خطبة المسجد الحرام - 18 محرم 1432 - مكانة الطفل في الإسلام - الشيخ صالح بن محمد آل طالب
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي لا يُحيط بحمده حامد، ولا يُحصِي نعماءه مُحصٍ،
ولا يُحيط بها راصِد، أنعمَ على خلقه فجعلهم ما بين مولودٍ ووالد، وهو
الغني بذاته فلم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا ولم يكن له فيما مضى والد، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكرمُ
نبيٌّ وأكرمُ عابد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبه
والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فإن الوصية المبذولة هي التقوى، فالزموها سرًّا ونجوى؛ يكن الله لكم في كل حال، ويُعقِبُكم دومًا خير مآل.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
أيها المسلمون:
في دُورِنا وتحت سقوف منازلنا أبشارٌ غضَّةٌ وأجنحةٌ كثيرة، وفي أغصان
دَوحِنا أعوادٌ طريَّةٌ وبراعِم ناشئة، إنها براعمُ لم تُزهِر،وزهورٌ بعدُ
لم تُثمِر؛ أولئك هم الأطفال، ثمراتُ القلوب، وقِطع الأكباد، أطفالُنا عجزٌ
تحت قُدرتنا، ومسكنةٌ تتفيَّأُ قوتنا، وهم مستقبلٌ مرهونٌ بحاضرنا، وحياةٌ
تتشكَّل بتربيتنا وتُصاغ بها، وهم بعد ذلك كله هم بعضُ الحاضر وكل
المستقبل.
الطفولة - أيها المسلمون - كهفٌ يأوي إليه الكبارُ فيغسِلوا همومهم في
براءة أطفالهم، ويجتلوا جمال الحياة في بَسَمات صبيانهم، أفصحُ تعبيرٍ
يستمطِر الحنان تأتأةُ طفل، وأبلغُ نداءٍ يستجيشُ الحب لثغةُ صغير،
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].
وهم نعمٌ بين أيدينا سانِحة، ومِنَنٌ غاديةٌ علينا ورائِحة، ولقد جاءت
شريعة الله راعيةً للطفولة حقَّها، مُحيطةً بحقوق الطفل المعنوية
والحِسِّيَّة، من حين كونه جنينًا إلى أن يبلغ مبلغ الرجال. الراشي
وبرزت العناية بالجانب النفسي والمعنوي بالطفل في سيرة نبينا محمد - صلى
الله عليه وسلم - وتوجيهاته؛ فقد كان يُمازِح الصبيان، ويُؤاكِل الأيتام،
ويمسح على رؤوسهم، وقال: «أنا وكافِل اليتيم في الجنة كهاتين»، وقال: «من
عالَ جاريتين دخلُ أنا وهو الجنة كهاتين» - وأشار بأصبعيه -، وقال: «ليس
منَّا من لم يرحَم صغيرنا»، وأمر بكفِّ الصبيان عن اللعب حين انتشار
الشياطين، واستعجَل في صلاته حين سمِع بكاء طفل، ونهى أن يُفرَّق بين
الأَمَة وولدها في البيع.
بل وسِعَت شريعته - صلى الله عليه وسلم - حتى أولاد البهائم؛ فأمَر من أخذ
فراخَ طائرٍ أن يرُدَّها،وقال: «من فجِعَ هذه بولدها»، كما ورد النهي عن
التفريق بين الشاة وولدها.
حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - حفِظ حق الجنين وإن كان نطفةً حرامًا، فأمر
المرأة التي زَنَت أن تذهب حتى تضعَ طفلَها، وأخَّر إقامة الحدِّ حفظًا
لحق الوليد حين وضَعَتْ ولدَها؛ فأمَرها أن تعود حتى تستكمِل سنتَيْ
رضاعته.
بل وفي أهم فروض الدين وأشدها تعظيمًا كان - عليه الصلاة والسلام - يُصلِّي
وهو حاملٌ أُمامة ابنة بنته زينب - رضي الله عنهما -، ويُصلِّي وهو حاملٌ
الحسن ابن ابنته فاطمة - رضي الله عنهما -، وحين سجد - عليه الصلاة والسلام
- فركِبَ الحسن على ظهره أطال لأجله السجود، وحين سُئِل عن ذلك قال: «إن
ابني هذا ارتحَلَني، فكرهتُ أن أُعجِلَه حتى يقضي حاجتَه».
