الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، أحمده تعالى وأشكره على حال السراء والضراء، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابته الأتقياء, والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلّم تسليماً كثيرًا.. أما بعد: عباد الله أوصي نفسي و إيّاكم بتقوى الله الملك العلام، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام وجذوة تنير القلوب والأفهام، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَّاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ... أيها الإخوة الكرام: الأمة تنتقل من موسم طاعة إلى موسم طاعة. ها هي الأمة قد استقبلت أيام أخرى جليلة هي أيام العشر من ذي الحجة التي أودعها الله جل وعلا. هذه الأيام أقسم الله عز وجل بها في القرآن. فقال تعالى: وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ{2} وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ{4} هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ.. ومن فضائلها: أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارن يقتدي، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل. الليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قال هذا ابن عباس. وعن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر. و قال عليه الصلاة والسلام: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء. وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله تعالى العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. أيها الإخوة الكرام مما يسن فعله في هذه الأيام كثرة الدعاء فقد قال عليه الصلاة والسلام: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ومما يستحب في هذه الأيام العشر التكبير. التكبير ينقسم إلى قسمين :1- المطلق: وهو الذي لا يتقيد بشيء، فيُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق، ويبتدئ من دخول شهر ذي الحجة أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة إلى آخر يوم من أيام التشريق وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. فيُسن دائماً، في الصباح والمساء، قبل الصلاة وبعد الصلاة، وفي كل وقت. 2- المقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات.. فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.... التكبير في الأضحى مشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة؛ لقول الله سبحانه: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ الآية، وهي أيام العشر، وقوله عز وجل: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ الآية، وهي أيام التشريق؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل رواه مسلم في صحيحه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهذا في حق غير الحاج، ومن السنة أن يصوم الإنسان هذه الأيام لكن على وجه الاستحباب لا على وجه الواجب، وصيام يوم عرفة هذا من ألزم ما يلزم المسلم في هذه الأيام العشر، صوم يوم عرفة لما رواه الإمام مسلم عن أبي قتادة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: صيام يوم عرفة أحتسبُ على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله والتي بعده.. ويحرُم على من أراد أن يُضحِّيَ أن يأخذ في العشر شيئًا من شَعَره أو ظفره أو بشرته حتى يذبح أُضحيته. لحديث أم سلمة ا أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره. رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي، وفي لفظ: فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً. والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك و شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه. وهذا حكم خاص بمن يضحي، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره..... ويستحب في هذه الأيام العشر أن تؤدى الفرائض أولاً، ويجتهد في تكميلها وأدائها على أفضل وجه شرعت عليه. فلننتبه لفضل هذه الأيام العشر، إنها أفضل أيام في العمر. فأكثِرُوا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ. والذِّكرِ والاستِغفار، وقراءةِ القرآن والصيامِ والصدقةِ والدعاءِ، وبِرِّ الوالدَين وصِلةِ الأرحام، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَر، والتوبةِ إلى الله، فالله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.. تَقَبّلَ اللهُ منّا صالحَ الطّاعاتِ أقولُ قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة التانيةعلى المسلم اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل قُربة، واقتفاء أثره في كل طاعة، وعدم تتبُّع الرُّخَص أو غيره، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. فلنَستحضِر عباد الله حُرمةَ هذه الأيام وتعظيمَها؛ بالتِزام حُدود الله تعالى فيها، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ... بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، جعلني الله وإياكم ممن رَجَع وتاب، وأقلَع وأناب، وكفَّ عن المعاصِي المُهلِكة والذنوب المُوبِقَة، وتابَ توبةً صادقة.. اللهم تقبلنا في التائبين، واغفر ذنوب المذنبين. اللهم خذ بأيدينا إلى ما تحبه وترضاه. اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ربنا اتنا في الدنيا حسنة و في الاخرة حسنة و قنا عذاب النار..
عدل سابقا من قبل الحلاجي محمد في السبت 25 يونيو - 21:26:51 عدل 1 مرات