متشابه الصفات
وبعد هذا ..
تعرض لنا قضية هامة، وهي "متشابه الصفات"
فما توضيحها .. ؟
وما القول الفصل فيها ..؟
عرفنا أن المتشابهات تجمع ألواناً مختلفة
وتزيدك هنا : أن من بينها لونين كثر الكلام فيهما
(أولهما) فواتح السور، نحو: آلم، ق~، طس~ وما أشبهها، وسنعرض لها بعد قليل.
(ثانيهما) الآيات المشكلة الواردة في شأن الله تعالى، وتسمى آيات الصفات، أو
متشابه الصفات:
ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد، سماه: (رد المتشابهات إلى الآيات المحكمات) مثل قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ]
وما أشبهه.
وإنما أفرد هذا النوع بالذكر وبالتأليف لأنه كثر فيه القيل والقال. وكان فتنة ارتكس فيها كثير من القدامى والمحدثين.(3) الرأي الرشيد في متشابه الصفات
علماؤنا أجزل الله مثوبتهم .. قد اتفقوا على ثلاثة أمور تتعلق بهذه المتشابهات، ثم اختلفوا فيما وراءها.
(فأول ما اتفقوا عليه) صرفها عن ظاهرها المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع قطعاً، كيف وهذه الظواهر باطلة بالأدلة القاطعة، وبما هو معروف عن الشارع نفسه في محكماته؟
(ثانيه) أنه إذا توقف الدفاع عن الإسلام على التأويل لهذه المتشابهات: وجب تأويلها بما يدفع شبهات المشتبهين، ويرد طعن الطاعنين.
(ثالثه) أن المتشابه إن كان له تأويل واحد يفهم منه فهماً قريباً: وجب القول به إجماعاً، وذلك كقوله سبحانه وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [ ] فإن الكينونة بالذات مع الخلق مستحيلة قطعاً، وليس لها بعد ذلك إلا تأويل واحد، هو الكينونة معهم بالإحاطة علماً وسمعاً وبصراً وقدرة وإرادة.
وأما اختلاف العلماء فيما وراء ذلك : فقد وقع على ثلاثة مذاهب : -
(المذهب الأول):
مذهب السلف، ويسمى مذهب المفوضة "بكسر الواو وتشديدها" وهو تفويض معاني المتشابهات إلى الله وحده بعد تنزيهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة.
ويستدلون على مذهبهم هذا بدليليين:
أحدهما عقلي .. وهو : أن تعيين المراد من هذه المتشابهات إنما يجرى على قوانين اللغة واستعمالات العرب، وهي لا تفيد إلا الظن، مع أن صفات الله من العقائد التي لا يكفي فيها الظن، بل لابد فيها من اليقين ولا سبيل إليه، فلنتوقف ولنكل التعيين إلى العليم الخبير.
والدليل الثاني نقلي.. يعتمدون فيه على عدة أمور:
منها حديث عائشة السابق، وفيه "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله؛ فاحذرهم".
وغير ذلك مما استدل به أصحاب القول بأن "الواو" فى قوله تعالى: { والراسخون فى العلم } [ ] استئنافية.
ومنا ـ كذلك ـ ما ورد من أن الإمام مالكاً رضى الله عنه سئل عن الاستواء في قوله سبحانه الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ] فقال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني"
يريد ـ رحمه الله عليه ـ أن : الاستواء معلوم الظاهر بحسب ما تدل عليه الأوضاع اللغوية، ولكن هذا الظاهر غير مراد قطعاً؛ لأنه يستلزم التشبيه المحال على الله بالدليل القاطع، والكيف مجهول أي تعيين مراد الشارع مجهول لنا لا دليل عندنا عليه، ولا سلطان لنا به، والسؤال عنه بدعة أي الاستفسار عن تعيين هذا المراد على اعتقاد أنه مما شرعه الله بدعة؛ لأنه طريقة في الدين مخترعة مخالفة لما أرشدنا إليه الشارع من وجوب تقديم المحكمات وعدم إتباع المتشابهات.
وما جزاء المبتدع : إلا أن يطرد ويبعد عن الناس، خوف أن يفتهم؛ لأنه رجل سوء.
وذلك سر قوله "وأظنك رجل سوء. أخرجوه عني" (4).
قال ابن الصلاح: "على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها وإياهما اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها".
(المذهب الثاني)
مذهب الخلف، ويسمى مذهب المؤولة (بتشديد الواو وكسرها )
وهم فريقان:
فريق يؤولها بصفات سمعية غير معلومة على التعيين ثابتة له تعالى زيادة على صفاته المعلومة لنا بالتعيين،
وينسب هذا إلى أبي الحسن الأشعري، وفريق يؤولها بصفات أو بمعان نعلمها على التعيين، فيحمل اللفظ الذي استحال ظاهره من هذه المشتابهات على معنى يسوغ لغة، ويليق بالله عقلاً وشرعاً، وينسب هذا الرأي إلى ابن برهان وجماعة من المتأخرين.
قال السيوطي: وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه، فقال في الرسالة النظامية: "الذي نرتضيه ديناً، وندين الله به عقداً: إتباع سلف الأمة؛ فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها".
أما حجة أصحاب هذا المذهب فيما ذهبوا إليه: فهو أن المطلوب صرف اللفظ عن مقام الإهمال الذي يوجب الحيرة بسبب ترك اللفظ لا مفهوم له، ومادام في الإمكان حمل كلام الشارع على معنى سليم، فالنظر قاض بوجوبه، انتفاعاً بما ورد عن الحكيم العليم وتنزيهاً له عن أن يجرى مجرى العجوز العقيم.
(المذهب الثالث)
مذهب المتوسطين. وقد نقل السيوطي هذا المذهب فقال وتوسط ابن دقيق العيد فقال: "إذا كان التأويل قريباً من لسان العرب لم ينكر، أو بعيداً توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه، وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف، كما في قوله تعالى ( يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)نحمله على حق الله وما يجب له"(4).
وبعد هذا ..
تعرض لنا قضية هامة، وهي "متشابه الصفات"
فما توضيحها .. ؟
وما القول الفصل فيها ..؟
عرفنا أن المتشابهات تجمع ألواناً مختلفة
وتزيدك هنا : أن من بينها لونين كثر الكلام فيهما
(أولهما) فواتح السور، نحو: آلم، ق~، طس~ وما أشبهها، وسنعرض لها بعد قليل.
(ثانيهما) الآيات المشكلة الواردة في شأن الله تعالى، وتسمى آيات الصفات، أو
متشابه الصفات:
ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد، سماه: (رد المتشابهات إلى الآيات المحكمات) مثل قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ]
وما أشبهه.
وإنما أفرد هذا النوع بالذكر وبالتأليف لأنه كثر فيه القيل والقال. وكان فتنة ارتكس فيها كثير من القدامى والمحدثين.(3) الرأي الرشيد في متشابه الصفات
علماؤنا أجزل الله مثوبتهم .. قد اتفقوا على ثلاثة أمور تتعلق بهذه المتشابهات، ثم اختلفوا فيما وراءها.
(فأول ما اتفقوا عليه) صرفها عن ظاهرها المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع قطعاً، كيف وهذه الظواهر باطلة بالأدلة القاطعة، وبما هو معروف عن الشارع نفسه في محكماته؟
(ثانيه) أنه إذا توقف الدفاع عن الإسلام على التأويل لهذه المتشابهات: وجب تأويلها بما يدفع شبهات المشتبهين، ويرد طعن الطاعنين.
(ثالثه) أن المتشابه إن كان له تأويل واحد يفهم منه فهماً قريباً: وجب القول به إجماعاً، وذلك كقوله سبحانه وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [ ] فإن الكينونة بالذات مع الخلق مستحيلة قطعاً، وليس لها بعد ذلك إلا تأويل واحد، هو الكينونة معهم بالإحاطة علماً وسمعاً وبصراً وقدرة وإرادة.
وأما اختلاف العلماء فيما وراء ذلك : فقد وقع على ثلاثة مذاهب : -
(المذهب الأول):
مذهب السلف، ويسمى مذهب المفوضة "بكسر الواو وتشديدها" وهو تفويض معاني المتشابهات إلى الله وحده بعد تنزيهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة.
ويستدلون على مذهبهم هذا بدليليين:
أحدهما عقلي .. وهو : أن تعيين المراد من هذه المتشابهات إنما يجرى على قوانين اللغة واستعمالات العرب، وهي لا تفيد إلا الظن، مع أن صفات الله من العقائد التي لا يكفي فيها الظن، بل لابد فيها من اليقين ولا سبيل إليه، فلنتوقف ولنكل التعيين إلى العليم الخبير.
والدليل الثاني نقلي.. يعتمدون فيه على عدة أمور:
منها حديث عائشة السابق، وفيه "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله؛ فاحذرهم".
وغير ذلك مما استدل به أصحاب القول بأن "الواو" فى قوله تعالى: { والراسخون فى العلم } [ ] استئنافية.
ومنا ـ كذلك ـ ما ورد من أن الإمام مالكاً رضى الله عنه سئل عن الاستواء في قوله سبحانه الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ] فقال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني"
يريد ـ رحمه الله عليه ـ أن : الاستواء معلوم الظاهر بحسب ما تدل عليه الأوضاع اللغوية، ولكن هذا الظاهر غير مراد قطعاً؛ لأنه يستلزم التشبيه المحال على الله بالدليل القاطع، والكيف مجهول أي تعيين مراد الشارع مجهول لنا لا دليل عندنا عليه، ولا سلطان لنا به، والسؤال عنه بدعة أي الاستفسار عن تعيين هذا المراد على اعتقاد أنه مما شرعه الله بدعة؛ لأنه طريقة في الدين مخترعة مخالفة لما أرشدنا إليه الشارع من وجوب تقديم المحكمات وعدم إتباع المتشابهات.
وما جزاء المبتدع : إلا أن يطرد ويبعد عن الناس، خوف أن يفتهم؛ لأنه رجل سوء.
وذلك سر قوله "وأظنك رجل سوء. أخرجوه عني" (4).
قال ابن الصلاح: "على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها وإياهما اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها".
(المذهب الثاني)
مذهب الخلف، ويسمى مذهب المؤولة (بتشديد الواو وكسرها )
وهم فريقان:
فريق يؤولها بصفات سمعية غير معلومة على التعيين ثابتة له تعالى زيادة على صفاته المعلومة لنا بالتعيين،
وينسب هذا إلى أبي الحسن الأشعري، وفريق يؤولها بصفات أو بمعان نعلمها على التعيين، فيحمل اللفظ الذي استحال ظاهره من هذه المشتابهات على معنى يسوغ لغة، ويليق بالله عقلاً وشرعاً، وينسب هذا الرأي إلى ابن برهان وجماعة من المتأخرين.
قال السيوطي: وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه، فقال في الرسالة النظامية: "الذي نرتضيه ديناً، وندين الله به عقداً: إتباع سلف الأمة؛ فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها".
أما حجة أصحاب هذا المذهب فيما ذهبوا إليه: فهو أن المطلوب صرف اللفظ عن مقام الإهمال الذي يوجب الحيرة بسبب ترك اللفظ لا مفهوم له، ومادام في الإمكان حمل كلام الشارع على معنى سليم، فالنظر قاض بوجوبه، انتفاعاً بما ورد عن الحكيم العليم وتنزيهاً له عن أن يجرى مجرى العجوز العقيم.
(المذهب الثالث)
مذهب المتوسطين. وقد نقل السيوطي هذا المذهب فقال وتوسط ابن دقيق العيد فقال: "إذا كان التأويل قريباً من لسان العرب لم ينكر، أو بعيداً توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه، وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب قلنا به من غير توقف، كما في قوله تعالى ( يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)نحمله على حق الله وما يجب له"(4).