لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، أحمده تعالى حث على الأخوة وحذر من الجفاء، وأشكره على حال السراء والضراء، الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ إمام الحنفاء وسيد الأصفياء. الدّاعي إلى رِضْوانِهِ أرسله ربه عبداً نبياً رسولاً تقياً، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.. أيها الأخوة الكرام، قُدْوتنا في الدّعاء دُعاءُ سيّدنا ذي النون فقال عليه الصلاة والسلام: دَعْوةُ أخي ذي النون ما دعا بها مكروبٌ إلا فرَّجَ الله كُرْبَتَهُ ؛ ماذا قال ؟ قال: وهو في بطْن الحوت في ظلماتٍ ثلاث، في ظلمة بطْن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ, فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء 87 – 88. هذا قانون، وهذا الكلام دقيقٌ جدًّا، ما أراد الله أن يحدِّثنا عن قصّة نبيّ، لا، بل أراد أن يجْعَلَ من دُعاء النبي منْهجاً لنا في حياتنا، فمهما تكن مصيبتك لا يمكن أن تزيد عن إنسانٍ وجَدَ نفسهُ فجأةً في بطن الحوت، ماذا يفعل؟ احتمال النجاة بالمليار واحد، ومع ذلك نجّاه الله تعالى، فأيّةُ قضيّة هي أهْوَنُ من قضيّة سيّدنا يونس بِكَثيرٍ، لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم قطّ إلا استجابَ الله له، سيّدنا يونس ما قال: يا ربّ أنقذني، قال: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، لم يقل شيئًا، أثنى على الله عز وجل، هنا قال العلماء: الثَّناء على الله دُعاء، أي إذا قالت أم لإنسان ابنها عندهُ أسير: أنت رحيم، ماذا تقصِدُ الأمّ من كلمة أنت رحيم ؟ أنت عادل، وأنت لا ترضى بالظّلم، ما معنى هذا الكلام ؟ أي فُكَّ أسْر ابني، هذا هو معناه. وفي الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: ((دعْوَةُ أخي ذي النون إذْ دعا وهو في بطْن الحوت، لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم قطّ إلا استجابَ الله له)). يعلّمنا النبي عليه الصلاة والسلام أُصول الدّعاء، كان عليه الصلاة والسلام يدعو في ساعات الكرْب يقول: "لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم" هو يُثني على الله عز وجل، ويبيّن أنّه واحد أحَدُ لا شريك له، وحدهُ الفعّال، وحْدهُ المعطي، وحدهُ المانع، وحده الخافض الرافع، وحده المعزّ المذلّ، هذا معنى لا إله إلا أنت الحليم الكريم، الرحمن الرحيم، ربّ العرش العظيم، الأمر إليك، وأنت هكذا يا ربّ، القضيّة طُوِّقَتْ، أنت تُعاني مشكلة، الأمْر بيَدِ اله ، والله عز وجل كريم، ورحيم، وقدير، وسميعٌ، ومُجيبٌ، فهذا قِمّة في الدّعاء؛ لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم. عن أنس أنّ النبي عليه الصلاة والسلام سمِعَ رجلاً يدعو ويقول: ((اللهمّ إنِّي أسألك بأنِّي أشْهدُ أنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصّمد، الذي لم يلد، ولم يولَد ولم يكن لهُ كفوًا أحدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيدِه لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سئِلَ به أعطى)). أيها الأخوة الكرام، دقّقوا في الدعاءين القرآنييْن، دعاء سيّدنا موسى ، قال تعالى: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص 24. ودعاء سيّدنا ذي النون، قال تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء 87. فأنْ يبدأ الدّعاء بالثناء على الله عز وجل أقْوى وأبلغ من أن يبدأ بِعَرْض الحاجة فقط. أيها الأخوة الكرام، بقيَ موضوعٌ قصير هو أنّ قراءة القرآن أفضلُ أنواع الذِّكْر، بِشَكلٍ مطلقٍ، أما وأنت تركع، أفضلُ الذِّكْر أن تقول: سبحان ربّي العظيم، وأنت ساجِد: سبحان ربّي الأعلى، فهناك ذِكْرٌ فاضِل، وهناك ذِكْرٌ مفضول، ولكن في بعض الأحوال المفضول يجبُ أن يقدّم على الفاضِل، أنت في مصيبة، الدّعاء أفضلُ من قراءة القرآن، أنت في مِحْنة الاستغفار أولى، فمُطلقًا أعلى شيءٍ أن تقرأ القرآن، أما حينما تمر بحالةٍ خاصّة وصعبة فلابدّ من أن تقدّم الاستغفار، أو أن تقدّم الدّعاء على تلاوة القرآن
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة أن الفضيلة لا قيمة لها ما لم تتجسَّد في الإنسان، لذلك أثر القدوة الحسنة في النفوس أثرٌ كبير، بينما أثر الكلام النظري في النفوس أثرٌ قليل، لهذا جعل الله سبحانه وتعالى الأنبياء العِظام قدوةً حسنةً وأسوةً نتأسَّى بها، ولولا أن الفضيلة تجسَّدت في سلوكهم لما سار الناس على هذا الدرب، ولما اقتفوا آثار هؤلاء الرُسل الكرام. فلا شك أن أفضل الدعاء ما كان بالمأثور من القرآن والسنة، وخاصة أدعية الأنبياء التي قصها علينا ربنا تعالى في محكم كتابه، وما ذلك إلا لحكم يعلمها سبحانه وتعالى، ولعل من أهم هذه الحكم هو أن نحفظها وندعوه بها، ونتقرب إليه سبحانه وتعالى بها، ولكن ينبغي أن يكون الدعاء مناسبا لحال الداعي، كما نلاحظ في أدعية الأنبياء جميعا، ولذلك فإن الذي لا يعاني من ضر أو مرض الأفضل له أن يكون دعاؤه بحمد الله تعالى وذكره والثناء عليه، فقد ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)) .وإنما كان الحمد لله أفضل الدعاء، لأن الحمد من جملة شكر الله تعالى، ومن شكر الله تعالى، فقد تعرض لمزيد من فضله. قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم 7. وفي الحديث القدسي: يقول الرب عز وجل: ((من شغله القرآن وذكري عن سألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) .. وأما من أصابه ضر أو مرض كما هو حالنا اليوم ونحن تحت وباء كورونا، فمن المناسب لنا أن ندعو بدعاء أيوب : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ الأنبياء 83 – 84. فأيوب كانَ نَبِيئًا وذا ثَرْوَةٍ واسِعَةٍ وعائِلَةٍ صالِحَةٍ مُتَواصِلَةٍ، ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإصاباتٍ لَحِقَتْ أمْوالَهُ مُتَتابِعَةً فَأتَتْ عَلَيْها، وفَقَدَ أبْناءَهُ السَّبْعَةَ وبَناتِهِ الثَّلاثَ في يَوْمٍ واحِدٍ، فَتَلَقّى ذَلِكَ بِالصَّبْرِ والتَّسْلِيمِ. ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإصابَةِ قُرُوحٍ في جَسَدِهِ وتَلَقّى ذَلِكَ كُلَّهُ بِصَبْرٍ وحِكْمَةٍ وهو يَبْتَهِلُ إلى اللَّهِ بِالتَّمْجِيدِ والدُّعاءِ بِكَشْفِ الضُّرِّ، وتَلَقّى رِثاءَ أصْحابِهِ لِحالِهِ بِكَلامٍ عَزِيزِ الحِكْمَةِ والمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بِمَواعِظَ، ثُمَّ أعادَ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وأخْلَفَهُ مالًا أكْثَرَ مِن مالِهِ ووَلَدَتْ لَهُ زَوْجُهُ أوْلادًا وبَناتٍ بِعَدَدِ مَن هَلَكُوا لَهُ مِن قَبْلُ. فبث شكواك إلى ربك وكن موقناً بالإجابة
الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، أحمده تعالى حث على الأخوة وحذر من الجفاء، وأشكره على حال السراء والضراء، الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ إمام الحنفاء وسيد الأصفياء. الدّاعي إلى رِضْوانِهِ أرسله ربه عبداً نبياً رسولاً تقياً، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.. أيها الأخوة الكرام، قُدْوتنا في الدّعاء دُعاءُ سيّدنا ذي النون فقال عليه الصلاة والسلام: دَعْوةُ أخي ذي النون ما دعا بها مكروبٌ إلا فرَّجَ الله كُرْبَتَهُ ؛ ماذا قال ؟ قال: وهو في بطْن الحوت في ظلماتٍ ثلاث، في ظلمة بطْن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، قال تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ, فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ الأنبياء 87 – 88. هذا قانون، وهذا الكلام دقيقٌ جدًّا، ما أراد الله أن يحدِّثنا عن قصّة نبيّ، لا، بل أراد أن يجْعَلَ من دُعاء النبي منْهجاً لنا في حياتنا، فمهما تكن مصيبتك لا يمكن أن تزيد عن إنسانٍ وجَدَ نفسهُ فجأةً في بطن الحوت، ماذا يفعل؟ احتمال النجاة بالمليار واحد، ومع ذلك نجّاه الله تعالى، فأيّةُ قضيّة هي أهْوَنُ من قضيّة سيّدنا يونس بِكَثيرٍ، لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم قطّ إلا استجابَ الله له، سيّدنا يونس ما قال: يا ربّ أنقذني، قال: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، لم يقل شيئًا، أثنى على الله عز وجل، هنا قال العلماء: الثَّناء على الله دُعاء، أي إذا قالت أم لإنسان ابنها عندهُ أسير: أنت رحيم، ماذا تقصِدُ الأمّ من كلمة أنت رحيم ؟ أنت عادل، وأنت لا ترضى بالظّلم، ما معنى هذا الكلام ؟ أي فُكَّ أسْر ابني، هذا هو معناه. وفي الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: ((دعْوَةُ أخي ذي النون إذْ دعا وهو في بطْن الحوت، لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فإنّه لم يدع بها مسلم قطّ إلا استجابَ الله له)). يعلّمنا النبي عليه الصلاة والسلام أُصول الدّعاء، كان عليه الصلاة والسلام يدعو في ساعات الكرْب يقول: "لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم" هو يُثني على الله عز وجل، ويبيّن أنّه واحد أحَدُ لا شريك له، وحدهُ الفعّال، وحْدهُ المعطي، وحدهُ المانع، وحده الخافض الرافع، وحده المعزّ المذلّ، هذا معنى لا إله إلا أنت الحليم الكريم، الرحمن الرحيم، ربّ العرش العظيم، الأمر إليك، وأنت هكذا يا ربّ، القضيّة طُوِّقَتْ، أنت تُعاني مشكلة، الأمْر بيَدِ اله ، والله عز وجل كريم، ورحيم، وقدير، وسميعٌ، ومُجيبٌ، فهذا قِمّة في الدّعاء؛ لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم. عن أنس أنّ النبي عليه الصلاة والسلام سمِعَ رجلاً يدعو ويقول: ((اللهمّ إنِّي أسألك بأنِّي أشْهدُ أنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصّمد، الذي لم يلد، ولم يولَد ولم يكن لهُ كفوًا أحدًا، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيدِه لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سئِلَ به أعطى)). أيها الأخوة الكرام، دقّقوا في الدعاءين القرآنييْن، دعاء سيّدنا موسى ، قال تعالى: ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص 24. ودعاء سيّدنا ذي النون، قال تعالى: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ الأنبياء 87. فأنْ يبدأ الدّعاء بالثناء على الله عز وجل أقْوى وأبلغ من أن يبدأ بِعَرْض الحاجة فقط. أيها الأخوة الكرام، بقيَ موضوعٌ قصير هو أنّ قراءة القرآن أفضلُ أنواع الذِّكْر، بِشَكلٍ مطلقٍ، أما وأنت تركع، أفضلُ الذِّكْر أن تقول: سبحان ربّي العظيم، وأنت ساجِد: سبحان ربّي الأعلى، فهناك ذِكْرٌ فاضِل، وهناك ذِكْرٌ مفضول، ولكن في بعض الأحوال المفضول يجبُ أن يقدّم على الفاضِل، أنت في مصيبة، الدّعاء أفضلُ من قراءة القرآن، أنت في مِحْنة الاستغفار أولى، فمُطلقًا أعلى شيءٍ أن تقرأ القرآن، أما حينما تمر بحالةٍ خاصّة وصعبة فلابدّ من أن تقدّم الاستغفار، أو أن تقدّم الدّعاء على تلاوة القرآن
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة أن الفضيلة لا قيمة لها ما لم تتجسَّد في الإنسان، لذلك أثر القدوة الحسنة في النفوس أثرٌ كبير، بينما أثر الكلام النظري في النفوس أثرٌ قليل، لهذا جعل الله سبحانه وتعالى الأنبياء العِظام قدوةً حسنةً وأسوةً نتأسَّى بها، ولولا أن الفضيلة تجسَّدت في سلوكهم لما سار الناس على هذا الدرب، ولما اقتفوا آثار هؤلاء الرُسل الكرام. فلا شك أن أفضل الدعاء ما كان بالمأثور من القرآن والسنة، وخاصة أدعية الأنبياء التي قصها علينا ربنا تعالى في محكم كتابه، وما ذلك إلا لحكم يعلمها سبحانه وتعالى، ولعل من أهم هذه الحكم هو أن نحفظها وندعوه بها، ونتقرب إليه سبحانه وتعالى بها، ولكن ينبغي أن يكون الدعاء مناسبا لحال الداعي، كما نلاحظ في أدعية الأنبياء جميعا، ولذلك فإن الذي لا يعاني من ضر أو مرض الأفضل له أن يكون دعاؤه بحمد الله تعالى وذكره والثناء عليه، فقد ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)) .وإنما كان الحمد لله أفضل الدعاء، لأن الحمد من جملة شكر الله تعالى، ومن شكر الله تعالى، فقد تعرض لمزيد من فضله. قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم 7. وفي الحديث القدسي: يقول الرب عز وجل: ((من شغله القرآن وذكري عن سألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) .. وأما من أصابه ضر أو مرض كما هو حالنا اليوم ونحن تحت وباء كورونا، فمن المناسب لنا أن ندعو بدعاء أيوب : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ الأنبياء 83 – 84. فأيوب كانَ نَبِيئًا وذا ثَرْوَةٍ واسِعَةٍ وعائِلَةٍ صالِحَةٍ مُتَواصِلَةٍ، ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإصاباتٍ لَحِقَتْ أمْوالَهُ مُتَتابِعَةً فَأتَتْ عَلَيْها، وفَقَدَ أبْناءَهُ السَّبْعَةَ وبَناتِهِ الثَّلاثَ في يَوْمٍ واحِدٍ، فَتَلَقّى ذَلِكَ بِالصَّبْرِ والتَّسْلِيمِ. ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإصابَةِ قُرُوحٍ في جَسَدِهِ وتَلَقّى ذَلِكَ كُلَّهُ بِصَبْرٍ وحِكْمَةٍ وهو يَبْتَهِلُ إلى اللَّهِ بِالتَّمْجِيدِ والدُّعاءِ بِكَشْفِ الضُّرِّ، وتَلَقّى رِثاءَ أصْحابِهِ لِحالِهِ بِكَلامٍ عَزِيزِ الحِكْمَةِ والمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بِمَواعِظَ، ثُمَّ أعادَ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وأخْلَفَهُ مالًا أكْثَرَ مِن مالِهِ ووَلَدَتْ لَهُ زَوْجُهُ أوْلادًا وبَناتٍ بِعَدَدِ مَن هَلَكُوا لَهُ مِن قَبْلُ. فبث شكواك إلى ربك وكن موقناً بالإجابة
والحمد لله رب العالمين