الذكر والحذف في القرآن
إن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فالتعابير القرآنية بالغة غاية الكمال في البلاغة؛ لأن الله تعالى أحكم آياته وتحدى به أفصح العرب فعجزوا عن معارضته مع ما آتاهم الله تعالى من الفصاحة، ومع حرصهم الشديد على إبطاله، ومع هذا كله عجزوا عن الإتيان بمثله، أو بسورة مثله، والقرآن هو معجزة الله الخالدة إلى قيام الساعة، والإعجاز البياني واحد من أوجه إعجاز القرآن الكريم، تحدى الله تعالى به الإنس والجن في قوله تعالى :
﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾
[الإسراء : 88] .
فالقرآن له نمطه الخاص في التركيب، إذ يجد المتمرس في أساليب العربية وطرائقها في التعبير أن نمط الجملة العربية في القرآن فريد متميز.
ونحن نذكر وجهاً من أوجه الإعجاز البياني ألا وهو الذكر والحذف للكلمات والحروف، فقد يذكر الحرف في كلمة في موطن ما، ويحذف هذا الحرف من نفس الكلمة في موطن آخر، وتذكر الكلمة في موطن ما وتحذف في موطن آخر مع اقتضاء ذكرها، وذكرها وحذفها ليس عشوائياً وإنما لحكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد نعلم جزءاً منها.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الحذف إذا نُسب في القرآن فإننا لا ننسب الحذف إلى مضمون القرآن بل ننسبه إلى تركيب اللغة، فاللغة تجعل للجملة العربية أنماطاً تركيبية معينة فإذا لم تشتمل على بعض هذه التراكيب عددنا ذلك حذفاً.
وللحذف أغراض كثيرة ذكرها البلاغيون ليس هذا مجال إحصائها ولكننا سنذكر بعض أمثلة إعجاز القرآن البياني في حذف وذكر بعض الكلمات والحروف.
الذكروالحذف في الحروف:
من روائع البيان القرآني المعجز أنه يحذف حرفاً من بعض ألفاظه في موضع ويذكره في موضع آخر، وحذف هذا الحرف ليس حذفاً اعتباطياً كما أن ذكره ليس مصادفة عشوائية إنما ذكره لحكمة وحذفه لحكمة.
وهناك أغراض يذكرها أهل اللغة في هذا الباب فيقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى إلى غيرها من الأغراض العربية وفي القرآن نجد من هذا كثيراً ولكن يحكمه التوازن الدقيق ليس في بعض أبوابه بل في كل أبوابه.
ولننظر إلى بعض الأمثلة في حكمة ذكر أو حذف بعض حروف الكلمات في القرآن الكريم المثال الأول:
"تسطِعْ" و"تستطع"
وردت هاتان الكلمتان في قصة موسى والخضر حيث رافق موسى الخضر وأمره بعدم سؤاله عما يفعله فكان يفعل أموراً يرى موسى أن الخضر فيها مخالف فينكر عليه, فقال له بعد إنكاره الفعل الثالث :
( هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً )
[ الكهف:78 ]
بإثبات التاء .
ثم نبأه بتأويل أفعاله وأخبره أنه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) ثم قال له :
(ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ) [ الكهف: 82 ]
بحذف التاء.
وجه الإعجاز البلاغي هنا أن المرة الأولى كان موسى في قلق محيِِِِِِِِِِِِِِِِِِّّّّّّر جرّاء أفعال الخضر فراعى السياق القرآني الثقل النفسي الذي يعيشه موسى عليه السلام فأثبت التاء ليتناسب مع الثقل النفسي لموسى، الثقل في نطق الكلمة بزيادة الحرف. وحذفه في المرة الثانية بعد زوال الحيرة وخفة الهم عن موسى ليتناسب خفة الهم مع خفة الكلمة بحذف الحرف الذي ليس من أصل الكلمة.
المثال الثاني:
"اسطاعوا" و"استطاعوا":
جاءت هاتان الكلمتان في سورة الكهف في الحديث عن السد الذي بناه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج وأنه بعد أن بناه عليهم كي يمنع فسادهم أرادوا الخروج فحاولوا تسلق السد فلم يفلحوا ثم حاولوا أن ينقبوه أو يخربوه فلم يستطيعوا كذلك، قال تعالى :
(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً )
[الكهف : 97]
فلماذا حذف التاء في الأولى وأثبته في الثانية ؟. يظهر والله أعلم أن ذلك ليتناسب مع السياق فتسلق السد شيء لطيف يحتاج إلى لطف وخفة فناسب حذف التاء والنقب والخراب شيء ثقيل يحتاج إلى جهد وقوة ومعدات ثقيلة فناسب ذكر التاء ليكون ثقل الكلمة مناسب لثقل الفعل وخفة الكلمة مناسب لخفة الفعل فسبحان القائل :
( ُقل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)
[الإسراء: 88]
حذف (الواو) أو (الفاء) من أول الآية جائز عند الاستشهاد
بعض المؤلفين، او المتحدثين يستشهد بالاية ويترك الواو والفاء من البداية مثل قوله: (وقل جاء الحق) فيقتصر على (جاء الحق) او (ولا يحسبن الذين يبخلون) فيقول او يكتبها (لا يحسبن...)
وقد جرى على هذا الشافعي في الرسالة فقرة (643*974*975)
ووقع هذا في صحيح البخاري في حديث لابي هريرة في قوله عزوجل :
(لا يحسبن الذين يبخلون..) بلا واو.
ووقع هذا في صحيح مسلم قال النووي في المنهاج (3/9):
( وأما قولها أو لم تسمع أن الله تعالى يقول ما كان لبشر فهكذا هو في معظم الاصول ما كان بحذف الواو والتلاوة وما كان باثبات الواو ولكن لا يضر هذا في الرواية والاستدلال لأن المستدل ليس مقصوده التلاوة على وجهها وانما مقصوده بيان موضع الدلالة ولا يؤثر حذف الواو في ذلك وقد جاء لهذا نظائر كثيرة في الحديث منها قوله فأنزل الله تعالى قم الصلاة طرفى النهار وقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى هكذا هو في روايات الحديثين في الصحيحين والتلاوة بالواو فيهما )
الجاحظ في كتابه الحيوان (4/75) .
من بلاغة القرآن العظيم
لماذا جاء في كتاب الله تعالى بين كل اسم (واو) في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}
[الحديد: 3]
ولم يأتِ الواو في قوله تعالى:
{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}[الحشر: 23]
وغيرها من الآيات؟؟
جاء بالواو في {الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ}لأن الأول عكس الآخر.
لماذا الواو بالذات من حروف العطف وليس ثم أو الفاء أو غيرهما من حروف العطف؟؟
لأن الواو الحرف الوحيد من حروف العطف التي تجمع بين الاسمين والضدين في آنٍ واحد، فكأن المعنى أن الله عز وجل في اللحظة التي هو فيها سبحانه أول، هي نفْس اللحظة التي فيها آخر.
فلو وضعنا مثلاً حرف آخر من حروف العطف مثل (أو) – والعياذ بالله – الأول أو الآخر!! يعني وقعنا في الشرك – والعياذ بالله – وكذلك لو قلنا الأول فالآخر، يعني هو الأول ثم بعد ذلك كان آخرًا!! وهذا شرك أيضًا –والعياذ بالله– يعني حرف عطف قد يوصل للشرك
إن الله تعالى أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فالتعابير القرآنية بالغة غاية الكمال في البلاغة؛ لأن الله تعالى أحكم آياته وتحدى به أفصح العرب فعجزوا عن معارضته مع ما آتاهم الله تعالى من الفصاحة، ومع حرصهم الشديد على إبطاله، ومع هذا كله عجزوا عن الإتيان بمثله، أو بسورة مثله، والقرآن هو معجزة الله الخالدة إلى قيام الساعة، والإعجاز البياني واحد من أوجه إعجاز القرآن الكريم، تحدى الله تعالى به الإنس والجن في قوله تعالى :
﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾
[الإسراء : 88] .
فالقرآن له نمطه الخاص في التركيب، إذ يجد المتمرس في أساليب العربية وطرائقها في التعبير أن نمط الجملة العربية في القرآن فريد متميز.
ونحن نذكر وجهاً من أوجه الإعجاز البياني ألا وهو الذكر والحذف للكلمات والحروف، فقد يذكر الحرف في كلمة في موطن ما، ويحذف هذا الحرف من نفس الكلمة في موطن آخر، وتذكر الكلمة في موطن ما وتحذف في موطن آخر مع اقتضاء ذكرها، وذكرها وحذفها ليس عشوائياً وإنما لحكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد نعلم جزءاً منها.
ولكن ينبغي أن يعلم أن الحذف إذا نُسب في القرآن فإننا لا ننسب الحذف إلى مضمون القرآن بل ننسبه إلى تركيب اللغة، فاللغة تجعل للجملة العربية أنماطاً تركيبية معينة فإذا لم تشتمل على بعض هذه التراكيب عددنا ذلك حذفاً.
وللحذف أغراض كثيرة ذكرها البلاغيون ليس هذا مجال إحصائها ولكننا سنذكر بعض أمثلة إعجاز القرآن البياني في حذف وذكر بعض الكلمات والحروف.
الذكروالحذف في الحروف:
من روائع البيان القرآني المعجز أنه يحذف حرفاً من بعض ألفاظه في موضع ويذكره في موضع آخر، وحذف هذا الحرف ليس حذفاً اعتباطياً كما أن ذكره ليس مصادفة عشوائية إنما ذكره لحكمة وحذفه لحكمة.
وهناك أغراض يذكرها أهل اللغة في هذا الباب فيقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى إلى غيرها من الأغراض العربية وفي القرآن نجد من هذا كثيراً ولكن يحكمه التوازن الدقيق ليس في بعض أبوابه بل في كل أبوابه.
ولننظر إلى بعض الأمثلة في حكمة ذكر أو حذف بعض حروف الكلمات في القرآن الكريم المثال الأول:
"تسطِعْ" و"تستطع"
وردت هاتان الكلمتان في قصة موسى والخضر حيث رافق موسى الخضر وأمره بعدم سؤاله عما يفعله فكان يفعل أموراً يرى موسى أن الخضر فيها مخالف فينكر عليه, فقال له بعد إنكاره الفعل الثالث :
( هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً )
[ الكهف:78 ]
بإثبات التاء .
ثم نبأه بتأويل أفعاله وأخبره أنه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) ثم قال له :
(ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ) [ الكهف: 82 ]
بحذف التاء.
وجه الإعجاز البلاغي هنا أن المرة الأولى كان موسى في قلق محيِِِِِِِِِِِِِِِِِِّّّّّّر جرّاء أفعال الخضر فراعى السياق القرآني الثقل النفسي الذي يعيشه موسى عليه السلام فأثبت التاء ليتناسب مع الثقل النفسي لموسى، الثقل في نطق الكلمة بزيادة الحرف. وحذفه في المرة الثانية بعد زوال الحيرة وخفة الهم عن موسى ليتناسب خفة الهم مع خفة الكلمة بحذف الحرف الذي ليس من أصل الكلمة.
المثال الثاني:
"اسطاعوا" و"استطاعوا":
جاءت هاتان الكلمتان في سورة الكهف في الحديث عن السد الذي بناه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج وأنه بعد أن بناه عليهم كي يمنع فسادهم أرادوا الخروج فحاولوا تسلق السد فلم يفلحوا ثم حاولوا أن ينقبوه أو يخربوه فلم يستطيعوا كذلك، قال تعالى :
(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً )
[الكهف : 97]
فلماذا حذف التاء في الأولى وأثبته في الثانية ؟. يظهر والله أعلم أن ذلك ليتناسب مع السياق فتسلق السد شيء لطيف يحتاج إلى لطف وخفة فناسب حذف التاء والنقب والخراب شيء ثقيل يحتاج إلى جهد وقوة ومعدات ثقيلة فناسب ذكر التاء ليكون ثقل الكلمة مناسب لثقل الفعل وخفة الكلمة مناسب لخفة الفعل فسبحان القائل :
( ُقل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)
[الإسراء: 88]
حذف (الواو) أو (الفاء) من أول الآية جائز عند الاستشهاد
بعض المؤلفين، او المتحدثين يستشهد بالاية ويترك الواو والفاء من البداية مثل قوله: (وقل جاء الحق) فيقتصر على (جاء الحق) او (ولا يحسبن الذين يبخلون) فيقول او يكتبها (لا يحسبن...)
وقد جرى على هذا الشافعي في الرسالة فقرة (643*974*975)
ووقع هذا في صحيح البخاري في حديث لابي هريرة في قوله عزوجل :
(لا يحسبن الذين يبخلون..) بلا واو.
ووقع هذا في صحيح مسلم قال النووي في المنهاج (3/9):
( وأما قولها أو لم تسمع أن الله تعالى يقول ما كان لبشر فهكذا هو في معظم الاصول ما كان بحذف الواو والتلاوة وما كان باثبات الواو ولكن لا يضر هذا في الرواية والاستدلال لأن المستدل ليس مقصوده التلاوة على وجهها وانما مقصوده بيان موضع الدلالة ولا يؤثر حذف الواو في ذلك وقد جاء لهذا نظائر كثيرة في الحديث منها قوله فأنزل الله تعالى قم الصلاة طرفى النهار وقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى هكذا هو في روايات الحديثين في الصحيحين والتلاوة بالواو فيهما )
الجاحظ في كتابه الحيوان (4/75) .
من بلاغة القرآن العظيم
لماذا جاء في كتاب الله تعالى بين كل اسم (واو) في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}
[الحديد: 3]
ولم يأتِ الواو في قوله تعالى:
{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}[الحشر: 23]
وغيرها من الآيات؟؟
جاء بالواو في {الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ}لأن الأول عكس الآخر.
لماذا الواو بالذات من حروف العطف وليس ثم أو الفاء أو غيرهما من حروف العطف؟؟
لأن الواو الحرف الوحيد من حروف العطف التي تجمع بين الاسمين والضدين في آنٍ واحد، فكأن المعنى أن الله عز وجل في اللحظة التي هو فيها سبحانه أول، هي نفْس اللحظة التي فيها آخر.
فلو وضعنا مثلاً حرف آخر من حروف العطف مثل (أو) – والعياذ بالله – الأول أو الآخر!! يعني وقعنا في الشرك – والعياذ بالله – وكذلك لو قلنا الأول فالآخر، يعني هو الأول ثم بعد ذلك كان آخرًا!! وهذا شرك أيضًا –والعياذ بالله– يعني حرف عطف قد يوصل للشرك