خطبة المسجد النبوي - 13 شوال 1430 - الصلاة - الشيخ صلاح البدير
الحمد لله الكريم المنان القوي الكبير ذي السلطان، أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحمن: 29]، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما اختلف الملوان، وتعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسب وطاعته أعلى نسب..{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
مضى رمضان وانقضى بلياليه الزاهرة وأيامه العامرة وأجوائه العاطرة، فأشفى من شدة اللوح والظما، وأزال ما شفى من حرقة الصدى، واستيقظت القلوب بعد غفوة ونامت بعد قسوة، ورجعت بعد سهوة، أما القبول فعلاماته لامحة وأماراته لائحة وآياته واضحة.. حسنة تتبعها حسنة، وطاعة تؤكدها طاعة، وإحسان يتلوه إحسان، وذاك دأب العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته، الراجين لثوابه وجنته الذين قويت محبتهم لله - عز وجل - ومحبتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فأخبتت نفوسهم لله وسكنت، ورضيت به واطمأنت {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18].
وأما من انحلت أطنابه ووهت أركانه، وانعكس سيره بعد رمضان، فأبطل ما قدم ونقض ما أحكم، وبدل الحسنات بالسيئات، وحار بعد ما كان، وأرخى لنفسه العنان، وعاد إلى الفسوق والعصيان، فذلك الخاسر المغبون والغاوي المفتون الذي أذهب بهاء طاعته، وأحبط أجر عبادته.
أصف السمع أيها الجمع لقول الله - جل في علاه -: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيمَ ترون هذه الآية نزلت.. {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ فقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "ضُرِبت مثلاً لعمل، قال عمر: "أي عمل؟"، قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله - عز وجل - ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " أخرجه البخاري، وروى الطبراني بسنده عن قتادة في قوله - تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].. قال: "من استطاع منكم ألا يبطل عملاً صالحاً عمله بعمل سيء فليفعل".. ولا قوة إلا بالله، ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها، يقول - جل في علاه -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً..} [النحل: 92].
امرأة حمقاء خرقاء ملتاثة العقل تجهد صباحَ مساءَ في معالجة صوفها حتى إذا صار خيطاً سويا ومحكماً قويا، عادت عليه تحل شعيراته وتنقض محكماته، وتجعله بعد القوة منكوثا، وبعد الصلاح محلولا، ولم تجنِ من صنيعها إلا الإرهاقَ والمشاقَّ، فإيَّاكم أن تكونوا مثلها، فتهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم.
أيها المسلمون:
داوموا على ما اعتدتم من الخير في رمضان ولا تنقطعوا عنه، وخذوا من العمل ما تطيقون ملازمته والثبات عليه - ولو كان قليلاً - فالقليل الدائم ينمو ويزكو، وبدوام القليل يدوم التعبد لله والذل له، والأُنس به والقرب منه والإقبال عليه، والكثيرُ الشاقُّ ينقطع ولا يدوم؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِم عليه - وإن قل - وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملاً أثبتوه" متفق عليه، وعن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: "لا كان عمله ديمة، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستطيع؟" أخرجه مسلم، وقال القاسم بن محمد: "وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته " أخرجه مسلم، وكره أهل العلم الانقطاع عن العمل الصالح استنباطاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان..كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" متفق عليه.
أيها المسلمون:
النفس مطية يحول بينها وبين السير إلى الله - تعالى - خطفات الفتن وعقبات الشهوة وقحم الطريق، بَيدَ أنَّ صبر ساعة، وشجاعةَ نفس، وثبات قلب تفضي بالعبد إلى قطع الطريق، واقتحام عقبته، وبلوغ قلته والخروج من الموطئ الغث والأرض الوخيمة، والوصول إلى المنازل والمناهل، والمراتع والمرابع والأماني والضمان؛ فزموا المطية واخطموها وقودوها، وازجروها وتعاهدوها وأصلحوها، وتزودوا للنقلة وخذوا الأهبة للرحلة، وسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.. صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّمَ تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
تقربوا إلى الله - جل ثناؤه - بطاعته وعبادته، وأداء مفترضاته ونوافله؛ فكلما تقربتم إليه قربتم من داره ودنوتم من جواره ونجوتم من ناره.. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" متفق عليه.
وعنه - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى – قال: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافلِ حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه" أخرجه البخاري.
أيها المسلمون:
الدنيا زهرة زائلة ونعمة حائنة، فحقاً على من يعود شبابه هرماً وجدتها وهناً، وقوته ضعفاً، وزيادته نقصاً، وحياته موتاً أن يبادر بالتوبة والإقبال على الله، وينكف عن المعاصي والموبقات، ولا يتمادى في اغتراره، ولا يتناها على إصراره..والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن يتحرَّ الخير يعُطه، ومن يتوقَّ الشر يُقَه، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولًا كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح بطانته يارب العالمين.
اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثاني لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين، واحفظهم ومتعهم بالصحة والعافية يا رب العالمين.
اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -..
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم يا حيُّ يا قيوم يا ربَّ العالمين ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم يا رب العالمين. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وارفع درجاتهم، وقهم شرَّ أعدائهم. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم اجعل بلادنا حافظةً لأمرك. اللهم اجعل بلادنا حافظة لأمرك، خاضعةً لشرعك، منقادةً لحكمك وسائر بلاد المسلمين . اللهم اجعل رزقنا رَغَدا، ولا تشمت بنا أحدا، ولا تجعل لكافر علينا يدا.
اللهم اشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وعافِ مبتلانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.. {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
الحمد لله الكريم المنان القوي الكبير ذي السلطان، أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحمن: 29]، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما اختلف الملوان، وتعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسب وطاعته أعلى نسب..{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
مضى رمضان وانقضى بلياليه الزاهرة وأيامه العامرة وأجوائه العاطرة، فأشفى من شدة اللوح والظما، وأزال ما شفى من حرقة الصدى، واستيقظت القلوب بعد غفوة ونامت بعد قسوة، ورجعت بعد سهوة، أما القبول فعلاماته لامحة وأماراته لائحة وآياته واضحة.. حسنة تتبعها حسنة، وطاعة تؤكدها طاعة، وإحسان يتلوه إحسان، وذاك دأب العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته، الراجين لثوابه وجنته الذين قويت محبتهم لله - عز وجل - ومحبتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فأخبتت نفوسهم لله وسكنت، ورضيت به واطمأنت {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18].
وأما من انحلت أطنابه ووهت أركانه، وانعكس سيره بعد رمضان، فأبطل ما قدم ونقض ما أحكم، وبدل الحسنات بالسيئات، وحار بعد ما كان، وأرخى لنفسه العنان، وعاد إلى الفسوق والعصيان، فذلك الخاسر المغبون والغاوي المفتون الذي أذهب بهاء طاعته، وأحبط أجر عبادته.
أصف السمع أيها الجمع لقول الله - جل في علاه -: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيمَ ترون هذه الآية نزلت.. {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ فقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "ضُرِبت مثلاً لعمل، قال عمر: "أي عمل؟"، قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله - عز وجل - ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " أخرجه البخاري، وروى الطبراني بسنده عن قتادة في قوله - تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].. قال: "من استطاع منكم ألا يبطل عملاً صالحاً عمله بعمل سيء فليفعل".. ولا قوة إلا بالله، ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها، يقول - جل في علاه -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً..} [النحل: 92].
امرأة حمقاء خرقاء ملتاثة العقل تجهد صباحَ مساءَ في معالجة صوفها حتى إذا صار خيطاً سويا ومحكماً قويا، عادت عليه تحل شعيراته وتنقض محكماته، وتجعله بعد القوة منكوثا، وبعد الصلاح محلولا، ولم تجنِ من صنيعها إلا الإرهاقَ والمشاقَّ، فإيَّاكم أن تكونوا مثلها، فتهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم.
أيها المسلمون:
داوموا على ما اعتدتم من الخير في رمضان ولا تنقطعوا عنه، وخذوا من العمل ما تطيقون ملازمته والثبات عليه - ولو كان قليلاً - فالقليل الدائم ينمو ويزكو، وبدوام القليل يدوم التعبد لله والذل له، والأُنس به والقرب منه والإقبال عليه، والكثيرُ الشاقُّ ينقطع ولا يدوم؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِم عليه - وإن قل - وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملاً أثبتوه" متفق عليه، وعن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: "لا كان عمله ديمة، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستطيع؟" أخرجه مسلم، وقال القاسم بن محمد: "وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته " أخرجه مسلم، وكره أهل العلم الانقطاع عن العمل الصالح استنباطاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان..كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" متفق عليه.
أيها المسلمون:
النفس مطية يحول بينها وبين السير إلى الله - تعالى - خطفات الفتن وعقبات الشهوة وقحم الطريق، بَيدَ أنَّ صبر ساعة، وشجاعةَ نفس، وثبات قلب تفضي بالعبد إلى قطع الطريق، واقتحام عقبته، وبلوغ قلته والخروج من الموطئ الغث والأرض الوخيمة، والوصول إلى المنازل والمناهل، والمراتع والمرابع والأماني والضمان؛ فزموا المطية واخطموها وقودوها، وازجروها وتعاهدوها وأصلحوها، وتزودوا للنقلة وخذوا الأهبة للرحلة، وسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.. صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّمَ تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
تقربوا إلى الله - جل ثناؤه - بطاعته وعبادته، وأداء مفترضاته ونوافله؛ فكلما تقربتم إليه قربتم من داره ودنوتم من جواره ونجوتم من ناره.. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" متفق عليه.
وعنه - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى – قال: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافلِ حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه" أخرجه البخاري.
أيها المسلمون:
الدنيا زهرة زائلة ونعمة حائنة، فحقاً على من يعود شبابه هرماً وجدتها وهناً، وقوته ضعفاً، وزيادته نقصاً، وحياته موتاً أن يبادر بالتوبة والإقبال على الله، وينكف عن المعاصي والموبقات، ولا يتمادى في اغتراره، ولا يتناها على إصراره..والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن يتحرَّ الخير يعُطه، ومن يتوقَّ الشر يُقَه، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولًا كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح بطانته يارب العالمين.
اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثاني لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين، واحفظهم ومتعهم بالصحة والعافية يا رب العالمين.
اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -..
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم يا حيُّ يا قيوم يا ربَّ العالمين ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم يا رب العالمين. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وارفع درجاتهم، وقهم شرَّ أعدائهم. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم اجعل بلادنا حافظةً لأمرك. اللهم اجعل بلادنا حافظة لأمرك، خاضعةً لشرعك، منقادةً لحكمك وسائر بلاد المسلمين . اللهم اجعل رزقنا رَغَدا، ولا تشمت بنا أحدا، ولا تجعل لكافر علينا يدا.
اللهم اشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وعافِ مبتلانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.. {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