الخطبة الأولى :
الحمد لله ذي العزة والجبروت والكبرياء والعظمة والملكوت ، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحيُّ الذي لا يموت ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله أحيا الله به القلوب وأنار به البصائر .. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ ، وعلى آله وصحبه أعلام الهدى وأنوار الدجى .
أما بعد ، فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه ؛ فقد جمع الله - عز وجل - الخيرَ كله في طاعته ، وجمع الشر كله في معصيته .
عباد الله .. خذوا أنفسكم بحقائق الدين الإسلامي وألزموا أنفسكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وتمسكوا بالهَدْي النبوي العظيم ، فأنتم ترون كثرة المسلمين في هذا الزمان .. زادهم الله كثرةً ، وزادهم الله صلاحاً وبركة ، ولكن مع هذه الكثرة فرقتهم البدع والأهواء ، وأضعفهمُ الاختلاف ، وضعفت القلوب بإيثار الدنيا على الآخرة ، ومقارفةِ الشهوات إلا من حفظ الله .
ألا وإن الدين يهدمُه ويضعفه في القلوب البدعُ المضلة والشهواتُ المحرَّمة .. فأما البدعُ فهي الداء العُضال والسم القتَّال ، تعمي وتصم وتهلك صاحبها وتضر الدين والدنيا ، والبدع ما أُحْدِث في الدين مما لا أصلَ له في الشريعة يدل عليه كتابُ الله - عز وجل - وسنة نبيه ، فـ"البدع ما أُحدِث في الدين مما لا أصل له في شريعة الإسلام ".. قاله أهل العلم .
ويُعْرَف المبتدعُ بمخالفته لجماعة المسلمين وإمامهم وأهل العلم بالقرآن والسنة ، وأما من انتسب للعلم وهو مُعْرِض عن كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - جاهلٌ بذلك فليس من ذوي العلم ، وإنما هو داعيةٌ إلى ضلال وفتنة .. وأولُ البدع في الإسلام بدعةُ الخوارج ثم ظهرت بقية البدع بعد ذلك ، وحارب الصحابة البدع التي ظهرت في زمانهم ، وردوها واطفأوها وبينوا للناس سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والهدى والحق ..بينوها بالكتاب والسنة ، فكشف الله بهم الغمة وقمع بهم البدع ، وقام بالأمانة بعدهم التابعون وتابعوهم بإحسان إلى آخر الدهر .
والله حافظٌ دينَه وناصرٌ كلمتَه ؛ قال الله - تعالى - : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر 9 ، وقال - تعالى - : .. وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة 40 ، وقد حَذَّرنَا اللهُ - تعالى - من البدع وبيَّن لنا عواقبها الوَخيمة في الدين والدنيا والآخرة ، فقال - عز وجل - :وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ آل عمران 105 – 106 ، وهذه الآية في أهل البدع التي فرقت بين الأمة وأضعفتها ..قال ابن كثير في تفسيره :" يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفُرْقة " ..قاله ابن عباس - رضي الله عنهما – وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " عليكم بالجماعة ؛ فإن يد الله على الجماعة " .
وعن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين مِلةً ، وإن هذه الأمةَ ستفترق على ثلاث وسبعين ملة .. يعني الأهواء كلُّها في النار إلا واحدةً وهي الجماعة ، وإنه سيخرج في أمتي أقوامٌ تتجارى بهمُ الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى عِرق ولا مفصل إلا دخله " رواه أحمد وأبو داود والحاكم في المستدرك .. والكَلَب داءٌ يعرض للإنسان من عضة الكَلْب تتغير به طبائع الإنسان وعقله ، ويدخل كل مفصل فيه وكل عرق ، وتزداد حالة الإنسان سوءا كل يوم حتى يهلك .
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن مما أخشى عليكم شهواتِ الغي في بطونكم وفروجكم ، ومُضِلاتِ الهوى" رواه أحمد بإسناد صحيح ، وعن العِرباضِ بن سارِيَةَ - رضي الله عنه - قال :"وعظنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسولَ الله كأنها موعظة مُودِّع فأوصنا ، قال :" أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ ؛ فإنه مَنْ يعِشْ منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عَضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة " رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة ، وإنكم ستحدثون ويحْدَث لكم ، فإذا رأيتم مُحْدثةً فعليكم بالهدي الأول " رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " إنكم لتعملون أعمالا هي في أعينكم أدقُّ من الشَّعْر ، كنا نراها من العظائم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - " ؛ فالبدع تهدم الدين وتفسد ذات البَيْن ، وتوجب غضب الله - عز وجل - وأليمَ عقابه في الآخرة ، وتعم بها العقوبات في الدنيا ، وتتنافر بها القلوب وتتضرر بها مصالح الناس ، وتورث الذُّل والهوان ، وتضعف الأمة وتُطمع أعداءَ الأمة الإسلامية فيها .. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :"وجُعِلتِ الذلةُ والصَّغَار على من خالف أمري " .
وأما الشهوات المحرمة فتضر دين المسلم من حيث إنها : تفسد قلبه وتقسِّيه ، وتورث الغفلة الضارة ..وإذا تمادى فيها الإنسان واسترسل فيها رانت على القلب ، فطُبِع عليه وأعمت البصيرة فأحب الإنسانُ ما أبغض الله ، وأبغض ما أحب الله ، وجرَّت عليه المعاصي الخُسرانَ والحرمان والعقوباتِ المتنوعة .. وما يلاقيه في الآخرة منها أدهى وأمرُّ.
والمسلم يتحكم في نفسه ويقودها بزمام التقوى إلى كل عمل صالح رشيد ، وكل نافع مفيد ؛ حتى لا تَرْتعَ نفسه في المعاصي ، فإنه إذا داوم الإصرار عليها واستمر على ما يأمره به هواه ، استعصت عليه نفسه وصعب قيادُها فقادته إلى كل شر وبلاء ، فوقع في شرِّ جزاء .. قال الله - تعالى - : فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً مريم 59 ..
رُويَِ عن ابن مسعود في قوله : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً قال : " وادٍ في جهنمَ بعيد القعر خبيث الطعم " ..
وعن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : لَيكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف " رواه البخاري ، ومعنى " يستحلون الحر" : أي يستحلون الفرج .
ويرتكبون الفواحش ، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " صِنْفان من أهل النار لم أَرَهما قومٌ معهم سِياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساءٌ كاسياتٌ عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجدُ من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم ، ومعنى "كاسيات عاريات " : أي عليهن لباسٌ لا يستر مفاتنهن ؛ لأنهن يظهرن من مفاتنهن ما يفتنَّ به أنفسهن وغيرهن ، " مميلات مائلات " : معنى ذلك أنهن مميلات لأمثالهن من النساء إلى الشر ، ومميلاتٌ للرجال إلى الشر والقباحة والفاحشة ، مائلات في أنفسن إلى ذلك ، " رؤوسهن كأسنمة البخت " : مخالفات لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - .
وعن عمرانَ بن حصينٍ – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " في هذه الأمة خَسْفٌ ومسخٌ وقذف " ، فقال رجل يا رسول الله : ومتى ذلك ؟ قال : " إذا ظهرت القِيان والمعازف وشُربتِ الخمورُ " رواه الترمذي ، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يبالي المرء بم أخذ المال ..أمن حلالٍ أم من حرام ؟ " رواه أحمد والبخاري .
فيا أيها المسلم تفكَّر وتدبر واحذر دخول هذين البابين ..بابِ الفتن والمبتدعات ، وباب الشهوات والمحرمات ؛ فهما اللذان أضرا بالإسلام والمسلمين ، ولا يعصم وينجي من البدع والمحرمات إلا العلمُ النافع والعمل الصالح ؛ فالجهل سببُ كل شر ؛ قال الله - تعالى - : ... وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ الأنعام 119 ، وقال - تعالى - : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ الأنعام116 ، وقال - تعالى - : ... وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ الأنعام111 ، وقال – عز وجل - : ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ؟الزمر9 .
والمسلم مأمور بمعرفة دين الإسلام بأدلته من الكتاب والسنة .. قال – عز وجل - : محمد19 .
وعن معاوية – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " من يردِ الله به خيراً يفقِّهْهُ في الدين " رواه البخاري ومسلم .
وقال ابن رجب – رحمه الله تعالى - : " وما دام العلمُ باقياً في الأرض فالناسُ في هدى ، وبقاء العلم بقاءُ حمَلته ، فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس في الضلال " .. انتهى كلامه .
فالعصمة والنجاة من البدع المحدثة الاعتصامُ بالكتاب والسنة ؛ قال - عز وجل - : وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... آل عمران 103 ، وقال النبي – عليه الصلاة والسلام : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ، ويتفاضل الناس بهذا التمسك والاعتصام ، ويعظم نفع المسلم ووزنه عند ربه بهذا العمل الصالح ولزوم منهج النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه .
وأما من انتسب للإسلام من غير تحقيق لأعماله وعقيدته الصحيحة التي كان عليها السلف الصالح ، فهم غثاءٌ كغثاء السيل كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فحاسب نفسك – أيها المسلم – وطبِّقْ تعاليم الإسلام على نفسك لتفوز بوعد الله الحق لمن اتبع ولم يبتدع في قوله – عز وجل - وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُالتوبة100.
والعصمة من البدع المحدثة - أيضاً - فهمُ القرآن والسنة وتفسيرهما على فهم السلف الصالح ؛ فهم الذين رضي الله عنهم في تفسيرهم للقرآن الكريم والحديث الشريف ، ورضي عنهم في عقيدتهم وأعمالهم ، ورضي عنهم في تطبيقهم للإسلام في مثل قول الله – تبارك وتعالى - : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباًالفتح18 ، ومن خالفهم توعَّده الله بقوله : وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً النساء115 .
والعصمة من البدع المحدثة - أيضاً - لزوم جماعة المسلمين وإمامهم بعدم الخروج عن ذلك ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم : " تلزمُ جماعةَ المسلمين وإمامَهم " رواه مسلم من حديث حذيفة – رضي الله عنه - والعصمة من البدع – أيضا – سؤال العلماء بالكتاب والسنة والأخذ عنهم ؛ قال – عز وجل - : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) ، والعصمة من البدع – أيضاً – سلامة الصدر من الغش والبغي والغِلِّ والحسد للمسلمين الأولين والآخرين ؛ لقوله - تبارك وتعالى - : وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌالحشر10 ، ولقوله – صلى الله عليه وسلم - : " الدينُ النصيحةُ . الدين النصيحة . الدين النصيحة " رواه مسلم من حديث تميمٍ الداريِّ .
وأما ما يعصم وينجي من الشهوات المحرمة والمعاصي فخوفُ الله وخشيته ؛ بأن يعلمَ العبد أن الله يراه ويعلم سره وعلانيته ، ويحصي على العبد أعماله في الكتاب .. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وتذكُّرُ الموت الذي يشتد به الألم العظيم في كل عرق ومفصل ، وتذكر القبر وما بعده من الأهوال الكبار ، والاعتبار بمن نالوا اللذات والشهوات ، ثم حالَ الموتُ بينهم وبين ما يشتهون ، فذهبت اللذات وبقيت الحسرات والتبعات ؛ فإن الأمل والاغترار بالحياة ، وإن الصحة والفراغ .. إن ذلك كله يجرئ على معصية الله – عز وجل – قال الله – تعالى - : فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ( النازعات 37 – 41 ) .
وإذا أيقن العبد بعظيم ثواب الله على ترك المعاصي حَذِرها وأبغضها وابتعد عنها .. قال - عز وجل - : وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ الرحمن 46 .
بسم الله الرحمن الرحيم : وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام 153 .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم .. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه .
الخطبة الثانية :
الحمد لله علام الغيوب فارج الهم وكاشف الغم والكروب ، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له غفار الذنوب ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى واليقين ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ..
فاتقوا الله – تعالى – حق التقوى ، وتقربوا إليه بما يحبه ويرضاه ، واحذروا معاصيه فإنها مردية للعبد في دنياه وأخراه.
أيها المسلمون : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، ولْيعتنِ المسلم .. ولْيعتنِ المسلم وليهتم بتحقيق النية الخالصة لله – تعالى – في أعماله الظاهرة والباطنة ، ولتكن أعماله كلها الظاهرة والباطنة على هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مطابقة للسنة النبوية المحمدية ..
قال أهل العلم : " إن قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " مَنْ عمِل عملاً ليس عليه أمْرنَا فهو رَد " ..
قالوا : هذا الحديث ميزان للأعمال الظاهرة وأصل عظيم من أصول الإسلام ، وقوله – صلى الله عليه وسلم - : "إنَّما الأعمالُ بالنِّيات " ميزانٌ للأعمال الباطنة .
ولْتكُنْ عنايتك – أيها المسلم – بالنية الصالحة قبل العمل أعظم من العمل واجتهادك في القيام بالعمل وفق السنة أعظم من الاستكثار من الأعمال ، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول في خطبه : " إنَّ خيْر الحدِيث كتابُ الله ، وخيرُ الهدي هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وشرُّ الأمورِ محدثاتُها ، وكلُّ بدعةٍ ضلالة " رواه مسلم من حديث جابر – رضي الله تعالى عنه - .
وكان يكرر ذلك .. كان يكرر هذا الحديث في مقامه لوعظ الأمة ؛ فهو بهذا يؤسس ويؤكد الأمر باتباع الهدي المحمدي والتحذير من المخالفات المبتدعة ، قال الله – تعالى : ... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...الحشر7 ، وقال – عز وجل : وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً النساء69 .
عباد الله : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه .. فقال – جل وعلا - : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب 56 ..
وقد قال – صلى الله عليه وسلم - : " من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليْهِ بها عشْرَا " ؛ فصلُّوا وسلِّمُوا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وسلم تسليماً كثيراً .
اللهم وارض عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللهم وارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - اللهم وارض عن الصحب أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان يارب العالمين ، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ياقوي ياعزيز .
اللهم أذل البدع إلى يوم الدين يارب العالمين . اللهم أذل البدع إلى يوم الدين يارب العالمين ، اللهم اجعلنا وذرياتنا والمسلمين من المتمسكين بسنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم – المحبين لها يارب العالمين ، اجعلنا من أتباعه ومن المقربين إليك وإلى نبيك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – ياأكرم الأكرمين ، اللهم أذل البدع يارب العالمين إلى يوم الدين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك ياقوي ياعزيز .
اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام ، وأخرجهم من الظلمات إلى النور ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم أبطل كيد أعداء الإسلام يارب العالمين ، اللهم أبطل مكر أعداء الإسلام يارب العالمين ياقوي يامتين ، اللهم أبطل مخططات أعداء الإسلام التي يريدون أن يكيدوا بها الإسلام إنك على كل شيء قدير
اللهم أظهر أنوار سنة نبيك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – في كل زمانٍ ومكانٍ يارب العالمين ياقوي يا متين .
اللهم اجعل هذه البلاد آمنةً مطمئنةً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين ، اللهم احفظ بلادنا من كل شر ومكروه إنك على كل شيء قدير . اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى ، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك ، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك ، واجمع به – يارب العالمين - كلمة المسلمين ..
اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ولما فيه خير الإسلام يارب العالمين ، اللهم وفق النائب الثاني لما فيه رضاك ولما فيه الخير والصلاح للعباد يارب العالمين والبلاد ..
اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيراً لشعوبهم وأوطانهم يارب العالمين وياأكرم الأكرمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
اللهم أغثنا . اللهم أغثنا ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا .. أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ، اللهم أغثنا ياأرحم الراحمين ، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك .
اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، وأعذنا من شر كل ذي شرٍ إنك أنت الله .. أنت الله تجير ولا يجار عليك يارب العالمين .
عباد الله : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل90 .
وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَالنحل91 .
واذكروا الله العظيم الجليل على نعمه ، واشكروه على آلائه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]