المرأة بين جاهليتين
-----------------------
الأسرة والمجتمع
المرأة
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 – تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء 2 – تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها للرجال في بعض الأمور 3 – انسياق بعض النساء وراء المرأة الغربية 4 – التحذير من التبرج والخلوة 5 – فتن يجر بعضها بعضاً
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، وقوموا بما كلفكم الله تعالى به من رعاية أهليكم، وأحسنوا رعاية من استرعاكم الله إياهم، ويكون ذلك بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه.
عباد الله!
لقد درس أعداء الإسلام أحوال المسلمين، وتعرفوا على أماكن القوة ومواطن الضعف في شخصية المسلمين، ثم اجتهدوا في توهين نواحي القوة وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وخبث؛ فعلموا أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، وعلموا أنها سلاح ذو حدين، وأنها قابلة لأن تكون أخطر أسلحة الفتنة والتدمير، ومن هنا كان لها النصيب الأكبر من حجم المؤامرات الكثيرة التي ترى بوادرها في مجتمعات المسلمين يوماً بعد آخر.
عباد الله!
ولقد حذر النبي من فتنة النساء:
فعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ؛ قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))(1).
وعن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد ، عن النبي ؛ أنه قال: ((ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر عل الرجال من النساء))(2).
وقد كان للمرأة المسلمة دور رائع في بناء الصرح الإسلامي.
وقد انتفعت الأمة بهذا الحد النافع من سلاح المرأة في قرونها الأخيرة، ثم لم تلبث الحال أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجرحت الأمة بالحد المهلك من سلاح المرأة.
عباد الله!
إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة الهينة، وليست بالمشكلة الجديدة؛ لأن الفاسقة منهن شرك الشياطين وحبائل الشر، يصطاد بهن كل خفيف الدين مسلوب المروءة.
ولذلك قال النبي : ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان))(3).
فاتقوا الله عباد الله! واحذروا هذه الفتنة التي حذر منها النبي واقضوا على أسباب الشر قبل أن تقضي عليكم، وسدوا أبواب الفساد قبل أن تنهار عليكم.
إن الإسلام قد كرم المرأة أما وزوجة وبنتاً، و أعطاها حقوقها كاملة، مما لم تظفر به امرأة فى غير الإسلام، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء.
وإذا نظرنا إلى حال المرأة قبل الإسلام؛ علمنا تكريم الإسلام للمرأة؛ فالمرأة قبل الإسلام كانت محتقرة مهانة، حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، وكانت عندهم كسقط المتاع، تباع وتشترى في الأسواق؛ مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال إلى غير ذلك من الذل والمهانة.
لما أشرق نور الاسلام، رفع عن المرأة ما أحيطت به من الآصار والأغلال، بل رفع مكانها وأعلى منزلتها فجعلها قسيمة الرجل، لها ما لها من الحقوق وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها وعلى الرجل بما اختص به من الرجولة والقوة والجلد وبسطة اليد أن يلي رياستها:
قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة [البقرة:228]. وتلك هي الرعاية والحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق.
وقال : ((إنما النساء شقائق الرجال))(4).
ولقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في جزاء الآخرة:
قال تعالى: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:97].
ولقد أتت أسماء بنت يزيد بن السكن ا النبي ، فقالت: إنى يا رسول الله رسول من ورائي من النساء، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء؛ فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدورات قواعد في البيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد؛ حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم؛ أنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه، وقال: ((هل رأيتم امرأة أعظم سؤالاً منها))، فقال رسول الله لها: ((انصرفي يا أسماء! وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته؛ يعدل كل ما ذكرت للرجال)) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قاله النبي .
عباد الله!
هذا نموذج من تكريم الإسلام للمرأة، والنماذج كثيرة.
ولكن؛ لنتساءل عباد الله عن واقع المرأة المسلمة اليوم هل هي متمسكة بدين الإسلام أم أنها صريعة الجاهلية؟!
والحق يقال – وليس على سبيل التعميم: - إن بعض النساء قد رفضت تكريم الإسلام لها، وأصبحت صريعة لجاهلية هذا القرن؛ فاندفعت اندفاعاً محموماً وراء كل سراب، وعاشت واقعاً مريراً.
والمؤلم في هذا الواقع المرير أن المرأة قد رضيت أن تؤلف نقطة الضعف؛ فهى ملقية برضى منها إلى التيار، يقذف بها حيث اتجه وسار دون أن تفكر في المقاومة، وساعد في إمداد التيار الهشيم تخلي بعض الرجال عن مراقبتهم على النساء، وترك الحبل على الغارب لهن، والمقروء والمسموع.
ولم تفكر من انساقت من النساء خلف تلك التيارات في حال المرأة الغربية، و ما تعيش من شقاء وتعاسة؛ حيث كانت المرأة في الغرب فريسة للذئاب من البشر؛ عبثوا بكرامتها، وتاجروا بها، وأصبحت صورة المرأة شيئاً قد ألفوه لرواج الكاسد من البضائع والمجلات.
ولكن بعض نساء المسلمين أعجبن بحال نساء الغرب، فحدث ما لا تحمد عقباه؛ حدث في مجتمعات المسلمين وفي نساء المسلمين تبرج النساء، وهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال، فظهر بين نساء المسلمين من تكشف وجهها أمام الرجال؛ ليروا مفاتنها، فتستيقظ الفتنة النائمة، ووجد من تجعل خمارها قصيراً لا يستر نحرها، ووجد من تضع مادة النشاء في خمارها عند غسله ليبدو واقفاً مكشوفاً شعر رأسها وشفافاً خمارها، ووجد في نساء المسلمين من جعلت ثيابها تلفت النظر إليها؛ لكثرة زخرفتها، أو لضيقها، أو لشفافيتها، حتى وجد من بين النساء من تجعل الثوب ضيقاً، وأكمامه شفافة جداً، ونحرها مكشوفاً، ووجد بين نساء المسلمين من تجعل الثوب قصيراً لا يستر قدميها أو تجعل فتحات على ساقيها، وكل ذلك جرياً وراء أحدث ما ظهر من لباس الكافرات، الذي تحمله إلينا المجلات الوافدة المسماة بمجلات الأزياء!! أو ما يصممه الخياطون الذين غالبهم من غير المسلمين، ويتربصون بنساء المسلمين الدوائر.
ألا فلتعلم المرأة المسلمة أن هذه الأعمال لا تجوز، وأنها تجر إلى الهاوية.
وقد أخبر بمصير من تعمل ذلك من النساء:
فعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله : ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر؛ يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(5).
قال بعض العلماء: معنى (كاسيات عاريات): التي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها، وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقا يصف لون بدنها.
وهان على كثير من نساء المسلمين الخروج إلى الأسواق دونما ضرورة، والخلوة بالرجال الأجانب في المحلات والسيارات.
وشجع على هذا بعض الآباء بفعله وبذل ماله من أجله؛ فاستقدم سائقاً شاباً يافعاً أجنبياً، وقد يكون كافراً، وجعله تحت إمرة النساء الصغار والكبار، يذهب بهن حيث شئن؛ دون حسيب ولا رقيب؛ فإن نظرت إلى أبواب المدارس؛ وجدت السائقين وحدهم ينتظرون بنات في ريعان الشباب، وليس معهم أحد، وإن نظرت إلى الأسواق؛ وجدت السائقين ينتظرون من وضعوا فيها من النساء ليحملوهم، والمرأة تتقلب من تبرج إلى خلوة، وحدث ولا حرج من سقوط الآداب.
عباد الله!
وهناك أمر يغفل عنه بعض الناس، وهو أن بعض المزارعين يستقدمون عمالاً، ثم يتركونهم يعملون في مزارعهم، وفي حين قطف الثمار يومياً يضمون معهم أهليهم لمساعدتهم، فيكون العامل في وسط النساء بحجة جمع المحصول، وقد يذهب الرجل ليبيع ما جمعوا، ثم يبقون في مكان واحد لإكمال العمل، وهذه خلوة الشيطان يحضر فيها ويسول، وقد يحدث مالا تحمد عقباه، ثم يندم من فعل ذلك، ولات ساعة مندم، ثم يقول بعد فوات الأوان: لا بارك الله بعد العرض بالمال.
عباد الله!
لقد أصبحت المرأة في هذا الزمن كالكرة، تتناولها أيدي اللاعبين، وتتهاوى في كل اتجاه.
لقد بات وضع المرأة المسلمة في مهب الأعاصير، فليس من الحكمة أن يترك زمامه للأمواج تقذف به حيث يشاء أولو الأهواء، ولا ريب أن الواجب يضع على كل عاتق نصيبه من المسؤولية، لا يستثنى من ذلك صغير ولا كبير كل على حسب استطاعته.
عباد الله!
إنى أخاطب أولياء الأمور، وأقول لهم: تذكروا قول الله تعالى: الرجال قوامون على النساء [النساء:34]. وتذكروا أنهن رعيتكم، وستسألون عنهن يوم القيامة، وتذكروا قول الرسول : ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان))(6)، وقولوا: سمعنا وأطعنا. وتذكروا أن التوبة تجب ما قبلها، وأنه إن استمرت الحال على ما نرى، فسنحصد النتيجة مرة، وعندها لا ينفع الندم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
__________
(1) إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى في أنفسكم وفيمن تحت أيديكم من الذكور والإناث، وقوموا عليهم بما أمركم الله به، واعلموا أن السفور مطية للفجور، وأن المعاصي كلها سبب كل شر وبلاء، وهي تجر أمثالها.
عن النواس بن سمعان، عن رسول الله ، قال: ((ضرب الله مثلا صراطاً مستقيماً، وعن جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعند رأس الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجوا، و فوق ذلك داع يدعو، كلما هم عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب؛ قال: ويحك! لا تفتحته؛ فإنك إن تفتحه..)) ثم فسره فأخبر: ((أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، وأن الداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن))(1).
عباد الله!
ومعلوم أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها؛ فكلما فرط من العبد معصية؛ قالت أخرى إلى جانبها: اعملني معها … وهكذا؛ حتى تصير المعاصي صفات لازمة؛ بحيث لو عطل المسيء سيئاته؛ لضاقت عليه نفسه، وأحس كأنه السمك إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه.
قال بعض العلماء: من أعطى أسباب الفتنة نفسه أولاً؛ لم ينج آخراً.
عباد الله!
إننا في زمن قد ادلهمّ ليله، وأظلم نهاره، وفقد بعض الناس شخصيته المميزة؛ فبات بعض الناس كل ما يستطيعونه هو تقليد الغرب مزرعة الرذائل، وأقبلوا يعدون وراءه دون وعي، وتلقوا كل أخطائه الاجتماعية بالقبول والتطبيق، واستحسنوها بعد أن طبقوها، ثم عملوا على نشرها في بلاد المسلمين، فاغرقوا دنيا المرأة بكل ما لاكه الغرب؛ بدءً بفتح محلات الخياطة غير المحتشمة، ومروراً بمحلات التجميل للنساء، وانتهاء بالمجلات التي تعنى بالمرأة، حتى نقضوا عرى الأخلاق عند بعض النساء، ونزعوا الحياء.
ثم بعد ذلك بدأ الزحف لنقض عرى الأخلاق عند الشباب، وتمييع أخلاقهم، ونزع الحياء، فنقلوا ما في بلاد الغرب من انحلال إلى بلاد المسلمين، وفاخروا بذلك؛ لزعمهم أنهم حازوا قصب السبق، فبدأت الشرارة الأولى في هذه الأيام بانتشار محلات التجميل للشباب، ولا تستغربوا هذا؛ فليس ضرباً من الخيال أو المبالغة، فلقد وصل إلي ما يثبت ذلك؛ فقد وصل إلي إعلان عن فتح محل حلاقة للرجال في هذا البلد ما يقوم به ذلك المحل: فرد الشعر، تنظيف وإزالة الحبوب من الوجه، جميع قصات الشعر، وجميع المتطلبات.
عباد الله!
إن الكفار لا يألون جهداً في إفساد أخلاق المسلمين؛ فالدولة وفقها الله فتحت المدارس لتعليم الشباب وتربيتهم تربية إسلامية، ولكن بعض الناس أبوا أن ينحوا هذه التربية التي يتلقاها الشباب في المدرسة أو البيت.
عباد الله!
والله؛ لو أن هذا للنساء؛ لقلنا كثير فكيف بحق الرجال الذين يطلب منهم الشهامة والرجولة؟!
إن تلك المجالات وأمثالها داعية إلى فساد الأخلاق عند الشباب، إني من هنا أدعو صاحب ذلك المحل أن يتقي الله، ويغلق أسباب الفساد، وينتبه لما يدبره الكفار، وكما أني أدعو الشباب إلى نبذ هذه السخافات وهجرها والتحذير منها، أدعو من يهمه الأمر أن يستدرك قبل فوات الأوان.
عباد الله!
إن الناظر في واقع المجتمع المسلم اليوم يرى أنه تكالبت عليه الأعداء بغية إفساده، ويعجب من وقوف المسلمين حائرين أمام تلك الأسلحة؛ ينتظرون أن تفتك بهم.
فيا من جعلتم لمجتمعنا وسائل الفساد للأخلاق! اتقوا الله فينا، اتقوا الله في شبابنا، اتقوا الله في نسائنا، واخشوا أن يحل بنا العقوبة!!
ألم نتعظ بما وقع من الزلازل والخسف والفيضانات والرياح العاتية؟!
أننتظر حجارة من السماء؟!
وأنتم يا أولياء أمور النساء والشباب مسؤولون بالدرجة الأولى عما ضيعتم من فتيات في ريعان الشباب في الأسواق يحادثن الفساق، ويركبن مع السائقين وحدهن، ويقفن على الخياطين، وشباب يتكسرون ويعيشون الضياع.
(1) رواه الامام احمد في " المسند" (4142، 4437) ، والحاكم (2/368)، من حديث النواس بن سمعان.
(2) 2 رواه البخارى.
(3) 3 رواه مسلم.
(4) 4 أحمد وابو داود والترمذي.
(5) 5 رواه مسلم
(6) 6 الحديث أخرجه الترمذي في (الرضاع) وفى (الفتن 7/2165) من حديث عمر وهو جزء من حديث طويل: ((لا يخلو رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان)) وقال الترمذى :"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"
وراه احمد في "المسند" (رقم 114-177)والحاكم في الايمان من طرق صحيحة فالحديث صحيح.
-----------------------
الأسرة والمجتمع
المرأة
-----------------------
صالح الونيان
بريدة
جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1 – تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء 2 – تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها للرجال في بعض الأمور 3 – انسياق بعض النساء وراء المرأة الغربية 4 – التحذير من التبرج والخلوة 5 – فتن يجر بعضها بعضاً
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى، وقوموا بما كلفكم الله تعالى به من رعاية أهليكم، وأحسنوا رعاية من استرعاكم الله إياهم، ويكون ذلك بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه.
عباد الله!
لقد درس أعداء الإسلام أحوال المسلمين، وتعرفوا على أماكن القوة ومواطن الضعف في شخصية المسلمين، ثم اجتهدوا في توهين نواحي القوة وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكر ودهاء وخبث؛ فعلموا أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي، وعلموا أنها سلاح ذو حدين، وأنها قابلة لأن تكون أخطر أسلحة الفتنة والتدمير، ومن هنا كان لها النصيب الأكبر من حجم المؤامرات الكثيرة التي ترى بوادرها في مجتمعات المسلمين يوماً بعد آخر.
عباد الله!
ولقد حذر النبي من فتنة النساء:
فعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي ؛ قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))(1).
وعن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد ، عن النبي ؛ أنه قال: ((ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر عل الرجال من النساء))(2).
وقد كان للمرأة المسلمة دور رائع في بناء الصرح الإسلامي.
وقد انتفعت الأمة بهذا الحد النافع من سلاح المرأة في قرونها الأخيرة، ثم لم تلبث الحال أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجرحت الأمة بالحد المهلك من سلاح المرأة.
عباد الله!
إن مشكلة النساء ليست بالمشكلة الهينة، وليست بالمشكلة الجديدة؛ لأن الفاسقة منهن شرك الشياطين وحبائل الشر، يصطاد بهن كل خفيف الدين مسلوب المروءة.
ولذلك قال النبي : ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان))(3).
فاتقوا الله عباد الله! واحذروا هذه الفتنة التي حذر منها النبي واقضوا على أسباب الشر قبل أن تقضي عليكم، وسدوا أبواب الفساد قبل أن تنهار عليكم.
إن الإسلام قد كرم المرأة أما وزوجة وبنتاً، و أعطاها حقوقها كاملة، مما لم تظفر به امرأة فى غير الإسلام، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء.
وإذا نظرنا إلى حال المرأة قبل الإسلام؛ علمنا تكريم الإسلام للمرأة؛ فالمرأة قبل الإسلام كانت محتقرة مهانة، حتى سموها رجساً من عمل الشيطان، وكانت عندهم كسقط المتاع، تباع وتشترى في الأسواق؛ مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف في المال إلى غير ذلك من الذل والمهانة.
لما أشرق نور الاسلام، رفع عن المرأة ما أحيطت به من الآصار والأغلال، بل رفع مكانها وأعلى منزلتها فجعلها قسيمة الرجل، لها ما لها من الحقوق وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وفطرتها وعلى الرجل بما اختص به من الرجولة والقوة والجلد وبسطة اليد أن يلي رياستها:
قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة [البقرة:228]. وتلك هي الرعاية والحياطة، لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق.
وقال : ((إنما النساء شقائق الرجال))(4).
ولقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في جزاء الآخرة:
قال تعالى: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:97].
ولقد أتت أسماء بنت يزيد بن السكن ا النبي ، فقالت: إنى يا رسول الله رسول من ورائي من النساء، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء؛ فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معشر النساء مقصورات مخدورات قواعد في البيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد؛ حفظنا لهم أموالهم، وربينا أولادهم؛ أنشاركهم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت رسول الله بوجهه إلى أصحابه، وقال: ((هل رأيتم امرأة أعظم سؤالاً منها))، فقال رسول الله لها: ((انصرفي يا أسماء! وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لموافقته؛ يعدل كل ما ذكرت للرجال)) فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبر استبشاراً بما قاله النبي .
عباد الله!
هذا نموذج من تكريم الإسلام للمرأة، والنماذج كثيرة.
ولكن؛ لنتساءل عباد الله عن واقع المرأة المسلمة اليوم هل هي متمسكة بدين الإسلام أم أنها صريعة الجاهلية؟!
والحق يقال – وليس على سبيل التعميم: - إن بعض النساء قد رفضت تكريم الإسلام لها، وأصبحت صريعة لجاهلية هذا القرن؛ فاندفعت اندفاعاً محموماً وراء كل سراب، وعاشت واقعاً مريراً.
والمؤلم في هذا الواقع المرير أن المرأة قد رضيت أن تؤلف نقطة الضعف؛ فهى ملقية برضى منها إلى التيار، يقذف بها حيث اتجه وسار دون أن تفكر في المقاومة، وساعد في إمداد التيار الهشيم تخلي بعض الرجال عن مراقبتهم على النساء، وترك الحبل على الغارب لهن، والمقروء والمسموع.
ولم تفكر من انساقت من النساء خلف تلك التيارات في حال المرأة الغربية، و ما تعيش من شقاء وتعاسة؛ حيث كانت المرأة في الغرب فريسة للذئاب من البشر؛ عبثوا بكرامتها، وتاجروا بها، وأصبحت صورة المرأة شيئاً قد ألفوه لرواج الكاسد من البضائع والمجلات.
ولكن بعض نساء المسلمين أعجبن بحال نساء الغرب، فحدث ما لا تحمد عقباه؛ حدث في مجتمعات المسلمين وفي نساء المسلمين تبرج النساء، وهو إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال، فظهر بين نساء المسلمين من تكشف وجهها أمام الرجال؛ ليروا مفاتنها، فتستيقظ الفتنة النائمة، ووجد من تجعل خمارها قصيراً لا يستر نحرها، ووجد من تضع مادة النشاء في خمارها عند غسله ليبدو واقفاً مكشوفاً شعر رأسها وشفافاً خمارها، ووجد في نساء المسلمين من جعلت ثيابها تلفت النظر إليها؛ لكثرة زخرفتها، أو لضيقها، أو لشفافيتها، حتى وجد من بين النساء من تجعل الثوب ضيقاً، وأكمامه شفافة جداً، ونحرها مكشوفاً، ووجد بين نساء المسلمين من تجعل الثوب قصيراً لا يستر قدميها أو تجعل فتحات على ساقيها، وكل ذلك جرياً وراء أحدث ما ظهر من لباس الكافرات، الذي تحمله إلينا المجلات الوافدة المسماة بمجلات الأزياء!! أو ما يصممه الخياطون الذين غالبهم من غير المسلمين، ويتربصون بنساء المسلمين الدوائر.
ألا فلتعلم المرأة المسلمة أن هذه الأعمال لا تجوز، وأنها تجر إلى الهاوية.
وقد أخبر بمصير من تعمل ذلك من النساء:
فعن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله : ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر؛ يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(5).
قال بعض العلماء: معنى (كاسيات عاريات): التي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً لجمالها، وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقا يصف لون بدنها.
وهان على كثير من نساء المسلمين الخروج إلى الأسواق دونما ضرورة، والخلوة بالرجال الأجانب في المحلات والسيارات.
وشجع على هذا بعض الآباء بفعله وبذل ماله من أجله؛ فاستقدم سائقاً شاباً يافعاً أجنبياً، وقد يكون كافراً، وجعله تحت إمرة النساء الصغار والكبار، يذهب بهن حيث شئن؛ دون حسيب ولا رقيب؛ فإن نظرت إلى أبواب المدارس؛ وجدت السائقين وحدهم ينتظرون بنات في ريعان الشباب، وليس معهم أحد، وإن نظرت إلى الأسواق؛ وجدت السائقين ينتظرون من وضعوا فيها من النساء ليحملوهم، والمرأة تتقلب من تبرج إلى خلوة، وحدث ولا حرج من سقوط الآداب.
عباد الله!
وهناك أمر يغفل عنه بعض الناس، وهو أن بعض المزارعين يستقدمون عمالاً، ثم يتركونهم يعملون في مزارعهم، وفي حين قطف الثمار يومياً يضمون معهم أهليهم لمساعدتهم، فيكون العامل في وسط النساء بحجة جمع المحصول، وقد يذهب الرجل ليبيع ما جمعوا، ثم يبقون في مكان واحد لإكمال العمل، وهذه خلوة الشيطان يحضر فيها ويسول، وقد يحدث مالا تحمد عقباه، ثم يندم من فعل ذلك، ولات ساعة مندم، ثم يقول بعد فوات الأوان: لا بارك الله بعد العرض بالمال.
عباد الله!
لقد أصبحت المرأة في هذا الزمن كالكرة، تتناولها أيدي اللاعبين، وتتهاوى في كل اتجاه.
لقد بات وضع المرأة المسلمة في مهب الأعاصير، فليس من الحكمة أن يترك زمامه للأمواج تقذف به حيث يشاء أولو الأهواء، ولا ريب أن الواجب يضع على كل عاتق نصيبه من المسؤولية، لا يستثنى من ذلك صغير ولا كبير كل على حسب استطاعته.
عباد الله!
إنى أخاطب أولياء الأمور، وأقول لهم: تذكروا قول الله تعالى: الرجال قوامون على النساء [النساء:34]. وتذكروا أنهن رعيتكم، وستسألون عنهن يوم القيامة، وتذكروا قول الرسول : ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان))(6)، وقولوا: سمعنا وأطعنا. وتذكروا أن التوبة تجب ما قبلها، وأنه إن استمرت الحال على ما نرى، فسنحصد النتيجة مرة، وعندها لا ينفع الندم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
__________
(1) إن الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى في أنفسكم وفيمن تحت أيديكم من الذكور والإناث، وقوموا عليهم بما أمركم الله به، واعلموا أن السفور مطية للفجور، وأن المعاصي كلها سبب كل شر وبلاء، وهي تجر أمثالها.
عن النواس بن سمعان، عن رسول الله ، قال: ((ضرب الله مثلا صراطاً مستقيماً، وعن جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعند رأس الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجوا، و فوق ذلك داع يدعو، كلما هم عبد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب؛ قال: ويحك! لا تفتحته؛ فإنك إن تفتحه..)) ثم فسره فأخبر: ((أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، وأن الداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن))(1).
عباد الله!
ومعلوم أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها؛ فكلما فرط من العبد معصية؛ قالت أخرى إلى جانبها: اعملني معها … وهكذا؛ حتى تصير المعاصي صفات لازمة؛ بحيث لو عطل المسيء سيئاته؛ لضاقت عليه نفسه، وأحس كأنه السمك إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه.
قال بعض العلماء: من أعطى أسباب الفتنة نفسه أولاً؛ لم ينج آخراً.
عباد الله!
إننا في زمن قد ادلهمّ ليله، وأظلم نهاره، وفقد بعض الناس شخصيته المميزة؛ فبات بعض الناس كل ما يستطيعونه هو تقليد الغرب مزرعة الرذائل، وأقبلوا يعدون وراءه دون وعي، وتلقوا كل أخطائه الاجتماعية بالقبول والتطبيق، واستحسنوها بعد أن طبقوها، ثم عملوا على نشرها في بلاد المسلمين، فاغرقوا دنيا المرأة بكل ما لاكه الغرب؛ بدءً بفتح محلات الخياطة غير المحتشمة، ومروراً بمحلات التجميل للنساء، وانتهاء بالمجلات التي تعنى بالمرأة، حتى نقضوا عرى الأخلاق عند بعض النساء، ونزعوا الحياء.
ثم بعد ذلك بدأ الزحف لنقض عرى الأخلاق عند الشباب، وتمييع أخلاقهم، ونزع الحياء، فنقلوا ما في بلاد الغرب من انحلال إلى بلاد المسلمين، وفاخروا بذلك؛ لزعمهم أنهم حازوا قصب السبق، فبدأت الشرارة الأولى في هذه الأيام بانتشار محلات التجميل للشباب، ولا تستغربوا هذا؛ فليس ضرباً من الخيال أو المبالغة، فلقد وصل إلي ما يثبت ذلك؛ فقد وصل إلي إعلان عن فتح محل حلاقة للرجال في هذا البلد ما يقوم به ذلك المحل: فرد الشعر، تنظيف وإزالة الحبوب من الوجه، جميع قصات الشعر، وجميع المتطلبات.
عباد الله!
إن الكفار لا يألون جهداً في إفساد أخلاق المسلمين؛ فالدولة وفقها الله فتحت المدارس لتعليم الشباب وتربيتهم تربية إسلامية، ولكن بعض الناس أبوا أن ينحوا هذه التربية التي يتلقاها الشباب في المدرسة أو البيت.
عباد الله!
والله؛ لو أن هذا للنساء؛ لقلنا كثير فكيف بحق الرجال الذين يطلب منهم الشهامة والرجولة؟!
إن تلك المجالات وأمثالها داعية إلى فساد الأخلاق عند الشباب، إني من هنا أدعو صاحب ذلك المحل أن يتقي الله، ويغلق أسباب الفساد، وينتبه لما يدبره الكفار، وكما أني أدعو الشباب إلى نبذ هذه السخافات وهجرها والتحذير منها، أدعو من يهمه الأمر أن يستدرك قبل فوات الأوان.
عباد الله!
إن الناظر في واقع المجتمع المسلم اليوم يرى أنه تكالبت عليه الأعداء بغية إفساده، ويعجب من وقوف المسلمين حائرين أمام تلك الأسلحة؛ ينتظرون أن تفتك بهم.
فيا من جعلتم لمجتمعنا وسائل الفساد للأخلاق! اتقوا الله فينا، اتقوا الله في شبابنا، اتقوا الله في نسائنا، واخشوا أن يحل بنا العقوبة!!
ألم نتعظ بما وقع من الزلازل والخسف والفيضانات والرياح العاتية؟!
أننتظر حجارة من السماء؟!
وأنتم يا أولياء أمور النساء والشباب مسؤولون بالدرجة الأولى عما ضيعتم من فتيات في ريعان الشباب في الأسواق يحادثن الفساق، ويركبن مع السائقين وحدهن، ويقفن على الخياطين، وشباب يتكسرون ويعيشون الضياع.
(1) رواه الامام احمد في " المسند" (4142، 4437) ، والحاكم (2/368)، من حديث النواس بن سمعان.
(2) 2 رواه البخارى.
(3) 3 رواه مسلم.
(4) 4 أحمد وابو داود والترمذي.
(5) 5 رواه مسلم
(6) 6 الحديث أخرجه الترمذي في (الرضاع) وفى (الفتن 7/2165) من حديث عمر وهو جزء من حديث طويل: ((لا يخلو رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان)) وقال الترمذى :"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"
وراه احمد في "المسند" (رقم 114-177)والحاكم في الايمان من طرق صحيحة فالحديث صحيح.