الابتلاء بالخوف
فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (15) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 151 - 157].
تعالج هذه الآيات الكريمة جوانب نفسية فى حياة الإنسان ونظرته إلى ما يصيبه فى الحياة من خير أو شر. فتبين الآيات للناس أنهم مبتلون من ربهم وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] فليكن الإنسان على بصيرة من حقيقة الابتلاء حتى يفوز فى جانبيه
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
فالابتلاء يتعرض له البشر.
ويصحح خطأ يقع فيه الإنسان نتيجة حبه الشديد للمال إذ يعتبره مقياسا لإكرام
الله له، أو إهانته إياه. وهذا غير صحيح فالبسط والقبض للاختبار.
قال تعالى فى جانب الإمداد بالمال للإنسان: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56) [المؤمنون]
وكذلك فى الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه فى الرزق يعتقد أن
ذلك من الله سبحانه إهانة له، قال الله تعالى: كَلَّا : ليس الأمر كما زعم
لا فى هذا ولا فى ذاك فإن الله تعالى يعطى المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق
على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار فى ذلك على طاعة الله سبحانه فى كل
من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرا بأن يصبر.
وإكرام الله لعبده يأتى فى استجابة العبد لأمر ربه، فمن جهة المال يكون
الإنسان فى موضع التكريم عند ما يكرم ضعاف الأمة وضعاف الجماعة متمثلين فى
اليتامى الذين فقدوا آباءهم
والخوف في القرآن على خمسة أوجه في زعم بعض المفسرين:
الأول: القتل، وهو قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)
يعني: القتل، وليس بالوجه لأن قوله: (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ) قد تضمن القتل، ولكن معناه الخوف على الأنفس لكثرة الأعداء،
وذلك كان حال أهل المدينة بعد الهجرة، وهم مخاطبون بهذه الآية.
الثاني: الحرب، قال الله: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ)، يعني: الحرب، وسماها
خوفا لما فيها من الخوف كما تسمى الحرب روعا لما فيها من الروع، والروع
والخوف سواء .
من واجبات الأمة:
أن تحتمل التضحيات، وتصبر على المشاق والشدائد في مسيرتها، وأن تستروح روح
الفرج بالصلاة لما فيها من الصلة بالله تبارك وتعالى، واستمداد فيضه،
واستعادة ما فقدته الروح من مضائها وقوتها بهذا المسير، فالصلاة امتلاء
الروح بالقوة المعنوية، والصبر هو المحافظة على هذه القوة واستخدامها بأكبر
قدر مستطاع حتى إذا أضناها الجهد، وأمضّها الجلاد تجدّدت مرة أخرى
بالصلاة، وهذا تلازم غريب بينهما يدركه من صفت نفسه، وقويت روحه.
وفى الصبر وحقيقته وآثاره ومعناه فوائد عظيمة، فإذا استعانت الأمة عند
الشدائد بالصبر والصلاة كان الله معها، وأدركها بتأييده، وظلت فى كنفه
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
ولقد جمعت هذه الآية الكريمة فى نسق واحد أركان النهضة، وهى:
المثل الأعلى؛ فى قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152].
والقوة المعنوية؛ فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 153].
والقوة المادية؛ فى قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ [البقرة: 154].
يقول المربّون: إنّ أعظم مظاهر القوة فى الإنسان، أن يتغلّب على ما يحيط
به، وأن يخضع الصّعاب لإرادته، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فلم تتأثر
بالحوادث، ولم تبال بالعقبات، وكان عندها من المناعة الطبيعية ما يحول
بينها وبين تسرّب الوهن إليها كانت خليقة بأن ترث الأرض، وتسود الدنيا،
وتحسن الخلافة فى الكون.
والآية الكريمة تشير إلى" التدريبات" الربانية التى تنشئ فى الأمة هذه
المناعة وتطبعها بطابع القوة الحقيقية، وتجعلها أسمى من ظروفها، وأقوى مما
يحيط بها، ويجمع هذه التمرينات (الابتلاء) أو الاختبار الذى يبتلى الله به
الناس؛ لتصفو به نفوسهم، وتتطهّر من الأدران أرواحهم، ويعتادوا مقاومة
الصّعاب وتحمّل الصّدمات، فإن صبر العبد على اختيار الله إياه، وشغلته
الغاية عن ألم الوسيلة كانت العاقبة خيرا، وأبدله الله بهذا الصبر قوة فى
الدنيا وثوابا فى الآخرة، وكان مثله كمثل من يصبر على مرارة الدواء أملا فى
الشفاء، وإن جزع وتألم أفسد على نفسه العلاج، وكان الاختبار وبالا عليه.
