Islam for all-الإسلام للجميع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Islam for all-الإسلام للجميع

سجدات القرآن الكريم  Aya10
Questo sito e' protetto con
Norton Safe Web


    سجدات القرآن الكريم

    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut سجدات القرآن الكريم

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الجمعة 26 نوفمبر - 19:03:09

    سجدات القرآن الكريم






    وفيه تمهيد وخمسة مباحث :

    المبحث الأول : حكم سجود التلاوة

    المبحث الثاني : عدد سجدات القرآن

    المبحث الثالث : الطهارة لسجود التلاوة

    المبحث الرابع : صفة سجود التلاوة

    المبحث الخامس : قراءة السجدة في الصلاة


    التمهيد:

    سجدات القرآن هي السجدات التي يشرع لمن قرأ آية فيها سجدة أو سمعها أن يسجدها ، وهي العبادة الموسومة عند أهل العلم بـ { سجود التلاوة } ، وهي عبادة مشروعة بإجماع العلماء ، دلّ على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع .

    قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ (لأعراف:206) .

    وقال جل وعلا : ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾(السجدة:15) .

    وقال تبارك اسمه : ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ (مريم:58) .

    وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ، ونسجد ، حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته . رواه البخاري ومسلم([1]) .

    وفي لفظ للبخاري : فيسجد ونسجد معه ، فنزدحم ، حتى ما يجد أحدنا لجبهته موضعاً يسجد عليه([2]) .

    وزاد مسلم : في غير صلاة .

    وأمَّا الإجماع فقد حكاه غير واحد من العلماء ، ومنهم النووي الذي قال في شرحه لحديث ابن عمر السابق : ( وفيه إثبات سجود التلاوة وقد أجمع العلماء عليه )([3]) .

    وقد ورد في الكتاب والسنة ما يدل على فضيلة هذا السجود وأهميته ، وأنه من أعمال الأنبياء وأولي العلم الصالحين الذين يؤمنون بآيات الله ، ولايستكبرون عن عبادة ربهم - سبحانه وتعالى - .

    قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ (لأعراف:206) .

    وقال جلّ وعلا : ﴿ قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ ( الإسراء : 107 - 109 ).

    وفي سجود التلاوة إرضاء للرحمن وترغيم للشيطان ؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويله ( وفي رواية : يا ويلي ) أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجَنَّة ، وأمرتُ بالسجود فأبيتُ فَلِيَ النَّار }([4]) .

    وقد اهتم العلماء بدراسة أحكام هذا السجود ، ودراسة الأحاديث التي وردت فيه ، واستنبطوا الفوائد والأحكام([5]) ، ومن هؤلاء العلماء ابن عبدالبر - رحمه الله - الذي شرح أحاديث الموطأ ، واهتم بها في كثير من كتبه .

    وقد عقد الإمام مالك - رحمه الله تعالى - باباً في كتابه الموطأ في كتاب القرآن ، وهو باب ماجاء في سجود التلاوة([6]) ، وذكر تحته مجموعة من الأحاديث والآثار المتعلقة به ؛ وقام ابن عبدالبر بشرح هذه الأحاديث والآثار بتوسع في كتابه الاستذكار ، وَذَكَرَ أقاويل العلماء في المسائل المستفادة من هذه الأحاديث .

    وقد قرأتُ ما كتبه في هذا الباب ، فرأيته طويلاً متداخلَ المسائل ، فقسمته إلى خمسة مباحث جامعة لجميع المسائل التي ذكرها - رحمه الله - ، ذكرتُ في كل مبحث ما يتعلق به من مسائل ، ثُمَّ قمتُ بدراسة هذه المسائل وبيان أقوال العلماء فيها وبيان الراجح منها ، فإلى مباحث هذا الموضوع :





    المبحث الأول

    حكم سجود التلاوة

    قال ابن عبد البر - رحمه الله - : ( واختلفوا في سجود التلاوة ، فقال أبو حنيفة وأصحابه : هو واجب .

    وقال مالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، والليث : هو مسنون وليس بواجب .

    وذكر مالك عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة ، فنزل وسجد وسجد الناس معه ، ثُمَّ قرأها الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود ، فقال : على رِسْلِكُم ، إن الله لم يكتبها علينا إلاَّ أن نشاء ، فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا([7]) .

    وذكر عبدالرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة عن عثمان بن عبدالرحمن ، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير ، أنه حضر عمرَ ابن الخطاب يوم الجمعة ، فقرأ على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة سجد وسجد الناس معه ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها ، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنَّا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب وأحسن ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه . وقال : ولم يسجد عُمَرُ([8]).

    قال : وأخبرنا ابن جُريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لم يفرض علينا السجود إلاَّ أن نشاء([9]) .

    قال أبو عمر : هذا عمر وابن عمر ولا مخالف لهما من الصحابة ، فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضاً ؛ لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ، ولا اتفق العلماء على وجوبه ، والفرائض لاتثبت إلاَّ من الوجوه التي ذكرنا أو ما كان في معناها ، وبالله توفيقنا )([10]) ا هـ .

    وقال في كتاب الكافي في فقه أهل المدينة : ( والسجود سنة للتالي وللسامع إذا كان جالساً إليه ، وليس بواجب على واحد منهما وجوب فرض ، ولكنه سنة كما ذكرنا ، وهو على التالي أوكد من المستمع إلاَّ أن يكون التالي إماماً في الصلاة فيشتركان في ذلك )([11]) ا هـ .

    الدراسة :

    بعد اتفاق العلماء على مشروعية سجود التلاوة - كما سبق بيانه - اختلفوا في حكمه ، فمنهم من قال بوجوبه ، وذهب الجمهور إلى سُنيَّته وعدم وجوبه([12]) .

    وقد رجح الإمام ابن عبدالبر أنه مسنون غير واجب ، وقال : ( فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضاً ؛ لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ، ولا اتفق العلماء على وجوبه ) ا هـ .

    وما رجحه ابن عبدالبر هو الراجح ، بل هو الصحيح الذي لاينبغي التعويل على غيره ، فهو القول الذي تنصره الأدلة ، وتقويّه وترجحه القواعد العلمية .

    وقد بيّن ابن عبد البر هذه الأدلة ، ورجح هذا القول بمقتضى القواعد العلمية الشرعية .

    فأمَّا الأدلة ؛ فقد ذكر منها ما ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قرأ سورة النحل على المنبر يوم الجمعة ، حتى إذا جاء السجدة سجد وسجد الناس معه ، ثُمَّ لَمَّا قرأها في الجمعة الأخرى ، وجاء السجدة قال : أيها الناس ، إنَّا نَمُرُّ بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد - رضي الله عنه([13]) - .

    ووجه الاستدلال بهذا الدليل أن ( القول من عمر رضي الله عنه في هذا الموطن والمجمع العظيم دليلٌ ظاهر في إجماع الصحابة وغيرهم أن سجود القرآن ليس بواجب )([14]) .

    وجميلٌ ما قاله ابن القيم - رحمه الله تعالى - حيث قال : ( ومِن المحال أن يكون الخطأ في مسألة أفتى بها مَن جعل الله الحق على لسانه وقلبه حظّه ولاينكره عليه أحدٌ من الصحابة ، ويكون الصواب فيها حظّ من بعده ، هذا مِن أبين المحال !! )([15]) .

    ومن الأدلة الصحيحة الصريحة في هذه المسألة ما رواه البخاري في صحيحه ، عن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم { والنجم } فلم يسجد فيها([16]) .

    ووجه دلالة هذا الحديث على عدم الوجوب ، أن سجود التلاوة في سورة النجم ثابت شرعاً ، كما في الأحاديث الصحيحة ، ومع ثبوتها فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد ، ولم يأمر زيداً - رضي الله عنه - أن يسجد لَمَّا قرأها ، ولو كان السجود واجباً لأمره به ؛ لأن من القواعد المقررة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز .

    وقد عبّر ابن خزيمة([17]) - رحمه الله - على وجه الاستدلال بهذا الحديث على عدم وجوب السجود بقوله في صحيحه : ( باب : ذكر الدليل على أن السجود عند قراءة السجدة فضيلة لا فريضة ، إذ النبي صلى الله عليه وسلم سجد وسجد المسلمون معه والمشركون جميعاً ؛ إلاَّ الرجلين اللذين أرادا الشهرة ، وقد قرأ زيد بن ثابت عند النبي صلى الله عليه وسلم { النجم } فلم يسجد ، ولم يأمره عليه السلام ، ولو كان السجود فريضة ؛ لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها ، ولولم تكن في { النجم } سجدة ؛ كما توهم بعض الناس ... لما سجد النبي صلى الله عليه وسلم في { النجم } )([18]) ا هـ .

    وقال البغوي - رحمه الله - بعد أن ذكر حديث زيد السابق : ( فيه دليلٌ على أن سجود التلاوة غيرُ واجب ، إذ لو كان واجباً لم يتركِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيداً حتى يسجد )([19]) ا هـ .

    وأمَّا القواعد العلمية التي ترجح القول بعدم الوجوب ، فقد أشار إليها ابن عبدالبر بقوله : ( فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضاً ؛ لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ولا اتفق العلماء على وجوبه ، والفرائض لاتثبت إلاَّ من الوجوه التي ذكرنا ، أو ماكان في معناها ، وبالله توفيقنا )([20]) ا هـ .

    وقال في موضع آخر - بعد ذكره للأثرين عن عمر وابنه - : ( أي شيء أبين من هذا عن عمر ، وابن عمر ، ولا مخالف لهما من الصحابة فيما علمت ، وليس قول من أوجبهما بشيء ، والفرائض لاتجب إلاَّ بحجة لا معارض لها - وبالله التوفيق )([21]) ا هـ .

    وإذا تقرر هذا علمنا أن القول الراجح في حكم سجود التلاوة هو الاستحباب ، فسجود التلاوة مسنون وليس واجباً ، وهذا هو قول جمهور العلماء - والله تعالى أعلم - .

    ويتعلق بهذا المبحث مسألتان :

    المسألة الأولى : هل يلزم المستمع السجود إذا سجد القارئ ؟ :

    قال ابن عبدالبر في الكافي : ( والسجود سنة للتالي وللسامع إذا كان جالساً إليه ، وليس بواجب على واحد منهما وجوب فرض ، ولكن سنة كما ذكرنا ، وهو على التالي أوكد من المستمع إلاَّ أن يكون التالي إماماً فيشتركان في ذلك )([22]) ا هـ .

    مِمَّا سبق يتبين أن ابن عبدالبر يرى أن السجود سنة للتالي والسامع إذا كان جالساً إليه ، أي إذا كان قاصداً للسماع ، وهو من يعبر عنه العلماء بالمستمع .

    وهذا الذي ذكره ابن عبدالبر هو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية .

    وذهب الحنفية إلى وجوب ذلك على القارئ وعلى من سمعها ، سواء قصد ذلك أم لا([23]) .

    واحتج من قال بأن المستمع يسجد إذا سجد القارئ بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته([24]) .

    هذا إذا سجد التالي ، أمَّا إذا لم يسجد التالي فإن المستمع لايسجد ؛ لأن سجودَ المستمع تبع لسجود القارئ ، فالقارئ أصل والمستمع فرع([25]) .

    قال البخاري في صحيحه : ( باب : من سجد لسجود القارئ . وقال ابن مسعود : لتميم بن حَذْلَم ، وهو غلام ، فقرأ عليه سجدة ، فقال : اسجد فإنك إمامنا فيها )([26]) ثُمَّ ذكر حديث ابن عمر السابق .

    قال ابن حجر : ( وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع )([27]) ا هـ .

    وقال البغوي في شرح السنة : ( والسنة للمستمع أن يسجد بسجود التالي ، فإن لم يسجد التالي فلايتأكد في حقه . قال مالك والشافعي : إذا لم يكن قعد لاستماع القرآن ، فإن شاء سجد ، وإن شاء لم يسجد )([28]) ا هـ .

    قال عثمان - رضي الله عنه - : إنَّما السجدة على من استمعها([29]) .

    وقولُ ابن عبدالبر : ( وهو على التالي أوكد من المستمع ، إلاَّ أن يكون التالي إماماً فيشتركان في ذلك ) فيه نظر ؛ لأن التالي إذا كان إماماً في الصلاة وسجد فإنه يتعين على المستمع أن يسجد وجوباً متابعة لإمامه ؛ لأن متابعة الإمام واجبة([30]) .

    وبهذا نعلم أن سجود المستمع في هذه الحال أوكد من سجود التالي ، فسجود التالي سنة ، وسجود المستمع في الصلاة واجب .

    المسألة الثانية : حكم سجود التلاوة في أوقات النهي :

    قال ابن عبدالبر - رحمه الله - وهو يشرح قول مالك في الموطأ : ( وأمَّا قوله : لاينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئاً بعد صلاة الصبح ، ولا بعد صلاة العصر .

    وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، والسجدة من الصلاة ، فلاينبغي لأحد أن يقرأ سجدة في تينِكَ الساعتين([31]) . فقولٌ صحيح وحجة واضحة .

    وأمَّا اختلافهم في سجود التلاوة بعد الصبح وبعد العصر فقد ذكرنا ما ذكره مالك في الموطأ .

    وقال ابن القاسم عنه : يسجد في هذين الوقتين ما لم تتغير الشمس أو يُسفر ، فإذا أسفر أو اصفرت الشمس لم يسجد ، وهذه الرواية قياس على مذهبه في صلاة الجنائز .

    وقال الثوري مثلَ قول مالك في الموطأ .

    وكان أبو حنيفة لايسجد عند الطلوع ولا عند الزوال ولا عند الغروب ، ويسجدها بعد العصر وبعد الفجر .

    قال أبو عمر : وهكذا مذهبه في الصلاة على الجنائز .

    وقال زُفَرُ([32]) : إن سجد عند طلوع الشمس أو غروبها أو عند استوائها أجزأه إذا تلاها في ذلك الوقت .

    وقال الأوزاعي والليث والحسن بن صالح([33]) : لايسجد في الأوقات التي تكره فيها الصلاة .

    وقال الشافعي : جائز أن يسجد بعد الصبح وبعد العصر )([34]) ا هـ .

    هذا ما ذكره ابن عبدالبر في هذه المسألة ، وقد ذكر أقوال أهل المذاهب فيها ، ولم يبق إلاَّ قول الإمام أحمد .

    فذهب أحمد في رواية عنه إلى أنه يسجد في كل وقت ، والرواية الثانية أنه لايسجد في أوقات النهي مطلقاً ، وهي المذهب([35]) .

    فهذه خلاصة أقوال أئمة المذاهب في هذه المسألة([36]) .

    وأمَّا رأى ابن عبدالبر فيها فهو ما ذكره الإمام مالك في الموطأ وهو أنه لاينبغي لأحدٍ أن يقرأ من سجود القرآن شيئاً بعد صلاة العصر ، وبعد صلاة الصبح ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذين الوقتين ، والسجدة من الصلاة ، فلاينبغي لأحدٍ أن يقرأ سجدة في تينك الساعتين .

    قال ابن عبدالبر : هذا قولٌ صحيحٌ وحجةٌ واضحةٌ .

    وأقول : قول ابن عبدالبر صحيح إذا اعتبرنا سجود التلاوة صلاةً - كما هو قول جمهور أهل العلم ، ومنهم الأئمة الأربعة وأصحابهم - ولكن الصحيح أن سجود التلاوة لايعتبر صلاةً - كما ذهب إلى ذلك ابن جرير وابن حزم وابن تيمية ، وهو قول الشعبي ، وسعيد بن المسيب([37])([38]) - .

    وإذا تقرّر أن سجود التلاوة ليس بصلاة فإنه لاينهى عنه في أوقات النهي ؛ لأن النهي إنَّما هو عن الصلاة ، ولا صلاة .

    قال الشوكاني - رحمه الله - : ( روى عن بعض الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات المكروهة ، والظاهرُ عدم الكراهة ؛ لأن السجود المذكور ليس بصلاة ، والأحاديث الواردة في النهي مختصة بالصلاة )([39]) ا هـ .


    يتبع إن شاء الله
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut رد: سجدات القرآن الكريم

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الجمعة 26 نوفمبر - 19:04:47

    ([1]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن ، باب : من يسجد لسجود القارئ رقم [1075] ص 214 ( ط : الأفكار الدولية ) ، ومسلم في كتاب المساجد ، باب : سجود التلاوة رقم [575] ص 230 ( ط : الأفكار الدولية ) .

    ([2]) رقم [1076] باب : ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة .

    ([3]) شرح النووي على صحيح مسلم 5/78 .

    ([4]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم [81] 60 ، 61 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .

    ([5]) من الكتب المؤلف في أحكام سجود التلاوة - وقد استفدت منها كثيراً في مسائل هذا الموضوع :

    1 - إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن ، تأليف أبي عبدالرحمن محمود الجزائري .

    2 - التبيان في سجدات القرآن ، جمع وتحقيق عبدالعزيز بن محمد السدحان .

    3 - سجود التلاوة وأحكامه ، للدكتور صالح بن عبد الله اللاحم .

    وهذا الكتاب الأخير يدرس أحكام سجود التلاوة ، دراسة فقهية مقارنة بشيء من التوسع .

    ([6]) انظر : موطأ الإمام مالك 1/181 - 183 .

    ([7]) أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب القرآن ، باب : ماجاء في سجود القرآن ص 182 ، وسأتي تخريجه في التعليق التالي بالتفصيل .

    ([8]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن ، باب : مَن رأى أن الله عزوجل لم يوجب السجود رقم [1077] ص 214 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) .

    ([9]) أخرجه البخاري في الموضع السابق بلفظ : ( وزاد نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : إن الله لم يفرض السجود إلاَّ أن نشاء ) .

    ([10]) الاستذكار 8/107 - 109 .

    ([11]) الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبدالبر ص 76 ، 77 .

    ([12]) انظر أقوال العلماء في حكم سجود التلاوة ومناقشتها في المجموع للنووي 4/61 ، 62 ، وفي كتاب سجود التلاوة وأحكامه للدكتور صالح بن عبد الله اللاحم ص 12 - 27 .

    ([13]) سبق تخريجه قريباً .

    ([14]) المجموع للنووي 4/62 .

    ([15]) إعلام الموقعين لابن القيم 4/178 ، 179 ، 180 ، حيث قرر هذا الكلام وأكّده أكثر من مرة .

    ([16]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن ، باب : من قرأ السجدة ولم يسجد رقم [1072] ص 213 وأخرجه مسلم برقم [577] مطوّلاً .

    ([17]) هو : الحافظ الثبت ، إمام الأئمة ، وشيخ الإسلام ، أبو بكر ، محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال الدارقطني : كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير . سئل عنه عبدالرحمن بن أبي حاتم ، فقال : وَيْحَكُم ، هو يُسألُ عَنَّا ولانُسْألُ عنه ، هو إمام يقتدى به . مناقبه كثيرة - رحمه الله - توفي سنة 311 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 2/441 - 446 ، وسير أعلام النبلاء 14/365 - 382 .

    ([18]) صحيح ابن خزيمة 1/284 .

    ([19]) شرح السنة للبغوي 3/310 .

    ([20]) الاستذكار 8/109 .

    ([21]) التمهيد 19/133 .

    ([22]) الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبدالبر ص 77 .

    ([23]) انظر تفصيل الخلاف في هذه المسألة في كتاب : أحكام سجود التلاوة للدكتور صالح اللاحم ص 28 - 34 .

    ([24]) سبق تخريجه ص 379 .

    ([25]) انظر : الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 4/133 .

    ([26]) صحيح البخاري ص 214 ، وفتح الباري 2/647 .

    ([27]) فتح الباري لابن حجر 2/647 .

    ([28]) شرح السنة للبغوي 3/315 .

    ([29]) صحيح البخاري كتاب سجود القرآن ، باب : من رَأى أن الله لم يوجب السجود ص 214 .

    ([30]) انظر : المعتمد في فقه الإمام أحمد 1/165 .

    ([31]) موطأ الإمام مالك كتاب القرآن ، باب : ماجاء في سجود القرآن ص 182 .

    ([32]) هو : زُفَرُ بن الهذيل العنبري ، الفقيه المجتهد الرباني ، العلاّمة ، أبو الهذيل ، كان من بحور الفقه ، وأذكياء الوقت ، تفقه بأبي حنيفة ، وهو أكبر تلامذته ، وكان ممن جمع بين العلم والعمل ، وكان يدري الحديث ويتقنه . مات سنة 158 هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 8/38 - 41 .

    ([33]) هو : الحسن بن صالح بن حي ، الإمام القدوة ، أبو عبد الله الهمداني الكوفي ، الفقيه العابد ، كان من كبار المحدثين ، ثقةً حافظاً متقناً عابداً زاهداً . كان وكيع يشبهه بسعيد بن جبير . مات - رحمه الله - سنة 167 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 2/320 - 322 .

    ([34]) الاستذكار 8/109 - 110 .

    ([35]) انظر : المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 1/687 .

    ([36]) انظر تفصيل هذه المسألة وأقوال العلماء فيها في كتاب أحكام سجود التلاوة للدكتور صالح اللاحم ص 102 - 107 .

    ([37]) هو : الإمام ، شيخ الإسلام ، وفقيه المدينة ، وسيد التابعين ، سعيد بن المسَيِّبْ ، أبو محمد المخزومي ، أعلم التابعين على الإطلاق ، وكان قد سمع من كثير من الصحابة . وكان من أعبد الناس ، مناقبه كثيرة - رحمه الله تعالى - مات سنة 94 هـ على الأرجح الأقوال في تاريخ وفاته . انظر : طبقات علماء الحديث 1/112 - 113 ، وسير أعلام النبلاء 4/227 - 246 .

    ([38]) انظر : أقوال العلماء في اعتبار سجود التلاوة صلاة في كتاب أحكام سجود التلاوة للدكتور صالح اللاحم ص 96 - 101 ، وكتاب التبيان في سجدات القرآن لعبدالعزيز السدحان ص 21 - 28 .

    ([39]) نيل الأوطار للشوكاني 3/126
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut رد: سجدات القرآن الكريم

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الجمعة 26 نوفمبر - 19:07:39

    عدد سجدات القرآن ومواضعها

    قال ابن عبدالبر - رحمه الله - : ( واختلفوا في جملة سجود القرآن ، ذهب مالك وأصحابه إلى أنها إحدى عشرة سجدة ، ليس في المفصل منها شيء .

    وروى ذلك عن عمر ، وابن عباس على اختلاف عنه ... .

    وقال أبو حنيفة وأصحابه : أربع عشرة سجدة فيها الأولى من الحج .

    وقال الشافعي : أربع عشرة سجدة ليس فيها سجدة { ص } فإنها سجدة شكر . وفي الحج عنده سجدتان .

    وقال أبو ثور : أربع عشرة سجدة ، فيها الثانية من الحج وسجدة { ص } وأسقط سجدة النجم .

    وقال أحمد وإسحاق : خمس عشرة سجدة . في الحج سجدتان ، وسجدة { ص } .

    وهو قول ابن وهب ، ورواه عن مالك .

    وقال الطبري : خمس عشرة سجدة ، ويدخل في السجدة بتكبير ، ويخرج منها بتسليم .

    وقال الليث بن سعد : يستحب أن يسجد في القرآن كله ، في المفصّل وغيره )([1]) ا هـ .

    الدراسة :

    يتبين لنا من عرض ابن عبدالبر السابق لأقوال العلماء في عدد سجدات القرآن أن عدد هذه السجدات بالجملة خمس عشرة سجدة ، على خلاف بين العلماء في بعضها - كما سيأتي تفصيله إن شاء الله - .

    وتفصيل هذه السجدات كالتالي :

    1 - قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُو؛َ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [ الأعراف : 206 ] .

    2 - قوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَـــاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } [ الرعد : 15 ] .

    3 - قوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَــاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلَـائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ . يَخَافُونَ رَبَّهُم مّـِن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ النحل : 49 ، 50 ] .

    4 - قوله تعالى : ﴿ قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَـانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [ الإسراء : 107 - 109 ] .

    5 - قوله تعالى : ﴿ أُولَـــئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّـِنَ النَّبِيِّيـنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيـم وَإِسْرَاءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ" إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاـتُ الرَّحْمَـــنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكـــِيًّا ﴾ [ مريم : 58 ] .

    6 - قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ , مَن فِي السَّمَــــوَ !تِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَا؟لْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مّـِنَ النَّاسِ( وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ , مّـِن مُّكْرِمٍ" إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ = 18 } [ الحج : 18 ] .

    7 - قوله تعالى : { يَـاأَيُّـــهَا الَّذِيـن ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ = 77 } [ الحج : 77 ] .

    8 - قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـــنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـــنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } [ الفرقان : 60 ] .

    9 - قوله تعالى : { أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَــــوَ !تِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ = 25 اللَّهُ لاَ إِلَـــهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [ النمل : 25 ، 26 ] .

    10 - قوله تعالى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـــَــايَــــتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ = 15 } [ السجدة : 15 ] .

    11 - قوله تعالى : { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ( وَإِنَّ كَثِيرًا مّـِنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّــــلِحَــاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّـــهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ , وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ = 24 } [ ص : 24 ] .

    12 - قوله تعالى : { وَمِنْ ءَايَـــــتِهِ الَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ = 37 فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ , بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْـــَمُونَ = 38 } [ فصلت : 37 ، 38 ] .

    13 - قوله تعالى : { فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا = 62 } [ النجم : 62 ] .

    14 - قوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لاَ يَسْجُدُونَ = 21 } [ الانشقاق : 21 ] .

    15 - قوله تعالى : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ = 19 } [ العلق : 19 ] .

    وقد اتفق العلماء على مشروعية السجود في عشرة مواضع من هذه المواضع الخمسة عشر ، وهي التي في السور التالية : الأعراف ، الرعد ، النحل ، الإسراء ، مريم ، الأولى من الحج ، والفرقان ، النمل ، السجدة ، فصلت .

