3-الليلة الثالثة : ليلية وفاتك :
وأما الليلة الثالثة فهي الليلة التي تفارق فيها هذه الحياة إلى حياة أخرى , هي الليلة التي توضع فيها في قبرك ويتولى عنك الأهل والخلان والأحباب والأموال والمناصب , ويبقى معك عملك الذي قدمته , قال تعالى : \" يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ\".
فتخيل نفسك وأنت في قبرك وحيداً فريداً , لا أنيس ولا جليس ولا رفيق ولا صاحب ولا زوجة ولا والد ولا والدة ولا ولد ولا أعوان ولا حراس , وقد جردت من الثياب وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب وتركت الأصحاب , قال سبحانه :\" ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ\". قال الشاعر :
فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون
القبر أول ليلة *** بالله قل ما يكون؟
كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، إِذَا وَفَفَ عَلَى قَبْرٍ ، يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلاَ تَبْكِي ، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ منْهُ.قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ ، إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ.أخرجه ابن ماجة.
قال الأَصْمَعِيِّ ؛ قَالَ : بَعَثَ إِلَيَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَقَدْ زَخْرَفَ مَجَالِسَهُ وَبَالَغَ فيها وفي بنائها ، وَضَعَ فِيهَا طَعَامًا كَثِيرًا ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى أَبِي الْعَتَاهِيَةِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : صِفْ لَنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَعِيمِ هَذِهِ الدُّنْيَا ؛ فَأَنْشَأَ يَقُولُ :
عِشْ مَا بَدَا لَكَ سَالِمًا * * * فِي ظِلِّ شَاهِقَةِ الْقُصُورِ
فَقَالَ : أَحْسَنْتَ ! ثُمَّ مَاذَا ؟ فَقَالَ :
يُسْعَى عَلَيْكَ بِمَا اشْتَهَيْتُ * * * لَدَى الرَّوَاحِ وَفِي الْبُكُورِ
فَقَالَ : أَحْسَنْتَ أَيْضًا ! ثُمَّ مَاذَا ؟ فَقَالَ :
فَإِذَا النُّفُوسُ تَقَعْقَعَتْ * * * فِي ضِيقِ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ
فَهُنَاكَ تَعْلَمُ مُوقِنًا * * * مَا كُنْتَ إِلا فِي غُرُورِ
فَبَكَى هَارُونُ ، فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى : بَعَثَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِتُسِرَّهُ فَأَحْزَنْتَهُ ! فَقَالَ هَارُونُ : دَعْهُ ؛ فَإِنَّهُ رَآنَا فِي عَمًى فَكَرِهَ أَنْ يَزِيدَنَا عَمًى .ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم.
وكان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة ، ويُروى أنَّه حفر في بيته حفرة ، فكان إذا وجد في قلبه قساوةً دخل فيها ، وكان يمثل نفسه أنَّه قد مات وندم وسأل الرجعة ، فيقول : ( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ) ، ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , قَالَ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلاَّهُ , فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ , قَالَ : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى , فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ , الْمَوْتِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ تَكَلَّمَ فِيهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ , وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ , وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ , وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ , فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ , قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً , أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ , فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ , فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ , قَالَ : فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرَهِ , وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ , وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ , أَوِ الْكَافِرُ , قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : لاَ مَرْحَبًا وَلاَ أَهْلاً , أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ , فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ , فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ , قَالَ : فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ ، وَتَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصَابِعِهِ , فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ , قَالَ : وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا , لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ ، مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا , فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ , حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ. قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ , أَوْ حُفْرَةٌمِنْ حُفَرِ النَّارِ.أخرجه التِّرْمِذِي.
