لشيخ الإسلام/ ابن تيمية رحمه الله
من الشريط 1 إلى الشريط 13
والبقية قريباً إن شاء الله
شرح فضيلة الشيخ العلامة
سليمان بن ناصر العلوان
فرج الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
الشريط (1)
الواسطية سميت بهذا الاسم؛ لأنها كتبت في واسط وهي إحدى مدن بلد العراق، كالحموية والتدمورية وغير ذلك من مسميات مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم الذين يكتبون الكتاب في بلد ثم ينسبونه إليه.
وقيل سميت الواسطية؛ لأنها متوسطة بين مذاهب أهل الضلال ، وهي متوسطة بين مذهب الجهمية والأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والكرامية والمرجئة والخوارج والجبرية والقدرية وغير هؤلاء من المنحرفين، لأن التوسط أو الوسط هو التوسط بين الشيئين.
استفتح رحمه الله تعالى رسالته المختصرة التي ضمنها معتقد أهل السنة والجماعة الذي اتفقوا عليه؛ لأنه يوجد أشياء لم يذكرها شيخ الإسلام وهو يراها، كما في فتاواه وفي رسائل متعددة، لكن لأن الخلاف قد جرى ولم يحصل في ذلك إجماع ولا اتفاق لخص رحمه الله تعالى في هذه الرسالة ما اتفق عليه العلماء في أشياء قد يكون متفقًا عليها، وليس معنى هذا أن ما لم يذكره غير متفق عليه، لكن هو أتى للأصول العامة التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة.
نبدأ بالبسملة أولاً اقتداء بالكتاب العزيز وتأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته، والأصل في المكاتبات البداء بالبسملة بخلاف المحادثات الكلامية، فالأصل في ذلك البداء بالحمدلة ، وهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض العلماء يرى استفتاح الكتب بخطبة الحاجة (الحمد لله نحمده) ولكن لم يرد في ذلك دليل.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه وإسناده صحيح: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا خطبة الحاجة كما كان يعلمنا السورة من القرآن : "إن الحمد لله نحمده ... " إلى آخره، وهذا لم يثبت أنه في المكاتبات، وبالتالي نزل على المخاطبات لفعله صلى الله عليه وسلمفي خطبه، بدليل فعله في مكاتباته.
وحين كتب إلى هرقل اقتصر على البسملة، «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» وغير ذلك من الأدلة، ثم ثنى رحمه الله تعالى بالحمدلة فحمد لله جل وعلا، والألف واللام في الحمد، استغراق لجميع المحامد، وربما لا أركز على قضية الفردية، ونأخذ الشرح مجملاً لنأخذ أكبر قدر ممكن إن شاء الله في المستقبل.
الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الرسالة ذكر الأصول المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره وهذا لا يختلف فيه العلماء لأن الله جل وعلا قال: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال الله جل وعلا:(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ...) إلى آخر الآية.
وقال الله جل وعلا:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ...) إلى آخر الآيات، والأدلة على هذا كثيرة، ولا يختلف في ذلك المسلمون، ومعنى الإيمان بالقدر أنك تؤمن بأن ما شاء الله وأراده فإنه يقع فما يمكن أن يتخلف ذلك، لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القلم جرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنه لا يمنع عن قدر الله شيء لذل ك قال ابن عقيل رحمه الله تعالى كما حكى عنه ابن القيم في نونيته:
وحقيقة القدر الذي حار الورى
في شأنه هو قدرة الرحمن
في شأنه هو قدرة الرحمن
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد
لما حكاه عن الرضا الرباني
وقال الإمام: شفا القلوب بلفظة
ذات اختصار وهي ذات بيان
وفي حديث ابن عباس عند عبد الرزاق حين سمع حديثًا في الصفات فعلم أن هذا وارد ، وليس كما يدعى ابن حجر رحمه الله تعالى بأن ذكر الأسماء جاء في القرآن وإنما الصفات لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة هذا غير صحيح. ورد في السنة وورد على لسان الصحابة.
أما في السنة ففي الصحيحين، وأما عن لسان الصحابة فبأصح إسناد رواه عبد الرزاق من رواية عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه، مما يدل دلالة واضحة أن ذكر الصفات جاء، وأن لفظ الأسماء والصفات هما لفظان شرعيان واردان في الكتاب والسنة، فأهل السنة يؤمنون بذلك، ويسوقون الأدلة على ما أثبته لنفسه إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل، لأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.
وقد نظم عقيدة أهل السنة والجماعة ابن القيم في نونيته فقال:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا
إن المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه
إن المعطل عابد البهتان
من شبه الرحمن العظيم بخلقه
فهو الشبيه بمشرك نصراني
أو عطل الرحمن عن أوصافه
فهو الكفور وليس ذا الإيمان
وأول الأشياء التي ينبغي أن نفهمها: أن الأسماء مشتقة، وأنها ذات مدلول وذات معنى، وإلى هذا المعنى أشار ابن القيم في النونية قال:
أسماؤه أوصاف مدح كلها
مشتقة قد حملت بمعاني
فهناك لا يقولون لاسم الله السميع اشتقاق السمع، وفي هذا الباب قال العلماء أن المفوضة شر من المعطلة، وهم معطلة، لأنهم يأتون بألفاظ موهنة فأهل السنة والجماعة يثبتون لله جل وعلا اللفظ والمعنى دون تكييف ودون تمثيل، كما قال نعيم بن حماد رحمه الله تعالى: من شبه الله بخلقه فإنه كافر، وقال عنه رحمه الله تعالى، فإنه شبه الله جل وعلا بالمخلوقات، من نفى عن الله ما أثبته لنفسه فقد شبه الله بالمعدومات،
ولذلك قال العلماء عن المعطلة، حين وجد في قلوب المعطلة تشبيه يقولون: ورد لله السمع، ورد لله البصر هذا كله متواتر بنص القرآن، فيقولون إن أثبتنا هذه الأمور يعني هذا مشابهة المخلوق للخالق، هم يتصورون ذلك ولذلك يقولون: لا نثبت لله هذه الأمور حتى نبتعد عن مشابهة المخلوق للخالق، فوقعوا في أسوأ مما فروا منه، شبهوا الله بالمعدومات، فحين يقولون أن الله لا سميع لا بصير ولا يرضى ولا يغضب إذا بمنزلة الجمادات والمعدومات، ولذلك حين قال إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) لم يقل آزر وهو كافر: وربك لا يسمع ولا يبصر.
فقد كان مشركًا ولكن مؤمن بأن الله سميع وبصير، وإلا لم يكن لقول إبراهيم معنى واعترض عليه المشركون حين دعاه بأنه لا يسمع ولا يبصر، ولم يقولوا ربك كذا لا يسمع ولا يبصر ، فمثل هذا مما أجمعت عليه الرسل ولذلك حماد بن زيد، حين ناظر أحد الجهمية فقال له: في بيتك نخلة قال: نعم، قال: لها جذع، قال: لا، قال فيها فرع، قال: لا، قال فيها سعف، قال: لا، قال فيها ثمرة، قال: لا، قال: إذن هي ليست نخلة،ولا تسمى نخلة، كذلك أنتم نقول لكم: لكم رب، تقولون: نعم، يسمع: لا، قال، يبصر: لا، يرضى: لا، ينزل: لا، استوي على العرش: لا، إذن لا رب لكم.
كذلك الجهمية قيل لهم هل لكم رب قالوا نعم، قيل يسمع؟ قالوا لا، قيل يبصر؟ قالوا لا قيل ينزل قالوا لا قال فكيف لكم رب، لأن الرب إذا لا يتصف بالبصر ولا بالسمع ولا يرضى ولا يغضب فليس برب، فلذلك أهل السنة متفقون على إثبات هذه الأمور وهم مؤمنون أيضا بأنهم لا يشبهون ولا يمثلون.
والتشابه في الأسماء بين الخالق والمخلوق ليسا تشابهًا في المعاني، الله وصف المخلوق بأنه سميع، ووصف نفسه بأنه سميع بصير، لكن ليس هذا كهذا لأن هذا الخالق وهذا المخلوق والله قال عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
والمخلوق مآله إلى الله، والله جل وعلا يقول: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ{، وقال: }وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية: ( وهو سبحانه قد جمع حين وصف وسمى به نفسه بين النفي والإثبات وهذه طريقة الرسل، يجمعون بين النفي والإثبات، ويأتون بالنفي المجمل، والإثبات المفصل، كما شرح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في رحمه الله تعالى في كتاب (التدمرية) وهم متبعون في ذلك لكتاب ربهم فإنه جل وعلا يجمع بين النفي والإثبات فلا عدول إذا كان الأمر هكذا فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون فإن من عدل عن طريقتهم واعترض على هديهم فقد ضل ضلالاً مبينًا.
و الذين يسعون جاهدين للتخلي عن طريقة السلف وتسمية كتبهم بالكتب الصفراء ودراسة الكتب الفكرية والعقلية والكتب التي تعتمد على الرأي ومخالفة ما جاءت به الرسل هؤلاء منحرفون، وهذا الانحراف حقيقة لا يتمثل فقط في دينهم حتى في عقولهم وتفكيرهم لأنهم كان يسمون أنفسهم أهل عقل ويسمون كتبهم فكرية والحقيقة أنهم ليسوا من الفكر في شيء لأن الفكر الصحيح لا يناقض النقل الصحيح فدل هذا على أن العقول فاسدة ومارجة،
وأنهم لا يحملون من العقل شيئًا وليس معنى هذا محاربة كل كتب الفكر لأن بعضها مبنيا على الكتاب والسنة ولكن العدو يسمونها كتب فكرية أنا أتحدث عن أمثال كتب الجابري وأمثال هذه الكتب المنحرفة التي تدعو للتخلي عن النقل ودعوة إلى العقل، كأمثال الطائفة المسماة بالعقلانية، وأمثال كثيرين من المسمين الآن بالعصرانيين.
قوله: (فإنه الصراط المستقيم): الصراط خبر إن (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، بدل، وبدل المرفوع مرفوع، ومن دعاء المؤمنين في صلاتهم حين يقولون فاتحة الكتاب (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
فلا يستغني العبد عن ربه طرفة عين فهو بحاجة إلى سؤاله الصراط المستقيم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: «اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»، ويتأكد هذا الدعاء حين تشتبه عليه المسائل وتختلط عليه الأوراق ويتشتت ذهنه في الآراء، فنسأل الله جل وعلا الهداية لما اختلف فيه من الحق.
ثم شرع المؤلف رحمه الله تعالى يتحدث عن سورة الإخلاص وما جاء فيها من الإثبات والنفي وأنها تعدل ثلث القرآن، وكون هذه السورة تعدل ثلث القرآن هذا محل إجماع لأن الأحاديث في ذلك متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن »،
قيل تعدل ثلث القرآن بالثواب، وقيل إن القرآن متمثل بثلاثة أمور لا رابع لها: توحيد، وأحكام، وقصص، وقد جاءت سورة الإخلاص بكل أنواع التوحيد، فعدلت من هذه الحيثية ثلث القرآن فقوله جل وعلا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)هذا فيه توحيد الربوبية؛ لأنه إقرار بوجود الله، وفيه أيضًا توحيد الإلهية، وفيه توحيد الأسماء والصفات (الله) فإن أثبت اسم الله فإنه أثبت أن لله أسماءً وصفات، وهذا يعني باللازم أن تفرد الله لأن الله مأخوذ من أله يأله، ومن عبد يعبد، ما معنى الإله، هو المألوه والمعبود محبة وتعظيمًا وإجلالاً.
(اللَّهُ الصَّمَد)الصمد اسم من أسماء الله جل وعلا فيه إثبات الأسماء والصفات، وأصح ما قيل في معنى الصمد إما أن يقال: السيد، الذي قد كمل في سؤدده أو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم.
(لَمْ يَلِدْ )هذا نفي (وَلَمْ يُولَدْ ). وهذا تنزيه لله جل وعلا.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ). أي مثيلاً ونظيرًا ولا شبيهًا أي مكافئًا من البشرية، ولا من غيرها، لم يكن له مكافئ مطلقًا.
قال الله جل وعلا: .(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)ثم قال رحمه الله: (وما وصف الله به نفسه من أعظم آية جاءت في كتاب الله)
أعظم آية ما هي ؟ هي آية الكرسي، والأحاديث في ذلك صحيحة فإن آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وفيه الدلالة على التوحيد والدلالة على عظمة الله، بل كل آية ، بل كل حرف في هذه السورة يدل على توحيد الله، وكل كلمة تدل على التوحيد وعلى عظمته فقوله جل وعلا: .( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) فيها التوحيد كله ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ).نفيا لجميع ما يعبد من دون الله، فمن صرف العبادة لغير الله، فإنه مشرك كافر،
- كثير من الناس يقرأ هذه السورة - كثير من المسلمين يحفظ هذه السورة، ولكن الذين لا يفهمون معناها أكثر من الذين يفهمون حقيقتها، وما ورائها من الأسرار، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وسنده صحيح من طريق الحميري عن الألهاني عن أبي أمامة t.
فالذي يقول: (الله لا إله إلا هو) وهو يطوف على القبور ويدعو غير الله.
وأنتم ترون الملايين قبل ثلاثة أيام في كربلاء وفي العراق يحتفلون بعاشوراء ويدعون غير الله عند قبر الحسين وعند المعظمين في نفوسهم وقد يكونوا معظمين في حقيقة الأمر ولكنهم يدعون غير الله عز وجل، هؤلاء كلهم وثنيون، كلهم وثنيون ومشركون لأنهم يدعون غير الله جل وعلا ويسألونهم المدد والنصرة والاستقرار وحلول الأمن في بلادهم، وهم يقولون (لا إله) ولكنهم لا يفهمون هذا الكلام ولا يعرفون معناها.
(الْحَيُّ الْقَيُّومُ ).إثبات اسمين من أسماء الله جل وعلا.
(الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، الشفاعة لا تحل لأحد إلا بأمرين: إذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع، والله لا يرضى من الأقوال والأعمال إلا الأعمال الخالصة التي تكون لله لا يشوبها شيء من الابتداع.
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )
. إطلاق صفة العلم لله جل وعلا.
وهو العليم أحاط علمًا بالذي
في الكون من سر ومن إعلان
وبكل شيء علمه سبحانه
هو العليم وليس ذا نسيان
قوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) قال ابن عباس: «الكرسي موضع القدمين» رواه الدارمي بسند على شرط الشيخين.
قوله: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يكرثه ولا يثقله،(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ )
فيه .إثبات أسماء الله جل وعلا والصفات :
أسماؤه أوصاف ألفاظ مدح
كلها مشتقة قد حملت لمعاني
شرع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في هذه العقيدة المختصرة في سرد وذكر الآيات الدالة على أسماء الله وصفاته وقد ذكر رحمه الله تعالى آيات كثيرة في إثبات الصفات لله جل وعلا، وذكر في أدلة كل صفة، ثلاثة أدلة، أو أربعة أدلة، أو خمسة أدلة، تارة يزيد وتارة ينقصه فهو رحمه الله تعالى ابتدأ بسرد الآيات ثم ثنى بذكر الأحاديث ليبين أن عقيدة أهل السنة والجماعة قائمة على الوحيين قائمة على الكتاب وعلى السنة وأنهم يعتمدون في إثبات الأسماء والصفات على آيات القرآن وعلى الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
لا يعتمدون في ذلك على مجرد عقولهم ولا على ما يستحسنونه، ولذلك حكى ابن تيمية رحمه الله تعالى اتفاق أهل السنة على أنه لا مجال للعقل في إثبات الأسماء والصفات، وإن جوز هذا بعض أهل البدع كالأِشاعرة وغيرهم ممن يقحمون العقل في إثبات الأسماء والصفات، فأهل السنة لا يقحمون العقل في هذا الباب ويقولون بأن هذا الباب باب توقيفي آية أو حديث، شرع رحمه الله تعالى يتحدث عن إثبات اسم العليم وصفة العلم لله جل وعلا:
القاعدة في هذا الباب أن كل اسم يشتق منه ص فة، ما هناك اسم لا يؤخذ منه صفة كل اسم يشتق منه صفة، فلذلك من أسماء الله جل وعلا (العليم) يؤخذ منه إثبات صفة العلم لله جل وعلا، قال ابن ا ليقم رحمه الله تعالى في النونية:
مشتقة قد حملت لمعاني
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو الدهر»، الدهر ليس من أسماء الله لأن الدهر ليس بصفة مدح لابد أن يكون ذلك وصف مدح، حتى نجعله اسمًا من أسماء الله جل وعلا، هذا المعنى ذكره ابن القيم.
(أسماؤه أوصاف مدح كلها مشتقة): لا بد أن يشتق منه صفة.
(قد حملت لمعاني): ردًّا على المفوضة وعلى المعتزلة، المعتزلة يقولون سميع بلا سمع، إذن ليس له معنى، والمفوضة يقولون نجري هذه الأسماء والصفات على ظواهرها دون إثبات حقائقها.
أورد المؤلف رحمه الله قول الله جل وعلا:(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
(هو الأول): لا يفسر هذه الآية أحد أبلغ ولا أشمل معنى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - والخبر في الصحيح مسلم: «أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء»، والخبر في صحيح مسلم.
وهذه كلها أسماء من أسماء الله جل وعلا، فنثبت لله جل وعلا اسم الأول والآخر والظاهر والبطن.
ثم قال الله جل وعلا: ( وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) نثبت صفة العلم لله جل وعلا: وأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل؛ لأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو السميع البصير.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:
في الكون من سر ومن إعلان
وبكل شيء علمه سبحانه
فهو العليم وليس ذا نسيان
ثم يأتي قوله جل وعلا: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)
قول لله جل وعلا: ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) نثبت لله عز وجل صفة الحي ومن لوازم الحي أن يكون سميعا بصيرًا عليمًا؛ لأنه هو المدبر وهو المتصرف في أمور الكون وهو العليم الحكيم، وهو الحكيم الخبير، هذه كلها تفيد إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا.
ما معنى الحكيم في أسماء الله ؟ لا بدأن نفهم أسماء الله جل وعلا ونتأمل في الصفات لأن هذا يزيد في الإيمان والخشية، فالحكيم هو الذي يضع الأمور مواضعها، وقيل الحكيم الذي لا يخفى عليه شيء، يعني لا يضع الشيء إلا لحكمة، ولا يخلق إلا لحكمة ولا يفعل إلا لحكمة، والخبير، ما معنى الخبير هو المحيط ببواطن الأشياء وظواهرها.
وقوله جل وعلا: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) فيه إثبات صفة العلم هو العلم المطلق الذي لا يعلمه إلا الله؛ لأن علم المخلوق علم نسبي.
حفظت شيئًا وغابت عنك أشياء
ويعلم ما هو أعظم من ذلك، الحقيقة هذا هو المألوه حقيقة المعبود بصدق؛ ولذلك إبراهيم الخليل بماذا احتج على أبيه المشرك قال: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) لم يقل أبو إبراهيم: وربك لا يسمع ولا يبصر، بل أذعن لذلك.
الله سميع بصير: .(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)ففيه إثبات صفة العلم لله جل وعلا: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
والقرآن كله من فاتحته إلى خاتمته يقرر أمور التوحيد، بعضها بدلالة المطابقة، وبعضها بدلالة التضمن، وبعضها بدلالة الالتزام، ما معنى هذا ؟
دلالة المطابقة هي دلالة الدليل على كل المعنى.
ودلالة التضمن هي دلالة الدليل على بعض المعنى.
ودلالة الالتزام ، دلالة الدليل على أمر خارج لازم للمعنى.
بعد ذلك نرى شيخ الإسلام رحمه اله تعالى يورد الآيات الدالة على إثبات الأسماء والصفات لله جل وعلا، وذلك لبيان وتوضيح أصول أهل السنة والجماعة وأنهم يعتمدون في إثبات ذلك على الكتاب والسنة، فإنهم لا يأتون بشيء من آرائهم ولا عقولهم ويفهمون ذلك على فهم الصحابة رضي الله عنه فإنهم هم الذين عايشوا التنزيل وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان فهمهم أقوى من غيرهم، فقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ).فيه إثبات اسم الرزاق لله جل وعلا أي كثير الرزق، قال الله جل وعلا: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)
فالله جل وعلا يرزق من يشاء من عباده ويعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فمن أنعم الله عليه بدنيا فلا يعني هذا حب الله له، فقد ينعم الله جل وعلا على شر البرية، ولكنه جل وعلا لا يعطي الإيمان إلا من يحب، فمن أسبغ عليه نعمة الإسلام ومن عليه بالهداية فقد أحبه الله،.( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
وهذه النعم التي أعظمها نعمة الإسلام إذا شكرت قرت، وكثير من الناس لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مأكله ومشربه، وإذا ربح في تجارة بدأ يرفع يده ويحمد الله، ولكنه ينسى نعمة الله عليه في كونه صلى مع المسلمين وفي كونه أدى الصلاة، في كونه جل وعلا عافاه من المنحرفين، ومن ضلال الضالين، من كفر المتمردين ينسى نعمة الله عليه، كان لبيد كثيرًا ما يتمثل بقوله:
حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
أنى يرام جناب ذو السلطان
والعزيز القاهر الغلاب لم
يغلبه شيء هذه صفتان
والعزيز بقوة هي وصفه
العز حينئذ ثلاث معاني
هذا قول الله جل وعلا إذا أمر الله بالشيء كان، لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
قال الله جل وعلا:(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)فالله جل وعلا فرق بين الخلق وبين الأمر، فالأمر أمره، والخلق خلقه، وهذا يبعث على قوة التعلق بالله وعدم تهيب المخلوقين، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئًا.
تأمل في إبراهيم من قوة تعلقه بالله ودراسته للأسماء ليست دراسة نظرية لمجرد أنه يثبت، هذا واقع بلا شك ولكن معنى ذلك أيضًا أنه يتأثر بذلك ويعايش هذه القضايا في واقعه وتتدفق هذه الأمور في عروقه ودمه، يعرف أن الله هو الرزاق، إذن يستحضر هذا المفهوم، ليس مجرد نظري وإذا جاء يطلب الرزق طلب من المخلوق.
يقول إن الله جل وعلا هو القوي، ثم يتوسل بغيره، يقول: إن الله هو السميع البصير، ويعتمد على مخلوق خلقه رب العالمين، ولذلك إذا طلع عليه مخلوق لا يفعل المعصية، وإذ اطلع عليه رب العالمين يفعل المعصية، ويجعل الله أهون الناظرين إليه، إذن ما استفدنا منه، كونك تثبت الألفاظ وتنفي المعاني،
إذن دراسة الأسماء دراسة تكون نظرية وعملية نعايشها في واقعنا حتى يزداد إيماننا وتعلقنا بالله، كثير من الناس لا يفهم المعاني، كثير من الناس يبتعد عن دراستها، وتفهم معانيها وتحقيق آثارها ومعرفة ذلك بالحق والصدق.
إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم حين ألقي في النار، ماذا قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فمن كان بالله أعرف كان منه أقرب، تعلق بالله؛ لأنه يعرف أن الله هو الذي يستطيع وهو الذي قدره عليه وهو القوي وهو القادر على إنقاذه، وهو القادر دفع الضرر عنه فتراه هنا تعلق بالله وقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل).
