أحسن طرق التفسير
فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟
فالجواب : إن أصح الطرق في ذلك
1- أن يفسر القرآن بالقرآن : فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر
وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر 2 .
2- فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة : فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال الإمام أبو
عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : كل حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما
فهمه من
القرآن 1 قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)2 (النساء:105)
وقال تعالى ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)3 (النحل: من الآية44)
وقال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)4 (النحل:64)
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه "
5 يعني السنة والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى
وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك .
والغرض : انك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة كما قال رسول الله لمعاذ
حين بعثه إلي اليمن " بم تحكم " ؟
قال : بكتاب الله
قال : " فإن لم تجد " قال " بسنة رسول الله .
قال : فإن لم تجد "
قال : أجتهد رأي
قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق
رسول رسول الله لما يرضي رسول الله 1 وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد .
تفسير القرآن بأقوال الصحابة
3 – وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلي أقوال
الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصموا بها ولما
لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة
الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهدين مثل عبد الله بن مسعود .
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا أبو كريب قال : أنبأنا جابر بن نوح
أنبأنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : قال عبد الله يعين ابن مسعود " والذي
لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان
أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته " 1 .
وقال الأعمش أيضاً عن أب وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر
آيات يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن 1 .
ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان
القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث " اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل " 2 .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار أنبأنا وكيع أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال
عبد الله يعني ابن مسعود " نعم ترجمان القرآن ابن عباس 3 " .
ثم رواه عن يحي بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم نب
صبيح أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال نعم الترجمان للقرآن ابن عباس .
ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك 1.
فهذا إسناد صحيح إلي ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود
في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح وعمر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة فما ظنك بما
كسبه من العلوم بعد ابن مسعود .
وقال الأعمش : عن أبي وائل استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية سورة النور ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والدليم لأسلموا 2 .
ولهذا فإن غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين ابن مسعود وابن عباس ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكمونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار 1 رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو .
ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك .
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد فإنها على ثلاثة أقسام 2
أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه .
والثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل
فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلي أمر ديني .
ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذه أسماء أصحاب الكهف ولو كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم وتعين البعض الذي ضرب به التقبيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلي غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم .
ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (الكهف:22)1
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما ثم أرشد إلي أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم) فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله تعالى عليه فلهذا قال (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً ) أي : لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب .
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما
لا فائدة تحته فيشغل به عن الأهم .
فأما من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً فإن صحيح غير الصحيح من فقد تعمد الكذب أو جاهلاً فقد أخطأ كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلي قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور والله الموفق للصواب .
--------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) انظر التفسير الكبير لشيخ الإسلام 1/ 231 – 248 وقد نقل هذا القسم الحافظ ابن كثير في تفسيره 1/ 3- 5 .
( 2 ) انظر الاتقان 2/ 1193 .
( 1 ) انظر الاتقان 2/ 1193 ، والبرهان 1/6 .
( 2 ) سورة النساء ، آية رقم / 105
( 3 ) سورة النحل ، آية رقم / 44 .
( 4 ) سورة النحل ، آية رقم / 64
( 5 ) رواه أبو داود ( 4604 ) والترمذي ( 2664 ) ، وابن ماجه ( 12 ) ، والدارمي ( 586 ) وأحمد 4/131 ، وابن حبان ( 12 ) .
والطبراني في الكبير حديث رقم ( 696 – 670 ) 20/ 283 – 284 والحاكم 1/ 109 والبيهقي في سننه 7/ 76 و9/ 331 – 332 وفي الدلائل 6/ 549 .
عن المقدام بن معدي يكرب وسنده حسن .
( 1 ) رواه أبو داود ( 3592 – 3593 ) والترمذي ( 1327 – 1328 ) ثم قال : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل وأبو عون الثقفي : اسمه محمد بن عبيد الله وأحمد في المسند 5/ 230 – 236 – 242 والدارمي ( 168 ) والطيالسي في مسنده ( 559 ) وعبد بن حميد في المنتخب ( 124 ) والطبراني في الكبير ( 362 ) 20/ 170 والبيهقي 10/ 114 وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 55 – 56 .
قلت : سنده ضعيف فيه
1- الحارث بن عمرو : مهول انظر التقريب 1/ 143 .
2 – شيوخه مبهمون .
3 – ألعه البخاري بالإرسال كما في التاريخ الكبير 1/2/ 277 .
وانظر التخليص الجبير 4/ 182 – 183 والضعيفة 2/ 273 – 286 فقد أطال وأجاد وأفاد حول الحكم على هذا الحديث .
( 1 ) رواه البخاري ( 5002 ) ومسلم ( 2462 – 2463 ) والنسائي في =
= الكبرى ( 7997 ) وفي المجتبى 8/ 134 والطبراني ( 8427 – إلي 8432 ) والطبري في تفسيره 1/ 60
( 1 ) سبق تخريجه .
( 2 ) رواه البخاري ( 75 – 143 – 3756 – 7270 ) ومسلم ( 2477 ) والنسائي في فضائل الصحابة ( 74 – 75 – 76 ) والترمذي ( 3823 – 3824 ) وابن ماجه ( 166 ) .
وأحمد في المسند 1/ 214 – 327 – 359
وفي الفضائل ( 1857 –1858 – 1859 – 1883 – 1923 ) .
والبغوي في تفسيره 1/ 28
وابن حبان ( 7053 – 7054 – 7055 ) من طرق عن ابن عباس انظر تفصليها في تخريجنا لسنن ابن ماجه .
( 3 ) الطبري في تفسيره 1/ 65 وأحمد في الفضائل 1558 -
= 1680 – 1863 ) وسنده الصحيح .
ورواه من طريق سلمة بن كهيل عن ابن مسعود أحمد في الفضائل ( 1556 – 1864 )
( 1 ) رواه الطبري في تفسيره 1/ 65 .
( 2 ) رواه الطبري في تفسيره 1/ 60 وسنده صحيح .
( 1 ) رواه البخاري ( 3461 ) والترمذي ( 2669 ) ،
وأحمد في المسند 2/ 159 ، 202 214 وأبو خيثمة في العلم ( 45 ) والخطيب في تاريخه 13/ 157 وابن حبان ( 6256 ) والقضاعي ( 662 ) والطبراني في المعجم الصغير ( 462 ) والبيهقي في الآداب ( 1190 ) وأبو نعيم في الحلية 6/ 78 ، والبغوي ( 113 ) .
( 2 ) انظر للتوسعة في هذه المسألة الهامة فتح الباري 6/ 498 – 499 وتفسير ابن كثير 1/ 4 والتفسير الكبير لابن تيمية =
= 1/ 231 – 248 والإسرائيليات والموضاعات في كتب التفسير ص 106 – 108 .
( 1 ) سورة الكهف ، آية رقم / 22
فإن قال قائل : فما أحسن طرق التفسير ؟
فالجواب : إن أصح الطرق في ذلك
1- أن يفسر القرآن بالقرآن : فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر
وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر 2 .
2- فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة : فإنها شارحة للقرآن وموضحة له بل قد قال الإمام أبو
عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : كل حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما
فهمه من
القرآن 1 قال الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً)2 (النساء:105)
وقال تعالى ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)3 (النحل: من الآية44)
وقال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)4 (النحل:64)
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه "
5 يعني السنة والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى
وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك .
والغرض : انك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة كما قال رسول الله لمعاذ
حين بعثه إلي اليمن " بم تحكم " ؟
قال : بكتاب الله
قال : " فإن لم تجد " قال " بسنة رسول الله .
قال : فإن لم تجد "
قال : أجتهد رأي
قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق
رسول رسول الله لما يرضي رسول الله 1 وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد .
تفسير القرآن بأقوال الصحابة
3 – وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلي أقوال
الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصموا بها ولما
لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة
الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهدين مثل عبد الله بن مسعود .
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا أبو كريب قال : أنبأنا جابر بن نوح
أنبأنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : قال عبد الله يعين ابن مسعود " والذي
لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان
أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته " 1 .
وقال الأعمش أيضاً عن أب وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر
آيات يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن 1 .
ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان
القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث " اللهم فقهه في الدين
وعلمه التأويل " 2 .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار أنبأنا وكيع أنبأنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال
عبد الله يعني ابن مسعود " نعم ترجمان القرآن ابن عباس 3 " .
ثم رواه عن يحي بن داود عن إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم نب
صبيح أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال نعم الترجمان للقرآن ابن عباس .
ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك 1.
فهذا إسناد صحيح إلي ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة وقد مات ابن مسعود
في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح وعمر بعده ابن عباس ستاً وثلاثين سنة فما ظنك بما
كسبه من العلوم بعد ابن مسعود .
وقال الأعمش : عن أبي وائل استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية سورة النور ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والدليم لأسلموا 2 .
ولهذا فإن غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين ابن مسعود وابن عباس ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكمونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار 1 رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو .
ولهذا كان عبد الله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك .
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد فإنها على ثلاثة أقسام 2
أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه .
والثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل
فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلي أمر ديني .
ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيراً ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذه أسماء أصحاب الكهف ولو كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم وتعين البعض الذي ضرب به التقبيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلي غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم .
ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (الكهف:22)1
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما ثم أرشد إلي أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم) فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله تعالى عليه فلهذا قال (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً ) أي : لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب .
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما
لا فائدة تحته فيشغل به عن الأهم .
فأما من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً فإن صحيح غير الصحيح من فقد تعمد الكذب أو جاهلاً فقد أخطأ كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلي قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور والله الموفق للصواب .
--------------------------------------------------------------------------------
( 1 ) انظر التفسير الكبير لشيخ الإسلام 1/ 231 – 248 وقد نقل هذا القسم الحافظ ابن كثير في تفسيره 1/ 3- 5 .
( 2 ) انظر الاتقان 2/ 1193 .
( 1 ) انظر الاتقان 2/ 1193 ، والبرهان 1/6 .
( 2 ) سورة النساء ، آية رقم / 105
( 3 ) سورة النحل ، آية رقم / 44 .
( 4 ) سورة النحل ، آية رقم / 64
( 5 ) رواه أبو داود ( 4604 ) والترمذي ( 2664 ) ، وابن ماجه ( 12 ) ، والدارمي ( 586 ) وأحمد 4/131 ، وابن حبان ( 12 ) .
والطبراني في الكبير حديث رقم ( 696 – 670 ) 20/ 283 – 284 والحاكم 1/ 109 والبيهقي في سننه 7/ 76 و9/ 331 – 332 وفي الدلائل 6/ 549 .
عن المقدام بن معدي يكرب وسنده حسن .
( 1 ) رواه أبو داود ( 3592 – 3593 ) والترمذي ( 1327 – 1328 ) ثم قال : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل وأبو عون الثقفي : اسمه محمد بن عبيد الله وأحمد في المسند 5/ 230 – 236 – 242 والدارمي ( 168 ) والطيالسي في مسنده ( 559 ) وعبد بن حميد في المنتخب ( 124 ) والطبراني في الكبير ( 362 ) 20/ 170 والبيهقي 10/ 114 وابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 55 – 56 .
قلت : سنده ضعيف فيه
1- الحارث بن عمرو : مهول انظر التقريب 1/ 143 .
2 – شيوخه مبهمون .
3 – ألعه البخاري بالإرسال كما في التاريخ الكبير 1/2/ 277 .
وانظر التخليص الجبير 4/ 182 – 183 والضعيفة 2/ 273 – 286 فقد أطال وأجاد وأفاد حول الحكم على هذا الحديث .
( 1 ) رواه البخاري ( 5002 ) ومسلم ( 2462 – 2463 ) والنسائي في =
= الكبرى ( 7997 ) وفي المجتبى 8/ 134 والطبراني ( 8427 – إلي 8432 ) والطبري في تفسيره 1/ 60
( 1 ) سبق تخريجه .
( 2 ) رواه البخاري ( 75 – 143 – 3756 – 7270 ) ومسلم ( 2477 ) والنسائي في فضائل الصحابة ( 74 – 75 – 76 ) والترمذي ( 3823 – 3824 ) وابن ماجه ( 166 ) .
وأحمد في المسند 1/ 214 – 327 – 359
وفي الفضائل ( 1857 –1858 – 1859 – 1883 – 1923 ) .
والبغوي في تفسيره 1/ 28
وابن حبان ( 7053 – 7054 – 7055 ) من طرق عن ابن عباس انظر تفصليها في تخريجنا لسنن ابن ماجه .
( 3 ) الطبري في تفسيره 1/ 65 وأحمد في الفضائل 1558 -
= 1680 – 1863 ) وسنده الصحيح .
ورواه من طريق سلمة بن كهيل عن ابن مسعود أحمد في الفضائل ( 1556 – 1864 )
( 1 ) رواه الطبري في تفسيره 1/ 65 .
( 2 ) رواه الطبري في تفسيره 1/ 60 وسنده صحيح .
( 1 ) رواه البخاري ( 3461 ) والترمذي ( 2669 ) ،
وأحمد في المسند 2/ 159 ، 202 214 وأبو خيثمة في العلم ( 45 ) والخطيب في تاريخه 13/ 157 وابن حبان ( 6256 ) والقضاعي ( 662 ) والطبراني في المعجم الصغير ( 462 ) والبيهقي في الآداب ( 1190 ) وأبو نعيم في الحلية 6/ 78 ، والبغوي ( 113 ) .
( 2 ) انظر للتوسعة في هذه المسألة الهامة فتح الباري 6/ 498 – 499 وتفسير ابن كثير 1/ 4 والتفسير الكبير لابن تيمية =
= 1/ 231 – 248 والإسرائيليات والموضاعات في كتب التفسير ص 106 – 108 .
( 1 ) سورة الكهف ، آية رقم / 22