الإنسان بين الشكر والجحود
مع أن نِعَم الله تلاحقنا في كل نفس يملأ الصدر بالهواء، وكل خفقة تدفع الدماء في العروق، فنحن قلَّما نحسّ ذلك الفضل الغامر، أو نقدر صاحبه ذا الجلال والإكرام!!. إننا نخال كل شيء مهيأ من تلقاء نفسه لخدمتنا وأن على عناصر الوجود تلبية إشارتنا وإجابة رغبتنا لا لعلة واضحة سوى أننا نريد، وعلى الكون كله التنفيذ!!. بالضبط كما يعيش الأطفال المدللون!!. وقد نشعر ببعض الجميل لظروف مواتية، أو ببعض الجمال في بيئة مريحة ممتعة، وعلى ما في هذا الشعور من نقص - لانقطاعه عن الله وسوء إدراكنا لنعماه - فكم تظن من الناس يملكه هذا الشعور؟ قلة لا تذكر!!. أما جمهور البشر فذاهل عما يكتنفه من آلاء وإنه يتقلب في خيرات الله غير واع لكثرتها، ولا شاكر لمرسلها. ولعظم منزلة الشكر عند الله قرنه سبحانه بالإيمان به فقال تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ النساء 147. وأخبر سبحانه أن الشكرَ هو الغاية من خلقه الخلق وأمره: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ النحل 78. وجعل رضاه تبارك وتعالى في شكره: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ الزمر 7. وخلق الله الليل والنهار للتفكر والشكر: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ الفرقان 62. وبالشكر ينقسم الناس إلى شكورٍ وكفور: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ الإنسان 3. بل وجعله الله لازماً من لوازم العبادة : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ البقرة 172. وبه أثنى الله على نوح فقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ الإسراء 3. وعلى خليله إبراهيم فقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ النحل 120-121. وبه أمر كليمه موسى عليه الصلاة والسلام فقال عز وجل: ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الأعراف 144. وبه أمر الله داود فقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ 13. وبه دعا سليمان ربَّه أن يكون من الشاكرين: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النمل 19. وبه أمرَ الله خليله محمد صلى الله عليه وسلم : فقال تعالى: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الزمر 66. وبه أمر الله العبد الصالح لقمانَ، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ لقمان 12. وبالشكر أوصى الله جميع الناس فقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ لقمان 14. وبالشكر أَمرَ الأنبياءُ أقوامَهم، فقال إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ العنكبوت 17. والآيات والعبر، والعظات والنُذُر، لا يتَّعظ بها إلا الشاكرون، قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ الأعراف 58. وما أغدق علينا النعمَ إلا لنثني عليه بها ، فقال جل وعلا: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الأنفال 26. والشكر هو وصية الحبيب صلى الله عليه سلم لأصحابه وأتباعه، فقد جاء في الحديث الصحيح: ((يا معاذ، أني أحبُّك، فلا تدعنّ أن تقول دبرَ كلّ صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشُكرك وحسن عبادتك)).. ولا شك أن دعاء العبد ربَّه أن يعينه على الذكر والشكر والعبادة لهو من أفضل الأدعية، إن لم يكن أفضلها. ولما علم عدوُّ الله إبليس قدرَ مقام الشكر وأنه من أجلِّ العبادات وأعلاها، جعل غايتَه السعيَ في قطع الناس عنه فقال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف 17. ونبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هو أشكرُ الخلق لربّه ، قام من الليل حتى تفطَّرت قدماه ، وحين يُسأل صلى الله عليه وسلم لِمَ تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فيجيبُ عليه الصلاة والسلام بقوله: ((أفلا أكون عبدًا شكورا؟!)). والشكر يا عباد الله أَمنةٌ من العذاب، قال ربنا عز وجل: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ النساء 147. وقد نجَّى الله لوطًا من العذاب بالشكر: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾ القمر 34-35. ولما تنكَّر قومُ سبأ لنعم الله وجحدوها ولم يشكروها وقابلوها بالعصيان سلبها الله منهم، وأذاقهم ألوانًا من العذاب بسبب ذلك: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ سبأ 15-17. عباد الله: فالشكر سبب لحفظ النعم الموجودة، وجلبٌ للنعم المفقودة، يقول علي بن أبي طالب : (النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلّق بالمزيد، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد) .. وخير من ذلك قول الحق تبارك وتعالى : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم 7.
مع أن نِعَم الله تلاحقنا في كل نفس يملأ الصدر بالهواء، وكل خفقة تدفع الدماء في العروق، فنحن قلَّما نحسّ ذلك الفضل الغامر، أو نقدر صاحبه ذا الجلال والإكرام!!. إننا نخال كل شيء مهيأ من تلقاء نفسه لخدمتنا وأن على عناصر الوجود تلبية إشارتنا وإجابة رغبتنا لا لعلة واضحة سوى أننا نريد، وعلى الكون كله التنفيذ!!. بالضبط كما يعيش الأطفال المدللون!!. وقد نشعر ببعض الجميل لظروف مواتية، أو ببعض الجمال في بيئة مريحة ممتعة، وعلى ما في هذا الشعور من نقص - لانقطاعه عن الله وسوء إدراكنا لنعماه - فكم تظن من الناس يملكه هذا الشعور؟ قلة لا تذكر!!. أما جمهور البشر فذاهل عما يكتنفه من آلاء وإنه يتقلب في خيرات الله غير واع لكثرتها، ولا شاكر لمرسلها. ولعظم منزلة الشكر عند الله قرنه سبحانه بالإيمان به فقال تعالى: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ النساء 147. وأخبر سبحانه أن الشكرَ هو الغاية من خلقه الخلق وأمره: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ النحل 78. وجعل رضاه تبارك وتعالى في شكره: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ الزمر 7. وخلق الله الليل والنهار للتفكر والشكر: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ الفرقان 62. وبالشكر ينقسم الناس إلى شكورٍ وكفور: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ الإنسان 3. بل وجعله الله لازماً من لوازم العبادة : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ البقرة 172. وبه أثنى الله على نوح فقال: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ الإسراء 3. وعلى خليله إبراهيم فقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ النحل 120-121. وبه أمر كليمه موسى عليه الصلاة والسلام فقال عز وجل: ﴿قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الأعراف 144. وبه أمر الله داود فقال: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ سبأ 13. وبه دعا سليمان ربَّه أن يكون من الشاكرين: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النمل 19. وبه أمرَ الله خليله محمد صلى الله عليه وسلم : فقال تعالى: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ الزمر 66. وبه أمر الله العبد الصالح لقمانَ، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ لقمان 12. وبالشكر أوصى الله جميع الناس فقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ لقمان 14. وبالشكر أَمرَ الأنبياءُ أقوامَهم، فقال إبراهيم لقومه: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ العنكبوت 17. والآيات والعبر، والعظات والنُذُر، لا يتَّعظ بها إلا الشاكرون، قال تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ الأعراف 58. وما أغدق علينا النعمَ إلا لنثني عليه بها ، فقال جل وعلا: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الأنفال 26. والشكر هو وصية الحبيب صلى الله عليه سلم لأصحابه وأتباعه، فقد جاء في الحديث الصحيح: ((يا معاذ، أني أحبُّك، فلا تدعنّ أن تقول دبرَ كلّ صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشُكرك وحسن عبادتك)).. ولا شك أن دعاء العبد ربَّه أن يعينه على الذكر والشكر والعبادة لهو من أفضل الأدعية، إن لم يكن أفضلها. ولما علم عدوُّ الله إبليس قدرَ مقام الشكر وأنه من أجلِّ العبادات وأعلاها، جعل غايتَه السعيَ في قطع الناس عنه فقال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الأعراف 17. ونبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هو أشكرُ الخلق لربّه ، قام من الليل حتى تفطَّرت قدماه ، وحين يُسأل صلى الله عليه وسلم لِمَ تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فيجيبُ عليه الصلاة والسلام بقوله: ((أفلا أكون عبدًا شكورا؟!)). والشكر يا عباد الله أَمنةٌ من العذاب، قال ربنا عز وجل: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ النساء 147. وقد نجَّى الله لوطًا من العذاب بالشكر: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾ القمر 34-35. ولما تنكَّر قومُ سبأ لنعم الله وجحدوها ولم يشكروها وقابلوها بالعصيان سلبها الله منهم، وأذاقهم ألوانًا من العذاب بسبب ذلك: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ سبأ 15-17. عباد الله: فالشكر سبب لحفظ النعم الموجودة، وجلبٌ للنعم المفقودة، يقول علي بن أبي طالب : (النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلّق بالمزيد، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد) .. وخير من ذلك قول الحق تبارك وتعالى : ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم 7.
والحمد لله رب العالمين