الله جل وعلا يقول: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )
تعلق بالرب الكريم رجاؤه
فأصبح حرًّا عزة ومناعة
على وجهه أنواره وضياؤه
وإن علقت بالخلق أطماع نفسه
تباعد ما يرجو وطال عناؤه
فلا ترج إلا الله في الخطب وحده
ولو صح في خل الصفاء صفاؤه
إذن نفهم معنى السميع نثبت لله السمع ، ونبتعد عن آراء الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونؤمن أن الله سميع بسمع، يسمع ويبصر، ويبصر النملة في ظلمة الليل على صفاة سوداء، وهذا للتقريب للأفهام وإلا فالأمر أعظم من ذلك، إذا كنا نؤمن أن الله هو السميع .إذن لماذا نتورع عن الغيبة والنميمة مثلاً في حضرة مثلاً من لا نحب أن يسمعه، والله يسمعنا ويرانا، .
بصير يبصر، الإنسان ينظر إلى امرأة لا تحل له لا يستطيع بحضرة شيخه أو بحضرة طالب علم ينظر إليها، ولكن ربما ينظر حين لا يراه أحد، هذا من ضعف إيمانه بالغيب ومن ضعف تحقيق معاني الأسماء والصفات في القلوب، وقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) في إثبات صفة السمع لله ويثبتون صفة البصر لله، وأهل السنة والجماعة يثبتون ذلك إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل.
إن المشبه عابد الأوثان
كلا ولا نخليه من أوصافه
إن المعطل عابد البهتان
من شبه الرحمن العظيم بخلقه
فهو الشبيه بمشرك نصراني
أو عطل الرحمن عن أوصافه
فهو الكفور وليس ذا الإيمان
أشار المؤلف رحمه الله تعالى إليهما في قوله جل وعلا: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) نثبت لله عز وجل الإرادة يقول الله جل وعلا:( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ) نثبت لله جل وعلا الإرادة
(فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ )نثبت لله جل وعلا الإرادة.
والإرادة نوعان:
النوع الأول: إرادة كونية قدرية، وهذه الإرادة ملازمة ومرادفة للمشيئة وهذه لا بد أن تقع وقد يحبها الله وقد لا يحبها، فقد أراد الله كفر إبليس، وأراد الله كفر فرعون، وأراد الله وجود الشر في المجتمعات، فنؤمن بذلك ونؤمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال « والشر ليس إليك» أي ليس إلى الله، أي لا يدخل في أسمائه ولا في صفاته،
ولكن الشر مخلوق الله بإجماع أهل السنة والجماعة لأن الله خالق كل شيء، ليس كقول الطائفة القدرية الذين يقصون خلق الشر عن خلق الله، إذن يجعلونه خالقًا مع الله تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
النوع الثاني: إرادة شرعية دينية، وهذه أحبها الله جل وعلا وأرادها، أحبها وأرادها، لكن لا يلزم من ذلك وقوعها، الله جل علا يقول: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). الله جل وعلا أراد ذلك لكن هل يلزم من ذلك أن الناس كلهم يعبدون الله، الله أوجب عليهم لكن لا يلزم من الإرادة أن الناس يوجد منهم هذا الأمر، لكن هذا محبوب لله،(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )، بر الوالدين، أراده الله من كل عبد وأحبه الله لكن لا يلزم أن كل شخص يبر بوالديه فالإرادة الشرعية الدينية محبوبة لله جل وعلا والله جل وعلا يحبها ولكن لا يلزم وقوعها، إذن نثبت لله جل وعلا الإرادتين، الإرادة الكونية القدرية، والإرادة الشرعية الدينية.
الحمد لله رب العالمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الحديث عن أسماء الله وصفاته، وذكر الآيات الدالة على ذلك، ولا يختلف أهل السنة أن باب الأسماء والصفات توقيفي فلا يجوز إثبات اسم ولا صفة لمجرد القياس، ولا بالمرادف في أصح قولي العلماء، وأهل السنة يثبتون لله ما أثبته لنفسه