    قال العلاّمة ابن حزم - رحمه الله - : ( واتفقوا أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة ، واتفقوا منها على عشر ، واختلفوا في التي في { ص } ، وفي الآخرة التي في الحج ، وفي الثلاث اللواتي في المفصل )([2]) ا هـ .

    وقد بيّن ابن عبدالبر خلاف العلماء في المواضع التي حصل فيها خلاف ، وإليك ما ذكره - رحمه الله - في هذا :

    أولاً : السجدة الثانية من الحج :

    قال ابن عبدالبر : ( وذكر مالك في هذا الباب أيضاً عن نافع ، مولى ابن عمر ، أن رجلاً من أهل مصر ، أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج ، فسجد فيها سجدتين . ثُمَّ قال : إن هذه السورة فضلت بسجدتين([3]) .

    وعن عبد الله بن دينار ، أنه قال : رأيت عبدَ الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين([4]) .

    وهذه السجدة الثانية من الحج ، اختلف فيها الخلف والسلف ، وأجمعوا على أن الأولى يسجد فيها .

    وقال الطحاوي : كل سجدة جاءت بلفظ الخبر فلم يختلفوا في أنه يسجد فيها ، واختلفوا فيما جاءت بلفظ الأمر([5]) .

    وأمَّا اختلافهم في السجدة الأخيرة من الحج ، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليس في الحج سجدةٌ إلاَّ واحدة وهي الأولى .

    وروى ذلك عن سعيد بن جبير ، والحسن البصري ، وجابر بن زيد([6]) واختلف فيها عن ابن عباس .

    وقال الشافعي وأصحابه ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري : في الحج سجدتان .

    وهو قول عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عباس على اختلاف عنه ، وأبي عبدالرحمن السلمي([7]) ، وأبي العالية الرياحي .

    وقال أبو إسحاق السبيعي([8]) : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين .

    وقال الأثرم([9]) : سمعتُ أحمد بن حنبل يُسأل : كم في الحج من سجدة ؟ فقال : سجدتان . قيل له : حدّث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { في الحج سجدتان ؟ } قال : نعم . رواه ابن لهيعة عن مِشْرَح ، عن عقبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { في الحج سجدتان ، ومَن لم يسجدهما فلايقرأهما }([10]) يريد فلايقرأهما إلاَّ وهو طاهر([11]) .

    قال : وهذا يؤكد قول عُمر ، وابن عمر ، وابن عباس أنهم قالوا : فضلت سورة الحج بسجدتين([12]) .

    وذكر عبدالرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع : أن عمر وابن عمر كانا يسجدان في الحج سجدتين([13]) .

    قال : وقال ابن عمر : لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الآخرة أحب إليَّ )([14]) .

    ومِمَّا سبق يُمكن القول بأن السجدة الثانية في سورة الحج ثبتت عن عدد من الصحابة - كما ذكر ابن عبدالبر رحمه الله - وغيره ، وكان العمل على السجود في الحج سجدتين كما يفهم ذلك من قول أبي إسحاق السبيعي التابعي الكبير : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين .

    فإذا كان الأمر كذلك فلا مناص من القول بثبوت تلك السجدة خاصة وأنه لم يُعرف لمن قال بثبوتها وسجدها من الصحابة مخالف في عصرهم فكان إجماعاً كما قال ابن قدامة في المغني([15]) .

    وأمَّا الأحاديث التي جاءت بإثبات هذه السجدة فكلها لايخلو من مقال ، وقد ضعفها العلماء كحديث عقبة بن عامر السابق ، وحديث عمر بن العاص - رحمه الله([16]) - .

    وهذه الأحاديث - وإن كان فيها مقال - إلاَّ أن بعضها يعضد بعضاً ويقويه ، ولذلك فقد ذكر ابن كثير هذه الأحاديث ، وذكر معها أثر عمر السابق ثُمَّ قال : ( فهذه شواهد يشد بعضها بعضاً )([17]) ا هـ .

    وقد قال الإمام أبو بكر بن العربي([18]) - وهو من أئمة المالكية ومحققيها - بثبوت هذه السجدة ، حيث ذكر أقوال العلماء فيها ، ثُمَّ قال : ( وإني لأسجد بها وأراها كذلك ) ثُمَّ ذكر أنه رجح القول بثبوتها لثبوت ذلك عن عمر ، وابن عمر ، وذكر الأثرين الذين أوردهما مالك في موطأه عنهما ، ثُمَّ قال بعد ذكر أثر ابن عمر : ( وكان ابن عمر أكثر الخلق بالنبي صلى الله عليه وسلم قدوة )([19]) .

    ( فالقول الراجح ، المعوّل عليه أن في سورة الحج سجدتين ، والله تعالى أعلم )([20]) .

    ثانياً : سجدة { ص~ } :

    قال ابن عبدالبر : ( واختلفوا في سجدة { ص~ } : فذهب مالكٌ والثوري وأبو حنيفة إلى أن فيها سجوداً .

    وروي ذلك عن عمر ، وابن عمر ، وعثمان ، وجماعة من التابعين ، وبه قال إسحاق ، وأحمد ، وأبو ثور .

    واخْتُلف في ذلك عن ابن عباس .

    وذهب الشافعي إلى أن لا سجود في { ص } ، وهو قولُ ابن مسعود وعلقمة .

    وذكر عبدالرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله بن مسعود : إنَّما هي توبة نبي ذكرت . وكان لايسجد فيها([21]) .

    وقال ابن عباس : ليست سجدة { ص } من عزائم السجود ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها([22]) )([23]) ا هـ .

    هذا ما ذكره ابن عبدالبر من خلاف في سجدة { ص } ، والذي يترجح في هذه المسألة ، وهو مِمَّا لاشك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في هذا الموضع كما صحت بذلك الأحاديث ، وصحت كذلك آثار عن الصحابة وغيرهم أنهم كانوا يسجدون عند هذه الآية من سورة { ص } { ... وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [ ص : 24 ] .

    فعن ابن عباس رضي الله عنهما - قال : { ( ص ) ليس من عزائم السجود ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها }([24]) .

    وعنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في { ص } ، وقال : { سجدها داود توبة ، ونسجدها شكراً }([25]) .

    وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر { ص } ، فلما بلغ السجدة ؛ نزل فسجد ، وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر ؛ قرأها ، فلما بلغ السجدة ، تشزَّن([26]) الناس للسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنَّما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تشزّنتم للسجود } ، فنزل فسجد وسجدوا }([27]) .

    وعن أبي رافع قال : صليت مع عمر الصبح فقرأ بـ { ص } فسجد فيها([28]) .

    وقال ابن عمر - رضي الله عنه وعن أبيه - : في { ص% } سجدة([29]) .

    وكان ابن عباس يسجد في { ص } ويتلو هذه الآية { أُولَــ!ــ%ـئِكَ ا؟لَّذِينَ هَدَى ا؟للَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ا؟قْتَدِهْ) }([30]) [ الأنعام : 90 ] .

    وثبت عن الحسن ومسروق أنهما كانا يسجدان في { ص }([31]) .

    ولكن هل هذه سجدة تلاوة ، أو أنها سجدة شكر ، وتفعل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ .

    قال أبو بكر الجصاص الحنفي : ( ولما سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها كما سجد في غيرها من مواضع السجود ، دلّ على أنه لا فرق بينها وبين سائر مواضع السجود )([32]) ا هـ .

    وقال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن : ( والذي عندي أنها ليست موضع سجود ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها ، فسجدنا للاقتداء به )([33]) .

    وقال النووي الشافعي - رحمه الله - : ( وقال أصحابنا [ يقصد الشافعية ] سجدة { ص } ليست من عزائم السجود . معناه : ليست سجدة تلاوة ، ولكنها سجدة شكر ، هذا هو المنصوص ، وبه قطع الجمهور )([34]) ا هـ .

    والمعتمد في مذهب الإمام أحمد أنها سجدة شكر([35]) .

    والصحيح أن سجدة { ص } سجدة تلاوة لارتباطها بتلاوة الآية ، ولكنها ليست من عزائم السجود كما قال ابن عباس([36]) .

    ( والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلاً ، بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لايقول بالوجوب )([37]) .

    ثالثاً : السجود في المفصل :

    عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قرأ : { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } [ الانشقاق : 1 ] فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها([38]) .

    ذكر ابن عبدالبر هذا الحديث في التمهيد ، ثُمَّ قال - بعد أن بيّن أنه حديث صحيح : ( وفي هذا الحديث السجود في المفصّل ، وهو أمر مختلف فيه ، فأمَّا مالك وأصحابه ، وطائفة من أهل المدينة ، فإنهم لايرون السجود في المفصل ، وهو قول ابن عمر وابن عباس ، وروي ذلك عن أبي بن كعب ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وطاووس ، وعطاء ؛ كل هؤلاء يقول : ليس في المفصل سجود بالأسانيد الصحاح عنهم ، وقال يحيى بن سعيد : أدركنا القراء لايسجدون في شيء من المفصّل ، وكان أيوب السختياني لايسجد في شيء من المفصّل ... .

    وحجة من لم يرَ السجود ما حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن رافع ، قال : حدثنا أزهر بن القاسم - رأيته بمكة - قال : حدثنا أبو قدامة ، عن مطر الوراق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحوّل إلى المدينة([39]) .

    قال أبو عمر : هذا عندي حديث منكر ، يرده قول أبي هريرة سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } [ الانشقاق : 1 ] ولم يصحبه أبو هريرة إلاَّ بالمدينة .

    قال أبو داود([40]) : هذا حديث لايحفظ عن غير أبي قدامة هذا بإسناده .

    قال أبو داود : وقد روى من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ، وإسناده واهٍ([41]) .

    قال أبو عمر : رواه عمر الدمشقي مجهول ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء .

    قال أبو عمر : في حديث أبي الدرداء إحدى عشرة سجدة ، منها : النجم .

    واحتجوا أيضاً بحديث زيد بن ثابت ... ، قال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم ، فلم يسجد فيها([42]) .

    وليس فيه حجة إلاَّ على من زعم أن السجود واجب .

    وقد قيل : إن معناه أن زيد بن ثابت كان القارئ ، فلما لم يسجد ، لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن المستمع تبع للتالي ، وهذا يدل على صحة قول عمر : إن الله لم يكتبها علينا ، فإنَّما حديث زيد ابن ثابت هذا حجة على من أوجب سجود التلاوة لا غير .

    وقال جماعة من أهل العلم : السجود في المفصّل في { والنجم } و { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } .

    هذا قول الشافعي والثوري وأبي حنيفة ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ؛ وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعثمان ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، على اختلاف عنه ؛ وعن عمر بن عبدالعزيز ، وجماعة من التابعين .

    وحجة من رأى السجود في المفصل حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } ... عن أبي هريرة ، قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } [ الانشقاق : 1 ] ، و { ا؟قْرَأْ بِا؟سْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] .

    وفي رواية عن أبي رافع ، قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } فسجد ، قلتُ : ما هذه السجدة ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه([43]) .

    قال أبو عمر : هذا حديث ثابت أيضاً صحيح ، لايختلف في صحة إسناده ، وكذلك الذي قبله صحيح أيضاً ، وفيه السجود في المفصل ، والسجود في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } معينة ، والسجود في الفريضة ؛ وهذه فصول كلها مختلف فيها ، وهذا الحديث حجة لمن قال به ، وحجة على من خالف ما فيه ... .

    عن أبي سلمة بن أبي عبدالرحمن ، أنه رأى أبا هريرة - وهو يصلي - فسجد في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } قال أبو سلمة حين انصرف : لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيهما ، قال : إني لولم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها لم أسجد([44]) ... .

    قال أبو عمر : احتج من أنكر السجود في المفصل بقول أبي سلمة لأبي هريرة : لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها . قالوا : فهذا دليل على أن السجود في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } كان قد تركه الناس ، وجرى العمل بتركه في المدينة ؛ فلهذا كان اعتراض أبي سلمة لأبي هريرة في ذلك .

    واحتج من رأى السجود في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } وفي سائر المفصل ، بأن أبا هريرة رأى الحجة في السنة لا فيما خالفها ، ورأى أن من خالفها محجوج بها ؛ وكذلك أبو سلمة لما أخبره أبو هريرة بما أخذه به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت لما لزمه من الحجة ؛ ولم يقل له الحجة في عمل الناس ، لا فيما تحكي أنت عن رسول الله بل علم أن الحجة فيما نزع به أبو هريرة ، فسلم وسكت .

    وقد ثبت عن أبي بكر ، وعمر ، والخلفاء بعدهما السجود في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } فأيّ عمل يدعى في خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده ؟ ! .

    ... عن أبي هريرة ، قال : سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما - في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } ومن هو خير منهما([45]) .

    ... فهذا ما في سجود المفصل من الآثار الصحاح ، واختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم - رضوان الله عليهم - )([46]) ا هـ .

    وبعد هذا الكلام المحقق المجوّد الواضح ؛ يتبين لنا أن ابن عبدالبر ، يميل إلى القول بثبوت السجود في المفصل مخالفاً في ذلك إمام مذهبه الإمام مالكاً - رحمة الله على الجميع - وإن كان لم يبين ذلك بصراحة .

    والقول بثبوت السجود في المفصل هو القول الصحيح الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة من السنة النبوية ، وأقوالُ الصحابة والتابعين وفعلُهم .

    ولقوة أدلته وصراحتها فقد رجحه بعض محققي المالكية ، ومنهم الإمام أبو بكر ابن العربي ، فقد قرّر في عدة مواضع ثبوت السجود في المفصل ، وأن ذلك هو القول الصحيح الذي تشهد له الأدلة .

    قال - رحمه الله - : ( ثبت في الصحيح أن أبا هريرة قرأ : { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها .

    وقد قال مالك : إنها ليست من عزائم السجود ، والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه ، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة .

    قال ابن العربي : لَمَّا أمَمْتُ بالناس تركت قراءتها لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيراً مني ، فاجتنبتها إلاَّ إذا صليت وحدي )([47]) ا هـ .

    وبعد هذا كله فالقول الصحيح المعوّل عليه أن عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم خمس عشرة سجدة ، منها السجدة الثانية في الحج ، وسجدة { ص } وثلاث في المفصل([48]) .

    ويشهد لهذا حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصل ، وفي الحج سجدتان } .

    فهذا الحديث أشملُ حديث في بيان عدد سجدات القرآن ، وهو وإن كان في إسناده ضعف فله من الشواهد المرفوعة والموقوفة ما ينهض به عن درجة الضعف([49]) ؛ ولذلك فقد حسنه النووي - رحمه الله([50]) - .

    تنبيه :

    سبب اختلاف العلماء في عدد سجدات القرآن يعود إلى اختلاف النقل في الأحاديث والعمل ، واختلافهم في الأمر المجرد بالسجود في القرآن هل المراد به سجود التلاوة أو سجود الفرض في الصلاة . أفاد ذلك القرطبي([51]) .



    الحواشي السفلية :

    --------------------------------------------------------------------------------

    ([1]) الاستذكار 8/106 - 107 باختصار يسير جداً . وانظر : التمهيد 19/131 ، 132 .

    ([2]) مراتب الإجماع ص 37 ، نقلاً عن كتاب : إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن ، لمحمود الجزائري ص 27 .

    ([3]) أخرجه مالك في الموطأ ، كتاب القرآن ، باب : ماجاء في سجود القرآن ص 181 ، وفي سنده جهالة رجل من أهل مصر ، ولكن له شواهد بمعناه يتقوى بها . انظر : جامع الأصول لابن الأثير 5/55 حاشية .

    ([4]) أخرجه مالك في الموضع السابق ص 182 ، وإسناده صحيح كما قال عبدالقادر الأرناؤوط في تحقيقه لأحاديث جامع الأصول لابن الأثير 5/556 حاشية .

    ([5]) انظر قوله هذا في شرح معاني الآثار 1/361 .

    ([6]) هو : جابر بن زيد الأزدي البصري ، أبو الشعثاء ، أحد الأعلام ، وصاحب ابن عباس . قال عمرو بن دينار : ما رأيت أحداً أعلم بالفتيا من جابر بن زيد . مات سنة 93 هـ في الجمعة التي مات فيها أنس بن مالك - رضي الله عنه - . انظر : طبقات علماء الحديث 1/142 - 143 ، وسير أعلام النبلاء 4/481 - 483 .

    ([7]) هو : أبو عبدالرحمن السلمي ، مقرئ الكوفة وعالمها ، عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي ، قرأ على عثمان وعلي وابن مسعود ، وسمع منهم ومن غيرهم من الصحابة ، تصدّر للإقراء في خلافة عثمان إلى أن مات في سنة 73 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 1/107 ، وسير أعلام النبلاء 4/267 - 272 .

    ([8]) هو : أبو إسحاق السبيعي ، عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي الحافظ ، أحدُ الأعلام . قال أبو حاتم : ثقة ، يشبه الزهري في الكثرة . وقد كان صوّاماً قوّاماً متبتلاً كثير الحديث ، ومناقبه كثيرة ، توفي سنة 127 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 1/185 - 187 ، وسير أعلام النبلاء 5/392 - 401 .

    ([9]) هو : الإمام الحافظ العلاّمة ، أبو بكر ، أحمد بن محمد بن هانئ الإسكافي الأثرم الطائي ، أحد الأعلام ومصنّف السنن ، وتلميذ الإمام أحمد . وكان جليل القدر حافظاً . مات - رحمه الله - في حدود 360 هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 12/623 - 628 .

    ([10]) أخرجه أحمد في المسند 4/151 ، 155 في مسند عقبة بن عامر رضي الله عنه ، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب : ماجاء في السجدة في سورة الحج رقم [578] 2/470 ، 471 ، وأخرجه الترمذي في كتاب الصلاة ، باب : ماجاء في السجدة في سورة الحج رقم [578] 2/470 ، 471 . وقال : هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي .

    وتعقبه محقق الكتاب أحمد شاكر بقوله : بل هو حديث صحيح . وصححه أيضاً محقق جامع الأصول لابن الأثير 5/555 .

    وأكثر الأئمة والحفاظ من المحدثين يضعفون هذا الحديث ، فقد ضعفه الترمذي نفسه ، والنووي في المجموع 4/63 ، والحافظ ابن حجر في بلوغ المرام ص 87 رقم [324] وكذا الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم [398] ص 580 .

    ([11]) قال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي : ( ذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالحديث ظاهر اللفظ وأن من أتى على آية السجدة ولم يرد السجود ترك الآية ... وهذا كله عندي غير جيّد ، بل هو خطأ ، لأن = =

    = = هذا الكلام من كلام العرب لايراد به ظاهره ، إنَّما هو تقريع وزجر ، كقوله e : { إذا لم تستح فاصنع ما شئت } وأمثال ذلك مِمَّا يعرفه من فقه كلام العرب ومناحيهم . وإنَّما يريد e - في هذا الحديث - : أن يحض القارئ على السجود في الآيتين ، فكما أنه لاينبغي له أن يترك قراءتهما : لاينبغي له إذا قرأهما أن يدع السجود فيهما ) ا هـ سنن الترمذي بتحقيق أحمد شاكر 2/471 حاشية .

    ([12]) انظر : مصنّف عبدالرزاق 3/342 وسبق تخريج قول عمر قريباً . وانظر : المستدرك للحاكم كتاب التفسير ، باب : فضلت سورة الحج بسجدتين 3/149 - 151 .

    ([13]) مصنّف عبدالرزاق 3/341 .

    ([14]) الاستذكار 8/101 - 104 ، وانظر : التمهيد أيضاً 19/130 ، 131 .

    ([15]) المغني لابن قدامة 1/685 مع الشرح الكبير .

