التمهيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
لا زال موضوع التحول إلى الإسلام من أهم المواضيع
التي تهم القارئ مهما كان انتماؤه العقائدي ، فالمسلم يسر بإسلام غيره ويجد في عرضه
لتجاربه سبيلاً إلى تجديد إيمانه هو عبر تذكر نِعم الله تعالى عليه ، فالله عز وجل
يقول : " فذكر إن نفعت الذكرى ".
أما الكافر أو العاصي فإنه يجد في هذا النوع من
المواضيع إجابة عن الأسئلة التي تؤرقه والتي يرجو أن يجد فيما يقرأ سبيلاً إلى
الوصول إلى الحق كما وصل من قبله.
والحديث عن قصص دخول الكفار إلى الإسلام حديث
قديم قِدم الإسلام، وقد ذكرت كتب التراجم عدداً كبيراً من هذه القصص ، ولا زال قسم
كبير منها إلى الآن يحكى في مجالس وحلقات العلم .
وبالعودة إلى إسلام بعض من
هؤلاء نجد اختلافاً كبيراً في كيفية إسلامهم، ففيما أسلم كل من زوجة الرسول صلى
الله عليه وسلم خديجة أم المؤمنين وزيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وأبو بكر رضي
الله عنهما منذ أول يوم من أيام الدعوة، كان إسلام عمر بن الخطاب تدريجياً ، وتروي
كتب التراجم والسير قصة إسلام عمر بن الخطاب على الشكل التالي: التجأ
عمر ليلة إلى المبيت خارج. بيته، فجاء إلى الحرم ، ودخل في ستر الكعبة ، والنبي صلى
الله عليه وسلم قائم يصلي وقد استفتح سورة الحاقة فجعل عمر يستمع إلى القرآن ويعجب
من تأليفه ، قال: قلت، أي في نفسي،: هذا والله شاعر كما قالت قريش ، قال فقرأ
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا
تُؤْمِنُونَ (41)) (الحاقة 40-41) قال : قلت : كاهن . قال : (وَلَا بِقَوْلِ
كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) )
( الحاقة 42-43) قال : فوقع الإسلام في قلبي .
كان هذا أول ما وقع نواة الإسلام
في قلبه ، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، والعصبية التقليدية ، والتعاظم بدين
الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه ، فبقي مجداً في عمله في
صد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة .
وكان من حدة طبعه
وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد القضاء
على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي فأخبره أن
أخته وصهره قد أسلما وتابعا محمداً على دينه ، فرجع عمر إلى أخته وصهره وكان عندهما
خبَّاب بن الأرت ومعه صحيفة فيها " طه " يقرئهما إياها ، فلما سمع خبَّاب حس عمر
توارى في البيت ، وسترت فاطمة أخت عمر الصحيفة ، وعندما سألها عمر عن القراءة التي
سمعها وأخبرته عن إسلامها وزوجها ضربها فشجها ، فلما رأى عمر الدم ندم على ما كان
صنعه ، وطلب من أخته أن تريه الصحيفة فأبت ذلك حتى يغتسل ويتطهر ، ثم أعطته الصحيفة
وفيها "طه " فقرأها وقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .
وذهب
عمر بن الخطاب إلى مكان اجتماع محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وأعلن إسلامه أمام
الرسول وصحبه فكبَّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد ، هذا وقد أثار إسلام عمر
ضجة بين المشركين بالذلة والهوان ، وكسا المسلمين عزة وشرفاً .
وإذا كان إسلام
عمر بن الخطاب قد أرعب كفار قريش في القرن الأول ، فإن إسلام العديد من المفكرين
ورجال العلم والسياسة لا زال إلى الآن يثير سخط الكفار خاصة مع ما يتمتع به هؤلاء
من المكانة والعلم والمركز .
من هنا تأتي أهمية الحديث عن سبب تحول كثير من
الناس إلى الإسلام ، على الرغم ما يجدونه في حياتهم المعاصرة من رفاه مادي واجتماعي
ومن حرية فكرية واجتماعية وعلمية ، مما ينفي مقولة كون الفقر والحاجة هما السبب في
التحول إلى الإسلام، كما ينفي مقولة الجهل والتخلف التي يحاول أعداء الإسلام
إلصاقها بالإسلام والمسلمين .
المقدمة
إن من الأسئلة التي يمكن أن تخطر على البال عندما نجد
شخصاً قد أسلم الأسئلة التالية : لماذا أسلمت ؟ أو ما هو السبب في إسلامك ؟ أو كيف
أسلمت ؟ وغير ذلك من الأسئلة التي قد يقف فيها الشخص الذي سئل حيراناً لا يجد ما
يجيب به ولو بكلمة أو كلمتين ، لأن السبب وراء إسلام كثير من الأشخاص لم يكن سبباً
آحادياُ أو مباشراً بل هو كما عبَّر أحدهم وهو السياسي والمؤلف النمساوي " محمد أسد
" عن تجربته بقوله : " لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع
قلبي ، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب ،
والتي ترسم برنامجاً عملياً للحياة من الجانب الآخر .
لم أكن لأستطيع عندئذ ،
وحتى هذه اللحظة ، أن أحدد أي ناحية في الإسلام كان لها في نفسي وقع وأثر أكثر من
غيرها ، فالإسلام يبدو لي وكأنه بناء محكم في هندسته وتصميمه ، كل أجزائه متناسبة
ليكمل بعضها بعضاً ويشد بعضها بعضاً لا زيادة في ولانقصان ،ويؤدي بذلك إلى نتيجة
واحدة هي التوازن الكامل والاستقرار الشامل ".
من هنا لا يصح في كثير من الأحيان
أن نعتبر لحظة إعلان أحد ما إسلامه أنه أسلم الآن ، فكثير منهم يكون قد أسلم منذ
فترة طويلة ولكنه لم يدرك أنه أسلم إلا بعد أن يخبره أحد ما بذلك ، مثال على ذلك ما
حصل مع الدكتور "مراد هوفمان " السياسي الألماني المعروف الذي كان لسنوات طويلة
منجذباً إلى الإسلام كالمغناطيس، ولكنه لم يدرك ذلك إلا بعد أن تحدث إلى أحد
أصدقائه الذي صدمه بخبر إسلامه ، يذكر الدكتور "مراد هوفمان" هذه الحادثة فيقول : "
لقد بدأ ما حدث بعد ذلك من تحول ينكشف لي ، عندما أمعنت التفكير في محاضرة شائقة
ألقاها زميلي المسلم "محمد أحمد هوبوم " ، وفي حديثي مع " محمد أحمد رسول " المدير
المصري الألماني لدار نشر " المكتبة الإسلامية " بكولون ، وأنا أعرض عليه مخطوطاً
من اثنتي عشرة صفحة ، جمعتها لولدي على مر السنين ، لكي أحدد له بشكل جازم ما أراه
فلسفياً حقاً ، لقد أذهلني رد فعل " رسول " ، وهو يقول لي : "إن كنت مقتنعاً بما
استخلصته فأنت مسلم " !! ولم يكن بوسعي آنذاك أن أدرك هذا ، ومع ذلك فقد أقنعني
برغبته في نشر هذا النص في دار نشره ، تحت عنوان " درب فلسفي إلى الإسلام ".
لم
يمر سوى أيام معدودات قبل أن أشهر إسلامي بنطق الشهادتين يوم 25/9/1980" .
وهذا
ما حدث أيضاً مع الراهبة البريطانية " جاكرو " التي صارت " حليمة " ، حيث بدأت قصة
إسلامها بعد أن تعرفت على زميلتين مسلمتين في المغرب تعملان معها في التمريض ،
وقالت إحداهما لها يوماً : " أنت مسلمة وإن كنت لم تنطقي بالشهادة ".
من هنا فإن
التحول إلى الإسلام يختلف من شخص إلى آخر ، فمنهم من يسلم بعد فترة طويلة من البحث
والتقصي والعلم ، ومنهم من يسلم بعد اطلاعه على العقيدة الإسلامية ومقارنتها بغيرها
من العقائد ، ومنهم من يسلم إثر احتكاكه المباشر بالمسلمين ، وإعجابه بسلوكهم
وأخلاقهم المستمدة من المبادئ الإسلامية ، ومنهم من يؤمن إثر رؤيا يراها في المنام
تترك أثراً في نفسه وتدفعه إلى التعرف على عقيدة الإسلام ومبادئه .