وأساس الصبر على الابتلاء: الإيمان بالله، والاشتغال بمراقبة عظمته،
والتسليم لحكمة تصرفه، ولهذا ورد فى الأثر:" الصبر شطر الإيمان" (2) وفى
قوله تبارك وتعالى:
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ
لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ
[العنكبوت: 1 - 3]، ومن ذلك ترى أن الاختبار كما يكون تدريبا على المقاومة
يكون دليلا على الإيمان والتسليم، فإذا صبر العبد وسلّم، كان ذلك دليل
إيمانه، فيرفع الله درجته، ويعلى منزلته، وكان الابتلاء وسيلة إلى رفع
الدرجات وإعلاء الرتب ونوال الفضل، وربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك
(1): إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر:
10].
والتمرينات التى ذكرتها الآية الكريمة أنواع منها:
(الخوف) وإنما بدأ القرآن به لأنه غريزة مستقرة فى النفس، لاصقة بالفؤاد،
تولد مع المرء منذ ولد، وتتحرك لأدنى مؤثر، وتتولد عنها الأوهام والخرافات،
فإذا استطاع الإنسان أن يكبح جماحها، وألا يتأثر بمثيراتها خمدت وسكنت،
وذهب من نفسه ما تولد عنها من الجبن والوهم والخرافة، وصار شجاعا قوىّ
النفس بعد أن كان رعديدا خائر العزيمة، وبذلك يحسن استعداده النفسى، وتكون
الصدمات التى تلا هذه الصدمة أقل منها أثرا وأضعف خطرا.
يلى ذلك: (الجوع) وإنما ثنّى به القرآن الكريم، لأنه ألم الجسم، فإذا تعوّد
الإنسان مقاومة دواعيه، والصبر على حرارته، فقد قوى جسمه، وصلب غوده،
وانضمت قوة جسمه بمقاومة الجوع إلى قوة روحه بمقاومة الخوف، فكان إنسانا
كاملا جسما وروحا.
يأتى بعد هذين التدريب الثالث فى قوله تعالى: (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) وهو الصبر على مفارقة المألوفات من مظاهر
البيئة القريبة إلى الشخص، الحبيبة إلى النفس، وللألفة على القلب سلطان،
ولها فى النفس منزلة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله ليجرب عليكم بالبلاء ، وهو أعلم
به ، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز ، فذلك الذي
نجاه الله من السيئات ، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن ) ، (
إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ، ( ما يصيب المسلم
من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر
الله من خطاياه ) .
فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ (15) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 151 - 157].
تعالج هذه الآيات الكريمة جوانب نفسية فى حياة الإنسان ونظرته إلى ما يصيبه فى الحياة من خير أو شر. فتبين الآيات للناس أنهم مبتلون من ربهم وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] فليكن الإنسان على بصيرة من حقيقة الابتلاء حتى يفوز فى جانبيه
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
فالابتلاء يتعرض له البشر.
ويصحح خطأ يقع فيه الإنسان نتيجة حبه الشديد للمال إذ يعتبره مقياسا لإكرام
الله له، أو إهانته إياه. وهذا غير صحيح فالبسط والقبض للاختبار.
قال تعالى فى جانب الإمداد بالمال للإنسان: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (56) [المؤمنون]
وكذلك فى الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه فى الرزق يعتقد أن
ذلك من الله سبحانه إهانة له، قال الله تعالى: كَلَّا : ليس الأمر كما زعم
لا فى هذا ولا فى ذاك فإن الله تعالى يعطى المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق
على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار فى ذلك على طاعة الله سبحانه فى كل
من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك، وإذا كان فقيرا بأن يصبر.
وإكرام الله لعبده يأتى فى استجابة العبد لأمر ربه، فمن جهة المال يكون
الإنسان فى موضع التكريم عند ما يكرم ضعاف الأمة وضعاف الجماعة متمثلين فى
اليتامى الذين فقدوا آباءهم
والخوف في القرآن على خمسة أوجه في زعم بعض المفسرين:
الأول: القتل، وهو قوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ)
يعني: القتل، وليس بالوجه لأن قوله: (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ) قد تضمن القتل، ولكن معناه الخوف على الأنفس لكثرة الأعداء،
وذلك كان حال أهل المدينة بعد الهجرة، وهم مخاطبون بهذه الآية.
الثاني: الحرب، قال الله: (فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ)، يعني: الحرب، وسماها
خوفا لما فيها من الخوف كما تسمى الحرب روعا لما فيها من الروع، والروع
والخوف سواء .
من واجبات الأمة:
أن تحتمل التضحيات، وتصبر على المشاق والشدائد في مسيرتها، وأن تستروح روح
الفرج بالصلاة لما فيها من الصلة بالله تبارك وتعالى، واستمداد فيضه،
واستعادة ما فقدته الروح من مضائها وقوتها بهذا المسير، فالصلاة امتلاء
الروح بالقوة المعنوية، والصبر هو المحافظة على هذه القوة واستخدامها بأكبر
قدر مستطاع حتى إذا أضناها الجهد، وأمضّها الجلاد تجدّدت مرة أخرى
بالصلاة، وهذا تلازم غريب بينهما يدركه من صفت نفسه، وقويت روحه.
وفى الصبر وحقيقته وآثاره ومعناه فوائد عظيمة، فإذا استعانت الأمة عند
الشدائد بالصبر والصلاة كان الله معها، وأدركها بتأييده، وظلت فى كنفه
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
ولقد جمعت هذه الآية الكريمة فى نسق واحد أركان النهضة، وهى:
المثل الأعلى؛ فى قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة: 152].
والقوة المعنوية؛ فى قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: 153].
والقوة المادية؛ فى قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ [البقرة: 154].
يقول المربّون: إنّ أعظم مظاهر القوة فى الإنسان، أن يتغلّب على ما يحيط
به، وأن يخضع الصّعاب لإرادته، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فلم تتأثر
بالحوادث، ولم تبال بالعقبات، وكان عندها من المناعة الطبيعية ما يحول
بينها وبين تسرّب الوهن إليها كانت خليقة بأن ترث الأرض، وتسود الدنيا،
وتحسن الخلافة فى الكون.
والآية الكريمة تشير إلى" التدريبات" الربانية التى تنشئ فى الأمة هذه
المناعة وتطبعها بطابع القوة الحقيقية، وتجعلها أسمى من ظروفها، وأقوى مما
يحيط بها، ويجمع هذه التمرينات (الابتلاء) أو الاختبار الذى يبتلى الله به
الناس؛ لتصفو به نفوسهم، وتتطهّر من الأدران أرواحهم، ويعتادوا مقاومة
الصّعاب وتحمّل الصّدمات، فإن صبر العبد على اختيار الله إياه، وشغلته
الغاية عن ألم الوسيلة كانت العاقبة خيرا، وأبدله الله بهذا الصبر قوة فى
الدنيا وثوابا فى الآخرة، وكان مثله كمثل من يصبر على مرارة الدواء أملا فى
الشفاء، وإن جزع وتألم أفسد على نفسه العلاج، وكان الاختبار وبالا عليه.
وأساس الصبر على الابتلاء: الإيمان بالله، والاشتغال بمراقبة عظمته،
والتسليم لحكمة تصرفه، ولهذا ورد فى الأثر:" الصبر شطر الإيمان" (2) وفى
قوله تبارك وتعالى:
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ
لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ
[العنكبوت: 1 - 3]، ومن ذلك ترى أن الاختبار كما يكون تدريبا على المقاومة
يكون دليلا على الإيمان والتسليم، فإذا صبر العبد وسلّم، كان ذلك دليل
إيمانه، فيرفع الله درجته، ويعلى منزلته، وكان الابتلاء وسيلة إلى رفع
الدرجات وإعلاء الرتب ونوال الفضل، وربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك
(1): إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر:
10].
والتمرينات التى ذكرتها الآية الكريمة أنواع منها:
(الخوف) وإنما بدأ القرآن به لأنه غريزة مستقرة فى النفس، لاصقة بالفؤاد،
تولد مع المرء منذ ولد، وتتحرك لأدنى مؤثر، وتتولد عنها الأوهام والخرافات،
فإذا استطاع الإنسان أن يكبح جماحها، وألا يتأثر بمثيراتها خمدت وسكنت،
وذهب من نفسه ما تولد عنها من الجبن والوهم والخرافة، وصار شجاعا قوىّ
النفس بعد أن كان رعديدا خائر العزيمة، وبذلك يحسن استعداده النفسى، وتكون
الصدمات التى تلا هذه الصدمة أقل منها أثرا وأضعف خطرا.
يلى ذلك: (الجوع) وإنما ثنّى به القرآن الكريم، لأنه ألم الجسم، فإذا تعوّد
الإنسان مقاومة دواعيه، والصبر على حرارته، فقد قوى جسمه، وصلب غوده،
وانضمت قوة جسمه بمقاومة الجوع إلى قوة روحه بمقاومة الخوف، فكان إنسانا
كاملا جسما وروحا.
يأتى بعد هذين التدريب الثالث فى قوله تعالى: (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ) وهو الصبر على مفارقة المألوفات من مظاهر
البيئة القريبة إلى الشخص، الحبيبة إلى النفس، وللألفة على القلب سلطان،
ولها فى النفس منزلة
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله ليجرب عليكم بالبلاء ، وهو أعلم
به ، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز ، فذلك الذي
نجاه الله من السيئات ، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن ) ، (
إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) ، ( ما يصيب المسلم
من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر
الله من خطاياه ) .