قال الشاعر:
يا من بدنياهُ اشتغلْ * * * وغَرَّهُ طولُ الأملْ
الموتُ يأتيْ بغتةً * * * والقبرُ صندوقُ العملْ
فما عليك – أيها الحبيب – إلا أن تتذكر هذه الحقائق : عندما تولد يؤذن فيك من غير صلاة .. وعندما تموت يصلى عليك من غير أذان ..عندما تولد لا تعلم من الذي أخرجك من بطن أمك .. وعندما تموت لا تعلم من الذي حملك على الأكتاف ..عندما ولدت تغسَّل وتنظَّف .. وعندما تموت تغسَّل وتنظَّف .. عندما تولد يفرح بك والديك وأهلك .. وعندما تموت يبكي عليك والديك وأهلك...عندما كنت في بطن أمك كنت في مكان ضيِّق وظلمة .. وعندما تموت تكون في مكان ضيِّق وظلمة .. عندما وُلِدت يغطى عليك بالقماش لكي يستروك .. وعندما تموت تكفن بالقماش لكي يستروك عندما ولدت وكبرت يسألك الناس عن شهادتك وخبراتك .. وعندما تموت لا تسأل إلا عن عملك فقط .. فهل أعددت للسؤال جواباً ؟؟.
ويقال : إن الأرض تنادي كل يوم فتقول: يا ابن آدم تمشي على ظهري ومصيرك في بطني!!.
يا ابن آدم تأكل الألوان على ظهري ، وتأكلك الديدان في بطني !.
يا ابن آدم تضحك على ظهري، فسوف تبكي في بطني !.
يا ابن آدم تفرح على ظهري ، فسوف تحزن في بطني !.
يا ابن آدم تذنب على ظهري فسوف تعذب في بطني!.
كان عمر بن الخطاب يتمثل:
لا شيء مما ترى تبقى بشاشته * * * يبقى الإله ويودي المال والولد
لم تغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه * * * والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له * * * والإنس والجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت لعزتها * * * من كل أوبٍ إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذبٍ * * * لابد من ورده يوماً كما وردوا
وكان الحسن يقول: ابن آدم إنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم.ابن آدم: ذنبك ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى فإنما هي نار لا تطفأ وجسمٌ لا يبلى ونفسٌ لا تموت. حلية الأولياء.
- فيا ترى هل أعددت نفسك لأول ليلة في قبرك ؟ .
روى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بن مالك قَالَ : \" كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبْرِ ، قَالَ : فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ ، قَالَ : فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ، ثُمَّ قَالَ : إِخْوَانِي , لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ، فَأَعِدُّوا \". وفي رواية : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَِنَازَةٍ ، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ، ثُمَّ قَالَ : يَا إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا. أخرجه أحمد و"ابن ماجة\"
عن عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدّثُ قَالَ قُمْت مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، قَالَ فَرَأَيْت شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ قَالَ فَاتّبَعْتهَا أَنْظُرُ إلَيْهَا ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِذَا عَبْدُ اللّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ الْمُزَنِيّ قَدْ مَاتَ وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدَلّيَانِهِ إلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَدْنِيَا إلَيّ أَخَاكُمَا ، فَدَلّيَاهُ إلَيْهِ فَلَمّا هَيّأَهُ لِشِقّهِ قَالَ اللّهُمّ إنّي أَمْسَيْت رَاضِيًا عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ . قَالَ يَقُولُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ الْحُفْرَةِ. سيرة ابن هشام.
قال الشاعر :
تاللهِ لو عاشَ الفتى فـي دهـــرِه ** * ألفًا مِنَ الأعوامِ مَالِكَ أمــرِهِ
مـتلذذًا معهـم بكلِّ لذيـذةٍ ** * مـتـنعمًا بالعيـشِ مـدةَ عُـمــرِهِ
لا يَعـتـريـهِ الهمُّ طـولَ حياتِـه ** * كلا.. ولا تَرِدُ الهمـومُ بصــدرِهِ
مـا كـان ذلـك كلُّـهُ فـي أنْ يَفـي ** * بمبيتِ أولِ ليلـةٍ فـي قـبــرِهِ
- هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها في القبر فيرجع كل من كان يشيعك ويبقى لك عملك ؟ .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ. أخرجه أحمد. والبُخَارِي و\"مسلم\" التِّرْمِذِيّ\" .
عندما يُقبِلْ عليك ليل أول يوم في قبرك ينادي عليك مالك الملك و ملك الملوك يقول لك:,يا ابن آدم رجعوا وتركوك في التراب دفنوك ولو ظلّوا معك ما نفعوك, ولمْ يبقَ لك إلا أنا الحيّ الذي لا أموت.
قال عطاء الخراساني : أرحم ما يكون الرب بعبده . إذا دخل في قبره و تفرق الناس عنه و أهله.
كان أبو سليمان الداراني يقول في دعائه : يا من لا يأنس بشيء أبقاه ، و لا يستوحش من شيء أفناه ، و يا أنيس كل غريب ، ارحم في القبر غربتي ، و يا ثاني كل وحيد ، آنس في القبر وحدتي .
إذا الرجال ولدت أولادها * * * وبليت من كبر أجسادها
وأصبحت أمراضها تعتادها * * * تلك زروع قد دنا حصادها
يروى أن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها عدة ملوك وبادوا فقال هل بقي من نسل هؤلاء الملوك أحد فقيل له ما بقي منهم إلا رجل واحد يكون في هذا المقابر فدعا به فلما حضر قال له ما الذي حملك على لزوم المقابر قال أردت أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدت الكل سواء فقال له الإسكندر هل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف أبائك إن كانت لك همة فقال إن لي همة عظيمة فإن كان بغيتي عندك تبعتك قال ما بغيتك قال حياة لا موت فيها وشباب ليس معه هرم وغنى ليس معه فقر وسرور ليس معه مكروه قال ليس ذلك عندي فقال وأي خير أرجوه عندك إن لم يكن عندك هذه الأشياء فامض لشأنك ودعني أطلب ذلك ممن يملكه وممن هو عنده ثم عاد إلى مكانه. الاشبيلي : العاقبة في ذكر الموت.
- هل أعدت نفسك لليلة قد فارقت فيها أموالك وأحبابك وكل ما تملك ؟
أخرج الدِيَنَوري وابن عساكر عن كُمَيل بن زياد قال: خرجت مع علي بن أبي طالب فلما أشرف على الجبَّان التفت إلى المقبرة فقال: يا أهل القبور، يا أهل البِلى، يا أهل الوحشة: ما الخبر عندكم؟ فإن الخبر عندنا قد قُسمت الأموال، وأُيتمت الأولاد، واستُبدل بالأزواج، فهذا الخبر عندنا؛ فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إليَّ فقال: يا كُمَيل لو أُذن لهم في الجواب لقالوا: إنَّ خيرا لزاد القتوى. ثم بكى وقال: يا كميل، القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر. المجالسة وجواهر العلم, أخرجه ابن عساكر . قال البستي :
لكل شيء إذا ما تم نقصان * * * فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ * * * من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد * * * ولا يدوم على حال لها شانُ
- هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها فيضمك القبر ضمة تختلف منها أضلاعك ؟ .
عَنْ عَائِشَةَ. عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:إن لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ احَد نَاجِيا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذ.أخرجه أحمد.
وعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذَا الَّذِى تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ النسائي ، وفي \"الكبرى\" . قال الحسن: تحرك له العرش فرحًا بروحه. انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة.
قال الشاعر :
ضعوا خدي على التراب ضعوه *** ومن عفــر التراب فوســدوه
وشـقوا عـنـه أكفاناً رقاقاً*** وفي الرمس البعيد فغــيبوه
فلو أبصـرتــمــوه إذا تقضت *** صبيحة ثالث أنكرتموه
وقد سالت نواظر مقلتيه*** على وجناته وانفض فوه
وناداه البلا هذا فلان*** هلموا فانظروا هل تعرفوه
حبيبكم وجاركم المفدى*** تقادم عهده فنسيتموه
دخل قيس بن أبي حازم على أحد خلفاء بني أمية ، فقال الخليفة : ما لنا نكره الموت ، ونحب الحياة ، يا أبا حازم ؟ قال : لأنكم عمرتم الدنيا ، وخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من العمار إلى الخراب .
- هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها في قبرك وتعاد روحك إلى جسدك لتسأل عن ربك وعن دينك وعن نبيك ؟ .
