الحمدُ لله، الحمدُ لله مُصرِّف الدهور ومُيسِّر الأمور ومُقلِّب الأيام والشهور لا إله إلا هو له الحمدُ في الأولى والآخرة وإليه النشور أحمدُه سبحانه وأشكرُه وأتوبُ إليه وأستغفرُه أعطَى وأجزَل وأنعمَ وتفضَّل ووقَى من الشُّرور وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً صادقةً هي الشفاءُ لما في الصدور. وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه قام بحقِّ ربِّه حتى تفطَّرَت قدَماه فهو العبدُ الشَّكور صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابِه ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا ما تعاقبَ العشيُّ والبُكور. أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله؛ فقوارِعُ الأيام داهِية فهل من أُذُنٍ لعِظاتها واعِية ونوازِلُ الحُمام فاجِعة فهل القلوبُ لوقعَتها مُراعِية؟ ومقادِيرُ الآجال جارية. فهل النفوسُ في الاستِعداد ساعِية؟. لقد عثَرَت بالجميع العواثِر. ودارَت على أصحابها الدوائِر، فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْل أَيَّام الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلهمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ. ثم اعلموا يا عباد الله: جاء الإسلامُ ليُطهِّر البشريةَ من أدران الجاهلية وأمراضها، ويُقوِّم السلوكَ ليستقيمَ على الفِطرة السويَّة والمحبَّة والسرور، وحب الخير للناس والفرح به، واجتِناب ما يُكدِّرُ على ذلك ويُشوِّشُ عليه من الحسد والشحناء والتهاجُر والتباغُض والسِّباب والتنابُز بالألقاب. وثمَّة خُلُقٌ ذميم وسُلوك شائِن، يدلُّ على نفسٍ غير سويَّة، وقلبٍ مدخُول يكادُ يخلُو من الحبِّ والمودَّة والعطف وحبِّ الخير، ذلكم عباد الله هو: خُلُق الشماتة، وغالبًا ما يقترِنُ به مظاهرُ كراهية من السخرية والهمز والغَمز واللَّمز وألوان الاستهزاء قولاً وفعلاً وإشارةً عياذًا بالله. الشماتةُ حفِظَني الله وإياكم منها وصفٌ ولقبٌ ولفظٌ فيه تنقُّص أو احتِقار أو ذمٌّ أو طعنٌ أو تعدٍّ على كرامة. الشماتةُ فرحٌ ببليَّة من تُعاديه، والسُّرورُ بما يكرَهُ من تُجافِيه. قال أهلُ الحكمة: إن الحسَد والشماتةَ مُتلازِمان، فالحاسِدُ إذا رأى نعمةً بُهِت، وإذا رأى عثرةً شمِت. الشامِتُ لا يفرحُ بمُصيبةِ غيرِه إلا من لُؤمِ طبعِه؛ بل يُقرِّرُ أهلُ العلم أن الشماتةَ من أخلاق أهل النفاق، فقد قال عزَّ شأنُه في وصف المُنافقين: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا. معاشر المُسلمين: لقد استعاذَ نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم من الشماتة وسُوئِها، كما في الحديث الصحيح: اللهم إني أعوذُ بك من سُوء القضاء ودرَك الشقاء وشماتة الأعداء. فيا عبد الله! لا تشمت في أخيك فيُعافِيه الله ويَبتَليك، ولكن خُذ العِبرة: فعن واثِلة بن الأسقَع قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تُظهِر الشماتةَ لأخيك فيرحمُه الله ويَبتليك. فلا تشمت بأخيك مهما صغُر شأنُه وظهر عيبُه وبانَ نقصُه في أمر الدين أو الدنيا؛ فإن الشماتةَ تجلِبُ البلاءَ والابتلاءَ، ولكن تضرَّع إلى الله مُستعينًا به، خائفًا مُستخفيًا مُشفقًا على نفسِك وعلى أخيك وقُل: الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتُلِيَ به، وفضَّلَني على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلاً. ومثلُ هذا الدعاء لو تأمَّلتَ حفِظَك الله لعلِمتَ أن المقصودَ به الوقاية والحذرُ من الوقوع في الشماتة والاستِهزاء والسخرية والانتِقاص من إخوانِك. الزمنُ قُلَّب والأيامُ دُوَل والليالي حُبالَى والغيب مستور فكم من غنيٍ افتقَر وكم فقيرٍ اغتنَى. وعزيزٍ ذلَّ. وذليلٍ عزَّ. ووضيعٍ ارتفَع. ورفيعٍ اتَّضَع. وقويٍّ ضعُف وضعيفٍ قوِيَ. وسليمٍ ابتُلِي. ومُبتلًى عُوفِي؟! والدهرُ حين يجرُّ بكَلكلِه على قومٍ فإنه يُنيخُ على آخرين، وسيلقَى الشامِتون كما لقِيَ غيرُهم. يقول ابن مسعودٍ : واللهِ لو أن أحدًا عيَّر رجلاً رضعَ من كلبة، لرضعَ هو من هذه الكلبة. وورد عن عُمر أنه قال: واللهِ لو عيَّرتُ امرأةً حُبلَى لخشيتُ أن أحمل. واعلم يا عبد الله: أيُّ عيبٍ عيَرتَ به أخاك فهو صائرٌ إليك. كيف وقد جاء في حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُؤذُوا عبادَ الله ولا تُعيِّرُوهم ولا تطلبُوا عوراتهم؛ فإن من طلبَ عورةَ أخيه المُسلم طلبَ الله عورتَه، حتى يفضَحه في بيتِه. ويقول ابن القيم : ما من عبدٍ يَعيبُ على أخيه ذنبًا إلا وابتُلِيَ به، فإذا بلغَك عن فُلانٍ سيئة فقُل من كل قلبِك: غفرَ الله لنا وله. فيا عبد الله! لا تُراقِب الناس ولا تتبِّع عوراتهم ولا تكشِف سِترَهم ولا تتجسَّس عليهم اشتغِل بنفسِك وأصلِح عيوبك؛ فلن تُسأل بين يدَي ربِّك إلا عن نفسِك، والله أرحمُ بك وبهم منك ومن أنفُسهم. بل إن المؤمنَ الصادقَ المُخلِص يُحبُّ أن يُعامل الناسَ بما يُحبُّ أن يُعامِلوه به، على حدِّ قوله صلى الله عليه وسلم: لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُ لنفسه. فإن أيام الدنيا دوَّارة، والأحوال مُتغيِّرات مُتقلِّبات.. فحقٌّ علينا أن ندَع الأحقاد والأضغان وأن نتجنَّب الشماتةَ في الإخوان، فذلك مجلبةُ التفرُّق والتنازُع والتنابُز بالألقاب والبغضاء. وكيف تصدرُ الشماتةُ من مُسلم وهو يقولُ في وِرده كلَّ صباح: اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشُّكر.... و اعلم رحمك الله "إن تعييركَ لأخيك بذنبِه أعظمُ إثمًا من ذنبِه، وأشدُّ من معصيته. فما أقربَ هذا العاصِي من رحمة الله، وما أقربَ هذا المُذلَّ من مقتِ الله. ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذنب دواءً استخرجَ به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعُر. فلله في أهل طاعاته ومعصيته أسرار لا يعلمُها إلا هو، ولا يُطالِعُها إلا أهلُ البصائر، فيعرِفون منها بقدر ما تنالُه معارِفُ البشر". قال احدهم فيما معناه أنك ما عيرت أخاك بشيءٍ إلا وتعمله يوماً ما. و كل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك.. ألا فاتَّقوا الله رحمكم الله، فطُوبَى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس، وويلٌ لمن نسِيَ عيبَه وتفرَّغ لعيوب الناس، والمُسلمُ في دعائِه يرفعُ يديه لمولاه: ربِّ لا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، واغفر لي ولوالديَّ وللمُؤمنين يوم يقوم الحساب. أسأل الله أن يصلح بنا وبكم طريق الرشاد، وأن يحفظنا وإياكم من طريق الهالكين، وأن يجعلنا ممن إذا استمع القول واتبع أحسنه. نفعَني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية لم ترد
اللهم لا تجعلنا ممن يعيرون الناس بذنوبهم و عيوبهم. اللهم لا تجعلنا ممن ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وارزقنا الإخلاص في القول والعمل اللهم إنا نسألك أن تجعلنا عند البأساء من الصابرين، وعند السراء من الشاكرين وأن تجعلنا لشرعك مستسلمين وبقضائك وقدرك مؤمنين، وعليك متوكلين اللهم عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير اللهم أصلح قلوبنا واعمرها بالإيمان، اللهم لا تجعلنا نغفل عن ذنوبنا و عيوبنا يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، و صلي اللهم و سلم و زد و بارك على نبينا محمد.... والحمد لله رب العالمين