هناك نفع غزير وفوائد عميمة تجنيها يا حافظ القرآن عندما ترتبط بكتاب الله - عزوجل - وحسبك من هذه الفوائد أن نذكر بعضاً منها:
1 -ـ الاستشهاد والحجج
المرتبط بالقرآن حفظاً، والمرتبط له إدامة وتلاوة وتعلماً يحوز أموراً كثيرة منها الاستشهاد والحجج، فأنت إذا حفظت القرآن كانت الحجة جارية على لسانك، لين بها لسانك فلا تحتاج تحضيراً وتفكيراً ولا تصاب بعجز أو تتعتع فبمجرد ذلك الأمر لك؛ فإنك تجيب بكتاب الله - عزوجل - وقد ذكر عن السلف مواقف شتى وكثيرة كان القرآن فيها يجري على ألسنتهم إجابة على كل سؤال ، وفتيا لكل مستفت ودفعاً لكل باطل ، وهكذا من كان قريب الصلة بالقران كان يجري القرآن على لسانه فيكون قوي الحجة عظيم الاستشهاد كثير الاستدلال لا يلقي القول على عواهنه فما من كلمة أو كلمتين أو جملة أو جملتين الا وبينهما آية من كتاب الله عزوجل تثبت قوله وتؤكده وتقويه.
2- علم العلوم كلها في كتاب الله عزوجل
فأنت عندما ترتبط بالقرآن تتعلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة النحو والصرف والبلاغه والفصاحة؛ لأنه معجزة حارت منها عقول البلغاء، وخضعت عندها رقاب الفصحاء، وكذا تعلّم من طياته أنباء التاريخ وأحوال الأمم السابقة والقرون الدارسة علم يقين لا ظن وتخمين، وتعرف ضروباً من علوم النبات والزراعة والبحار وعلوم أخرى كثيرة ؛ فإن القرآن كتاب الله جمع علوماً عديدة حتى إن المرء قد يسأل السؤال في غير ما يجيده ويحسنه ، فإذا كان حافظاً للقرآن استذكر من القران ما يجيب به في امر لا يعهد أنه يعرف مثله؛ فإن سئل في تاريخ فربما أجاب وهو ليس من أهل التاريح وإن سئل في لغة وفي إعراب ربما استشهد بآية، وإن لم يكن قد قرأ النحو أو عرفه فإذا كنت مع القران فاعلم أنك تجمع أطرافاً من العلوم وأسساً تقودك إلى أن تجيد وتتقن وأن تنتفع وتستفيد.
3 - حياة القلوب
القران الكريم هو الحياة الحقة للقلوب، فأنت إذا كنت دائم الصلة بالقرآن لك في كل يوم غدوة إلى حلقة تتلقى فيها ولك في ليلة ورد تقوم به، ووقت تمضيه في المراجعه والمدارسة، فإذا كان هذا القرآن هو حياة القلوب وغياث النفوس فهو الذي يذكر ويعظ فلا شك أنك حي القلب؛ لأنك على صلة بالقرآن شاحذ الهمم ومذكر الآخرة، ولكن ما ظنك بأناس لا يقرؤن القران الا لماماً، ولا ينظرون المصحف الا نادراً، ولا يسمعون الآيات الا في الفترة بعد الفترة، بل إن بعضهم موعده مع القرآن في رمضان ويعقبه هجر طويل، فما ظنك بقلوب هؤلاء ؟!. الا ترى أنها تصبح أقسى من الصخر والحجر، بل هي والله أشد قسوة؛ فإنك باشتغالك بالقران تحفظ الحياة على قلبك وتحفظ الانشراح والسعة لصدرك فما أعظمه من نفع وفائدة تجد أثرها عندما ترى المحرومين من هذه النعمة الكبرى وبضدها تعرف الأشياء.
4- الجديه والانتاج
أنت عندما تقرأ القرآن وتسعى في تعلمه تتعود على أن تكون رجل جد ومواظبة واستمرار لست ممن يبدأ العمل فيقطعه لست ممن يسرع إليه السأم فيقطع ما بدأ، ولست ممن يستهول الأمر ويستعظمه فيعجز ويضعف إنك تجعل حفظ القرآن نصب عينيك ثم تثني له ركبتيك ثم تسعى إليه في حلقاته وتجلس بين يدي معلميه، عندما تفعل هذا وذاك؛ فإنك إذا نجحت في هذا السبيل بإذن الله - عزوجل -ستكون أنجح فيما سواه وستتعود في ذلك على طلب العلم وارتياد المساجد وحلق الذكر ومجامع الخير مما يجعلك مجداً منتجاً ومنتفعاً غير ما يكون عليه كثير من الشباب العابث اللاهي الذي لا يحسن شيئاً الذي كما قال القائل في وصف بعض ميوعتهم أو تهتكهم:
أغـار عليك مـن إدراك طـرفـي **** و أخـشـى أن يـذيبك لـمس كـفي
فـاجـتـنـب الـمنـام حـذار هذا **** و أجتـنـب المـنــــــام حـين أغـفـي
5 - الصحبة الصالحة
الإنسان بأصحابه والصاحب ساحب - كما يقولون - فنجد أهل الرياضة ينادمون أهل الرياضة وأهل الفن يصاحبون أهل الفن وأهل الاموال والأرقام الفلكية والحسابات المتعددة والطرح والقسمة والضرب كل مع أضرابه والطيور على أشكالها تقع؛ فان سرت في ركب القران تطلبه أو تقرأه أو حتى تسمعه وتحضر مجالسه فانت تنتفع بصحبة خيار الناس لأنهم ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) فكيف يشقى محبهم وجليسهم وهذا أمر لا شك عظيم تظهر لك عظمته عندما تنظر لي كثير من الشباب وضياعهم تشتت بهم الأفكار والأهواء فتاهوا في أودية الضلالة حينذاك تبصر أنك قد جنيت فائدة عظيمة وكسبت مكسبا عظيماً جداً.
6 - الاستثمار الأفضل للوقت والجهد
فإنك في فترة الصبا يمكن أن تكون مع الصبيان الذين يلعبون في الشوارع والطرقات لاهم لهم إلا الجري واللعب هنا وهناك وقد ضرب لنا صغار الصحابة وصغار السلف أمثالاً رائعة لا بأس أن نعرج عليها تعريجاً يسيراً حتى تدرك أنك إن دخلت هذا الميدان في صغر سنك فأنت تستثمر الوقت وتصوغ شخصيتك بشكل مغاير ومختلف.
جاء في ترجمة سفيان بن عيينة - رحمة الله عليه - أشياء عجيبة في صغر سنّه تدل على همة ونجابة عالية، ومن ذاك أنه قد بدأ طلب الحديث بعد العاشرة، وجلس إلى عمرو بن دينار وهو في الثانية عشرة من عمره وكان يقول عن نفسه: " كنت إذا جئت إلى حلقة عمرو بن دينار وأنا طولي بضعة أشبار وذيلي بمقدار، فإذا جئت قال: الكبار افسحوا للمحدث الصغير أو كلاما نحو هذا "، ويدرك أيضاً من ترجمته أنه لقي مرة عمراً بن دينار قبل أن يعرفه، فقال - وقد رآه في الشارع -: يا غلام امسك حماري حتى اغدو إلى المسجد فأصلي ركعتين، قال: لا أفعل حتى تحدثني حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: وما عسى أن ينفعك الحديث، قال: إذاً لا أفعل وأبى عليه أن يمسك حماره حتى يحدثه، قال: فحدثني ببضعة أحاديث ثم دخل وصلّى وخرج، قال: ما انتفعت بما حدثتك؟ قال: فأعدت عليه الاحاديث، قال: فعجب! فلما مضى سألت عنه فقيل هذا عمرو بن دينار فلزمت مجلسه ".
فالصغير عندما يذهب إلى حلق القرآن لا يكون عابثاً من العابثين، ولا يكون صغيراً من الصغار فكيف بالشاب أو من بدأ في مقتبل العمر وهو في زهرة وريعان الشباب إذا دخل هذا الميدان لا شك أنه يستطيع باذن الله - عزوجل - أن تكون حجته بين يدي ربه - عزوجل - قوية عندما يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، ولئن أفنى بعض الشباب أوقاتهم في اللعب بالسيارات، وفي التشجيع في الملاعب وفي السفر والتنزه فأنت تفني وتستثمر وقتك في كتاب الله، فهنيك بذلك شرفاً وفخراً.
7 - الحصانة والحفظ
إن في قرائتك القرآن تحصين لنفسك من الشرور، تحصن نفسك كما ورد في كثير من الأحاديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - ومنها ما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً - أي نورها بالصلاة والقرآن - فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لايدخله الشيطان ) وعن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لكل شيء سناماً، وسنام القرآن البقرة، وإن من قرأها في بيته ليلاً لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ) رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه.
فأنت تحصّن بيتك، نفسك، ولدك، وأهلك، حتى ولو لم تكن تقصده؛ فإنك من خلال مراجعتك للقرآن ومدارسته ستمر بأيات التحصين؛ فإنك ستمر بآية الكرسي وبخواتيم البقرة وقد تقرأ آيات الكهف، وتمر بالايات التي فيها استعاذة من الشياطين، وكلما قرأت كلما حصّنت نفسك وانظر اليوم إلى حال الناس والى الظاهرة التي نرى ظهورها كم ترى من الناس قد مستهم الشياطين؟!. وقد ابتلوا بالسحر؟! وقد تلبست بهم العفاريت من الجن؟! فهل ترى سبباً لذلك إلا أنه لاحظ لهم من تلاوة القرآن ولا من الذكر فوجدت الشياطين إليهم مسلكاً وعزتهم من حيث لا يعلمون.
أما أنت بطبيعة اشتغالك بالقرآن الكريم تديم هذه التلاوة، وتحصل على هذه الفائده النافعة وتدخل في هذا الحصن المنيع.
8 - لا يخلق على كثرة الرد
إنك في هذه الفوائد كلها لا تحرم منها بالملل لو كنت تريد حفظ القصائد والأشعار وانشادها، ولو كنت تريد حفظ العلوم والمتون وتردادها فانك لا شك يسري إلى نفسك الملل وإلى همتك الكسل، وبذلك إن لم تكن ماهراً في ترويض نفسك قد تنقطع، أما تردادك للقرآن واشتغالك به فلا خوف عليك من الملل مطلقا لأنه لا يمل على كثرة ترداد، وترداده يزيد فيه تجملا كما قال الشاطبي رحمة الله عليه.
وقد عدّ الماوردي ذلك من إعجاز القران فقال: " ومن إعجازه أن تلاوته تختص بخمس بواعث عليه لا توجد في غيرها :
1 ــ هشاشة مخرجه.
2 ـ بهجة رونقه .
3 ـ سلاسة نظمه.
4 ـ حسن قبوله.
5 ـ أن قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وهذا في غيره من الكلام معدود ".
فليس هناك تعب ولا ملل فأنت تجني هذه الفوائد دون أن يتسرب إلى نفسك ملل ولا تعب، والنويري عد ذلك أيضاً من إعجاز القران فقال: " إن قارئه لا يمل قراءته وسامعه لا تمجه مسامعه بل الإكباب على تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبه لا يزال غضاً طرياً وغيره من الكلام ولو بلغ ما عساه أن يبلغ من البلاغة والفصاحة يمل من الترديد ويسأم إذا أعيد، وكذلك غيره من الكتب لا يوجد فيها ما فيه من ذلك تزداد منه على ترداده ثقه وكل قول على الترداد مملول "، وكما قال الشاطبي أيضاً :
و إن كـتــاب الله أوثــــق شافع **** و أغـنـى غـنـاء واهباً مـتـفضـلاً
و خير جليس لا يمل حــديـثــه **** وتــــرداده يـــزداد فـيـه تجـمــلاً
من موقع الدكتور علي بن عمر بادحدح ( إسلاميات ) - بتصرف
1 -ـ الاستشهاد والحجج
المرتبط بالقرآن حفظاً، والمرتبط له إدامة وتلاوة وتعلماً يحوز أموراً كثيرة منها الاستشهاد والحجج، فأنت إذا حفظت القرآن كانت الحجة جارية على لسانك، لين بها لسانك فلا تحتاج تحضيراً وتفكيراً ولا تصاب بعجز أو تتعتع فبمجرد ذلك الأمر لك؛ فإنك تجيب بكتاب الله - عزوجل - وقد ذكر عن السلف مواقف شتى وكثيرة كان القرآن فيها يجري على ألسنتهم إجابة على كل سؤال ، وفتيا لكل مستفت ودفعاً لكل باطل ، وهكذا من كان قريب الصلة بالقران كان يجري القرآن على لسانه فيكون قوي الحجة عظيم الاستشهاد كثير الاستدلال لا يلقي القول على عواهنه فما من كلمة أو كلمتين أو جملة أو جملتين الا وبينهما آية من كتاب الله عزوجل تثبت قوله وتؤكده وتقويه.
2- علم العلوم كلها في كتاب الله عزوجل
فأنت عندما ترتبط بالقرآن تتعلم بصورة مباشرة أو غير مباشرة النحو والصرف والبلاغه والفصاحة؛ لأنه معجزة حارت منها عقول البلغاء، وخضعت عندها رقاب الفصحاء، وكذا تعلّم من طياته أنباء التاريخ وأحوال الأمم السابقة والقرون الدارسة علم يقين لا ظن وتخمين، وتعرف ضروباً من علوم النبات والزراعة والبحار وعلوم أخرى كثيرة ؛ فإن القرآن كتاب الله جمع علوماً عديدة حتى إن المرء قد يسأل السؤال في غير ما يجيده ويحسنه ، فإذا كان حافظاً للقرآن استذكر من القران ما يجيب به في امر لا يعهد أنه يعرف مثله؛ فإن سئل في تاريخ فربما أجاب وهو ليس من أهل التاريح وإن سئل في لغة وفي إعراب ربما استشهد بآية، وإن لم يكن قد قرأ النحو أو عرفه فإذا كنت مع القران فاعلم أنك تجمع أطرافاً من العلوم وأسساً تقودك إلى أن تجيد وتتقن وأن تنتفع وتستفيد.
3 - حياة القلوب
القران الكريم هو الحياة الحقة للقلوب، فأنت إذا كنت دائم الصلة بالقرآن لك في كل يوم غدوة إلى حلقة تتلقى فيها ولك في ليلة ورد تقوم به، ووقت تمضيه في المراجعه والمدارسة، فإذا كان هذا القرآن هو حياة القلوب وغياث النفوس فهو الذي يذكر ويعظ فلا شك أنك حي القلب؛ لأنك على صلة بالقرآن شاحذ الهمم ومذكر الآخرة، ولكن ما ظنك بأناس لا يقرؤن القران الا لماماً، ولا ينظرون المصحف الا نادراً، ولا يسمعون الآيات الا في الفترة بعد الفترة، بل إن بعضهم موعده مع القرآن في رمضان ويعقبه هجر طويل، فما ظنك بقلوب هؤلاء ؟!. الا ترى أنها تصبح أقسى من الصخر والحجر، بل هي والله أشد قسوة؛ فإنك باشتغالك بالقران تحفظ الحياة على قلبك وتحفظ الانشراح والسعة لصدرك فما أعظمه من نفع وفائدة تجد أثرها عندما ترى المحرومين من هذه النعمة الكبرى وبضدها تعرف الأشياء.
4- الجديه والانتاج
أنت عندما تقرأ القرآن وتسعى في تعلمه تتعود على أن تكون رجل جد ومواظبة واستمرار لست ممن يبدأ العمل فيقطعه لست ممن يسرع إليه السأم فيقطع ما بدأ، ولست ممن يستهول الأمر ويستعظمه فيعجز ويضعف إنك تجعل حفظ القرآن نصب عينيك ثم تثني له ركبتيك ثم تسعى إليه في حلقاته وتجلس بين يدي معلميه، عندما تفعل هذا وذاك؛ فإنك إذا نجحت في هذا السبيل بإذن الله - عزوجل -ستكون أنجح فيما سواه وستتعود في ذلك على طلب العلم وارتياد المساجد وحلق الذكر ومجامع الخير مما يجعلك مجداً منتجاً ومنتفعاً غير ما يكون عليه كثير من الشباب العابث اللاهي الذي لا يحسن شيئاً الذي كما قال القائل في وصف بعض ميوعتهم أو تهتكهم:
أغـار عليك مـن إدراك طـرفـي **** و أخـشـى أن يـذيبك لـمس كـفي
فـاجـتـنـب الـمنـام حـذار هذا **** و أجتـنـب المـنــــــام حـين أغـفـي
5 - الصحبة الصالحة
الإنسان بأصحابه والصاحب ساحب - كما يقولون - فنجد أهل الرياضة ينادمون أهل الرياضة وأهل الفن يصاحبون أهل الفن وأهل الاموال والأرقام الفلكية والحسابات المتعددة والطرح والقسمة والضرب كل مع أضرابه والطيور على أشكالها تقع؛ فان سرت في ركب القران تطلبه أو تقرأه أو حتى تسمعه وتحضر مجالسه فانت تنتفع بصحبة خيار الناس لأنهم ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) فكيف يشقى محبهم وجليسهم وهذا أمر لا شك عظيم تظهر لك عظمته عندما تنظر لي كثير من الشباب وضياعهم تشتت بهم الأفكار والأهواء فتاهوا في أودية الضلالة حينذاك تبصر أنك قد جنيت فائدة عظيمة وكسبت مكسبا عظيماً جداً.
6 - الاستثمار الأفضل للوقت والجهد
فإنك في فترة الصبا يمكن أن تكون مع الصبيان الذين يلعبون في الشوارع والطرقات لاهم لهم إلا الجري واللعب هنا وهناك وقد ضرب لنا صغار الصحابة وصغار السلف أمثالاً رائعة لا بأس أن نعرج عليها تعريجاً يسيراً حتى تدرك أنك إن دخلت هذا الميدان في صغر سنك فأنت تستثمر الوقت وتصوغ شخصيتك بشكل مغاير ومختلف.
جاء في ترجمة سفيان بن عيينة - رحمة الله عليه - أشياء عجيبة في صغر سنّه تدل على همة ونجابة عالية، ومن ذاك أنه قد بدأ طلب الحديث بعد العاشرة، وجلس إلى عمرو بن دينار وهو في الثانية عشرة من عمره وكان يقول عن نفسه: " كنت إذا جئت إلى حلقة عمرو بن دينار وأنا طولي بضعة أشبار وذيلي بمقدار، فإذا جئت قال: الكبار افسحوا للمحدث الصغير أو كلاما نحو هذا "، ويدرك أيضاً من ترجمته أنه لقي مرة عمراً بن دينار قبل أن يعرفه، فقال - وقد رآه في الشارع -: يا غلام امسك حماري حتى اغدو إلى المسجد فأصلي ركعتين، قال: لا أفعل حتى تحدثني حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: وما عسى أن ينفعك الحديث، قال: إذاً لا أفعل وأبى عليه أن يمسك حماره حتى يحدثه، قال: فحدثني ببضعة أحاديث ثم دخل وصلّى وخرج، قال: ما انتفعت بما حدثتك؟ قال: فأعدت عليه الاحاديث، قال: فعجب! فلما مضى سألت عنه فقيل هذا عمرو بن دينار فلزمت مجلسه ".
فالصغير عندما يذهب إلى حلق القرآن لا يكون عابثاً من العابثين، ولا يكون صغيراً من الصغار فكيف بالشاب أو من بدأ في مقتبل العمر وهو في زهرة وريعان الشباب إذا دخل هذا الميدان لا شك أنه يستطيع باذن الله - عزوجل - أن تكون حجته بين يدي ربه - عزوجل - قوية عندما يسأل عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، ولئن أفنى بعض الشباب أوقاتهم في اللعب بالسيارات، وفي التشجيع في الملاعب وفي السفر والتنزه فأنت تفني وتستثمر وقتك في كتاب الله، فهنيك بذلك شرفاً وفخراً.
7 - الحصانة والحفظ
إن في قرائتك القرآن تحصين لنفسك من الشرور، تحصن نفسك كما ورد في كثير من الأحاديث عن النبي - عليه الصلاة والسلام - ومنها ما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً - أي نورها بالصلاة والقرآن - فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لايدخله الشيطان ) وعن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لكل شيء سناماً، وسنام القرآن البقرة، وإن من قرأها في بيته ليلاً لم يدخله الشيطان ثلاث ليال، ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ) رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه.
فأنت تحصّن بيتك، نفسك، ولدك، وأهلك، حتى ولو لم تكن تقصده؛ فإنك من خلال مراجعتك للقرآن ومدارسته ستمر بأيات التحصين؛ فإنك ستمر بآية الكرسي وبخواتيم البقرة وقد تقرأ آيات الكهف، وتمر بالايات التي فيها استعاذة من الشياطين، وكلما قرأت كلما حصّنت نفسك وانظر اليوم إلى حال الناس والى الظاهرة التي نرى ظهورها كم ترى من الناس قد مستهم الشياطين؟!. وقد ابتلوا بالسحر؟! وقد تلبست بهم العفاريت من الجن؟! فهل ترى سبباً لذلك إلا أنه لاحظ لهم من تلاوة القرآن ولا من الذكر فوجدت الشياطين إليهم مسلكاً وعزتهم من حيث لا يعلمون.
أما أنت بطبيعة اشتغالك بالقرآن الكريم تديم هذه التلاوة، وتحصل على هذه الفائده النافعة وتدخل في هذا الحصن المنيع.
8 - لا يخلق على كثرة الرد
إنك في هذه الفوائد كلها لا تحرم منها بالملل لو كنت تريد حفظ القصائد والأشعار وانشادها، ولو كنت تريد حفظ العلوم والمتون وتردادها فانك لا شك يسري إلى نفسك الملل وإلى همتك الكسل، وبذلك إن لم تكن ماهراً في ترويض نفسك قد تنقطع، أما تردادك للقرآن واشتغالك به فلا خوف عليك من الملل مطلقا لأنه لا يمل على كثرة ترداد، وترداده يزيد فيه تجملا كما قال الشاطبي رحمة الله عليه.
وقد عدّ الماوردي ذلك من إعجاز القران فقال: " ومن إعجازه أن تلاوته تختص بخمس بواعث عليه لا توجد في غيرها :
1 ــ هشاشة مخرجه.
2 ـ بهجة رونقه .
3 ـ سلاسة نظمه.
4 ـ حسن قبوله.
5 ـ أن قارئه لا يكل وسامعه لا يمل وهذا في غيره من الكلام معدود ".
فليس هناك تعب ولا ملل فأنت تجني هذه الفوائد دون أن يتسرب إلى نفسك ملل ولا تعب، والنويري عد ذلك أيضاً من إعجاز القران فقال: " إن قارئه لا يمل قراءته وسامعه لا تمجه مسامعه بل الإكباب على تلاوته وترديده يزيده حلاوة ومحبه لا يزال غضاً طرياً وغيره من الكلام ولو بلغ ما عساه أن يبلغ من البلاغة والفصاحة يمل من الترديد ويسأم إذا أعيد، وكذلك غيره من الكتب لا يوجد فيها ما فيه من ذلك تزداد منه على ترداده ثقه وكل قول على الترداد مملول "، وكما قال الشاطبي أيضاً :
و إن كـتــاب الله أوثــــق شافع **** و أغـنـى غـنـاء واهباً مـتـفضـلاً
و خير جليس لا يمل حــديـثــه **** وتــــرداده يـــزداد فـيـه تجـمــلاً
من موقع الدكتور علي بن عمر بادحدح ( إسلاميات ) - بتصرف