خطبة المسجد النبوي - 14 جمادى الآخرة 1431 - عقوق الوالدين - الشيخ صلاح البدير
الخطبة الأولى :
الحمد لله القائل : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. الإسراء23 ، أحمده وقد أعطانا وكفانا وآوانا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..شهادة نرجو بها الفوز والرضوان والعفو والغفران ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله أوصانا بالبر ، وعن العقوق نهانا .. صلى الله عليه صلاة وعلى آله وأصحابه الذين كانوا للحق عنوانا وعلى الخير أعوانا ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله ؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران102 .
أيها المسلمون .. من سعادة المرء ، من سعادة المرء أن يكون والداه بين يديه وعينيه يهنأ بهما ويستدفئ بحنانهما وعطفهما ، ويسترشد بنصحهما ، وينال بركة دعائهما وأجر برهما وحسن صحبتهما ..فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم - فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد ، أبتغي الأجر من الله - تعالى - قال : " فهل لك من والديك أحدٌ حيٌّ ؟ " ، قال : نعم ، بل كلاهما ، قال : " فتبتغي الأجر من الله – تعالى- ؟ " ، قال : نعم ، قال : " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " متفق عليه .
أيها المسلمون .. إن المصاب الممرض والبلاء المرمض والعيش الممض عقوقُ البنين والبنات للأباء والأمهات ..عقوقٌ لا تنقضي قصصه ومآسيه ، ولا تنتهي غصصه ومخازيه ، أنشد مكلوم بعقوق ولده :
قد أطرق على شجى ...وأغضى منه على القذا ...وتحمل منه مضض الأذى
كم حسرةٍ لي في الحشا ...من ولد إذا نشا ...أملت فيه رشده فما نشا كما أشا .
كبيرة وجريرة توجب غضب الله وسخطه وعذابه ، فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراكُ بالله ، وعقوقُ الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت " متفق عليه ، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن التبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " متفق عليه ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رَغِم أنفُ ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدَهما أو كليهما ، فلم يدخل الجنة " أخرجه مسلم ، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يدخلون الجنة ، العاقُّ بوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث" أخرجه أحمد والنسائي ..
فما أعظم دناءة العاق وخسته ، ومهانته ورذالته ، وسفاهته وحماقته ! لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما ، قابلهما بالجحود والنكران والهجران والنسيان والقطيعة والحرمان .. استبدل الوفا بالجفا ، والصفا بالأذى والبذا ، إن سئل بخل ، وإن عوتب جهِل ، وإن رُجي خيَّب ، وإن طُلب تغيب .. لا يجيب إلا عنفا ، ولا يعطي إلا خوفا ، ولا يعرف إلا سوف .. نسي أن أمر الوالدين مطاع ، نسي أن أمر الوالدين مطاع ، وحقهما لا يضاع ، فويلٌ للعاق ، فويلٌ للعاق يومَ ركب مطية العقوق ، وسار في ركب أهل الفجور والفسوق ، ويلٌ للعاق يوم أضجر والديه وأبكاهما ، وأحزنهما وأشقاهما ، وأرقهما وآذاهما ، وتركهما يعانيان كرب الأشجان ومرارة الأحزان .
أيها العاق لوالديه ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، كيف تعامل والديك بالازدراء والإهمال ، والاحتقار والإذلال ، والتسويف والمِطَال ، وتقدم عليما الزوجة والعيال ، والأصحاب والأموال وقد بلغت مبلغ الرجال ، وعلقا عليك - بعد الله -الآمال ، وانتظرا منك البر والإجلال والعطف والوصال ، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك ، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك ، كيف هجرت أمك ، كيف هجرت أمك ،كيف هجرت أمك وقد أطارت لأجلك الوسن ، وأخدمت لأجلك البدن ، وسقتك من ثديها اللبن ، وصيَّرتْ حجرها لك المنزل والسكن ، وتحملت لأجلك التعب والنصَب والوهن .
وإن أصابك هم أو حزن أصابها الغم والكرب والشجن ، وآثرتك على نفسها وتمنت حياتك ، وتمنت حياتك - ولو بموتها - .. فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك ، وقابلت أياديها بالنسيان ، وفضلها بالنكران ، وصعب لديك أمرها وهو يسير ، وطال عليك عمرها وهو قصير ، وهجرتها وما لها سواك - بعد الله - نصير فضعيتها لما أسنَّت جهالة ، فضعيتها لما أسنَّت جهالة ، وضقت بها ذرعا وذوقتها سما وبتَّ قرير العين ريان ناعماً ، مكبَّاً على اللذات لا تسمع اللوم .. أهذا جزاها بعد طول عنائها ؟ أهذا جزاها بعد طول عنائها ؟ لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى ..
مَنْ غيرُ أمي إن فرحت بعالمي فرحت ... وإن أبكي بكت من مدمعي .
من غيرأمي إن ضحكت تطايرت ... فرحاً وحنت بالحنين الموجع .
من غيرها لمست أحاسيسي التي ... أخفي عن الدنيا وضمت أضلعي .
من غير أمي ووجهها وجهي ... وفي قسماتها من ضحكتي وتوجعي .
أمي سمائي ظل أيامي وما ... وفيتها حقاً ومن ذا يدعي ؟
أمي التي الجناتُ تحت ظلالها ...من خطوها مِنْ ذا المحل الأرفع .
عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يطوف بالبيت ، وقد حمل أمه وراء ظهره يقول : إني لها بعيرها المذلَّل إن أُذعرت ركابها لم أذعر ، ثم قال لابن عمر : أتراني جزيتها ؟ أتراني جزيتها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة ، أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " أخرجه مسلم ، فيا أيها العاق لوالديه كم جرعاك حلواً وجرعتهما مريرا ، فأتبع الآن تفريطك في حقهما أنيناً وزفيرا فقد راعياك طويلا فارعاهما قصيرا .. وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً الإسراء 24 ، كن بهما عطوفا رحيما، ولهما خدوما ذليلا ، وقل لهما قولا كريما ولفظاً جميلا ، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد " أخرجه الترمذي .
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرا .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة 119.
أيه المسلمون .. الحياة دين ووفاء ، وسلف وجزاء ؛ فمن بر والديه بره بنوه ، ومن عق والديه عقه بنوه وهجروه وقطعوه ، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا تعفَّ نساؤكم" أخرجه الحاكم والطبراني ، فهنيئاً للواصل البار رضا والديه عنه ودعاؤهم له وثناؤهم عليه .
أيها المسلمون ، ومن فُجعَ بوالديه فليواصل برهما بعد موتهما ؛ فالبر لا ينتهي والإحسان لا ينقضي ، فعن أبي أُسيد الساعدي -رضي الله عنه - قال : فيما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما ، قال : نعم ، الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " متفق عليه .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه لو كان مسلماً فأعتقتم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك " أخرجه أحمد وأبو داود .
أيها المسلمون ، إن ثمرة الاستماع الاتباع فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا ؛ فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ..
اللهم صلِّ على نبينا وسيدنا محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .
اللهم وفق أمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع قادة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم إن اليهود قد طغَوا وبغوا ، وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا .. اللهم زلزلِ الأرضَ من تحت أقدامهم ، وألقِ الرعب في قلوبهم ، واجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين .
اللهم أسعدنا بتقواك ، واجعلنا نخشاك كأننا نراك . اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، ولا تجعل لكافر علينا يدا .
اللهم أعتقنا من رق الذنوب ، وخلصنا من أشَرِ النفوس ، وباعد بيننا وبين الخطايا ، وأعذنا من الشيطان الرجيم يا عظيم العفو ، يا واسع المغفرة ، يا قريب الرحمة .
ياعظيم العفو ، ياواسع المغفرة ، ياقريب الرحمة هب لنا من لدنك مغفرة ورحمة ، إنك أنت الغفور الرحيم .
اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا . اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا ، وزوجاتنا وأحبابنا من النار يا عزيز يا غفار يا رب العالمين .
اللهم اشف مرضانا . اللهم اشف مرضانا . اللهم اشف مرضانا ، وعافِ مبتلانا ، وفكَّ أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا يا قوي يا عزيز يا رب العالمين .
عباد الله .. إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل – 90 ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
الخطبة الأولى :
الحمد لله القائل : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .. الإسراء23 ، أحمده وقد أعطانا وكفانا وآوانا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..شهادة نرجو بها الفوز والرضوان والعفو والغفران ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله أوصانا بالبر ، وعن العقوق نهانا .. صلى الله عليه صلاة وعلى آله وأصحابه الذين كانوا للحق عنوانا وعلى الخير أعوانا ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله ؛ فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران102 .
أيها المسلمون .. من سعادة المرء ، من سعادة المرء أن يكون والداه بين يديه وعينيه يهنأ بهما ويستدفئ بحنانهما وعطفهما ، ويسترشد بنصحهما ، وينال بركة دعائهما وأجر برهما وحسن صحبتهما ..فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : أقبل رجل إلى نبي الله -صلى الله عليه وسلم - فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد ، أبتغي الأجر من الله - تعالى - قال : " فهل لك من والديك أحدٌ حيٌّ ؟ " ، قال : نعم ، بل كلاهما ، قال : " فتبتغي الأجر من الله – تعالى- ؟ " ، قال : نعم ، قال : " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " متفق عليه .
أيها المسلمون .. إن المصاب الممرض والبلاء المرمض والعيش الممض عقوقُ البنين والبنات للأباء والأمهات ..عقوقٌ لا تنقضي قصصه ومآسيه ، ولا تنتهي غصصه ومخازيه ، أنشد مكلوم بعقوق ولده :
قد أطرق على شجى ...وأغضى منه على القذا ...وتحمل منه مضض الأذى
كم حسرةٍ لي في الحشا ...من ولد إذا نشا ...أملت فيه رشده فما نشا كما أشا .
كبيرة وجريرة توجب غضب الله وسخطه وعذابه ، فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراكُ بالله ، وعقوقُ الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت " متفق عليه ، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن التبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ومنعاً وهات ، ووأد البنات ، وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " متفق عليه ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رَغِم أنفُ ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدَهما أو كليهما ، فلم يدخل الجنة " أخرجه مسلم ، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يدخلون الجنة ، العاقُّ بوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث" أخرجه أحمد والنسائي ..
فما أعظم دناءة العاق وخسته ، ومهانته ورذالته ، وسفاهته وحماقته ! لما بلغ والداه الكبر وذوى عودهما وانحنى عمودهما ، قابلهما بالجحود والنكران والهجران والنسيان والقطيعة والحرمان .. استبدل الوفا بالجفا ، والصفا بالأذى والبذا ، إن سئل بخل ، وإن عوتب جهِل ، وإن رُجي خيَّب ، وإن طُلب تغيب .. لا يجيب إلا عنفا ، ولا يعطي إلا خوفا ، ولا يعرف إلا سوف .. نسي أن أمر الوالدين مطاع ، نسي أن أمر الوالدين مطاع ، وحقهما لا يضاع ، فويلٌ للعاق ، فويلٌ للعاق يومَ ركب مطية العقوق ، وسار في ركب أهل الفجور والفسوق ، ويلٌ للعاق يوم أضجر والديه وأبكاهما ، وأحزنهما وأشقاهما ، وأرقهما وآذاهما ، وتركهما يعانيان كرب الأشجان ومرارة الأحزان .
أيها العاق لوالديه ، الناسي لما يجب عليه ، الغافل عما بين يديه ، كيف تعامل والديك بالازدراء والإهمال ، والاحتقار والإذلال ، والتسويف والمِطَال ، وتقدم عليما الزوجة والعيال ، والأصحاب والأموال وقد بلغت مبلغ الرجال ، وعلقا عليك - بعد الله -الآمال ، وانتظرا منك البر والإجلال والعطف والوصال ، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك ، كيف تطلب رضا مولاك وقد عققت أمك وأباك ، كيف هجرت أمك ، كيف هجرت أمك ،كيف هجرت أمك وقد أطارت لأجلك الوسن ، وأخدمت لأجلك البدن ، وسقتك من ثديها اللبن ، وصيَّرتْ حجرها لك المنزل والسكن ، وتحملت لأجلك التعب والنصَب والوهن .
وإن أصابك هم أو حزن أصابها الغم والكرب والشجن ، وآثرتك على نفسها وتمنت حياتك ، وتمنت حياتك - ولو بموتها - .. فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك ، فلما أصابها الكبر واحتاجت إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك ، وقابلت أياديها بالنسيان ، وفضلها بالنكران ، وصعب لديك أمرها وهو يسير ، وطال عليك عمرها وهو قصير ، وهجرتها وما لها سواك - بعد الله - نصير فضعيتها لما أسنَّت جهالة ، فضعيتها لما أسنَّت جهالة ، وضقت بها ذرعا وذوقتها سما وبتَّ قرير العين ريان ناعماً ، مكبَّاً على اللذات لا تسمع اللوم .. أهذا جزاها بعد طول عنائها ؟ أهذا جزاها بعد طول عنائها ؟ لأنت لذو جهل وأنت إذاً أعمى ..
