إن تاريخ الهجرة من مكَّة إلى المدينة وما تضمَّنته هذه الهجرة من أحداث، كان
سبَبُها الرئيس كفَّارَ مكَّة وصناديدَها الذين دافعوا دعوته - صلَّى الله
عليه وسلَّم - وحاربوها، وحاولوا إجهاضها والتَّضييق على أصحابِها؛ ليكون
المتنفَّسُ الوحيد للهروب بِهذه الدعوة المباركة ونَشْرها في أرض البَركة
حيث يَأْرِز الإيمان.
ولعل المتأمِّل في أحداث الهجرة منذ خروجه
- صلَّى الله عليه وسلَّم - من بيته مع صاحبه الصِّدِّيق - -
ومُرورًا بأحداث الطريق والسَّفر والنُّزول بقباء، وحتَّى دخول المدينة
النبوية - يجد فيها دروسًا وعِبَرًا وفوائد لا يُمكن حصرها بين أسطر مقالي
المتواضع، وغرائبَ الأقدار والعجائب الربَّانيَّة التي تسمو معها النَّفْس
وتُحلِّق، كلَّما استزاد المسلم من التعمُّق في هذه السِّيرة التي لم
تنقطع أحداثها عبْر التاريخ؛ بل توجد ذكراها فينا منهجًا للإيمان والأخلاق
والحياة، وأوضِّح بعضًا من هذه الدُّروس والفوائد، وأكرِّر بعضًا منها في
موضوعي هذا؛ لعِلْمي بأنَّ هذا بحرٌ فياض واسع، لا ترى شواطئه المترامية.
وقبل الدُّخول إلى بعض هذه الدُّروس أَطْرَح هذا التَّساؤل:
المتأمِّل في قصَّة المعراج يعلم أن
النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قضى رحلته تلك اللَّيلةَ إلى
السَّماوات السبع حتَّى وصل إلى سِدْرة المنتهى، ليس مشيًا على الأقدام،
ولا حلمًا، بل يقظة، وهو آمِنٌ مَحْفوف بعناية ربِّه، فلماذا إذًا تَحمَّل العناء والتعب في هجرته إلى المدينة سيرًا على الأقدام أو على بعير؟ فلنتأمَّل دروسًا من الهجرة إذًا:
1- قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80].
عن ابن عبَّاس قال: "كان النبيُّ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - بِمكَّة، ثُمَّ أُمِر بالهجرة، فنَزَلت عليه الآية"؛
قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسنٌ صحيح، وقد أجْمعَتْ أغلب التَّفاسير
أنَّها نزلَتْ في الْهِجرة من مكَّة إلى المدينة، ومنها تفسير "الجلالين"، "القرطبي"، "الطبري"، تفسير "فتح القدير"، "تفسير البغوي"،
وبالتفكُّر في هذا التعليم الربانِيِّ للنبِي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
في الطَّلب نُدْرِك أنَّه ضمانٌ من الله للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
- بالدُّخول آمِنًا إلى المدينة قبل الخروج من مكَّة.
2- أورد المباركفوري في "الرَّحيق المختوم":
"نزل جبْريلُ - عليه السَّلام - إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بوحْيٍ من ربِّه - تبارك وتعالى - فأخبره بِمُؤامرة قريش، وأنَّ الله قد
أذن له في الْخُروج، وحدَّد له وقْت الْهِجرة، وبيَّن له خُطَّة الردِّ على
قريش، فقال: لا تبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه".
3- وفي "الرحيق المختوم":
عن أُمِّنا عائشة - ا - أنَّها قالت: "بينما نحن جلوس في بيت
أبي بكر في نَحر الظَّهيرة، قال قائلٌ لأبي بكر: هذا رسولُ الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - متقنِّعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو
بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلاَّ أَمْر".
المتأمِّل في المواقف السابقة وفيما أُشير إليه بلون مختلف يجد أن فيها أمورًا مهمَّة:
أ) أنَّ فيها ضماناتٍ بالنَّجاة: ومنها:
1- قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ [الإسراء: 80]... الآية.
2- أنَّ الوحي أخبَر النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّ قريشًا تتآمر عليه، وطلب منه ألاَّ ينام في فراشه ليلة الهجرة.
3-
خروجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من بيته مخترقًا صفوف المشركين المتآمرين
على قتله تلك الليلةَ، وأخْذُه حفنةً من البطحاء، فجعل يذرُّه على
رؤوسِهم، وقد أخذ الله أبصارَهم عنه، فلا يرونه، وهو يتلو: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 9].
ب) أنَّ فيها توكُّلاً وحُسنَ ظنٍّ بالله، مع بذْل الأسباب، ومنها:
1- تقَنُّعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو ذاهبٌ لبيت الصديق؛ حتَّى لا يُعرف.
2- خروجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقت الظهيرة كنوعٍ من عدم لفت الأنظار؛ لأنَّها غير عادته.
3- طلبه من أبي بكر - - إخراجَ أيِّ شخص؛ لسرِّية الحديث.
4- خروجه باتِّجاه اليمن، ومِن ثَمَّ العودة إلى خطِّ المدينة؛ للتمويه وتضليل الكفار.
5-
عن أنس بن مالك - - أنَّ أبا بكر الصديق - -
قال: نظرْتُ إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلتُ: يا رسول
الله، لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدَمِه أبصرَنا، فقال: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك
باثنين الله ثالثهما))؛ متفق عليه.
6- مكْثُه في الغار حتَّى تَهدأ قريش، وتُخفِّف، أو تَكُفَّ عن البحث.
ت) ونتعلم من هذه الواقعة التاريخية الدينية أمورًا، منها:
1- إذا
نزلت أقدار الله على العبد بِما لا يحبه العبد من البلاء، فلا بدَّ من
الصبر عليها، مع عدم الاعتراض على قَضاء الله - جلَّ وعلا - لأن قضاءه
يستوجب الإيمان والصبْرَ احتسابًا، وليرحَمنا بِهذه الأقدار من عذابِ
وخزْيِ الآخرة إنْ تعامَلْنا معها بشكْلٍ يُحبُّه الله ويرضاه.
3- أنَّ الْهجرة تُعلِّمنا الاستبشار وعدم اليأس وحُسْنَ الظنِّ بالله - جلَّ وعلا -: ﴿ إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
4- وأن النصر مع الصبْر، وأنَّ مع العسر يسرًا.
اللهم إنا نسألك الثبات على اليقين والإيمان، وأن تُبلِّغنا الفردوس الأعلى من الجنان، ونحن على منهج الإسلام وسنَّة المصطفى العَدْنان.
سبَبُها الرئيس كفَّارَ مكَّة وصناديدَها الذين دافعوا دعوته - صلَّى الله
عليه وسلَّم - وحاربوها، وحاولوا إجهاضها والتَّضييق على أصحابِها؛ ليكون
المتنفَّسُ الوحيد للهروب بِهذه الدعوة المباركة ونَشْرها في أرض البَركة
حيث يَأْرِز الإيمان.
ولعل المتأمِّل في أحداث الهجرة منذ خروجه
- صلَّى الله عليه وسلَّم - من بيته مع صاحبه الصِّدِّيق - -
ومُرورًا بأحداث الطريق والسَّفر والنُّزول بقباء، وحتَّى دخول المدينة
النبوية - يجد فيها دروسًا وعِبَرًا وفوائد لا يُمكن حصرها بين أسطر مقالي
المتواضع، وغرائبَ الأقدار والعجائب الربَّانيَّة التي تسمو معها النَّفْس
وتُحلِّق، كلَّما استزاد المسلم من التعمُّق في هذه السِّيرة التي لم
تنقطع أحداثها عبْر التاريخ؛ بل توجد ذكراها فينا منهجًا للإيمان والأخلاق
والحياة، وأوضِّح بعضًا من هذه الدُّروس والفوائد، وأكرِّر بعضًا منها في
موضوعي هذا؛ لعِلْمي بأنَّ هذا بحرٌ فياض واسع، لا ترى شواطئه المترامية.
وقبل الدُّخول إلى بعض هذه الدُّروس أَطْرَح هذا التَّساؤل:
المتأمِّل في قصَّة المعراج يعلم أن
النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قضى رحلته تلك اللَّيلةَ إلى
السَّماوات السبع حتَّى وصل إلى سِدْرة المنتهى، ليس مشيًا على الأقدام،
ولا حلمًا، بل يقظة، وهو آمِنٌ مَحْفوف بعناية ربِّه، فلماذا إذًا تَحمَّل العناء والتعب في هجرته إلى المدينة سيرًا على الأقدام أو على بعير؟ فلنتأمَّل دروسًا من الهجرة إذًا:
1- قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80].