فلم تمنعه خشيتُه لربه ولا وقوفه بين يديه من ملاطفة الصغار ومراعاة مشاعرهم.
أيها المسلمون:
وهل الطفولة والأطفال في حاجةٍ للتذكير بحقهم واستثارة المشاعر نحوهم؛ رغم أن الفطرة داعية لذلك، والطبع مُنساقٌ وميَّالٌ كذلك؟!
يقال - بكل أسى -: نعم؛ فرغم كثرة ما أنتَجَتْه المدنيَّةُ الحديثة من
خيرٍ، إلا أن ثمَّةَ أنماطًا سلوكية، وظواهر لم تعُد خفيَّة أصبَحنا
نتبيَّنُها في مجتمعاتنا، وما كانت فيها من قبل.
فتحت ضغوط الحياة اليومية، وكثرة الأمراض النفسية، والجرأة على تعاطي
المُؤثِّرات العقلية؛ وُجِد فئةٌ من الآباء والأمهات غاضَ نبعُ الحب في
قلوبهم، وأسقطَ خريفُ القسوة أوراق الحنان من نفوسهم، فاستُلِبَت من بين
جوانحهم إنسانيتهم، وكانت أول ضحايا ذلك الاستلاب هم الأطفال.
فكم بين جُدران البيوت وأسوار المدارس من طفولةٍ مُنتَهَكة، وبراءةٍ
مُغتالة، يتعرَّضُ الأطفال في صورها للضغط النفسي، والعنف البدني، والتعذيب
الجسدي، ترى ذا الخمسة أعوام يُقلِّب عينين ماؤهما الطُّهْر، وبريقُهما
البراءة، يُقلِّبُها في أبيه القادم إليه، ويخفِقُ فؤادُه الغضُّ لمرأى
أبيه، مُنتظرًا منه ضمَّةً أو قُبلة، فإذا لسعُ النار يفجَرُه، أو الضرب
العنيف يتلقَّفُه، وسلاحُ الطفل - ويا لسلاحه - أنَّاتٌ متقطِّعة،
وزَفَراتٌ مُتحشرِجة، وقد غابَ المُعين والناصر.
واستعِن - أيها السامع - بخيال شاعرٍ أو سُبُحات أديب لتتصوَّر ما الذي
يُحسُّه ذلك الطفل ويشعُر به، وكيف تُوأدُ في نفسه كل مباهِج الحياة،
ويغيضُ في مُخيِّلته كل جميلٍ يبلُغه خيالُه الحالِم.
وثمَّة طفل لم تجد أمُّه المُضطربة نفسيًّا ما تُفرِغُ فيه اضطرابها إلا
جسد طفلها، وكم يحدث في المجتمع من أمثال هذه الانتهاكات، وكم تُمارَسُ هذه
الوحشية داخل البيوتات، ولا يشعر بها جيرانٌ ولا أهل؛ فقد أساء آباء
لأطفالهم، وأدَّبَت زوجاتٌ أولادَ أزواجهن، ولم يسلَم الأطفال حتى من
أذيَّة عاملات المنازل، وعاش من عاش منهم مُشوَّه الإنسانية، مُتَّشِحًا
بالعدوانية، له مستقبلٌ قاتِم، وربما احترف الجريمة والانحراف فخسِر نفسه
ثم خسِرَه المجتمع.
أيها المسلمون:
إن هذه المظاهر ليست - بحمد الله - عامةً ولا شائعة، ولكنها توجد بقدرٍ غير
قليل، وإن من أعظم أنواع الاحتساب: أن يحتسِب المجتمع في رفع الظلم عن هذه
الفِئة؛ خصوصًا إذا كان الظلم واقعًا من ذوي القُربى.
وظلمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً على النفس من وقعِ الحُسام المُهنَّدِ
يجب التفطُّن لصغارِ من ابتُلُوا بمرضٍ نفسيّ، أو تورَّطوا بمُؤثِّر عقليّ؛
خصوصًا وأن الطفل المُعنَّف والمُعذَّب حين تصدُفُه قد لا تسمع منه
تعبيرًا يكشِف ما أصابه، وقد حفَرَت تلك الاعتداءاتُ في نفسه أخاديدها، وإن
الطفل المُعذَّب وإن عجِز لسانُ مقاله عن الشكوى فإن لسان حاله سينطِقُ
بالكثير، والصغير لا يَنسى، وجراحُ الطفولة لا تندمِل، وإن لم يتدارَكها
الوُساة فيُوشِك أن تنتهي إلى مقتل.
