حرية التعبير في الإسلام
إن من فروع الحرية الفطرية حرية النطق أو حرية القول. وهي ما يطلق عليها في العصر الحديث حرية التعبير؛ لأن التعبير أشمل، فمن الممكن أن تعبر بالكتابة، تعبر بالرسم، تعبر بالشعر، إنما أسماها القدماء حرية القول. وإن حرية القول مترتبة على خلق القوة الناطقة. لأن الله لو لم يرد لنا النطق لخلقنا بُكمًا نستعمل لغة الإشارة، لكن خلقنا ناطقين بعد أن خلقنا فسوانا فعدلنا في أي صورة ما شاء ركبنا، خلقنا ناطقين لكي نستعمل هذه القوة الناطقة. هذه الحرية التي كفلها الإسلام بمقتضى الفطرة أن خلقنا ناطقين – والبُكْم استثناء – فبمقتضى الفطرة ما هو مأمور به أو ببعضه في قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. هذه ليست حرية فقط ولكنها حرية مأمور بها أو ببعضها. إن حرية التعبير جزء لا يتجزأ من الحرية في الإسلام وهي ليست مجرد حق يمنح بل قاعدة تبنى عليها واجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو لم تكن هناك حرية تعبير ما فرضت هذه الواجبات الكبرى، والحديث عن حرية التعبير في الإسلام ليس حديثاً عن الهوامش بل عن أمر من الأمور الأصلية التي هي من صلب الإسلام .ولهذا لم يصادر الإسلام رأياً، وإن خالف أصوله ومبادئه، ولا كمم الأفواه وإن نطقت بما يعارض أسسه ومقوماته، وإنما واجه هذه الآراء بقوة المنطق، وسداد الحجة، ونصاعة البرهان، لذا نجد القرآن الكريم يعرض حجج مخالفيه، دون بَتْر أو اجتزاء، ثم يحللها، مفنداً مضمونها، مبيناً مغالطات أصحابها. فهذا النمرود الذي ادعى الربوبية، يفسح له القرآن الكريم الفرصة ليعلن ما يناقض أصول الإيمان، وما يخالف جوهر التوحيد، ثم يذكر كيف ألجمه إبراهيم إلجاما، وكيف بدد ادعاءه تبديدا، كما في قوله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. القضية منتهية، ولن نناقشك فيما تدعيه لنفسك، إنك تحيي وتميت، ولكن إن كنتَ إلهاً قادراً، وربًّا مسيطراً، فاخرق قانون الكون، وغيِّر ناموسه، وأطلع لنا الشمس من المغرب، على غير ما يفعل الله بها! أما إذا عجزت عن ذلك، فهناك مدبر لهذا الكون غيرك، وإله لهذا الوجود سواك! فبهت الذي كفر ولم يستطع أن يقول شيئاً. وسجل القرآن الكريم أقوال عدو الله اللعين إبليس، ولم يحرمه من أن يسجل آراءه، بل وأفسح له المجال ليظهر تحديه لآدم وذريته، فقال مفضلاً جنسه على جنس آدم ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. وقال متوعداً آدم وذريته ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾. وذكر وعيده وتهديده، عندما قال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. إن الإسلام لا يعبأ بالآراء الشاذة، ولا يقيم لها وزناً، ولا يهاب من مروجيها؛ لأنه وحده القادر أن يكشف زيغها، وأن يبرز زيفها، لذلك فإن مبدأ قصف الأقلام، أو تكميم الأفواه، أو اعتقال المعارضين، ليس من الإسلام في شيء، وما هو إلا أن يشرق نور الحق بآياته، وأن ينتشر ضياء العقل ببيناته، حتى يخبو الباطل وتنقشع ظلمته، ويندحر الزيف، وتبدو عورته، وتذبل فروعه، وتجتث أصوله، كما قال سبحانه: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق﴾، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾. كما أعلى الإسلام شأن حرية التفكير والنظر، فهو يدعو الناس إلى النظر في هذا الكون، وإلى التفكر فيما يدور حولهم، وإلى الاستفادة من العقول والألباب التي وهبهم الله إياها، فدعاهم إلى التأمل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾، ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. هذه الدعوة التي تشحذ الذهن، وتنشط العقل، وتستثير فيه معاني التأمل، وتدرب ذلك الإنسان على أن يكون له رؤيته، وأن يستقل بفهمه، في ضوء هذه المقدمات الكبرى. ومن هنا ظهر في الإسلام نتيجة للحرية الفكرية: الحرية العلمية، لقد وجدنا علماءنا يختلفون، ويُخَطِّئ بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض، ولا يجد أحدهم في ذلك حرجاً. وأقصى ما يقوله لصاحبه: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب، فاحتمال المخالفة في كل من الرأيين، يجعل هناك حدوداً للتقارب دائماً.
حرية الإبداع هل تعني حرية مطلقة؟ هل في الوجود شيء حر حرية مطلقة؟ لا، إن السيارات في الطريق محكومة بقوانين المرور، من تعداها عُوقب بقدر تعديه، وهذه القوانين لم توضع عبثاً، إنما هي لحمايته وحماية غيره من الخطر والهلاك. بل إن الكواكب والنجوم في أفلاكها محكومة بمداراتها، كما قال سبحانه: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾. وإذا كان الحيوان حرّاً، يفعل ما يشاء.. يستطيع الحمار أن يبول في الطريق، وأمام الناس، ولكن الإنسان العاقل لا يستطيع أن يماثله، الإنسان تحكمه أعراف وأخلاق وقيم وعقائد، ليس الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء. هل من حق الإنسان أن يقف عارياً في ميدان من الميادين، ويقول: أنا حر؟ طبعا لا، فإذا كان الإنسان لا يحق له أن يعري جسده أمام الجمهور، فليس من حقه أن يعري فكره وأدبه، أو يعري شِعْره ونثره أمام الناس. وفي الختام: إن قبول الآخر شيء وحقي في الدعوة إلى فكرتي شيء آخر ففكرتي تدعو إلى عدم إقصاء الآخر وفي إطار دعوتي إلى فكرتي أناقش الأفكار الأخرى وأنقضها، فالمسألة ليست أكثر من معركة فكرية، مطلوب فيها الالتزام الكامل بأدبيات الحوار، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
إن من فروع الحرية الفطرية حرية النطق أو حرية القول. وهي ما يطلق عليها في العصر الحديث حرية التعبير؛ لأن التعبير أشمل، فمن الممكن أن تعبر بالكتابة، تعبر بالرسم، تعبر بالشعر، إنما أسماها القدماء حرية القول. وإن حرية القول مترتبة على خلق القوة الناطقة. لأن الله لو لم يرد لنا النطق لخلقنا بُكمًا نستعمل لغة الإشارة، لكن خلقنا ناطقين بعد أن خلقنا فسوانا فعدلنا في أي صورة ما شاء ركبنا، خلقنا ناطقين لكي نستعمل هذه القوة الناطقة. هذه الحرية التي كفلها الإسلام بمقتضى الفطرة أن خلقنا ناطقين – والبُكْم استثناء – فبمقتضى الفطرة ما هو مأمور به أو ببعضه في قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. هذه ليست حرية فقط ولكنها حرية مأمور بها أو ببعضها. إن حرية التعبير جزء لا يتجزأ من الحرية في الإسلام وهي ليست مجرد حق يمنح بل قاعدة تبنى عليها واجبات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو لم تكن هناك حرية تعبير ما فرضت هذه الواجبات الكبرى، والحديث عن حرية التعبير في الإسلام ليس حديثاً عن الهوامش بل عن أمر من الأمور الأصلية التي هي من صلب الإسلام .ولهذا لم يصادر الإسلام رأياً، وإن خالف أصوله ومبادئه، ولا كمم الأفواه وإن نطقت بما يعارض أسسه ومقوماته، وإنما واجه هذه الآراء بقوة المنطق، وسداد الحجة، ونصاعة البرهان، لذا نجد القرآن الكريم يعرض حجج مخالفيه، دون بَتْر أو اجتزاء، ثم يحللها، مفنداً مضمونها، مبيناً مغالطات أصحابها. فهذا النمرود الذي ادعى الربوبية، يفسح له القرآن الكريم الفرصة ليعلن ما يناقض أصول الإيمان، وما يخالف جوهر التوحيد، ثم يذكر كيف ألجمه إبراهيم إلجاما، وكيف بدد ادعاءه تبديدا، كما في قوله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. القضية منتهية، ولن نناقشك فيما تدعيه لنفسك، إنك تحيي وتميت، ولكن إن كنتَ إلهاً قادراً، وربًّا مسيطراً، فاخرق قانون الكون، وغيِّر ناموسه، وأطلع لنا الشمس من المغرب، على غير ما يفعل الله بها! أما إذا عجزت عن ذلك، فهناك مدبر لهذا الكون غيرك، وإله لهذا الوجود سواك! فبهت الذي كفر ولم يستطع أن يقول شيئاً. وسجل القرآن الكريم أقوال عدو الله اللعين إبليس، ولم يحرمه من أن يسجل آراءه، بل وأفسح له المجال ليظهر تحديه لآدم وذريته، فقال مفضلاً جنسه على جنس آدم ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. وقال متوعداً آدم وذريته ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾. وذكر وعيده وتهديده، عندما قال: ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾. إن الإسلام لا يعبأ بالآراء الشاذة، ولا يقيم لها وزناً، ولا يهاب من مروجيها؛ لأنه وحده القادر أن يكشف زيغها، وأن يبرز زيفها، لذلك فإن مبدأ قصف الأقلام، أو تكميم الأفواه، أو اعتقال المعارضين، ليس من الإسلام في شيء، وما هو إلا أن يشرق نور الحق بآياته، وأن ينتشر ضياء العقل ببيناته، حتى يخبو الباطل وتنقشع ظلمته، ويندحر الزيف، وتبدو عورته، وتذبل فروعه، وتجتث أصوله، كما قال سبحانه: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق﴾، ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾. كما أعلى الإسلام شأن حرية التفكير والنظر، فهو يدعو الناس إلى النظر في هذا الكون، وإلى التفكر فيما يدور حولهم، وإلى الاستفادة من العقول والألباب التي وهبهم الله إياها، فدعاهم إلى التأمل: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾، ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. هذه الدعوة التي تشحذ الذهن، وتنشط العقل، وتستثير فيه معاني التأمل، وتدرب ذلك الإنسان على أن يكون له رؤيته، وأن يستقل بفهمه، في ضوء هذه المقدمات الكبرى. ومن هنا ظهر في الإسلام نتيجة للحرية الفكرية: الحرية العلمية، لقد وجدنا علماءنا يختلفون، ويُخَطِّئ بعضهم بعضاً، ويرد بعضهم على بعض، ولا يجد أحدهم في ذلك حرجاً. وأقصى ما يقوله لصاحبه: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب، فاحتمال المخالفة في كل من الرأيين، يجعل هناك حدوداً للتقارب دائماً.
حرية الإبداع هل تعني حرية مطلقة؟ هل في الوجود شيء حر حرية مطلقة؟ لا، إن السيارات في الطريق محكومة بقوانين المرور، من تعداها عُوقب بقدر تعديه، وهذه القوانين لم توضع عبثاً، إنما هي لحمايته وحماية غيره من الخطر والهلاك. بل إن الكواكب والنجوم في أفلاكها محكومة بمداراتها، كما قال سبحانه: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾. وإذا كان الحيوان حرّاً، يفعل ما يشاء.. يستطيع الحمار أن يبول في الطريق، وأمام الناس، ولكن الإنسان العاقل لا يستطيع أن يماثله، الإنسان تحكمه أعراف وأخلاق وقيم وعقائد، ليس الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء. هل من حق الإنسان أن يقف عارياً في ميدان من الميادين، ويقول: أنا حر؟ طبعا لا، فإذا كان الإنسان لا يحق له أن يعري جسده أمام الجمهور، فليس من حقه أن يعري فكره وأدبه، أو يعري شِعْره ونثره أمام الناس. وفي الختام: إن قبول الآخر شيء وحقي في الدعوة إلى فكرتي شيء آخر ففكرتي تدعو إلى عدم إقصاء الآخر وفي إطار دعوتي إلى فكرتي أناقش الأفكار الأخرى وأنقضها، فالمسألة ليست أكثر من معركة فكرية، مطلوب فيها الالتزام الكامل بأدبيات الحوار، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف جون ستيوارث ميل
إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة
والحمد لله رب العالمين