التفسير بالرأي
والمقصود منه هنا أن يعتمد الانسان في تفسير الآيات القرآنية على رأيه المجرّد من خلال قناعاته الشخصية المسبقة فيوجه أو يؤوّل الآيات القرآنية بما ينسجم معها. وقد تضمنت النصوص الكثيرة النهي ن هذا التفسير والتحذير منه.
وهو غير التفسير الاعتباطي(1) الذي يسلكه بعض المفسّرين على طريقة القصاصين، لجذب العامة وخديعتهم.
وقد يطلق التفسير بالرأي في كلمات بعض العلماء على كل جهد عقلي واجتهادي لتفسير الآيات القرآنية، وهو غير التفسير بالرأي المنهي عنه الذي أشرنا إليه.
وعلى كل حال هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في التفسير - أشار إليها العلاّمة الطباطبائي - وهي:
1 - التفسير الذي يعتمد على قناعات الانسان وآرائه المسبقة، وهذا هو التفسير بالرأي المنهي عنه، ونلاحظ ان كثيراً من المفسّرين وقعوا في هذا المأزق حيث اقحموا قناعاتهم المسبقة في تفسير الآيات، وحمّلوا الآيات الكريمة آراءهم الخاصة وتوجّهاتهم. فالمعتزلي يفسّر الآية بما ينسجم مع منهجه الاعتزالي، والأشعري كذلك، والفيلسوف يجرّ الآيات الى دعم آرائه الفلسفية، والعرفاء والمتصوّفة حوّلوا القرآن الى رموز واشارات وفق أذواقهم وهكذا... حتى ان المنبهرين بالتطور الهائل للعلوم المادية جعلوا من القرآن كتاب فهرسة للإشارة للنظريات العلمية المختلفة... ففقدت تفاسيرهم روعة القرآن وحيويّته ودوره الفاعل في هداية الناس وارشادهم لمقتضيات الفطرة السليمة والمُثل العليا في الأخلاق والسلوك ورسم الخطوط التوجيهية العامة للبشرية مجتمعات وافراداً.
2 - تفسير الآيات من خلال الجمود على الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) - عند الشيعة - او الصحابة والتابعين - عند الجمهور-.
وهذه هي الطريقة التي كانت متبعة لدى الطبقات الأولى من المفسّرين بشكل عام.
ويلاحظ على هذه الاتجاه التفسيري انه يحدّد دور القرآن الكريم ويحصره في زوايا ضيّقة، فيفقد حيويّته وفاعليّته في حياة الأجيال المتعاقبة، خصوصاً عند الجمهور حيث لا تتجاوز الأحاديث النبوية في التفسير مائتين وخمسين حديثاً - مع ما في سند اكثرها من ضعف ومضمون بعضها من اضطراب وتهافت -.
ورغم وجود أحاديث مروية عن الأئمة(عليهم السلام) اكثر من هذا الرقم بكثير لدى الشيعة الإمامية بحكم طول الفترة الزمنية التي عاشها الائمة(عليهم السلام) إلاّ ان الروايات المذكورة لا تفي بالكشف عن الدور الحقيقي للقرآن الكريم، وان التقيّد بموارد هذه النصوص يغيّب القرآن الكريم عن الواقع المعاصر ويحدّ من دوره وحيويته.
على ان كثيراً من الآيات لم ترد في تفسيرها نصوص من طُرق الجمهور ولا من طُرق شيعة أهل البيت(عليهم السلام).
3 - تفسير القرآن بالاعتماد على التدبّر فيه، واستنطاق الآية الكريمة وملاحظة الآيات الأخرى المرتبطة بها، مع الرجوع للنصوص الواردة في المقام.
ويتطلب هذا النحو من التفسير:
أ: مستوى علمياً رفيعاً في العلوم المختلفة المرتبطة بالمواضيع التي يتناولها القرآن الكريم، بالإضافة الى دقّة المفسّر ووعيه الاجتماعي العام.
ب: اصالة وعمق الثقافة الإسلامية للمفسِّر في مختلف الجوانب العقائدية والاجتماعية وغيرها، وإحاطته بالمصادر الاسلامية الأصيلة المتمثلة بالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الائمة المعصومين(عليهم السلام)، لأنّ القرآن الكريم وأهل البيت - كما جاء في حديث الثقلين المعروف - هما الثقلان اللذان خلفهما الرسول الكريم للأمة الاسلامية وانهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ج: الإحاطة والمراجعة الشاملة والدقيقة لكل ما يمكن أن يساهم في تفسير الآية، وعدم التسرع في التفسير، إلاّ بعد التثبت والوضوح التام، ومع عدمه فيُطرح الرأي كمجرد احتمال قابل للنقاش والدراسة من دون نسبته للقرآن.
