ الإسلام وغيره من العلماء فقالوا: نعم نقول باللفظ، والحديث الثابت المتواتر في الصحيحين: «ينزل ربنا..... من كان عندهم الثلث فإن الله ينزل عليهم ، وهذا نؤمن به وإلى هذا الحد نقف، لا نقول بأن الله لا يزال نازلاً، هذا لفظ مبتدع ،لكن نقول بأن من كان عندهم الثلث فإن الله ينزل عليهم، هذا الذي نقول به، للفظ الحديث المتفق على صحته وهو متواتر: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».



    السؤال: (كيف يأتي القرآن شفيعا لأصحابه) ؟

    الإجابة: هذا في الأدلة التي أوردتها ، لكن هنا أن الله -جل وعلا- يُمكِّن من هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» «اقرءوا البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان» منهم من قال غيايتان أي يأتي ثوابهما، وهذا أنكره الإمام أحمد وغيره من العلماء، ومن العلماء من قال تأتيان يوم القيامة أي على الحقيقة، لأنه لا يجوز أن نخرج النص عن حقيقته.



    سؤال: ابن القيم وغيره يرون أن كل صفة مدح للمخلوق فإن لله الكمال منها، ألا يشفع لهذا أن الصفات المكروهة مثل الكيد والكره إذا كانت في مقابل صفات أيضاً عند المخلوق، إذا كان إنسان يكيد أو فيه صفة الكيد فإنها محمولة .... ؟

    الإجابة: في الصفات ذات التقابل ما قال هذا ابن تيمية، ابن تيمية يقول: (كل صفة مدح وكمال تكون صفة كمال للمخلوق، فالله موصوف بها حقاً) أنا أقول هذه القاعدة غير صحيحة، غير صحيحة على إطلاقها إلا ما جاء به النص، بدليل أن العقل صفة كمال في المخلوق؛ هل نصف الله بذلك؟ طبعاً دعك مما هو صفة كمال في المخلوق لا في الخالق، ونفاها الله عن نفسه كقوله [color:6
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الإثنين 18 أكتوبر - 23:24:52

    بعد أن انتهى رحمه الله تعالى من ذكر الأدلة القرآنية على إثبات أسماء الله وصفاته، شرع يتحدث عن الأصل الثاني، والأدلة الواردة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ لبيان أن أهل العلم وأهل السنة يحتجون بإثبات الأسماء والصفات على الكتاب والسنة؛ لا يخرجون عن ذلك، لا يتجاوزون ما أمر الله به، ولا يقعون فيما نهى الله عنه.


    قال رحمه الله تعالى في السنة: (ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم): السنة المقصود بها هنا: ما تقابل القرآن؛ المقصود بالسنة هنا ما يقابل القرآن؛ لأن السنة تطلق على عدة معانٍ؛ تارة على ما يثاب فاعله ولا يعاقب تارك؛ تارة تطلق على الفرض؛ تارة تطلق على ما هو أعم من هذا؛ وتارة تطلق السنة على ما يقابل القرآن،

    وأهل العلم حين يقولون: (جاء في كتب السنة) يقصدون هذا المعنى، وقد جرت عادة الأئمة في مؤلفاتهم العقدية، يسمون ذلك كتب السنة؛ فالسنة تفسر القرآن؛ أي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح؛ تفسر القرآن؛ لأن القرآن حمالٌ للوجوه، والسنة تبين هذا.


    وقد كان أهل السنة يوصون بمناظرة أهل البدع في السنة، وغالب أهل البدع في بدعهم ينزعون بالقرآن ما لا ينزعون بالسنة؛ فحين ننظر مثلاً في الجهمية والمعتزلة والأِشاعرة في نفي صفة الساق عن الله وتفسير ذلك بالشدة- يحتجون بالقرآن: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ)، وحين ننظر في السنة فهي صريحة في هذا الباب، ولكنهم لا يأخذون بالسنة؛ فالقرآن حمال للوجوه، والسنة تفسره وتبينه وتوضحه وتعبر عنه.

    ولذلك حكى السيوطي رحمه الله في مقدمة كتابه ( مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة)- الإجماع على كفر من قال: (نأخذ بالقرآن، ولا نأخذ بالسنة).


    والطوائف في هذا كثيرون، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهور هؤلاء؛ يقول: «لأجدن أحدكم متكئًا على أريكته يقول: ما جاءنا من كتاب الله أخذناه»؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله». وفي رواية: «وسنتي». واللفظ الأول هو المحفوظ، والكتاب أمَرَ بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ)، (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)... وغير ذلك من الأدلة الدالة على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.


    والذين يقصون السنة عن التشريع تحت غطاء أخبار الآحاد، أو: لا تفيد العلم، أو: لا تفيد اليقين، أو غير ذلك- هم على مراتب؛ منهم من ليس بمؤمن أصلاً بشهادة أن محمدًا رسول الله، ومنهم ناقص الإيمان. والذين يقولون: (نقبل القرآن، ولا نقبل السنة). هم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعضٍ؛ يؤمنون بالشهادة الأولى، ولا يؤمنون بالشهادة الثانية، وأيضا هذا دليل على نقص إيمانهم بالشهادة الأولى؛ لأن الإيمان بالشهادة الأولى يقتضي الإيمان بالشهادة الثانية.


    وحين يجري الحديث عن هؤلاء المتابعة وأهل الضلال والمنحرفين الذين يقولون: (لا نؤمن إلا بالقرآن ، ولا نؤمن بالسنة). أو يجعلون ضوابط للإيمان بالسنة- لا يقتصر على الحديث عن الجهمية أو المعتزلة أو الأشاعرة، بل ينسحب للحديث إلى من هم أخبث من هؤلاء، كالرافضة الذين لا يؤمنون بالسنة؛ لا جملة ولا تفصيلاً؛ لأن السنة جاءت برواية المرتدين في نظرهم؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وبقية الصحابة، ما عدا آل البيت وسلمان والمقداد وأبا ذر، والرافضة اعتبروهم بهذا كفرة فجرة؛ فهم لا يؤمنون بصحبة أبي بكر؛ والقرآن صريح في صحبته: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)؛ اتفق العلماء على أن الآية في أبي بكر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «لا تحزن» بنص القرآن؛ (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ)؛ فهم لا يؤمنون لا بصحيح البخاري ولا بمسلم ولا بكتب السنن.


    وقد تقدم أن السيوطي حكى الإجماع على كفر من قال بهذا، والرافضة أبعد الناس على الإيمان بالسنة، وهم في الحقيقة: أخبث من الذين لا يؤمنون بالسنة لكونها تفيد الظن أو لغير ذلك؛ وهم لا يؤمنون بها لكفر رواتها، هذا أغلظ كفرًا، فإذا كان العلماء مجمعين على كفر من امتنع عن قبول السنة، وقال السيوطي رحمه الله تعالى: (إنه يلقى في المزابل؛ حتى لا يتأذى بنتنه أهل الكتاب)- يرى أنه أخبث وأكفر من أهل الكتاب؛ فكيف بمن لا يؤمن بالسنة تحت غطاء أنهم كفرة فجرة ! هذا أشد كفرًا وأعظم، إضافة على ذلك عبادة الأوثان، وما عندهم من نواقض الإسلام التي تتجاوز المئات، لكن لا يتوقف في كفر الرافضة إلا من هو جاهل، ولا يفهم في التوحيد.


    بصرف النظر على عوارض الأدلة وجود الجاهل أو العامة أو نحو ذلك؛ لكن الأصل في مذهبهم الكفر والردة عن الدين؛ من عبادة القبور وعبادة الأوثان وإنكار السنة ولعن الصحابة والحكم بردتهم، وقذف عائشة بالإفك، ونسبة البدءة إلى الله، والكفر بتوحيد الأسماء والصفات، وعبادة الأوثان، والتقرب إلى الأولياء، والدعوة أن الأولياء يعلمون الغيب، ودعوى العصمة لأئمتهم، وتعظيم أئمة الشرك، كنصير الشرك الطوسي، ونحو ذلك.


    فالمقصود أن أهل السنة يؤمنون بذلك، ويعتبرون السنة المصدر الثاني من مصادر التشريع، وأن السنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.


    وما و صف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي وردت بالشروط المعتبرة عن المحدثين فهم أهل الشأن في هذا الباب؛ فلا يعتمد في هذا الباب لا على فقيه ولا نحوي، ولا على متكلم، ولا على غير ذلك، يعتمد في هذا الباب على أهل الحديث؛ فهم أصحاب هذا الشأن وهم حماته.

    والحديث يشترط في صحته شروط:

    - الشرط الأول:
    بنقل العدل.

    - الشرط الثاني:
    أن يكون تام الضبط، من حفظه أو من كتابه.

    - الشرط الثالث:
    اتصال الإسناد.


    وهذه الشروط الثلاثة مشتملة على غيرها، وأضاف بعض العلماء شرطين آخرين؛ انتفاء الشذوذ، وانتفاء العلة، ولهذا المعنى أشار ابن حجر في النخبة: بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ، قال: هو الصحيح لذاته.

    وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف.

    وأهل السنة يختلفون أن هذا الباب لا يجدي فيه الحديث الضعيف؛ لا يعتمدون في باب الأسماء و الصفات إلا على الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول.

    وقد ذكر الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أن الحديث الصحيح يتلقاه العلماء بالقبول وقابلوه بالتسليم- يُعد متواترًا.

    والمتكلمون يضعون شروطًا للمتواتر ليست في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكرون في هذا الباب أربعة شروط:

    -الشرط الأول:
    أن يرويه عدد كثير.
    -الشرط الثاني:
    أن تكون الكثرة في جميع طبقات السند.
    -الشرط الثالث:
    أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
    - الشرط الرابع:
    أن يكون مستند خبرهم الحس؛ كقولهم: «سمعنا» و«رأينا» و«لمسنا»، و«شممنا».

    وهذه الشروط الأربعة غير معروفة عند أهل العلم المحققين من أهل السنة، وينادي بذلك أهل البدع من المتكلمين والأشِاعرة وأمثالهم.

    ولذلك لا يقبلون أخبار الآحاد في هذا الباب؛ لأنها «لا» تفيد العلم، والذي عليه أهل التحقيق أن ما ثبت إسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء من المتواتر أو الآحاد، فإنه يفيد العلم ويوجب العمل.


    وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، وقال: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله». وهذا الخبر متفق على صحته؛ فقد بعث معاذًا بأصل الدين؛ لم يبعثه بمسألة من مسائل الأسماء والصفات، ولا باب من أبواب التوحيد؛ بعثه بكل الدين؛ بكل الإسلام؛ بعثه بالتوحيد، وبعثه بالشهادة الأخرى، وبعثه بالصلاة، وبعثه بكل أركان الإسلام، ولم يعترض عليه أحد من أهل اليمن؛ لأن هذا رجل واحد؛ فلا ندري صدقه من كذبه؛ فكان أهل الكتاب أعقل بكثير من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة؛ حيث لم يرفضوا خبر الواحد؛ بل آمن به عدد، ومن امتنع عن الإيمان به لم يكن لكونه واحدًا؛ امتنع لأسباب أخرى؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)؛ إذًا إذا جاء عدلٌ فلا نحتاج للتبين؛ فهذا دليل على الإيمان بخبر الآحاد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عماله: الواحد والاثنين؛ يبلغون الدين والإسلام، وهذا الذي أجمع عليه الصحابة، وأجمع عليه العلماء.


    كذلك لم يكن أهل السنة يتوانون في قبول أخبار الآحاد في باب الأسماء والصفات؛ مع العلم أن هذا الباب جاء من طرق متواترة، لكن لا نحتاج إلى التواتر في هذا الباب بقدر ما نحتاج إلى صحة الإسناد، وقبول العلماء لذلك.


    قال الشيخ رحمه الله تعالى: (من الأحاديث الصحيحة التي تلقاها العلماء بالقبول، وقابلوه بالتسليم، ويجب الإيمان بذلك قوله صلى الله عليه وسلم«ينزل ربنا» هذا الخبر متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كتب فيه العلماء مؤلفات، وكتب الدارقطني وغيره مؤلفات في النزول، وألف ابن تيمية رحمه الله تعالى كتابًا مجلدًا ضخمًا في النزول؛ أي نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا.


    وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا» فلم يقل: ينزل أمره ولا قضاؤه ولا حكمه ولا رحمته ولا غير ذلك:

    «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل - أي في كل بلد؛ حين يبقى ثلث الليل في كل بلد؛ من كان عنده ثلث الليل فإن الرب ينزل عليهم - فيقول»: هذا رد على من زعم أن النزول يقتضي نزول الرحمة؛ لأن الرحمة لا تقول: من يدعوني فأستجيب له، والملك لا يقول: من يدعوني فأستجيب له، والأمر لا يقول من يدعوني فأستجيب له؛ فهذا يعني أن الرب جل وعلا هو الذي يقول: «من يدعوني فأستجيب له».

    وفي معنى قول الله جل وعلا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). والدعاء هو العبادة: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).


    ولا يستغني عبد عن ربه طرفة عين؛ كل منا محتاجٌ إلى ربه؛ يسأله، ولكن حين يتحرى ثلث الليل الأخير فينهض من منامه، ويتوضأ ويصلي ويسأل الله، هذا أقرب إلى الإجابة من غيره؛ ويؤخذ من ذلك تحري أوقات الإجابة في الدعاء؛ كثلث الليل الآخر، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة»، وقوله: «من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له»: فيه إثبات صفة المغفرة لله جل وعلا؛ قال تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ).


    ويؤخذ من هذا الحديث إثبات صفة العلو، ويؤخذ من ذلك إثبات الصفات الاختيارية لله جل وعلا، ويؤخذ من ذلك الشاهد إثبات صفة النزول لله جل وعلا.

    والصواب من قول العلماء أن النزول يستمر إلى طلوع الفجر الثاني، وقال بعض العلماء: إلى طلوع الشمس، والصواب الأول؛ لأن الرواية الواردة إلى طلوع الشمس غير صحيحة.


    وأهل السنة متفقون على نزول الرب جل وعلا؛ فيثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، فلا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأن الله لا سمي له ولا كفو له ولا ند له؛ وسع كرسيه السموات والأرض؛ قال ابن عباس: (الكرسي موضع القدمين)، وقال تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). فينزل نزولاً يليق بجلاله وعظمته؛ فلا نكيف ولا نمثل؛ بل نؤمن ونعتقد حقيقة الصفة، وليس فيه مجاز؛ على حد قول الجهمية والمعتزلة وطوائف من أهل البدع؛ فإن الأصل في الألفاظ الحقيقة، وهذا لو كان مجازًا، لكان مردودًا بقوله: «من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه».


    والذين يقولون بأن هذا إشارة إلى الرحمة، فالرحمة لا تقتصر على ثلث الليل الآخر، ويؤخذ من ذلك إثبات العلو، وأن الله جل وعلا فوق سماواته مستوٍٍ على عرشه. وقد تقدم الحديث عن قول الله جل وعلا:(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى).


    لم يورد المؤلف رحمه الله تعالى في النزول إلا حديثًا واحدًا؛ لأنه من الأحاديث المتواترة، ولأن من لم يؤمن بالحديث المتواتر لن يؤمن بغيره؛ فالذي لا يؤمن بالكثير لن يؤمن بالقليل، والمؤمن إذا بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق العلماء على تصحيحه وأجمعوا على قبوله - ليس له أن يتوقف في ذلك؛ فليقل: سمعنا وأطعنا.


