التحذير من الذنوب والمعاصي
التحميل
التحميل
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب
التوبة, الكبائر والمعاصي
-----------------------
علي بن عبد الرحمن الحذيفي
المدينة المنورة
19/10/1427
المسجد النبوي
-
-
-------------------------
ملخص الخطبة
1- فضل الطاعة. 2- خطورة الذنوب والمعاصي. 3- من عقوبات الأمم السابقة. 4- انتشار المعاصي في هذا الزمان. 5- آثار الذنوب. 6- الحث على التوبة. 7- عقوبة الطبع على القلب. 8- ذكر الموت.
-------------------------
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتقوا الله أيّها الناس، فتقوى الله هي النجاةُ من عقوباتهِ والفوزُ بجنّاته.
عبادَ الله، إنّه لا يُنال ما عند الله من الخيرِ إلا بطاعته، ولا شرَّ نازلٌ إلا بمعصيته، قال الله تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء: 69، 70].
والشر والعقوبات في الدنيا والآخرةِ سببُها الذنوبُ والمعاصي، قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة: 7، 8]، وقال تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء: 123]، وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن: 23]، وقال الربُّ في الحديث القدسيّ: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)) رواه مسلم.
وقد رغَّبنا الله أشدَّ الترغيب في فِعلِ الخيراتِ وعمل الطاعات، فقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133، 134]. وحذَّرنا الله من معاصيه فقال عز وجل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء: 14].
وأوقَفَنا الله ورسولُه على عقوباتِ الذنوب والمعاصي في الدنيا والآخرة لنبتعدَ عنها، ولئلاَّ نتهاونَ بها ولا نغترَّ بالإمهَال؛ فإنَّ الذنبَ لا يُنسَى والدَّيَّانَ حيٌّ لا يموت، وقصَّ الله علينا في كتابه القصَصَ الحقّ عن القرون الخالية كيف نَزَلت بهم عقوباتُ الذنوب، وتجرعوا كؤوس الخسران والوبال، ولم تنفعهم الجموع والأولاد والأموال، قال تعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:38-40]، وقال تبارك وتعالى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُلاً ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاً تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا [الفرقان: 38-40].
عباد الله، إنَّ سنّةَ الله لا تحابي أحَدًا، قال تبارَكَ وتعالى: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر:43].
أيُّها الناس، لقد كثر الفسوقُ والعِصيان، وتُرِكت الواجباتُ التي للرّحمن، وتجرَّأ الكافِر على ربِّه، فسُبَّ الله جهرًا، وسُبَّ رسوله ، وسُبَّ الدين، وتمرَّدت البشريّةُ على ربها، وظلَم الإنسان الإنسانَ، ولم يبقَ ذنب ممّا أهلك الله به الأممَ الماضية إلاّ عُمِل به في هذا الزمان، ولم ينجُ من ذلك إلا المؤمنون والطائِعون من المسلمين؛ قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سبأ: 20، 21].
وإنَّ كلَّ مؤمنٍ بالله يحذِّر الناس من سوءِ أعمالهم، فقد انعقدت أسبابُ العقوبات، ونزَلَت بالبشريّة الكُرُبات، وأنتم ـ معشرَ المسلمين ـ إذا أوقَفتم زحفَ الفسادِ في الأرض دفَع الله عنكم العقوبات، ودَفع عن البشريّة الهلكات. وإيقافُ الفساد في الأرض بالاستقامةِ على دينِ الإسلام وتركِ مجاراةِ الكفار في تقاليدِهم وأعمالهم، قالَ الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة: 251].
أيّها المسلمون، إنَّ الذنوبَ والمعاصي شؤمٌ وعار وشرٌّ ودمار وخزي ونار، إنها تبدِّل صاحبَها بالعزّ ذُلاًّ، وبالنِّعم حِرمانًا، وبالأمنِ خَوفًا، وبرَغَد العيش جُوعًا، وباللّباس عُريًا، وبالبركات محقًا وذهابًا، وبالغِنى فقرًا، وبالعفاف فجورًا، وبالحياءِ استهتارًا، وبالعقل والحِلم خِفَّة وطيشًا، وبالاجتماع فُرقة واختلافًا، وبالاستقامةِ زَيغًا وفسادًا، وبالتوادِّ والتراحم كراهية ونُفرةً وبغضًا، وبالجنّة في الآخرة نارًا، وبالفَرَح بالطاعة همًّا وغمًّا، وبالحياة الطيبة معيشة ضنكا.
لمّا فتِحَت قُبرص تنحّى أبو الدرداء يبكي، فقيل له: ما يبكيك ـ يا أبا الدّرداء ـ في يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأذلَّ الكفر؟! فقال: (أبكِي من عاقبةِ الذنوب؛ هؤلاء أمّةٌ كانت قاهرةً ظاهرة، فضيّعوا أمر الله، فأنتم ترونَ إلى ما صاروا إليه من الذلِّ والهوان، ما أهون الخلق على الله إذا ضيَّعوا أمره).
فليعتنِ اللبيبُ بنفسه، وليعلم المسلم أن طاعتَه لربِّه فضلٌ من الله ومنَّة، وليعلَمِ الإنسان أن العصيانَ خذلانٌ من الله تبارك وتعالى للعبد وعقوبةٌ في العاجل والآجل، وعقوبة الذنب واقعة إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى.
وقد فتح الله بابَ التوبة لمن عصى ربَّه، فقال تبارك وتعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]، قال تبارك وتعالى: وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [إبراهيم: 44-47]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 98].
بارك الله لي ولكم في القُرآنِ العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ منَ الآيات والذِّكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولَكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد للهِ المعزِّ مَن أطاعه واتَّقاه، والمذِلِّ لمن خالَف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له لا إلهَ سواه، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبدُه ورسوله اصطفاه ربه واجتباه، اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد: فاتقوا الله حقَّ تقواه، واعملوا بطاعته تفوزوا برضاه.
عبادَ الله، يقول ربُّكم جلّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
واعلموا ـ أيّها المسلمون ـ أن المعاصي والذنوبَ حربٌ لله ورَسوله، متفاوِتَةٌ في شرورها وعقوبَاتها، فاحذَروها على أنفسِكم وعلى أهلِيكم وعلى مجتمعاتِكم، فإنَّ الشرورَ والعقوباتِ كلَّها بسبَبِ الذنوب، وتوَّقَوا عقوباتها، واتَّعِظوا بما حلَّ بالعُصاة المفترين في الدنيا المتَّبعين لخطواتِ الشيطان، فالسعيد من اتَّعظ بغيره، والشقيّ من وُعِظَ به غيره.
ومن أعظمِ عقوبات الذنوب الطبعُ على القلوب والختم عليها وغفلتها وموتُها وانتكاسها وظلمتُها؛ حتى ترى المعروفَ منكرًا والمنكر معروفًا والحسن قبيحًا والقبيح حسنًا، فتُحِبّ المعصيةَ وتَكره الطاعَة، قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر: 8]. فإذا مات القلب بالمعاصي لا يشعُر بالعقوباتِ، ولا يُحسّ بها؛ لأنه لا يرَى العقوبةَ إلاَّ إذا نزَلت بدُنياه أو نزَلَت ببَدَنه، وفي الحديثِ عن النبيِّ أنه قال: ((الكيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني)).
فاحذروا ـ عبادَ الله ـ الذنوبَ، فما خسِر الخاسرون إلاَّ بسببها، ومَن جمَحَت به نفسُه للمعاصي والتفريط في الواجِبات فليذكُرِ الموت وما بعده، ومَن غرَّته صِحّتُه ودنياه فليذكرِ تصاريفَ القدَر وتغيُّرَ حال الإنسان من حال إلى حال؛ فإنَّ ذلك سيعينه على الاستقامة، ويحبِّب إليه الطاعةَ، ويكرِّه إليه المحرمات، وليستعِن بربِّه سبحانه على أمور دينه ودنياه، فإن من لجأ إلى الله كفَاه، ومن أقبل عليه تولاَّه، ومن عبَد الله بسنَّة رسوله أحسنَ عُقباه، عن أبي هريرةَ قال: قالَ رسول اللهِ : ((أكثِروا من ذِكرِ هَاذم اللّذّات)) يعني الموت، رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".
عباد الله، إن الله أمرَكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال : ((من صلَّى عليَّ صلاة واحدةً صلّى الله عليه بها عَشرًا)).
فصلّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللّهمّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمّد