الحمد لله ذي المن والعطاء، يوالي على عباده النعماء، ويرادف عليهم الآلاء، أحمده تعالى حث على الأخوة وحذر من الجفاء، وأشكره على حال السراء والضراء، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تنزه عن الأنداد والشركاء، وتعالى عن الأمثال والنظراء، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، وأشهد أنّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء، صلى الله عليه وعلى آله الأوفياء، وصحابته الأتقياء, والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء ، وسلّم تسليماً كثيرًا.. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الملك العلام، فإن تقواه سبحانه عروةٌ ليس لها انفصام وجذوة تنير القلوب والأفهام ، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ . أيها المسلمون : نظراً لما يستدعي التذكير والتحذير، فقد آثرتُ أن تكون هذه الخطبة مفعمة بالإشارات بإذن الله، مدبجة بالتوجيهات، تذكرة للمسلمين والمسلمات، عما نمر به من مآزق وحوادث محرقة ومخاطر محدقة ونشوبات مهلكة، راجياً من الله ثمرتها، سائلاً إياه بركتها، مستعيذاً به من عواقبها، مستجيراً به من تبعاتها، والله حسبي وهو نعم الوكيل. عباد الله: يقول الحق سبحانه و تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا. الله سبحانه و تعالى وصف المسجد في موطن المدح والإطراء، حيث أتبع سبحانه نوره بذكر المسجد، قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ.... وتوعد سبحانه من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه بالخزي والعذاب في الدنيا والآخرة؛ كما في قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. بل إن المسجد هو بيت كل مؤمن وتقي, عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :الْمَسْجِد بَيتُ كُلّ تَقِيّ. المساجد التي كانت من أعظم اهتماماته صلى الله عليه وسلم. المساجد المَعْلَم الحضاري الكبير الذي تركه صلى الله عليه وسلم للتاريخ، ولِقُرَّاء التاريخ. المساجد بيوت الله تعالى في أرضه جعلها خالصة له وحده, المساجد التي أثنى الله على عمارها وبُنائها وروَّادها. فقد أضاف الله المساجد لنفسه تشريفاً وتعظيماً، وكما حثنا الإسلام على بناء المساجد فقد حثنا كذلك على عمارتها, وجعل ذلك علامة من علامات الإيمان, قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. وليس عمارة المساجد ببنائها وتشيدها و تزيينها فقط, بل تكون العمارة بالصلاة فيه والعبادة والذكر و التعلم والتفقه, وإصلاحاً للمتخاصمين, وتعليماً للمتعلمين. فالمسجد يعالج الأوضاع التي يعيشها أهل المسجد ومن يجاوره.. لا يُصنع الأبطال إلا * في مساجدنا الفساح * في روضة القرآن في * ظل الأحاديث الصحاح * شعب بغير عقيدة * ورق يذريه الرياح * من خان حي على الصلاة * يخون حي على الكفاح .. عباد الله إن المساجد بنيت لذكر الله وإقامة الشعائر وتعظيمها، وقد كان مسجدنا هدا في أيامه الأولى محطة انطلاق إلى كافة مناحي الحياة، وقد قصر دوره في هذه الأيام على الصلاة فحسب، مع أنه كان الجامعة العظمى والمدرسة الأولى في هده المنطقة لبناء الرجال، ومنبراً للتوجيه والإرشاد إلى خيري الدنيا والآخرة، والكلام في واقع الناس وحياتهم. وإنك لتعجب وما أكثر العجب في زماننا عندما تسمع من يمنع ذكر الله تعالى في المساجد ويغلق حلق القرآن والحديث والفقه والتزكية والرقائق، ووصف القائمين بالتشدد والتطرف، ووصف المتساهلين بأحكام الشريعة والمنتهكين للحرمات بأنهم أهل الوسطية والاعتدال.. بل وصل الأمر عندنا أن تغلق أبواب المساجد بعد الصلاة المفروضة مباشرة ومنع مزاولة أي دعوة أو علم أو توجيه أو نصح!! فرحماك يا الله. فقد توعد الله تعالى من يمنع ذكره في بيوته ويتهجم على المساجد ويتحكم فيها بما يمليه عليه هواه، ويطرد أهل الصلاح والخير من مزاولة عبادتهم لله وذكره بقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . المعنى: لا أحد أظلم وأشد جرماً، ممن منع مساجد الله عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات. {وَسَعَى} أي: اجتهد وبذل وسعه {فِي خَرَابِهَا} الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة،.. عباد الله . قال تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ، من هذا المنطلق الرباني الكريم ، يتبين لنا ولكل مسلم صادق ، مؤمن حاذق، أن ما يقوم به من هدم لبيوت الله ، واستحلالٍ لحرمتها، وقتل لروادها، ما هو إلا حقد دفين، وحسد مبين، وطائفية مهووسة، ينقمون منها هدم ركيزة الإسلام ، وقتل أهل السنة والوئام، في عنصرية وهمجية، لا يرعون للدين مكانه، ولا لمسلم إيمانه . قال عمرو بن ميمون : أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وإنه لحق على الله أن يكرم من زاره ". فأين إكرام بيوت الله ، وأين إكرام زوار مساجد الله؟ والله أعلم بمن يريد هدمه و هدم أولياءه، وما قصده ومغنمه إلى خزي في الدنيا و الأخرة ، فالمساجد هي بيوت العبادة للمسلمين،.. كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. بل قد أمر الله تعالى برفع بيوته وتعظيمها وتكريمها و دكر اسم الله تعالى فيها، فقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}. فالمساجد بيوت الله ليُعبدُ اللهُ فيها وحده ، ويُذكر فيها اسمُه، ويُعلى فيها أمرُه ونهيُه، ويُـتقربُ فيها المسلمون إليه بشتى أنواع العبادات: من صلاة وذكر وتلاوةِ قرآن واعتكاف وتسبيح ودعاء، وتتطهرُ فيها النفوس والأبدان من أدران الذنوب والعصيان، وتحصلُ فيها الراحة والأنس، والأمن والإيمان، ولذة مناجاة الكريم المنان. فهي بيوت الله عز وجل في الأرض وهي أطهر البقاع وأنقاها … المساجد هي بيوت الله. عليها تهبط الملائكة وتتنزل الرحمات ويغشى أهلَها السكينةُ، وتحل عليهم البركات يتعارف فيها المسلمون، ويتآلفون ويتعاونون، ويتزاورون ويتراحمون، وتقوى بينهم الصلة والمودة والرحمة. فنحن هنا في هدا البيت المبارك فتح الله لنا ووفقنا للجمع؛ حتى لا نتفرق ولا نفرق بين مالكي وحنبلي وشافعي وحنفي و سلفي و عدلي وصوفي وإحساني وأحمدي، فنقول: اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
نسأل الله أن يحمي المساجد من عبث العابثين، وكيد الكائدين، وأن يعين القائمين عليها على الخير والصلاح ودعوة الناس لما فيه فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة. نسأل الله أن يزيدنا و إياكم بصيرة، وعوناً وتسديداً بزيادة المساجد وتوسعتها وعمارتها.. اللهم انصر من نصر الدين، اللهم آمنا في هدا البلد، اللهم من أراد بنا بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم يا قوي يا عزيز، يا جبارالسموات والأرض، يا من لا يعجزه شيء، ولا يغيب عنه أمر، ولا يفوته مطلوب، اللهم هيئ لنا البطانة الصالحة والمشورة الناصحة، اللهم وفقنا لما فيه رضاك يارب العالمين ، اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، و صل اللهم و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين