(لا إله إلا الله) هي أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، مع شهادة أن (محمدا رسول الله)، كما في الحديث الصحيح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ((بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ))
وفي الصحيحين عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما بعث معاذا- رضي الله عنه- إلى اليمن، قال له : ((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم
فترد في فقرائهم .... الحديث))
ومعنى شهادة أن (لا إله إلا الله) : لا معبود بحق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله- سبحانه- وتثبتها بالحق لله وحده، كما قال الله- عز وجل- في سورة الحج : (ذَلكَ بأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ منْ دُونه هُوَ الْبَاطلُ) وقال- سبحانه- في سورة المؤمنون : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّه إلَهًا آخَرَ لا
بُرْهَانَ لَهُ به فَإنَّمَا حسَابُهُ عنْدَ رَبّه إنَّهُ لا يُفْلحُ الْكَافرُونَ) وقال- عز وجل- في سورة البقرة : (وَإلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحدٌ لا إلَهَ إلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحيمُ) وقال تعالى في سورة البينة : (وَمَا أُمرُوا إلا ليَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلصينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاءَ)
إن معنى هذه الكلمة العظيمة (لا إله إلا الله) هو أنه لا معبود بحق إلا الله، ولا مستحق للعبادة إلا الله وحده، فمن قال: لا إله إلا الله وجب عليه أن يُفرد الله بالعبادة وأن يترك عبادة ما سواه (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ).
إن (لا إله إلا الله) هي العروة الوثقى، تضمنت نفياً وبراءة من كل معبود سوى الله، وإيماناً وولاء وإثباتاً لألوهية الواحد الأحد، قال تعالى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا)
و (لا إله إلا الله) هي الكلمة التي جعلها إبراهيم عليه السلام باقية في عقبه (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
فمعرفة معناها والعمل بمقتضاها هو الدين القيم
لذلك لما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قومه إلى عباده الله وحده استنكروا كيف تكون العبادة لله وحده من دون وسطاء وأولياء يقربونهم إلى الله !!!
حيث قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) ، وقالوا (أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) ، مع أنهم كانوا يؤمنون أن الله هو الخالق والرازق والمحيي المميت (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ،
ولقد ضل قوم لا يعلمون معنى (لا إله إلا الله)، فقالوا معناها أنه لا خالق إلا الله، وهذا معنى خاطيء منحرف، فكفار قريش كانوا يعلمون أن الله هو الخالق الرازق، ولم يؤمنوا بـ (لا إله إلا الله)
*************************
وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به.
فقد كان المنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار.. لماذا ؟؟؟؟ لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها
وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس لعدم إيمانهم بها
وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين .. لماذا ؟؟؟ لأنهم ناقضوها بأقوالهم، وأعمالهم، وعقائدهم
*************************
وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروط (لا إله إلا الله) ثمانية :
1- العلم بمعناها المنافي للجهل : وتقدم أن معناها لا معبود حق إلا الله، فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله - سبحانه- كلها باطلة
2- اليقين المنافي للشك : فلا بد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله- سبحانه- هو المعبود بالحق
3- الإخلاص : وذلك بأن يخلص العبد لربه- سبحانه- وهو الله- عز وجل- جميع العبادات فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي، أو ولي، أو ملك، أو صنم، أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص .
4- الصدق : ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك، يطابق قلبه لسانه، ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين .
5- المحبة : ومعناها أن يحب الله- عز وجل- فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين ومن أدلة ذلك قوله- تعالى-: (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبعُوني يُحْببْكُمُ اللَّهُ) وقوله- سبحانه-: (وَمنَ النَّاس مَنْ يَتَّخذُ منْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحبُّونَهُمْ كَحُبّ اللَّه وَالَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للَّه)
6- الانقياد لما دلت عليه من المعنى : ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته، ويؤمن بها، ويعتقد أنها الحق، فإن قالها ولم يعبد الله وحده، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك، فإنه لا يكون مسلما كإبليس وأمثاله
7- القبول لما دلت عليه : ومعناه أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، وأن يلتزم بذلك ويرضى به
8- الكفر بما يعبد من دون الله : ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة، كما قال الله- سبحانه-: (فَمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوت وَيُؤْمنْ باللَّه فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى لا انْفصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ)
والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله- عز وجل-: (فَمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوت وَيُؤْمنْ باللَّه فَقَد اسْتَمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثْقَى لا انْفصَامَ لَهَا) وقال- سبحانه-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَن اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنبُوا الطَّاغُوتَ) ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس
*************************
وهناك فرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة (لا إله إلا الله)، والتي تنافي كمالها الواجب : فكل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها
** فمن ذلك دعاء الأموات، والملائكة، والأصنام والأشجار، والأحجار، والنجوم والبشر والجن والذبح لهم، والنذر والسجود لهم فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية ويضاد هذه الكلمة ويبطلها
** ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالإجماع كالزنا، وشرب المسكر، وعقوق الوالدين، والربا والقتل والسرقة
** ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالإجماع كوجوب الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وبر الوالدين
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان، وتنافي كمالها الواجب، فهي كثيرة ومنها: الرياء، والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، أو هذا من الله ومن فلان، ونحو ذلك،
وهكذا جميع المعاصي والذنوب تضعف التوحيد والإيمان بهذه الكلمة العظيمة وتنافي كمالها الواجب، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابهما
*************************