عن ابن عبَّاس قال: "كان النبيُّ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - بِمكَّة، ثُمَّ أُمِر بالهجرة، فنَزَلت عليه الآية"؛
قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسنٌ صحيح، وقد أجْمعَتْ أغلب التَّفاسير
أنَّها نزلَتْ في الْهِجرة من مكَّة إلى المدينة، ومنها تفسير "الجلالين"، "القرطبي"، "الطبري"، تفسير "فتح القدير"، "تفسير البغوي"،
وبالتفكُّر في هذا التعليم الربانِيِّ للنبِي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
في الطَّلب نُدْرِك أنَّه ضمانٌ من الله للنبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
- بالدُّخول آمِنًا إلى المدينة قبل الخروج من مكَّة.
2- أورد المباركفوري في "الرَّحيق المختوم":
"نزل جبْريلُ - عليه السَّلام - إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بوحْيٍ من ربِّه - تبارك وتعالى - فأخبره بِمُؤامرة قريش، وأنَّ الله قد
أذن له في الْخُروج، وحدَّد له وقْت الْهِجرة، وبيَّن له خُطَّة الردِّ على
قريش، فقال: لا تبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه".
3- وفي "الرحيق المختوم":
عن أُمِّنا عائشة - ا - أنَّها قالت: "بينما نحن جلوس في بيت
أبي بكر في نَحر الظَّهيرة، قال قائلٌ لأبي بكر: هذا رسولُ الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - متقنِّعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو
بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلاَّ أَمْر".
المتأمِّل في المواقف السابقة وفيما أُشير إليه بلون مختلف يجد أن فيها أمورًا مهمَّة:
أ) أنَّ فيها ضماناتٍ بالنَّجاة: ومنها:
1- قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾ [الإسراء: 80]... الآية.
2- أنَّ الوحي أخبَر النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنَّ قريشًا تتآمر عليه، وطلب منه ألاَّ ينام في فراشه ليلة الهجرة.
3-
خروجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من بيته مخترقًا صفوف المشركين المتآمرين
على قتله تلك الليلةَ، وأخْذُه حفنةً من البطحاء، فجعل يذرُّه على
رؤوسِهم، وقد أخذ الله أبصارَهم عنه، فلا يرونه، وهو يتلو: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 9].
ب) أنَّ فيها توكُّلاً وحُسنَ ظنٍّ بالله، مع بذْل الأسباب، ومنها:
1- تقَنُّعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو ذاهبٌ لبيت الصديق؛ حتَّى لا يُعرف.
2- خروجه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقت الظهيرة كنوعٍ من عدم لفت الأنظار؛ لأنَّها غير عادته.
3- طلبه من أبي بكر - - إخراجَ أيِّ شخص؛ لسرِّية الحديث.
4- خروجه باتِّجاه اليمن، ومِن ثَمَّ العودة إلى خطِّ المدينة؛ للتمويه وتضليل الكفار.
5-
عن أنس بن مالك - - أنَّ أبا بكر الصديق - -
قال: نظرْتُ إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلتُ: يا رسول
الله، لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدَمِه أبصرَنا، فقال: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك
باثنين الله ثالثهما))؛ متفق عليه.
6- مكْثُه في الغار حتَّى تَهدأ قريش، وتُخفِّف، أو تَكُفَّ عن البحث.
ت) ونتعلم من هذه الواقعة التاريخية الدينية أمورًا، منها:
1- إذا
نزلت أقدار الله على العبد بِما لا يحبه العبد من البلاء، فلا بدَّ من
الصبر عليها، مع عدم الاعتراض على قَضاء الله - جلَّ وعلا - لأن قضاءه
يستوجب الإيمان والصبْرَ احتسابًا، وليرحَمنا بِهذه الأقدار من عذابِ
وخزْيِ الآخرة إنْ تعامَلْنا معها بشكْلٍ يُحبُّه الله ويرضاه.
3- أنَّ الْهجرة تُعلِّمنا الاستبشار وعدم اليأس وحُسْنَ الظنِّ بالله - جلَّ وعلا -: ﴿ إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ
وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
4- وأن النصر مع الصبْر، وأنَّ مع العسر يسرًا.
اللهم إنا نسألك الثبات على اليقين والإيمان، وأن تُبلِّغنا الفردوس الأعلى من الجنان، ونحن على منهج الإسلام وسنَّة المصطفى العَدْنان.