    ثم أشار رحمه الله تعالى إلى إثبات صفة الفرح لله جل وعلا؛ فأورد قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم».

    أي كان بفلاة من الأرض، ومعه دابة عليها طعامه وشرابه، فضلَّت في أرض لا أنيس ولا جليس، لا مأوى ولا مرعى، فحين أيس منها نام تحت ظل شجرة، فحين استيقظ فإذا هي قائمة أمامه، فقال من شدة الفرح: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك». هذا لفظ مسلم؛ لأن الزيادة الواردة في صحيح مسلم من حديث أنس، ولم ترد في حديث أبي هريرة، ولا في حديث عبد الله؛ فإن هذا الخبر جاء من رواية أبي هريرة ومن رواية عبد الله ومن رواية أنس، واتفق الجميع على الرواية بلفظ: «الله أشد فرحًا»؛ ففيه إثبات صفة الفرح لله جل وعلا.

    وأهل السنة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل؛ فليس فرحه كفرح المخلوق؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.


    والذين ينفون عن الله صفة الفرح على اعتقاد أنهم حين يثبتون ذلك يشبهون صفة الخالق بالمخلوق- هؤلاء مشبهة، وحين شبهوا أولاً عطلوا ثانيًا؛ بل نؤمن بأن لله صفات كما نؤمن بأن لله ذاتاً لا تشبه الذوات؛ نؤمن بأن لله صفات لا تشبه صفات المخلوق.


    قوله: «بتوبة عبده المؤمن»: فيه فضيلة التوبة، والأصل في المؤمن أن يتوب دائمًا؛ لأنه خطاء، والأصل فيه أنه خطاء؛(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).

    ولذلك حين قال أبو بكر، وهو هو في العلم والتقوى والورع: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال الرسول: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم».


    وكان ابن مسعود إذا جرى بين العلمين في السعي قال: «رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم». قال: إسناده صحيح إلى ابن مسعود رضي الله عنه، رواه الطبراني وغيره.

    وفيه أن الله جل وعلا يحب من العبد أن يتوب إليه؛ ولذلك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. والتوبة: العزم على أن لا يعود إلى الذنب؛ ولا يعني أنه لا يعود؛ قد يعود، ولكن هو عزم ألا يعود، ولكن لو قال بلسانه: أستغفر الله وأتوب إليه. وهو في قرارة نفسه أنه سوف يعود، فتعتبر توبته لغوًا من القول، وليست بتوبة حقيقية.


    التوبة الحقيقية أن يعزم على ألا يعود؛ لا مانع أن يعود على اعتبار أنه ليس معصومًا من العودة؛ قد يعود، ولكن إذا عاد تاب ويعزم على ألا يعود؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم». رواه مسلم وغيره.

    ولكن الذي يتوب وهو في قرارة نفسه سوف يعود تعتبر توبته ضربًا من اللغو، وشيئًا من الاستهزاء، فيقول: أستغفر الله. ويكذب- ولكن لو عزم على ألا يعود، فضعفت إرادته وغلبته شهوته ثم عاد، يعاود أيضًا الاستغفار مرة أخرى؛ لأن الله جل وعلا قال:(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا)، والله جل وعلا قال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ)، (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ).

    والندم توبة؛ بخلاف الذنوب المتعلقة بالمخلوق؛ لا بد أن ترد الحقوق إلى أصحابها؛ من غيبة ونميمة وسرقات ونحو ذلك، فإن كان لا يستطيع ذلك يدعو لهم ويستغفر لهم، ويرد الأموال بطريقته إلى أهل الحقوق.


    الشاهد من سياق الحديث إثبات صفة الفرح لله جل وعلا، ويؤخذ من ذلك أنه يُعفى عن سبق اللسان؛ لأن الرجل قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح؛ يُعفى عن سبق اللسان؛ لأن الغضب الشديد كالفرح الشديد أو لأن الفرح الشديد كالغضب الشديد يخرج العبد عن طوره، ويجعله يلفظ بما لا يقصد معناه، وفيه اعتبار المقاصد.

    وفيه معنى قول الله جل وعلا: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)، وفيه فضيلة التوبة، وفيه إثبات صفة المحبة لله جل وعلا، وفيه إثبات صفة الفرح لله جل وعلا.

    والله يفرح بتوبة عبده؛ ليس لحاجته إلى عبده؛ لأن الله غني عن العباد؛ لكن الله جل وعلا يفرح حتى لا يكون العبد من حصب جهنم:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

    وقوله في الحديث: «توبة عبده المؤمن»: هذا خرج مخرج الغالب، ولا يدخل في ذلك إذا أسلم الكافر؛ لأنه ربما يكون إسلام الكافر أعظم من توبة المؤمن من ذنب، وفيه غير ذلك من المعاني.


    وقوله صلى الله عليه وسلم في إثبات صفة الضحك: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة»؛ معنى هذا أن الكافر قتل المسلم، فدخل المسلم الجنة؛ لأنه مجاهدٌ. وقد أخذ من هذا ابن عبد البر رحمه الله أنه من قتل مجاهدًا مقبلاً غير مدبر يحكم له بالجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلاهما يدخل الجنة». وقد قتل هذا الرجل مجاهدًا مقبلاً غير مدبر، والذي قتله كافر. إذاً كيف يدخل الكافر الجنة؟! أسلم، فقُتل أيضًا في سبيل الله فدخل الجنة.

    فيؤخذ من ذلك إثبات صفة الضحك لله جل وعلا.
    الأدلة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات الأسماء والصفات

    إن الأصل الذي يعتمد عليه أهل السنة في هذا الباب الكتاب والسنة؛ فلا يعتمدون في ذلك على عقولهم، ولا على أقيستهم، ويخالفون في ذلك كل الطوائف المنحرفة؛ من الجهمية والمعتزلة والأِشاعرة وغيرهم؛ من الذي يقدمون العقل على النقل.

    والتدليل على ذلك هو بتأكيد هذا الأصل وترسيخه في الفهوم، وترويض الناس عليه.


    ولبيان أن هذا الأمر ليس من مسائل الاجتهاد عند أهل السنة، وأنه قام به طائفة دون طائفة؛ فأهل السنة متفقون ومجموعون، ولم يشذ أحدٌ منهم على أن هذا الباب لا يجدي فيه عقل ولا قياسٌ، وأنهم يعتمدون في ذلك على الكتاب والسنة.

    وهم يؤمنون بأن النقل السليم لا يخالف العقل الصحيح، ولهذا كَتب شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كتابه المشهور: «دَرْء تعارض العقل والنقل»، قال ابن القيم رحمه الله:

    وإذا تعارض نص لفظ وارد
    ** والعقل حتى ليس يلتقيان

    فالعقل إما فاسد، ويظنه الرَّ ** ائي صحيحا وهو ذو بطلان

    أو أن ذاك النص ليس بثابت
    ** ما قاله المعصوم بالبرهان



    فلا يكاد يوجد عقل سليمٌ يخالف نقلاً صحيحًا، والخلل في أحدهما: إما في ضعف النقل، أو في خبال في العقل.

    وتقدم بالأمس أن أهل الجاهلية في شركهم ووثنيتهم يؤمنون بكثير من الأسماء والصفات ، ولا يحرفون ذلك؛ فهذا إبراهيم حين قال لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) لم يعترض عليه، ولم يقل: وربك لا يسمع ولا يبصر.

    وحين دعا النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش إلى الإيمان بالله، وأخبرهم بأنه رسولٌ من الله، وأن الله يقول، لم ينكروا قول الله؛ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، فكانوا ينكرون بعثته ورسالته، ولم يكن أحدٌ منهم يقول: إن الله لا يتكلم.


    أورد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجِبَ ربنا من قنوط عباده».

    أشير إلى أمور مهمة:


    - الأمر الأول
    : أن الشيخ رحمه الله تعالى أورد الحديث بلفظ: «عجب ربنا» ولم يرد الخبر بهذا اللفظ؛ والصواب: «ضحك ربنا».

    وقد كتب الشيخ رحمه الله تعالى هذه العقيدة من حفظه،
    ما بين صلاة الظهر إلى صلاة العصر، ولذلك يرد الوهم على الذي يكتب من الحفظ ولا يراجع الأصول.

    - الأمر الثاني
    : هذا الخبر رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، من طريق وكيع بن عدس -ويقال: حُدُس- عن أبي رزين، وقد ضعفه بعض العلماء؛ لجهالة وكيع، وحسنه آخرون، كشيخ الإسلام ابن تيمية والسيوطي وجماعة، ولعله الأقرب؛ لأن وكيعاً بن عدس ليس بمجهول.

    وقد صحح له الإمام أبو عيسى في الجامع من طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع عن أبي رزين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا على جناح الطائر ما لم تُعبر».
    قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح.

    ولا يُعرف هذا الحديث إلا من طريق وكيع بن عدس.

    ولا ينفي أن يقال: لعله جاء من طريق أخرى؛ فقد صححه الترمذي باعتبار طريقين؛ فحين صححه من هذا الطريق ولم يُعرف إلا هذا الطريق، فهذا الدليل على أن وكيعًا معروفٌ عند أبي عيسى.

    - الأمر الثاني:
    ذكر الدارقطني رحمه الله تعالى في كتابه «الأسماء والصفات» أنه لا يحتج في هذا الكتاب إلا بما رواه الثقة عن الثقة، واتفق عليه العلماء، وتلقوه بالقبول.

    وقد أورد حديث وكيعٌ بن عُدُس؛ فهو دليلٌ على أنه معروفٌ عند الدارقطني ومعروف عند غيره.

    وإلا لم يكن لدعوى الدارقطني بأن هذا الكتاب تلقاه العلماء بالقبول وقابلوه بالتسليم شيءٌ من الصحة، ولم يكن لقوله أيضًا: رواه الثقة عن الثقة شيء من الصحة. وهو يروي عن وكيع الذي هو غير معروف؛ هذا دليلٌ على أنه معروفٌ عند الدارقطني وعند غيره من الأئمة.

    الأمر الثالث
    : أن وكيعًا لم يأت بما يُنكر عليه؛ فقد جاء اللفظ بلفظ: «ضحك ربنا»، وتقدم في الصحيحين: «يضحك الله إلى رجلين»؛ وأورد الشيخ لفظ «عجب»، وصفة التعجب صفة ثابتة لله جل وعلا.

