قل إنما أنذركم بالوحي
عباد الله: يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء 88. فلو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، وتظاهروا وتعاونوا وكان بعضهم لبعض عوناً ونصيراً على الإتيان بمثل هذا القرآن فلن يستطيعوا. إنه القرآن المعجز حبل الله المتين، من اهتدى بهديه فاز فوزاً عظيماً في الدارين، ومن طلب الهدى في غيره خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فهو المعجزة الباقية، والعصمة الواقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، هو شفاء لما في الصدور، وحَكَم عدلٌ عند اشتباه الأمور، كلام جزل فصلٌ ليس بالهزل، نور لا يخبو ضياؤه، ولا يُخمد سناؤه، وبحر لا يدرك غوره، كل كلمة منه لها عجب، ولها في وقعها طرب، عجيب في إشاراته، بديع في انتقالاته، فيه قصص باهرة، وحكم زاهرة، ومواعظ زاجرة، وأدلة ظاهرة، إذا دعا جذب، وإذا زجر أرعب، وإذا رغَّب شوق، وإذا وعظ أقلق، وإذا أخبر صدق، إذا وعد أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وأنزله بأبدع معنى وأعذب أسلوب، ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾ٍ المائدة 16. إنه القرآن أبهر الناس بإعجازه، وفصاحته، وبراعة إيجازه، فدانت له القلوب، وتأثرت به النفوس، وخضعت له المشاعر، وانقادت لسماعه الأسماع، فهذا عمر بن الخطاب - وأرضاه- كان في الجاهلية خصماً عنيداً وعدواً لدوداً للإسلام، وللنبي -صلى الله عليه وسلم-، فما الذي غيّره؟ ومن الذي حوله ؟ إنه القرآن عند ما قرأ: ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ طه 1- 8، فتأثر عمر، ورق قلبه، ولان صدره، حتى عرف الصحابة تأثير القرآن في وجهه فطمعوا في إسلامه، فاسلم متأثراً بالقرآن، وببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له. وهذا النجاشي ملك الحبشة، رجل أعجمي ليس بعربي، سمع جعفر الطيار حينما قرأ عليه: ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ مريم 1- 6، فلما سمع النجاشي هذه الآيات العظيمات بكى حتى أخضلت لحيته بدموعه، ثم قال إن هذا -أي القرآن- والذي أنزل على عيسى -يقصد الإنجيل- يخرج من مشكاة واحدة. ومن تدبر هذه الآية: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ﴾ الأنبياء 45، والآية الأخرى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ الفرقان 52، يرى أن صاحب الرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يفتح العقول بسكين إنما يفتحها بكلمات الله المنيرة التي تنزلت عليه، وأنه منهي عن طاعة الكافرين مأمور أن يجاهد بهذا القرآن من تنكروا له واعترضوا سيره... وَإِنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في خَلقِهِ أَن يُنذِرَهُم بِالآيَاتِ وَيَبتَلِيَهُم بِالمَصَائِبِ، فَإِنْ هُمُ انتَبَهُوا وأنابوا، تَجَاوَزَ عَنهُم وَعَفَا، وَإِنْ هُم عاندوا وَأَصَرُّوا، فَعَلَ بهم مَا فَعَلَ بمن قَبلَهُم مِنَ العُصَاةِ المُعَانِدِينَ، حيث يملي لهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر... تأملوا جيداً هذا السياق القرآني الرهيب، ﴿وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ * فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بما أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوَا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ﴾ الأنعام 42 – 45. ومن يرى حَالُ الأُمَّةِ اليَومَ يرى حَالاً لا تَسُرُّ، جرأةٌ عجيبةٌ على المعاصي، واستخفاف بالمنكرات، يُخَوِّفُهُم رَبُّهُم وَيَستَعتِبُهُم، فَلا يزدادُ بَعضُهُم إِلاَّ استخفافاً وَعِنَادًا، وفي الحديث: ((كلُّ أًمتى مُعافى إلا المجاهرين))، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ، ونَعُوذُ بِاللهِ ممَّن لم يَقدُرِ اللهَ حَقَّ قَدرِهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ الجاثية 8. معاشر المؤمنين الكرام: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وتوبوا إليه فإنّه يحبّ التوّابين، واستغفروه بيقين فهو خير الغافرين .. اعلَمُوا علم يقين، أَنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِآيَاتِ اللهِ إِلاَّ المؤمنين المتبعين: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدَىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ فصلت 44، فالمؤمن المتبع، ذو القَلب الوَاع، وَالفِكرِ الحَاضِر، هو من ينتفع بكلام الله وآياته، قال تعالى: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ق 37، فعالِجوا يا عباد الله قسوة القلوب بالتوبة، وداوِوا داءَ الغفلة بالإنابَة .. من تفكَّر في العواقب أخَذ بالحذر، ومن أيقن طولَ الطريق تأهَّب للسفر، ومن سَلك سبيل أهلِ السلامة سلِم، ومن لم يَقبل نُصحَ الناصحين ندِم .. الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت .. والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .. نالَ السعادةَ من باتَ مُعافًى في بدنِه، آمِنًا في سِربه، عنده قُوتُ يومِه، قد جُعِل غناه في قلبه، فهو شاكرٌ لربِّه، راضٍ بكسبِه، مستغفرٌ لذنبه .. ومن حَمِدَ الدنيا ذمّ الآخرة .. ولا يكره لقاءَ الله إلا من أقام على سخطه .. وما أحببتَ أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم .. وما كرِهتَ أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم .. والميزانُ عند الله الأتقَى، وليس الأغنَى ولا الأقوى .. جاء في الأثر: ارض بما قسم الله تكن أغنى الناس، واجتنب محارم الله تكن أورع الناس، وأدّ ما فرض الله تكن أعبد الناس .. وأعلم أنك لن تنال ما تحب إلا بترك ما تشتهي، ولن تدرك ما تؤمل إلا بالصبر على ما تكره، ولن تنال ما عند الله إلا بطاعته .. ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
والحمد لله رب العالمينعباد الله: يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ الإسراء 88. فلو اجتمع الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، وتظاهروا وتعاونوا وكان بعضهم لبعض عوناً ونصيراً على الإتيان بمثل هذا القرآن فلن يستطيعوا. إنه القرآن المعجز حبل الله المتين، من اهتدى بهديه فاز فوزاً عظيماً في الدارين، ومن طلب الهدى في غيره خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، فهو المعجزة الباقية، والعصمة الواقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، هو شفاء لما في الصدور، وحَكَم عدلٌ عند اشتباه الأمور، كلام جزل فصلٌ ليس بالهزل، نور لا يخبو ضياؤه، ولا يُخمد سناؤه، وبحر لا يدرك غوره، كل كلمة منه لها عجب، ولها في وقعها طرب، عجيب في إشاراته، بديع في انتقالاته، فيه قصص باهرة، وحكم زاهرة، ومواعظ زاجرة، وأدلة ظاهرة، إذا دعا جذب، وإذا زجر أرعب، وإذا رغَّب شوق، وإذا وعظ أقلق، وإذا أخبر صدق، إذا وعد أبهج، وإن كان وعيداً أزعج، فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وأنزله بأبدع معنى وأعذب أسلوب، ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾ٍ المائدة 16. إنه القرآن أبهر الناس بإعجازه، وفصاحته، وبراعة إيجازه، فدانت له القلوب، وتأثرت به النفوس، وخضعت له المشاعر، وانقادت لسماعه الأسماع، فهذا عمر بن الخطاب - وأرضاه- كان في الجاهلية خصماً عنيداً وعدواً لدوداً للإسلام، وللنبي -صلى الله عليه وسلم-، فما الذي غيّره؟ ومن الذي حوله ؟ إنه القرآن عند ما قرأ: ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ طه 1- 8، فتأثر عمر، ورق قلبه، ولان صدره، حتى عرف الصحابة تأثير القرآن في وجهه فطمعوا في إسلامه، فاسلم متأثراً بالقرآن، وببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- له. وهذا النجاشي ملك الحبشة، رجل أعجمي ليس بعربي، سمع جعفر الطيار حينما قرأ عليه: ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ مريم 1- 6، فلما سمع النجاشي هذه الآيات العظيمات بكى حتى أخضلت لحيته بدموعه، ثم قال إن هذا -أي القرآن- والذي أنزل على عيسى -يقصد الإنجيل- يخرج من مشكاة واحدة. ومن تدبر هذه الآية: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ﴾ الأنبياء 45، والآية الأخرى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ الفرقان 52، يرى أن صاحب الرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يفتح العقول بسكين إنما يفتحها بكلمات الله المنيرة التي تنزلت عليه، وأنه منهي عن طاعة الكافرين مأمور أن يجاهد بهذا القرآن من تنكروا له واعترضوا سيره... وَإِنَّ مِن سُنَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في خَلقِهِ أَن يُنذِرَهُم بِالآيَاتِ وَيَبتَلِيَهُم بِالمَصَائِبِ، فَإِنْ هُمُ انتَبَهُوا وأنابوا، تَجَاوَزَ عَنهُم وَعَفَا، وَإِنْ هُم عاندوا وَأَصَرُّوا، فَعَلَ بهم مَا فَعَلَ بمن قَبلَهُم مِنَ العُصَاةِ المُعَانِدِينَ، حيث يملي لهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر... تأملوا جيداً هذا السياق القرآني الرهيب، ﴿وَلَقَد أَرسَلنَا إِلى أُمَمٍ مِن قَبلِكَ فَأَخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ * فَلَولا إِذْ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بما أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَومِ الَّذِينَ ظَلَمُوَا وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ﴾ الأنعام 42 – 45. ومن يرى حَالُ الأُمَّةِ اليَومَ يرى حَالاً لا تَسُرُّ، جرأةٌ عجيبةٌ على المعاصي، واستخفاف بالمنكرات، يُخَوِّفُهُم رَبُّهُم وَيَستَعتِبُهُم، فَلا يزدادُ بَعضُهُم إِلاَّ استخفافاً وَعِنَادًا، وفي الحديث: ((كلُّ أًمتى مُعافى إلا المجاهرين))، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤمِنُ بِيَومِ الحِسَابِ، ونَعُوذُ بِاللهِ ممَّن لم يَقدُرِ اللهَ حَقَّ قَدرِهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِمَّن ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ الجاثية 8. معاشر المؤمنين الكرام: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، وتوبوا إليه فإنّه يحبّ التوّابين، واستغفروه بيقين فهو خير الغافرين .. اعلَمُوا علم يقين، أَنَّهُ لا يَنتَفِعُ بِآيَاتِ اللهِ إِلاَّ المؤمنين المتبعين: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدَىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ فصلت 44، فالمؤمن المتبع، ذو القَلب الوَاع، وَالفِكرِ الحَاضِر، هو من ينتفع بكلام الله وآياته، قال تعالى: ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ق 37، فعالِجوا يا عباد الله قسوة القلوب بالتوبة، وداوِوا داءَ الغفلة بالإنابَة .. من تفكَّر في العواقب أخَذ بالحذر، ومن أيقن طولَ الطريق تأهَّب للسفر، ومن سَلك سبيل أهلِ السلامة سلِم، ومن لم يَقبل نُصحَ الناصحين ندِم .. الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت .. والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .. نالَ السعادةَ من باتَ مُعافًى في بدنِه، آمِنًا في سِربه، عنده قُوتُ يومِه، قد جُعِل غناه في قلبه، فهو شاكرٌ لربِّه، راضٍ بكسبِه، مستغفرٌ لذنبه .. ومن حَمِدَ الدنيا ذمّ الآخرة .. ولا يكره لقاءَ الله إلا من أقام على سخطه .. وما أحببتَ أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم .. وما كرِهتَ أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم .. والميزانُ عند الله الأتقَى، وليس الأغنَى ولا الأقوى .. جاء في الأثر: ارض بما قسم الله تكن أغنى الناس، واجتنب محارم الله تكن أورع الناس، وأدّ ما فرض الله تكن أعبد الناس .. وأعلم أنك لن تنال ما تحب إلا بترك ما تشتهي، ولن تدرك ما تؤمل إلا بالصبر على ما تكره، ولن تنال ما عند الله إلا بطاعته .. ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..