مَنْ غيرُ أمي إن فرحت بعالمي فرحت ... وإن أبكي بكت من مدمعي .
من غيرأمي إن ضحكت تطايرت ... فرحاً وحنت بالحنين الموجع .
من غيرها لمست أحاسيسي التي ... أخفي عن الدنيا وضمت أضلعي .
من غير أمي ووجهها وجهي ... وفي قسماتها من ضحكتي وتوجعي .
أمي سمائي ظل أيامي وما ... وفيتها حقاً ومن ذا يدعي ؟
أمي التي الجناتُ تحت ظلالها ...من خطوها مِنْ ذا المحل الأرفع .
عن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ورجل يطوف بالبيت ، وقد حمل أمه وراء ظهره يقول : إني لها بعيرها المذلَّل إن أُذعرت ركابها لم أذعر ، ثم قال لابن عمر : أتراني جزيتها ؟ أتراني جزيتها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة ، أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " أخرجه مسلم ، فيا أيها العاق لوالديه كم جرعاك حلواً وجرعتهما مريرا ، فأتبع الآن تفريطك في حقهما أنيناً وزفيرا فقد راعياك طويلا فارعاهما قصيرا .. وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً الإسراء 24 ، كن بهما عطوفا رحيما، ولهما خدوما ذليلا ، وقل لهما قولا كريما ولفظاً جميلا ، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "رضا الرب في رضا الوالد ، وسخط الرب في سخط الوالد " أخرجه الترمذي .
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرا .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ التوبة 119.
أيه المسلمون .. الحياة دين ووفاء ، وسلف وجزاء ؛ فمن بر والديه بره بنوه ، ومن عق والديه عقه بنوه وهجروه وقطعوه ، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا تعفَّ نساؤكم" أخرجه الحاكم والطبراني ، فهنيئاً للواصل البار رضا والديه عنه ودعاؤهم له وثناؤهم عليه .
أيها المسلمون ، ومن فُجعَ بوالديه فليواصل برهما بعد موتهما ؛ فالبر لا ينتهي والإحسان لا ينقضي ، فعن أبي أُسيد الساعدي -رضي الله عنه - قال : فيما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما ، قال : نعم ، الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : " نعم " متفق عليه .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنه لو كان مسلماً فأعتقتم عنه ، أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك " أخرجه أحمد وأبو داود .
أيها المسلمون ، إن ثمرة الاستماع الاتباع فكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وصلوا وسلموا على أحمد الهادي شفيع الورى طرا ؛ فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ..
اللهم صلِّ على نبينا وسيدنا محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا ، سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين .
اللهم وفق أمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ووفق جميع قادة أمور المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجس يهود . اللهم إن اليهود قد طغَوا وبغوا ، وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا .. اللهم زلزلِ الأرضَ من تحت أقدامهم ، وألقِ الرعب في قلوبهم ، واجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين .
اللهم أسعدنا بتقواك ، واجعلنا نخشاك كأننا نراك . اللهم اجعل رزقنا رغدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، ولا تجعل لكافر علينا يدا .
اللهم أعتقنا من رق الذنوب ، وخلصنا من أشَرِ النفوس ، وباعد بيننا وبين الخطايا ، وأعذنا من الشيطان الرجيم يا عظيم العفو ، يا واسع المغفرة ، يا قريب الرحمة .
ياعظيم العفو ، ياواسع المغفرة ، ياقريب الرحمة هب لنا من لدنك مغفرة ورحمة ، إنك أنت الغفور الرحيم .
اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا . اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا ، وزوجاتنا وأحبابنا من النار يا عزيز يا غفار يا رب العالمين .
اللهم اشف مرضانا . اللهم اشف مرضانا . اللهم اشف مرضانا ، وعافِ مبتلانا ، وفكَّ أسرانا ، وارحم موتانا ، وانصرنا على من عادانا يا قوي يا عزيز يا رب العالمين .
عباد الله .. إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل – 90 ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون