الحمد لله منشئ السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، نحمده سبحانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". (اصبر و لا تحزن) وهي رسالة لكل مهموم ومغموم ومحزون، تقول له: اصبر و لا تحزن!. وهي خطاب لكل مصاب ومبتلى، وكل من سحقته المشقة والعناء، تقول له: اصبر و لا تحزن!! وهي نداء لكل من أحدقت به المصائب، وأحاطت به النكبات، وخنقته الأزمات، تقول له: اصبر و لا تحزن!! وهي أمل لكل من أثقلته الديون، وعضَّه الفقر، وأمضته الحاجة، وأحاطت به البأساء، تقول له: اصبر و لا تحزن!! وهي مواساة لمن أقعده المرض، ونغص عيشه السقم، وأقض مضجعه الألم، وشرد نومه اليأس، تقول له: اصبر و لا تحزن!! وهي عزاء لمن أُوصِدت عليه الأبواب، ولمن ذاق مرارة الغربة، واحتسى كأس الفراق، تقول له: اصبر و لا تحزن!!!! الصبر عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه )). وعن جابر بن عبدالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ". فمن آمن بالقدر عرف أن كل شيء يقع وفق علم الله وحكمته، فإذا أصابه الضر، فإنه يصبر ولا يجزع، وإن أصابه الخير فإنه يحمد الله تعالى ولا يتكبر. واعلم يا عبد الله! إن بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِي، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد السجن حرية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، وينقشع الظلام: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وأفضل العبادة: انتظار الفرج، الأيام دُوَل، والدهر قُلَّب، والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً: وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. دع المقادير تجري في أعنتها * ولا تنام إلا خالي البالِ*ما بين غمضة عين وانتباهتها * يغير الله من حال إلى حالِ.... فاصبر و لا تحزن و لا تيأس... وانظر إلى يعـقوب علـيه السـلام يقـول لأبنائه: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً). وفي كتاب الله آية عظيمة وكفى بها واعظة عند وقوع المصائب قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ، علاج ناجع لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة.. ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويدخل قبره فردا كما خلق أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات، فمن صبر واحتسب إيماناً ورضى بقضاء الله يجد الثواب الجزيل في ذلك اليوم.. قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الصبرُ معناهُ حَبسُ النفسِ وقهرُها على مكروهٍ تَتحملهُ أو لَذيذٍ تُفارقهُ, على مال تفقده أو كلام يألمك تسمعه. فاعلم أخي و يا أختي أن الصبر عدة المؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصبر ضياء)، وقال صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر).. والصبر أمر بإجماع علماء الأمة، قال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وقال الله تبارك وتعالى لنبيه: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، فيا أيها العبد المؤمن: إذا لقيت عنتًا ومشقة، وسخرية واستهزاء، و جُعلت الأصابع في الآذان، واستُغشيت الثياب، وزاد الإصرار والاستكبار، وكثر الطعن، وضاقت نفسك، فلا تحزن ولا تيأس، إن الله يعلم بدلك، وإليه يرد كل شيء. يعلم ويسمع: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير. يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. ومن الناس من يحزن على الماضي و المستقبل فنصيحتي لي و لك: إن تذكرُ الماضي والتفاعل معه والحزن لمآسيه، قنوطٌ وجنونٌ، وقتلٌ للإرادة، إن ملف الماضي عند العقلاء يُطوَى ولا يُروَى، لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، لا الغم يصححه!. القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ذكر الله الأمم وما فعلت، ثم قال: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ.. وقال لأوليائه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ... انتهى الأمر، قضيت المسألة لا طائل من تشريح جثة الزمان... ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا؛ لأن هذا هو المحال بعينه. فلا تخالف سنة الحياة. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها... فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم، وكأنك ولدت فيه وتموت فيه، لليوم هذا الذي أنت فيه تعيش تزرع فيه الخير، تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، ترضى فيه برزقك، فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ... لليوم فقط سأعيش... يومك. يومك! اترك غداً حتى يأتيك، ولا تسأل عن أخباره، لا تنتظر زحوفه؛ لأنك مشغول باليوم. وإن تعجب، فعجب هؤلاء الذي يقترضون الهَمَّ نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسُه، فحذارِ من طول الأمل! لا تستبق الأحداث، إن غداً مفقود لا حقيقة له، ولا ندري هل يُحال بيننا وبينه أو نلقاه؟، المهم أنه في عالم الغيب، لم يصل إلى الأرض بعد.... لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى * ولا زاجرات الطير ما الله صانعُ * لا يعلم الغيب إلا الله، فانتظر موعودك مع الحياة، وكن سعيداً بيومك. إن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم، والذي لا يدري متى يموت، لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له. اترك غداً حتى يأتيك، لا تسأل عن أخباره. دعها سماوية تجري على قدر*لا تفسدنها برأي منك منكوس * سهرت أعين ونامت عيونٌ * في شئون تكون أو لا تكونُ * إن رباً كفاك ما كان بالأمس * سيكفيك في غدٍ ما يكونُ * وانْ كانت عِيْنَك خالفتْ لذة النومْ * آنت تنام وخالقك ما ينام.. جف القلم، رُفعت الصحف، قُضي الأمر، كتبت المقادير: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا... (ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك). جف القلم بما أنت لاقٍ، فلا تذهب نفسك حسرات،.. على رغمي ورغمك سوف يقع المقدور، وينفذ القضاء، ويحل المكتوب فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. آن لك أن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجن المؤمن، وأنها دار الأحزان والنكبات. فعليك أن توطن نفسك، فاحمد الله على لطفه، واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ، وتَعَزَّ بمن حولك. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ. إن عمر الدنيا قصير، وكنزها حقير، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى فاصبر ولا تحزن! خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل سار منها بغير الطيب والكفنِ. صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس). اللهم ارزقنا صبراً على طاعتك وارزقنا صبراً عن معصيتك وارزقنا صبراً على ما نكره.. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أخي المؤمن, أختي المؤمنة إذا وجدت الطريق إلى ربك فقد وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به؛ فقد فقدت كل شيء، إن دعاءك لربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى فوق حصول المطلوب. كل الحبال تتصرم إلا حبله، كل الأبواب توصد إلا بابه، كل الطرق تغلق إلا طريقه، وهو قريب سميع مجيب يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ. يقول سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ . يا أحد! يا صمد! يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! يا رحمن يا رحيم! نسألك أن تذهب عنا الهم والغم والحزَن والكدر والوصب والنصَب. اللهم إنا نعوذ بك من الشقاء والشَقوة. اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الصابرين الشاكرين، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. ربنا أتنا في الدنيا حسنة