وهذا النمط من التفسير هو الذي ينسجم مع النصوص الكثيرة التي حثت على الرجوع للقرآن الكريم واستنطاقه، وانه لا يخلق على مرّ العصور والأيام... ففي كلام للإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: "وكتاب الله بين اظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم اركانه وعزّ لا تهزم اعوانه"(2).
وفي كلام آخر له (عليه السلام) أيضاً: "ثم انزل عليه الكتاب نوراً لا تطفا مصابيحه وسراجاً لا يخبو توقّده... فهو معدن الايمان وبحبوحته - أي وسطه - وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون - أي المستقون - ومناهل لا يغيضها الواردون... جعله الله رياً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء... إلخ"(3).
وهناك نصوص كثيرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) تشير الى ذلك، هذا بالاضافة الى العديد من الآيات القرآنية الداعية للتدبر والتأمل في القرآن الكريم.
﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(4).
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾(5).
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(6).
1- ومن المؤسف ان هذا (التفسير) - الذي يمكن اعتباره نوعاً من التقوّل والافتراء - كان له أصحابه الذين خدعوا الناس وأوهموهم، ومنهم مَن أخذ مساحة واسعة في الكتب التفسيرية أيضاً، فقد روي عن مالك بن أنس "انه بلغه ان مقاتلاً جاءه انسان فقال: ان انساناً جاءني فسألني عن لون كلب اصحاب الكهف، فلم أدرِ ما أقول، فقال له مقاتل: ألا قلتَ له أبقع، فلو قلتَه لم تجد أحداً يردّ عليك" (تهذيب التهذيب: 10 382).
ويسلك هذا المنهج أصحاب الضلالات والبدع لأجل التأثير على اتباعهم واللبس عليهم. ونحن نعرض عن هذا النمط، لأنه ليس تفسيراً في الحقيقة بل هو مجرد أكاذيب وافتراءات.
2- تصنيف نهج البلاغة: 209.
3- تصنيف نهج البلاغة: 212.
4- سورة النساء: 82.
5- سورة ص: 29.
6- سورة محمّد: 24
والمقصود منه هنا أن يعتمد الانسان في تفسير الآيات القرآنية على رأيه المجرّد من خلال قناعاته الشخصية المسبقة فيوجه أو يؤوّل الآيات القرآنية بما ينسجم معها. وقد تضمنت النصوص الكثيرة النهي ن هذا التفسير والتحذير منه.
وهو غير التفسير الاعتباطي(1) الذي يسلكه بعض المفسّرين على طريقة القصاصين، لجذب العامة وخديعتهم.
وقد يطلق التفسير بالرأي في كلمات بعض العلماء على كل جهد عقلي واجتهادي لتفسير الآيات القرآنية، وهو غير التفسير بالرأي المنهي عنه الذي أشرنا إليه.
وعلى كل حال هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في التفسير - أشار إليها العلاّمة الطباطبائي - وهي:
1 - التفسير الذي يعتمد على قناعات الانسان وآرائه المسبقة، وهذا هو التفسير بالرأي المنهي عنه، ونلاحظ ان كثيراً من المفسّرين وقعوا في هذا المأزق حيث اقحموا قناعاتهم المسبقة في تفسير الآيات، وحمّلوا الآيات الكريمة آراءهم الخاصة وتوجّهاتهم. فالمعتزلي يفسّر الآية بما ينسجم مع منهجه الاعتزالي، والأشعري كذلك، والفيلسوف يجرّ الآيات الى دعم آرائه الفلسفية، والعرفاء والمتصوّفة حوّلوا القرآن الى رموز واشارات وفق أذواقهم وهكذا... حتى ان المنبهرين بالتطور الهائل للعلوم المادية جعلوا من القرآن كتاب فهرسة للإشارة للنظريات العلمية المختلفة... ففقدت تفاسيرهم روعة القرآن وحيويّته ودوره الفاعل في هداية الناس وارشادهم لمقتضيات الفطرة السليمة والمُثل العليا في الأخلاق والسلوك ورسم الخطوط التوجيهية العامة للبشرية مجتمعات وافراداً.
2 - تفسير الآيات من خلال الجمود على الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) - عند الشيعة - او الصحابة والتابعين - عند الجمهور-.
وهذه هي الطريقة التي كانت متبعة لدى الطبقات الأولى من المفسّرين بشكل عام.
