شهر رجب بين المشروع والمبتدع
نايف بن أحمد الحمد
في هذه الأيام يكثر السؤال عن شهر رجب (فضله وصيامه..) ولعلِّي في هذه العجالة
أذكر بعض الأحكام المتعلقة بهذا الشهر مستعيناً بالله - تعالى -.
* رجب أحد الأشهر الحُرم:
قال - تعالى -: إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْـمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْـمُتَّقِينَ [التوبة: 36]، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، ورجب.عن أبي بكرة - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان»(1
وقد سُميت هذه الأشهر حُرماً لأمرين:
1 - لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو. لذا يُسمى رجب الأصم؛ لأنه لا يُنادى فيه: يا قوماه! أو لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح.
2 - ولأن تحريم انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها.
وسُمي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم(2).
* دعاء دخول رجب:
عن أنس - رضي الله عنه -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا دخل رجب: «اللهم بارك لنا
في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان»(3).
*ذبح العتيرة (الذبيحة) في رجب (الرجبية):
استحب بعض العلماء ذبح عتيرة في شهر رجب مستدلين بحديث مخنف بن سليم - رضي الله عنه - قال: «كناوقوفاً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فسمعته يقول: يا أيها الناس! على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة. هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية»(4).
والجمهور على أنها منسوخة
لما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - من أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «لا فَرَعَ ولا عَتِيرَة»(5).
* العمرة في رجب:
يخص بعض المسلمين شهر رجب
بعمرة ظناً منهم أن لها فضلاً وأجراً؛ والصحيح أن رجباً كغيره من
الأشـهر لا يُخَصُّ ولا يُقصد بأداء العمرة فيه، والفضل إنما يكون في أداء
العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع، ولم يثبت أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - اعتمر في رجب، وقد أنكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها(6).
* بدع شهر رجب:
من العبادات التي أحدثها الناس في شهر رجب ما يلي:
أولاً: صلاة الرغائب: وقد
جعلوهــا اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات يقرأ في
كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثاً، والإخلاص ثنتي عشرة مرة، وبعد
الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعين مرة
ويدعو بما شاء. وهي بلا شك بدعة منكرة وحديثها موضوع بلا ريب وذكره ابن
الجوزي في الموضوعات(7). وقال النووي - رحمه الله تعالى -: «واحتج به
العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب؛ قاتل الله
واضعها ومخترعها؛ فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها
منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل
مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر»
ا. هـ(8).
وقال الخطابي - رحمه الله تعالى -: «حديث صلاة الرغائب جمع من الكذب والزور غير قليل» ا. هـ(9).
وقال الحافظ ابن رجب -
رحمه الله تعالى -: «فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص
به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب
وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء... وأول ما ظهرت بعد
الأربعمائة؛ فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها» ا. هـ(10).
ثانياً: صلاة النصف من رجب: ويعتمد الآخذون بها على الأحاديث الموضوعة(11).
ثالثاً: صلاة ليلة
المعراج: وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى: صلاة ليلة
المعراج وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيحاً لا من كتاب ولا
سنة(12).
ودعوى أن المعراج كان في
رجب لا يعضده دليل. قال أبو شامة - رحمه الله تعالى -: «ذكر بعض
القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب؛ وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين
الكذب» ا. هـ(13).
وقال أبو إسحاق إبراهيم
الحربي - رحمه الله تعالى -: «أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول» ا. هـ(14).
ومن يصليها يحتج بما رُوي
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «في رجب ليلة كُتب للعامل
فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب.. »(15).
أقول: أمارات الوضع ظاهرة على هذا الحديث؛ فقد أجمع العلماء على أن أفضل ليلة في السنة ليلة القدر وهذا الخبر يخالف ذلك.
ومن بدع تلك الليلة:
الاجتماع وزيادة الوقيد والطعام. قال الشيخ علي القاري: «لا شك أنها بدعة
سيئة وفعلة منكرة لما فيها من إسراف الأموال والتشبه بعَبَدَة النار في
إظهار الأحوال» ا. هـ(16).
* صيام رجب:
رجب كغيره من الأشهر لم
يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح، بل يُشرع أن يصام منه الإثنين
والخميس والأيام البيض لمن عادتُه الصيام كغيره من الأشهر؛ أما إفراده
بذلك فلا.
أما ما يذكره الوعاظ
والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب كحديث «إن في رجب نهراً يقال له
رجب ماؤه أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل من صام يوماً من رجب شرب
منه» وهو حديث موضوع(17).