وإنها لظاهرةٌ حسنةٌ تلك المراكز والدُّور التي تُعنى بحماية الطفل، وتوعية
الآباء والأمهات، والقائمون عليها على خيرٍ عظيم، ينبغي دعمُهم والتواصُل
معهم والإشادة بهم.
عباد الله:
وثمَّة صفحةٌ أخرى من كتاب مآسي الطفل، عنوانها: الخلافات الزوجية؛ فعندما
يحضر الشيطان بين زوجين، ويتقصَّدُ كلٌّ منهما الإساءة إلى الآخر، وعيون
الأطفال تُشاهد وتترقَّب، ونفوسهم تتوجَّد وتنزِف، ويرَون إساءةً لفظيةً من
الأب لأمهم، أو إهانةً معنويةً من الأم لأبيهم، أو اعتداءً جسديًّا من
أحدهما على الآخر؛ فإن الطفولة - حينئذٍ - في هباء، وثمَّةَ ساعتها عُقدٌ
نفسية تنمو في خفاء، ويخبُو وهَجُ الحياة لدى الطفل، وينسحِبُ ذلك على عدمِ
مُبالاته بالتعليم فلا يعنيه، ويُعتِم المستقبل في ناظرَيْه؛ فلا حُلم
يُداعبُه ولا أمل يُلاغيه.
شاهَت الأيام في عينيه، وساءت معاني الأمومة والأُبُوَّة في ناظرَيْه،
والوالدان غيرُ مُبالِيَيْن، يتنافسان أيهما الأسوأ، وأيهما الذي ينتأُ
جُرح طفلهما فلا يبرأ.
يا أيها الأزواج المُتخاصِمون:
إن الله - عز وجل - حدَّد أوقاتًا لا يدخل فيها الأولاد على والديهم حتى لا
تقع أعيُنهم على ما لا يُدرِكون من المُباح؛ أفليس من باب أَوْلَى أن
نُشيحَ بأبصار الصغار ونصرِف علمهم عن العلاقة السلبية بين والديهم،
فيعيشوا في بيئةٍ نقية، ونفسيةٍ رضيَّة.
إن الخلاف له آداب، والخصومة لها حدود، ولا ضحية هنا للتجاوُز إلا المتجاوِز نفسه وأسرته ومستقبلهم جميعًا.
أما بعد الطلاق والانفصال فتثور مسألة نفقة الأطفال، وزيارتهم لأحد
الوالدين، وكم في هذه المسألة من صورٍ مِدادُها الأسى، وألوانها العناء؛ مع
أن الله تعالى يقول: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ
لَهُ بِوَلَدِهِ) [البقرة: 233].
وكم طفلٍ غُيِّب عن أمه ولا ذنب له إلا خلافٌ لم يكن طرفًا فيه، ولكنه
عُوقِب به، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من فرَّق بين والدةٍ
وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة»؛ أخرجه أحمد، وصحَّحه
الحاكم.
فبأيِّ ذنبٍ يُحرَم الطفل حنان أمه أو لقاء أبيه وهو بَضعةٌ منهما، ولا
غِنى له بأحدهما عن الآخر مهما فعل الأول، يجب أن يُمكَّن الطفل من رؤية
والدَيْه، ومن الاتصال بهما متى أراد دون مُحاسبةٍ أو مُضايقة، ولا يجوز
بحالٍ أن يكون الانفصالُ بين الوالدين داعيًا لأن يُربَّى الطفل على عقوق
أحدهما أو عدم الإحسان إلى الآخر.
يا من وقع الطلاق بينهم من الآباء والأمهات! لا تنسوا الفضل بينكم، واتقوا
الله في أولادكم، إن خلافاتكم حبلٌ ممدود طرفاه بأيديكم، وفي وسطه عقدةٌ
مُلتفَّةٌ على عنق الطفل، فكلما اشتدَّ أحدُ الأبَوَيْن في الجذب استحكَمَت
العُقدة على عنق الطفل، مع أن خلافات الأبوين في الغالب يكون المغلوب فيها
خيرًا من الغالب.
كم من أبٍ يتحايلُ في تقليل نفقة أولاده، أو الهروب منها، لا لشيء إلا
ليغيظ أمهم؛ فكيف يرجو برَّ أولاده بعد ذلك، ويتأمَّل دعاءهم وصدقتهم عنه
حين يكبرون؟!
أيها المسلمون:
ومن صور الإساءة المنتشرة: الصياحُ والصراخُ في وجه الطفل، وتهديده
وتخويفه، وكثرةُ مُعاتبته وتعنيفُه، وهذا مما يتساهلُ فيه الآباء والأمهات،
والمُربُّون والمُربِّيات، ويتصرَّفون بمشاعرهم الغاضبة دون إدراكٍ
للعواقب المُدمِّرة لنفسية الطفل.
والتعنيفُ والتخويفُ يُورِث شخصيةً مهزوزة، ونفسيةً مُضطربة، ألا فاتقوا
الله في وصيته: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) [النساء: 11]،
وليتق الله كلٌّ في رعيَّته؛ فكلٌّ مسؤولٌ ومُحاسَب.
اللهم بارِك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حق الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على رسوله ومُصطفاه، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله
وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها المسلمون:
خطأ الأطفال مغفور، وذنبهم معفوٌّ عنه، الله قد رفع عنهم قلم التكليف،
فارفعوا أنتم عنهم أساليب التعنيف، قِفُوا بين العنف والضعف في موقف الحزم،
واقدُرُوا لحداثة السن ومحبة اللهو قدرَها، وإذا كان الطفل لا يُضرَبُ على
الصلاة وهي عمود الدين إلا وهو في العاشرة من عمره وبعد أن يُؤمَر بها
مئات المرات؛ فكيف يُضربُ ابنُ سنتين وثلاث، وابنُ خمسٍ وسبع على شقاوةٍ
فطرية، أو لهوٍ بريء؟!
ولكم في هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوةٌ وأُسوة؛ عن أس - رضي الله
عنه - قال: "خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي
أُفّ، ولا لمَ صنعتَ، ولا ألا صنعتَ"؛ رواه البخاري. ولفظ أبي داود عن أنس
قال: "خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين بالمدينة وأنا غلامٌ
ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن أكون عليه، ما قال لي فيها أُفٍّ قط، وما
قال لي: لمَ فعلتَ هذا، أو ألا فعلتَ هذا".
قال الحافظ ابن حجر: "ويسُتفادُ من هذا: تركُ العِتاب على ما فات؛ لأن هناك
مندوحةً عنه باستئناف الأمر به إذا احتيجَ إليه، وفائدة تنزيه اللسان عن
الزجر والذم، واستئلاف خاطر الخادم بترك مُعاتبته، وكل ذلك في الأمور التي
تتعلَّق بحظِّ الإنسان، أما في الأمور اللازمة شرعًا فلا يُتسامَح فيها؛
لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
عباد الله:
إنه لا خلاف في مبدأ تصحيح خطأ الطفل إذا أخطأ، ولكن يجب أن يكون التصحيح
بأسلوبٍ يبني ولا يهدِم، ويؤدِّبُ ولا يُثرِّب، ولنا في رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أُسوة؛ عن عمر بن أبي سلمة قال: "كنتُ غلامًا في حَجر
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت يدي تطيشُ في الصحفة، فقال لي
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا غلام! سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل
مما يليك»، قال: فما زالت تلك طِعمتي بعد"؛ متفق عليه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أخذ
تمرةً من تمر الصدقة فجعلها في فِيْه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
«كِخْ كِخْ؛ أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة؟!»؛ رواه البخاري ومسلم.
وقوله: «كِخْ» بفتح الكاف أو كسرها.
وروى الطبراني عن زينب بنت أبي سلمة أنها دخلَت على رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - وهو يغتسِل، قالت: "فأخذ حفنةً من ماء فضربَ بها في وجهي وقال:
«وراءَكِ أيْ لُكاع»".
فانظر كيف علَّمَ عمرَ بن أبي سلمة آداب الطعام، وعلَّم الحسنَ الورع،
وعلَّم زينب الأدب في الاستئذان وعدم الاطِّلاع على العورات، وتأمَّل كيف
كان التعليمُ بأسلوبٍ يفهمُه الصغار، بكلمةٍ واحدة، أو جُملٍ صغيرةٍ مختصرة
واضحةٍ يسهُلُ حِفظُها وفهمُها، بلا إهانةٍ ولا تجريح، ولا لومٍ ولا
توبيخ، ولا تقطيبٍ ولا تثريب؛ فضلاً عن ضرب الصغير أو الدعاء عليه، وهذا
أمرٌ خطير؛ فقد توافقُ الدعوةُ ساعة إجابة فيندمُ الداعي حين لا ينفع
الندم.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على
أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء
فيستجيبُ لكم»؛ أخرجه مسلم.
وهذا أدبُه - صلى الله عليه وسلم - حتى مع الكبار؛ قال معاوية بن الحكم -
رضي الله عنه - وكان قد تكلَّم في الصلاة -: "فبأبي هو وأمِّي؛ ما رأيتُ
مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كهرَني ولا ضربني
ولا شتَمَني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلُح فيها شيءٌ من كلام الناس؛ إنما
هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»"؛ أخرجه مسلم.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرجتُ مع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - في طائفةٍ من النهار لا يُكلِّمني ولا أُكلِّمه، حتى جاء سوق بني
قينُقاع، ثم انصرف حتى أتى خِباء فاطمة، فقال: «أثَمَّ لُكَع؟ أثَمَّ
لُكَع؟» - يعني: حسنًا -، فظننا أنه إنما تحبِسُه أمُّه لأن تُغسِّله
وتُلبِسَه سِخابًا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كلُّ واحدٍ منهما
صاحبه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أُحبُّه،
فأحِبَّه وأحبِبْ من يُحبُّه»؛ مخرَّج في "الصحيحين"، وهذا لفظ مسلم. ولفظ
البخاري: فجاء يشتد حتى عانَقَه وقبَّله.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ كان لا يُقبِّل أولاده: «أوَأملِكُ لك أن نزع الله من قلبك الرحمة»؛ رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "ما رأيتُ أحدًا كا أرحم بالعيال من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، قال: "كان إبراهيم مُسترضَعًا له في
عوالي المدينة، فكان ينطلقُ ونحن معه فيدخل البيت فيأخذه فيُقبِّله، ثم
يرجع"؛ رواه مسلم.
وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - ليدلَعُ لسانَه للحسن بن عليٍّ، فيرى الصبيُّ حُمرة
لسانه فيبهَشُ إليه"؛ أي: يُسراع إليه.
وعن محمود بن الربيع قال: "عقلتُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مجَّةً
مجَّها في وجهي وأنا ابنُ خمس سنين من دلوٍ في دارِنا"؛ متفق عليه.
هذا هو الهدي فاستنُّوا به،وهذا هو الرسول فاقتدوا به.
ثم صلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية، اللهم صلِّ وسلِّم
وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ
الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين
المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك
أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ
الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا
وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق
إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له
البِطانة الصالحة.
اللهم إنا نحمدك ونشكرك ونُثني عليك لما أنعمتَ به من شفاء خادمِ الحرمين
الشريفين وسلامته وإسعادنا برؤيته، اللهم قد أحببناه لك، وأطعناه فيك،
فاجمعنا به في أحسن حال، وسلِّمه لوطنه وأحبابه سليمًا مُعافى، وأتِمَّ
عليه الصحة والشفاء، وادفع وارفع عنه كل بلاء، وأطِل عمره في طاعتك.
اللهم أسبِغ عليه لباس الصحة والعافية، وامنُن عليه بالسلامة والشفاء العاجل.
اللهم وفِّقه ونائبَيْه لما فيه صلاح العباد والبلاد، واسلُك بهم سبيل الرشاد.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم
اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِنهم في ديارهم، وأرغِد
عيشهم، وأصلِح أحوالهم، واكبِت عدوهم، اللهم وانصر المُستضعَفين من
المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكانٍ يا
رب العالمين، واجمعهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك
آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرَّة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيث
ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا
غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا مُجلِّلاً عامًّا نافعًا غير ضار تُحيي به
البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد.
اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين