بســم الله الرحمــن الرحــيم
البدعة الحسنة
والبدعة السيئة
والبدعة السيئة
تنتشـر فى الأمة الإسلامية كثير من البدع ، وإذا بينت يقال لك بدعة حسـنة ، وقد يتبجح البعض ، ويسأل باستخفاف أو كلما فعلنا شيئا قلتم بدعة ؟ ولذا وجدت أنه مما يلزم ضرورة أن نرد علي هذا السؤال : هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ؟
الحقيقة أن المسلم العاقل ، هو الذى يبحث عن الحق فيتبعه حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما تعود عليه ، حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما هو شائع بين الناس ، حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما يهواه ، لأنه معلوم يقينا أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه ، ولم يدع شرا إلا حذرنا منه .
ذكر الإمام ابن قيم الجوزية أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى يوما صلاة الصبح ، ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى وخطبهم حتى حضرت المغرب، فلم يدع شيئا إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به ، فكان أعلمهم أحفظهم ، وخطبهم مرة أخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهلُ النار منازلهم ... و قَالَ يهودي لسلمان : " قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلي الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ؟ قَالَ : أَجَلْ " ( ) فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته. ( )
وهذه شهادة من عدو من أعداء الله عز وجل وأعداء رسوله صلي الله عليه وسلم والفضل ما شهدت به الأعداء كما يقال ، فرسول هذا حاله ، يعلم أمته كل شىء ـ حتى الخراءة ـ ( كيف يقضي الإنسان حاجته .. حاشاكم .. ) أعتقد أن الواجب علينا أن نتبعه .. أن نقلده فى كل شيء حسب المستطاع ، لا نزيد ولا ننقص لأن الله سبحانه وتعالي يقول : " َلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ( )
الآية واضحة وضوح الشمس ، والعكس بالعكس : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى " ( )هذا هو الطريق إلي الله ليس هناك غيره " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ( )أما الذين يخترعون فى الدين ، ويجوزون فيه من الأمور باعتبار أن ذلك من قبيل البدع الحسنة ، استنادا إلى قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " ( ) الذى يعتمد على هذا الحديث نقول له : أنت مخطئ ، لأن كلامك هذا يعني أن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ، وهذا عين الخطأ ؛ وذلك لما يأتى :
أولا : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أن كل أنواع البدع الملحقة بالدين ضلال ؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : " فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " ( ) والشاهد من الحديث : " ... أنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " فلم يستثن من البدع شيء ، لم يقل أن منها هدى ... لم يقل أن كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ، ومعنى ذلك أن جميع البدع مذمومة ، وليست من الدين ، وأن الذى يعمل بها يكون جزاؤه النار ؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : " وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" ( )
ثانيا : الذى يقسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة اعتمادا على هذا الحديث مخطئ أيضا ؛ ذلك لأن الحديث لم يرد فيه ذكر للبدعة مطلقا ، لا من قريب ولا من بعيد ، فلم يقل الرسول صلي الله عليه وسلم مثلا من ابتدع بدعة حسنة أو ابتدع بدعة سـيئة ، إنما قال صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " و" وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً ".والسنة الواردة فى الحديث معناها الطريق والسيرة ، هذا هو معناها فى اللغة ، لكن إذا أطلقت فى الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبى صلي الله عليه وسلم أو نهى عنه قولا أو فعلا أو تقريرا ، ولهذا يقال إن أدلة الشرع هى : الكتاب والسنة ، أى القرآن والحديث ، وهذا مالا يختلف عليه أحد .
وبذلك يكون معنى الحديث : من سلك طريقة حسنة ، أى طريقة موافقة لما شـرّعه الله عز وجل ولما شرعه رسوله صلي الله عليه وسلم أو بمعنى آخر من أتى بسنة يشهد لها أصل من أصول الدين فاتُّبع عليها ، أى رآه غيره فعمل مثله ، كان له من الأجر مثل أجر جميع من سار على طريقته إلى يوم الدين ، والعكس بالعكس ، من سـن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين ، أى سلك طريقة غير مشروعة ، لم يشرعها الله سبحانه وتعالي ولا رسوله صلي الله عليه وسلم أى مما نهى الله ورسوله عنه ، وقلده غيره فى ذلك ، فعليه وزره ووزر من قلده إلى يوم القيامة .
ويؤكد الإمام الشاطبى هذا المعنى فيقول : ليس المراد بحديث الاستنان : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " معنى الاختراع ، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية .
وذلك لأن السبب الذى جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة ، فقد ثبت فى الصحيح عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ ، وفى رواية : عَلَيْهِمْ الصُّوفُ ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، وفى رواية : فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وفى رواية : فتغير وجهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ، وفى رواية : فَصَلَّى الظُّهْر ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " ثم قال صلي الله عليه وسلم : " تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " قَالَ راوى الحديث : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ . قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " ( )فدل سبب الحديث على أن المقصود من السنة هنا هو مثل ما فعل ذلك الصحابى ، أى العمل بما ثبت كونه سـنة وهو التصدق " وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " .
إذن سبب هذا الكلام في هذا الحديث ما قاله راويه ــ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ــ في أوله من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع الناس ووعظهم وحثهم على الصدقة علي الفقراء الحضور من أهل مضر ، " فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ... ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ " فكان الفضل العظيم لله ثم لهذا الأنصارى البادئ بهذا الخير ، والفاتح لباب هذا الإحسان .
ثالثا : ليس هناك شئ اسمه بدعة حسنة وبدعة سيئة اعتمادا على هذا الحديث ؛ لأن قول المصطفى صلي الله عليه وسلم " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " و " وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً " لا يمكن حمله على الاختراع ؛ لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من قبل الشرع ؛ ولأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع ولا مدخل للعقل فيه ، فالشرع هو الذى يبين لنا السنة الحسنة والسنة القبيحة ، فالسنة الحسنة لا تصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة فى الحديث وما شابهها من السنن المشروعة ، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصى ، التى ثبت بالشرع كونها معاصى .
مثال ذلك القتل الذى نبه عليه حديث ابنى آدم ــ قابيل وهابيل ــ حيث قال صلي الله عليه وسلم : " ... لأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل " فكل جريمة قتل تحدث على وجه الأرض ــ بغير حق ــ منذ آدم عليه السلام حتى تقوم الساعة فإن ابن آدم الأول عليه كفل منها ، لقول الله سبحانه وتعالي : " ... مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ... " ( ) وهو ما فسره رسولنا صلي الله عليه وسلم بقوله : " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ " ( )وتصدق السنة السيئة أيضا على البدع ؛ لأنه ثبت ذمها والنهى عنها بالشرع ، كما تقدم فى قوله صلي الله عليه وسلم : " وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " ( )وهكذا نفهم أن المقصود من قوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ... " أى من دل على عمل مشروع ، موصوف بالحسن شرعا ، وقاد الناس إليه ، وسبقهم إلى العمل به ، وأحيا بذلك سنة من سنن الدين ، سبق الأمر بها والحث عليها من قبل المشرع ، وليس المقصود الاختراع أوالابتداء بعمل لم يعمله المشرع ، أو لم يحض عليه ، وهذا المعنى نراه جليا فى :
• قوله صلي الله عليه وسلم :" مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ " ( )
• ونستشعره أيضا فى حديث ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ " ( )
• وقوله أيضا صلي الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا. " ( )فقوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً " فى الموضعين ، وقوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً " لا يراد بها الاختراع والابتداع ، وإنما المقصود منه من عمل بسنة من سنن رسول الله صلي الله عليه وسلم بمعنى أحياها وجددها ودعى الناس إليها بعمله قبل قوله فدلهم عليها ، كما صرح بذلك فى حديث مسلم : " مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ ..." وهذا كله بعكس الاختراع والابتداع وهو ما ينطق به الحديث الذى رواه ابن ماجه : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ ..." وفى هذا الحديث قابل إحياء السنة والثواب عليها بابتداع البدعة ووزرها المطلق ، ولم يفرق بين بدعة وأخرى وإنما رتب الأوزار على العمل بأى بدعة ، فعلم أنه لا يوجد بدعة حسنة وأخرى سيئة ، بل أن كل بدعة ضلالة.
وهكذا يتضح لنا أن تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ، ليس هناك دليل شرعى عليه ، لا من قول الرسول صلي الله عليه وسلم ولا من أقوال الصحابة ولا من اقوال التابعين ، ولا من قول أئمة الهدى رضوان الله عليهم أجمعين ؛ وذلك لأن الابتداع اتهام للرسول صلي الله عليه وسلم بالتقصير والخيانة ، واتهام أيضا للخلفاء الراشدين وعامة الصحابة بذلك . بل أكثر وأضل من ذلك ، فالابتداع استدراك على الله عز وجل وعلى رسوله صلي الله عليه وسلم مع أن الله سبحانه وتعالي قد أكمل الدين وأتمه .
يقول الإمام مالك رضي الله عنه مؤكدا هذه الحقيقة : من ابتدع فى الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلي الله عليه وسلم قد خان الرسالة ؛ لأن الله عز وجل يقول : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً " ( )
وهكذا يتبين أن ليس هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ، وإنما جميع البدع ضلال وافتئات على الشارع بالزيادة ، والله سبحانه وتعالي يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( ) أى علي كل منكم أن يدرك حدوده كعبد أمام الرب ، وأمام الرسول الذي يبلغ عن الرب ، فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي ، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم ؛ ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه ؛ ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأياً مع خالقه . . تَقُوَى منه وخشية ، وحياءً منه وأدباً ( ) نسأل الله أن يحيينا و يميتنا على ســنة نبيه
*** *** *** هكذا يكون قد ثبت لنا مما سبق أن من دعا الى هدى أو سن سنة خير" ... كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " ( ) لهذا الحديث ، وأيضا لقول الله عز وجل : " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " ( ) فهم يحملون ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا ؛ فالقاعدة أن من سن شيئا كتب له أو عليه.
ومن هنا فعلينا جميعا أن نحذر من الوقوع فى الضلال ، وأن نجتنب البدع ومحدثات الأمور في الدين ، ومخالفة سبيل المؤمنين ، ووجه التحذير أن الذي يُحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر ، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة ـ وأقلها ـ أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها.
ولكى نضـمن أننا نسير على الصراط المستقيم ، بجب أن نتبع ما جاءنا به رسولنا صلي الله عليه وسلم وهذا يقتضى منا أن نرجع إلى الأصل لهذا الدين : إلى الوحيين : كتاب الله سبحانه وتعالي وسنة نبيه الصحيحة صلي الله عليه وسلم فكما تعرفون بيننا وبين بدء الرسالة أكثر من 1400 سنة ، حرص خلالها أعداء الإسلام ـ وعلي وجه الخصوص من كان أهل الكتاب ـ حرصواعلى إضلال أمة الإسلام ، وفصلها عن عقيدتها ؛ فهذه العقيدة هى صخرةُ النجاة وخط الدفاع ، وأهل الكتاب يعرفون هذا قديما ويعرفونه حديثا ، وعمليات تذويب المسلمين أو فسخهم عن عقيدتهم لا تتم بسهولة ؛ فالإسلام ليس من السهل على أتباعه أن يذوبوا بين مذاهب الأمم الأخرى ، ومن أجل هذا يبذلون فى سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما فى وسعهم من مكر وحيلة بل وقوة كذلك ؛ ولهذا نجدهم يعملون ليل نهار على حجز القرآن عن واقع حياة المسلمين ، حتى أصبحت علاقة القرآن الوحيدة بالهواء الطلق : هى قراءته على الموتى ، وفى المناسبات وفي حفلات النفاق ، ولم يترك له العمل في الداخل إلا في حدود لا ينبغي له أن يتعداها ، وهي كل ما يتعلق بالحيض والنفاس والغسل والتكفين والنكاح وما شابه ذلك ، والمصيبة الكبرى أنهم لا يخفون ذلك بل يعلنوننا بها صراحة ، وآخر ذلك وليس بآخر ما تطالعنا به الأنباء هذه الأيام ( ) من أن حذف السيرة النبوية وتاريخ الصحابة من المناهج الدراسية شـرط المعونة الأمريكية التى تقدم لدعم الكتاب المدرسي ( ) !!
إنهم يريدون قرآنا لا يتجاوز الحناجر ؛ ويجاهدون فى سبيل التعتيم علي سيرة المصطفى صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، لأنها التطبيق العملى لمبادئ هذا الدين ، فإذا فقدناها أصبح القرآن والسنة نصوصا خاوية خالية من المضمون ، هكذا يمكرون ، وسينقلب عليهم مكرهم ثم يكون عليهم حسرة ثم يغلبون بإذن الله عز وجل .
