حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن "
" الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
حذيفة بن اليمان
من هو؟
حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام
ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و
السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد
جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني
النار )فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟اني لأستغفر الله في اليوم
مائة مرة )هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-
يوم أحد
لقد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل
خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي
، انه أبي !!)ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن
والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم
الراحمين ) ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة وبعد انتهاء
المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد
حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول
له حبا وتقديرا
غزوة الخندق
عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم
، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا
والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في
القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !) فذهب ودخل في
القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا
بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟) قال
حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت من أنت ؟ قال فلان بن
فلان ) فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم
والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ،
وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر
، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل) ثم نهض
فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )وعاد حذيفة الى
الرسول الكريم حاملا له البشرى
خوفه من الشر
كان
حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي
، لذا فهو يقول (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن
الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟) قال ( نعم )
قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)قال ( نعم ، وفيه دخن )
قلت ( وما دخنه ؟)قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )
قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )
قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )
قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )
المنافقون
كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين
؟) قال ( نعم ، واحد ) قال (مَن هو ؟) قال ( لا أذكره )قال
حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )
وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر
آخر ما سمع من الرسول
عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه
الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!) فردَّ
عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي ) فدنوتُ من تلقاء
وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله
تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله
الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ) قلتُ ( يا
رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه ) قال ( بلْ أعلنْهُ ) فهذا آخر
شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
أهل المدائن
خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ،
فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا
وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة
بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم
حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن ) قالوا ( وما مواقف
الفتن يا أبا عبدالله ؟) قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير
أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه ) فكانت هذه البداية
أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية
معركة نهاوند
في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار
أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى
حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه
يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش
جميعا ( النعمان بن مقرن) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ،
فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى
منهم سبعة
والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط
الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد
النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه (
النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر صدق وعده ،
الله أكبر نصر جنده ) ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي
جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار)وانتهى
القتال بهزيمة ساحقة للفرس
وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها
اختياره للكوفة
أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص
كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار
المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت
حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله ) وهكذا
خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم
فضله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة
نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر سبعة من قريش عليّ والحسن والحسين
وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين عبد الله ابن مسعود ،
وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال ) رضوان الله عليهم
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )فقال ( إنّي إنْ
استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة
فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )
قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا ) فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا
فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً
مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله
عزّ وجلّ ) ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )فقسَمَهُ
، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع)فقَسَمه ، فقال عمر (
قد قُلتُ لكم )
من أقواله
لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ،
وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين
يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )
يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ،
وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم
يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا
يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري)
كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه
وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب
له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم
ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس
من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه
ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا
يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده
ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )
ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة قلب أغلف ، فذلك
قلب كافر وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ،
فذلك قلب المؤمن وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها
ماء طيب ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )
مقتل عثمان
كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )
وفاته
لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما
يبكيك ؟)فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي
لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )
ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟) قالوا ( نعم
)قال ( أرونيها ) فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي
بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في
القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما ) ثم تمتم بكلمات
( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم ) وأسلم الروح
الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ،
وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة
كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن "
" الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
حذيفة بن اليمان
من هو؟
حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام
ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و
السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد
جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني
النار )فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟اني لأستغفر الله في اليوم
مائة مرة )هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-
يوم أحد
لقد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل
خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي
، انه أبي !!)ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن
والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم
الراحمين ) ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة وبعد انتهاء
المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد
حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول
له حبا وتقديرا
غزوة الخندق
عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم
، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا
والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في
القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !) فذهب ودخل في
القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا
بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟) قال
حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت من أنت ؟ قال فلان بن
فلان ) فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم
والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ،
وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر
، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل) ثم نهض
فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )وعاد حذيفة الى
الرسول الكريم حاملا له البشرى
خوفه من الشر
كان
حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي
، لذا فهو يقول (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن
الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟) قال ( نعم )
قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)قال ( نعم ، وفيه دخن )
قلت ( وما دخنه ؟)قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )
قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )
قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )
قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )
المنافقون
كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين
؟) قال ( نعم ، واحد ) قال (مَن هو ؟) قال ( لا أذكره )قال
حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )
وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر
آخر ما سمع من الرسول
عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه
الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!) فردَّ
عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي ) فدنوتُ من تلقاء
وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله
تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله
الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ) قلتُ ( يا
رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه ) قال ( بلْ أعلنْهُ ) فهذا آخر
شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
أهل المدائن
خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ،
فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا
وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة
بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم
حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن ) قالوا ( وما مواقف
الفتن يا أبا عبدالله ؟) قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير
أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه ) فكانت هذه البداية
أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية
معركة نهاوند
في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار
أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى
حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه
يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش
جميعا ( النعمان بن مقرن) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ،
فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى
منهم سبعة
والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط
الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد
النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه (
النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر صدق وعده ،
الله أكبر نصر جنده ) ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي
جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار)وانتهى
القتال بهزيمة ساحقة للفرس
وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها
اختياره للكوفة
أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص
كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار
المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت
حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله ) وهكذا
خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم
فضله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة
نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر سبعة من قريش عليّ والحسن والحسين
وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين عبد الله ابن مسعود ،
وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال ) رضوان الله عليهم
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )فقال ( إنّي إنْ
استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة
فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )
قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا ) فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا
فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً
مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله
عزّ وجلّ ) ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )فقسَمَهُ
، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع)فقَسَمه ، فقال عمر (
قد قُلتُ لكم )
من أقواله
لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ،
وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين
يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )
يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ،
وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم
يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا
يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري)
كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه
وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب
له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم
ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس
من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه
ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا
يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده
ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )
ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة قلب أغلف ، فذلك
قلب كافر وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ،
فذلك قلب المؤمن وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها
ماء طيب ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )
مقتل عثمان
كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )
وفاته
لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما
يبكيك ؟)فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي
لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )
ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟) قالوا ( نعم
)قال ( أرونيها ) فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي
بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في
القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما ) ثم تمتم بكلمات
( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم ) وأسلم الروح
الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ،
وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة