عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) .
تخريج الحديث
أخرجه ابن حبان في صحيحه ، و البزار في مسنده ، و البيهقي في شعب الإيمان ،
و ابن المبارك في كتاب الزهد ، و أبو نعيم في حلية الأولياء ، وصححه
الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار ، والشيخ الألباني في السلسلة .
فضيلة الخوف
أمر الله عباده بالخوف منه ، وجعله شرطاً للإيمان به
سبحانه فقال :{إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم
مؤمنين } (آل عمران 175) ، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله : {إن
الذين هم من خشية ربهم مشفقون }إلى أن قال : {أولئك يسارعون في الخيرات وهم
لها سابقون }(المؤمنون57 -61)، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في
الآخرة فقال :{ولمن خاف مقام ربه جنتان }( الرحمن 46).
وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها ، وأنها من أجل
المنازل وأنفعها للعبد ، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر .
من خاف أدلج
والخوف هو السوط الذي يسوق النفس إلى الله
والدار الآخرة ، وبدونه تركن النفس إلى الدعة والأمن وترك العمل اتكالاً
على عفو الله ورحمته ، فإن الآمن لا يعمل ، ولا يمكن أن يجتهد في العمل إلا
من أقلقه الخوف وأزعجه ، ولهذا قال من قال من السلف : " الخوف سوط الله
يقوم به الشاردين عن بابه ، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب " وقال آخرون : "
الناس على الطريق ما لم يزل الخوف عنهم ، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق " .
لا بد من الثلاثة معاً
ينبغي للعبد أن يجمع بين ثلاثة أمور : وهي المحبة والخوف
والرجاء ، فإن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر ، فالمحبة
رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد
الطيران ، ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فقد أصبح عرضة
لكل صائد وكاسر " ، والاقتصار على واحد من هذه الأمور الثلاثة دون الباقي
انحراف عن الجادة ، وخلل في السلوك ، فعبادة الله بالخوف وحده يورث اليأس
والقنوط وإساءة الظن بالله جل وعلا ، وهو مسلك الخوارج ، وعبادته بالرجاء
وحده يوقع في الغرور والأمن من مكر الله ، وهو مسلك المرجئة ، وعبادته
بالمحبة طريق إلى الزندقة والخروج من التكاليف ، وهو مسلك غلاة الصوفية
الذين يقولون لا نعبد الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ولكن حباً في
ذاته ، ولهذا قال السلف قولتهم المشهورة : " من عبد الله بالحب وحده فهو
زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ ـ أي خارجي ـ ومن عبده بالرجاء
وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد " .
ولكن السلف استحبوا أن يُغلَّب في حال الصحة جانب الخوف
على جانب الرجاء ، لأن العبد لا يزال في ميدان العمل ، وهو بحاجة ما يسوقه
إلى العمل ، وأما في حال الضعف والخروج من الدنيا ، فإن عليه أن يقوي جانب
الرجاء ، لأن العمل قد أوشك على الانتهاء ، وحتى يموت وهو يحسن الظن بالله
، وقد سبق الحديث عن مسألة الرجاء وحسن الظن بالله عند الكلام على حديث (
أنا عند ظن عبدي بي ) .
حقيقة الخوف ، ودرجاته
والخوف ليس مقصودا لذاته ، بل هو وسيلة لغيره ، ولهذا
يزول بزوال المخوف ، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومنه ما
هو محمود ومنه ما هو مذموم : فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين
محارم الله عز وجل ، قال بعض الحكماء : " ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه
بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه " ، ومنه قدر واجب ومستحب ، فالواجب منه
ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم ، فإن زاد على ذلك بحيث صار
باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل ، والبعد عن المكروهات ، وعدم التوسع
في فضول المباحات ، كان ذلك مستحباً ، فإن زاد على ذلك ، بحيث أدى إلى
اليأس والقنوط والمرض ، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف
المحُرَّم .
من كان بالله أعرف كان منه أخوف
وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه ، قال سبحانه :{إنما
يخشى الله من عباده العلماء }(فاطر 28) ، ولهذا كان نبينا - صلى الله عليه
وسلم - أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال : (لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على
الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي .
ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله
تعالى :{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة }(المؤمنون 60) ، هل هم الذين
يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون
ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ) رواه الترمذي ، قال الحسن :
"عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع
إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا " .
من أحوال الخائفين
ولو تأملت أحوال الصحابة والسلف والصالحين من هذه الأمة
لوجدتهم في غاية العمل مع الخوف ، وقد روي عنهم أحوال عجيبة تدل على مدى
خوفهم وخشيتهم لله عز وجل مع شدة اجتهادهم وتعبدهم .
فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول : " وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن " ،
وكان أسيفاً كثير البكاء ، وكان يقول : " ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا " ،
وكان إذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وكان عمر رضي الله
عنه يسقط مغشياً عليه إذا سمع الآية من القرآن ، فيعوده الناس أياماً لا
يدرون ما به ، وما هو إلا الخوف ، وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان
من البكاء ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكى حتى
تبتل لحيته ، ويقول : " لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر
بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير " ، وقرأ تميم الداري
ليلة سورة الجاثية فلما أتى على قول الله تعالى :{أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء
ما يحكمون }( الجاثـية 21) جعل يرددها ويبكى حتى أصبح ، وتتبع ما ورد من
أحوالهم أمر يطول ولكن حسبنا ما ذكرنا ففيه الكفاية إن شاء الله ، نسأل
الله أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة إنه جواد كريم
تخريج الحديث
أخرجه ابن حبان في صحيحه ، و البزار في مسنده ، و البيهقي في شعب الإيمان ،
و ابن المبارك في كتاب الزهد ، و أبو نعيم في حلية الأولياء ، وصححه
الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار ، والشيخ الألباني في السلسلة .
فضيلة الخوف
أمر الله عباده بالخوف منه ، وجعله شرطاً للإيمان به
سبحانه فقال :{إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم
مؤمنين } (آل عمران 175) ، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله : {إن
الذين هم من خشية ربهم مشفقون }إلى أن قال : {أولئك يسارعون في الخيرات وهم
لها سابقون }(المؤمنون57 -61)، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في
الآخرة فقال :{ولمن خاف مقام ربه جنتان }( الرحمن 46).
وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها ، وأنها من أجل
المنازل وأنفعها للعبد ، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر .
من خاف أدلج
والخوف هو السوط الذي يسوق النفس إلى الله
والدار الآخرة ، وبدونه تركن النفس إلى الدعة والأمن وترك العمل اتكالاً
على عفو الله ورحمته ، فإن الآمن لا يعمل ، ولا يمكن أن يجتهد في العمل إلا
من أقلقه الخوف وأزعجه ، ولهذا قال من قال من السلف : " الخوف سوط الله
يقوم به الشاردين عن بابه ، وما فارق الخوف قلباً إلا خرب " وقال آخرون : "
الناس على الطريق ما لم يزل الخوف عنهم ، فإذا زال الخوف ضلوا الطريق " .
لا بد من الثلاثة معاً
ينبغي للعبد أن يجمع بين ثلاثة أمور : وهي المحبة والخوف
والرجاء ، فإن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر ، فالمحبة
رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد
الطيران ، ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فقد أصبح عرضة
لكل صائد وكاسر " ، والاقتصار على واحد من هذه الأمور الثلاثة دون الباقي
انحراف عن الجادة ، وخلل في السلوك ، فعبادة الله بالخوف وحده يورث اليأس
والقنوط وإساءة الظن بالله جل وعلا ، وهو مسلك الخوارج ، وعبادته بالرجاء
وحده يوقع في الغرور والأمن من مكر الله ، وهو مسلك المرجئة ، وعبادته
بالمحبة طريق إلى الزندقة والخروج من التكاليف ، وهو مسلك غلاة الصوفية
الذين يقولون لا نعبد الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره ولكن حباً في
ذاته ، ولهذا قال السلف قولتهم المشهورة : " من عبد الله بالحب وحده فهو
زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ ـ أي خارجي ـ ومن عبده بالرجاء
وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد " .
ولكن السلف استحبوا أن يُغلَّب في حال الصحة جانب الخوف
على جانب الرجاء ، لأن العبد لا يزال في ميدان العمل ، وهو بحاجة ما يسوقه
إلى العمل ، وأما في حال الضعف والخروج من الدنيا ، فإن عليه أن يقوي جانب
الرجاء ، لأن العمل قد أوشك على الانتهاء ، وحتى يموت وهو يحسن الظن بالله
، وقد سبق الحديث عن مسألة الرجاء وحسن الظن بالله عند الكلام على حديث (
أنا عند ظن عبدي بي ) .
حقيقة الخوف ، ودرجاته
والخوف ليس مقصودا لذاته ، بل هو وسيلة لغيره ، ولهذا
يزول بزوال المخوف ، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومنه ما
هو محمود ومنه ما هو مذموم : فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين
محارم الله عز وجل ، قال بعض الحكماء : " ليس الخائف الذى يبكي ويمسح عينيه
بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه " ، ومنه قدر واجب ومستحب ، فالواجب منه
ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم ، فإن زاد على ذلك بحيث صار
باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل ، والبعد عن المكروهات ، وعدم التوسع
في فضول المباحات ، كان ذلك مستحباً ، فإن زاد على ذلك ، بحيث أدى إلى
اليأس والقنوط والمرض ، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف
المحُرَّم .
من كان بالله أعرف كان منه أخوف
وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه ، قال سبحانه :{إنما
يخشى الله من عباده العلماء }(فاطر 28) ، ولهذا كان نبينا - صلى الله عليه
وسلم - أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال : (لو
تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على
الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي .
ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله
تعالى :{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة }(المؤمنون 60) ، هل هم الذين
يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون
ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ) رواه الترمذي ، قال الحسن :
"عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع
إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا " .
من أحوال الخائفين
ولو تأملت أحوال الصحابة والسلف والصالحين من هذه الأمة
لوجدتهم في غاية العمل مع الخوف ، وقد روي عنهم أحوال عجيبة تدل على مدى
خوفهم وخشيتهم لله عز وجل مع شدة اجتهادهم وتعبدهم .
فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول : " وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن " ،
وكان أسيفاً كثير البكاء ، وكان يقول : " ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا " ،
وكان إذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وكان عمر رضي الله
عنه يسقط مغشياً عليه إذا سمع الآية من القرآن ، فيعوده الناس أياماً لا
يدرون ما به ، وما هو إلا الخوف ، وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان
من البكاء ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكى حتى
تبتل لحيته ، ويقول : " لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر
بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير " ، وقرأ تميم الداري
ليلة سورة الجاثية فلما أتى على قول الله تعالى :{أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء
ما يحكمون }( الجاثـية 21) جعل يرددها ويبكى حتى أصبح ، وتتبع ما ورد من
أحوالهم أمر يطول ولكن حسبنا ما ذكرنا ففيه الكفاية إن شاء الله ، نسأل
الله أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة إنه جواد كريم