    وقد قرئ : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)؛ فصفة التعجب ثابتة لله جل وعلا، وصفة الضحك ثابتة لله جل وعلا، وأهل السنة يؤمنون بكل ما جاء عن الله، وبكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ فهو السميع البصير؛ فلا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سَميَّ له، ولا كفء له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه.


    قوله: «ضحك ربنا» فيه إثبات توحيد الربوبية، وفيه إثبات توحيد الأسماء والصفات، والضحك من الصفات الفعلية الاختيارية لله جل وعلا، وأهل السنة يثبتون لله الصفات الذاتية، ويثبتون لله الصفات الفعلية الاختيارية، ويؤمنون بكل ذلك.

    قوله: «من قنوط عباده» القنوط هو استبعاد الفرج؛ وهذا مُحرمٌ، واليأس أشدُّ القنوط: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).

    وقوله: « قنوط عباده»: هذا إطلاق الكل وإرادة البعض.

    قوله: «وقُرب غِِِيَرِه»: اللفظ المحفوظ الذي رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما: «وقرب خَيْرِه»؛ هذا.. اللفظ المحفوظ، ومعنى «غِيرِه»؛ أي تغير حالٍ إلى حالٍ، وانتقال من شيء إلى آخر.

    قوله: «ينظر إليكم»: فيه إثبات صفة النظر لله جل وعلا.

    تقدم الحديث عن ذلك، والأدلة متواترة في هذا الباب، ولا يختلف أهل السنة في إثبات صفة الرؤية والنظر لله جل وعلا، إثبات صفة العينين لله جل وعلا؛ هذا كله مما اتفق عليه أهل السنة.

    قوله: «أَزِلين، قَانِِطِين»: الأَزِل: الشدة. «ينظر إليكم»: أي لشدتكم، «قَانِطين» أي: مستبعدين.

    «فيظلُّ يضحك»: فيه إثبات صفة الضحك لله جل وعلا.

    «يعلم»: فيه إثبات صفة العلم لله جل وعلا.

    «أن فرَجَكُم قريبٌ»: فيؤخذ من ذلك سعةَ فضل الله جل وعلا، وإثبات صفة الضحك، وليس كضحك المخلوق؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ فنثبت ذلك لله إثباتا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ.

    وفيه ضرورة البعد عن استبعاد الفرَج، وضرورة تحسين الظن بالله جل وعلا، وأن فَرَجَ الله قريبٌ، وانتظار الفرج من العبادة، وفيه ضرورة التعلق بالله جل وعلا:

    صعبت فلما استحكمت حلقاتها
    ** فُرِجَتْ وكنت أظنها لا تفرج


    من القائل ؟ الشافعي نعم الشافعي.

    متى ولد الشافعي؟


    سنة 190هـ

    وأين ولد ؟ قيل: في مكة. وقيل: في غزة. وأتت به والدته؛ أمه كانت حِميرِيَّة يمنيةً، فذهبت به ثم رجعت به،وقيل أنه وُلِدَ في اليمن، ثم خشيت والدته أن يندرس نسبه، فذهبت به إلى مكة ليطلب العلم و يجتهد في تحصيله. وقيل: ولد في غزة. أين تقع غزة ؟ نعم في فلسطين . متى توفي الشافعي؟ قيل: سنة مائتين وأربعين ؟ كم عاش إذًا ؟ عاش أربعةً وخمسين عامًا، وهو أقل الأئمة بقاءً في الحياة رحمه الله، وريضي عنه وأرضاه.

    إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى
    ** تعلق بالرب الكريم رجاؤه

    فأصبح حرًّا عِزةً وقناعةً ** على وجهه أنواره وضياؤه

    وإن علقت في الخلق أطماع نفسه ** تباعد ما يرجو وطال عناؤه

    فلا ترجُ إلا الله في الخطب وحده
    ** ولا صح في خِل الصفاء صفاؤه



    الحديث الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم»: هذا من أسماء النار، وأسماؤها كثيرة ..

    من يكتب لنا منكم خمسة أسماء من أسماء جهنم ؟ كلها مذكورة في القرآن والسنة ... نعم ... جهنم ولظى والسعير والنار وسقر . . صحيح، أسماء متعددة مذكورة في كتاب الله جل وعلا.

    «لا تزال جهنم وهي مخلوقة»
    : ولا يخلد في جهنم إلا الكافرون الذين حبسهم القرآن؛ (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

    «يُلقى فيها»
    : أي يقذف فيها على وجه الإهانة والتحقير من شأنهم؛ حيث خلقهم الله للعبادة، فعبدوا الأحجار والأوثان؛ خلقهم الله لتوحيده فوحدوا الشيطان، خلقهم الله لتعظيمه فعظموا المخلوق.

    «وهي تقول»: هذا القولٌ حقيقيٌّ، نؤمن بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك؛ فلا يجوز دعوى المجاز في هذا، ولا إخراجٌ للفظ عن ظاهره، وقد حكى ابن عبد البر اتفاقا أن الأصل حملُ الألفاظ على حقائقها؛ لأنه لو حمل اللفظ على المجاز لادعى كل شخص في حقيقة الكلام أنه مجاز؛ فبالتالي لا يثق الناس بعضهم في بعض، ولا يفهم بعضهم كلام بعضٍ، ومن أراد أن يحرِّف النصوص قال: هذا مجازٌ؛ أنا لا أقصد حقيقة اللفظ. الأصل في اللفظ حمله على ظاهره.

    «هل من مزيدٍ»
    : أي تطلب مزيدًا. وقد قال بعض الشراح: هل من مزيد: أي لا مزيد. وهذا غلط؛ الصواب: هل من مزيد؛ أي: هلا من مزيد؛ تطلب مزيدًا، وأنه فيه متسع في جهنم، الله جل وعلا يقولك (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، وفي الحديث القدسي؛ هو من أفضل أحاديث أهل الشام؛ حديث أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه: «يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا».

    «حتى يضع»: لم يقل: حتى يُلقى، كما تقدم من قوله يلقي أي الكفار في جهنم.

    قال: «حتى يضع ربُّ العزة»: هذا من إضافة الموصوف إلى صفته؛ العزيز اسمٌ من أسماء الله، والعزة صفته:

    وهو العزيز فلن يُرامَ جَنابه ** أنَّى يرام جناب للسلطان

    والعزيز القاهر الغلاب لم ** يغلبه شيءٌ هذي صفتان

    والعزيز بقوة هي وصفه ** فالعز حينئذ ثلاث معان


    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحدٍ منهما ألقيته في النار». رواه مسلم وابن حبان، واللفظ له، وغيرهما.


    قوله: «فيها رِجْله»: وفي رواية: «حتى يضع رب العزة عليها قدمه»، والقدم والرجل لفظان مترادفان، يجب إثباتهما لله جل وعلا؛ إثباتًا بلا تمثيلٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ.



    وقد روى الدارمي عن ابن عباس بسندٍ صحيحٍ، قال في تفسير قول الله جل وعلا:(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ)؛ قال: «الكرسيُّ موضع القدمين»، وأهل السنة متفقون على الإيمان بهذا، وهذا أمر لا مجال للاجتهاد فيه، ولا يتأتى لابن عباس أن يجتهد في هذه الأمور؛ فلا اجتهاد في مجال العقائد وصفات الرب جل وعلا؛ فنؤمن بذلك ونثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أجمع عليه المسلمون، وقد ذهب أهل البدع في هذا الحديث إلى أمور يضحك منها الصبيان، فقال بعضهم: الرجل مجاز. وقال آخر: رجله. أي: رجل الجراد، ويقولون أشياء من هذا القبيل؛ أشياء لا تمت للعقل ولا للنقل بصلة.


    قوله: «فينزوي بعضها» أي: ينزوي بعضها إلى بعض، ويقترب بعضها من بعض، حتى لا يبقى في النار موضع لأحد.

    «فتقول - أي النار - قَطْ قَطْ»: أي حَسبي حسبي؛ يكفيني يكفيني.

    وهذا الخبر متفقٌ على صحته، والشاهد فيه إثبات صفة القدم والرجل لله جل وعلا؛ فيجب إثبات ذلك إثباتا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن النصوص صحت بذلك، ولذلك قال الشافعي رحمه الله: (فنؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، ونؤمن بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم على مراد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن قال عن ذلك بأنه مجاز فقد غلط؛ هذه الأمور تثبت حقيقتها دون تمثيلٍ ودون تشبيه، ودون تعطيل، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله جل وعلا: يا آدم». في إثبات صفة القول لله جل وعلا، قال الله جل وعلا: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ). ويُثبتُ لله جل وعلا صفة الكلام، ويُثبت لله جل وعلا صفة الصوت، ويثبت لله جل وعلا صفة المناداة. وهذه كلها واردة في كتاب الله أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.


    «فيقول آدم: لبيك وسعْدَيكَ»:
    لبيك: إجابة بعد إجابة، تَثنية؛ أي: أنا مقيم على طاعتك، ولا أخالف لك أمرًا.

    «فينادي بصوت»
    : فينادي الرب جل وعلا بصوت؛ فيه إثبات صفة المناداة، قال الله جل وعلا: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ)، وقال تعالى:(وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ)، وقال تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ) فقوله: «فينادي بصوت».


    وفي حديث عبد الله بن أنيس، رواه البخاري معلقًا: «يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب»؛ فإن صوت الرب لا يشابه صوت المخلوق؛ «يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب»! فلا إله إلا الله ! هذا دليل على عظمة الله، وعلى كبريائه، وعلى عظيم صفاته، وكبير قدره، وعظيم جلاله:(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، وفيه إثبات صفة الصوت لله جل وعلا.

    قوله: «إن الله يأمرك»: إثبات صفة القول.

    «أن تُخرج من ذريتك بعثًا إلى النار»: والخبر في الصحيحين: «فإنه يلقى في النار من كل ألفٍ تسعةٌ وتسعون وتسعمائة، وواحد إلى الجنة». وقد شق ذلك على الصحابة، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمة يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيءٍ إلا كثرتاه. ويؤخذُ من هذا الحديث عظم أمة يأجوج ومأجوج وكثرتها، وأنهم كثيرون جدًّا؛ بدليل أن الخلق من آدم إلى أن تقوم الساعة، هؤلاء يكثرونهم ، وأنهم يلقون في النار مع غيرهم، وأنهم يكثرون أصحاب السعير، وأنه يُلقى في النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وأن أغلب هؤلاء من أمة يأجوج ومأجوج.


    يؤخذ من ذلك أن أمة يأجوج ومأجوج كفارٌ، ليسوا بمسلمين، ولكن لا يختلف العلماء أنهم من ذرية آدم, وهذا ما اتفق عليه العلماء؛ فليسوا خلقًا آخر.

    وفيه إثبات البعث، وفيه إثبات الجزاء والحساب أيضاً، وفيه إثبات خلق النار، وفيه فضيلة آدم، وهو من أنبياء الله جل وعلا، وهو أبو البشر.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ»: أحد: نكرة، تقدم الحديث عن لفظة: «أحد» في سياق الإثبات، والأصل في ذلك ألا تُطْلق إلا على الله، وأنها جاءت في القرآن على غير الله، ولكنه من الأمور النادرة.

    «ما منكم من أحد»
    : «أحد»: نكرة، وقد جاءت في سياق النفي، وقد سبقتْ بـ«منْ» المفيدة للاستغراق في النفي؛ فهذا يفيد العموم، وظاهره يشمل المسلمين والكافرين. وهذا لا يُنافي قول الله جل وعلا:(وَلَا يُكَلِّمُهُمُ)، ولا يُنافي قول الله جل وعلا: (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)؛ لأن هذه الأدلة يقول عنها أهل العلم:(وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) ونحو ذلك من الأدلة- أي على وجه الثواب والرحمة ونحو ذلك، ويثبتون لله صفة الكلام، ويثبتون لله صفة الرؤية، ويقولون: من لوازم ذلك أن الله جل وعلا لا يكلمهم كلام رحمة؛ فيقولون هذا الكلام تبكيت، وكلام تقريع، ونحو ذلك.


    «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه»
    : فيه إثبات صفة الكلام لله جل وعلا، وتقدم الحديث عن ذلك: قال الله جل وعلا: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)؛ أكِّد الفعل بالمصدر، وأهل اللغة والبيان متفقون على أن الفعل حين يؤكَّدُ بالمصدر ينتفي معه المجاز، وأن المقصود من ذلك الحقيقة، فبطل بذلك ما تقوله الجهمية؛ حيث يدَّعون في ذلك المجاز، أو أن موسى هو الذي كلم الله جل وعلا؛ قال الله جل وعلا: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)، والكلام من الله جل وعلا من الصفات الذاتية الفعلية؛ بمعنى أنه يتكلم متى شاء، إذا شاء، ويكلم من شاء من أنبيائه ورسله.

    ويوم القيامة ما من أحد إلا سيكلمه ربه جل وعلا، ليس بينه وبينه ترجمان؛ لأنه في الدنيا قد يكون في الكلام بينه وبينه واسطة، كما قال الله:
    (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). هذا الشاهد:(يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)، (فَيُوحِيَ)أي: يوحي هذا الرسول، (بِإِذْنِهِ) أي: بإذ
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    شرح العقيدة الواسطية Empty رد: شرح العقيدة الواسطية

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الإثنين 18 أكتوبر - 23:26:30

    ويوم القيامة ما من أحد إلا سيكلمه ربه جل وعلا، ليس بينه وبينه ترجمان؛ لأنه في الدنيا قد يكون في الكلام بينه وبينه واسطة، كما قال الله: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ). هذا الشاهد:(يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)، (فَيُوحِيَ)أي: يوحي هذا الرسول، (بِإِذْنِهِ) أي: بإذن الله جل وعلا، (مَا يَشَاءُ)، فيبلغ بإذن الله ما يشاء.


    وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: «ربنا الله الذي في السماء».

    «ربنا الله»: مبتدأ وخبر؛ فيه إثبات توحيد الربوبية.

    «الذي في السماء»: فيه إثبات صفة العلو لله جل وعلا؛ توحيد الأسماء و الصفات.

    «تقدس اسمك»: تقديس التعظيم.

    «أمرك في السماء والأرض»: قال الله جل وعلا: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وقال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).

    «كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض»، والله جل وعلا عنده مائة رحمة؛ أنزل رحمة واحدة في الأرض، واختزن عنده تسعة وتسعين ليوم القيامة. فيه إثبات صفة الرحمة لله جل وعلا، وقوله: «اغفر لنا» فيه إثبات صفة المغفرة لله جل وعلا.

    «حُوبنا»: الحوب: الذنب.

    «وخطايانا»: أي إسرافنا في أمرنا.

    «أنت رب الطيبين»: الله رب الطيبين وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين.

    «أنزِل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع»: يُقرأ: «الوجِِع»؛ و«الوجَع»؛ إذا قيل: «الوجِِع» فيعني بذلك المريض؛ قال عنه الإمام البخاري رحمه الله تعالى: «مُنكرُ الحديث». وقال نحو ذلك كثيرٌ من الأئمة، ولكن ليس في الحديث لفظة من ألفاظه إلا ولها ما يدل عليها، وإن كان المفروض أن نستخدم الأحاديث الصحاح على الأحاديث الضعاف.


    نتواصل إن شاء الله تعالى في الدرس القادم على شرح بقية الأحاديث وإثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا بالأدلة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان سنن السنة والجماعة في هذا الباب

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر - 4:16:07