وحديث: «رجب شهر عظيم
يضاعف الله فيه الحسنات؛ فمن صام يوماً من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام
منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتح له
ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشر أيام لم يسأل الله إلا أعطاه، ومن
صام منه خمسة عشر يوماً نادى منادٍ في السماء: قد غفر لك ما مضى فاستأنف
العمل؛ ومن زاد زاده الله»(18).
وأختم بما ذكره الحافظان ابن القيم وابن حجر - رحمهما الله - تعالى - تلخيصاً لما ذكرناه:
قال ابن القيم: «كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى» ا. هـ(19).
وقال الحافظ ابن حجر: «لم
يـرد في فضـل شـهـر رجــب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن ولا في
قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة» ا. هـ(20).
أسأل الله - تعالى - بمنه
وكرمه أن يوفقنا لاتباع السنة واجتناب البدعة؛ إنه جواد كريم، والله -
تعالى - أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------------------------
(1) رواه البخاري (4662) ومسلم (1679).
(2) لطائف المعارف، ص 225.
(3) رواه أحمد 1/259،
والبزار (616 زوائد) والطبراني في الأوسط (3939) والبيهقي في الشعب
(3815) وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري قال البخاري:
(منكر الحديث) ا. هـ شعب الإيمان 3/375، وضعفه الحافظان ابن رجب وابن حجر
- رحمهما الله - تعالى -(لطائف المعارف، ص 234).
(4) رواه أحمد 5/76 وأبو
داود (2788) والنسائي (4224) والترمذي (1518) وقال الترمذي: هذا حديث حسن
غريب، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث بن عون ا. هـ وضعفه
ابن حزم (المحلى، 7/356) وعبد الحق كما في (تهذيب السنن 4/92) والخطابي
في (المعالم 4/94) وقال ابن كثير: «وقد تُكلم في إسناده» ا. هـ (التفسير
3/225).
(5) رواه البخاري (5474)
ومسلم (1976) (انظر: المحرر 1/250، المغني 9/367، المبدع، 3/ 306، فتح
الباري، 9/512، لطائف المعارف، ص 226، بدائع الصنائع، 5/62، البحر
الرائق، 8/197، قال أبو داود: قال بعضهم: الفَرَع: أول ما تنتج الإبل
كانوا يذبحونه لطواغيتهم، ثم يأكلونه، ويلقى جلده على الشجر. والعتيرة في
العشر الأول من رجب. (السنن، 3/104) وذهب بعض العلماء كابن سيرين وأبي
عبيد وإسحاق بن راهويه والشافعية إلى أن المنسوخ هو الوجوب. (المجموع،
8/335)، تهذيب السنن 4/94، لطائف المعارف، ص 226، الفروع، 3/415، المبدع،
3/ 306، وفتح الباري، 9/511، نيل الأوطار، 5/232، عون المعبود، 7/343.
تحفة الأحوذي، 5/85.
(6) (رواه البخاري، 1775).
(7) الموضوعات، 2/124.
(8) شرح مسلم، 8/20، الأدب في رجب، للقاري، ص 43 نيل الأوطار، 4/ 337.
(9) الباعث، لأبي شامة، ص 143.
(10) لطائف المعارف، ص 228.
(11) الموضوعات، لابن الجوزي، 2/126.
(12) انظر: خاتمة سفر السعادة، للفيروز أبادي، ص 150، التنكيت لابن همات، ص 97.
(13) الباعث، ص 232، ومواهب الجليل، 2/408.
(14) الباعث، ص 232، شرح مسلم للنووي، 2/ 209، تبيين العجب، ص 21. مواهب الجليل، 2/ 408.
(15) رواه البيهقي في الشعب، 3/374 وضعفه كما ضعفه الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (25) وقال القاري: «ضعيف جدا» الأدب في رجب، ص 48.
(16) الأدب في رجب، ص 46.
(17) رواه ابن الجوزي في الواهيات (912) وقال الذهبي» باطل». الميزان، 6/524.
(18) رواه البيهقي في
الشعب (3801) والطبراني في الكبير (5538) وعده الحافظ ابن حجر من
الأحاديث الباطلة (مواهب الجليل 2/408) وقال الهيثمي: «وفيه عبدالغفور ـ
يعني ابن سعيد ـ وهو متروك» ا. هـ. مجمع الزوائد، 3/ 188 وقد ذكر الحافظان
ابن الجوزي وابن حجر - رحمهما الله - تعالى -جملة من الأحاديث الباطلة
والموضوعة في فضائل شهر رجب (انظر مواهب الجليل، 2/ 408).
(19) المنار المنيف، ص 96.
(20) تبيين العجب، ص 11، (وانظر:لطائف المعارف، ص 228)
نايف بن أحمد الحمد
في هذه الأيام يكثر السؤال عن شهر رجب (فضله وصيامه..) ولعلِّي في هذه العجالة
أذكر بعض الأحكام المتعلقة بهذا الشهر مستعيناً بالله - تعالى -.
* رجب أحد الأشهر الحُرم:
قال - تعالى -: إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْـمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْـمُتَّقِينَ [التوبة: 36]، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، ورجب.عن أبي بكرة - رضي الله عنه -عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان»(1
وقد سُميت هذه الأشهر حُرماً لأمرين:
1 - لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو. لذا يُسمى رجب الأصم؛ لأنه لا يُنادى فيه: يا قوماه! أو لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح.
2 - ولأن تحريم انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها.
وسُمي رجبٌ رجباً؛ لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم(2).
* دعاء دخول رجب:
عن أنس - رضي الله عنه -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا دخل رجب: «اللهم بارك لنا
في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان»(3).
*ذبح العتيرة (الذبيحة) في رجب (الرجبية):
استحب بعض العلماء ذبح عتيرة في شهر رجب مستدلين بحديث مخنف بن سليم - رضي الله عنه - قال: «كناوقوفاً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات فسمعته يقول: يا أيها الناس! على أهل كل بيت في كل عام أضحية وعتيرة. هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية»(4).
والجمهور على أنها منسوخة
لما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - من أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «لا فَرَعَ ولا عَتِيرَة»(5).
* العمرة في رجب:
يخص بعض المسلمين شهر رجب
بعمرة ظناً منهم أن لها فضلاً وأجراً؛ والصحيح أن رجباً كغيره من
الأشـهر لا يُخَصُّ ولا يُقصد بأداء العمرة فيه، والفضل إنما يكون في أداء
العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع، ولم يثبت أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - اعتمر في رجب، وقد أنكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها(6).
* بدع شهر رجب:
من العبادات التي أحدثها الناس في شهر رجب ما يلي:
أولاً: صلاة الرغائب: وقد
جعلوهــا اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات يقرأ في
كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثاً، والإخلاص ثنتي عشرة مرة، وبعد
الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعين مرة
ويدعو بما شاء. وهي بلا شك بدعة منكرة وحديثها موضوع بلا ريب وذكره ابن
الجوزي في الموضوعات(7). وقال النووي - رحمه الله تعالى -: «واحتج به
العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب؛ قاتل الله
واضعها ومخترعها؛ فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها
منكرات ظاهرة. وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل
مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضليل فاعلها أكثر من أن تحصر»
ا. هـ(8).
وقال الخطابي - رحمه الله تعالى -: «حديث صلاة الرغائب جمع من الكذب والزور غير قليل» ا. هـ(9).
وقال الحافظ ابن رجب -
رحمه الله تعالى -: «فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص
به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب
وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء... وأول ما ظهرت بعد
الأربعمائة؛ فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها» ا. هـ(10).
ثانياً: صلاة النصف من رجب: ويعتمد الآخذون بها على الأحاديث الموضوعة(11).
ثالثاً: صلاة ليلة
المعراج: وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى: صلاة ليلة
المعراج وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيحاً لا من كتاب ولا
سنة(12).
ودعوى أن المعراج كان في
رجب لا يعضده دليل. قال أبو شامة - رحمه الله تعالى -: «ذكر بعض
القُصَّاص أن الإسراء كان في رجب؛ وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين
الكذب» ا. هـ(13).
وقال أبو إسحاق إبراهيم
الحربي - رحمه الله تعالى -: «أُسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول» ا. هـ(14).
ومن يصليها يحتج بما رُوي
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «في رجب ليلة كُتب للعامل
فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب.. »(15).
أقول: أمارات الوضع ظاهرة على هذا الحديث؛ فقد أجمع العلماء على أن أفضل ليلة في السنة ليلة القدر وهذا الخبر يخالف ذلك.
ومن بدع تلك الليلة:
الاجتماع وزيادة الوقيد والطعام. قال الشيخ علي القاري: «لا شك أنها بدعة
سيئة وفعلة منكرة لما فيها من إسراف الأموال والتشبه بعَبَدَة النار في
إظهار الأحوال» ا. هـ(16).
* صيام رجب:
رجب كغيره من الأشهر لم
يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح، بل يُشرع أن يصام منه الإثنين
والخميس والأيام البيض لمن عادتُه الصيام كغيره من الأشهر؛ أما إفراده
بذلك فلا.
أما ما يذكره الوعاظ
والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب كحديث «إن في رجب نهراً يقال له
رجب ماؤه أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل من صام يوماً من رجب شرب
منه» وهو حديث موضوع(17).
وحديث: «رجب شهر عظيم
يضاعف الله فيه الحسنات؛ فمن صام يوماً من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام
منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتح له
ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشر أيام لم يسأل الله إلا أعطاه، ومن
صام منه خمسة عشر يوماً نادى منادٍ في السماء: قد غفر لك ما مضى فاستأنف
العمل؛ ومن زاد زاده الله»(18).
وأختم بما ذكره الحافظان ابن القيم وابن حجر - رحمهما الله - تعالى - تلخيصاً لما ذكرناه:
قال ابن القيم: «كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى» ا. هـ(19).
وقال الحافظ ابن حجر: «لم
يـرد في فضـل شـهـر رجــب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن ولا في
قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة» ا. هـ(20).
أسأل الله - تعالى - بمنه
وكرمه أن يوفقنا لاتباع السنة واجتناب البدعة؛ إنه جواد كريم، والله -
تعالى - أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
----------------------------------------
(1) رواه البخاري (4662) ومسلم (1679).
(2) لطائف المعارف، ص 225.
(3) رواه أحمد 1/259،
والبزار (616 زوائد) والطبراني في الأوسط (3939) والبيهقي في الشعب
(3815) وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري قال البخاري:
(منكر الحديث) ا. هـ شعب الإيمان 3/375، وضعفه الحافظان ابن رجب وابن حجر
- رحمهما الله - تعالى -(لطائف المعارف، ص 234).
(4) رواه أحمد 5/76 وأبو
داود (2788) والنسائي (4224) والترمذي (1518) وقال الترمذي: هذا حديث حسن
غريب، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث بن عون ا. هـ وضعفه
ابن حزم (المحلى، 7/356) وعبد الحق كما في (تهذيب السنن 4/92) والخطابي
في (المعالم 4/94) وقال ابن كثير: «وقد تُكلم في إسناده» ا. هـ (التفسير
3/225).
(5) رواه البخاري (5474)
ومسلم (1976) (انظر: المحرر 1/250، المغني 9/367، المبدع، 3/ 306، فتح
الباري، 9/512، لطائف المعارف، ص 226، بدائع الصنائع، 5/62، البحر
الرائق، 8/197، قال أبو داود: قال بعضهم: الفَرَع: أول ما تنتج الإبل
كانوا يذبحونه لطواغيتهم، ثم يأكلونه، ويلقى جلده على الشجر. والعتيرة في
العشر الأول من رجب. (السنن، 3/104) وذهب بعض العلماء كابن سيرين وأبي
عبيد وإسحاق بن راهويه والشافعية إلى أن المنسوخ هو الوجوب. (المجموع،
8/335)، تهذيب السنن 4/94، لطائف المعارف، ص 226، الفروع، 3/415، المبدع،
3/ 306، وفتح الباري، 9/511، نيل الأوطار، 5/232، عون المعبود، 7/343.
تحفة الأحوذي، 5/85.
(6) (رواه البخاري، 1775).
(7) الموضوعات، 2/124.
(8) شرح مسلم، 8/20، الأدب في رجب، للقاري، ص 43 نيل الأوطار، 4/ 337.
(9) الباعث، لأبي شامة، ص 143.
(10) لطائف المعارف، ص 228.
(11) الموضوعات، لابن الجوزي، 2/126.
(12) انظر: خاتمة سفر السعادة، للفيروز أبادي، ص 150، التنكيت لابن همات، ص 97.
(13) الباعث، ص 232، ومواهب الجليل، 2/408.
(14) الباعث، ص 232، شرح مسلم للنووي، 2/ 209، تبيين العجب، ص 21. مواهب الجليل، 2/ 408.
(15) رواه البيهقي في الشعب، 3/374 وضعفه كما ضعفه الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (25) وقال القاري: «ضعيف جدا» الأدب في رجب، ص 48.
(16) الأدب في رجب، ص 46.
(17) رواه ابن الجوزي في الواهيات (912) وقال الذهبي» باطل». الميزان، 6/524.
(18) رواه البيهقي في
الشعب (3801) والطبراني في الكبير (5538) وعده الحافظ ابن حجر من
الأحاديث الباطلة (مواهب الجليل 2/408) وقال الهيثمي: «وفيه عبدالغفور ـ
يعني ابن سعيد ـ وهو متروك» ا. هـ. مجمع الزوائد، 3/ 188 وقد ذكر الحافظان
ابن الجوزي وابن حجر - رحمهما الله - تعالى -جملة من الأحاديث الباطلة
والموضوعة في فضائل شهر رجب (انظر مواهب الجليل، 2/ 408).
(19) المنار المنيف، ص 96.
(20) تبيين العجب، ص 11، (وانظر:لطائف المعارف، ص 228)