الحمد لله مقدر المقدور،
ومصرِّف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده تعالى وأشكره،
وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور.
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع صاحبها يوم يُبَعْثر ما
في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله
ورسوله، النبي المجتبى، والحبيب المصطفى، والعبد الشكور، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه ما امتدت البحور، وتعاقب العشي والبكور، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم
-عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى
المناقب، وبها تنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب.
عباد
الله: تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة
عام مبارك بإذن الله، بعد أن أفلت شمسُ عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه،
فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله!
ما
أسرع مرور الليالي والأيام! وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفق الملهم
من أخذ من ذلك دروساً وعبراً، واستفاد منه مُدَّكَراً ومُزدَجَراً، وتزود
من الممر للمقر؛ فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد مَن
حاذَرَ الغفلة عن الدار الآخرة، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة،
فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، واللهَ نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام
والمسلمين، وصلاحاً لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية
بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.
إخوة
الإسلام: حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطره تأريخنا الإسلامي
المجيد من أحداث عظمية، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها
البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها، وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها
في تحقيق مصالح العباد، في أمور المعاش والمعاد.
معاشر
المسلمين: ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة
بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد؛ علها تكون سبباً في
شحذ الهمم، واستنهاض العزمات، للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفات المحاسبة الدقيقة،
ونظرات المراجعة المستديمة في الأمة؛ تجريداً للمواقف، وإصلاحاً للمناهج،
وتقويماً للمسيرة في كافة جوانبها.......
أمة الإسلام: ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية
يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات
القومية، والتمايزات القبلية، والعلاقات الحزبية.
إن طريق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها، وارتباطها بمبادئها.
يُقال
ذلك -أيها المسلمون- وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثُر أمام تيارات
إلحادية وافدة، ومبادئ عصرية زائفة، تُرفَع شعارات مصطنعة، وتطلق نداءات
خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذل والصغار، والمهانة والتبار،
والشقاء والبوار؛ فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في
الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين، والتمزق المشين.
وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى: أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟!
أين أخوة المهاجرين والأنصار من شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟!
فقولوا لي بربكم: أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم، وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟!
فلتصغ
منظماتُ حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرح الشائعات المغرضة
عن الإسلام وأهله وبلاده؛ إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.
إخوة العقيدة: وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة
وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني
الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة
والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء.
إنه
حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقاً للنصر والعزة ورفع راية
الإسلام، وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في
جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيساً في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه
وكونه وخلقه.
إن في
هذا الحدث العظيم من الآيات البينات، والآثار النيرات، والدروس والعبر
البالغات، ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على
مفترق الطرق؛ لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين
أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها؛ إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها
بعقيدتها وإيمانها، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً
ونذيراً ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة
والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين.
وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين.
إذا
تحقق ذلك -أيها المسلمون- وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة، وعملت على
تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدرع
الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والصراع العالمي العنيف،
فالقوة لله جميعاً، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
أمة
التوحيد والوحدة: لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في
تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة،
أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد، وتفكك المجتمع، وهزيمة الأمة.
وإن
المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التاريخ؛ يجد أن مرد ذلك إلى
التفريط في أمر العقيدة، والتساهل في جانب الثوابت المعنوية، مهما تقدمت
الوسائل المادية.
وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقاً في الثقة بالله، والاطمئنان إليه، والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد.
ينظر أبو بكر الصديق إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار، فيقول: {[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! } الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده، ونصره لأوليائه!
وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة: أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][يوسف:110].
إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة
في التضحية والبذل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته
وحقوقه يجر -يا رعاكم الله- إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة، في بقاع
شتى من العالم، حيث حلت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.
سائلوا أرض النبوَّات، ومهد الحضارات، ومنطلق الرسالات، وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهدة: ماذا تعاني من صلف يهودي سافر، ومن حقد صهيوني أرعن؟!
سائلوا الشيشان و كشمير وغيرهما عن الأوضاع المأساوية؟
علَّ دروس الهجرة النبوية تحرك نخوة، وتشحذ همة، وتنهض عزماً، وما ذلك على الله بعزيز.......
إخوة الإيمان: في مجال تربية الشباب والمرأة،
وميدان البيت والأسرة، يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على
صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر
في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام -بأبي هو
وأمي- ما يجلي أثر الشباب في الدعوة، ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة.
أين
هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب
بالشهوات، وجعلهم فريسة لمهازل القنوات، وشبكات المعلومات في الوقت الذي
يُعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمات بالحفاظ على الدين والقيم والثبات
على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة، ودعاوى العولمة المفضوحة؟
أيها الإخوة والأخوات: وفي موقف أسماء بنت أبي بكر
ا -ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم- ما يجلي دور المرأة
المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فأين هذا من دُعاة المدنية المأفونة
الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم، زاعمين -زوراً وبهتاناً- أن تمسك
المرأة بثوابتها وقيمها، واعتزازها بحجابها وعفافها؛ تقييد لحريتها وفقد
لشخصيتها؟! وبئس ما زعموا.
خرجت
المرأة من البيت تبحث عن سعادة موهومة، وتقدمية مزعومة، وهي تظنها في
الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف، مدنسة العرض،
مغتصبة الحقوق، عديمة الحياء، موءودة الغيرة، وتلك صورة من صور إنسانيات
العصر المزعومة، وحريته المأفونة، ومدنيته المدعاة.
ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثاث وراء السراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.
أيها الأحبة في الله: وإشارة أخرى إلى أمر يتعلق
بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها
الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى
من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمَرية، أجمع
عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب ، إنها التوقيت والتاريخ بالهجرة النبوية المباركة.
وكم
لهذه القضية من مغزىً عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به؟!
كيف وقد فُتن بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في تاريخهم
وأعيادهم؟! أين عزة الإسلام؟! وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضم
مغريات الحياة؟!
فإلى
الذين تنكروا لثوابتهم، وخدشوا بهاء هويتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة
أمتهم، وتهافتوا تهافتاً مذموماً، وانساقوا انسياقاً محموماً خلف خصومهم،
وذابوا وتميعوا أمام أعدائهم.
ننادي
نداء المحبة والإشفاق: رويدكم، فنحن أمة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة،
ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
فلا
مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى تقليد
غيرنا، بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا؛
لكنه التقليد والتبعية، والمجاراة والانهزامية، والتشبه الأعمى من بعض
المسلمين هداهم الله، وقد حذر صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك بقوله فيما
أخرج الإمام أحمد ، وأهل السنن: {[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] } والله المستعان
أيها الإخوة المسلمون: وثالث
هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة
الله لأوليائه، وانتقامه من أعدائه مهما تطاول، إنه حدث قديم؛ لكنه بمغزاه
متجدد عبر الأمصار والأعصار.
إنه
يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى ، وهلاك فرعون الطاغية، وكم
في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفكر للدعاة إلى الله في كل زمان
ومكان؟! فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب، ويا
لها من عبرة لكل عدو لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون؛ أن الله منتقم من
الطغاة الظالمين، طال الزمان أو قصر!
فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النصر الخالدة.
ألا فليقر أعيناً بذلك أهلُ الحق ودُعاتُه، فالعاقبة للمتقين، وليتنبه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاتُه: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][النازعات:26].. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][الفجر:14]
وإن في الحوادث لَعِبَراً، وإن في التاريخ لَخَبَراً، وإن في الآيات
لَنُذُراً، وإن في القصص والأخبار لَمُدَّكَراً ومُزْدَجَراً: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً
يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][يوسف:111].
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا إنك خير مسئول وأكرم مأمول.
أقول
قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل الذنوب
والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان تواباً.......
ومصرِّف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده تعالى وأشكره،
وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور.
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع صاحبها يوم يُبَعْثر ما
في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله
ورسوله، النبي المجتبى، والحبيب المصطفى، والعبد الشكور، صلى الله عليه
وعلى آله وأصحابه ما امتدت البحور، وتعاقب العشي والبكور، والتابعين ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم النشور، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم
-عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فهي أربح المكاسب، وأجزل المواهب، وأسمى
المناقب، وبها تنال أعلى المراتب، وتتحقق أعظم المطالب.
عباد
الله: تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة
عام مبارك بإذن الله، بعد أن أفلت شمسُ عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه،
فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله!
ما
أسرع مرور الليالي والأيام! وتصرُّم الشهور والأعوام! لكن الموفق الملهم
من أخذ من ذلك دروساً وعبراً، واستفاد منه مُدَّكَراً ومُزدَجَراً، وتزود
من الممر للمقر؛ فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد مَن
حاذَرَ الغفلة عن الدار الآخرة، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة،
فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، واللهَ نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام
والمسلمين، وصلاحاً لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية
بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.
إخوة
الإسلام: حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطره تأريخنا الإسلامي
المجيد من أحداث عظمية، ووقائع جسيمة، لها مكانتها الإسلامية، ولها آثارها
البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها، وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان، وسعيها
في تحقيق مصالح العباد، في أمور المعاش والمعاد.
معاشر
المسلمين: ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمة الجديرة
بالإشادة والتذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد؛ علها تكون سبباً في
شحذ الهمم، واستنهاض العزمات، للتمسك الجاد بكتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وحاملة على الاتعاظ والاعتبار، ووقفات المحاسبة الدقيقة،
ونظرات المراجعة المستديمة في الأمة؛ تجريداً للمواقف، وإصلاحاً للمناهج،
وتقويماً للمسيرة في كافة جوانبها.......
أمة الإسلام: ودرس آخر من دروس الهجرة النبوية
يتجلى في أن عقيدة التوحيد هي الرابطة التي تتضاءل أمامها الانتماءات
القومية، والتمايزات القبلية، والعلاقات الحزبية.
إن طريق الأمة للتبجيل والتكريم مدين بولائها لعقيدتها، وارتباطها بمبادئها.
يُقال
ذلك -أيها المسلمون- وفي الأمة في أعقاب الزمن منهزمون كُثُر أمام تيارات
إلحادية وافدة، ومبادئ عصرية زائفة، تُرفَع شعارات مصطنعة، وتطلق نداءات
خادعة، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذل والصغار، والمهانة والتبار،
والشقاء والبوار؛ فأهواء في الاعتقاد، ومذاهب في السياسة، ومشارب في
الاجتماع والاقتصاد، كانت نتيجتها التخلف المهين، والتمزق المشين.
وفي خضم هذا الواقع المزري يحق لنا أن نتساءل بحرقة وأسى: أين دروس الهجرة في التوحيد والوحدة؟!
أين أخوة المهاجرين والأنصار من شعارات حقوق الإنسان المعاصرة ومدنيته الزائفة؟!
فقولوا لي بربكم: أي نظام راعى حقوق الإنسان وكرمه أحسن تكريم، وكفل حقوقه كهذا الدين القويم؟!
فلتصغ
منظماتُ حقوق الإنسان العالمية إلى هذه الحقائق، وتطَّرح الشائعات المغرضة
عن الإسلام وأهله وبلاده؛ إن أرادت توخي الصدق والموضوعية.
إخوة العقيدة: وأول هذه الإشارات مع حدث الساعة
وحديثها، الحدث الذي غير مجرى التاريخ، الحدث الذي يحمل في طياته معاني
الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة
والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء.
إنه
حدث الهجرة النبوية الذي جعله الله سبحانه طريقاً للنصر والعزة ورفع راية
الإسلام، وتشييد دولته وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في
جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيساً في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه
وكونه وخلقه.
إن في
هذا الحدث العظيم من الآيات البينات، والآثار النيرات، والدروس والعبر
البالغات، ما لو استلهمته أمة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على
مفترق الطرق؛ لتحقق لها عزها وقوتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمت علم اليقين
أنه لا حل لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها؛ إلا بالتمسك بإسلامها، والتزامها
بعقيدتها وإيمانها، فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بشيراً
ونذيراً ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة
والنصر والتمكين إلا لما خضعوا لرب العالمين.
وهيهات أن يحل أمن ورخاء وسلام إلا باتباع نهج الأنبياء والمرسلين.
إذا
تحقق ذلك -أيها المسلمون- وتذكرت الأمة هذه الحقائق الناصعة، وعملت على
تحقيقها في واقع حياتها كانت هي السلاح الفاعل الذي تقاتل به، والدرع
الحصين الذي تتقي به في وجه الهجمات الكاسحة، والصراع العالمي العنيف،
فالقوة لله جميعاً، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
أمة
التوحيد والوحدة: لقد أكدت دروس الهجرة النبوية أن عزة الأمة تكمن في
تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها، وأن أي تفريط في أمر العقيدة،
أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد، وتفكك المجتمع، وهزيمة الأمة.
وإن
المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التاريخ؛ يجد أن مرد ذلك إلى
التفريط في أمر العقيدة، والتساهل في جانب الثوابت المعنوية، مهما تقدمت
الوسائل المادية.
وقوة الإيمان تفعل الأعاجيب، وتجعل المؤمن صادقاً في الثقة بالله، والاطمئنان إليه، والاتكال عليه، لا سيما في الشدائد.
ينظر أبو بكر الصديق إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار، فيقول: {[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أبا بكر ! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! } الله أكبر! ما أعظم لطف الله بعباده، ونصره لأوليائه!
وفي هذا درس بليغ لدعاة الحق وأهل الإصلاح في الأمة: أنه مهما احلولكت الظلمات فوعد الله آت لا محالة: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][يوسف:110].
إن هذه الإلماحة إلى درس الهجرة
في التضحية والبذل والفداء، ومراعاة كرامة الإنسان والحفاظ على حريته
وحقوقه يجر -يا رعاكم الله- إلى تذكر أحوال إخواننا في العقيدة، في بقاع
شتى من العالم، حيث حلت بهم مصائب وبلايا، ونكبات ورزايا.
سائلوا أرض النبوَّات، ومهد الحضارات، ومنطلق الرسالات، وبلاد المعجزات؛ فلسطين المجاهدة: ماذا تعاني من صلف يهودي سافر، ومن حقد صهيوني أرعن؟!
سائلوا الشيشان و كشمير وغيرهما عن الأوضاع المأساوية؟
علَّ دروس الهجرة النبوية تحرك نخوة، وتشحذ همة، وتنهض عزماً، وما ذلك على الله بعزيز.......
إخوة الإيمان: في مجال تربية الشباب والمرأة،
وميدان البيت والأسرة، يبرز الأثر العظيم في حدث الهجرة المصطفوية على
صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر
في خدمة ونصرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام -بأبي هو
وأمي- ما يجلي أثر الشباب في الدعوة، ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة.
أين
هذا مما ينادي به بعض المحسوبين على فكر الأمة وثقافتها من تخدير الشباب
بالشهوات، وجعلهم فريسة لمهازل القنوات، وشبكات المعلومات في الوقت الذي
يُعدُّون فيه للاضطلاع بأغلى المهمات بالحفاظ على الدين والقيم والثبات
على الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة، ودعاوى العولمة المفضوحة؟
أيها الإخوة والأخوات: وفي موقف أسماء بنت أبي بكر
ا -ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم- ما يجلي دور المرأة
المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فأين هذا من دُعاة المدنية المأفونة
الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم، زاعمين -زوراً وبهتاناً- أن تمسك
المرأة بثوابتها وقيمها، واعتزازها بحجابها وعفافها؛ تقييد لحريتها وفقد
لشخصيتها؟! وبئس ما زعموا.
خرجت
المرأة من البيت تبحث عن سعادة موهومة، وتقدمية مزعومة، وهي تظنها في
الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف، مدنسة العرض،
مغتصبة الحقوق، عديمة الحياء، موءودة الغيرة، وتلك صورة من صور إنسانيات
العصر المزعومة، وحريته المأفونة، ومدنيته المدعاة.
ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثاث وراء السراب الخادع، والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.
أيها الأحبة في الله: وإشارة أخرى إلى أمر يتعلق
بحدث الهجرة النبوية في قضية تعبر بجلاء عن اعتزاز هذه الأمة بشخصيتها
الإسلامية، وتثبت للعالم بأسره استقلال هذه الأمة بمنهجها المتميز المستقى
من عقيدتها وتاريخها وحضارتها، إنها قضية إسلامية وسنة عُمَرية، أجمع
عليها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب ، إنها التوقيت والتاريخ بالهجرة النبوية المباركة.
وكم
لهذه القضية من مغزىً عظيم يجدر بأمة الإسلام اليوم تذكره والتقيد به؟!
كيف وقد فُتن بعض أبنائها بتقليد غير المسلمين والتشبه بهم في تاريخهم
وأعيادهم؟! أين عزة الإسلام؟! وأين هي شخصية المسلمين؟! هل ذابت في خضم
مغريات الحياة؟!
فإلى
الذين تنكروا لثوابتهم، وخدشوا بهاء هويتهم، وعملوا على إلغاء ذاكرة
أمتهم، وتهافتوا تهافتاً مذموماً، وانساقوا انسياقاً محموماً خلف خصومهم،
وذابوا وتميعوا أمام أعدائهم.
ننادي
نداء المحبة والإشفاق: رويدكم، فنحن أمة ذات أمجاد وأصالة، وتاريخ وحضارة،
ومنهج متميز منبثق من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
فلا
مساومة على شيء من عقيدتنا وثوابتنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى تقليد
غيرنا، بل إن غيرنا في الحقيقة بحاجة إلى أن يستفيد من أصالتنا وحضارتنا؛
لكنه التقليد والتبعية، والمجاراة والانهزامية، والتشبه الأعمى من بعض
المسلمين هداهم الله، وقد حذر صلى الله عليه وسلم أمته من ذلك بقوله فيما
أخرج الإمام أحمد ، وأهل السنن: {[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] } والله المستعان
أيها الإخوة المسلمون: وثالث
هذه الإشارات إلى حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة
الله لأوليائه، وانتقامه من أعدائه مهما تطاول، إنه حدث قديم؛ لكنه بمغزاه
متجدد عبر الأمصار والأعصار.
إنه
يوم انتصار نبي الله وكليمه موسى ، وهلاك فرعون الطاغية، وكم
في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفكر للدعاة إلى الله في كل زمان
ومكان؟! فمهما بلغ الكيد والأذى والظلم والتسلط فإن نصر الله قريب، ويا
لها من عبرة لكل عدو لله ولرسوله ممن مشى على درب فرعون؛ أن الله منتقم من
الطغاة الظالمين، طال الزمان أو قصر!
فيوم الهجرة ويوم عاشوراء يومان من أيام النصر الخالدة.
ألا فليقر أعيناً بذلك أهلُ الحق ودُعاتُه، فالعاقبة للمتقين، وليتنبه لذلك قبل فوات الأوان أهلُ الباطل ودُعاتُه: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][النازعات:26].. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][الفجر:14]
وإن في الحوادث لَعِبَراً، وإن في التاريخ لَخَبَراً، وإن في الآيات
لَنُذُراً، وإن في القصص والأخبار لَمُدَّكَراً ومُزْدَجَراً: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لَقَدْ
كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً
يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][يوسف:111].
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا إنك خير مسئول وأكرم مأمول.
أقول
قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل الذنوب
والخطايا والسيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان تواباً.......