    ([16]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب : تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن رقم [1401] 2/120 ولفظه عنده : عن عمرو بن العاص ، أن رسول الله e أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان . = =

    = = وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة ، باب : عدد سجدات القرآن حديث [1057] وأورده البغوي في شرح السنة 3/303 بصيغة التمريض { رُوِيَ } إشارة إلى ضعفه ، وهو في ضعيف ابن ماجه للألباني رقم [218] ، وانظر الكلام عليه بتوسع في كتاب التبيان في سجدات القرآن لعبدالعزيز السدحان ص 64 - 67 ، وانظر كذلك تمام المنة للألباني ص 269 ، 270 .

    وسيأتي ذكره مرة أخرى - إن شاء الله - وبيان من حسّنه من العلماء .

    ([17]) تفسير ابن كثير 3/205 - 206 .

    ([18]) هو : محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد ، الإمام أبو بكر بن العربي المعافريّ الأندلسي الإشبيلي ، الحافظ ، ختام علماء الأندلس ، وآخر أئمتها وحفاظها ، أحد الأعلام ، وله مصنفات كثيرة حسنة مفيدة منها : أحكام القرآن ، وعارضة الأحوذي على كتاب الترمذي والقواصم والعواصم وغيرها كثير . توفي سنة 543 هـ . انظر : طبقات المفسرين للداوودي 2/167 - 171 .

    ([19]) انظر : كتابه أحكام القرآن 3/307 ، 308 و 2/371 .

    ([20]) تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري 3/145 .

    ([21]) انظر : مصنّف عبدالرزاق 3/338 رقم [5873] .

    ([22]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن ، باب : سجدة { ص% } رقم [1069] .

    ([23]) الاستذكار 8/104 - 105 .

    ([24]) سبق تخريجه قريباً .

    ([25]) أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح ، باب : سجود القرآن السجود في ( ص ) 2/159 مع شرح السيوطي ، وهو في صحيح سنن النسائي للألباني رقم [917] 1/208 ، 209 .

    ([26]) تشزّن : تأهب وتهيأ ، والتشزّن : التأهب والتهيؤ للشيء ، والاستعداد له . انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 2/470 ، 471 .

    ([27]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب : السجود في ( ص ) رقم [410] 2/124 ، وصححه النووي في المجموع 4/61 حيث قال : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري . ا هـ .

    وانظر : صحيح سنن أبي داود للألباني رقم [1253] 1/265 حيث قال : صحيح ، وهو في صحيح الجامع الصغير رقم [2378] بلفظ : { إنَّما هي توبة نبي يعني سجدة ( ص ) } 1/468 .

    ([28]) رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار بإسناد حسن كما قال صاحب كتاب التبيان في سجدات القرآن عبدالعزيز السدحان ص 108 .

    ([29]) أخرجه عبدالرزاق في المصنّف 3/338 ، وابن أبي شيبة 2/8 ، وإسناده صحيح كما قال صاحب التبيان في سجدات القرآن ص 112 .

    ([30]) أخرجه ابن أبي شيبة 2/9 وإسناده صحيح كما في المرجع السابق ص 112 .

    ([31]) انظر ذكر الآثار عنهما في كتاب التبيان في سجدات القرآن ص 110 .

    ([32]) أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص 3/500 .

    ([33]) أحكام القرآن لابن العربي 4/58 .

    ([34]) المجموع للنووي 4/61 .

    ([35]) المعتمد في فقه الإمام أحمد 1/166 .

    ([36]) انظر : الشرح الممتع لابن عثيمين 4/140 .

    ([37]) فتح الباري لابن حجر 2/643 .

    ([38]) أخرجه بهذا اللفظ مالك في الموطأ كتاب القرآن ، باب : ماجاء في سجود القرآن ص 181 ، ومسلم في كتاب المساجد ، باب : سجود التلاوة رقم [578] ص 230 ، وأخرجه البخاري بألفاظ أخرى ستأتي - إن شاء الله - قريباً .

    ([39]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب : من لم ير السجود في المفصّل رقم [1403] 2/121 ، وهو حديث ضعيف الإسناد منكر المتن . انظر : إتحاف أهل الإيمان بأحكام سجود القرآن ص 34 ، والتبيان في سجدات القرآن ص 9 ، 10 .

    ([40]) هو : أبو داود ، الإمام الثبت ، سيّد الحفاظ ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني ، صاحب السنن ، قال الحاكم : أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة . مات سنة 275 هـ . انظر : طبقات علماء الحديث 2/290 - 292 ، وسير أعلام النبلاء 13/203 - 220 .

    ([41]) حديث أبي الدرداء أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة ، باب : ماجاء في سجود القرآن رقم [568] 2/457 ، 458 ، وقال : حديث أبي الدرداء حديث غريب . وانظر قول أبي داود في سننه 2/120 .

    ([42]) سبق تخريجه ص 384 .

    ([43]) أخرج هذه الرواية البخاري في صحيحه في كتاب سجود القرآن ، باب : من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها رقم [1078] ص 214 ، 215 ( ط : بيت الأفكار الدولية ) ، ومسلم في كتاب المساجد ، باب : سجود التلاوة رقم [578] ص 231 .

    ([44]) أخرجه البخاري في كتاب سجود القرآن ، باب : سجدة { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } رقم [1074] ص 214 .

    ([45]) أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح ، باب : السجود في { إِذَا ا؟لسَّمَآءُ ا؟نشَقَّتْ = 1 } 2/161 ، وهو صحيح كما في صحيح سنن النسائي للألباني رقم [924] 1/210 .

    ([46]) التمهيد 19/118 - 128 باختصار وتصرف يسير جداً . وانظر : الاستذكار 8/92 - 100 .

    ([47]) أحكام القرآن لابن العربي 4/369 ، وانظر : الكتاب نفسه أيضاً 2/373 .

    ([48]) انظر الأحاديث والآثار التي تدل على كل سجدة من هذه السجدات بالتفصيل في كتاب التبيان في سجدات القرآن لعبدالعزيز السدحان ، حيث عقد لكل موضع من هذه المواضع باباً يذكر فيه ما يدل على السجود فيها من الأحاديث والآثار من ص 64 إلى ص 48 .

    ([49]) انظر : الكلام على هذا الحديث في كتاب التبيان في سجدات القرآن لعبدالعزيز السدحان ص 64 - 67 ، وكتاب تمام المنة في التعليق على فقه السنة للألباني ص 269 ، 270 .

    ([50]) المجموع للنووي 4/60 قال : ( حديث عمرو رواه أبو داود والحاكم بإسناد حسن ) .

    ([51]) انظر : تفسير القرطبي 7/357

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر - 0:19:56