Islam for all-الإسلام للجميع

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Islam for all-الإسلام للجميع

الشروط التي يجب توفرها في الإمـام Aya10
Questo sito e' protetto con
Norton Safe Web


    الشروط التي يجب توفرها في الإمـام

    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut الشروط التي يجب توفرها في الإمـام

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الخميس 2 سبتمبر - 22:47:23

    الشروط التي يجب توفرها في الإمـام



    الحمد لله رب العالمين، عم بنعمته الخلائق كلها، على مدار الأعوام والسنين، وأكمل دين الإسلام ورضيه ديناً لعباده المؤمنين.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الأكرمين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد..

    في هذا اللقاء نتعرف على حكم شرعي في الإمـامة وهـو: الشروط التي يجب أن تتوفر في إمـام الصــلاة؟!

    هناك شروط متفق عليها بين العلماء فيمن يأمّ الناس في الصلاة وشروط مختلف فيها..



    فمن المتفق عليها:

    1. أن يكون الإمام مسلماً.. فلا تصح صلاة الكافر فضلاً عن إمامته، اتفق على ذلك العلماء.. فالكافر لا يقبل منه صرف ولا عدل، ولا يقبل منه عمل حتى يدخل في الإسلام كما قال –تعالى-:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (85) سورة آل عمران. وقوله: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}التوبة: 54.

    ومن السنة حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. رواه مسلم: (214)

    2. أن يكون بالغاً مميزاً .. فلا تصح إمامة الصبي غير المميز باتفاق، وأما الصبي المميز فقد وقع فيه الخلاف على قولين؛ قول بالجواز وآخر بعدمه, كما سيأتي.

    3. أن يكون القوم وراءه راضين عنه، ويخرج بهذا الشرط من أم قوماً وهم له كارهون، فقد اتفق الأئمة الأربعـة على أنه يكره أن يؤم المسلم قوماً وهم له كارهون، وذلك إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كأن يكون ظالماً، أو يعاشر أهل الفسوق، أو ينقص هيئات الصلاة ولا يكملها.. أما إذا كرهوه لغير ذلك، وهو مع ذلك ذو دين وسنة فلا تكره إمامته..



    واشترط الشافعية أن يكون أغلبهم يكرهونه أما إذا كرهه نصفهم فأقل فإن ذلك لا يؤدي إلى كراهة إمامته. ذكره النووي في المجموع.

    واستدلوا على بأدلة منها منها ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-قال: (ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان) رواه ابن ماجه وابن حبان وهو صحيح. وروى نحوه الترمذي والبيهقي.



    وأما الشروط المختلف فيها فنورد منها:

    1- العدالة: اختلف في إمامة الفاسق؛ هو المصِرُّ على الصغائر أو الواقع في الكبائر.. مع اتفاقهم على كراهة الصلاة خلفه؛ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها : فقيل لا تصح . كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما . وقيل : بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته... .23/357

    لعل السبب في كراهة العلماء للصلاة خلف الفاسق هو عدم الوثوق به في المحافظة على الشروط؛ أو لأن في تقديمه تقليلاً للجمـاعـة لكره بعض المصلين له، أما نزاعهم في صحة الصلاة خلف الفاسق ، والمبتدع فهو إذا كان الإمام فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلى خلف عدل . فقيل : تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا . وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة. وقيل: لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد. والله أعلم 23/ و3/280



    "وهذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة مثل بدع الرافضة والجهمية ونحوهم . فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد مثل " مسألة الحرف والصوت " ونحوها فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا وكلاهما جاهل متأول فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس فأما إذا ظهرت السنة وعلمت فخالفها واحد فهذا هو الذي فيه النزاع والله أعلم .. .23/356

    "وَحِينَئِذٍ فَإِذَا صَلَّى خَلْفَ الْفَاجِرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْعُلَمَاءِ . مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَنَّهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَا يُشْرَعُ بِحَيْثُ تَرَكَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْكَارِ بِصَلَاتِهِ خَلْفَ هَذَا فَكَانَتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَيُعِيدُهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يُعِيدُ . قَالَ : لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا صَحِيحَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ هُوَ أَمْرٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ بَعْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَة ِ23/342..

    أي في افكاك جهة الأمر عن جهة النهي.



    هل تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع؟ وذلك كمن صلى خلف حنفي لا يقرأ الفاتحة، ولا يرى وجوبها، مع أن من خلفه يرى أنها ركن تبطل الصلاة بدون قراءتها ؟ فما الحكم؟

    عند المالكية ووجه عند أصحاب الشافعي اختاره القفال، وهو رواية عن أحمد، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم أن صلاة المأموم صحيحة، واستدلوا بحديث: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهـم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم) رواه البخاري.

    فدل الحديث على أن الخطأ يتحمله الإمام وليس على المأموم شيء؛ ولأنه يعتقد أن الإمام مجتهد في ذلك، وهو معذور باجتهاده، فصلاته صحيحة.

    القول الثاني: لا تصح الصلاة خلفه؛ لأن المأموم يعتقد فساد صلاته، ومعلوم أن الإمـام إذا فسدت صلاته فسدت إمامته من باب أولى.

    والراجح القول الأول والله أعلم..



    2- المسألة الثالثة: صلاة الصبي المميز، إمامته في الفرض فيها خلاف:

    1) تصح إمامته في الصلاة المفروضة، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، ودليلهم حديث عمرو بن سلمة أنه أَمَّ قومه وعمره ست أو سبع سنين. رواه البخاري.

    2) لا تصح إمامته وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة.. قالوا: لأن الصلاة لا تجب على الصبي، فهي في حقه نفل، وفي حق المأموم فرض، وقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الاختلاف على الإمام.. واستدلوا بحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ...) الحديث..



    وفي النفل اختلفوا على قولين: تصح إمامته وهو قول الشافعية والمالكية وأحمد.

    وقيل: لا تصح إمامته وهو قول الأحناف. وقالوا: لا فرق بين الفرض والنفل في عدم الصحـة.. والصحيح صحة الصلاة خلفه إذا كان طاهر الملبس والجسد محسن لشروط الصلاة وأركانها؛ ولأنه قد يكون ذا قراءة حسنه تفضل قراءة كثير من المؤتمين به؛ كما جوز الرسول لعمرو بن سلمة أن يؤم قومه وهو صبي لم يجاوز السابعـة من عمره.

    ما حكم إمامة الأمي اللحَّـان: أي الذي يلحـن بقراءة الفاتحـة لحناً فاحشاً يحيل المعنى؟



    فيه قولان:

    1. قول الأئمة الأربعـة عدم صحة إمامته، ولا تصح الصلاة خلفه لحـديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه، ولأن من أخل بقراءتها لا يعتبر قارئاً لها قراءة تامة.

    2. قول عطاء بن أبي رباح وقتادة والمزني وأبي ثور وابن المنذر: تجوز الصلاة خلفه، والأول أصــح..

    إذن: نأخذ شرطاً من هذا الموضوع للحديث السابق ألا وهو: أن تكون قراءة الإمام للفاتحة صحيحة، لا تحيل المعنى، فإن كان يلحن لحناً شديداً يحيل المعنى، فلا يجـوز للقارئ أن يأتم بالعامي اللحَّان.

    3- المسالة الرابعـة: إمـامة المرأة للرجـال:

    القول الأول: لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال مطلقاً في الفرض والنفل، وهو قول الأحناف والمالكية والشافعية، وهو مذهب أحمد في الفرض، وأما في النفل فهو رواية عن أحمد وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة.. وفي رواية تصح الصلاة خلفها في التراويح.. استدلوا من استدلوا؟ بقوله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) رواه مسلم.

    فدل على أن موقفهن التأخر عن الرجال، والإمـام لا يكون إلا متقدماً؛ فإذن لا تجوز إمامتها للرجال. واستدلوا بحديث: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) رواه البخاري والترمذي.

    قالوا : والصلاة نوع من الولاية.. وغيرها من الأدلة.

    القول الثاني: لا تصح إمـامة المرأة في الفرض وتصح في التراويح، وهي رواية عن أحمد، وهو الأشهر عند المتقدمين من أصحاب الإمام أحمد.

    واستدلوا بحديث أم ورقة بنت نوفل -رضي الله عنها- أنها استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ مؤذناً في دارها فأذن لهـن. وفي رواية: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً) رواه أبو داود والحاكم والدارقطني وابن خزيمة..وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

    فدل الحديث على أنها تصلي بأهل دارها ومن بينهم المؤذن..

    القول الثالث: جواز إمـامة المرأة للرجال مطلقاً، أي في الفرض والنفل وهو قول أبي ثور والمزني وابن جرير الطبري، ذكر ذلك النووي في المجموع.

    واستدلوا بما جاء في حديث أم ورقة بنت نوفل في رواية: أنه أمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض، وكان من ضمنهم المؤذن، فدل على جواز إمامتها في الفرض والنفل.. والصحيح عدم الصحة لما سبق من الأدلة، وأن القول بجواز إمامة المرأة للرجال يفتح أبواباً للفتن والشر، وأمور لا تحمد عقباها، وأن ما استدل به أصحاب هذا القول لا يدل على المقصود، وهي حادثة معينة ورخصة من الرسول لامرأة لا يستفاد منها التعميم.. كيف لا وقد نهى الرسول عن الاختلاط وأمر النساء بالتوسيع لمرور الرجال في الطرق، وتميزهن عن الرجال في الصلاة، وجعلهن خلفهم، فكيف لو كانت المرأة أمامهم تركع وتسجد!! وهذا القول -والله أعلم- لم يعمل به، وهو دليل على ضعفه، وأن المصائب والفتن قد تحصل إذا أمت المرأة الرجال خاصة في أزمنة كثرت فيها المغريات..



    الخلاصـة:

    أن شروط الإمامة هي:

    الشرط الأول: كون الإمام مسلماً فلا تصح إمامة الكافر.

    الشرط الثاني: كونه بالغاً مكلفاً بفرائض الإسلام –واختلف في التمييز-.

    الشرط الثالث: أن يكون القوم راضين عنه وعن سيرته الخلقية والدينية غير كارهين له..



    الشروط المختلف فيها: نذكر الراجح منها:

    إمامة المسلم الفاسق الذي يقع في كبائر الذنوب الغليظة كالفواحش مكروهة كراهة شديدة، وقد لا تصح بحسب عظم الذنب.

    1. الشرط الرابع: تصح الصلاة خلف المخالف في الفروع كمن لا يرى قراءة الفاتحة فرضاً ومن يرى أن لمس المرأة ليس بناقض مع أن المأموم يراه ناقصاً، وهكذا...

    2. صحة صلاة الصبي المميز

    3. أن يكون الإمام للرجال رجلاً على الراجح فلا تصح إمـامـة المرأة للرجـال..



    هذا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut رد: الشروط التي يجب توفرها في الإمـام

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الخميس 2 سبتمبر - 22:55:56

    بسم الله الرحمن الرحيم ـ الحمد لله رب العالمين و لا عدوان إلا على الظالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد سيد المرسلين و إمام المتقين و على آله و صحبه أجمعين أما بعد فهذا كتاب مشتمل على ذكر جمل في الكبائر و المحرمات و المنهيات ـ الكبائر
    الكبائر : ما نهى الله و رسوله عنه في الكتاب و السنة و الأثر عن السلف الصالحين و قد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر و المحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى :
    { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما }
    فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة
    و قال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون } و قال تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة }
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الصلوات الخمسة و الجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ] فتعين علينا الفحص عن الكبائر ما هي لكي يجتنبها المسلمون فوجدنا العلماء رحمهم الله تعالى قد اختلفوا فيها فقيل هي سبع و احتجوا بقول النبي صلى الله تعالى عليه و على آله و سلم [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر منها الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل مال اليتيم و أكل الربا و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات متفق عليه و قال ابن عباس رضي الله عنهما : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع و صدق و الله ابن عباس و أما الحديث فما فيه حصر الكبائر و الذي يتجه و يقوم عليه الدليل أن من ارتكب شيئا من هذه العظائم مما فيه حد في الدنيا كالقتل و الزنا و السرقة أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فإنه كبيرة و لا بد من تسليم أن بعض الكبائر أكبر من بعض ألا ترى أنه صلى الله عليه و سلم عد الشرك بالله من الكبائر مع أن مرتكبه مخلد في النار و لا يغفر له أبدا قال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء }

    (1/7)

    الكبيرة الأولى : الشرك بالله
    فأكبر الكبائر الشرك بالله تعالى و هو نوعان : أحدهما ـ أن يجعل لله ندا و يعبد غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك و هذا هو الشرك الأكبر الذي ذكره الله عز و جل قال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء } و قال الله تعالى : { إن الشرك لظلم عظيم } و قال الله تعالى : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار }
    و الآيات في ذلك كثيرة
    فمن أشرك بالله ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار قطعا كما أن من آمن بالله و مات مؤمنا فهو من أصحاب الجنة و إن عذب بالنار و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ـ ثلاثا ـ قالوا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و كان متكئا فجلس فقال : ألا و قول الزور ألا و شهادة الزور ] فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت و قال صلى الله عليه و سلم [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر منها الشرك بالله و قال صلى الله عليه و سلم [ من بدل دينه فاقتلوه ] الحديث
    و النوع الثاني من الشرك : الرياء بالأعمال كما قال الله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا }
    أي لا يرائي بعمله أحدا و قال صلى الله عليه و سلم : [ إياكم و الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله و ما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء يقول الله تعالى يوم يجازى العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤونهم بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ] و قال صلى الله عليه و سلم [ يقول الله : من عمل عملا أشرك معي فيه غيري فهو للذي أشرك و أنا منه بريء ] و قال [ من سمع سمع الله به و من رايا رايا الله به ] و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه و آله و سلم قال : [ رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع و العطش و رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ] يعني أنه إذا لم يكن الصلاة و الصوم لوجه الله تعالى فلا ثواب له كما روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ مثل الذي يعمل للرياء و السمعة كمثل الذي يملأ كيسه حصى ثم يدخل السوق ليشتري به فإذا فتحه قدام البائع فإذا هو حصى و ضرب به وجهه و لا منفعة له في كيسه سوى مقالة الناس له ما أملا كيسه و لا يعطي به شيئا فكذلك الذي يعمل للرياء و السمعة فليس له من عمله سوى مقالة الناس و لا ثواب له في الآخرة ] قال الله تعالى : { و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطلنا ثوابها و جعلناها كالهباء المنثور و هو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس و روى عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ يؤمر بفئام ـ أي بجماعات ـ من الناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منها و استنشقوا رائحتها و نظروا إلى قصورها و إلى ما أعد لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها فإنهم لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة و ندامة ما رجع الأولون و الآخرون بمثلها فيقولون : ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثواب ما أعددت لأوليائك كان أهون علينا فيقول الله تعالى : ذلك ما أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظام و إذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراؤون الناس بأعمالكم خلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس و لم تهابوني و أجللتم الناس و لم تجلوني و تركتم للناس و لم تتركوا لي ـ يعني لأجل الناس ـ فاليوم أذيقكم أليم عقابي مع ما حرمتكم من جزيل ثوابي ] و سأل رجل رسول الله ما النجاة ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : [ أن لا تخادع الله قال : و كيف يخادع الله ؟ قال : أن تعمل عملا أمرك الله و رسوله به و تريد به غير وجه الله و اتق الرياء فإنه الشرك الأصغر و إن المرائي ينادى عليه يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء : يا مرائي يا غادر يا فاجر يا خاسر ضل عملك و بطل أجرك فلا أجر لك عندنا اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع ] و سئل بعض الحكماء رحمهم الله من المخلص : فقال : المخلص الذي يكتم حسانته كما يكتم سيئاته و قيل لبعضهم : ما غاية الإخلاص ؟ قال : أن لا تحب محمدة الناس و قال الفضيل بن عباس رضي الله عنه : ترك العمل لأجل الناس رياء و العمل لأجل الناس شرك و الإخلاص أن يعافيك الله منهما اللهم عافنا منهما و اعف عنا

    (1/9)

    الكبيرة الثانية : قتل النفس
    قال تعالى : { و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما } و قال تعالى : { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا * إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا } و قال تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } و قال تعالى : { و إذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت } و قال النبي صلى الله عليه و سلم [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم : أي ذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال : [ أن تجعل لله ندا و هو خلقك قال : ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال : ثم أي ؟ قال أن تزاني حليلة جارك ] فأنزل الله تعالى تصديقها : { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون } الآية و قال صلى الله عليه و سلم [ إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار ] قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال [ لأنه كان حريصا على قتل صاحبه ]
    قال الإمام أبو سليمان رحمه الله : هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتلان على تأويل إنما على عداوة بينهما و عصبية أو طلب دنيا أو رئاسة أو علو فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه لا يدخل في هذه لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه إلا إن كان حريصا على قتل صاحبه و من قاتل باغيا أو قاطع طريق من المسلمين فإنه لا يحرص على قتله إنما يدفعه عن نفسه فإن انتهى صاحبه كف عنه و لم يتبعه فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة فأما من خالف هذا النعت فهو الذي يدخل في هذا الحديث الذي ذكرنا و الله أعلم
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ] و قال صلى الله عليه و آله و سلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء و في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ الكبائر الإشراك بالله و قتل النفس و اليمين الغموس ] و سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ] مخرج في الصحيحين و قال صلى الله عليه و سلم [ من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة و إن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاما ] أخرجه البخاري
    فإذا كان هذا في قتل المعاهد ـ و هو الذي أعطى عهدا من اليهود و النصارى في دار الإسلام ـ فكيف يقتل المسلم و قال صلى الله عليه و سلم [ ألا و من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله و ذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله و لا يرح رائحة الجنة و إن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا ] صححه الترمذي و قال صلى الله عليه و سلم [ من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى ] رواه الإمام أحمد و عن معاوية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ] نسأل الله العافية

    (1/12)

    الكبيرة الثالثة : في السحر
    لأن الساحر لا بد و أن يكفر قال الله تعالى :
    { و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } و ما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به قال الله تعالى مخبرا عن هاروت و ماروت :
    { و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق } أي من نصيب
    فترى خلقا كثيرا من الضلال يدخلون في السحر و يظنونه حراما فقط و ما يشعرون أنه الكفر فيدخلون في تعليم السيمياء و عملها و هي محض السحر و في عقد الرجل عن زوجته و هو سحر و في محبة الرجل للمرأة و بغضها له و أشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك و ضلال
    و حد الساحر : القتل لأنه كفر بالله أو مضارع الكفر قال النبي صلى الله عليه و سلم [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر منها السحر و الموبقات المهلكات فليتق العبد ربه و لا يدخل فيما يخسر به الدنيا و الآخرة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ حد الساحر ضربه بالسيف ] و الصحيح أنه من قول جندب و عن بجالة بن عبدة أنه قال : أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر و ساحرة و عن وهب بن منبه قال : قرأت في بعض الكتب : يقول الله عز و جل لا إله إلا أنا ليس مني من سحر و لا من سحر له و لا من تكهن له و لا من تطير و لا من تطير له و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ثلاثة لا يدخلون الجنة : مدمن خمر و قاطع رحم و مصدق بالسحر ] رواه الإمام أحمد في مسنده و عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا قال : [ الرقي و التمائم و التولة شرك ] التمائم : جمع تميمة و هي خرزات و حروز يعلقها الجهال على أنفسهم و أولادهم و دوابهم يزعمون أنها ترد العين و هذا من فعل الجاهلية و من اعتقد ذلك فقد أشرك و التولة بكسر التاء و فتح الواو : نوع السحر و هو تحبيب المرأة إلى زوجها و جعل ذلك من الشرك لاعتقاد الجهال أن ذلك يؤثر بخلاف ما قدر الله تعالى قال الخطابي رحمه الله : و أما إذا كانت الرقية بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يرقي الحسن و الحسين رضي الله عنهما فيقول : [ أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة و من كل عين لامة ] و بالله المستعان و عليه التكلان

    (1/14)

    الكبيرة الرابعة : في ترك الصلاة
    قال الله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب و آمن و عمل صالحا }
    قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية و لكن أخروها عن أوقاتها و قال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر و لا يصلي العصر إلى المغرب و لا يصلي المغرب إلى العشاء و لا يصلي العشاء إلى الفجر و لا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس فمن مات و هو مصر على هذه الحالة و لم يتب وعده الله بغي و هو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه و قال الله تعالى في آية أخرى : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون } أي غافلون عنها متهاونون بها و قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : [ هو تأخير الوقت ] أي تأخير الصلاة عن وقتها سماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا و أخروها عن وقتها وعدهم بويل و هو شدة العذاب و قيل : هو واد بجهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره و هو مسكن من يتهاون بالصلاة و يؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله و يندم على ما فرط و قال الله تعالى في آية أخرى : { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون }
    قال المفسرون : المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس فمن اشتغل بماله في بيعه و شرائه و معيشته و ضيعته و أولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين و هكذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن نقصت فقد خاب و خسر ]
    و قال الله تعالى مخبرا عن أصحاب الجحيم :
    { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * و لم نك نطعم المسكين * و كنا نخوض مع الخائضين * و كنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين }
    و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ] و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة ] حديثان صحيحان
    و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من فاتته صلاة العصر حبط عمله ] و في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله ] متفق عليه و قال صلى الله عليه و سلم : [ من حافظ عليها كانت له نورا و برهانا و نجاة يوم القيامة و من لم يحافظ عليها لم تكن له نورا و لا برهانا و لا نجاة يوم القيامة و كان يوم القيامة مع فرعون و قارون و هامان و أبي بن خلف ]
    و قال عمر رضي الله عنه : أما أنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة
    قال بعض العلماء رحمهم الله : و إنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله أو بملكه أو بوزارته أو بتجارته فإن اشتغل بماله حشر مع قارون و إن اشتغل بملكه حشر مع فرعون و إن اشتغل بوزارته حشر مع هامان و إن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة و روى الإمام أحمد [ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله عز و جل ]
    و روى البيهقي بإسناده : [ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى في الإسلام ؟ قال الصلاة لوقتها و من ترك الصلاة فلا دين له و الصلاة عماد الدين ] و لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له : الصلاة يا أمير المؤمنين قال : نعم أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة و صلى رضي الله عنه و جرحه يثعب دما و قال عبد الله بن شقيق التابعي رضي الله عنه : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرون من الأعمال تركه كفر غير الصلاة و سئل علي رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي فقال : من لم يصلي فهو كافر و قال ابن مسعود رضي الله عنه من لم يصل فلا دين له و قال ابن عباس رضي الله عنهما : من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي الله تعالى و هو عليه غضبان و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من لقي الله و هو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته ـ أي ما يفعل و ما يصنع بحسناته ـ إذا كان مضيعا للصلاة ] و قال ابن حزم : لا ذنب بعد الشرك أعظم من تأخير الصلاة عن وقتها و قتل مؤمن بغير حق و قال إبراهيم النخعي : من ترك الصلاة فقد كفر و قال أيوب السختياني مثل ذلك و قال عون بن عبد الله : إن العبد إذا أدخل قبره سئل عن الصلاة أول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما دون ذلك من عمله و إن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد و قال صلى الله عليه و سلم : [ إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء و لها نور حتى تنتهي إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة و تقول : حفظك الله كما حفظتني و إذا صلى العبد الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء و عليها ظلمة فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق و يضرب بها وجه صاحبها و تقول : ضيعك الله كما ضيعتني ] و روى أبو داود في سننه :
    [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاتهم ـ من تقدم قوما و هم له كارهون و من استعبد محررا و رجل أتى الصلاة دبارا ] و الدبار أن يأتيها بعد أن تفوته و جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا عظيما من أبواب الكبائر ] فنسأل الله التوفيق و الإعانة إنه جواد كريم و أرحم الراحمين
    فصل ـ متى يؤمر الصبي بالصلاة :
    روى أبو داود في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها ] و في رواية : [ مروا أولادكم بالصلاة و هم أبناء سبع و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر و فرقوا بينهم في المضاجع ]
    قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله : هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة له إذا بلغ تاركا لها
    و كان بعض أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ و يقول : إذا استحق الضرب و هو غير بالغ فيدل على أنه يستحق بعد البلوغ من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب و ليس بعد الضرب شيء أشد من القتل
    و قد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم تارك الصلاة فقال مالك و الشافعي و أحمد رحمهم الله : تارك الصلاة يقتل ضربا بالسيف في رقبته ثم اختلفوا في كفره إذا تركها من غير عذر حتى يخرج وقتها فقال إبراهيم النخعي و أيوب السختياني و عبد الله بن المبارك و أحمد بن حنبل و اسحاق بن راهوية : هو كافر و استدلوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ] و بقوله صلى الله عليه و سلم : [ بين الرجل و بين الكفر ترك الصلاة ]
    فصل
    و قد ورد في الحديث : [ أن من حافظ على الصلوات المكتوبة أكرمه الله تعالى بخمس كرامات يرفع عنه ضيق العيش و عذاب القبر و يعطيه كتابه بيمينه و يمر على الصراط كالبرق الخاطف و يدخل الجنة بغير حساب ] و من تهاون بها عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة خمس في الدنيا و ثلاث عند الموت و ثلاث في القبر و ثلاث عند خروجه من القبر فأما اللاتي في الدنيا : فالأولى : ينزع البركة من عمره و الثانية : يمحي سيماء الصالحين من وجهه و الثالثة : كل عمل يعمله لا يأجره الله عليه و الرابعة : لا يرفع له دعاء إلى السماء و الخامسة : ليس له حظ في دعاء الصالحين و أما اللاتي تصيبه عند الموت فإنه يموت ذليلا و الثانية : يموت جائعا و الثالثة : يموت عطشانا و لو سقي بحار الدنيا ما روي من عطشه و أما اللاتي تصيبه في قبره فالأولى : يضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه و الثانية : يوقد عليه القبر نارا يتقلب على الجمر ليلا و نهارا و الثالثة : يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه الشجاع الأقرع عيناه من نار و أظفاره من حديد طول كل ظفر مسيرة يوم يكلم الميت فيقول أنا الشجاع الأقرع و صوته مثل الرعد القاصف يقول : أمرني ربي أن أضربك على تضييع صلاة الصبح إلى طلوع الشمس و أضربك على تضييع صلاة الظهر إلى العصر و أضربك على تضييع صلاة العصر إلى المغرب و أضربك على تضييع صلاة المغرب إلى العشاء و أضربك على تضييع صلاة العشاء إلى الصبح فكلما ضربه ضربة يغوص في الأرض سبعين ذراعا فلا يزال في الأرض معذبا إلى يوم القيامة و أما اللاتي تصيبه عند خروجه من قبره في موقف القيامة فشدة الحساب و سخط الرب و دخول النار و في رواية : فإنه يأتي يوم القيامة و على وجهه ثلاثة أسطر مكتوبات السطر الأول : يا مضيع حق الله السطر الثاني : يا مخصوصا بغضب الله السطر الثالث : كما ضيعت في الدنيا حق الله فآيس اليوم من رحمة الله و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بالرجل فيوقف بين يدي الله عز و جل فيأمر به إلى النار فيقول : يا رب لماذا ؟ فيقول الله تعالى : لتأخير الصلاة عن أوقاتها و حلفك بي كاذبا
    وعن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يوما لأصحابه : [ اللهم لا تدع فينا شقيا و لا محروما ] ثم قال صلى الله عليه و سلم : [ أتدرون من الشقي المحروم ؟ قالوا : من هو يا رسول الله ؟ قال : تارك الصلاة ]
    و روي أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة و أن في جهنم واديا يقال له الملحم فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه
    حكاية : روي أن امرأة من بني إسرائيل جاءت إلى موسى عليه السلام فقالت : يا رسول الله إني أذنبت ذنبا عظيما و قد تبت منه إلى الله تعالى فادع الله أن يغفر لي ذنبي و يتوب علي : فقال لها موسى عليه السلام : و ما ذنبك ؟ قالت : يا نبي الله إني زنيت و ولدت ولدا فقتلته فقال لها موسى عليه السلام : اخرجي يا فاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك فخرجت من عنده منكسرة القلب فنزل جبريل عليه السلام و قال : يا موسى الرب تعالى يقول لك لما رددت التائبة يا موسى أما وجدت شرا منها قال موسى : يا جبريل و من هو شر منها ؟ قال : تارك الصلاة عامدا متعمدا
    حكاية أخرى عن بعض السلف أنه أتى أختا له ماتت فسقط كيس منه فيه مال في قبرها فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها ثم ذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعدما انصرف الناس فوجد القبر يشعل عليها نارا فرد التراب عليها و رجع إلى أمه باكيا حزينا فقال : يا أماه أخبريني عن أختي و ما كانت تعمل ؟ قالت : و ما سؤالك عنها ؟ قال : يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها نارا قال : فبكت و قالت يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة و تؤخرها عن وقتها فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها فكيف حال من لا يصلي ؟ فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها إنه جواد كريم
    فصل : في عقوبة من ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها و قد روي في تفسير قول الله تعالى : { فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون } أنه الذي ينقر الصلاة و لا يتم ركوعها و لا سجودها
    و ثبت في الصحيحين [ عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رجلا دخل المسجد و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس فيه فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ثم قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه و سلم فرد عليه السلام و قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات فقال في الثالثة : و الذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني فقال صلى الله عليه و سلم : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا و افعل ذلك في صلاتك كلها ] و روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن البدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع و السجود ] و رواه أبو داود أيضا و الترمذي و قال : حديث حسن صحيح و في رواية أخرى : [ حتى يقيم ظهره في الركوع و السجود ]
    و هذا نص عن النبي صلى الله عليه و سلم في أن من صلى و لم يقم ظهره بعد الركوع و السجود كما كان فصلاته باطلة و هذا في صلاة الفرض و كذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه
    و ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته : قيل و كيف يسرق من صلاته ؟ قال : لا يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها ]
    و روى الإمام أحمد [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه و سجوده ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ]
    و عن أبي موسى قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما بأصحابه ثم جلس فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع و ينقر سجوده فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ترون هذا لو مات مات على غير ملة محمد صلى الله عليه و آله و سلم ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم ! ] أخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه
    و عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ما من مصل إلا و ملك عن يمينه و ملك عن يساره فإن أتمها عرجا بها إلى الله تعالى و إن لم يتمها ضربا بها وجهه ]
    و روى البيهقي بسنده عن [ عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من توضأ أحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها و سجودها و القراءة فيها قالت الصلاة : حفظك الله كما حفظتني ثم صعد بها إلى السماء و لها ضوء و نور ففتحت لها أبواب السماء حتى ينتهي بها إلى الله تعالى فتشفع لصاحبها و إذا لم يتم ركوعها و لا سجودها و لا القراءة فيها قالت الصلاة : ضيعك الله كما ضيعتني ثم صعد بها إلى السماء و عليها ظلمة فأغلقت دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها ]
    و [ عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصلاة مكيال فمن وفي وفي له و من طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين : قال الله تعالى : { ويل للمطففين } و المطفف هو المنقص للكيل أو الوزن أو الذراع أو الصلاة وعدهم الله بويل و هو واد في جهنم تستغيث جهنم من حره نعوذ بالله منه ]
    و [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا سجد أحدكم فليضع وجهه و أنفه و يديه على الأرض فإن الله تعالى أوحى إلي أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة و الأنف و الكفين و الركبتين و صدور القدمين و أن لا أكف شعرا و لا ثوبا فمن صلى و لم يعطي كل عضو منها حقه لعنه ذلك العضو حتى يفرغ من صلاته ]
    و روى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه رأى رجلا يصلي و لا يتم ركوع الصلاة و لا سجودها فقال له حذيفة صليت و لو مت و أنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و سلم
    و في رواية أبي داود أنه قال : منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال : منذ أربعين سنة قال : ما صليت منذ أربعين سنة شيئا و لو مت مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه و آله سلم !
    و كان الحسن البصري يقول : يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك و أنت أول ما تسأل عنها يوم القيامة كما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح و أنجح و إن فسدت فقد خاب و خسر فإن انتقص من الفريضة شيء يقول الله تعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله كذلك ]
    فينبغي للعبد أن يستكثر من النوافل حتى يكمل به ما انتقص من فرائضه و بالله التوفيق
    فصل : في عقوبة تارك الصلاة في جماعة مع القدرة قال الله تعالى : { يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون }
    و ذلك يوم القيامة يغشاهم ذل الندامة و قد كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود
    قال إبراهيم التيمي : يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان و الإقامة و قال سعيد بن المسيب : كانوا يسمعون : حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون و هم أصحاء سالمون
    و قال كعب الأحبار : و الله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة فأي وعيد أشد و أبلغ من هذا لمن ترك الصلاة في الجماعة مع القدرة على إتيانها ؟ و أما من السنة فما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة فأحرق بيوتهم عليهم بالنار ] و لا يتوعد بحرق بيوتهم عليهم إلا على ترك واجب مع ما في البيوت من الذرية و المتاع
    و في صحيح مسلم أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد و سأل النبي صلى الله عليه و سلم أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم قال : فأجب ]
    و رواه أبو داود [ عن عمرو بن أم مكتوم أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام و السباع و أنا ضرير البصر شاسع الدار ـ أي بعيد الدار ـ و لي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ فقال : هل تسمع النداء ؟ قال نعم قال : فأجب فإني لا أجد لك رخصة ]
    فهذا ضرير البصر شكى ما يجد من المشقة في مجيئه إلى المسجد و ليس له قائد يقوده إلى المسجد و مع هذا لم يرخص له النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة في بيته فكيف بمن يكون صحيح البصر سليما لا عذر له ؟ و لهذا لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما : عن رجل يصوم النهار و يقوم الليل و لا يصلي في جماعة و لا يجمع فقال : إن مات على هذا فهو في النار
    و قال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تمتلىء أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء و لا يجيب
    و روي [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر قيل و ما العذر يا رسول الله ؟ قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى يعني في بيته ]
    و أخرج الحاكم في مستدركه عن [ ابن عباس أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ثلاثة لعنهم الله : من تقدم قوما و هم له كارهون و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط و رجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب ]
    و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل : و من جار المسجد ؟ قال : من سمع الأذان
    و روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : من سره أن يلقى الله غدا مسلما ـ يعني يوم القيامة ـ فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى و إنهن من سنن الهدى و لو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم و لو تركتم سنة نبيكم لضللتم و لقد رأيتنا و ما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض و لقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين رجلين حتى يقام في الصف أو حتى يجيء إلى المسجد لأجل صلاة الجماعة
    و كان الربيع بن خيثم قد سقط شقه في الفالج فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين فيقال له : يا أبا محمد قد رخص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور فيقول : هو كما تقولون و لكن أسمع المؤذن يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح فمن استطاع أن يجيبه و لو زحفا أو حبوا فليفعل
    و قال حاتم الأصم : فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو اسحاق البخاري وحده و لو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا !
    و كان بعض السلف يقول : ما فاتت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه و قال ابن عمر خرج عمر يوما إلى حائط له فرجع و قد صلى الناس العصر فقال عمر : إنا لله و إنا إليه راجعون فاتتني صلاة العصر في الجماعة أشهدكم أن حائطي على المساكين صدقة ليكون كفارة لما صنع عمر رضي الله عنه و الحائط البستان فيه النخل
    فصل :
    و يكون اعتناؤه بحضور صلاة العشاء و الفجر أشد فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين يعني العشاء و الفجر و لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما و لو حبوا ]
    و قال ابن عمر : كنا إذا تخلف منا إنسان في صلاة العشاء و الصبح في الجماعة أسأنا به الظن أن يكون قد نافق
    حكاية : عن عبيد الله بن عمر القواريري رضي الله عنه قال : لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة قط فنزل بي ليلة ضيف فشغلت بسببه و فاتتني صلاة العشاء في الجماعة فخرجت أطلب الصلاة في مساجد البصرة فوجدت الناس كلهم قد صلوا و غلقت المساجد فرجعت إلى بيتي و قلت : قد ورد في الحديث : إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع و عشرين درجة فصليت العشاء سبعا و عشرين مرة ثم نمت فرأيت في المنام كأني مع قوم على خيل و أنا أيضا على فرس و نحن نستبق و أنا أركض فرسي فلا ألحقهم فالتفت إلى أحدهم فقال لي : لا تتعب فرسك فلست تلحقنا : قلت : و لم ؟ قال : لأنا صلينا العشاء في جماعة و أنت صليت وحدك فانتبهت و أنا مغموم حزين لذلك فنسأل الله المعونة و التوفيق إنه جواد كريم

    (1/17)

    الكبيرة الخامسة : منع الزكاة
    قال الله تعالى : { لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة }
    و قال الله تعالى : { و ويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة } فسماهم المشركين و قال الله تعالى : { و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون }
    و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ما من صاحب ذهب و لا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه و جنبيه و ظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل ؟ قال : و لا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها و تعضه بأفواهها كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار قيل : يا رسول الله فالبقر و الغنم ؟ قال : و لا صاحب بقر و لا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ليس فيها عقصاء و لا جلحاء و لا عضباء تنطحه بقرونها و تطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ أول ثلاثة يدخلون النار ـ أمير مسلط و ذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله و فقير فخور ]
    و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى و لم يحج أو تجب فيه الزكاة و لم يزك سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل : اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال ابن عباس : سأتلوا عليك بذلك قرآنا قال الله تعالى : { و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق }
    أي أؤدي الزكاة { و أكن من الصالحين } أي أحج قيل له : فما يوجب الزكاة ؟ قال : إذا بلغ المال مائتي درهم وجبت فيه الزكاة قيل فما يوجب الحج ؟ قال : الزاد و الرحلة
    و لا تجب الزكاة في الحلي المباح إذا كان معدا للإستعمال فإن كان معدا للقنية أو الكراء و جبت فيه الزكاة و تجب في قيمة عروض التجارة و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزميته ـ أي بشدقيه ـ فيقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية :
    { و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } ] أخرجه البخاري
    و عن ابن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى في ما نعي الزكاة : { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم } قال : لا يوضع دينار على دينار و لا درهم على درهم و لكن يوسع جلدة حتى يوضع كل دينار و درهم على حدته
    فإن قيل : لم خص الجباه و الجنوب و الظهور بالكي ؟ قيل : لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه و زوى ما بين عينيه و أعرض بجنبه فإذا قرب منه ولي بظهره فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ خمس بخمس قالوا : يا رسول الله و ما خمس بخمس ؟ قال : ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم و ما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر و ما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت و لا طففوا المكيال و الميزان إلا منعوا النبات و أخذوا بالسنين و لا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر ]
    موعظة : قل للذين شغلهم في الدنيا غرورهم إنما في غد ثبورهم ما نفعهم ما جمعوا إذا جاء محذورهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم فكيف غابت عن قلوبهم و عقولهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم أخذ المال إلى دار ضرب العقاب فجعل في بودقة ليحمي ليقوي العذاب فصفح صفائح كي يعم الكي الإهاب ثم جيء بمن عن الهدى قد غاب يسعى إلى مكان لا مع قوم يسعى نورهم ثم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم إذا لقيهم الفقير لقي الأذى فإن طلب منهم شيئا طار منهم لهب الغضب كالجذا فإن لطفوا به قالوا أعنتكم ذا و سؤال هذا لذا و لو شاء ربك لأغنى المحتاج و أعوز ذا و نسوا حكمة الخالق في غنى ذا و فقر ذا واعجبا كم يلقاهم من غم إذا ضمتهم قبورهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم سيأخذها الوارث منهم غير تعب و يسأل عنها الجامع من أين اكتسب ما اكتسب ألا إن الشوك له و للوارث الرطب أين حرص الجامعين أين عقولهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم لو رأيتهم في طبقات النار يتقلبون على جمرات الدرهم و الدينار و قد غلت اليمين مع اليسار لما بخلوا مع الإيسار لو رأيتهم في الجحيم يسقون من الحميم و قد ضج صبورهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم كم كانوا يوعظون في الدنيا و ما فيهم من يسمع كم خوفوا من عقاب الله و ما فيهم من يفزع كم أنبئوا بمنع الزكاة و ما فيهم من يدفع فكأنهم بالأموال و قد انقلبت شجاعا أقرع فما هي عصا موسى و لا طورهم يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم
    ( حكاية ) : روي عن محمد بن يوسف الفريابي قال : خرجت أنا و جماعة من أصحابي في زيارة أبي سنان رحمه الله فلما دخلنا عليه و جلسنا عنده قال : قوموا بنا نزور جارا لنا مات أخوه و نعزيه فيه فقمنا معه و دخلنا على ذلك الرجل فوجدناه كثير البكاء و الجزع على أخيه فجلسنا نسليه و نعزيه و هو لا يقبل تسلية و لا تعزية فقلنا : أما تعلم أن الموت سبيل لا بد منه ! قال : بلى و لكن أبكي على ما أصبح و أمسى فيه أخي من العذاب فقلنا له : هل أطلعك الله على الغيب ؟ قال : لا و لكن لما دفنته و سويت التراب عليه و انصرف الناس جلست عند قبره إذ صوت من قبره يقول : آه أقعدوني وحيدا أقاسي العذاب قد كنت أصلي قد كنت أصوم قال : فأبكاني كلامه فنبشت عنه التراب لأنظر حاله و إذا القبر يشتعل عليه نارا و في عنقه طوق من نار فحملتني شفقة الأخوة و مددت يدي لأرفع الطوق عن رقبته فاحترقت أصابعي و يدي ثم أخرج إلينا يده فإذا هي سوداء محترقة قال فرددت عليه التراب و انصرفت فكيف لا أبكي على حاله و أحزن عليه ؟ فقلنا : فما كان أخوك يعمل في الدنيا ؟ قال : كان لا يؤدي الزكاة من ماله قال فقلنا هذا تصديق قول الله تعالى :
    { و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة }
    و أخوك عجل له العذاب في قبره إلى يوم القيامة قال : ثم خرجنا من عنده و أتينا أبا ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكرنا له قصة الرجل و قلنا له : يموت اليهودي و النصراني و لا نرى فيهم ذلك ! فقال : أولئك لا شك أنهم في النار و إنما يريكم الله في أهل الإيمان لتعتبروا قال الله تعالى : { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد }
    فنسأل الله العفو و العافية إنه جواد كريم

    (1/32)
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut رد: الشروط التي يجب توفرها في الإمـام

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الخميس 2 سبتمبر - 22:57:44

    الكبيرة السادسة : إفطار يوم من رمضان بلا عذر
    قال الله تعالى :
    { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر }
    و ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صوم رمضان ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ من أفطر يوما من رمضان بلا عذر لم يقضه صيام الدهر و إن صامه ] و عن ابن عباس رضي الله عنهما [ عري الإسلام و قواعد الدين ثلاث : شهادة أن لا إله إلا الله و الصلاة و صوم رمضان ] فمن ترك واحدة منهن فهو كافر نعوذ بالله من ذلك

    (1/37)

    الكبيرة السابعة : في ترك الحج مع القدرة عليه
    قال الله تعالى : { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
    و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من ملك زادا و راحلة تبلغه حج بيت الله الحرام و لم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ] و ذلك لأن الله تعالى يقول : { و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
    و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة و لم يحج فليضربوا عليهم الجزية و ما هم بمسلمين
    و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما من أحد لم يحج و لم يؤد زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت فقيل : له إنما يسأل الرجعة الكفار قال : و إن ذلك في كتاب الله تعالى : { و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق } أي أؤدي الزكاة { و أكن من الصالحين } أي أحج { و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها و الله خبير بما تعملون }
    قيل : فيم تجب الزكاة ؟ قال : بمائتي درهم و قيمتها من الذهب قيل فما يوجب الحج ؟ قال : الزاد و الراحلة و عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : مات لي جار موسر لم يحج فلم أصل عليه

    (1/38)

    الكبيرة الثامنة : عقوق الوالدين
    قال الله تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } أي برا و شفقة و عطفا عليهما { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما } : أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا و أسنا و ينبغي أن تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم و كيف يقع التساوي و قد كانا يحملان أذاك راجين حياتك و أنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما ثم قال الله تعالى : { و قل لهما قولا كريما } أي لينا لطيفا { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } و قال الله تعالى : { أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير } فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها ( إحداهما ) قول الله تعالى : { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول } فمن أطاع الله و لم يطع الرسول لم يقبل منه ( الثانية ) قول الله تعالى : { و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة } فمن صلى و لم يزك لم يقبل منه ( الثالثة ) قول الله تعالى : { أن اشكر لي و لوالديك } فمن شكر الله و لم يشكر لوالديه لم يقبل منه و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم [ رضى الله في رضى الوالدين و سخط الله في سخط الوالدين ]
    و [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في الجهاد معه فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أحي والداك ؟ قال : نعم قال : ففيهما فجاهد ] مخرج في الصحيحين فانظر كيف فضل بر الوالدين و خدمتهما على الجهاد !
    و في الصحيحين [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : الإشراك بالله و عقوق الوالدين ] فانظر كيف قرن الإساءة إليهما و عدم البر و الإحسان بالإشراك و في الصحيحين أيضا [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة عاق و لا منان و لا مدمن خمر ] و عنه صلى الله عليه و سلم قال : [ لو علم الله شيئا أدنى من الأف لنهى عنه فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة و ليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله العاق لوالديه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله من سب أباه لعن الله من سب أمه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة ]
    و قال كعب الأحبار رحمه الله : إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا لوالديه ليعجل له العذاب و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان بارا بوالديه ليزيده برا و خيرا و من برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاج مالي فقال صلى الله عليه و سلم : [ أنت و مالك لأبيك ] و سئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو ؟ قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمها و إذا أمره بأمر لم يطع أمرهما و إذا سألاه شيئا لم يعطهما و إذا ائتمناه خانهما
    و سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم و ما الأعراف ؟ فقال : أما الأعراف فهو جبل بين الجنة و النار و إنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة و النار و عليه أشجار و ثمار و أنهار و عيون و أما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم و أمهاتهم فقتلوا في الجهاد فمنعهم القتل في سبيل الله من دخول النار و منعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره
    و في الصحيحين [ أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أبوك ثم الأقرب فالأقرب ] فحض على بر الأم ثلاث مرات و على بر الأب مرة واحدة و ما ذاك إلا لأن عناءها أكثر و شفقتها أعظم مع ما تقاسيه من حمل و طلق و ولادة و رضاعة و سهر ليل
    رأى ابن عمر رضي الله عنهما رجلا قد حمل أمه على رقبته و هو يطوف بها حول الكعبة فقال : يابن عمر أتراني جازيتها ؟ قال : و لا بطلقة واحدة من طلقاتها و لكن قد أحسنت و الله يثيبك على القليل كثيرا
    و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن خمر و آكل ربا و آكل مال اليتيم ظلما و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ الجنة تحت أقدام الأمهات ] و جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال : يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة و إن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة المظلوم و دعوة المسافر و دعوة الوالد على ولده ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ الخالة بمنزلة الأم أي في البر و الإكرام و الصلة و الإحسان ] و عن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك فإن من وقر والديه مددت في عمره و وهبت له ولدا يوقره و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولدا يعقه
    و قال أبو بكر بن أبي مريم : قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل و قال وهب : قرأت في التوراة : على من صك والده الرجم
    و عن عمرو بن مرة الجهني قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس و صمت رمضان و أديت الزكاة و حججت البيت فماذا لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من فعل ذلك كان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين إلا أن يعق والديه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ لعن الله العاق والديه ] و جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ رأيت ليلة أسري بي أقواما في النار معلقين في جذوع من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال : الذين يشتمون آباءهم و أمهاتهم في الدنيا ]
    و روي أن من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض و يروى أنه إذا دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه و أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة : المشرك و الزاني و العاق لوالديه
    و قال بشر : ما من رجل يقرب من أمه حيث حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله و النظر إليها أفضل من كل شيء [ و جاء رجل و امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يختصمان في صبي لهما فقال الرجل : يا رسول الله ولدي خرج من صلبي و قالت المرأة : يا رسول الله حمله خفا و وضعه شهوة و حملته كرها و وضعته كرها و أرضعته حولين كاملين فقضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمه ]
    ( موعظة ) : أيها المضيع لآكد الحقوق المعتاض من بر الوالدين العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه بر الوالدين عليك دين و أنت تتعاطاه باتباع الشين تطلب الجنة بزعمك و هي تحت أقدام أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج و كابدت عند الوضع ما يذيب المهج و أرضعتك من ثديها لبنا و أطارت لأجلك وسنا و غسلت بيمينها عنك الأذى و آثرتك على نفسها بالغذاء و صيرت حجرها لك مهدا و أنالتك إحسانا و رفدا فإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية و أطالت الحزن و النحيب و بذلت مالها للطبيب و لو خيرت بين حياتك و موتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها هذا و كم عاملتها بسوء الخلق مرارا فدعت لك بالتوفيق سرا و جهارا فلما احتاجت عند الكبر إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك فشبعت و هي جائعة و رويت و هي قانعة و قدمت عليها أهلك و أولادك بالإحسان و قابلت أياديها بالنسيان و صعب لديك أمرها و هو يسير و طال عليك عمرها و هو قصير هجرتها و مالها سواك نصير هذا و مولاك قد نهاك عن التأفف و عاتبك في حقها بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين و في أخراك بالبعد من رب العالمين يناديك بلسان التوبيخ و التهديد ( ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد ) :
    ( لأمك حق لو علمت كثير ... كثيرك يا هذا لديه يسير )
    ( فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ... لها من جواها أنة و زفير )
    ( و في الوضع لو تدري عليها مشقة ... فمن غصص منها الفؤاد يطير )
    ( و كم غسلت عنك الأذى بيمينها ... و ما حجرها إلا لديك سرير )
    ( و تفديك بما تشتكيه بنفسها ... و من ثديها شرب لديك نمير )
    ( و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها ... حنانا و إشفاقا و أنت صغير )
    ( فآها لذي عقل و يتبع الهوى ... و آها لأعمى القلب و هو بصير )
    ( فدونك فارغب في عميم دعائها ... فأنت لما تدعو إليه فقير )
    [ حكي أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه و سلم شاب يسمى علقمة و كان كثير الإجتهاد في طاعة الله في الصلاة و الصوم و الصدقة فمرض و اشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن زوجي علقمة في النزع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم عمارا و صهيبا و بلالا و قال : امضوا إليه و لقنوه الشهادة فمضوا إليه و دخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنونه ( لا إله إلا الله ) و لسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي صلى الله عليه و سلم : هل من أبويه أحد حي ؟ قيل : يا رسول الله أم كبيرة السن فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال للرسول : قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلا فقري في المنزل حتى يأتيك قال : فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : نفسي لنفسه فداء أنا أحق بإتيانه فتوكأت و قامت على عصا و أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلمت فرد عليها السلام و قال لها : يا أم علقمة أصدقيني و إن كذبت جاء الوحي من الله تعالى كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول الله كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما حالك ؟ قالت : يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال : و لم ؟ قالت : يا رسول الله كان يؤثر علي زوجته و يعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال : يا بلال انطلق و اجمع لي حطبا كثيرا قالت يا رسول الله و ما تصنع ؟ قال : أحرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي قال : يا أم علقمة عذاب الله أشد و أبقى فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته و لا بصيامه و لا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله إني أشهد الله تعالى و ملائكته و من حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا ؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول : لا إله إلا الله فدخل بلال فقال : يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة و أن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بغسله و كفنه ثم صلى عليه و حضر دفنه ثم قام على شفير قبره و قال : يا معشر المهاجرين و الأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا إلا أن يتوب أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليها و يطلب رضاها فرضى الله في رضاها و سخط الله في سخطها فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه و أن يجنبنا سخطه إنه جواد كريم رؤوف رحيم ]

    (1/39)

    الكبيرة التاسعة : هجر الأقارب
    قال الله تعالى : { و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام } أي و اتقوا الأرحام أن تقطعوها و قال الله تعالى : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى أبصارهم } و قال الله تعالى : { الذين يوفون بعهد الله و لا ينقضون الميثاق * و الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب } و قال الله تعالى : { يضل به } أي بالقرآن { كثيرا و يهدي به كثيرا و ما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون }
    أعظم ذلك ما بين العبد و بين الله ما عهده الله على العبيد
    و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يدخل الجنة قاطع رحم ]
    فمن قطع أقاربه الضعفاء و هجرهم و تكبر عليهم و لم يصلهم ببره و إحسانه و كان غنيا و هم فقراء فهو داخل في هذا الوعيد محروم عن دخول الجنة إلا أن يتوب إلى الله عز و جل و يحسن إليهم و قد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من كان له أقارب ضعفاء و لم يحسن إليهم و يصرف صدقته إلى غيرهم لم يقبل الله منه صدقته و لا ينظر إليه يوم القيامة ] و إن كان فقيرا وصلهم بزيارتهم و التفقد لأحوالهم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : صلوا أرحامكم و لو بالسلام
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليصل رحمه ] و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ليس الواصل بالكافيء و لكن الواصل الذي من إذا قطعت رحمه وصلها ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : يقول الله تعالى [ أنا الرحمن و هي الرحم فمن وصلها وصلته و من قطعها قطعته ] و عن علي رضي الله عنهما أنه قال لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع
    و روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه جلس يحدث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أحرج على قاطع رحم إلا قام من عندنا فلم يقم أحد إلا شاب من أقصى الحلقة فذهب إلى عمته لأنه كان قد صارمها منذ سنين فصالحها فقالت له عمته : ما جاء بك يا ابن أخي فقال إني جلست إلى أبي هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أحرج كل قاطع رحم إلا قام من عندنا فقالت له عمته : ارجع إلى أبي هريرة و اسأله لم ذلك فرجع إله و أخبره بما جرى له مع عمته و سأله : لم لا يجلس عندك قاطع رحم ؟ فقال أبو هريرة : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم ] و حكي أن رجلا من الأغنياء حج إلى بيت الله الحرام فلما وصل إلى مكة أودع من ماله ألف دينار عند رجل كان موسوما بالأمانة و الصلاح إلى أن يقف بعرفات فلما وقف بعرفات و رجع إلى مكة وجد الرجل قد مات فسأل أهله عن ماله علم أنه لم يكن لهم به علم فأتى علماء مكة فأخبرهم بحاله و ماله فقالوا له : إذا كان نصف الليل فأت زمزم و انظر فيها و ناد يا فلان باسمه فإن كان من أهل الجنة فسيجيبك بأول مرة فمضى الرجل و نادى في زمزم فلم يجبه أحد فجاء إليهم و أخبرهم فقالوا : إنا لله و إنا إليه راجعون نخشى أن يكون صاحبك من أهل النار اذهب إلى أرض اليمن ففيها بئر يسمى برهوت يقال أنه على فم جهنم فانظر فيه بالليل و ناد يا فلان فإن كان من أهل النار فسيجيبك منها فمضى إلى اليمن و سأل عن البئر فدل عليها فأتاها بالليل و نظر فيها و نادى يا فلان فأجابه فقال : أين ذهبي ؟ قال دفنته في الموضع الفلاني من داري و لم ائتمن عليه ولدي فأتهم و احفر هناك تجده فقال له : ما الذي أنزلك هاهنا و كنا نظن بك الخير ؟ فقال : كان لي أخت فقيرة هجرتها و كنت لا أحنو عليها فعاقبني الله سبحانه بسببها و أنزلني الله هذه المنزلة
    و تصديق ذلك في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه و سلم : [ لا يدخل الجنة قاطع ] يعني قاطع رحم كالأخت و الخالة و العمة و بنت الأخت و غيرهم من الأقارب فنسأل الله التوفيق لطاعته إنه جواد كريم

    (1/47)

    الكبيرة العاشرة : الزنا
    و بعضه أكبر من بعض قال الله تعالى :
    { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } و قال الله تعالى : { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا * إلا من تاب }
    و قال الله تعالى : { الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين }
    قال العلماء : هذا عذاب الزانية و الزاني في الدنيا إذا كانا عزبين غير متزوجين فإن كانا متزوجين أو قد تزوجا و لو مرة في العمر فإنهما يرجمان بالحجارة إلى أن يموتا كذلك ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن لم يستوف القصاص منهما في الدنيا و ماتا من غير توبة فإنهما يعذبان في النار بسياط من نار ]
    كما ورد أن الزبور مكتوبا : إن الزناة معلقون بفروجهم في النار يضربون عليها بسياط من حديد فإذا استغاث من الضرب نادته الزبانية أين كان هذا الصوت و أنت تضحك و تفرح و تمرح و لا تراقب الله تعالى و لا تستحي منه ؟ ! و ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و لا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها و هو مؤمن ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كاظلة على رأسه ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] و الحديث النبوي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر ]
    و [ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال : أن تجعل لله ندا و هو خلقك فقلت : إن ذلك لعظيم ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي ؟ قال أن تزني بحليلة جارك ] ـ يعني زوجة جارك ـ فأنزل الله عز و جل تصديق ذلك : { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا * إلا من تاب }
    فانظر رحمك الله كيف قرنا الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله و قتل النفس التي حرم الله عز و جل إلا بالحق و هذا الحديث مخرج في الصحيحين
    و في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه و سلم الذي رواه سمرة بن جندب و فيه أنه صلى الله عليه و سلم جاءه جبريل و ميكائيل قال : فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق و أسفله واسع فيه لغط و أصوات قال : فاطلعنا فيه فإذا رجال و نساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ـ أي صاحوا من شدة حره ـ فقلت من هؤلاء يا جبريل ؟ قال هؤلاء الزناة و الزواني ـ يعني من الرجال و النساء فهذا عذابهم إلى يوم القيامة
    نسأل الله العفو و العافية
    و عن عطاء في تفسير قول الله تعالى عن جهنم { لها سبعة أبواب } : قال : أشد تلك الأبواب غما و حرا و كربا و أنتنها ريحا للزناة الذين ارتكبوا الزنى بعد العلم و عن مكحول الدمشقي قال : يجد أهل النار رائحة منتنة فيقولون ما وجدنا أنتن من هذه الرائحة فيقال لهم هذه ريح فروج الزناة و قال ابن زيد أحد أئمة التفسير : إنه ليؤذي أهل النار ريح فروج الزناة و في العشر الآيات التي كتبها الله لموسى عليه السلام : و لا تسرق و لا تزن فأحجب عنك وجهي فإذا كان الخطاب لنبيه موسى عليه السلام فكيف بغيره ؟ !
    [ و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أن إبليس يبث جنوده في الأرض و يقول لهم : أيكم أضل مسلما ألبسته التاج على رأسه فأعظمهم فتنة أقربهم إليه منزلة فيجيء إليه أحدهم فيقول له : لم أزل بفلان حتى طلق امرأته فيقول : ما صنعت شيئا سوف يتزوج غيرها ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى ألقيت بينه و بين أخيه العداوة فيقول ما صنعت شيئا سوف يصالحه ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى زنى فيقول إبليس نعم فيدنيه منه و يضع التاج على رأسه نعوذ بالله من شرور الشيطان و جنوده ]
    [ و عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان فإن تاب رده عليه و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : يا معشر المسلمين اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا و ثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا : فذهاب بهاء الوجه و قصر العمر و دوام الفقر و أما التي في الآخرة فسخط الله تبارك و تعالى و سوء الحساب و العذاب بالنار ] و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من مات مصرا على شرب الخمر سقاه الله تعالى من نهر الغوطة و هو نهر يجري في النار من فروج المومسات ] يعني الزانيات يجري من فروحهن قيح و صديد في النار ثم يسقى ذلك لمن مات مصرا على شرب الخمر
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج رسول الله لا يحل له و قال أيضا عليه الصلاة و السلام : في جهنم واد فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه و إن في جهنم واديا اسمه جب الحزن فيه حيات و عقارب كل عقرب بقدر البغل لها سبعون شوكة في كل شوكة راوية سم ثم تضرب الزاني و تفرغ سمها في جسمه يجد مرارة وجعها ألف سنة ثم يتهرى لحمه و يسيل من فرجه القيح و الصديد ]
    وورد أيضا : أن من زنى بامرأة كانت متزوجة كان عليها و عليه في القبر نصف عذاب هذه الأمة فإذا كان يوم القيامة يحكم الله سبحانه و تعالى زوجها في حسناته هذا إن كان بغير علمه فإن علم و سكت حرم الله عليه الجنة لأن الله تعالى كتب على باب الجنة أنت حرام على الديوث و هو الذي يعلم بالفاحشة في أهله و يسكت و لا يغار
    و ورد أيضا أن من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه فإن قبلها قرضت شفتاه في النار فإن زنى بها نطقت فخذه و شهدت عليه يوم القيامة و قالت : أنا للحرام ركبت فينظر الله تعالى إليه بغضب فيقع لحم وجهه فيكابر و يقول : ما فعلت فيشهد عليه لسانه فيقول : أنا بما لا يحل نطقت و تقول يداه : أنا للحرام تناولت و تقول عيناه أنا للحرام نظرت و تقول رجلاه : أنا لما لا يحل مشيت و يقول فرجه : أنا فعلت و يقول الحافظ من الملائكة : و أنا سمعت و يقول الآخر : و أنا كتبت و يقول الله تعالى : و أنا اطلعت و سترت ثم يقول الله تعالى : يا ملائكتي خذوه و من عذابي أذيقوه فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني و تصديق ذلك في كتاب الله عز و جل :
    { يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون }
    و أعظم الزنا الزنا بالأم و الأخت و امرأة الأب و بالمحارم و قد صحح الحاكم : من وقع على ذات محرم فاقتلوه و عن البراء أن خاله بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يقتله و يخمس ماله فنسأل الله المنان بفضله أن يغفر لنا ذنوبنا إنه جواد كريم

    (1/50)

    الكبيرة الحادية عشرة : اللواط
    قد قص الله عز و جل علينا في كتابه العزيز قصة قوم لوط في غير موضع من ذلك قول الله تعالى :
    { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل } أي من طين طبخ حتى صار كالآجر { منضود } أي يتلو بعضه بعضا { مسومة } أي معلمة بعلامة تعرف بها بأنها ليست من حجارة أهل الدنيا { عند ربك } أي في خزانته التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه { و ما هي من الظالمين ببعيد } ما هي من ظالمي هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم أن يحل بهم ما حل بأولئك من العذاب
    و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط و لعن من فعل فعلهم ثلاثا فقال : لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط ] و قال عليه الصلاة السلام : [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به ] قال ابن عباس رضي الله عنهما ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط
    و أجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى : { أتأتون الذكران من العالمين * و تذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } أي مجازون من الحلال إلى الحرام
    و قال الله تعالى في آية أخرى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام :
    { و نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين }
    و كان اسم قريتهم سدوم و كان أهلها يعملون الخبائث التي ذكرها الله سبحانه في كتابه كانوا يأتون الذكران من العالمين في أدبارهم و يتضارعون في أنديتهم مع أشياء أخرى كانوا يعملونها من المنكرات
    و روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : عشر خصال من أعمال قوم لوط ـ تصفيف الشعر و حل الأزرار و رمي البندق و الحذف بالحصى و اللعب بالحمام الطيارة و الصفير بالأصابع و فرقعة الأكعب و إسبال الإزار و حل أزر الأقبية و إدمان شرب الخمر و إتيان الذكور و ستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء النساء
    و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ سحاق النساء بينهن زنا ] و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أربعة يصبحون في غضب الله و يمسون في سخط الله تعالى قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : المتشبهون من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و الذي يأتي البهيمة و الذي يأتي الذكر يعني اللواط ] و روي أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتز عرش الرحمن خوفا من غضب الله تعالى و تكاد السموات أن تقع على الأرض فتمسك الملائكة بأطرافها و تقرأ قل هو الله أحد إلى آخرها حتى يسكن غضب الله عز و جل
    و جاء النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ سبعة يلعنهم الله تعالى و لا ينظر إليهم يوم القيامة و يقول ادخلوا النار مع الداخلين : الفاعل و المفعول به ـ يعني اللواط و ناكح البهيمة و ناكح الأم و ابنتها و ناكح يده إلا أن يتوبوا ]
    و روي أن قوما يحشرون يوم القيامة و أيديهم حبالى من الزنا كانوا يعبثون في الدنيا بمذاكيرهم و روي أن من أعمال قوم لوط : اللعب بالنرد و المسابقة بالحمام و المهارشة بين الكلاب و المناطحة بين الكباش و المناقرة بالديوك و دخول الحمام بلا مئزر و نقص الكيل و الميزان ويل لمن فعلها
    و في الأثر من لعب باحمام القلابة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر و قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيرا
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها ]
    و قال أبو سعيد الصعلوكي : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون و هم على ثلاثة أصناف صنف ينظرون و صنف يصافحون و صنف يعملون ذلك العمل الخبيث
    و النظر بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ زنا العين النظر و زنا اللسان النطق و زنا اليد البطش و زنا الرجل الخطى و زنا الأذن الاستماع و النفس تمني و تشتهي و الفرج يصدق ذلك و يكذبه ] و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم قال الحسن بن ذكوان : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور العذارى فهم أشد فتنة من النساء و قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياسا على المرأة لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] و في المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم و إنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء و يتسهل في حقه من طريق الريبة و الشر ما لا يتسهل في حق المرأة فهو بالتحريم أولى و أقاويل السلف في التنفير منهم و التحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر و سموهم الإنتان لأنهم مستقذرون شرعا و سواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح و غيره و دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه صبي حسن الوجه فقال : أخرجوه عني أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا و أرى مع كل صبي حسن بضعة عشر شيطانا
    و جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله و معه صبي حسن فقال الإمام ما هذا منك ؟ قال ابن أختي قال : لا تجيء به إلينا مرة أخرى و لا تمش معه في طريق لئلا يظن بك من لا يعرفك و لا يعرفه سوءا
    و روي أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه و سلم كان فيهم أمرد حسن فأجلسه النبي صلى الله عليه و سلم خلف ظهره و قال : إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر و أنشدوا شعرا :
    ( كل الحوادث مبدؤها من النظر ... و معظم النار من مستصغر الشرر )
    ( و المرء ... ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر )
    ( كم نظرة فعلت في قلب صاحبها ... فعل السهام بلا قوس و لا وتر )
    ( يسر ناظره ما ضر خاطره ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر )
    و كان يقال النظر بريد الزنا و في الحديث : النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه لله أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة
    فصل : في عقوبة من أمكن من نفسه طائعا : عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد في بعض النواحي رجلا ينكح في دبره فاستشار أبو بكر الصحابة رضي الله عنهم في أمره فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن هذا ذنب لم يعمله إلا أمة واحدة قوم لوط و قد أعلمنا الله تعالى بما صنع بهم أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إليه أحرقه بالنار فأحرقه خالد رضي الله عنه
    و قال علي رضي الله عنه : من أمكن من نفسه طائعا حتى ينكح ألقى الله عليه شهوة النساء و جعله شيطانا رجيما في قبره إلى يوم القيامة
    و أجمعت الأمة أنه من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم و مما روي أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر في سياحته على نار توقد على رجل فأخذ عيسى عليه السلام ماء ليطفىء عنه فانقلبت النار صبيا و انقلب الرجل نارا فتعجب عيسى عليه السلام من ذلك و قال : يا رب ردهما إلى حالهما في الدنيا لأسألهما عن خبرهما فأحياهما الله تعالى فإذا هما رجل و صبي فقال لهما عيسى عليه السلام : ما خبركما ؟ فقال الرجل : يا روح الله إني كنت في الدنيا مبتلي بحب هذا الصبي فحملتني الشهوة إن عملت معه الفاحشة فلما أن مت و مات الصبي صير نارا يحرقني مرة و أصير نارا أحرقه مرة فهذا عذابنا إلى يوم القيامة نعوذ بالله من عذاب الله و نسأل الله العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى
    فصل : و يلتحق باللواط إتيان المرأة في دبرها مما حرمه الله تعالى و رسوله و قال الله عز و جل : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } أي كيف شئتم مقبلين و مدبرين في صمام واحد أي موضع واحد و سبب نزول هذه الآية أن اليهود في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كانوا يقولون : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم : { نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم } مجيبة أو غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه مسلم
    و في رواية اتقوا الدبر و الحيضة و قوله في صمام واحد أي في موضع واحد و هو الفرج لأنه موضع الحرث أي موضع مزرع الولد و أما الدبر فإنه محل النجو و ذلك خبيث مسقذر و قد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ملعون من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ]
    و روى الترمذي [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد ] فمن جامع امرأته و هي حائض أو جامعها في دبرها فهو ملعون و داخل في هذا الوعيد الشديد و كذا إذا أتى كاهنا و هو المنجم و من يدعي معرفة الشيء المسروق و يتكلم على الأمور المغيبات فسأله عن شيء منها فصدقه
    و كثير من الجهال واقعون في هذه المعاصي و ذلك من قلة معرفتهم و سماعهم للعلم و لذلك قال أبو الدرداء : كن عالما أو متعلما أو محبا و لا تكن الخامس فتهلك و هو الذي لا يعلم و لا يتعلم و لا يستمع و لا يحب من يعمل ذلك و يجب على العبد أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب و الخطايا و يسأل الله العفو عما مضى منه في جهله و العافية فيما بقي من عمره اللهم إنا نسألك العفو و العافية في الدين و الدنيا و الآخرة إنك أرحم الراحمين

    (1/55)
    الحلاجي محمد
    الحلاجي محمد
    Servo di Allah


    Sesso : ذكر

    Numero di messaggi : 6998

    defaut رد: الشروط التي يجب توفرها في الإمـام

    مُساهمة من طرف الحلاجي محمد الخميس 2 سبتمبر - 22:58:42

    الكبيرة الثانية عشرة : الربا
    قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون } و قال الله تعالى : { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان و صرعه { ذلك } أي ذلك الذي أصابهم { بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا }
    أي حلالا فاستحلوا ما حرم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم يقومون و يسقطون كما يقوم المصروع كلما قام صرع لأنهم لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم القيامة فهم كلما أردوا النهوض سقطوا و يريدون الإسراع مع الناس فلا يقدرون
    و قال قتادة : إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا و ذلك علم لأكلة الربا فهم به أهل الموقف و [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين أيديهم كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم قد مالت بهم بطونهم منضدين على سابلة آل فرعون و آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهزمة لا يسمعون و لا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردونهم مقبلين و مدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا و الآخرة قال صلى الله عليه و سلم : فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ]
    و في رواية قال : [ لما عرج بي سمعت في السماء السابعة فوق رأسي رعدا و صواعق و رأيت رجالا بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات و عقارب ترى من ظاهر بطونهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : فقال هؤلاء أكلة الربا ]
    و روي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : إذا ظهر الزنا و الربا في قرية أذن الله بهلاكها و عن عمر مرفوعا : إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم و تبايعوا بالعينة و تتبعوا أذناب البقر و تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون و لا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت و ما بخس قوم الكيل و الوزن إلا منعهم الله القطر ]
    و جاء في حديث فيه طول : أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم و يلقم الحجارة و هو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه و يلقم حجارة من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة و لا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر و آكل الربا و آكل مال اليتيم بغير حق و العاق لوالديه إلا أن يتوبوا ]
    و قد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب و الخنازير من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة و خنازير و هكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل المحتالين قال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون صبيا و لو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليهم و قال صلى الله عليه و سلم : [ الربا سبعون بابا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه و أن أربي الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ] فصح أنه باب من أعظم أبواب الربا
    و [ عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الربا و عظم شأنه فقال : الدرهم الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست و ثلاثين زنية في الإسلام ] و عنه صلى الله عليه و سلم قال : [ الربا سبعون حوبا أهونها كوقع الرجل على أمه و في رواية أهونها كالذي ينكح أمه ] و الحوب : الإثم
    و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : الزائد و المستزيد في النار ـ يعني الآخذ و المعطي فيه سواء نسأل الله العافية
    فصل : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك شيئا فلا تأخذه فإنه ربا و قال الحسن رحمه الله : إذا كان لك على رجل دين فما أكلت من بيته فهو سحت و هذا من قوله صلى الله عليه و سلم : [ كل قرض جر نفعا فهو ربا ] و قال ابن مسعود أيضا : من شفع لرجل شفاعة فأهدى إليه هدية فهي سحت و تصديقه من قوله صلى الله عليه و سلم : [ من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ] أخرجه أبو داود فنسأل الله العفو و العافية في الدين الدنيا و الآخرة

    (1/61)

    الكبيرة الثالثة عشرة : أكل مال اليتيم و ظلمه
    قال الله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا } و قال الله تعالى : { و لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده }
    و [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في المعراج : فإذا أنا برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم و آخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم و تخرج من أدبارهم فقلت : يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ] رواه مسلم
    و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يبعث الله عز و جل قوما من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج أفواههم نارا فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : ألم تر أن الله تعالى يقول : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } ]
    و قال السدي رحمه الله تعالى : يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة و لهب النار يخرج من فيه و من مسامعه و أنفه و عينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم
    قال العلماء : فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا بأس عليه و ما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى : { و من كان غنيا فليستعفف و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف }
    و في الأكل بالمعروف أربعة أقوال : أحدهما : أنه الأخذ على وجه القرض و الثاني : الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف و الثالث : أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم عملا و الرابع : أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه و إن لم يوسر فهو في حل و هذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره
    و في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما ] و في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال : [ كافل اليتيم له أو لغيره أنا و هو كهاتين في الجنة و أشار بالسبابة و الوسطى ]
    كفالة اليتيم هي القيام بأموره و السعي في مصالحه من طعامه و كسوته و تنمية ماله إن كان له مال و إن كان لا مال له أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى و قوله في الحديث : له أو لغيره ـ أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيا منه فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه و الأجنبي من ليس بينه و بينه قرابة
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة و من أحسن إلى يتيم أو يتيمه عنده كنت أنا و هو هكذا في الجنة ]
    و قال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه : أوصني بوصية قال : ارحم اليتيم و أدنه منك و أطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أردت أن يلين قلبك فادن اليتيم منك و امسح رأسه و أطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك و تقدر على حاجتك
    و مما حكي عن بعض السلف قال : كنت في بداية أمري مكبا على المعاصي و شرب الخمر فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته و أحسنت إله و أطعمته و كسوته و أدخلته الحمام و أزلت شعثه و أكرمته كما يكرم الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت و دعيت إلى الحساب و أمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى النار و أنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحبا إلى النار و إذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق و قال : خلو عنه يا ملائكة ربي حتى أشفع له إلى ربي فإنه قد أحسن إلي و أكرمني فقالت الملائكة : إنا لم نؤمر بذلك و إذا النداء من قبل الله تعالى يقول : خلوا عنه فقد وهبت له ما كان منه بشفاعة اليتيم و إحسانه إليه قال : فاستيقظت و تبت إلى الله عز و جل و بذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام و لهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه و شر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه و أحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة و روي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم و كن للأرملة كالزوج الشفيق و اعلم كما تزرع كذا تحصد : معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك أي لا بد أن تموت و يبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة و قال داود عليه السلام في مناجاته : إلهي ما جزاء من أسند اليتيم و الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال : جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي معناه ظل عرشي يوم القيامة
    و مما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين ـ و كان نازلا ببلخ من بلاد العجم و له زوجة علوية و له منها بنات و كانوا في سعة و نعمة فمات الزوج و أصاب المرأة و بناتها بعده الفقر و القلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء و اتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة و مضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين : جمع على رجل مسلم و هو شيخ البلد و جمع على رجل مجوسي و هو ضامن البلد فبدأت بالمسلم و شرحت حالها له و قالت : أنا امرأة علوية و معي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة و أريد الليلة قوتهم فقال لها : أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة فقالت : أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها و أخبرته أن معها بنات أيتام و هي امرأة شريفة غريبة و قصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام و أرسل بعض نسائه و أتوا بها و بناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام و ألبسهن أفخر اللباس و باتوا عنده في نعمة و كرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت و قد عقد اللواء على رأس النبي صلى الله عليه و سلم و إذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ و الياقوت و فيه قباب اللؤلؤ و المرجان فقال : يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ قال لرجل مسلم موحد فقال : يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد
    فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال : فبقي متحيرا فقال له صلى الله عليه و سلم : لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة أنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم : فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد و يسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له : أريد منك المرأة الشريفة العلوية و بناتها فقال : ما إلى هذا من سبيل و قد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال : خذ مني ألف دينار و سلمهن إلي فقال لا أفعل فقال : لا بد منهن فقال : الذي تريده أنت أنا أحق به و القصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا و أهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية و رأيت مثل الذي رأيت في منامك و قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : العلوية و بناتها عندك ؟ قلت : نعم يا رسول الله قال : القصر لك و لأهل دارك و أنت و أهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال : فانصرف المسلم و به من الحزن و الكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة و الأيتام نا أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا !
    و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الساعي على الأرملة و المساكين كالمجاهد في سبيل الله ] قال الراوي أحسبه قال : [ و كالقائم لا يفتر و كالصائم لا يفطر ] و الساعي عليهم هو القائم بأمورهم و مصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى وفقنا لله لذلك بمنه و كرامه أنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم

    (1/65)

    الكبيرة الرابعة عشرة : الكذب على الله عز و جل و على رسوله صلى الله عليه و سلم
    قال الله عز و جل :
    { و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة }
    قال الحسن : هم الذين يقولون : إن شئنا فعلنا و إن شئنا لم نفعل قال ابن الجوزي في تفسيره : و قد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله و على رسوله كفر ينقل عن الملة و لا ريب أن الكذب على الله و على رسوله في تحليل حرام و تحريم حلال كفر محض و إنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ من كذب علي بني له بيت في جهنم ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من روى عني حديثا و هو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ إن كذبا علي ليس ككذب على غيري من كذب علي معمدا فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ يطبع المؤهل على كل شيء إلا الخيانة و الكذب ] نسأل الله التوفيق و العصمة إنه جواد كريم

    (1/70)

    الكبيرة الخامسة عشرة : الفرار من الزحف
    و إذا لم يزد على ضعف المسلمين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة و إن بعدت قال الله تعالى :
    { و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير }
    و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : و ما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ]
    و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }
    فكتب الله عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت :
    { الآن خفف الله عنكم و علم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين و إن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله و الله مع الصابرين } فكتب أن لا يفر مائة من مائتين رواه البخاري

    (1/71)

    الكبيرة السادسة عشرة : غش الإمام الرعية و ظلمه لهم
    قال الله تعالى : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم }
    و قال الله تعالى : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء }
    و قال الله تعالى : { و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
    و قال الله تعالى : { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون }
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من غشنا فليس منا ] و قال عليه السلام : [ الظلم ظلمات يوم القيامة ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أيما راع غش رعيته فهو في النار ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصيحة إلا حرم الله عليه الجنة ] أخرجه البخاري و في لفظ : [ يموت يوم يموت و هو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما من حاكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة و ملك آخذ بقفاه فإن قال ألقه ألقاه فهوى في جهنم أربعين خريفا ] رواه الإمام أحمد
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون و لم يكونوا عملوا من شيء ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط ]
    و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره ]
    و من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ اللهم من ولي من أمر هذه الأمة شيئا فرفق بهم فارفق به و من شفق عليهم فاشفق عليه ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم و خلتهم و فقرهم احتجب الله دون حاجته و خلته و فقره ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه و لن يرد على الحوض ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي : سلطان ظلوم غشوش و غال في الدين يشهد عليهم و يتبرأ منهم ]
    و قال عليه السلام : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر ] و في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أيها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن النكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم و قبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم إن الأحبار من اليهود و الرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ]
    [ و من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا ]
    و في الحديث أيضا [ من لا يرحم لا يرحم لا يرحم الله من لا يرحم الناس ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ] و قال : [ المقسطون على منابر من نور و الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما ولوا ]
    و لما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال : [ إياك و كرائم أموالهم و اتقي دعوة المظلوم فإنها ليس بينها و بين الله حجاب ] رواه البخاري و قال عليه الصلاة و السلام : : [ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة : فذكر منهم الملك الكذاب و قال : إنكم ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ] رواه البخاري و فيه أيضا : [ و إنا و الله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ يا كعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهدي و لا يستنون بسنتي ] و [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة و من غلب جوره عدله فله النار ]
    و قال : [ ستحرصون على الإمارة و ستكون ندامة يوم القيامة ]
    و قال عمر لأبي ذر رضي الله عنهما : حدثني بحديث سمعته من رسول الله فقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فإن كان مطيعا لله في عمله مضى به و إن كان عاصيا لله في عمله انخرق به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمسين عاما ] فقال عمر : من يطلب العمل بها يا أبا ذر ؟ قال : من سلت لله أنفه و ألصق خده بالتراب
    و قال عمر بن المهاجر قال لي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم قل : يا عمر ما تصنع
    يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم و الحق الحاكم و لا حجة لك فيما تخاصم القبر مهول فتذكر حبسك و الحساب طويل فخلص نفسك و العمر كيوم فبادر شمسك تفرح بمالك و الكسب خبيث و تمرح بآمالك و السير حثيث إن الظلم لا يترك منه قدر أنملة فإذا رأيت ظالما قد سطا فنم له فربما بات فأخذت جنبه من الليل نملة أي قروح في الجسد

    (1/72)

    الكبيرة السابعة عشر : الكبر
    الكبر و الفخر و الخيلاء و العجب و التيه ـ قال الله تعالى : { و قال موسى إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب } و قال الله تعالى : { إنه لا يحب المستكبرين }
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بينما رجل يتبختر في مشيه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم القيامة ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ يحشر الجبارون المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس يغشاهم الذل من كل مكان ] و قال بعض السلف أول ذنب عصي الله به الكبر
    قال الله تعالى : { و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين }
    فمن استكبر على الحق لم ينفعه إيمانه كما فعل إبليس
    و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال : [ لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر ] رواه مسلم
    و قال الله تعالى : { إن الله لا يحب كل مختال فخور } و قال صلى الله عليه و سلم : قال الله تعالى : [ العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ] رواه مسلم المنازعة : المجاذبة
    و قال صلى الله عليه و آله و سلم : [ اختصمت الجنة و النار فقالت الجنة مالي ما يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ؟ و قالت النار أوثرت بالجبارين و المتكبرين ] الحديث و قال الله تعالى : { و لا تصعر خدك للناس و لا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور } أي لا تمل خدك معرضا متكبرا و المرح التبختر
    و قال سلمة بن الأكوع : [ أكل رجل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم بشماله قال : كل بيمينك قال : لا أستطيع فقال : لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه بعد ] رواه مسلم و قال عليه الصلاة و السلام : [ ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ] : العتل الغليظ الجافي و الجواظ : الجموع المنوع و قيل الضخم المختال في مشيته و قيل البطين
    [ عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من رجل يختال في مشيته و يتعاظم في نفسه إلا لقي الله و هو عليه غضبان ] و صح من حديث أبي هريرة : [ أول ثلاثة يدخلون النار : أمير مسلط أي ظالم و غني لا يؤدي الزكاة و فقير فخور ] و في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم : المسبل المنان و المنفق سلعته بالحلف الكاذب ] و المسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو سراويله حتى يكون إلى قدميه لأنه صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أسبل من الكعبين من الإزار فهو في النار ]
    و أشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه و يتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه وخشع قلبه و استكانت نفسه و كان على نفسه بالمرصاد فلا يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت و يتفقدها فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم و أهلكته و من طلب العلم للفخر و الرياسة و بطر على المسلمين و تحامق عليهم و ازدراهم فهذا من أكبر الكبر و لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

    (1/76)

    الكبيرة الثامنة عشرة : شهادة الزور
    قال الله تعالى : { و الذين لا يشهدون الزور } الآية و في الأثر عدلت شهادة الزور الشرك بالله تعالى مرتين و قال الله تعالى : { و اجتنبوا قول الزور }
    و في الحديث : [ لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار ] قال المصنف رحمه الله تعالى : شاهد الزور قد ارتكب عظائم ( أحدها ) الكذب و الإفتراء قال الله تعالى : { إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب }
    و في الحديث : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب ] و ( ثانيها ) إنه ظلم الذي شهد حتى أخذ بشهادته ماله و عرضه و روحه و ( ثالثها ) : إنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النار و قال صلى الله عليه و سلم : [ من قضيت له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار ] و ( رابعها ) : أباح ما حرم الله تعالى و عصمه من المال و الدم و العرض قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين ألا و قول الزور ألا و شهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ] رواه البخاري فنسأل الله تعالى السلامة و العافية من كل بلاء

    (1/79)

    الكبيرة التاسعة عشر : شرب الخمر
    قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } فقد نهى عز و جل في هذه الآية عن الخمر و حذر منها و قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ] فمن لم يجتنبها فقد عصى الله و رسوله و استحق العذاب بمعصية الله و رسوله قال الله تعالى : { و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين }
    و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض و قالوا حرمت الخمر و جعلت عدلا للشرك
    و ذهب عبد الله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر و هي بلا ريب أم الخبائث و قد لعن شاربها في غير حديث و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كل مسكر خمر و كل خمر حرام و من شرب الخمر في الدنيا و مات و لم يتب منها و هو مدمنها لم يشربها في الآخرة ] رواه مسلم و روى مسلم : [ عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار ]
    و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة ]
    ذكر أن مدمن الخمر كعابد وثن : رواه الإمام أحمد في مسنده [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : مدمن الخمر كعابد وثن ]
    ذكر أن مدمن الخمر إذا مات و لم يتب لا يدخل الجنة : روى النسائي [ من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يدخل الجنة عاق و لا مدمن خمر ] و في رواية [ ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه و الديوث و هو الذي يقر السوء في أهله ]
    ذكر أن السكران لا يقبل منه حسنة : روى [ جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة لا تقبل لهم صلاة و لا ترفع لهم حسنة إلى السماء : العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم و المرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها و السكران حتى يصحو ]
    و الخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا و [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها ] و في رواية [ من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئا و من سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب ثم عاد كان حقا على الله أن يسقيه من مهل جهنم ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من شرب الخمر و لم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة و من شرب الخمر و سكر لم يقبل الله منه صرفا و لا عدلا أربعين ليلة فإن مات فيها مات كعابد وثن و كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل : يا رسول الله و ما طينة الخبال ؟ قال : عصارة أهل النار القيح و الدم ]
    و قال عبد الله بن أبي أوفى : من مات مدمنا للخمر مات كعابد اللات و العزى قيل : أرأيت مدمن الخمر هو الذي لا يستفيق من شربها ؟ قال : لا و لكن هو الذي يشربها إذا وجدها و لو بعد سنين
    ذكر أن من شرب الخمر لا يكون مؤمنا حين يشربها : [ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن و التوبة معروضة بعد ] أخرجه البخاري و في الحديث : [ من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] و فيه : من شرب الحمر ممسيا أصبح مشركا و من شربها مصبحا أمسى مشركا و فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام و لا يجد ريحها عاق و لا منان و لا مدمن خمر و لا عابد وثن ] و روى الإمام أحمد من [ حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يدخل الجنة مدمن خمر و لا مؤمن بسحر و لا قاطع رحم و من مات و هو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة و هو ماء يجري من فروج المومسات ـ أي الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله بعثني رحمة و هدى للعالمين بعثني لأمحق المعازف و المزامير و أمر الجاهلية و أقسم ربي تعالى بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم و لا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء ]
    ذكر من لعن في الخمر : روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لعنت الخمر بعينها و شاربها و ساقيها و بائعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها ] و رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و مبتاعها و شاربها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و ساقيها و مستقيها ]
    ذكر النهي عن عيادة شربة الخمر إذا مرضوا و كذلك لا يسلم عليهم :
    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا قال البخاري و قال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا تجالسوا شراب الخمر و لا تعودوا مرضاهم و لا تشهدوا جنائزهم و إن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه على صدره يسيل لعابه يقذره كل من رآه و عرفه أنه شارب خمر ]
    قال بعض العلماء : إنما نهى عن عيادتهم و السلام عليهم لأن شارب الخمر فاسق ملعون قد لعنه الله و رسوله كما تقدم في قوله : لعن الله الخمور و شاربها الحديث فإن اشتراها و عصرها كان ملعونا مرتين و إن سقاها لغيره كان ملعونا ثلاث مرات فلذلك نهى عن عيادته و السلام عليه إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه
    ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها : [ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يغلي فقال : ما هذا يا أم سلمة ؟ فذكرت له أني أداوي به ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ]
    ذكر أحاديث متفرقة رويت في الخمر : من ذلك ما ذكره أبو نعيم في الحلية عن أبي موسى رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله عليه و سلم بنبيذ في جرة له نشيش فقال : [ اضربوا بهذا الحائط فإن هذا شرب من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ]
    و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من كان في صدره آية من كتاب الله و صب عليها الخمر يجيء يوم القيامة كل حرف من تلك الآية فيأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تبارك و تعالى فيخاصمه و من خاصمه القرآن خصم فالويل لمن كان القرآن خصمه يوم القيامة ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما من قوم اجتمعوا على مسكر في الدنيا إلا جمعهم الله في النار فيقبل بعضهم على بعض يتلاومون يقول أحدهم للآخر : يا فلان لا جزاك الله عني خيرا فأنت الذي أوردتني هذا المورد و يقول له الآخر مثل ذلك ] و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساودة شربة يتساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها تساقط لحمه و جلده يتأذى به أهل النار ألا وشاربها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمولة إليه و آكل ثمنها شركاء في إثمها لا يقبل الله منهم صلاة و لا صوم و لا حجا حتى يتوبوا فإن ماتوا قبل التوبة كان حقا على الله أن يسقيهم بكل جرعة شربوها في الدنيا من صديد جهنم ألا و كل مسكر خمر و كل خمر حرام ]
    و يدخل في قوله صلى الله عليه و سلم كل مسكر خمر : الحشيشة كما سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى روي : [ أن شربة الخمر إذا أتوا على الصراط يتخطفهم الزبانية إلى نهر الخبال فيسقون بكل كأس شربوها من الخمر شربة من نهر الخبال فلو أن تلك الشربة تصب من السماء لأحرقت السماوات من حرها ] نعوذ بالله منها
    ذكر الآثار عن السلف في الخمر : ذكر ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا مات شارب الخمر فادفنوه ثم اصلبوه على خشبة ثم انبشوا عنه قبره فإن لم تروا وجهه مصروفا عن القبلة و إلا فاتركوه مصلوبا و عن الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضرته الوفاة فجعل يلقنه الشهادة و لسانه لا ينطق بها فكررها عليه فقال : لا أقولها و أنا بريء منها فخرج الفضيل من عنده و هو يبكي ثم رآه بعد مدة في منامه و هو يسحب به إلى النار فقال له : يا مسكين بم نزعت منك المعرفة ؟ فقال : يا أستاذ كان بي علة فأتيت بعض الأطباء فقال لي تشرب في كل سنة قدحا من الخمر و إن لم تفعل تبقى بك علتك فكنت أشربها في كل سنة لأجل التداوي ! فهذا حال من شربها للتداوي فكيف حال من يشربها لغير ذلك ؟ نسأل الله العفو و العافية من كل بلاء
    و سئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال : كنت أنبش القبور فرأيت فيها أمواتا مصروفين عن القبلة فسألت أهليهم عنهم فقالوا : كانوا يشربون الخمر في الدنيا و ماتوا من غير توبة و قال بعض الصالحين : مات لي ولد صغير فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام و قد شاب رأسه فقلت : يا ولدي دفنتك و أنت صغير فما الذي شيبك ؟ فقال : يا أبتي دفن إلى جانبي رجل ممن كان يشرب الخمر في الدنيا فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منها طفل إلا شاب رأسه من شدة زفرتها نعوذ بالله منها و نسأل الله العفو و العافية مما يوجب العذاب في الآخرة
    فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يدركه الموت و هو على أشر حالة فيلقى في النار نعوذ بالله منه
    فصل : و الحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها كما يحد شارب الخمر و هي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل و المزاج حتى يصير في الرجل تخنث و دياثة و غير ذلك من الفساد و الخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة و المقاتلة و كلاهما يصد عن ذكر الله و عن الصلاة
    و قد توقف بعض العلماء المتأخرين في حدها و رأى أن أكلتها تعزر بما دون الحد حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة البنج و لم يجد العلماء المتقدمين فيها كلاما و ليس كذلك بل أكلتها ينشون و يشتهونها كشراب الخمر و أكثر حتى لا يصبروا عنها و تصدهم عن ذكر الله و الصلاة إذا أكثرا منها مع ما فيها من الدياثة و التخنث و فساد المزاج و العقل و غير ذلك لكن لما كانت جامدة مطعومة ـ ليست شرابا ـ تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد و غيره فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة و هذا هو الإعتبار الصحيح و قيل : لا لجمودها و قيل يفرق بين جامدها و مائعها و بكل حال : فهي داخلة فيما حرم الله و رسوله من الخمر المسكر لفظا و معنى قال أبو موسى : يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع و هو من العسل ينبذ حتى يشتد و المزر و هو الذرة و الشعير ينبذ حتى يشتد قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال صلى الله عليه و سلم : [ كل مسكر حرام ] رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم : [ ما أسكر كثيره فقليله حرام ] و لم يفرق صلى الله عليه و سلم بين نوع و نوع لكونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز و هذه الحشيشة قد تذاب بالماء و تشرب و الخمر يشرب و يؤكل و الحشيشة تشرب و تؤكل و إنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي و إنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام و قد قيل في وصفها شعرا :
    ( فآكلها و زارعها حلالا ... فتلك على الشقي مصيبتان )
    فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها و استرخصوها :
    ( قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... عشت بأكلها بأقبح عيشة )
    ( قيمة المرء جوهر فلماذا ... يا أخا الجهل بعته بحشيشة )
    حكاية : عن عبد الملك بن مروان : أن شابا جاء إليه باكيا حزينا فقال : يا أمير المؤمنين إني ارتكبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة ؟ قال و ما ذنبك ؟ قال : ذنبي عظيم قال : و ما هو فتب إلى الله تعالى فإنه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات قال : يا أمير المؤمنين كنت أنبش القبور و كنت أرى فيها أمورا عجيبة قال : و ما رأيت ؟ قال يا أمير المؤمنين نبشت ليلة قبرا فرأيت صاحبه قد حول وجهه عن القبلة فخفت منه و أردت الخروج فإذا أنا بقائل يقول في القبر : ألا تسأل عن الميت لماذا حول وجهه عن القبلة ؟ فقلت : لماذا حول ؟ قال : لأنه كان مستخفا بالصلاة هذا جزاء مثله ثم نبشت قبرا آخر فرأيت صاحبه قد حول خنزيرا و قد شد بالسلاسل و الأغلال في عنقه فخفت منه و أردت الخروج و إذا بقائل يقول لي : ألا تسأل عن عمله و لماذا يعذب ؟ فقلت : لماذا ؟ فقال : كان يشرب الخمر في الدنيا و مات من غير توبة و الثالث يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد شد بالأرض بأوتار من نار و أخرج لسانه من قفاه فخفت و رجعت و أردت الخروج فنوديت : ألا تسأل عن حاله لماذا ابتلي ؟ فقالت : لماذا ؟ فقال : كان لا يتحرز من البول و كان ينقل الحديث بين الناس فهذا جزاء مثله و الرابع يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد اشتعل نارا فخفت منه و أردت الخروج فقيل : ألا تسأل عنه و عن حاله ؟ فقلت و ما حاله ؟ فقال : كان تاركا للصلاة و الخامس يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فرأيته قد وسع على الميت مد البصر و فيه نور ساطع و الميت نائم على سرير و قد أشرق نوره و عليه ثياب حسنة فأخذتني منه هيبة و أردت الخروج فقيل لي : هلا تسأل عن حاله لماذا أكرم بهذه الكرامة فقلت : لماذا أكرم ؟ فقيل لي : لأنه كان شابا طائعا نشأ في طاعة الله عز و جل و عبادته فقال عبد الملك عند ذلك : إن في هذا لعبرة للعاصين و بشارة للطائعين فالواجب على المبتلي بهذه المعائب المبادرة إلى التوبة و الطاعة جعلنا الله و إياكم من الطائعين و جنبنا أفعال الفاسقين إنه جواد كريم

    (1/80)

    الكبيرة العشرون : القمار
    قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون }
    و الميسر هو القمار بأي نوع كان : نرد أو شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غير و هو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله : { و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } و داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق ] فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل ؟ !
    فصل : اختلف العلماء في النرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه ] أخرجه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم : [ من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله ] و قال ابن عمر رضي الله عنه اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير
    قال : و أما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما الرهن فهو قمار بلا خلاف و أما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار حرام عند أكثر العلماء و حكي إباحته في رواية عن الشافعي : إذا كان في خلوة و لم يشغل عن واجب و لا عن صلاة في وقتها و سئل النووي رحمه الله عن العب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : هو حرام عند أكثر أهل العلم و سئل أيضا رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا و هل يأثم اللاعب بها أم لا ؟ أجاب رحمه الله : إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام و إلا فمكروه عند الشافعي و حرام عند غيره و هذا كلام النووي في فتاويه
    و الدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله تعالى : { حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير } إلى قوله { و أن تستقسموا بالأزلام } قال سفيان و وكيع بن الجراح : هي الشطرنج و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الشطرنج ميس الأعاجم و مر رضي الله عنه على قوم يلعبون بها فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفى خير له من أن يمسها ثم قال : و الله لغير هذا خلقتم و قال أيضا رضي الله عنه : صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم : قتلت و ما قتل و مات و ما مات و قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه : لا يلعب بالشطرنج إلا خاطىء
    و قيل لاسحاق بن راهوية أترى في اللعب بالشطرنج بأس ؟ فقال : البأس كله فيه فقيل له : إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل الحرب فقال : هو فجور و سئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال : أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم القيامة مع أصحاب الباطل
    و سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج فقال : هي أشر من النرد و تقدم الكلام عن تحريمه و سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الشطرنج فقال : الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مالا ليتيم فوجدها فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها و لو كان اللعب بها حلالا لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم و لكن لما كان اللعب بها حراما أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك الشطرنج و هذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه و قيل لإبراهيم النخعي : ما تقول في اللعب بالشطرنج ؟ فقال : إنها ملعونة
    و روى أبو بكر الأثرم في جامعه [ عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله في كل يوم ثلثمائة رضي الله عنه ستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه فيها نصيب ـ يعني لا عب الشطرنج لأنه يقول شاه مات ] و روى أبو بكر الأجري باسناده [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد و الشطرنج و ما كان من اللهو فلا تسلموا عليهم فإنهم إذا اجتمعوا و أكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرقت و لأنهم يكذبون عليها فيقولون : شاه مات ] و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه يعني صاحب الشطرنج ألا تراه يقول قتلته و الله مات و الله افترى و كذب على الله ]
    و قال مجاهد : ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له : قل لا إله إلا الله فقال : شاهك ثم مات فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب فقال عوض كلمة الإخلاص : شاهك و هذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شراب الخمر إنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له : اشرب و اسقني ثم مات فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و هذا كما جاء في حديث مروي : يموت كل إنسان على ما عاش عليه و يبعث على ما مات عليه فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين و لا مغيرين و لا ضالين و لا زائغين إنه جواد كريم

    (1/88)

    الكبيرة الحادية و العشرون : قذف المحصنات
    قال الله تعالى :
    { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون }
    و قال الله تعالى : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون }
    بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم و عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلا و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اجتنبوا السبع الموبقات ] فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات و القذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة : يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول لزوجها : يا زوج القحبة أو يقول لولدها : يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل : يا زاني أو لصبي حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك و البينة كما قال الله : أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه : يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في ال

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر - 0:44:36