كيف ندعوا إلى الله؟
أولاً : أن نعرف من ندعو، فالناس أصناف عدة فمنهم :
المريض الذي يحتاج إلى الدواء الناجع والجاهل الأمي الجافي والمكابر المغرور المجادل.
وكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة يحتاج إلى فقه عالٍ في التعامل معه، ولهذا كان من شرط الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون حكيماً فيما يأمر، حكيماً فيما ينهى، والحكمة وضع الأمور في نصابها:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا... مضر كوضع السيف في موضع الندى
ويرتبط بهذا الشأن ما سبق الحديث عنه في شأن فقه الحال والبصر بواقع الأمور.
ثانياً : التدرج:
في الصحيحين عن ابن عباس قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم معاذًا رسوله وداعيته إلى اليمن أن يتدرج معهم، وهذا ما يسمى بفقه الأولويات، بأن نقدم الواجبات الأولى فالأولى، ونراعي أن نقدم الفرض على المندوب، والنهي عن المحرمات قبل المكروهات.
والتدرج لا يعني بحال تقسيم الدين إلى قشور ولباب كما قد يفهم البعض، بل دين الله تعالى كلٌ واحد. ولكي يصل الداعية إلى هذا ينبغي أن يكون فقيهًا فيما يأمر وفيما ينهى، يعرف كيف يبدأ بما يناسب الناس، فيراعي أخلاقياتهم وأعمارهم وأوقاتهم.
قالوا: كونوا ربانيين حلماء فقهاء ، والرباني هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره.
ثالثاً : تطوير طرق الدعوة:
لابد من مراعاة الطرق المعروفة مع أهل الزمان حتى تكون أكثر وقعاً وتأثيرًا في النفوس والقلوب، لكن يتحاشى ما قد يؤدي إلى الفساد.
فلا مانع من استخدام الدعابة المهذبة الجميلة، لكن دون إفراط يذهب بوقار العلم، ولا مانع من استخدام الأسلوب القصصي في عصر أدمن فيه الناس مشاهدة الأفلام والتمثيليات، فلماذا لا نقدم لهؤلاء القصص القرآني والنبوي بأسلوب شائق، ونستخرج منها الفوائد ليتعلم الناس أمر رشد لا ضلال فيه. وينبغي أن نستخدم كل وسيلة شرعية ممكنة، من الكتب والرسائل، مرورًا بأشرطة الكاسيت والفيديو وأسطوانات الليزر ، نستخدم وسائل الإيضاح المعهودة من لافتات ونحوها.
لكن لا يجوز بحال أن نستخدم وسائل غير شرعية كالغناء والموسيقى والاختلاط، فليس المقصود هو التجميع فحسب، فنتنازل عن أمور شرعية من أجل أهواء الناس وإرضاءً لهم.
رابعاً : الدعوة بالشفقة والرفق:
قال الله تعالى في وصف المؤمنين: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}
وقال عنهم أيضا: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}
وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنَّ الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"وما كان الرفق في شي ء إلا زانه" ومن بواعث الدعوة إلى الله تعالى الرحمة بعباده أن يضلوا الطريق والشفقة عليهم أن يقعوا في أسباب الشقاء.
في السيرة لابن هشام :
لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف أكثر من عشرين يوماً ولما استعصيت أمر أصحابه بالرحيل، فقال له رجل من أصحابه:
يا رسول الله ادع عليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها فرفع يديه إلى السماء فقيل: هلكت دوس، "فقال اللهم اهد دوسا وائت بهم".
فينبغي أن نبغض في الله، أن نغار أن تنتهك حرمات الله تبارك وتعالى، لكن علينا أن نكره المعصية لا أن ننتصر لأنفسنا وأهوائنا.
فعندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أنَّ هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة، ومع شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية (غير المتصنعة) باهتماماتهم وهمومهم، ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص، هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك ..
وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.
وهذه المراحل التي يجتازها الداعية لكي يصل إلى مستوى الرفق بالإنسان، لهي كالبذور عندما تغرس في التربة ثم تظهر علامات النمو عليها بانشقاقها وخروج خط أخضر مائل إلى اصفرار، ما يلبث حتى يكون وريقات ثم ساقاً لينة ثم تنمو كشجرة ذات أغصان وثمار، يقول سيد قطب : "عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة !!
إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين، لأننا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين ، إذ تزجي إليهم الثناء ، إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير ، وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون.
ولن يعدم إنسان ناحية خير أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة، ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب، كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ، ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم، لأننا سنعطف على مواقع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف !!
وبطبيعة الحال لن نجسم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم ، فإنما نحقد على الآخرين لأنَّ بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا نموًا كافيًا ، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا ".
خامساً:معرفة قدر النفس وملاحظة الفرق بين وظيفة الداعية ووظيفة المفتي:
فالعوام لا يفرقون بين الداعية والمفتي، ومن هنا قد تحدث بعض التجوزات، وفي ظل شيوع الجهل، وقلة العلماء تبدو المسألة في غاية الصعوبة.
فإذا ما تأملنا القصور في الجانب الدعوي، مما ألزمنا بضرورة التصدر فهذا كله يدفعنا لتجيش الأمة للعلم بالكتاب والسنة لتحمل هذا العبء الذي أصيبوا من خلاله ولهذا ينبغي أن يدرك الداعية قدر نفسه ولا يتجاوزها، وهذا مبني على سلامة القصد وصحته، وتزكية النفس من أدرانها قبل التصدر للعمل الدعوي.
سادساً : تشجيع المدعو الذي استجاب وربطه بالدعوة:
من أسباب علو الهمة التشجيع المستمر وشد الأزر وتقوية العزم، حتى لا يتسلل الفتور إلى النفوس.
ولابد من إعداد مناهج متكاملة يتدرج فيها المدعو، لابد من ربطه بأهداف إيمانية يسعى لها، بداية من المحافظة على الصلاة في الجماعة وتعليمه آداب الصلاة من خشوع وخضوع ، ثم المحافظة على النوافل.
ضرورة أن يلتزم بوظيفة يومية من تلاوة القرآن، والمحافظة على أذكار طرفي النهار.
ثمَّ إيجاد البيئة من الإخوة الذين يتعلق قلبه بهم ليهجر أصدقاء السوء، وتصير له رفقة من أهل الإيمان يساعدونه في بداية الطريق.
على الداعية أن يتفطن للوسائل التي يحقق بها تلك الأهداف، وليحذر من قواطع الطريق.
همسات في أذن كل داعية:
1) أول ما ينبغي التواصي به، ونحن فيما نحن فيه أن نتواصى بالصبر، والأناة، وعدم التعجل، وعدم الملل، ومفتاح ذلك ـ كما تقدم ـ صحة وسلامة القصد .
2) عدم التكلف، قال تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}.
3) إثبات الكفاءة، وإيجاد النموذج القدوة من بيننا، ولا يتحقق هذا في واقع الناس إلا بعلو الهمة.
كان أبو مسلم الخولاني يقول: أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا.
4) عدم الدعة والراحة فالحمل ثقيل، والجنة تحتاج منا بذل الغالي والنفيس {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
5) عدم استكثار الأعمال {ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر} .
6) رفع مستوى العلم بالإسلام لدرجة تؤهل للتمييز .
7) سلفية المنهج والمواجهة.
محاضرة للشيخ محمد حسين يعقوب
أولاً : أن نعرف من ندعو، فالناس أصناف عدة فمنهم :
المريض الذي يحتاج إلى الدواء الناجع والجاهل الأمي الجافي والمكابر المغرور المجادل.
وكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة يحتاج إلى فقه عالٍ في التعامل معه، ولهذا كان من شرط الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن يكون حكيماً فيما يأمر، حكيماً فيما ينهى، والحكمة وضع الأمور في نصابها:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا... مضر كوضع السيف في موضع الندى
ويرتبط بهذا الشأن ما سبق الحديث عنه في شأن فقه الحال والبصر بواقع الأمور.
ثانياً : التدرج:
في الصحيحين عن ابن عباس قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم معاذًا رسوله وداعيته إلى اليمن أن يتدرج معهم، وهذا ما يسمى بفقه الأولويات، بأن نقدم الواجبات الأولى فالأولى، ونراعي أن نقدم الفرض على المندوب، والنهي عن المحرمات قبل المكروهات.
والتدرج لا يعني بحال تقسيم الدين إلى قشور ولباب كما قد يفهم البعض، بل دين الله تعالى كلٌ واحد. ولكي يصل الداعية إلى هذا ينبغي أن يكون فقيهًا فيما يأمر وفيما ينهى، يعرف كيف يبدأ بما يناسب الناس، فيراعي أخلاقياتهم وأعمارهم وأوقاتهم.
قالوا: كونوا ربانيين حلماء فقهاء ، والرباني هو الذي يعلم الناس بصغار العلم قبل كباره.
ثالثاً : تطوير طرق الدعوة:
لابد من مراعاة الطرق المعروفة مع أهل الزمان حتى تكون أكثر وقعاً وتأثيرًا في النفوس والقلوب، لكن يتحاشى ما قد يؤدي إلى الفساد.
فلا مانع من استخدام الدعابة المهذبة الجميلة، لكن دون إفراط يذهب بوقار العلم، ولا مانع من استخدام الأسلوب القصصي في عصر أدمن فيه الناس مشاهدة الأفلام والتمثيليات، فلماذا لا نقدم لهؤلاء القصص القرآني والنبوي بأسلوب شائق، ونستخرج منها الفوائد ليتعلم الناس أمر رشد لا ضلال فيه. وينبغي أن نستخدم كل وسيلة شرعية ممكنة، من الكتب والرسائل، مرورًا بأشرطة الكاسيت والفيديو وأسطوانات الليزر ، نستخدم وسائل الإيضاح المعهودة من لافتات ونحوها.
لكن لا يجوز بحال أن نستخدم وسائل غير شرعية كالغناء والموسيقى والاختلاط، فليس المقصود هو التجميع فحسب، فنتنازل عن أمور شرعية من أجل أهواء الناس وإرضاءً لهم.
رابعاً : الدعوة بالشفقة والرفق:
قال الله تعالى في وصف المؤمنين: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}
وقال عنهم أيضا: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}
وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنَّ الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"وما كان الرفق في شي ء إلا زانه" ومن بواعث الدعوة إلى الله تعالى الرحمة بعباده أن يضلوا الطريق والشفقة عليهم أن يقعوا في أسباب الشقاء.
في السيرة لابن هشام :
لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف أكثر من عشرين يوماً ولما استعصيت أمر أصحابه بالرحيل، فقال له رجل من أصحابه:
يا رسول الله ادع عليهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها فرفع يديه إلى السماء فقيل: هلكت دوس، "فقال اللهم اهد دوسا وائت بهم".
فينبغي أن نبغض في الله، أن نغار أن تنتهك حرمات الله تبارك وتعالى، لكن علينا أن نكره المعصية لا أن ننتصر لأنفسنا وأهوائنا.
فعندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أنَّ هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة، ومع شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية (غير المتصنعة) باهتماماتهم وهمومهم، ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص، هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك ..
وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.
وهذه المراحل التي يجتازها الداعية لكي يصل إلى مستوى الرفق بالإنسان، لهي كالبذور عندما تغرس في التربة ثم تظهر علامات النمو عليها بانشقاقها وخروج خط أخضر مائل إلى اصفرار، ما يلبث حتى يكون وريقات ثم ساقاً لينة ثم تنمو كشجرة ذات أغصان وثمار، يقول سيد قطب : "عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة !!
إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين، لأننا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين ، إذ تزجي إليهم الثناء ، إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير ، وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون.
ولن يعدم إنسان ناحية خير أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة، ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب، كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ، ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم، لأننا سنعطف على مواقع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف !!
وبطبيعة الحال لن نجسم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم ، فإنما نحقد على الآخرين لأنَّ بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا نموًا كافيًا ، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا ".
خامساً:معرفة قدر النفس وملاحظة الفرق بين وظيفة الداعية ووظيفة المفتي:
فالعوام لا يفرقون بين الداعية والمفتي، ومن هنا قد تحدث بعض التجوزات، وفي ظل شيوع الجهل، وقلة العلماء تبدو المسألة في غاية الصعوبة.
فإذا ما تأملنا القصور في الجانب الدعوي، مما ألزمنا بضرورة التصدر فهذا كله يدفعنا لتجيش الأمة للعلم بالكتاب والسنة لتحمل هذا العبء الذي أصيبوا من خلاله ولهذا ينبغي أن يدرك الداعية قدر نفسه ولا يتجاوزها، وهذا مبني على سلامة القصد وصحته، وتزكية النفس من أدرانها قبل التصدر للعمل الدعوي.
سادساً : تشجيع المدعو الذي استجاب وربطه بالدعوة:
من أسباب علو الهمة التشجيع المستمر وشد الأزر وتقوية العزم، حتى لا يتسلل الفتور إلى النفوس.
ولابد من إعداد مناهج متكاملة يتدرج فيها المدعو، لابد من ربطه بأهداف إيمانية يسعى لها، بداية من المحافظة على الصلاة في الجماعة وتعليمه آداب الصلاة من خشوع وخضوع ، ثم المحافظة على النوافل.
ضرورة أن يلتزم بوظيفة يومية من تلاوة القرآن، والمحافظة على أذكار طرفي النهار.
ثمَّ إيجاد البيئة من الإخوة الذين يتعلق قلبه بهم ليهجر أصدقاء السوء، وتصير له رفقة من أهل الإيمان يساعدونه في بداية الطريق.
على الداعية أن يتفطن للوسائل التي يحقق بها تلك الأهداف، وليحذر من قواطع الطريق.
همسات في أذن كل داعية:
1) أول ما ينبغي التواصي به، ونحن فيما نحن فيه أن نتواصى بالصبر، والأناة، وعدم التعجل، وعدم الملل، ومفتاح ذلك ـ كما تقدم ـ صحة وسلامة القصد .
2) عدم التكلف، قال تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}.
3) إثبات الكفاءة، وإيجاد النموذج القدوة من بيننا، ولا يتحقق هذا في واقع الناس إلا بعلو الهمة.
كان أبو مسلم الخولاني يقول: أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالًا.
4) عدم الدعة والراحة فالحمل ثقيل، والجنة تحتاج منا بذل الغالي والنفيس {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.
5) عدم استكثار الأعمال {ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر} .
6) رفع مستوى العلم بالإسلام لدرجة تؤهل للتمييز .
7) سلفية المنهج والمواجهة.
محاضرة للشيخ محمد حسين يعقوب