ويلاحظ على هذه الاتجاه التفسيري انه يحدّد دور القرآن الكريم ويحصره في زوايا ضيّقة، فيفقد حيويّته وفاعليّته في حياة الأجيال المتعاقبة، خصوصاً عند الجمهور حيث لا تتجاوز الأحاديث النبوية في التفسير مائتين وخمسين حديثاً - مع ما في سند اكثرها من ضعف ومضمون بعضها من اضطراب وتهافت -.
ورغم وجود أحاديث مروية عن الأئمة(عليهم السلام) اكثر من هذا الرقم بكثير لدى الشيعة الإمامية بحكم طول الفترة الزمنية التي عاشها الائمة(عليهم السلام) إلاّ ان الروايات المذكورة لا تفي بالكشف عن الدور الحقيقي للقرآن الكريم، وان التقيّد بموارد هذه النصوص يغيّب القرآن الكريم عن الواقع المعاصر ويحدّ من دوره وحيويته.
على ان كثيراً من الآيات لم ترد في تفسيرها نصوص من طُرق الجمهور ولا من طُرق شيعة أهل البيت(عليهم السلام).
3 - تفسير القرآن بالاعتماد على التدبّر فيه، واستنطاق الآية الكريمة وملاحظة الآيات الأخرى المرتبطة بها، مع الرجوع للنصوص الواردة في المقام.
ويتطلب هذا النحو من التفسير:
أ: مستوى علمياً رفيعاً في العلوم المختلفة المرتبطة بالمواضيع التي يتناولها القرآن الكريم، بالإضافة الى دقّة المفسّر ووعيه الاجتماعي العام.
ب: اصالة وعمق الثقافة الإسلامية للمفسِّر في مختلف الجوانب العقائدية والاجتماعية وغيرها، وإحاطته بالمصادر الاسلامية الأصيلة المتمثلة بالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الائمة المعصومين(عليهم السلام)، لأنّ القرآن الكريم وأهل البيت - كما جاء في حديث الثقلين المعروف - هما الثقلان اللذان خلفهما الرسول الكريم للأمة الاسلامية وانهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ج: الإحاطة والمراجعة الشاملة والدقيقة لكل ما يمكن أن يساهم في تفسير الآية، وعدم التسرع في التفسير، إلاّ بعد التثبت والوضوح التام، ومع عدمه فيُطرح الرأي كمجرد احتمال قابل للنقاش والدراسة من دون نسبته للقرآن.
وهذا النمط من التفسير هو الذي ينسجم مع النصوص الكثيرة التي حثت على الرجوع للقرآن الكريم واستنطاقه، وانه لا يخلق على مرّ العصور والأيام... ففي كلام للإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: "وكتاب الله بين اظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم اركانه وعزّ لا تهزم اعوانه"(2).
وفي كلام آخر له (عليه السلام) أيضاً: "ثم انزل عليه الكتاب نوراً لا تطفا مصابيحه وسراجاً لا يخبو توقّده... فهو معدن الايمان وبحبوحته - أي وسطه - وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون - أي المستقون - ومناهل لا يغيضها الواردون... جعله الله رياً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء... إلخ"(3).
وهناك نصوص كثيرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) تشير الى ذلك، هذا بالاضافة الى العديد من الآيات القرآنية الداعية للتدبر والتأمل في القرآن الكريم.
﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(4).
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾(5).
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(6).
1- ومن المؤسف ان هذا (التفسير) - الذي يمكن اعتباره نوعاً من التقوّل والافتراء - كان له أصحابه الذين خدعوا الناس وأوهموهم، ومنهم مَن أخذ مساحة واسعة في الكتب التفسيرية أيضاً، فقد روي عن مالك بن أنس "انه بلغه ان مقاتلاً جاءه انسان فقال: ان انساناً جاءني فسألني عن لون كلب اصحاب الكهف، فلم أدرِ ما أقول، فقال له مقاتل: ألا قلتَ له أبقع، فلو قلتَه لم تجد أحداً يردّ عليك" (تهذيب التهذيب: 10 382).
ويسلك هذا المنهج أصحاب الضلالات والبدع لأجل التأثير على اتباعهم واللبس عليهم. ونحن نعرض عن هذا النمط، لأنه ليس تفسيراً في الحقيقة بل هو مجرد أكاذيب وافتراءات.
2- تصنيف نهج البلاغة: 209.
3- تصنيف نهج البلاغة: 212.
4- سورة النساء: 82.
5- سورة ص: 29.
6- سورة محمّد: 24