خصائص الأمثال القرآنية
الذي يمتع بصره ويعمل فكره ، ويتتبع الأمثال القرآنية : يستطيع أن يكتشف الخصائص التالية لها : (1)
الأولى :
دقة التصوير مع إبراز العناصر المهمة من الصورة التمثيلية
الثانية :
التصوير المتحرك الحي الناطق . . ذو
الأبعاد المكانية والزمانية . . والذي تبرز فيه المشاعر النفسية
والوجدانية والحركات الفكرية للعناصر الحية في الصورة .
الثالثة :
صدق المماثلة بين الممثل والممثل له .
الرابعة :
التنويع في عرض الأمثال . . مرة
بالتشبيه . . ومرة بالعرض المفاجئ. . وبالتمثيل البسيط . . وأخرى بالتمثيل
المركب الذي يطابق كل جزء منه جزءا من الممثل له . . وأخرى بالتمثيل
المركب الذي ينزع منه وجه الشبه بنظرة كلية عامة . . وغير ذلك من فنون
القول وأساليبه.
الخامسة :
البناء على المثل والحكم عليه كأنه عين
المثل له . . على اعتبار أن الممثل قد كان وسيلة لإحضار صورة الممثل له في
ذهن المخاطب ونفسه . . وإذا حضرت صورة الممثل له ولو تقديرا . . فالبيان
البليغ يستدعي تجاوز المثل .. ومتابعة الكلام عن الممثل له . . وتسقط صورة
المثل لتبرز القضايا المقصودة .
السادسة :
كثيرا ما يحذف من المثل القرآني مقاطع
من الصورة التمثيلية اعتمادا على ذكاء أهل الاستنباط . . إذ باستطاعتهم أن
يتصوروا في أذهانهم كامل الصورة ويتموا ما حذف منها .
* وهنا يجدر توضيح ما قد يخفى على بعض
القراء فهمه بمثال : قال تعالى : { يهدي الله لنوره من يشاء } . . [ سورة
النور آية 35] . . بعد ضرب المثل لنوره في قلب عبده المؤمن يدل على
الخاصية الخامسة . . ففيه يظهر البناء على المثل والحكم عليه كأنه عين
الممثل له . . على اعتبار أن المثل كان وسيلة لإحضار صورة الممثل في ذهن
المخاطب ونفسه .
* فلما طويت صورة المثل برزت توابع
المثل له فجأة . . وكأن معنى التمثيل تلاشى . . وظهرت حقيقة الممثل له
ظهورا تاما. . فحسن استغلال المشاعر النفسية لترتيب النتيجة المقصودة
بالذات. . فمن استجاب لدعوة الإيمان . . وتدبر آيات الله بصدق . . وكان من
طلاب المعرفة . . ظهرت له أنواع المعرفة الربانية من كتابه.
* وقال الله تعالى في سورة النور : {
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده
شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ، أو كظلمات في بحر
لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج
يده لم يكد يراها ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } . . [ سورة
النور الآيات 39 ـ 40 ] .
* ففي هذين المثلين يظهر لنا صدق
المماثلة بين الممثل والممثل له . . ويظهر لنا أيضا عنصر البناء على المثل
والحكم عليه كأنه عين الممثل له . . على اعتبار أن المثل كان وسيلة لإحضار
صورة الممثل له في ذهن المخاطب ونفسه . . وإذا حضرت صورة الممثل له حسن طي
المثل .
* وهذا ما نلاحظه في قوله تعالى : {
ووجد الله عنده فوفاه حسابه } بعد قوله تعالى : { كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا } .
* فالنص ينتقل بشكل مفاجئ من المثل إلى الممثل له . ويأتي ترتيب النتيجة المقصودة على المثل كأنه عيرن الممثل له .
* ويظهر لنا أيضا من الخصائص حذف مقاطع من الصورة التمثيلية اعتمادا على ذكاء أهل الاستنباط . . وكذلك حذف مقاطع من الممثل له .
* ونلاحظ ما ذكر من الخصائص أيضا في
قوله تعالى : {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } حيث طوى صورة
المثل وبنى عليها حكمه فيمن ضرب لهم المثل . . مع حذف ما يستطيع العقل
استنباطه من خلال هذا المثل .
قوله تعالى : {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } حيث طوى صورة
المثل وبنى عليها حكمه فيمن ضرب لهم المثل . . مع حذف ما يستطيع العقل
استنباطه من خلال هذا المثل .
* فمن لم يستنر بنور الهداية الربانية
. . فلا جرم أن يتيه في الظلمات . . ويضل ضلالا بعيدا . . ويخيب مسعاه هذا
. . وتبقى لا محالة بعض الخصائص مجهولة لدينا . . لأن القرآن الكريم كون
واسع فسيح . . لا يدرك مداه . . ولا يحيط بمعانيه وخصائصه ودقائقه إلا
الله تعالى .
=================
(1)مطبوعات نادي مكة ص 189 وما بعدها