إنهم يعلمون أن فهم المسلمين لدينهم بمفهوم الصحابة المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم خطر عليهم ؛ لأن المسلم إن كان يلتزم بمبادئ دينه فهو المسلم القوى ، المرهوبُ الجانب ، الذى يعمل له العدو ألف حساب ، ويحترمه الصديق أيما احترام.
وهذا هو الفـارق بيننا الآن وبين الرعيل الأول من المسلمين ؛ فقد كان من أعظم ما أنعم اللّه به علي الصحابة والتابعين لهم بإحسان اعتصامهم بالكتاب والسنة ، فكان من الأصول المتفق عليها بينهم : أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن ، لا برأيه ولا ذوقه ، ولا معقوله ، ولا قياسه ، ولا وجْده ؛ لأنهم ثبت عندهم ، واستقر فى قلوبهم ووجدانهم ، بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول صلي الله عليه وسلم جاء بالهدي ودين الحق ، فكان القرآنُ هو الإمامُ الذي يُقتدى به ؛ ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن أو السـنة بعقل ورأي وقياس ، ولا بذوق ووجد ومكاشفة ، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل ، أو يجب تقديم العقل.
ولهذا فإننى أوصى نفسى وإياكم إذا كنا نريد أن نعيش حياة كريمة ، ونموتَ موتة مشرفة ، فما علينا إلا اتباع ما جاء به الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم من الوحيين : الكتاب والسـنة ، بالحرف الواحد ، لا نزيد ولا ننقص ، ولا نرفض ولا نعلل ، ولا نُحَكِّم عقولَنا القاصرة ، وعلينا ألا نخترع فى الدين ، حتى ولو كان فى أصغر الأشياء ، بحجة أننا نبتدع بدعة حسـنة ، لأن الرسولَ صلي الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه ، ولم يدع شرا إلا حذرنا منه صلي الله عليه وسلم وعلينا أيضا أن نتعلم ونعلم أبناءنا السيرة النبوية المشرفة وسيرة صحابته الكرام ؛ حتى نطبق ديننا كما طبقوه ، عَلَّ الله أن يغير أحوالنا إلى ما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي
الحقيقة أن المسلم العاقل ، هو الذى يبحث عن الحق فيتبعه حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما تعود عليه ، حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما هو شائع بين الناس ، حتى لو كان هذا الحق مخالفا لما يهواه ، لأنه معلوم يقينا أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه ، ولم يدع شرا إلا حذرنا منه .
ذكر الإمام ابن قيم الجوزية أن رسول الله صلي الله عليه وسلم صلى يوما صلاة الصبح ، ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى وخطبهم حتى حضرت المغرب، فلم يدع شيئا إلى قيام الساعة إلا أخبرهم به ، فكان أعلمهم أحفظهم ، وخطبهم مرة أخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهلُ النار منازلهم ... و قَالَ يهودي لسلمان : " قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صلي الله عليه وسلم كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ؟ قَالَ : أَجَلْ " ( ) فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته. ( )
وهذه شهادة من عدو من أعداء الله عز وجل وأعداء رسوله صلي الله عليه وسلم والفضل ما شهدت به الأعداء كما يقال ، فرسول هذا حاله ، يعلم أمته كل شىء ـ حتى الخراءة ـ ( كيف يقضي الإنسان حاجته .. حاشاكم .. ) أعتقد أن الواجب علينا أن نتبعه .. أن نقلده فى كل شيء حسب المستطاع ، لا نزيد ولا ننقص لأن الله سبحانه وتعالي يقول : " َلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ( )
الآية واضحة وضوح الشمس ، والعكس بالعكس : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى " ( )هذا هو الطريق إلي الله ليس هناك غيره " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " ( )أما الذين يخترعون فى الدين ، ويجوزون فيه من الأمور باعتبار أن ذلك من قبيل البدع الحسنة ، استنادا إلى قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " ( ) الذى يعتمد على هذا الحديث نقول له : أنت مخطئ ، لأن كلامك هذا يعني أن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ، وهذا عين الخطأ ؛ وذلك لما يأتى :
أولا : أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أن كل أنواع البدع الملحقة بالدين ضلال ؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : " فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " ( ) والشاهد من الحديث : " ... أنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " فلم يستثن من البدع شيء ، لم يقل أن منها هدى ... لم يقل أن كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ، ومعنى ذلك أن جميع البدع مذمومة ، وليست من الدين ، وأن الذى يعمل بها يكون جزاؤه النار ؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : " وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار" ( )
ثانيا : الذى يقسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة اعتمادا على هذا الحديث مخطئ أيضا ؛ ذلك لأن الحديث لم يرد فيه ذكر للبدعة مطلقا ، لا من قريب ولا من بعيد ، فلم يقل الرسول صلي الله عليه وسلم مثلا من ابتدع بدعة حسنة أو ابتدع بدعة سـيئة ، إنما قال صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " و" وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً ".والسنة الواردة فى الحديث معناها الطريق والسيرة ، هذا هو معناها فى اللغة ، لكن إذا أطلقت فى الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبى صلي الله عليه وسلم أو نهى عنه قولا أو فعلا أو تقريرا ، ولهذا يقال إن أدلة الشرع هى : الكتاب والسنة ، أى القرآن والحديث ، وهذا مالا يختلف عليه أحد .
وبذلك يكون معنى الحديث : من سلك طريقة حسنة ، أى طريقة موافقة لما شـرّعه الله عز وجل ولما شرعه رسوله صلي الله عليه وسلم أو بمعنى آخر من أتى بسنة يشهد لها أصل من أصول الدين فاتُّبع عليها ، أى رآه غيره فعمل مثله ، كان له من الأجر مثل أجر جميع من سار على طريقته إلى يوم الدين ، والعكس بالعكس ، من سـن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين ، أى سلك طريقة غير مشروعة ، لم يشرعها الله سبحانه وتعالي ولا رسوله صلي الله عليه وسلم أى مما نهى الله ورسوله عنه ، وقلده غيره فى ذلك ، فعليه وزره ووزر من قلده إلى يوم القيامة .
ويؤكد الإمام الشاطبى هذا المعنى فيقول : ليس المراد بحديث الاستنان : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " معنى الاختراع ، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية .
وذلك لأن السبب الذى جاء لأجله الحديث هو الصدقة المشروعة ، فقد ثبت فى الصحيح عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوْ الْعَبَاءِ ، وفى رواية : عَلَيْهِمْ الصُّوفُ ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، وفى رواية : فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وفى رواية : فتغير وجهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ، وفى رواية : فَصَلَّى الظُّهْر ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " ثم قال صلي الله عليه وسلم : " تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " قَالَ راوى الحديث : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ . قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " ( )فدل سبب الحديث على أن المقصود من السنة هنا هو مثل ما فعل ذلك الصحابى ، أى العمل بما ثبت كونه سـنة وهو التصدق " وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " .
إذن سبب هذا الكلام في هذا الحديث ما قاله راويه ــ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ ــ في أوله من أن رسول الله صلي الله عليه وسلم جمع الناس ووعظهم وحثهم على الصدقة علي الفقراء الحضور من أهل مضر ، " فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ... ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ " فكان الفضل العظيم لله ثم لهذا الأنصارى البادئ بهذا الخير ، والفاتح لباب هذا الإحسان .
ثالثا : ليس هناك شئ اسمه بدعة حسنة وبدعة سيئة اعتمادا على هذا الحديث ؛ لأن قول المصطفى صلي الله عليه وسلم " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً " و " وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً " لا يمكن حمله على الاختراع ؛ لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من قبل الشرع ؛ ولأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع ولا مدخل للعقل فيه ، فالشرع هو الذى يبين لنا السنة الحسنة والسنة القبيحة ، فالسنة الحسنة لا تصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة فى الحديث وما شابهها من السنن المشروعة ، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصى ، التى ثبت بالشرع كونها معاصى .
مثال ذلك القتل الذى نبه عليه حديث ابنى آدم ــ قابيل وهابيل ــ حيث قال صلي الله عليه وسلم : " ... لأَنَّهُ أَوَّل مَنْ سَنَّ الْقَتْل " فكل جريمة قتل تحدث على وجه الأرض ــ بغير حق ــ منذ آدم عليه السلام حتى تقوم الساعة فإن ابن آدم الأول عليه كفل منها ، لقول الله سبحانه وتعالي : " ... مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ... " ( ) وهو ما فسره رسولنا صلي الله عليه وسلم بقوله : " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ " ( )وتصدق السنة السيئة أيضا على البدع ؛ لأنه ثبت ذمها والنهى عنها بالشرع ، كما تقدم فى قوله صلي الله عليه وسلم : " وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ " ( )وهكذا نفهم أن المقصود من قوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً ... " أى من دل على عمل مشروع ، موصوف بالحسن شرعا ، وقاد الناس إليه ، وسبقهم إلى العمل به ، وأحيا بذلك سنة من سنن الدين ، سبق الأمر بها والحث عليها من قبل المشرع ، وليس المقصود الاختراع أوالابتداء بعمل لم يعمله المشرع ، أو لم يحض عليه ، وهذا المعنى نراه جليا فى :
• قوله صلي الله عليه وسلم :" مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ " ( )
• ونستشعره أيضا فى حديث ابْنِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ " ( )
• وقوله أيضا صلي الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا. " ( )فقوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً " فى الموضعين ، وقوله صلي الله عليه وسلم : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً " لا يراد بها الاختراع والابتداع ، وإنما المقصود منه من عمل بسنة من سنن رسول الله صلي الله عليه وسلم بمعنى أحياها وجددها ودعى الناس إليها بعمله قبل قوله فدلهم عليها ، كما صرح بذلك فى حديث مسلم : " مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ ..." وهذا كله بعكس الاختراع والابتداع وهو ما ينطق به الحديث الذى رواه ابن ماجه : " مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ ..." وفى هذا الحديث قابل إحياء السنة والثواب عليها بابتداع البدعة ووزرها المطلق ، ولم يفرق بين بدعة وأخرى وإنما رتب الأوزار على العمل بأى بدعة ، فعلم أنه لا يوجد بدعة حسنة وأخرى سيئة ، بل أن كل بدعة ضلالة.
وهكذا يتضح لنا أن تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ، ليس هناك دليل شرعى عليه ، لا من قول الرسول صلي الله عليه وسلم ولا من أقوال الصحابة ولا من اقوال التابعين ، ولا من قول أئمة الهدى رضوان الله عليهم أجمعين ؛ وذلك لأن الابتداع اتهام للرسول صلي الله عليه وسلم بالتقصير والخيانة ، واتهام أيضا للخلفاء الراشدين وعامة الصحابة بذلك . بل أكثر وأضل من ذلك ، فالابتداع استدراك على الله عز وجل وعلى رسوله صلي الله عليه وسلم مع أن الله سبحانه وتعالي قد أكمل الدين وأتمه .
يقول الإمام مالك رضي الله عنه مؤكدا هذه الحقيقة : من ابتدع فى الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلي الله عليه وسلم قد خان الرسالة ؛ لأن الله عز وجل يقول : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً " ( )
وهكذا يتبين أن ليس هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ، وإنما جميع البدع ضلال وافتئات على الشارع بالزيادة ، والله سبحانه وتعالي يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( ) أى علي كل منكم أن يدرك حدوده كعبد أمام الرب ، وأمام الرسول الذي يبلغ عن الرب ، فلا يسبق العبد المؤمن إلهه في أمر أو نهي ، ولا يقترح عليه في قضاء أو حكم ؛ ولا يتجاوز ما يأمر به وما ينهى عنه ؛ ولا يجعل لنفسه إرادة أو رأياً مع خالقه . . تَقُوَى منه وخشية ، وحياءً منه وأدباً ( ) نسأل الله أن يحيينا و يميتنا على ســنة نبيه
*** *** *** هكذا يكون قد ثبت لنا مما سبق أن من دعا الى هدى أو سن سنة خير" ... كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " ( ) لهذا الحديث ، وأيضا لقول الله عز وجل : " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " ( ) فهم يحملون ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا ؛ فالقاعدة أن من سن شيئا كتب له أو عليه.
ومن هنا فعلينا جميعا أن نحذر من الوقوع فى الضلال ، وأن نجتنب البدع ومحدثات الأمور في الدين ، ومخالفة سبيل المؤمنين ، ووجه التحذير أن الذي يُحدث البدعة قد يتهاون بها لخفة أمرها في أول الأمر ، ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة ـ وأقلها ـ أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده ولو لم يكن هو عمل بها بل لكونه كان الأصل في أحداثها.
ولكى نضـمن أننا نسير على الصراط المستقيم ، بجب أن نتبع ما جاءنا به رسولنا صلي الله عليه وسلم وهذا يقتضى منا أن نرجع إلى الأصل لهذا الدين : إلى الوحيين : كتاب الله سبحانه وتعالي وسنة نبيه الصحيحة صلي الله عليه وسلم فكما تعرفون بيننا وبين بدء الرسالة أكثر من 1400 سنة ، حرص خلالها أعداء الإسلام ـ وعلي وجه الخصوص من كان أهل الكتاب ـ حرصواعلى إضلال أمة الإسلام ، وفصلها عن عقيدتها ؛ فهذه العقيدة هى صخرةُ النجاة وخط الدفاع ، وأهل الكتاب يعرفون هذا قديما ويعرفونه حديثا ، وعمليات تذويب المسلمين أو فسخهم عن عقيدتهم لا تتم بسهولة ؛ فالإسلام ليس من السهل على أتباعه أن يذوبوا بين مذاهب الأمم الأخرى ، ومن أجل هذا يبذلون فى سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما فى وسعهم من مكر وحيلة بل وقوة كذلك ؛ ولهذا نجدهم يعملون ليل نهار على حجز القرآن عن واقع حياة المسلمين ، حتى أصبحت علاقة القرآن الوحيدة بالهواء الطلق : هى قراءته على الموتى ، وفى المناسبات وفي حفلات النفاق ، ولم يترك له العمل في الداخل إلا في حدود لا ينبغي له أن يتعداها ، وهي كل ما يتعلق بالحيض والنفاس والغسل والتكفين والنكاح وما شابه ذلك ، والمصيبة الكبرى أنهم لا يخفون ذلك بل يعلنوننا بها صراحة ، وآخر ذلك وليس بآخر ما تطالعنا به الأنباء هذه الأيام ( ) من أن حذف السيرة النبوية وتاريخ الصحابة من المناهج الدراسية شـرط المعونة الأمريكية التى تقدم لدعم الكتاب المدرسي ( ) !!
إنهم يريدون قرآنا لا يتجاوز الحناجر ؛ ويجاهدون فى سبيل التعتيم علي سيرة المصطفى صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، لأنها التطبيق العملى لمبادئ هذا الدين ، فإذا فقدناها أصبح القرآن والسنة نصوصا خاوية خالية من المضمون ، هكذا يمكرون ، وسينقلب عليهم مكرهم ثم يكون عليهم حسرة ثم يغلبون بإذن الله عز وجل .
إنهم يعلمون أن فهم المسلمين لدينهم بمفهوم الصحابة المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم خطر عليهم ؛ لأن المسلم إن كان يلتزم بمبادئ دينه فهو المسلم القوى ، المرهوبُ الجانب ، الذى يعمل له العدو ألف حساب ، ويحترمه الصديق أيما احترام.
وهذا هو الفـارق بيننا الآن وبين الرعيل الأول من المسلمين ؛ فقد كان من أعظم ما أنعم اللّه به علي الصحابة والتابعين لهم بإحسان اعتصامهم بالكتاب والسنة ، فكان من الأصول المتفق عليها بينهم : أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن ، لا برأيه ولا ذوقه ، ولا معقوله ، ولا قياسه ، ولا وجْده ؛ لأنهم ثبت عندهم ، واستقر فى قلوبهم ووجدانهم ، بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول صلي الله عليه وسلم جاء بالهدي ودين الحق ، فكان القرآنُ هو الإمامُ الذي يُقتدى به ؛ ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن أو السـنة بعقل ورأي وقياس ، ولا بذوق ووجد ومكاشفة ، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل ، أو يجب تقديم العقل.
ولهذا فإننى أوصى نفسى وإياكم إذا كنا نريد أن نعيش حياة كريمة ، ونموتَ موتة مشرفة ، فما علينا إلا اتباع ما جاء به الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم من الوحيين : الكتاب والسـنة ، بالحرف الواحد ، لا نزيد ولا ننقص ، ولا نرفض ولا نعلل ، ولا نُحَكِّم عقولَنا القاصرة ، وعلينا ألا نخترع فى الدين ، حتى ولو كان فى أصغر الأشياء ، بحجة أننا نبتدع بدعة حسـنة ، لأن الرسولَ صلي الله عليه وسلم لم يترك خيرا إلا دلنا عليه ، ولم يدع شرا إلا حذرنا منه صلي الله عليه وسلم وعلينا أيضا أن نتعلم ونعلم أبناءنا السيرة النبوية المشرفة وسيرة صحابته الكرام ؛ حتى نطبق ديننا كما طبقوه ، عَلَّ الله أن يغير أحوالنا إلى ما يحب ويرضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي