الشروط التي يجب توفرها في الإمـام
الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد..
في هذا اللقاء نتعرف على حكم شرعي في الإمـامة وهـو: الشروط التي يجب أن تتوفر في إمـام الصــلاة؟!
هناك شروط متفق عليها بين العلماء فيمن يأمّ الناس في الصلاة وشروط مختلف فيها..
فمن المتفق عليها:
1. أن يكون الإمام مسلماً.. فلا تصح صلاة الكافر فضلاً عن إمامته، اتفق على ذلك العلماء.. فالكافر لا يقبل منه صرف ولا عدل، ولا يقبل منه عمل حتى يدخل في الإسلام كما قال –تعالى-:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران. وقوله: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}التوبة: 54.
ومن السنة حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. رواه مسلم: (214)
2. أن يكون بالغاً مميزاً .. فلا تصح إمامة الصبي غير المميز باتفاق، وأما الصبي المميز فقد وقع فيه الخلاف على قولين؛ قول بالجواز وآخر بعدمه, كما سيأتي.
3. أن يكون القوم وراءه راضين عنه، ويخرج بهذا الشرط من أم قوماً وهم له كارهون، فقد اتفق الأئمة الأربعـة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوماً وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كأن يكون ظالماً، أو يعاشر أهل الفسوق، أو ينقص هيئات الصلاة ولا يكملها.. أما إذا كرهوه لغير ذلك، وهو مع ذلك ذو دين وسنة فلا تكره إمامته..
واشترط الشافعية أن يكون أغلبهم يكرهونه أما إذا كرهه نصفهم فأقل فإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة إمامته. ذكره النووي في المجموع.
واستدلوا على بأدلة منها منها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو صحيح. وروى نحوه الترمذي والبيهقي.
وأما الشروط المختلف فيها فنورد منها:
1- العدالة: اختلف في إمامة الفاسق؛ هو المصِرُّ على الصغائر أو الواقع في الكبائر.. مع اتفاقهم على كراهة الصلاة خلفه؛ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها : فقيل لا تصح . كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما . وقيل : بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته... .23/357
لعل السبب في كراهة العلماء للصلاة خلف الفاسق هو عدم الوثوق به في المحافظة على الشروط؛ أو لأن في تقديمه تقليلاً للجمـاعـة لكره بعض المصلين له، أما نزاعهم في صحة الصلاة خلف الفاسق ، والمبتدع فهو إذا كان الإمام فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلى خلف عدل . فقيل : تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا . وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة. وقيل: لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد. والله أعلم 23/ و3/280
"وهذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة مثل بدع الرافضة والجهمية ونحوهم . فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد مثل " مسألة الحرف والصوت " ونحوها فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا وكلاهما جاهل متأول فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس فأما إذا ظهرت السنة وعلمت فخالفها واحد فهذا هو الذي فيه النزاع والله أعلم .. .23/356
"وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْعُلَمَاءِ . مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَنَّهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يُشْرَعُ بِحَيْثُ تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْكَارِ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ هَذَا فَكَانَتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَيُعِيدُهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يُعِيدُ . قَالَ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ هُوَ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَة ِ23/342..
أي في افكاك جهة الأمر عن جهة النهي.
هل تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع؟ وذلك كمن صلى خلف حنفي لا يقرأ الفاتحة، ولا يرى وجوبها، مع أن من خلفه يرى أنها ركن تبطل الصلاة بدون قراءتها ؟ فما الحكم؟
عند المالكية ووجه عند أصحاب الشافعي اختاره القفال، وهو رواية عن أحمد، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم أن صلاة المأموم صحيحة، واستدلوا بحديث: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهـم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم) رواه البخاري.
فدل الحديث على أن الخطأ يتحمله الإمام وليس على المأموم شيء؛ ولأنه يعتقد أن الإمام مجتهد في ذلك، وهو معذور باجتهاده، فصلاته صحيحة.
القول الثاني: لا تصح الصلاة خلفه؛ لأن المأموم يعتقد فساد صلاته، ومعلوم أن الإمـام إذا فسدت صلاته فسدت إمامته من باب أولى.
والراجح القول الأول والله أعلم..
2- المسألة الثالثة: صلاة الصبي المميز، إمامته في الفرض فيها خلاف:
1) تصح إمامته في الصلاة المفروضة، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، ودليلهم حديث عمرو بن سلمة أنه أَمَّ قومه وعمره ست أو سبع سنين. رواه البخاري.
2) لا تصح إمامته وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة.. قالوا: لأن الصلاة لا تجب على الصبي، فهي في حقه نفل، وفي حق المأموم فرض، وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الاختلاف على الإمام.. واستدلوا بحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ...) الحديث..
وفي النفل اختلفوا على قولين: تصح إمامته وهو قول الشافعية والمالكية وأحمد.
وقيل: لا تصح إمامته وهو قول الأحناف. وقالوا: لا فرق بين الفرض والنفل في عدم الصحـة.. والصحيح صحة الصلاة خلفه إذا كان طاهر الملبس والجسد محسن لشروط الصلاة وأركانها؛ ولأنه قد يكون ذا قراءة حسنه تفضل قراءة كثير من المؤتمين به؛ كما جوز الرسول لعمرو بن سلمة أن يؤم قومه وهو صبي لم يجاوز السابعـة من عمره.
ما حكم إمامة الأمي اللحَّـان: أي الذي يلحـن بقراءة الفاتحـة لحناً فاحشاً يحيل المعنى؟
فيه قولان:
1. قول الأئمة الأربعـة عدم صحة إمامته، ولا تصح الصلاة خلفه لحـديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه، ولأن من أخل بقراءتها لا يعتبر قارئاً لها قراءة تامة.
2. قول عطاء بن أبي رباح وقتادة والمزني وأبي ثور وابن المنذر: تجوز الصلاة خلفه، والأول أصــح..
إذن: نأخذ شرطاً من هذا الموضوع للحديث السابق ألا وهو: أن تكون قراءة الإمام للفاتحة صحيحة، لا تحيل المعنى، فإن كان يلحن لحناً شديداً يحيل المعنى، فلا يجـوز للقارئ أن يأتم بالعامي اللحَّان.
3- المسالة الرابعـة: إمـامة المرأة للرجـال:
القول الأول: لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال مطلقاً في الفرض والنفل، وهو قول الأحناف والمالكية والشافعية، وهو مذهب أحمد في الفرض، وأما في النفل فهو رواية عن أحمد وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة.. وفي رواية تصح الصلاة خلفها في التراويح.. استدلوا من استدلوا؟ بقوله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) رواه مسلم.
فدل على أن موقفهن التأخر عن الرجال، والإمـام لا يكون إلا متقدماً؛ فإذن لا تجوز إمامتها للرجال. واستدلوا بحديث: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري والترمذي.
قالوا : والصلاة نوع من الولاية.. وغيرها من الأدلة.
القول الثاني: لا تصح إمـامة المرأة في الفرض وتصح في التراويح، وهي رواية عن أحمد، وهو الأشهر عند المتقدمين من أصحاب الإمام أحمد.
واستدلوا بحديث أم ورقة بنت نوفل -رضي الله عنها- أنها استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ مؤذناً في دارها فأذن لهـن. وفي رواية: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً) رواه أبو داود والحاكم والدارقطني وابن خزيمة..وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
فدل الحديث على أنها تصلي بأهل دارها ومن بينهم المؤذن..
القول الثالث: جواز إمـامة المرأة للرجال مطلقاً، أي في الفرض والنفل وهو قول أبي ثور والمزني وابن جرير الطبري، ذكر ذلك النووي في المجموع.
واستدلوا بما جاء في حديث أم ورقة بنت نوفل في رواية: أنه أمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض، وكان من ضمنهم المؤذن، فدل على جواز إمامتها في الفرض والنفل.. والصحيح عدم الصحة لما سبق من الأدلة، وأن القول بجواز إمامة المرأة للرجال يفتح أبواباً للفتن والشر، وأمور لا تحمد عقباها، وأن ما استدل به أصحاب هذا القول لا يدل على المقصود، وهي حادثة معينة ورخصة من الرسول لامرأة لا يستفاد منها التعميم.. كيف لا وقد نهى الرسول عن الاختلاط وأمر النساء بالتوسيع لمرور الرجال في الطرق، وتميزهن عن الرجال في الصلاة، وجعلهن خلفهم، فكيف لو كانت المرأة أمامهم تركع وتسجد!! وهذا القول -والله أعلم- لم يعمل به، وهو دليل على ضعفه، وأن المصائب والفتن قد تحصل إذا أمت المرأة الرجال خاصة في أزمنة كثرت فيها المغريات..
الخلاصـة:
أن شروط الإمامة هي:
الشرط الأول: كون الإمام مسلماً فلا تصح إمامة الكافر.
الشرط الثاني: كونه بالغاً مكلفاً بفرائض الإسلام –واختلف في التمييز-.
الشرط الثالث: أن يكون القوم راضين عنه وعن سيرته الخلقية والدينية غير كارهين له..
الشروط المختلف فيها: نذكر الراجح منها:
إمامة المسلم الفاسق الذي يقع في كبائر الذنوب الغليظة كالفواحش مكروهة كراهة شديدة، وقد لا تصح بحسب عظم الذنب.
1. الشرط الرابع: تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع كمن لا يرى قراءة الفاتحة فرضاً ومن يرى أن لمس المرأة ليس بناقض مع أن المأموم يراه ناقصاً، وهكذا...
2. صحة صلاة الصبي المميز
3. أن يكون الإمام للرجال رجلاً على الراجح فلا تصح إمـامـة المرأة للرجـال..
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد..
في هذا اللقاء نتعرف على حكم شرعي في الإمـامة وهـو: الشروط التي يجب أن تتوفر في إمـام الصــلاة؟!
هناك شروط متفق عليها بين العلماء فيمن يأمّ الناس في الصلاة وشروط مختلف فيها..
فمن المتفق عليها:
1. أن يكون الإمام مسلماً.. فلا تصح صلاة الكافر فضلاً عن إمامته، اتفق على ذلك العلماء.. فالكافر لا يقبل منه صرف ولا عدل، ولا يقبل منه عمل حتى يدخل في الإسلام كما قال –تعالى-:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران. وقوله: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}التوبة: 54.
ومن السنة حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. رواه مسلم: (214)
2. أن يكون بالغاً مميزاً .. فلا تصح إمامة الصبي غير المميز باتفاق، وأما الصبي المميز فقد وقع فيه الخلاف على قولين؛ قول بالجواز وآخر بعدمه, كما سيأتي.
3. أن يكون القوم وراءه راضين عنه، ويخرج بهذا الشرط من أم قوماً وهم له كارهون، فقد اتفق الأئمة الأربعـة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوماً وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كأن يكون ظالماً، أو يعاشر أهل الفسوق، أو ينقص هيئات الصلاة ولا يكملها.. أما إذا كرهوه لغير ذلك، وهو مع ذلك ذو دين وسنة فلا تكره إمامته..
واشترط الشافعية أن يكون أغلبهم يكرهونه أما إذا كرهه نصفهم فأقل فإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة إمامته. ذكره النووي في المجموع.
واستدلوا على بأدلة منها منها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو صحيح. وروى نحوه الترمذي والبيهقي.
وأما الشروط المختلف فيها فنورد منها:
1- العدالة: اختلف في إمامة الفاسق؛ هو المصِرُّ على الصغائر أو الواقع في الكبائر.. مع اتفاقهم على كراهة الصلاة خلفه؛ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها : فقيل لا تصح . كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما . وقيل : بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته... .23/357
لعل السبب في كراهة العلماء للصلاة خلف الفاسق هو عدم الوثوق به في المحافظة على الشروط؛ أو لأن في تقديمه تقليلاً للجمـاعـة لكره بعض المصلين له، أما نزاعهم في صحة الصلاة خلف الفاسق ، والمبتدع فهو إذا كان الإمام فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلى خلف عدل . فقيل : تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا . وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة. وقيل: لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد. والله أعلم 23/ و3/280
"وهذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة مثل بدع الرافضة والجهمية ونحوهم . فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد مثل " مسألة الحرف والصوت " ونحوها فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا وكلاهما جاهل متأول فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس فأما إذا ظهرت السنة وعلمت فخالفها واحد فهذا هو الذي فيه النزاع والله أعلم .. .23/356
"وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْعُلَمَاءِ . مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَنَّهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يُشْرَعُ بِحَيْثُ تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْكَارِ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ هَذَا فَكَانَتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَيُعِيدُهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يُعِيدُ . قَالَ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ هُوَ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَة ِ23/342..
أي في افكاك جهة الأمر عن جهة النهي.
هل تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع؟ وذلك كمن صلى خلف حنفي لا يقرأ الفاتحة، ولا يرى وجوبها، مع أن من خلفه يرى أنها ركن تبطل الصلاة بدون قراءتها ؟ فما الحكم؟
عند المالكية ووجه عند أصحاب الشافعي اختاره القفال، وهو رواية عن أحمد، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم أن صلاة المأموم صحيحة، واستدلوا بحديث: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهـم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم) رواه البخاري.
فدل الحديث على أن الخطأ يتحمله الإمام وليس على المأموم شيء؛ ولأنه يعتقد أن الإمام مجتهد في ذلك، وهو معذور باجتهاده، فصلاته صحيحة.
القول الثاني: لا تصح الصلاة خلفه؛ لأن المأموم يعتقد فساد صلاته، ومعلوم أن الإمـام إذا فسدت صلاته فسدت إمامته من باب أولى.
والراجح القول الأول والله أعلم..
2- المسألة الثالثة: صلاة الصبي المميز، إمامته في الفرض فيها خلاف:
1) تصح إمامته في الصلاة المفروضة، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، ودليلهم حديث عمرو بن سلمة أنه أَمَّ قومه وعمره ست أو سبع سنين. رواه البخاري.
2) لا تصح إمامته وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة.. قالوا: لأن الصلاة لا تجب على الصبي، فهي في حقه نفل، وفي حق المأموم فرض، وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الاختلاف على الإمام.. واستدلوا بحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ...) الحديث..
وفي النفل اختلفوا على قولين: تصح إمامته وهو قول الشافعية والمالكية وأحمد.
وقيل: لا تصح إمامته وهو قول الأحناف. وقالوا: لا فرق بين الفرض والنفل في عدم الصحـة.. والصحيح صحة الصلاة خلفه إذا كان طاهر الملبس والجسد محسن لشروط الصلاة وأركانها؛ ولأنه قد يكون ذا قراءة حسنه تفضل قراءة كثير من المؤتمين به؛ كما جوز الرسول لعمرو بن سلمة أن يؤم قومه وهو صبي لم يجاوز السابعـة من عمره.
ما حكم إمامة الأمي اللحَّـان: أي الذي يلحـن بقراءة الفاتحـة لحناً فاحشاً يحيل المعنى؟
فيه قولان:
1. قول الأئمة الأربعـة عدم صحة إمامته، ولا تصح الصلاة خلفه لحـديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه، ولأن من أخل بقراءتها لا يعتبر قارئاً لها قراءة تامة.
2. قول عطاء بن أبي رباح وقتادة والمزني وأبي ثور وابن المنذر: تجوز الصلاة خلفه، والأول أصــح..
إذن: نأخذ شرطاً من هذا الموضوع للحديث السابق ألا وهو: أن تكون قراءة الإمام للفاتحة صحيحة، لا تحيل المعنى، فإن كان يلحن لحناً شديداً يحيل المعنى، فلا يجـوز للقارئ أن يأتم بالعامي اللحَّان.
3- المسالة الرابعـة: إمـامة المرأة للرجـال:
القول الأول: لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال مطلقاً في الفرض والنفل، وهو قول الأحناف والمالكية والشافعية، وهو مذهب أحمد في الفرض، وأما في النفل فهو رواية عن أحمد وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة.. وفي رواية تصح الصلاة خلفها في التراويح.. استدلوا من استدلوا؟ بقوله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) رواه مسلم.
فدل على أن موقفهن التأخر عن الرجال، والإمـام لا يكون إلا متقدماً؛ فإذن لا تجوز إمامتها للرجال. واستدلوا بحديث: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري والترمذي.
قالوا : والصلاة نوع من الولاية.. وغيرها من الأدلة.
القول الثاني: لا تصح إمـامة المرأة في الفرض وتصح في التراويح، وهي رواية عن أحمد، وهو الأشهر عند المتقدمين من أصحاب الإمام أحمد.
واستدلوا بحديث أم ورقة بنت نوفل -رضي الله عنها- أنها استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ مؤذناً في دارها فأذن لهـن. وفي رواية: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً) رواه أبو داود والحاكم والدارقطني وابن خزيمة..وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
فدل الحديث على أنها تصلي بأهل دارها ومن بينهم المؤذن..
القول الثالث: جواز إمـامة المرأة للرجال مطلقاً، أي في الفرض والنفل وهو قول أبي ثور والمزني وابن جرير الطبري، ذكر ذلك النووي في المجموع.
واستدلوا بما جاء في حديث أم ورقة بنت نوفل في رواية: أنه أمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض، وكان من ضمنهم المؤذن، فدل على جواز إمامتها في الفرض والنفل.. والصحيح عدم الصحة لما سبق من الأدلة، وأن القول بجواز إمامة المرأة للرجال يفتح أبواباً للفتن والشر، وأمور لا تحمد عقباها، وأن ما استدل به أصحاب هذا القول لا يدل على المقصود، وهي حادثة معينة ورخصة من الرسول لامرأة لا يستفاد منها التعميم.. كيف لا وقد نهى الرسول عن الاختلاط وأمر النساء بالتوسيع لمرور الرجال في الطرق، وتميزهن عن الرجال في الصلاة، وجعلهن خلفهم، فكيف لو كانت المرأة أمامهم تركع وتسجد!! وهذا القول -والله أعلم- لم يعمل به، وهو دليل على ضعفه، وأن المصائب والفتن قد تحصل إذا أمت المرأة الرجال خاصة في أزمنة كثرت فيها المغريات..
الخلاصـة:
أن شروط الإمامة هي:
الشرط الأول: كون الإمام مسلماً فلا تصح إمامة الكافر.
الشرط الثاني: كونه بالغاً مكلفاً بفرائض الإسلام –واختلف في التمييز-.
الشرط الثالث: أن يكون القوم راضين عنه وعن سيرته الخلقية والدينية غير كارهين له..
الشروط المختلف فيها: نذكر الراجح منها:
إمامة المسلم الفاسق الذي يقع في كبائر الذنوب الغليظة كالفواحش مكروهة كراهة شديدة، وقد لا تصح بحسب عظم الذنب.
1. الشرط الرابع: تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع كمن لا يرى قراءة الفاتحة فرضاً ومن يرى أن لمس المرأة ليس بناقض مع أن المأموم يراه ناقصاً، وهكذا...
2. صحة صلاة الصبي المميز
3. أن يكون الإمام للرجال رجلاً على الراجح فلا تصح إمـامـة المرأة للرجـال..
هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.