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ ، وَلَمَّا يُلْحَدُ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، مَرَّتَيْنِ ، أَوْ ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، بِيضُ الْوُجُوهِ ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ، قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا ، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، قَالَ : فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ ، يَعْنِي بِهَا ، عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللهُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينِيَ الإِسْلاَمُ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ : وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ ، سُودُ الْوُجُوهِ ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ، قَالَ : فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ ، فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ ، فِي الأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ثُمَّ قَرَأَ : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) ، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ ، هَاهْ ، لاَ أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ ، قَبِيحُ الثِّيَابِ ، مُنْتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ. أخرجه أحمد و\"أبو داود\" و\"ابن ماجة\" و\"النَّسائي\" ، وفي \"الكبرى\".
قال المتنبي :
أبني أبينا نحن أهل منازل * * * أبداً غراب البين فيها ينعقُ
نُبقي على الدنيا وما من معشرٍ* * * جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الأولى* * * كنزوا الكنوز فلا بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه * * * حتى ثوى فحواه لحدٌ ضيق
خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا* * * أن الكلام لهم حلالٌ مطلقُ
- هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها في القبر فيصير لك إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار؟ .
َقالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ , أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.أخرجه التِّرْمِذِي .
قال أبو غالب : كنت أختلف إلى أبي أمامة الباهلي بالشام ، فدخلت يوماً على فتى مريض من جيران أبي أمامة وعنده عم له وهو يقول : يا عدو الله ، ألم آمرك ؟ ألم أنهك ؟ فقال الفتى : يا عماه لو أن الله دفعني إلى والدتي : كيف كنت صانعة بي ؟ قال : تدخلك الجنة . قال : الله أرحم بي من والدتي ، وقبض الفتى ، فدخلت القبر مع عمه ، فلما أن سواه صاح و فزع . قلت له مالك ؟ قال : فسح له في قبره ، و ملئ نوراً .
قال الشاعر :
ما للمقابر لا تجيب *** إذا دعاهن الكئيب
حفر مسقفة عليهن *** الجنادل والكثيب
فيهن ولدان وأطفال *** وشبان وشيب
كم من حبيب لم تكن *** نفسي بفرقته تطيب
غادرته في بعضهن *** مجندلاً وهو الحبيب
وسلوت عنه وإنما *** عهدي برؤيته قريب
روي عن سلمان الفارسي أنه قال ما من يوم إلا وملك الموت ينادي يا أهل الدنيا عجلوا عجلوا لأن أهل القبور محبوسون من أجلكم اتركوا ما جمعتم وخربوا ما بنيتم الويل لكم إن أدرككم الموت على هذه الحالة زينتم الدور ونسيتم القبور. ابن الجوزي. - هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها في قبرك ويبكي أهلك عليك ولو بكوا طوال عمرهم ما رجعت إليهم؟ .
مات الحسن ابن الحسين من أولاد على ابن ابي طالب وأرضاه وكان عنده زوجة وأطفال وكان في الشباب , الحسن ابن الحسين مات فجأة ، نقلوه إلى المقبرة فوجدت عليه امرأته وحزنت حزنا لا يعلمه إلا الله , خذت أطفالها وضربت خيمة حول القبر ( وهذا ليس من عمل الإسلام ولولا أن مؤرخو الإسلام ذكروه ما ذكرته ) ضربت خيمة حول القبر وأقسمت بالله لتبكيا هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة , هلع عظيم وحزن بائس , وبقيت تبكي فلما وفت سنة أخذت إطناب الخيمة وحملتها وأخذت أطفالها في الليل , فسمعت هاتفا يقول لصاحبه في الليل : هل وجدوا ما فقدوا ؟ هل وجدوا ما فقدوا ؟ فرد عليه هاتف آخر قال : لا ، بل يئسوا فانقلبوا . إحياء علوم الدين. روى ابن عبد البر في : \" المجالسة وجواهر العلم\" عَنْ مَكِّيِّ بْنِ قُمَيْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ؛ أَنَّهُ قَالَ:
أَتَيْتُ الْقُبُورَ فَنَادَيْتُهَا * * * أَيْنَ الْمُعَظَّمُ وَالْمُحْتَقَرْ
وَأَيْنَ الْمُدِلُّ بِسُلْطَانِهِ * * * وَأَيْنَ المزكَّى إِذَا مَا افْتَخَرْ
قَالَ : فَنُودِيتُ مِنْ بَيْنِهَا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا :
تَفَانَوْا جَمِيعًا فَمَا مُخْبِرٌ * * * وَمَاتُوا جَمِيعًا وَمَاتَ الْخَبَرْ
تَرُوحُ وتغدو بناتُ الثَّرى * * * فَتَمْحُوا مَحَاسِنَ تِلْكَ الصُّوَرْ
فَيَا سَائِلِي عَنْ أُنَاسٍ مَضَوْا * * * أَمَا لَكَ فِيمَا تَرَى مُعْتَبَرْ
- هل أعددت نفسك لليلة توضع فيها في قبرك ولن تمض ساعات عليك إلا وقد خرج منك النتن والعفن ؟.
كان عمر بن عبد العزيز أميراً من أمراء الدولة الأموية، يغيّر الثوب في اليوم أكثر من مرة، الذهب والفضة عنده، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، كل ما اشتهى وطلب وتمنى تحت يده، وعندما تولى الخلافة وأصبح مسئولاً عن المسلمين، انسلخ من ذلك كله؛ لأنه تذكّر أول ليلة في القبر.
وقف على المنبر، فبكى يوم الجمعة، وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم، قالوا: ما نريد إلا أنت، فتولاها، وهو كاره، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد، قالوا لزوجته: مال عمر؟ قالت: والله ما ينام الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين، الطفل والأرملة.
قال له أحمد العلماء: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة وفي صحة وفي عافية، فمالك تغيّرت، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال لهذا العالم وهو ابن زياد: كيف يا ابن زياد، لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب، وأتوسد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب، كيف لو رأيتني بعد ثلاث.. والله لرأيت منظراً يسوءك.
قال الشاعر :
تفكر في مشيبك والمآب *** ودفنك بعد عزك في التراب
إذا وافيت قبراً أنت فيه *** تقيم به إلى يوم الحساب
وفي أوصال جسمك حين تبقى *** مقطعةً ممزقةً الإهاب
فلولا القبر صار عليك ستراً *** لأنتنتِ الأباطح والرَّواب
خُلقنا للممات ولو تُركنا *** لضاق بنا الفسيح من الرحاب
ينادى في صبيحة كل يوم *** لدوا للموت وابنوا للخراب
كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: \"ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم.. من الموت موعده.. والقبر بيته.. والثرى فراشه.. والدود أنيسه.. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر.. كيف يكون حاله؟!\"، ثم بكي . ومر رجل مسافر بغلام في صحراء فقال له يا غلام أين العمران فقال له اصعد الرابية تشرف على العمران فصعد فأشرف على قبور فرجع إليه فقال سألتك عن العمران فدللتني على القبور فقال إني رأيت أهل هذه الدنيا ينقلون إلى تلك ولم أر أحدا من تلك ينقل إلى هذه وإنما ينتقل من الخراب إلى العمران ولو سألتني عما يواريك ويواري دابتك لدللتك عليه. الاشبيلي : العاقبة في ذكر الموت.
أيها الحبيب .. كم من ظالم تعدى وجار، فما راعي الأهل ولا الجار، بينا هو عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار فاعتبروا يا أولي الأبصار .
ما صحبه سوى الكفن، إلى بيت البلى والعفن، ولو رأيته وقد حلت به المحن، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار فاعتبروا يا أولي الأبصار .
أين مجالسة العالية؟ أين عيشته الصافية؟ أين لذاته الخالية؟ كم كم تسفى على قبره سافية!! ذهبت العين وأخفيت الآثار فاعتبروا يا أولي الأبصار .
تقطعت به جميع الأسباب، وهجره القرناء والأتراب، وصار فراشه الجندل والتراب، وربما فتح له في اللحد باب إلى النار فاعتبروا يا أولي الأبصار.
نادم بلا شك ولا خفا، باك على ما زل وهفا، يود أن صافي اللذات ما صفا، وعلم انه كان يبني على شفا جرف هار فاعتبروا يا أولي الأبصار.