كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
خطبة المسجد النبوي 22 رجب 1429هـ ، الشيخ حسين آل الشيخ
خطبة المسجد النبوي 22 رجب 1429هـ ، الشيخ حسين آل الشيخ
الحمد لله المُتَفَرِّد بالبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجبروت والكبرياء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله إمام الأتقياء، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأصفياء، أمَّا بعدُ فيا أيُّها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جَلَّ وعَلا - فمن اتقاه وقاه وأسعده ولا أشقاه.
معاشر المسلمين:
قول الله - جل وعلا - وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - خير ما تسمعه الآذان، وإن من وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي وجهها لأمته ما رواه عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذ من صحتك لمرضكَ، ومن حياتكَ لموتكَ"؛ رواه البخاري.
قال أهل العلم: هذا الحديثُ أصل في أنَّ الواجبَ على المسلم ألاَّ يركنَ إلى هذه الدُّنيا، وألا يجعلَها غايته ومنتهى طلبه.
يقول النَّووي - رحمه الله - في معنى الحديث: لا تركن إلى الدُّنيا، ولا تتخذها وطنًا، ولا تحدِّث نفسكَ بطول البقاء فيها، ولا تَتَعَلَّق منها بما لا يَتَعَلَّق بها الغريب في غير وطنه.
ويقول بعض أهل العلم: "شأن حال هذا الحديث: الدنيا دار مرور، وجسر عبور، فينبغي للمؤمن أن يجعل، جُلَّ همِّه الانشغال بالعبادة والطاعة، وألاَّ يشتغلَ بما لا يعنيه منَ الأمل الطويل، والحرص الكبير على الدنيا وتكثيرها حتى كأنه خلق لأجلها واللهث وراء جمعها، ويقول ربنا - جل وعلا - حاكيًا عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39]".
معاشر المسلمين:
إن هذا الحديث الجليل يُبَيِّن حقيقة غائبة عن كثير مِمَّن انهمكوا في جمع الدُّنيا وحطامها، فأصبحت معيارهم، عليها يوالون، ومن أجلها يُعَادون، حديث عظيم يوضِّح للمغترين في هذه الدنيا المُعرضين عن تحصيل أسباب البَلاَء في الدار الأخرى، الغافلين عن الاستعداد لدار القَرار أنَّهم بهذه الحال على خطر عظيم، ومسلك وخيم، يقول ربنا - جَلَّ وعَلا - فيمَن قَدَّمَ الدُّنيا على الآخرة، وأضاع حقوق الله - جل وعلا - اغترارًا بهذه الدنيا الفانية: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8]. ويقول رسولنا - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مالي وللدُّنيا؛ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب طال في ظل شجرة، ثم راح وتركها)).
يقول أحد السلف: "الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلاَّ في عسكر الموت نادمًا مع الخاسرين"، فاجعل أيها المسلم همك الأعظم التَّزَوُّد للآخرة والأمل بما يقربك من رضوان الله - جَلَّ وعلا - والبعد عن سخطه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].
معاشر المسلمين:
ومن مشكاة النبوة تنطلق وصية ابن عمر راوي هذا الحديث، وصية عظيمة لكل مسلم أن يكونَ في وقت من أوقاته، وكل حين من أحواله مستعدًّا للآخرة، محافظًا على أوامر ربه، متمسكًا بهدي نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يُؤَخِّر فرضًا مفروضًا، ولا يؤجِّل حقًّا مستحقًّا لله أو لخلقه، لا يلهيه طول الأمل عن التزود بالطاعات، ولا يسوف بالأوبة والتوبة، بل دأبه المسارعة إلى الخيرات، والمنافسة في نيل الصالحات، والمسابقة إلى القربات {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، يقول نبينا محمد - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((بادروا بالأعمال سبعًا؛ هل تنتظرون إلاَّ فقرًا منسيا، أو غِنًى مُطْغِيا، أو مرضًا مفسدا، أو هَرَمًا مفلتا، أو موتًا مجهزا، أو الدجال فشَرُّ غائب يُنتَظَر، أو السَّاعة فالسَّاعة أَدْهَى وَأَمَر))؛ حديث صحيح.
كانت امرأةٌ متعبدةٌ بمكة إذا أمست قالت: "يا نفسُ اللَّيلة ليلتك، لا ليلة لكِ غيرها"، فاجتهدت في الطاعات، فإذا أصبحت قالت مثل ذلك.
معاشِر المُؤمنينَ:
وصية ابن عمر هذه تُذَكِّر العاقل بأن يغتنمَ الأعمال الصالحة في حال الصحَّة وأن ينفقَ ساعاته فيما يعود عليه نفعه قبل أن يحول بينه وبينها السقم، وفي حال الحياة قبل أن يحول بينه وبينها الموت، في صحيح البخاري أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ))، وكان سلف هذه الأمة يتواعظون في أول الإسلام بموعظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((اغْتَنِم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتكَ))؛ حديث إسناده حسن.
فالواجب على المسلم المُبَادرة إلى امتثال المأمورات واجتناب المنهيَّات، وألاَّ يشغله أمر الدنيا على التَّزَوُّد بالأعمال الصالحات، يقول ربنا - جل وعلا -: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 54، 55].. الآيات.
ويقول رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ))؛ قالوا: "وما ندامته؟!"، قال: ((إن كان محسنًا ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ألا يكون استعتب))؛ رواه الترمذي.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول وأستغفر لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين اللهمَّ صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناس:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3].
أيها المؤمنون:
اعتاد بعض الناس تخصيص وقت معين بعبادة ما، من غير دليل يقوم على ذلك، ومن ذلك ما يظنه بعضهم بتخصيص رجب بعبادات مخصوصة، وقد أرشد علماء الأمَّة إلى أنَّ هذا الشَّيء مخالف للسُّنة الصحيحة، فصلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب غير ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ بل ما ورد في فضلها كذبٌ وباطلٌ لا يصح؛ كما قاله الحفاظ منهم النووي، وابن حجر، وابن رجب، وغيرهم كثير.
وكذا من الأخطاء الاحتفال بالإسراء والمعراج زعمًا أنَّها ليلة سبع وعشرين من رجب فقد صَرَّح المحققون من أهل العلم على أنَّ هذا الاحتفال لا أصل له، وعمل يعتبر محدثة فضلاً عن أن تعيين زمنها غير ثابت عن المحدثينَ منَ العلماء.
قال ابن رجب: "وذكر بعض القُصاص أنَّ الإسراء والمعراج كان في رجب، وذلك كذبٌ، وفيما صَحَّ عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - منَ الترغيب في الأعمال الصالحات الغنية والكفاية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ويقول - صَلَّى الله عليه وسلم - ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))".
ثم إن الله - جَلَّ وعلا - أَمَرَنا بشيء عظيم ألا وهو الصلاة والسلام على النَّبي الكريم، اللهمَّ صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم من أراد أمة محمد بسوء فأشغله في نفسه، اللهم ما من أراد هذه الأمة بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أبطل كيده ومكره، اللهم أبطل كيده ومكره يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم نَوِّر حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة، اللهم نور حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة، اللهمَّ نور حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة يا حي يا قيوم، اللهمَّ اسلك بهم سبيل صحابة رسولك - صلى الله عليه وسلم، اللهم اسلك بهم سبيل صحابة رسولكَ - صلى الله عليه وسلم، اللهم اسلك بهم سبيل صحابة رسولك - صلى الله عليه وسلم، اللهم جنبهم البدع والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ من الفتن ما ظهر وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم يا حي يا قيوم ولي على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم لا تولي فجارهم ولا شرارهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع بين الولاة وبين المُجتمعات على القرآن والسنة، اللهمَّ اجمع بين قلوبهم على القُرآن والسُّنة يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجمع قلوبهم على التقوى والخير والهدى يا حي يا قيوم.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
معاشر المسلمين:
قول الله - جل وعلا - وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - خير ما تسمعه الآذان، وإن من وصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي وجهها لأمته ما رواه عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخُذ من صحتك لمرضكَ، ومن حياتكَ لموتكَ"؛ رواه البخاري.
قال أهل العلم: هذا الحديثُ أصل في أنَّ الواجبَ على المسلم ألاَّ يركنَ إلى هذه الدُّنيا، وألا يجعلَها غايته ومنتهى طلبه.
يقول النَّووي - رحمه الله - في معنى الحديث: لا تركن إلى الدُّنيا، ولا تتخذها وطنًا، ولا تحدِّث نفسكَ بطول البقاء فيها، ولا تَتَعَلَّق منها بما لا يَتَعَلَّق بها الغريب في غير وطنه.
ويقول بعض أهل العلم: "شأن حال هذا الحديث: الدنيا دار مرور، وجسر عبور، فينبغي للمؤمن أن يجعل، جُلَّ همِّه الانشغال بالعبادة والطاعة، وألاَّ يشتغلَ بما لا يعنيه منَ الأمل الطويل، والحرص الكبير على الدنيا وتكثيرها حتى كأنه خلق لأجلها واللهث وراء جمعها، ويقول ربنا - جل وعلا - حاكيًا عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39]".
معاشر المسلمين:
إن هذا الحديث الجليل يُبَيِّن حقيقة غائبة عن كثير مِمَّن انهمكوا في جمع الدُّنيا وحطامها، فأصبحت معيارهم، عليها يوالون، ومن أجلها يُعَادون، حديث عظيم يوضِّح للمغترين في هذه الدنيا المُعرضين عن تحصيل أسباب البَلاَء في الدار الأخرى، الغافلين عن الاستعداد لدار القَرار أنَّهم بهذه الحال على خطر عظيم، ومسلك وخيم، يقول ربنا - جَلَّ وعَلا - فيمَن قَدَّمَ الدُّنيا على الآخرة، وأضاع حقوق الله - جل وعلا - اغترارًا بهذه الدنيا الفانية: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8]. ويقول رسولنا - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مالي وللدُّنيا؛ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب طال في ظل شجرة، ثم راح وتركها)).
يقول أحد السلف: "الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلاَّ في عسكر الموت نادمًا مع الخاسرين"، فاجعل أيها المسلم همك الأعظم التَّزَوُّد للآخرة والأمل بما يقربك من رضوان الله - جَلَّ وعلا - والبعد عن سخطه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].
معاشر المسلمين:
ومن مشكاة النبوة تنطلق وصية ابن عمر راوي هذا الحديث، وصية عظيمة لكل مسلم أن يكونَ في وقت من أوقاته، وكل حين من أحواله مستعدًّا للآخرة، محافظًا على أوامر ربه، متمسكًا بهدي نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يُؤَخِّر فرضًا مفروضًا، ولا يؤجِّل حقًّا مستحقًّا لله أو لخلقه، لا يلهيه طول الأمل عن التزود بالطاعات، ولا يسوف بالأوبة والتوبة، بل دأبه المسارعة إلى الخيرات، والمنافسة في نيل الصالحات، والمسابقة إلى القربات {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، يقول نبينا محمد - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((بادروا بالأعمال سبعًا؛ هل تنتظرون إلاَّ فقرًا منسيا، أو غِنًى مُطْغِيا، أو مرضًا مفسدا، أو هَرَمًا مفلتا، أو موتًا مجهزا، أو الدجال فشَرُّ غائب يُنتَظَر، أو السَّاعة فالسَّاعة أَدْهَى وَأَمَر))؛ حديث صحيح.
كانت امرأةٌ متعبدةٌ بمكة إذا أمست قالت: "يا نفسُ اللَّيلة ليلتك، لا ليلة لكِ غيرها"، فاجتهدت في الطاعات، فإذا أصبحت قالت مثل ذلك.
معاشِر المُؤمنينَ:
وصية ابن عمر هذه تُذَكِّر العاقل بأن يغتنمَ الأعمال الصالحة في حال الصحَّة وأن ينفقَ ساعاته فيما يعود عليه نفعه قبل أن يحول بينه وبينها السقم، وفي حال الحياة قبل أن يحول بينه وبينها الموت، في صحيح البخاري أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ))، وكان سلف هذه الأمة يتواعظون في أول الإسلام بموعظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((اغْتَنِم خمسًا قبل خمس؛ شبابك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتكَ))؛ حديث إسناده حسن.
فالواجب على المسلم المُبَادرة إلى امتثال المأمورات واجتناب المنهيَّات، وألاَّ يشغله أمر الدنيا على التَّزَوُّد بالأعمال الصالحات، يقول ربنا - جل وعلا -: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 54، 55].. الآيات.
ويقول رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ))؛ قالوا: "وما ندامته؟!"، قال: ((إن كان محسنًا ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ألا يكون استعتب))؛ رواه الترمذي.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول وأستغفر لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين اللهمَّ صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناس:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3].
أيها المؤمنون:
اعتاد بعض الناس تخصيص وقت معين بعبادة ما، من غير دليل يقوم على ذلك، ومن ذلك ما يظنه بعضهم بتخصيص رجب بعبادات مخصوصة، وقد أرشد علماء الأمَّة إلى أنَّ هذا الشَّيء مخالف للسُّنة الصحيحة، فصلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب غير ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ بل ما ورد في فضلها كذبٌ وباطلٌ لا يصح؛ كما قاله الحفاظ منهم النووي، وابن حجر، وابن رجب، وغيرهم كثير.
وكذا من الأخطاء الاحتفال بالإسراء والمعراج زعمًا أنَّها ليلة سبع وعشرين من رجب فقد صَرَّح المحققون من أهل العلم على أنَّ هذا الاحتفال لا أصل له، وعمل يعتبر محدثة فضلاً عن أن تعيين زمنها غير ثابت عن المحدثينَ منَ العلماء.
قال ابن رجب: "وذكر بعض القُصاص أنَّ الإسراء والمعراج كان في رجب، وذلك كذبٌ، وفيما صَحَّ عن رسول الله - صَلَّى الله عليه وسَلَّم - منَ الترغيب في الأعمال الصالحات الغنية والكفاية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ويقول - صَلَّى الله عليه وسلم - ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))".
ثم إن الله - جَلَّ وعلا - أَمَرَنا بشيء عظيم ألا وهو الصلاة والسلام على النَّبي الكريم، اللهمَّ صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم من أراد أمة محمد بسوء فأشغله في نفسه، اللهم ما من أراد هذه الأمة بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أبطل كيده ومكره، اللهم أبطل كيده ومكره يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم نَوِّر حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة، اللهم نور حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة، اللهمَّ نور حياة المسلمين بأنوار القرآن والسنة يا حي يا قيوم، اللهمَّ اسلك بهم سبيل صحابة رسولك - صلى الله عليه وسلم، اللهم اسلك بهم سبيل صحابة رسولكَ - صلى الله عليه وسلم، اللهم اسلك بهم سبيل صحابة رسولك - صلى الله عليه وسلم، اللهم جنبهم البدع والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ من الفتن ما ظهر وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم يا حي يا قيوم ولي على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم، اللهم لا تولي فجارهم ولا شرارهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجمع بين الولاة وبين المُجتمعات على القرآن والسنة، اللهمَّ اجمع بين قلوبهم على القُرآن والسُّنة يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجمع قلوبهم على التقوى والخير والهدى يا حي يا قيوم.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين