العقيدة صلة إلهية ومنهج إنساني
للقرآن الكريم أسلوب واحد في التعريف بالله، والكشف عما ينبغي من نعوت الكمال. هذا الأسلوب يقوم على إيقاظ البصائر والأبصار، إلى ما في الكون الكبير من شواهد وآثار ... أجل، إنه يقوم على انتزاع الأدلة الحية من صفحات هذا العالم الذي نحيا بين أرضه وسمائه، بل على انتزاع هذه الأدلة من كيان الإنسان نفسه منذ يولد إلى أن يموت! ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ الطارق 5 – 8. ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ عبس 24 – 32. ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ الروم 8. ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ ق 5 – 8. وعلى هذا النسق المشرق، وفى هذه الطريق، يؤسس الإسلام عقائده في القلوب، ويقيم ركائزه بين الحنايا. وما خلصت الدنيا واستكشفت أطيب الثمرات العقلية إلا عندما مشت في منهج العلم الكوني البحت، أي في المنهج الذى اختطه الإيمان، وأرشد إلى منارته القرآن. منهج التأمل الطويل في صفحات الطبيعة، والقبول العابر لما وراء الطبيعة، مادام الخبر به مرويا عن صدوق !! وخير درس في تعريف الله إلى الناس، أن ننتقل بهم إلى `مشاهد الكون، فنذهب بالطلاب إلى حديقة نضرة، أو حقل مهتز، ثم نلفت أنظارهم إلى ما انشقت عنه الأرض من أغراس وأعواد. من الذى وضع السكر السائل في هذا القصب، وهو مروي بماء كدر، وخارج وسط تربة منتنة؟ من الذى وزع الألوان، وأنواع العطور، على هذه الورود المختلفة، والأزهار الباسمة؟ من الذى رص الحب في سنابل القمح والأرز، وغلف كل حبة في قشرة خاصة بها، بعد ما أودع فيها غذاء تلتقي فيه مواد كثيرة موزونة المقادير والنسب؟ من..؟ من؟... إنه الله!! وإلا فمن؟؟ والعقائد التي أسسها الإسلام تتسم بالبساطة والوضوح والقوة، وهى تتخذ طريقها إلى العقل والقلب ذلولا قويما. بل إن الطبيعة البشرية تقبل تعاليم الإسلام- في مجال العقيدة وغيره- كما تقبل العلبة غطائها المحكم الذى يركب عليها، بعد أن هيأت له سعة وانطباقا. وذلك يرجع إلى أن الإسلام دين الفطرة، وأن ما شرحه من شعب الإيمان ومتعلقاته، يتعانق مع أفاق العقل وأشواق القلب، في هدوء وراحة. ولن نجد أفضل من آيات القرآن الكريم بيانا لهذه العقائد. ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ البقرة 255. ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ التغابن 13. ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ الزمر 63. ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾ النساء 87. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ غافر 64. ﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الشورى 9. ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ الزمر 23. وفى هذا القرآن الكريم- الذى هو أحسن الحديث- تفصيل وإحصاء للعقائد التي يجب أن يمتلئ بها فؤاد المؤمن! وأن تتخلل شعابه كلها، لتكون محور الصلة بينه وبين الله. ولتكون كذلك الأساس الذى يبنى عليه حياته ويتعامل به مع سائر الناس.. وللعقيدة ناحية إلهية، وناحية إنسانية. فأما الناحية الإلهية فقوامها حق الله تبارك وتعالى في أن يُعرف على وجه صحيح. فما دام واحدا، فلماذا نفتري له شريكا؟ وإذا كان قد أحاط بكل شيء علما، فكيف نظن بعض أحوالنا يخفى عليه؟ وما دام المصير إليه حتما، فلماذا نجحد لقاءه، أو نستهين بهذا اللقاء؟ وإذا- كان يؤوي المستجير به، فلماذا نهجر كنفه الرحب إلى غير كنف وإلا فأين تذهبون..؟ وأما الناحية الإنسانية للعقيدة، فقوامها رفع مستوى الإنسان، حتى يؤدى وظيفته في الوجود، على نحو يتفق مع شرف نسبه، وأصل خلقته. فإن الإنسان رشح في هذا العالم لمنزلة ضخمة، ودرجة سامقة.. فليعرف الإنسان إذن ربه، ليعرف أصل خلقته٬ !!وعظم وظيفته، ومعنى استخلافه في الأرض، وجلال الرسالة التي نيطت به. والواقع أن ملكات الإنسان تبلغ تمامها- كما تبلغ الثمار نضجها- في أشعة مُدفئة من معرفة الله، ولحظ الكمالات التي تدل عليها أسماؤه الحسنى!! ولذلك نرى كثيرا من الآيات التي تهذب السلوك الإنساني تختم بأسماء متخيرة من أسماء الله جل شأنه، تكون ذات صلة بموضوع النصح والتأديب مثل: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ النساء 148 – 149. ومثل: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ النساء 110 – 111. والحق أن إشراق العقيدة يجب ألا يغيب عن عمل ما، وأن عروة الإيمان يجب أن تشتبك بكل تصرف، وأن مراقبة العزيز الحكيم يجب أن تضبط بكل عاطفة. ولما كان القرآن كتاب تربية، فهو يكرر عن عمد هذه الأسماء ليغرس أثرها في شغاف القلوب! والناحية الإنسانية في العقائد جليلة الخطر، ليس يدرك مكانها إلا حكيم مَعنِي بالأهداف العليا للتربية الدينية. إن المسلم لم يتخل مطلقا عن عقيدته، فلقد ظل مؤمنا متدينا، ولكن عقيدته تجردت من فاعليتها، لأنها فقدت إشعاعها الاجتماعي فأصبحت فردية، وصار الإيمان إيمان فرد متحلل من صلاته بوسطه الاجتماعي. وعليه فليست المشكلة أن نعلم المسلم " عقيدة" هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الايجابية وتأثيرها الاجتماعي. وفى كلمة واحدة. إن مشكلتنا ليست في أن " نبرهن" للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا للطاقة. والعقيدة ... طبيعة لا علم، وشعور لا فلسفة ، وخلق لا رأي ، والعقيدة أقوى رباط يربط بين المسلم وغايته وبينه وبين من آمنوا معه.
للقرآن الكريم أسلوب واحد في التعريف بالله، والكشف عما ينبغي من نعوت الكمال. هذا الأسلوب يقوم على إيقاظ البصائر والأبصار، إلى ما في الكون الكبير من شواهد وآثار ... أجل، إنه يقوم على انتزاع الأدلة الحية من صفحات هذا العالم الذي نحيا بين أرضه وسمائه، بل على انتزاع هذه الأدلة من كيان الإنسان نفسه منذ يولد إلى أن يموت! ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ الطارق 5 – 8. ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ عبس 24 – 32. ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ الروم 8. ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ ق 5 – 8. وعلى هذا النسق المشرق، وفى هذه الطريق، يؤسس الإسلام عقائده في القلوب، ويقيم ركائزه بين الحنايا. وما خلصت الدنيا واستكشفت أطيب الثمرات العقلية إلا عندما مشت في منهج العلم الكوني البحت، أي في المنهج الذى اختطه الإيمان، وأرشد إلى منارته القرآن. منهج التأمل الطويل في صفحات الطبيعة، والقبول العابر لما وراء الطبيعة، مادام الخبر به مرويا عن صدوق !! وخير درس في تعريف الله إلى الناس، أن ننتقل بهم إلى `مشاهد الكون، فنذهب بالطلاب إلى حديقة نضرة، أو حقل مهتز، ثم نلفت أنظارهم إلى ما انشقت عنه الأرض من أغراس وأعواد. من الذى وضع السكر السائل في هذا القصب، وهو مروي بماء كدر، وخارج وسط تربة منتنة؟ من الذى وزع الألوان، وأنواع العطور، على هذه الورود المختلفة، والأزهار الباسمة؟ من الذى رص الحب في سنابل القمح والأرز، وغلف كل حبة في قشرة خاصة بها، بعد ما أودع فيها غذاء تلتقي فيه مواد كثيرة موزونة المقادير والنسب؟ من..؟ من؟... إنه الله!! وإلا فمن؟؟ والعقائد التي أسسها الإسلام تتسم بالبساطة والوضوح والقوة، وهى تتخذ طريقها إلى العقل والقلب ذلولا قويما. بل إن الطبيعة البشرية تقبل تعاليم الإسلام- في مجال العقيدة وغيره- كما تقبل العلبة غطائها المحكم الذى يركب عليها، بعد أن هيأت له سعة وانطباقا. وذلك يرجع إلى أن الإسلام دين الفطرة، وأن ما شرحه من شعب الإيمان ومتعلقاته، يتعانق مع أفاق العقل وأشواق القلب، في هدوء وراحة. ولن نجد أفضل من آيات القرآن الكريم بيانا لهذه العقائد. ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ البقرة 255. ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ التغابن 13. ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ الزمر 63. ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾ النساء 87. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ غافر 64. ﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الشورى 9. ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ الزمر 23. وفى هذا القرآن الكريم- الذى هو أحسن الحديث- تفصيل وإحصاء للعقائد التي يجب أن يمتلئ بها فؤاد المؤمن! وأن تتخلل شعابه كلها، لتكون محور الصلة بينه وبين الله. ولتكون كذلك الأساس الذى يبنى عليه حياته ويتعامل به مع سائر الناس.. وللعقيدة ناحية إلهية، وناحية إنسانية. فأما الناحية الإلهية فقوامها حق الله تبارك وتعالى في أن يُعرف على وجه صحيح. فما دام واحدا، فلماذا نفتري له شريكا؟ وإذا كان قد أحاط بكل شيء علما، فكيف نظن بعض أحوالنا يخفى عليه؟ وما دام المصير إليه حتما، فلماذا نجحد لقاءه، أو نستهين بهذا اللقاء؟ وإذا- كان يؤوي المستجير به، فلماذا نهجر كنفه الرحب إلى غير كنف وإلا فأين تذهبون..؟ وأما الناحية الإنسانية للعقيدة، فقوامها رفع مستوى الإنسان، حتى يؤدى وظيفته في الوجود، على نحو يتفق مع شرف نسبه، وأصل خلقته. فإن الإنسان رشح في هذا العالم لمنزلة ضخمة، ودرجة سامقة.. فليعرف الإنسان إذن ربه، ليعرف أصل خلقته٬ !!وعظم وظيفته، ومعنى استخلافه في الأرض، وجلال الرسالة التي نيطت به. والواقع أن ملكات الإنسان تبلغ تمامها- كما تبلغ الثمار نضجها- في أشعة مُدفئة من معرفة الله، ولحظ الكمالات التي تدل عليها أسماؤه الحسنى!! ولذلك نرى كثيرا من الآيات التي تهذب السلوك الإنساني تختم بأسماء متخيرة من أسماء الله جل شأنه، تكون ذات صلة بموضوع النصح والتأديب مثل: ﴿لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ النساء 148 – 149. ومثل: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ النساء 110 – 111. والحق أن إشراق العقيدة يجب ألا يغيب عن عمل ما، وأن عروة الإيمان يجب أن تشتبك بكل تصرف، وأن مراقبة العزيز الحكيم يجب أن تضبط بكل عاطفة. ولما كان القرآن كتاب تربية، فهو يكرر عن عمد هذه الأسماء ليغرس أثرها في شغاف القلوب! والناحية الإنسانية في العقائد جليلة الخطر، ليس يدرك مكانها إلا حكيم مَعنِي بالأهداف العليا للتربية الدينية. إن المسلم لم يتخل مطلقا عن عقيدته، فلقد ظل مؤمنا متدينا، ولكن عقيدته تجردت من فاعليتها، لأنها فقدت إشعاعها الاجتماعي فأصبحت فردية، وصار الإيمان إيمان فرد متحلل من صلاته بوسطه الاجتماعي. وعليه فليست المشكلة أن نعلم المسلم " عقيدة" هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الايجابية وتأثيرها الاجتماعي. وفى كلمة واحدة. إن مشكلتنا ليست في أن " نبرهن" للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا للطاقة. والعقيدة ... طبيعة لا علم، وشعور لا فلسفة ، وخلق لا رأي ، والعقيدة أقوى رباط يربط بين المسلم وغايته وبينه وبين من آمنوا معه.
والحمد لله رب العالمين