إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، نحمدك ربي وأنت أهل الحمد والجود والثناء، ونشكرك وأنت ذو الفضل والمن والعطاء، ونستعينك وأنت مُسْدِي النعماء، ومُسْبِغ الآلاء، ودافع البلاء، ونستغفرك ونتوب إليك وأنت الغفور لكل خَطَّاء، والسِتِّير على كل مَن أساء.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العز والعظمة والكبرياء، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، إمام الحنفاء، وسيد الأصفياء، وأفضل الدعاة، وأشرف الأتقياء، صلى الله عليه وعلى آله الشرفاء، وصحبه النجباء، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلَّم تسليماَ كثيراً
أيها الأخوة الكرام: نحن على مشارف رأس السنة الهجرية، وهذه المناسبات الدينية ينبغي أن نقف عندها وقفة متأنية لأن فيها معاني كبيرة نحن في أمس الحاجة إليها. ها هو العام ينقضي، وبانقضائه جزءٌ من العمر يَنقضي .إنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي العَمَلِ
العام الهجري يُذكِّرنا مطلَعُه بأمورٍ ثلاثة؛ يذكِّرنا بأنه عام الله، وأنه عامُ الإسلام، وأنه عام الأمَّة، فهو عام الله؛ لأنَّ الله هو الذي خلقه، واختاره لعبادِه، وجعل شهوره أشهرًا هلاليَّة قمريَّة، هي عند الله، مقرَّرة في كتابه العزيز؛ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾. والأشهر الحرم هي ثلاثة متتاليات؛ ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرَّم، وواحد منفرد وهو شهر رجَب، ضبط الله دخول أشهر العام الهجريِّ بظهور الهلال؛ فقال جلَّ جلاله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ لكلِّ الناس، لا فَرْق في ذلك بين عربي وعَجمي، ولا بين شرقي وغربي؛ لأنَّ الهلال يَراه كلُّ الناس، فيَعرفون به دخول الشَّهر، يقول ربُّ العزة جلَّ وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. إنه العام الحقُّ، والتقويم الحق، والمنهج الحق، والطريقة السليمة لحساب الشهور والسنين. فالعام الهجريُّ هو عام الله، وهو عام الإسلام، وهو كذلك عام الأمَّة، فما عرفت الأمَّة عزَّتَها ورفعتها، إلاَّ لما تمسَّكت بجميع إسلامها، وطبَّقَت أمر ربِّها في جميع أوقاتها، عاشت أيام شهورها، وشهور عامها، متتبِّعةً لشريعة خالقها، فلها في كلِّ لحظة من يومها عودةٌ لما يوجبه الدِّين، فعرفَتْ كيف تنهض من نومها، وكيف تبدأ يومها، وكيف تُعامل مَن حولها، وكيف تَكْدح وهي في سبيل ربِّها، فما هي إلاَّ أعوام قليلة، حتى ملأت دنيا الناس عدلاً وأمنًا ورخاء، وقادت أُمَم الأرض نحو الرُّقي والازدهار، تم لأمتنا كلُّ ذلك، لما عاشت عامَها طائعةً لِخالقها، عاملةً بشريعته، مقتفيةً أثر رسولِها صلَّى الله عليه وسلَّم. وها هو العام يَنقضي، فلا بدَّ للمؤمن في هذا اليوم من وقفة، يتأمَّل فيها عامه الذي مضى، يَسأل نفسه: هل شغلَتْه طاعةُ الله، وهو المخلوق من أجلها؟ كم عمل من الصالحات مع عباد الله؟ هل أطاع الله في أسرتِه؟ هل خشي الله في تعامله؟ فإن وجدَ ذلك، حَمِد الله، وجدَّد عزْمَه على الطاعة، وإن لم يجد فيما مضى، تاب إلى الله، وشحذَ عزمه على السَّير في منهج الله، وجعل عامه الجديدَ عامَ طاعةٍ لله، عامَ طُهر واستقامةٍ وتقوى، والله جلَّ جلاله أوصانا في نداء قدسيٍّ أن نقف مع أنفسنا، نستجمع التَّقوى، ونتبيَّن طريق طاعتنا لله، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، مرَّ العام سريعًا بأعمارنا؛ كم عِشْنا فيه من أوقاتٍ خصَّصناها لعبادة الله؟ في الزَّمَن البَهِي، كان الذي يمرُّ في شوارع المدينة، يسمع من بيوتَها دويًّا كدويِّ النَّحل؛ ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
إن أخطر حدث ألمّ بالأمة العربية هو بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، أصبحنا نحن العرب بهذه البعثة خير أمة أخرجت للناس. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾. وعلة هذه الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الإيمان بالله، فلو أننا اقتصرنا على تأمين حاجاتنا وكان انتماؤنا إلى ذواتنا، وكان هدفنا تحقيق مصالحنا، فقد تخلينا عن رسالة ربنا، عندئذ لسنا خير أمة أخرجت للناس، عندئذ نحن أمة كأية أمة. إن أخطر حدث في تاريخ هذه الأمة بعد البعثة هو هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، البعثة حقيقة والهجرة حركة، لابد من أن تعرف الحقيقة أولاً ولابد من أن تتحرك وفق هذه الحقيقة ثانياً: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾. ما لم تأخذ موقفاً عملياً، ما لم تدع لله، ما لم تأخذ لله، ما لم تعط لله، ما لم تمنع لله، ما لم تتحرك لله، ما لم تسافر لله، ما لم تُقم لله، ما لم تغضب لله، ما لم ترض لله، ما لم تأخذ موقفاً بحسب دينك، ما لم تتحرك حركة وفق إيمانك فأنت لست مؤمناً لست مؤمناً بمعنى لست مؤمناً الإيمان الذي ينجيك، أما أي مخلوق آمن بأن لهذا الكون خالقاً فهو مؤمن، بأوسع معاني هذه الكلمة، ولكن هذا الإيمان لا ينجي صاحبه. أيها الأخوة الكرام: لأن الإنسان مخير فكل شيء بين يديه حيادي، إن صحّ أن الهجرة حركة فهناك حركة نحو الله: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾. وهناك حركة نحو الشيطان، ما الذي يضبط هذه الحركة؟ النية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )). في عهد النبي عليه الصلاة والسلام رجل سماه الصحابة مهاجر أم قيس لأن أم قيس اشترطت عليه كي يتزوجها أن يهاجر من مكة إلى المدينة فهاجر من أجلها: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
الحقيقة الثانية أن محبة الأرض التي ولدت فيها طبع مُرَكب بالإنسان، هذه حقيقة ثابتة في كل مكان وزمان، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾. النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق يخاطب مكة: "أما إنكّ لأحب بلاد الله إلى الله، وأحبّ بلاد الله إلّي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت"، إذاً محبة الأرض التي ولدت فيها طبع مركب بالإنسان، ولكن معك تكليفاً أن تبحث عن أرض تعبد الله فيها، أن تبحث عن أرض تكون عزيزاً فيها، أن تبحث عن أرض تضمن فيها سلامة أولادك، وأولاد أولادك، وأولاد أولاد أولادك
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي العَمَلِ
العام الهجري يُذكِّرنا مطلَعُه بأمورٍ ثلاثة؛ يذكِّرنا بأنه عام الله، وأنه عامُ الإسلام، وأنه عام الأمَّة، فهو عام الله؛ لأنَّ الله هو الذي خلقه، واختاره لعبادِه، وجعل شهوره أشهرًا هلاليَّة قمريَّة، هي عند الله، مقرَّرة في كتابه العزيز؛ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾. والأشهر الحرم هي ثلاثة متتاليات؛ ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرَّم، وواحد منفرد وهو شهر رجَب، ضبط الله دخول أشهر العام الهجريِّ بظهور الهلال؛ فقال جلَّ جلاله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ لكلِّ الناس، لا فَرْق في ذلك بين عربي وعَجمي، ولا بين شرقي وغربي؛ لأنَّ الهلال يَراه كلُّ الناس، فيَعرفون به دخول الشَّهر، يقول ربُّ العزة جلَّ وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. إنه العام الحقُّ، والتقويم الحق، والمنهج الحق، والطريقة السليمة لحساب الشهور والسنين. فالعام الهجريُّ هو عام الله، وهو عام الإسلام، وهو كذلك عام الأمَّة، فما عرفت الأمَّة عزَّتَها ورفعتها، إلاَّ لما تمسَّكت بجميع إسلامها، وطبَّقَت أمر ربِّها في جميع أوقاتها، عاشت أيام شهورها، وشهور عامها، متتبِّعةً لشريعة خالقها، فلها في كلِّ لحظة من يومها عودةٌ لما يوجبه الدِّين، فعرفَتْ كيف تنهض من نومها، وكيف تبدأ يومها، وكيف تُعامل مَن حولها، وكيف تَكْدح وهي في سبيل ربِّها، فما هي إلاَّ أعوام قليلة، حتى ملأت دنيا الناس عدلاً وأمنًا ورخاء، وقادت أُمَم الأرض نحو الرُّقي والازدهار، تم لأمتنا كلُّ ذلك، لما عاشت عامَها طائعةً لِخالقها، عاملةً بشريعته، مقتفيةً أثر رسولِها صلَّى الله عليه وسلَّم. وها هو العام يَنقضي، فلا بدَّ للمؤمن في هذا اليوم من وقفة، يتأمَّل فيها عامه الذي مضى، يَسأل نفسه: هل شغلَتْه طاعةُ الله، وهو المخلوق من أجلها؟ كم عمل من الصالحات مع عباد الله؟ هل أطاع الله في أسرتِه؟ هل خشي الله في تعامله؟ فإن وجدَ ذلك، حَمِد الله، وجدَّد عزْمَه على الطاعة، وإن لم يجد فيما مضى، تاب إلى الله، وشحذَ عزمه على السَّير في منهج الله، وجعل عامه الجديدَ عامَ طاعةٍ لله، عامَ طُهر واستقامةٍ وتقوى، والله جلَّ جلاله أوصانا في نداء قدسيٍّ أن نقف مع أنفسنا، نستجمع التَّقوى، ونتبيَّن طريق طاعتنا لله، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، مرَّ العام سريعًا بأعمارنا؛ كم عِشْنا فيه من أوقاتٍ خصَّصناها لعبادة الله؟ في الزَّمَن البَهِي، كان الذي يمرُّ في شوارع المدينة، يسمع من بيوتَها دويًّا كدويِّ النَّحل؛ ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
إن أخطر حدث ألمّ بالأمة العربية هو بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، أصبحنا نحن العرب بهذه البعثة خير أمة أخرجت للناس. ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾. وعلة هذه الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد الإيمان بالله، فلو أننا اقتصرنا على تأمين حاجاتنا وكان انتماؤنا إلى ذواتنا، وكان هدفنا تحقيق مصالحنا، فقد تخلينا عن رسالة ربنا، عندئذ لسنا خير أمة أخرجت للناس، عندئذ نحن أمة كأية أمة. إن أخطر حدث في تاريخ هذه الأمة بعد البعثة هو هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، البعثة حقيقة والهجرة حركة، لابد من أن تعرف الحقيقة أولاً ولابد من أن تتحرك وفق هذه الحقيقة ثانياً: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾. ما لم تأخذ موقفاً عملياً، ما لم تدع لله، ما لم تأخذ لله، ما لم تعط لله، ما لم تمنع لله، ما لم تتحرك لله، ما لم تسافر لله، ما لم تُقم لله، ما لم تغضب لله، ما لم ترض لله، ما لم تأخذ موقفاً بحسب دينك، ما لم تتحرك حركة وفق إيمانك فأنت لست مؤمناً لست مؤمناً بمعنى لست مؤمناً الإيمان الذي ينجيك، أما أي مخلوق آمن بأن لهذا الكون خالقاً فهو مؤمن، بأوسع معاني هذه الكلمة، ولكن هذا الإيمان لا ينجي صاحبه. أيها الأخوة الكرام: لأن الإنسان مخير فكل شيء بين يديه حيادي، إن صحّ أن الهجرة حركة فهناك حركة نحو الله: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾. وهناك حركة نحو الشيطان، ما الذي يضبط هذه الحركة؟ النية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )). في عهد النبي عليه الصلاة والسلام رجل سماه الصحابة مهاجر أم قيس لأن أم قيس اشترطت عليه كي يتزوجها أن يهاجر من مكة إلى المدينة فهاجر من أجلها: وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
الحقيقة الثانية أن محبة الأرض التي ولدت فيها طبع مُرَكب بالإنسان، هذه حقيقة ثابتة في كل مكان وزمان، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾. النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق يخاطب مكة: "أما إنكّ لأحب بلاد الله إلى الله، وأحبّ بلاد الله إلّي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت"، إذاً محبة الأرض التي ولدت فيها طبع مركب بالإنسان، ولكن معك تكليفاً أن تبحث عن أرض تعبد الله فيها، أن تبحث عن أرض تكون عزيزاً فيها، أن تبحث عن أرض تضمن فيها سلامة أولادك، وأولاد أولادك، وأولاد أولاد أولادك
والحمد لله رب العالمين