سلمان الفارسي، و اسمه عندما كان ببلاد فارس روزبه و أصله من منطقة كازرون في إقليم شيراز في جنوب إيران . هو صحابي جليل دخل الإسلام بعد بحث و تقصي عن الحقيقة ، و كان أحد المميزين في بلاد فارس بلده الأصلي .
دان بالمجوسية و لم يقتنع بها ، و ترك بلده فارس بحثا عن الحقيقة فرحل إلى الشام و ألتقى بلرهبان والقساوسة و لكن أفكارهم و دياناتهم لم تقنعه أو تشفي تعطشه للإيمان . و استمر متنقلا حتى وصل إلى الجزيرة العربية فالمدينة و التقى سيدنامحمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام ، فأعلن إسلامه.
و هو الذي أشار على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الخندق أن يحفروا حول المدينة خندقا يحميهم من قريش، و ذلك لما له من خبرة و معرفة بفنون الحرب و القتال لدى الفرس . و يعتقد أنه مدفون في بلدة المدائن قرب بغداد .
قصة إسلام سلمان الفارسي
سلمان كان رجلا فارسيا من أصبهان ، أبوه كان دهقان قريته ، أي زعيم المزارعين الفلاحين هناك . و من شدة خوفه عليه كان يحبسه في البيت .
قال و اجتهدت في المجوسية ، ثم قال بعثني أبي فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، قال (فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها و هم يصلون فأردت أن أعرف ماذا يفعل هؤلاء) .
فتأخر عن أبيه حتى رجع إلى البيت فشرح لأبيه ماذا رأى فخاف عليه أن يترك المجوسية و يعتنق النصرانية ، قال فقادني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته. و بعث القسيس بالكنيسة يخبر أن هؤلاء جاؤا من بلاد الشام. فقال لهم قبل أن يذهبوا إلى بلاد الشام أريد أن أراهم قال : (فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام) ، و ذهب عند أسقف الكنيسة.
قال : (فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين و أحببت أن أكون معك و أخدمك في كنيستك و أتعلم منك فأصلي معك) ، فدخل في دينهم سلمان الفارسي و يقول : (فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها فإذا جمعوا له شيئا كنزه لنفسه و لم يعطه للمساكين حتى جمع سبع قلال) ، حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق (الورق هو الفضة) قال : (و أبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع) ، و كان ببصرى الشام حتى باعه أحدهم إلى اليهود فقاموا و حملوه معهم إلى أرض لحجاز ، و بقي معهم حتى دنا الموت من أحد اليهود الذين احتملوه فقال له : (على من تدلني بعد موتك ؟ بم تأمرني ؟ بماذا توصيني ؟) قال : (أي بني ، والله ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا من الناس آمرك أن تأتيه ؛ و لكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب .
مهجره إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى . يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة . فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم خذوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقرتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهموها و حملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى و رموني فباعوني لرجل يهودي، عبدا .
فكنت عنده و رأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي الذي
قاله له ما بين لابتيها
قال فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة فابتاعني منه ، فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام، ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق .
ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عرق لسيدي أعمل فيه بعض العمل و سيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة ! والله أنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .
قال سلمان فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت اني ساقط على سيدي . فنزلت عن النخلة فجعلتني أقول لابن عمه ماذا تقول ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة على وجهي ثم قال ما لك و لهذا ؟ أقبل على عملك ! فقلت إنما أردت أن أستثبته عما يقول ، قال و قد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء . فدخلت عليه فقلت له أنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوي حاجة و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم . قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل .
فقلت في نفسي هذه واحدة . ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا و تحول إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم جئته فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها قال فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها و أمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي هاتان ثنتان .
قال ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو ببقيع الغرقد و قد سمع جنازة رجل من أصجابه وعليه شملتان و هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره صلى الله عليه وسلم فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول ، فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس .
فأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه .
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر و أحد. قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :كاتب يا سلمان . قال فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له ثم أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا أتي له من المعادن مثل البيضة .
غزوة الخندق
في غزوة الخندق جاءت جيوش الكفر إلى المدينة مقاتلة تحت قيادة أبي سفيان ، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب ، وجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه ليشاورهم في الأمر ، فتقدم سلمان وألقى من فوق هضبة عالية نظرة فاحصة على المدينة ، فوجدها محصنة بالجبال والصخور محيطة بها ، بيد أن هناك فجوة واسعة يستطيع الأعداء اقتحامها بسهولة ، وكان سلمان—قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدعها ، فتقدم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- واقترح أن يتم حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة ،
وبالفعل بدأ المسلمين في بناء هذا الخندق الذي صعق قريش حين رأته ، وعجزت عن اقتحام المدينة ، وأرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية لم يستطيعوا معها الا الرحيل والعودة إلى ديارهم خائبين وخلال حفر الخندق اعترضت معاول المسلمين صخرة عاتية لم يستطيعوا فلقها ، فذهب سلمان إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مستأذنا بتغيير مسار الحفر ليتجنبوا هذه الصخرة ، فأتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع سلمان وأخذ المعول بيديه الكريمتين ، وسمى الله وهوى على الصخرة فاذا بها تنفلق ويخرج منها وهجا عاليا مضيئا وهتف الرسول مكبرا الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، ولقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وإن أمتي ظاهرة عليها )
ثم رفع المعول ثانية وهوى على الصخرة ، فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة ، وهتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر أعطيت مفاتيح الروم ، ولقد أضاء لي منها قصور الحمراء ، وإن أمتي ظاهرة عليها )ثم ضرب ضربته الثالثة فاستسلمت الصخرة وأضاء برقها الشديد ، وهلل الرسول والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما ، وصاح المسلمون هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله )
سلمان والصحابة
لقد كان إيمان سلمان الفارسي قويا ، فقد كان تقيا زاهدا فطنا ورعا ، أقام أياما مع أبو الدرداء في دار واحدة ، و كان أبو الدرداء يقوم الليل و يصوم النهار . و كان سلمان يرى مبالغته في هذا فحاول أن يثنيه عن صومه هذا ، فقال له أبو الدرداء : أتمنعني أن أصوم لربي و أصلي له ؟ فأجاب سلمان : إن لعينيك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا . صم وافطر ، و صلّ و نام . فبلغ ذلك الرسول - صلى الله عليه و سلم - فقال : "لقد أُشْبِعَ سلمان علما .
و في غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون سلمان منا و وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا . و ناداهم الرسول صلى الله عليه و سلم قائلا : "سلمان منا آل البيت"
في خلافة عمر بن الخطاب جاء سلمان إلى المدينة زائرا ، فجمع عمر الصحابة و قال لهم هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان . و خرج بهم لإستقباله عند مشارف المدينة
و كان علي بن أبي طالب يلقبه بلقمان الحكيم ، و سئل عنه بعد موته فقال ذاك امرؤ منا و إلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ؟ أوتي العلم الأول و العلم الآخر ، و قرأ الكتاب الأول و الكتاب الآخر ، و كان بحرا لا ينزف
عطاؤه
عطاؤه
لقد كان—في كبره شيخا مهيبا ، يضفر الخوص ويجدله ، ويصنع منه أوعية ومكاتل ، ولقد كان عطاؤه وفيرا بين أربعة آلاف و ستة آلاف في العام ، بيد أنه كان يوزعه كله ويرفض أن ينال منه درهما ، ويقول أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ثم أبيعه بثلاثة دراهم ، فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بالثالث ، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت
الإمارة
لقد كان سلمان الفارسي يرفض الإمارة ويقول إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين فافعل في الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن وهو سائر بالطريق ، لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل من التين والتمر ، وكان الحمل يتعب الشامي ، فلم يكد يرى أمامه رجلا يبدو عليه من عامة الناس وفقرائهم حتى قال له احمل عني هذا فحمله سلمان ومضيا ، وعندما بلغا جماعة من الناس فسلم عليهم فأجابوا وعلى الأمير السلام )فسأل الشامي نفسه أي أمير يعنون ؟!
ودهش عندما رأى بعضهم يتسارعون ليحملوا عن سلمان الحمل ويقولون عنك أيها الأمير فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي فسقط يعتذر ويأسف واقترب ليأخذ الحمل ، ولكن رفض سلمان وقال لا حتى أبلغك منزلك سئل سلمان يوما ماذا يبغضك في الإمارة ؟ فأجاب حلاوة رضاعها ، ومرارة فطامها
وفاته
كان سلمان يملك شيئا يحرص عليه كثيرا ، ائتمن زوجته عليه ، وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه ناداها هلمي خبيك الذي استخبأتك فجاءت بها فإذا هي صرة مسك أصابها يوم فتح جلولاء ، احتفظ بها لتكون عطره يوم مماته ، ثم دعا بقدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته انضحيه حولي ، فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله ، لايأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب فلما فعلت قال لها اجفئي علي الباب وانزلي ففعلت ما أمر ، وبعد حين عادت فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ، وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه: «سلمان منا أهل البيت»
مقامه يقعان في مدينة المدائن على بعد 2 كيلو متر من نطاق كسرى وقد سمي المقام باسم "سلمان باك" اي "سلمان الطاهر"، وهو قريب من مشارف بغداد العراق، و قبره عليه قبة ومسجد وصحن كبير، وبجانبه قبر قيل أنه للصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين.
دان بالمجوسية و لم يقتنع بها ، و ترك بلده فارس بحثا عن الحقيقة فرحل إلى الشام و ألتقى بلرهبان والقساوسة و لكن أفكارهم و دياناتهم لم تقنعه أو تشفي تعطشه للإيمان . و استمر متنقلا حتى وصل إلى الجزيرة العربية فالمدينة و التقى سيدنامحمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام ، فأعلن إسلامه.
و هو الذي أشار على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في غزوة الخندق أن يحفروا حول المدينة خندقا يحميهم من قريش، و ذلك لما له من خبرة و معرفة بفنون الحرب و القتال لدى الفرس . و يعتقد أنه مدفون في بلدة المدائن قرب بغداد .
قصة إسلام سلمان الفارسي
سلمان كان رجلا فارسيا من أصبهان ، أبوه كان دهقان قريته ، أي زعيم المزارعين الفلاحين هناك . و من شدة خوفه عليه كان يحبسه في البيت .
قال و اجتهدت في المجوسية ، ثم قال بعثني أبي فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ، قال (فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها و هم يصلون فأردت أن أعرف ماذا يفعل هؤلاء) .
فتأخر عن أبيه حتى رجع إلى البيت فشرح لأبيه ماذا رأى فخاف عليه أن يترك المجوسية و يعتنق النصرانية ، قال فقادني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته. و بعث القسيس بالكنيسة يخبر أن هؤلاء جاؤا من بلاد الشام. فقال لهم قبل أن يذهبوا إلى بلاد الشام أريد أن أراهم قال : (فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام) ، و ذهب عند أسقف الكنيسة.
قال : (فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين و أحببت أن أكون معك و أخدمك في كنيستك و أتعلم منك فأصلي معك) ، فدخل في دينهم سلمان الفارسي و يقول : (فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها فإذا جمعوا له شيئا كنزه لنفسه و لم يعطه للمساكين حتى جمع سبع قلال) ، حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق (الورق هو الفضة) قال : (و أبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع) ، و كان ببصرى الشام حتى باعه أحدهم إلى اليهود فقاموا و حملوه معهم إلى أرض لحجاز ، و بقي معهم حتى دنا الموت من أحد اليهود الذين احتملوه فقال له : (على من تدلني بعد موتك ؟ بم تأمرني ؟ بماذا توصيني ؟) قال : (أي بني ، والله ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا من الناس آمرك أن تأتيه ؛ و لكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب .
مهجره إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى . يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة . فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .
ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم خذوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقرتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهموها و حملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى و رموني فباعوني لرجل يهودي، عبدا .
فكنت عنده و رأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي الذي
قاله له ما بين لابتيها
قال فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة فابتاعني منه ، فاحتملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها فأقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام، ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق .
ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عرق لسيدي أعمل فيه بعض العمل و سيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة ! والله أنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي .
قال سلمان فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت اني ساقط على سيدي . فنزلت عن النخلة فجعلتني أقول لابن عمه ماذا تقول ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة على وجهي ثم قال ما لك و لهذا ؟ أقبل على عملك ! فقلت إنما أردت أن أستثبته عما يقول ، قال و قد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء . فدخلت عليه فقلت له أنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوي حاجة و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم . قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل .
فقلت في نفسي هذه واحدة . ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا و تحول إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم جئته فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها قال فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها و أمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي هاتان ثنتان .
قال ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو ببقيع الغرقد و قد سمع جنازة رجل من أصجابه وعليه شملتان و هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره صلى الله عليه وسلم فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول ، فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس .
فأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه .
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر و أحد. قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :كاتب يا سلمان . قال فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له ثم أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا أتي له من المعادن مثل البيضة .
غزوة الخندق
في غزوة الخندق جاءت جيوش الكفر إلى المدينة مقاتلة تحت قيادة أبي سفيان ، ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب ، وجمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه ليشاورهم في الأمر ، فتقدم سلمان وألقى من فوق هضبة عالية نظرة فاحصة على المدينة ، فوجدها محصنة بالجبال والصخور محيطة بها ، بيد أن هناك فجوة واسعة يستطيع الأعداء اقتحامها بسهولة ، وكان سلمان—قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدعها ، فتقدم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- واقترح أن يتم حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة ،
وبالفعل بدأ المسلمين في بناء هذا الخندق الذي صعق قريش حين رأته ، وعجزت عن اقتحام المدينة ، وأرسل الله عليهم ريحا صرصرا عاتية لم يستطيعوا معها الا الرحيل والعودة إلى ديارهم خائبين وخلال حفر الخندق اعترضت معاول المسلمين صخرة عاتية لم يستطيعوا فلقها ، فذهب سلمان إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مستأذنا بتغيير مسار الحفر ليتجنبوا هذه الصخرة ، فأتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع سلمان وأخذ المعول بيديه الكريمتين ، وسمى الله وهوى على الصخرة فاذا بها تنفلق ويخرج منها وهجا عاليا مضيئا وهتف الرسول مكبرا الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، ولقد أضاء الله لي منها قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وإن أمتي ظاهرة عليها )
ثم رفع المعول ثانية وهوى على الصخرة ، فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة ، وهتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- الله أكبر أعطيت مفاتيح الروم ، ولقد أضاء لي منها قصور الحمراء ، وإن أمتي ظاهرة عليها )ثم ضرب ضربته الثالثة فاستسلمت الصخرة وأضاء برقها الشديد ، وهلل الرسول والمسلمون معه وأنبأهم أنه يبصر قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما ، وصاح المسلمون هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله )
سلمان والصحابة
لقد كان إيمان سلمان الفارسي قويا ، فقد كان تقيا زاهدا فطنا ورعا ، أقام أياما مع أبو الدرداء في دار واحدة ، و كان أبو الدرداء يقوم الليل و يصوم النهار . و كان سلمان يرى مبالغته في هذا فحاول أن يثنيه عن صومه هذا ، فقال له أبو الدرداء : أتمنعني أن أصوم لربي و أصلي له ؟ فأجاب سلمان : إن لعينيك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا . صم وافطر ، و صلّ و نام . فبلغ ذلك الرسول - صلى الله عليه و سلم - فقال : "لقد أُشْبِعَ سلمان علما .
و في غزوة الخندق وقف الأنصار يقولون سلمان منا و وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا . و ناداهم الرسول صلى الله عليه و سلم قائلا : "سلمان منا آل البيت"
في خلافة عمر بن الخطاب جاء سلمان إلى المدينة زائرا ، فجمع عمر الصحابة و قال لهم هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان . و خرج بهم لإستقباله عند مشارف المدينة
و كان علي بن أبي طالب يلقبه بلقمان الحكيم ، و سئل عنه بعد موته فقال ذاك امرؤ منا و إلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ؟ أوتي العلم الأول و العلم الآخر ، و قرأ الكتاب الأول و الكتاب الآخر ، و كان بحرا لا ينزف
عطاؤه
عطاؤه
لقد كان—في كبره شيخا مهيبا ، يضفر الخوص ويجدله ، ويصنع منه أوعية ومكاتل ، ولقد كان عطاؤه وفيرا بين أربعة آلاف و ستة آلاف في العام ، بيد أنه كان يوزعه كله ويرفض أن ينال منه درهما ، ويقول أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ثم أبيعه بثلاثة دراهم ، فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بالثالث ، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت
الإمارة
لقد كان سلمان الفارسي يرفض الإمارة ويقول إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين فافعل في الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن وهو سائر بالطريق ، لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل من التين والتمر ، وكان الحمل يتعب الشامي ، فلم يكد يرى أمامه رجلا يبدو عليه من عامة الناس وفقرائهم حتى قال له احمل عني هذا فحمله سلمان ومضيا ، وعندما بلغا جماعة من الناس فسلم عليهم فأجابوا وعلى الأمير السلام )فسأل الشامي نفسه أي أمير يعنون ؟!
ودهش عندما رأى بعضهم يتسارعون ليحملوا عن سلمان الحمل ويقولون عنك أيها الأمير فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي فسقط يعتذر ويأسف واقترب ليأخذ الحمل ، ولكن رفض سلمان وقال لا حتى أبلغك منزلك سئل سلمان يوما ماذا يبغضك في الإمارة ؟ فأجاب حلاوة رضاعها ، ومرارة فطامها
وفاته
كان سلمان يملك شيئا يحرص عليه كثيرا ، ائتمن زوجته عليه ، وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه ناداها هلمي خبيك الذي استخبأتك فجاءت بها فإذا هي صرة مسك أصابها يوم فتح جلولاء ، احتفظ بها لتكون عطره يوم مماته ، ثم دعا بقدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته انضحيه حولي ، فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله ، لايأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب فلما فعلت قال لها اجفئي علي الباب وانزلي ففعلت ما أمر ، وبعد حين عادت فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ، وكان ذلك في عهد عثمان بن عفان .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقه: «سلمان منا أهل البيت»
مقامه يقعان في مدينة المدائن على بعد 2 كيلو متر من نطاق كسرى وقد سمي المقام باسم "سلمان باك" اي "سلمان الطاهر"، وهو قريب من مشارف بغداد العراق، و قبره عليه قبة ومسجد وصحن كبير، وبجانبه قبر قيل أنه للصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين.