يوم يعضّ الظالم على يديه
الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، نحمده تعالى حث على الأخوة وحذر من الجفاء، ونشكره على حال السراء والضراء، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه عن الأنداد والشركاء، وتعالى عن الأمثال والنظراء، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابته الأتقياء, والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلّم تسليماً كثيرًا.. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الملك العلام، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام وجذوة تنير القلوب والأفهام، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ. أيها الأخوة المؤمنون؛ إذا عُرِضت لكم الدنيا فاذكروا الموت، وإذا وقعتم في الذنوب فاذكروا التوبة، وإذا كسبتم المال فاذكروا الحساب، وإذا جلستم إلى الطعام فاذكروا الجائع، وإذا دعتكم أنفسكم إلى ظلم الناس فاذكروا قدرة الله عليكم الذي سلطكم عليهم، ولو شاء لسلطهم عليكم ، وإذا نزل بكم بلاء فاستعينوا بلا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا مرضتم فعالجوا أنفسكم بالصدقة، وإذا أصابتكم مصيبةٌ فقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه فقال : ))أيها الناس إنه لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق، أو مستمعٍ واعٍ، أيها الناس إنكم في زمن هدنة، وإن السير بكم لسريع، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال له المقداد: يا رسول الله وما الهدنة؟ فقال: دار بلاءٍ، وانقطاع - تعريف الدنيا: دار بلاء وانقطاع - فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفَّع، وصادقٌ مصدَّق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل)). في هذه الخطبة نقف مع الآيات التالية: يقول الله - تعالى-: ﴿وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيلَتِي لَيتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَلِيلاً لَقَد أَضَلَّنِي عَن الذِّكرِ بَعدَ إِذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِن المُجرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ الفرقان 27-31. إن هذه الآيات الكريمة تعرض مشهدًا من مشاهد يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اليوم الذي يندم فيه الظالمون الضالون على أفعالهم المشينة التي اقترفوها وأقوالهم البذيئة التي تفوّهوا بها في حقّ الإسلام وأهله وفي حق الرسول الأعظم الرحمة المهداة صلوات الله عليه وسلامه. إنه مشهد رهيب عجيب، مشهد الظالم وهو يعضّ على يديه من الندم والأسف والأسى، حيث لا تكفيه يد واحدة يعضّ عليها، إنما هو يداول بين هذه اليد وتلك، أو يجمع بينهما لشدّة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثّل في عضّه على اليدين، وهذا فعل يرمز ويشار به إلى الحالة النفسية التي يعيشها الظالم. حينما يأتي يوم القيامة على ماذا يندم الإنسان؟ يندم على أثمن شيءٍ في الدنيا، لم يقل: يا ليتني اشتريت بيتاً فخماً، لا يقول الظالم يوم القيامة: يا ليتني تزوجت فلانة بنت فلان، لا يقول الظالم يوم القيامة: يا ليت كان عندي كذا، وكذا من المال، الذي يقوله هو أثمن ما في الدنيا :﴿ويوم يعض الظالم على يديه﴾. دققوا جيداً فيما سيقول، هذا الذي سيقوله هو أثمن ما في حياتكم الدنيا :﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾. لأنه لا سبيل إلى الله عز وجل إلا بصحبة دليل، بصحبة عارفٍ بالله، بصحبة مرشدٍ إلى الله عز وجل، لذلك قال علماء الأصول: إن العلم الشريف لا يؤخذ إلا عن الرجال، لا يؤخذ عن الكتب وحدها، العلم في الصدور، وليس في السطور . أثمن ما في الدنيا أن تعرف الله عز وجل، أثمن ما في الدنيا أن تتخذ إليه سبيلاً، أثمن ما في الدنيا أن تصبر نفسك مع الذين يخشون ربهم، أثمن ما في الدنيا أن تكون مع الصادقين، أثمن ما في الدنيا أن تكون متعلماً، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً. سيدنا علي قال: "يا كميل، الناس ثلاثة ؛ عالمٌ ربانيّ، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم". إذا ذهبت إلى بلدٍ، وعدت منه، فأصابك ندمٌ شديد، تندم على ماذا؟ على أثمن ما في هذا البلد، يا ليتني اشتريت هذه الحاجة، ثمينة جداً وسعرها معتدلٌ جداً، إذا جئت إلى الدنيا، وخرجت منها ما هو أثمن شيء فيها ؟ قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر 1 – 3. أربعة أشياء ذكرت في السورة ما لم تكن عندك فأنت في خسارة كائناً من تكون ، أنت في خسارةٍ محققة .وما هو شر ما في الدنيا؟ ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾. أن تصحب صاحباً يدلك على طريق جهنم، أن تصحب صاحباً يحببك بالحرام، أن تصحب صاحباً يزهدك بالآخرة، أن تصحب صاحباً يبيح لك المعاصي، أن تصحب صاحباً يغريك أن تخالف أمر الله عز وجل :﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ إبراهيم 22. يخذله، يشمت به، يزايد عليه. ما من شيءٍ أشدّ على النفس من شماتة العدو، وألدّ أعداء الإنسان الشيطان، وسوف يقف على رؤوس الخلق، ليشمت بكل من أضله، وكل من أغواه، وكل من أرداه، ويقول: إن الله وعدكم وعد الحق وهذه هي الجنة والنار، ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم .ثم قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُوراً ﴾. وقف العلماء عند هذه الكلمة ، ففهموها على مستوياتٍ عدة ، فقال بعضهم : إن هجره يعني هجر سماعه، لا يحب أن يسمعه، ولا أن يقرأه، ولا أن يستمع إلى تفسيره، ولا أن يدقق فيه، هجر سماعٍ، وقراءة. إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً . وقال بعضهم: إن هجر القرآن يعني شيئاً آخر، إن قومي هجروا العمل به، حياتهم في واد، وأحكام كتابهم في وادٍ آخر، لا يطبقونه في زواجهم، ولا في تجارتهم، ولا في بيعهم، ولا في شرائهم، ولا في علاقاتهم، ولا في عبادتهم. هجره يعني هجر سماعه، أو هجر تلاوته ، وهجره يعني هجر العمل به، إنهم لا يقفون عند حلاله، ولا ينتهون عن حرامه ، إنهم نبذوه وراء ظهورهم . والمعنى الثالث: هو هجر تحكيمه، والاحتكام إليه، قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ الأحزاب 36. إذا قضى الله ورسوله أمراً ، إذا قال الله عز وجل: يمحق الله الربا. هذا أمره في الربا لا خيار فيه، لا يتردد، لا يقع في حيرة، لا يقع في صراع، لا يقول: والله أنا محتار ماذا أفعل؟ ما دام حكم الله واضحاً ، هذه الحيرة حيرة شكٍ لا حيرة إيمان. وأخيرا يقول سيدنا الحسن بن علي : "من حمل ذنبه على ربه فقد فجر، إن الله تعالى لا يطاع استكراهاً، ولا يعصى بغلبة، فإن عمل الناس بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما عملوا، وإن عملوا بالمعصية فليس هو الذي أجبرهم، ولو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، فإن عملوا بالطاعة فله المنَّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، نحمده تعالى حث على الأخوة وحذر من الجفاء، ونشكره على حال السراء والضراء، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنزه عن الأنداد والشركاء، وتعالى عن الأمثال والنظراء، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابته الأتقياء, والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلّم تسليماً كثيرًا.. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الملك العلام، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام وجذوة تنير القلوب والأفهام، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ. أيها الأخوة المؤمنون؛ إذا عُرِضت لكم الدنيا فاذكروا الموت، وإذا وقعتم في الذنوب فاذكروا التوبة، وإذا كسبتم المال فاذكروا الحساب، وإذا جلستم إلى الطعام فاذكروا الجائع، وإذا دعتكم أنفسكم إلى ظلم الناس فاذكروا قدرة الله عليكم الذي سلطكم عليهم، ولو شاء لسلطهم عليكم ، وإذا نزل بكم بلاء فاستعينوا بلا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا مرضتم فعالجوا أنفسكم بالصدقة، وإذا أصابتكم مصيبةٌ فقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه فقال : ))أيها الناس إنه لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق، أو مستمعٍ واعٍ، أيها الناس إنكم في زمن هدنة، وإن السير بكم لسريع، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال له المقداد: يا رسول الله وما الهدنة؟ فقال: دار بلاءٍ، وانقطاع - تعريف الدنيا: دار بلاء وانقطاع - فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفَّع، وصادقٌ مصدَّق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل)). في هذه الخطبة نقف مع الآيات التالية: يقول الله - تعالى-: ﴿وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيلَتِي لَيتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلانًا خَلِيلاً لَقَد أَضَلَّنِي عَن الذِّكرِ بَعدَ إِذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِن المُجرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ الفرقان 27-31. إن هذه الآيات الكريمة تعرض مشهدًا من مشاهد يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، اليوم الذي يندم فيه الظالمون الضالون على أفعالهم المشينة التي اقترفوها وأقوالهم البذيئة التي تفوّهوا بها في حقّ الإسلام وأهله وفي حق الرسول الأعظم الرحمة المهداة صلوات الله عليه وسلامه. إنه مشهد رهيب عجيب، مشهد الظالم وهو يعضّ على يديه من الندم والأسف والأسى، حيث لا تكفيه يد واحدة يعضّ عليها، إنما هو يداول بين هذه اليد وتلك، أو يجمع بينهما لشدّة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثّل في عضّه على اليدين، وهذا فعل يرمز ويشار به إلى الحالة النفسية التي يعيشها الظالم. حينما يأتي يوم القيامة على ماذا يندم الإنسان؟ يندم على أثمن شيءٍ في الدنيا، لم يقل: يا ليتني اشتريت بيتاً فخماً، لا يقول الظالم يوم القيامة: يا ليتني تزوجت فلانة بنت فلان، لا يقول الظالم يوم القيامة: يا ليت كان عندي كذا، وكذا من المال، الذي يقوله هو أثمن ما في الدنيا :﴿ويوم يعض الظالم على يديه﴾. دققوا جيداً فيما سيقول، هذا الذي سيقوله هو أثمن ما في حياتكم الدنيا :﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾. لأنه لا سبيل إلى الله عز وجل إلا بصحبة دليل، بصحبة عارفٍ بالله، بصحبة مرشدٍ إلى الله عز وجل، لذلك قال علماء الأصول: إن العلم الشريف لا يؤخذ إلا عن الرجال، لا يؤخذ عن الكتب وحدها، العلم في الصدور، وليس في السطور . أثمن ما في الدنيا أن تعرف الله عز وجل، أثمن ما في الدنيا أن تتخذ إليه سبيلاً، أثمن ما في الدنيا أن تصبر نفسك مع الذين يخشون ربهم، أثمن ما في الدنيا أن تكون مع الصادقين، أثمن ما في الدنيا أن تكون متعلماً، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً. سيدنا علي قال: "يا كميل، الناس ثلاثة ؛ عالمٌ ربانيّ، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم". إذا ذهبت إلى بلدٍ، وعدت منه، فأصابك ندمٌ شديد، تندم على ماذا؟ على أثمن ما في هذا البلد، يا ليتني اشتريت هذه الحاجة، ثمينة جداً وسعرها معتدلٌ جداً، إذا جئت إلى الدنيا، وخرجت منها ما هو أثمن شيء فيها ؟ قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر 1 – 3. أربعة أشياء ذكرت في السورة ما لم تكن عندك فأنت في خسارة كائناً من تكون ، أنت في خسارةٍ محققة .وما هو شر ما في الدنيا؟ ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾. أن تصحب صاحباً يدلك على طريق جهنم، أن تصحب صاحباً يحببك بالحرام، أن تصحب صاحباً يزهدك بالآخرة، أن تصحب صاحباً يبيح لك المعاصي، أن تصحب صاحباً يغريك أن تخالف أمر الله عز وجل :﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ إبراهيم 22. يخذله، يشمت به، يزايد عليه. ما من شيءٍ أشدّ على النفس من شماتة العدو، وألدّ أعداء الإنسان الشيطان، وسوف يقف على رؤوس الخلق، ليشمت بكل من أضله، وكل من أغواه، وكل من أرداه، ويقول: إن الله وعدكم وعد الحق وهذه هي الجنة والنار، ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم .ثم قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُوراً ﴾. وقف العلماء عند هذه الكلمة ، ففهموها على مستوياتٍ عدة ، فقال بعضهم : إن هجره يعني هجر سماعه، لا يحب أن يسمعه، ولا أن يقرأه، ولا أن يستمع إلى تفسيره، ولا أن يدقق فيه، هجر سماعٍ، وقراءة. إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً . وقال بعضهم: إن هجر القرآن يعني شيئاً آخر، إن قومي هجروا العمل به، حياتهم في واد، وأحكام كتابهم في وادٍ آخر، لا يطبقونه في زواجهم، ولا في تجارتهم، ولا في بيعهم، ولا في شرائهم، ولا في علاقاتهم، ولا في عبادتهم. هجره يعني هجر سماعه، أو هجر تلاوته ، وهجره يعني هجر العمل به، إنهم لا يقفون عند حلاله، ولا ينتهون عن حرامه ، إنهم نبذوه وراء ظهورهم . والمعنى الثالث: هو هجر تحكيمه، والاحتكام إليه، قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ الأحزاب 36. إذا قضى الله ورسوله أمراً ، إذا قال الله عز وجل: يمحق الله الربا. هذا أمره في الربا لا خيار فيه، لا يتردد، لا يقع في حيرة، لا يقع في صراع، لا يقول: والله أنا محتار ماذا أفعل؟ ما دام حكم الله واضحاً ، هذه الحيرة حيرة شكٍ لا حيرة إيمان. وأخيرا يقول سيدنا الحسن بن علي : "من حمل ذنبه على ربه فقد فجر، إن الله تعالى لا يطاع استكراهاً، ولا يعصى بغلبة، فإن عمل الناس بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما عملوا، وإن عملوا بالمعصية فليس هو الذي أجبرهم، ولو أجبرهم على الطاعة لأسقط الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لأسقط العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، فإن عملوا بالطاعة فله المنَّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية فله الحجة عليهم
والحمد لله رب العالمين